تفسير سورة الأحزاب

الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

﴿ ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾

قولُه تعالى: ﴿ادْعوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله﴾ الآية.
هذا ناسخٌ لما كانوا عليه من التبني والتوارث، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبنى زيدَ بنَ حارثة، فَنُسِخَ ذلك بهذه الآية، وبقولِه:﴿وأُولُوا الأَرْحَام﴾ [الأنفال: ٧٥]، وبالمواريث، وهذا من نسخ القرآن للسنّةقلت: وكانَ يَجِبُ أَن لا يُدْخَل هذا في الناسخ والمنسوخ؛ لأنه لم ينسخقرآناً).

﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ﴾

قولُه تعالى: ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ وسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾:
يُحتَمَلُ أن تكون المطَلَّقةُ في هذه الآية التي قد سمّى لها صداقاًفيكونُ هذا منسوخاً بقوله: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُم﴾ [البقرة: ٢٣٧]. [أوجبَ اللهُللمطلقة قبلَ الدخول بها - التي كان فُرِضَ لها - نِصْفَ ما فُرِضَ لها، فَنَسخَ الإِمتاعَ.
وقيل: هو نَدْبٌ وليس بفرض، فهو مُحْكَم غيرُ منسوخ - على هذاالقول -.
ويحتملُ أن تكون هي التي لم يُسَمَّ لها كالتي في البقرة في قوله:﴿أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ فتكون كالتي في البقرة على الندب أو على النسخ.
وكذلك القولُ في قوله: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾(إلا) أنها في من سمِّي لها فتكون منسوخةً لقوله: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾] لأن النساء اللواتي خيَّرَهُنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس منهنّ من لم يُسَمَّلها صَداق.
والأحسن أن يكون على الإِحسان والتَّفَضُّلِ عليهن لا علىالفرض والحتم، خيَّرَهُنَّ بين أن يَبْقَيْنَ معه وبين أن يُحْسِن إليهنّ ويُسَرِّحَهُنَّفاخترن البقاء. والدليل على أنه ليس بفرض أنه غيرُ محدودٍ ولا معلومٍقدره، وليس المفروضاتُ كذلك، ألا ترى إلى قولِه: ﴿وإِذَا حَضَرَ القسمةَأُولُوا القُرْبَى واليَتَامَى والمَسَاكِينُ فارزُقُوهُم مِنْهُ﴾ [النساء: ٨]، فأمر بإعطائهم منالتركة، فلما لم يكن ذلك شيئاً محدوداً ولا معلوماً، عُلِمَ أنه ندبٌ وحضٌّ لا فرض. وعليه كُلُّ الناس. وقد بيَّنا هذا بأشبع من هذا الشرح في سورة البقرة.

﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً ﴾

قوله تعالى: ﴿لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ﴾ - الآية -.
قيل إنها منسوخة بالسنّة، أطلق اللهُ لِلنَّبيِّ بالوحي إليه، أن يتزوَّجَ مَنْشاء بعد نزول هذه الآية.
قال زيدُ بن أسلم: تزوَّجَ النبيُّ ميمونةَ ومليكةَ بنتَ كعب، وصفيَّةَ بنتَحُييّ وجويريَّةَ بنتَ الحارث بعدما نزلت هذه الآية.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما مات النبي - عليه السلام -حتى أحلّ الله له النِّساء.
وقيل: هي منسوخةٌ بالقرآن بقوله: ﴿تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِيإِلَيْكَ مَن تَشَاء﴾ [الأحزاب: ٥١]، وهو مَرْوِيٌّ عن علي - عليه السلام - وابنِ عباس، - وهوقول الضحاك -.
فيكون هذا - على هذا القول - مِمَّا نَسَخَ فيه الأَوَّلُ الآخرَ فيالتلاوة في سورةٍ واحدةٍ [كنسخ الْحَوْل في العِدَّة بأربعةِ أَشْهُرٍ وعشراً، وهُوَ قبلَه في التلاوة وفي سورة واحدة] وهو (نذرٌ قليل) في القرآن.
وقد قال الحسنُ وابنُ سيرين: الآيةُ محكمةٌ، وقد حرَّمَ الله على نبيّه- عليه السلام - أن يتزوَّجَ على نسائه لأَنَّهنَّ اخْتَرْنَ الله ورسولَه والدَّارَ الآخرةَفخورين في الدنيا بهذا. وهذا قولٌ حَسَنٌ وهو ظاهرُ النَّصِّ المقطوعِ علىغيبه - [وما روى عن الأخبارِ لا يُقْطَعُ على غيبه} -، لأنه ليس بإخبار تواتر، وإذا كان كذلك، فلا يزيلُ ما يُقْطَعُ على غيبه (ما لا يقطعُ على غيبه)، وقد مضى نحو هذا.
وقد قال أبو أُمامة بنُ سَهْل: لما حَرَّمَ الله عَلَيْهِنَّ أن يتزوجْنَ بعدَهحرم عليه أن يتزوج عَلَيْهِنّ.
وعن ابن عباس أيضاً أنه قال: نهى اللهُ رسولَه - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوجَ بعدنسائه الأُوَل شيئاً. فالآية محكمةٌ أيضاً على هذيْن القولَيْن، وكذلك قالقتادةُ، قال: لما اخْتَرْنَ اللهَ ورسولَه والدَّارَ الآخرةَ، قصرُه اللهُ عَلَيْهِنّ، وقَصَرَهُنَّ عليه، فقال: ﴿لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ﴾، أي من بعد التسعاللواتي مات عنهنّ.
وقد قال أُبيُّ بنُ كعب: إن معنى ﴿وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواج﴾: ليسَ (لك أَن تُطَلِّقِهَنّ) بعد أن اخْتَرْن اللهَ ورسولَه والدارَ الآخرةَ، ولكنلك أن تتزوّج عَلَيْهِنّ مَنْ شِئْت.
وقيل: من بعد هذه الصفة. [وقيل من بعد هذه التسمية التيقدمت.
وقيل من بعد هذا] السبب المتقدم الذكر.
وقال مجاهدُ وابنُ جبير: إنما حرَّمَ اللهُ (عليه) نكاحَ الكوافر من أَهلالكتاب، ومعنى "من بعدُ"، أي: من بعد المسلمات لِئَلا تكون كافرةٌ أُمّاًللمؤمنين.
وقيل: إن الآيةَ ناسخةٌ لما أُبيحَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من تزويجه مَنْ شاءَمن النساء بقوله: ﴿تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوي﴾ [الأحزاب: ٥١] - الآية -، ولقوله: ﴿إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَك﴾ [الأحزاب: ٥٠] - وهو قول محمد بن كعب القرظي -.

﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَٱسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوۤاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيماً ﴾

قولُه تعالى: ﴿لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىطَعَامٍ﴾، إلى قوله: ﴿وقُلُوبِهِنَّ﴾:
هذا ناسخ لما كانوا عليه بُرْهةً من الزمان، كانوا يدخلونَ معرسول الله على أزواجِه ويجلسون معه وهنّ غير محتجبات، فَنَسخَ الله ذلكمن فِعْلِهِم بهذا النص.
وليس في سبأ إلى آخر يس شيء. (وهنّ مكيات).

Icon