تفسير سورة الأعراف

روح البيان
تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

خرج فارا الى الله تعالى ليتنى أراه ولو مرة واحدة وتخرج نفسى عند ذلك هيهات وخنقته العبرة وقال والله اودّ انى رأيته وأموت فى مكانى قال ثم رجعت الى ابراهيم وهو ساجد فى المقام وقد بل الحصى بدموعه وهو يتضرع الى الله تعالى ويقول
هجرت الخلق طرا فى هواك وأيتمت العيال لكى أراك
فلو قطعتنى فى الحب اربا لما سكن الفؤاد الى سواك
قال فقلت له ادع له فقال حجبه الله عن معاصيه وأعانه على ما يرضيه انتهى فانظر الى حال من ترك السلطنة واختار الفقر والقناعة وأنت تؤثر الغنى والمقال على الفقر والحال وفى الحديث (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا) اى قدر ما يمسك الرمق وقيل القوت هو الكفاية من غير إسراف وفيه بيان ان الكفاف أفضل من الغنى لان النبي عليه السلام انما يدعو لنفسه بأفضل الأحوال: قال الحافظ
درين بازار كر سوديست يا درويش خرسندست الهى منعمم كردان بدرويشى وخرسندى
جعلنا الله وإياكم من المقتفين لآثار سنة سيد المرسلين وحقق آمالنا من الوصول الى مقام التوكل واليقين انه لا يخيب رجاء سائله وداعيه ولا يقطع اجر عبده فى كل مساعيه تمت سورة الانعام بمعونة الملك العلام فى سلخ جمادى الاولى المنتظم فى سلك شهور سنة الف ومائة ويتلوها سورة الأعراف
تفسير سورة الأعراف
وهى مكية الا ثمانى آيات من قوله وَسْئَلْهُمْ الى وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ محكم كلها وقيل الى قوله وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وآيها مائتان وخمس وقفنا الله لختمها تقريرا وتحريرا آمين يا معين بسم الله الرحمن الرحيم
المص (ا) اشارة الى الذات الاحدية (ل) الى الذات مع صفة العلم (م) الى معنى محمد ﷺ اى نفسه وحقيقته (ص) الى الصورة المحمدية وهى جسده وظاهره وعن ابن عباس رضى الله عنهما (ص) جبل بمكة كان عليه عرش الرحمن حين لا ليل ولا نهار أشار بالجبل الى جسد محمد صلى الله عليه وسلم. وبعرش الرحمن الى قلبه كما ورد فى الحديث (قلب المؤمن عرش الله). وقوله حين لا ليل ولانهار اشارة الى الوحدة لان القلب إذا وقع فى ظل ارض النفس واحتجب بظلمة صفاتها كان فى الليل وإذا طلع عليه نور شمس الروح واستضاء بضوئه كان فى النهار وإذا وصل الى الوحدة الحقيقية بالمعرفة والشهور الذاتي واستوى عنده النور والظلمة لفناء الكل فيه كان وقته لا ليل ولا نهار ولا يكون عرش الرحمن الا فى هذا الوقت. فمعنى الآية ان وجود الكل من اوله الى آخره كتاب انزل إليك علمه كذا فى التأويلات القاشانية وقال الشيخ نجم الدين انه تعالى بعد ذكر ذاته وصفاته بقوله بسم الله الرحمن الرحيم عرف نفسه بقوله المص يعنى الله اله من لطفه فرد عبده للمحبة والمعرفة وأنعم عليه بالصبر والصدق لقبول كمالية المعرفة والمحبة بواسطة كتاب انزل إليك انتهى وقال فى تفسير الفارسي [المص: نام قرآنست. يا اسم اين سوره.
اهلاكها او كثيرا منها على ان يكون كم فى موضع نصب باهلكناها كما فى قوله تعالى إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ فَجاءَها اى فجاء أهلها بَأْسُنا اى عذابنا بَياتاً مصدر بمعنى الفاعل واقع موقع الحال اى بائتين كقوم لوط قال الحدادي سمى الليل بياتا لانه يبات فيه والبيتوتة خلاف الظلول وهو ان يدركك الليل نمت او لم تنم وهى بالفارسية [شب كذاشتن] أَوْ هُمْ قائِلُونَ عطف على بياتا اى قائلين من القيلولة نصف النهار كقوم شعيب اهلكهم الله فى نصف النهار وفى حر شديد وهم قائلون قال فى التفسير الفارسي [تخصيص اين دو وقت بجهت آنست كه زمان آسايش واستراحتند وتصور وتوقع عذاب در ان نيست پس بليه غير منتظر صعبتر وسخت تر است چنانچهـ نعمت غير مترقب خوبتر ولذيذترست] فَما كانَ دَعْواهُمْ اى دعاؤهم وتضرعهم إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا عذابنا وعاينوا اماراته إِلَّا أَنْ قالُوا جميعا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ اى الا اعترافهم بظلمهم فيما كانوا عليه وشهادتهم ببطلانه تحسرا عليه وندامة وطمعا فى الخلاص وهيهات لانه لا تنفع التوبة وقت نزول العذاب إذ هو وارتفاع التكليف مقارنان وقوم يونس مستثنى من هذا كما يجىء: وفى المثنوى
همچوآن مرد مفلسف روز مرك عقل را مى ديد بس بي بال وبرك
بي غرض مى كرد آندم اعتراف كز ذكاوت رانده ايم اسب از كزاف
از غرورى سر كشيديم از رجال آشنا كرديم در بحر خيال
آشنا هيچست اندر بحر روح نيست آنجا چاره جز كشتى نوح
اينچنين فرموده آن شاه رسل كه منم كشتى درين درياى كل
با كسى كو در بصيرتهاى من شد خليفه راستين بر جاى من
كشتىء نوحيم در دريا كه تا رو نكردانى ز كشتى اى فتى
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ الفاء لترتيب الأحوال الاخروية على الدنيوية اى لنسألن الأمم قاطبة يوم الحشر قائلين ماذا أجبتم المرسلين وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ عما أجيبوه او المراد بالسؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم والذي نفى بقوله تعالى وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ سؤال الاستعلام او الاول فى موقف الحساب والثاني فى موقف العقاب وفى التفسير الكبير انهم لا يسألون عن الأعمال ولكن يسألون عن الدواعي التي دعتهم الى الأعمال وعن الصوارف التي صرفتهم عنها فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ اى على الرسل حين يقولون لا علم لنا انك أنت علام الغيوب بِعِلْمٍ اى عالمين بظواهرهم وبواطنهم وَما كُنَّا غائِبِينَ عنهم فى حال من الأحوال فيخفى علينا شىء من أعمالهم وأحوالهم واعلم ان الرسل يقولون يوم الحشر اللهم سلم سلم ويخافون أشد الخوف على أممهم ويخافون على أنفسهم والمطهرون المحفوظون الذين ما تدنست بواطنهم بالشبه المضلة ولا ظواهرهم ايضا بالمخالفات الشرعية آمنون يغبطهم النبيون فى الذي هم عليه من الامن لما هم اى النبيون عليه من الخوف على أممهم فمن لقى الله تعالى فى ذلك اليوم شاهدا له بالإخلاص مقرا بنبيه ﷺ بريئا من الشرك ومن السحر بريئا من اهراق دماء المسلمين ناصحا لله تعالى ولرسوله محبا لمن أطاع الله ورسوله مبغضا لمن عصى الله
الصرة فاذا فيها كف تراب ألقيته فى قبر مسلم ويجاء بعمل الرجل فيوضع فى كفة ميزانه فيخف فيجاء بشىء أمثال الغمام فيوضع فى كفة ميزانه فترجح فيقال له أتدري ما هذا فيقول لا فيقال له هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس وتستوى كفتا الميزان لرجل فيقول الله تعالى لست من اهل الجنة ولا من اهل النار فيأتى الملك بصحيفة فيضعها فى كفة الميزان فيها مكتوب أف فيترجح على الحسنات لانها كلمة عقوق ترجح بها جبال الدنيا فيؤمر به الى النار فيطلب الرجل ان يرد الى الله تعالى فيقول ردوه فيقول ايها العبد العاق لأى شىء تطلب الرد الى فيقول الهى رأيت انى سائر الى النار وان لا بدلى منها وكنت عاقا لأبى وهو سائر الى النار مثلى فضعف على به عذابى وأنقذه منها فيضحك الله تعالى ويقول عققته فى الدنيا وبررته الآخرة خذ بيد أبيك وانطلق الى الجنة: قال الحافظ
طمع ز فيض كرامت مبر كه خلق كريم كنه ببخشد وبر عاشقان ببخشايد
واعلم ان السبعين الالف الذين يدخلون الجنة بلا حساب لا يرفع لهم ميزان وكذا يؤتى باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان فيصب لهم الاجر صبا حتى ان اهل العافية ليتمنون فى الموقف ان أجسامهم قد قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله فهم يكونون تحت شجرة فى الجنة تسمى شجرة البلوى قال الله تعالى إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ قال ارباب التحقيق التوحيد الرسمى يدخل فى الميزان لانه يوجد له ضد كما أشير اليه بحديث صاحب السجلات واما التوحيد الحقيقي فلا يدخل فى الميزان لانه لا يعادله شىء إذ لا يجتمع ايمان وكفر بخلاف ايمان وسيآت ولهذا كانت لا اله الا الله أفضل الاذكار فالذكر بها أفضل من الذكر بكلمة الله الله وهو هو عند العلماء بالله لانها جامعة بين النفي والإثبات وحاوية على زيادة العلم والمعرفة فمن نفى بلا اله عين الخلق حكما لا علما فقد أثبت كون الحق حكما وعلما والا له من له جميع الأسماء وما هو الا عين واحدة هى مسمى الله الذي بيده ميزان الرفع والخفض قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره لا تدخل الموازين الا اعمال الجوارح وهى سبع السمع والبصر واللسان واليد والبطن والفرج والرجل. واما الأعمال المعنوية فلا تدخل الميزان المحسوس لكن يقام فيها العدل وهو الميزان المعنوي فحس لحس ومعنى لمعنى يقابل كل شىء بشاكلته قال العلماء إذا انقضى الحساب كان بعده وزن الأعمال لان الوزن للجزاء ينبغى ان يكون بعد المحاسبة فان المحاسبة لتقرير الأعمال والوزن لاظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها كذا فى تفسير الفاتحة للمولى الفنارى فعلى العاقل ان يسارع الى الطاعات ويبادر الى الحسنات خصوصا الى احسن الحسنات وهو كلمتا الشهادة ليكون ممن ثقلت موازينه ويدخل فى زمرة المفلحين وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ اى جعلنا لكم منها مكانا وقرارا وأقدرناكم على التصرف فيها على أي وجه شئتم وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ اى انشأنا وأبدعنا لمصالحكم ومنافعكم فيها أسبابا تعيشون بها جمع معيشة وهى ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرهما والخطاب لقريش فانه تعالى فضلهم على العرب بان مكنهم من الرحلة الى الشام او ان الصيف ومن الرحلة الى اليمن او ان الشتاء آمنين بسبب كونهم سكان حرم الله
الى وقت النفخة الاولى لا الى وقت البعث الذي هو المسئول كما بين مدة المهلة فى قوله تعالى فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وهو يوم النفخة الاولى يموت الخلق فيه ويموت إبليس معهم وبين النفخة الاولى والثانية أربعون سنة فاستجيب بعض دعائه لا كله والفتوى على ان دعاء الكافر يستجاب استدراجا ودل ظاهر قوله إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ على ان ثمة منظرين غير إبليس وعن ابن عباس قال ان الدهر يمر بإبليس فيهرم ثم يعود ابن ثلاثين
غافلان از مرك مهلت خواستند عاشقان كفتند نى نى زود باد
وانما انظره ابتلاء للعباد وتمييزا بين المخلص لله ومتبع الهوى وتعريضا للثواب بمحالفته. وقيل انظره مكافأة له بعبادته التي مضت فى السماء وعلى وجه الأرض ليعلم انه لا يضيع اجر العاملين وقيل أمهله وأبقاه الى آخر الدهر استدراجا له من حيث لا يعلم ليتحمل من الأوزار ما لا يتحمل غيره من الأشرار والكفار فأنظره الى يوم القرار ليحصل الاعتبار به لذوى الابصار بان أطول الأعمار فى هذه الدار لرئيس الكفار وقائد زمرة الفجار واختلف العلماء هل كلم الله تعالى إبليس بغير واسطة اولا والصحيح انه انما كلمه بواسطة ملك لان كلام الباري لمن كلمه رحمة ورضى وتكرم وإجلال ألا ترى ان موسى عليه السلام فضل بذلك على الأنبياء ما عدا الخليل ومحمدا ﷺ فان قيل أليس رسالته ايضا تشريفا وقد كانت لابليس على غير وجه التشريف كذلك كلامه يكون تشريفا لغير إبليس ولا يكون تشريفا لابليس. قيل مجرد الإرسال ليس بتشريف وانما يكون لاقامة الحجة بدلالة ان موسى عليه السلام أرسله الله الى فرعون وهامان ولم يقصدا إكرامهما واعظامهما لعلمه بانهما عدوان وكان كلامه إياه تشريفا له وقوله تعالى وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ اى على لسان بعض ملائكته قالَ إبليس فَبِما أَغْوَيْتَنِي الباء متعلقة بفعل القسم المحذوف. والإغواء الإضلال عن المنهج القويم والهمزة فيه للصيرورة اى بسبب ان صيرتنى غاويا ضالا عن الهدى محروما من الرحمة لاجلهم اقسم بعزتك لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ اى لآدم وذريته ترصدا بهم كما يقعد القطاع للقطع على السابلة صِراطَكَ اى على صراطك الْمُسْتَقِيمَ الموصل الى الجنة وهو دين الإسلام فالقعود كناية عن الاجتهاد فى إغواء بنى آدم فان من هلك بسبب الاجتهاد فى تكميل امر من الأمور يقعد حتى يصير فارغ البال عما يشغله عن إتمام مقصوده ويتوجه اليه بكليته ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ [پس بيايم بديشان] مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ اى من قبل الآخرة فاشككهم فيها. وايضا من قبل الحسد فازين لهم الحسد على الأكابر من العلماء والمشايخ فى زمانهم ليطعنوا فى أحوالهم وأعمالهم وأقوالهم وَمِنْ خَلْفِهِمْ من جهة الدنيا ارغبهم. فيها وايضا من قبل العصبية ليطعنوا فى المتقدمين من الصحابة والتابعين والمشايخ الماضين ويقدحوا فيهم ويبغضوهم وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من جهة الحسنات وأوقعهم فى العجب والرياء. وايضا من قبل الانبساط فاحرض المريدين على سوء الأدب فى صحبة المشايخ وترك الحشمة والتعظيم والتوسع فى الكلام والمزاح لانزلهم عن رتبة القبول وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من جهة السيئات فازينها لهم. وايضا من قبل المخالفة فامرهم بترك أوامر المشايخ ونواهيهم لأوردهم به موارد الرد واهلكهم بسطوات غيرة الولاية وردها بعد القبول والمقصود من الجهات
اى يخزيهما بانكشاف عورتهما عند الملائكة وكان قد علم ان لهما سوءة بقراءته كتب الملائكة ولم يكن آدم يعلم ذلك وفى كون الانكشاف غرضا لابليس دليل على ان كشف العورة فى الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع ولم يقع نظر على رضى الله عنه الى عورته حذرا من ان يراها بالعين التي يرى بها جمال رسول الله ﷺ فاذا كان النظر الى سوءته بهذه المرتبة فما ظنك بالنظر الى سوءة الغير وما أشد قبح كشف العورة قالت عائشة رضى الله عنها ما رأى منى ولا رأيت منه الى العورة ما وُورِيَ عَنْهُما اى الذي سترعنهما وهو مجهول وارى مِنْ سَوْآتِهِما اى عورتها وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر لانهما قد البسا ثوبا يستر عورتهما. والسوآت جمع السوءة والتعبير بلفظ الجمع عن اثنين لكراهة اجتماع لفظى التثنية ويحتمل ان يكون الجمع على اصل وضعه باعتبار ان كل عورة هى الدبر والفرج وذلك اربعة فهى جمع وسميت العورة سوءة لانه يسوء الإنسان انكشافها وَقالَ عطف على وسوس بيانا وتفصيلا لكيفية وسوسته ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ اى عن أكلها لامر ما إِلَّا كراهة أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ اى كالملائكة فى لطافة البنية والاستغناء عن التغذي بالاطعمة والاشربة ونحوهما وفضل الملائكة من بعض الوجوه لا يدل على فضلهم على الأنبياء مطلقا لجواز ان يكون لنوع البشر فضائل اخر راجحة على ما للملك فليس المراد انقلاب حقيقتهما البشرية الى الحقيقة الملكية فانه محال قال سعدى المفتى فيه بحث إذ لا مانع منه عند الاشاعرة لتجانس الأجسام انتهى واعلم ان الله تعالى باين بين الملائكة والجن والانس فى الصورة والاشكال فمن حصل على بنية الإنسان ظاهرا وباطنا فهو انسان فلو قلب الإنسان الى بنية الملك لخرج بذلك عن كونه إنسانا لكن الملك والشيطان لا يخرجان بالتشكلات الظاهرية المختلفة عن حقيقتهما أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الذين لا يموتون ويخلدون فى الجنة وَقاسَمَهُما اى اقسم لهما. فالقسم انما وقع من إبليس فقط الا انه عبر عن اقسامه بزنة المفاعلة للدلالة على انه اجتهد فى القسم اجتهاد المقاسم وهو الذي حلف فى مقابله حلف شخص آخر إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فيما أقول والنصح بذل المجهود فى طلب الخير فى حق غيره فَدَلَّاهُما فنزلهما الى الاكل من الشجرة وحطهما من المرتبة العالية وهى مرتبة الطاعة الى المنزلة السافلة وهى الحالة المغضبة والتدلية إرسال الشيء من الأعلى الى الأسفل كارسال الدلو فى البئر بِغُرُورٍ اى بسبب تغريره إياهما باليمين بالله كاذبا وكان اللعين أول من حلف بالله كاذبا وظن آدم ان أحدا لا يحلف بالله كاذبا فاغتربه فان شأن المؤمن ان يعتقد بصدق من حلف بالله لتمكن عظمة اسم الله تعالى فى قلبه وكان بعض العلماء يقول من خادعنا بالله خدعنا وفى الحديث (المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم) فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما اى فلما وجدا طعمها آخذين فى الاكل منها أخذهما العقوبة وشؤم المعصية فتهافت عنهما لباسهما وظهرت لهما عوراتهما فاستحييا وفى الاخبار ان غيرهما لم ير عورتهما قيل كان لباسهما فى الجنة ظفرا فى أشد اللطافة واللين والبياض يكون حاجبا من النظر الى اصل البدن
ذلِكَ اى إنزال اللباس مِنْ آياتِ اللَّهِ الدالة على فضله ورحمته لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فيعرفون نعمته حيث أغناهم باللباس عن خصف الورق او يتعظون فيتورعون عن القبائح نحو كشف العورة وفى الاسرار المحمدية العالم مشحون بالأرواح فليس فيه موضع بيت ولا زاوية الا وهو معمور بما لا يعلمه الا الله وما يعلم جنود ربك الا هو قال حجة الإسلام فى كتابه معراج السالكين والدليل على ذلك امر النبي عليه السلام بالتستر فى الخلوة وان لا يجامع الرجل امرأته عريانين وكان الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر يدخلون الماء وعليهم السراويلات تسترا عن سكان الماء- يحكى- عن احمد بن حنبل قال كنت يوما مع جماعة يتجردون ويدخلون الماء فاستعملت خبر النبي عليه السلام (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بمئزر) فلم اتجرد فرأيت تلك الليلة فى المنام كأن قائلا يقول ابشر يا احمد فان الله تعالى قد غفر لك باستعمال السنة فقلت ومن أنت قال انا جبرائيل فقد جعلك الله اماما يقتدى بك قال فى الشرعة وينوى بلبس الثياب ستر العورة والعيب الواقع فى البدن والتزين بها توددا الى اهل الإسلام لاحظ النفس فان ذلك اللبس بتلك النية يصفى وينور العقل عن الكدورات تصفية بحيث لا يشوبه شىء من اهوية النفس وحظوظها ويؤجر عليه بتلك النية قيل الأعمال البهيمية ما كان بغير نية فعلى العاقل جمع الهمم بحيث لا يسخ فى السر ذكر غيره تعالى يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ اى لا يوقعنكم فى الفتنة والمحنة بان يمنعكم من دخول الجنة باغوائكم كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ نعت لمصدر محذوف اى لا يفتننكم فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم آدم وحواء من الجنة فانه إذا قدر بكيده على ازلالهما فان يقدر على ازلال أولاده اولى فوجب عليكم ان تحترزوا عن قبول وسوسته والنهى فى اللفظ للشيطان والمعنى نهيهم عن اتباعه والافتتان به وهو ابلغ من لا تقبلوا فتنة الشيطان يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما حال من أبويكم وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان لباسهما كان من الظفر اى كان يشبه الظفر فانه كان مخلوقا عليهما خلقة الظفر وأسند نزع اللباس الى الشيطان مع انه لم يباشر ذلك لكونه سببا فى ذلك النزع لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما اى ليظهر لهما عوراتهما وكانا قبل ذلك لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر كما روى ان آدم كان رجلا طوالا وكأنه نخلة سحوق كثير شعر الرأس فلما وقع بالخطيئة بدت سوآته وكان لا يراها فانطلق هاربا فى الجنة فعرضت له شجرة من شجر الجنة فحبسته بشعره فقال لها ارسلينى فقالت لست مرسلتك فناداه ربه يا آدم أمنى تفرّ قال لا ولكنى استحييت إِنَّهُ اى الشيطان او الشان يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ اى جنوده وذريته مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ من لابتداء غاية الرؤية وحيث ظرف لمكان انتفاء الرؤية ومعناه بالفارسية [از جايى كه شما او را نمى بينيد يعنى أجسام ايشان از غايت رقت ولطافت در نظر شما نمى آيد وايشان أجسام شما را بواسطه غلظت وكثافت مى بينند حذر از چنين دشمن لازمست] : وفى المثنوى
149
از نبى بر خوان كه ديو وقوم او مى برند از حال انسى خفيه بو
از رهى كه انس از ان آگاه نيست زانكه زين محسوس وزين أشباه نيست
مسلكى دارند از ديده درون ما ز دزديهاى ايشان سرنكون
دمبدم خبط وزيانى ميكنند صاحب نقب وشكاف زور بند
ورؤيتهم إيانا من حيث لانراهم فى الجملة اى فى بعض أحوالهم وهو حال بقائهم على صورهم الاصلية لا يقتضى امتناع رؤيتنا إياهم بان يتمثلوا لنا كما تواتر من ان بعض الناس رأى الجن جهارا علنا قال فى آكام المرجان فى احكام الجان لو كثف الله أجسامهم وقوى شعاع أبصارنا لرأيناهم او لو كثفهم وشعاع أبصارنا على ما هو عليه من غير ان يقوى لرأيناهم ألا ترى ان الريح مادامت رقيقة لطيفة لا ترى فاذا كشفت باختلاف الغبار رأيناهم ولم يمتنع دخولهم فى أبداننا كما يدخل الريح والنفس المتردد الذي هو الروح فى أبداننا من التخرق والتخلخل وفى الحديث (ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم) وقد يحتاج فى إبراء المصروع ودفع الجن عنه الى الضرب فيضرب بعصا قوية على رجليه نحو ثلاثمائة او اربعمائة ضربة او اقل او اكثر والضرب انما يقع على الجنى ولا يحس به المصروع ولو كان على الانسى لقتله وكذا يجوز دخولهم فى الأحجار إذا كانت مخلخلة كما يجوز دخول الهواء فيها فان قلت لو دخل الجن فى جسد ابن آدم لتداخلت الأجسام ولاحترق الإنسان قلت الجسم اللطيف يجوز ان يدخل الى مخاريق الجسم الكثيف كالهواء الداخل فى سائر الأجسام ولا يؤدى ذلك الى اجتماع الجواهر فى حيز واحد لانها لا تجتمع الا على طريق المجاورة لا على سبيل الحلول وانما يدخل فى أجسامنا كما يدخل الجسم الرقيق فى الظروف والجن ليسوا بنار محرقة بل هم خلقوا من نار فى الأصل كما خلق آدم من التراب فالنسبة باعتبار الجزء الغالب قال فى بحر الحقائق الاشارة انهم انما يرونكم من حيث البشرية التي هى منشأ الصفات الحيوانية وانكم محجوبون بهذه الصفات عن رؤيتهم لا من حيث الروحانية التي هى منشأ علوم الأسماء والمعرفة فانهم لا يرونكم فى هذا المقام وأنتم ترونهم بالنظر الروحاني بل بالنظر الرباني انتهى. ثم قوله إِنَّهُ يَراكُمْ تعليل للنهى ببيان انه عدو صعب الاحتراز عن ضرره فان العدو الذي يراك ولا تراه شديد المئونة لا يتخلص منه الا من عصمه الله فلا بد ان يكون العاقل على حذر عظيم من ضرره فان قيل كيف نحاربهم ونحترز عنهم ونحن لا نراهم قلنا لم نؤمر بمحاربة أعيانهم وانما أمرنا بدفع وسوستهم وعدم قبول ما ألقاه فى قلوبنا بالاستعاذة منه الى الله تعالى- روى- عن ذى النون المصري انه قال ان كان هو يراك من حيث لا تراه فان الله يراه من حيث لا يرى الله فاستعن بالله عليه فان كيد الشيطان كان ضعيفا إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بما أوجدنا بينهم من التناسب فى الخذلان والغواية فصار بعضهم قرين بعض واغواه. فالاولياء جمع ولى بمعنى الصديق ضد العدو يقال منه تولاه اى اتخذه صديقا وخليلا وذكر عن وهب بن منبه انه قال امر الله تعالى إبليس ان يأتى محمدا عليه السلام ويجيبه عن كل ما يسأله فجاء على صورة شيخ وبيده عكازة فقال له (من أنت) قال انا إبليس قال (لماذا جئت) قال أمرني ربى ان آتيك وأجيبك فاخبرك عما تسألنى فقال عليه الصلاة والسلام (فكم اعداؤك من أمتي) قال خمسة عشر أنت يا محمد. وامام عادل. وغنى متواضع. وتاجر صدوق. وعالم متخشع. ومؤمن ناصح. ومؤمن
150
ما لا يحتاج اليه البدن فى قوامه فان ذلك ايضا من قبيل الإسراف إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ لا يرتضى فعلهم ولا يثنى عليهم قال بعضهم الإسراف هو ان يأكل الرجل كل ما يشتهيه ولا شك ان من كان تمام همته مصروفا الى فكر الطعام والشراب كان اخس الناس وأذلهم
خواجه را بين كه از سحر تا شام دارد انديشه شراب وطعام
شكم از خوش دلى وخوش حالى كاه پر ميكند كهى خالى
فارغ از خلد وايمن از دوزخ جاى او مزبلست ويا مطبخ
[شيخ الإسلام عبد الله الأنصاري فرموده كه اگر همه دنيا را لقمه سازى ودر دهان درويشى نهى إسراف نباشد إسراف آن بود كه نه برضاى حق تعالى صرف كنى]
يك جوانرا كه خير دائم داشت پند ميداد راهبى در دير
كاى پسر خير نيست در إسراف كفت إسراف نيست اندر خير
قال فى التأويلات النجمية الإسراف نوعان افراط وتفريط فالافراط ما يكون فوق الحاجة الضرورية او على خلاف الشرع او على وفق الطبع والشهوة او على الغفلة او على ترك الأدب او بالشره او على غير ذلك والتفريط ان ينقص من قدر الحاجة الضرورية ويقصر فى حفظ القوة والطاقة للقيام بحق العبودية او يبالغ فى أداء حق الربوبية باهلاك نفسه فيضيع حقها او يضيع حقوق الربوبية بحظوظ نفسه او يضيع حقوق القلب والروح والسر التي هى مستعدة لحصولها بحظوظ النفس فالمعنى لا تسرفوا اى لا تضيعوا حقوقنا ولا حقوقكم لحظوظكم انتهى- ويروى- ان هرون الرشيد كان له طبيب نصرانى حاذق فقال لعلى بن حسين بن واقد ليس فى كتابكم من علم الطب شىء والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان فقال له ان الله تعالى قد جمع الطب كله فى نصف آية من كتابنا قال وما هى قال قوله تعالى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا فقال النصراني وهل يؤثر عن رسولكم شىء من الطب قال نعم جمع رسولنا ﷺ الطب فى ألفاظ يسيرة قال وماهى قال قوله (المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء وعودوا كل جسم ما اعتاد) فقال النصراني ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا وعن ابن عباس كل ما شئت والبس ما شئت ما اخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وينبغى لاهل الرخصة ان يقتصروا على اكلتين فى اليوم والليلة فى غير شهر رمضان ولاهل العزيمة على أكلة واحدة فان ما فوق الاكلتين للطائفة الاولى وما فوق الاكلة للثانية تجاوز عن الحد وميل الى الاتصاف بصفات البهائم. والهند جل معالجتهم الحمية يمتنع المريض عن الاكل والشرب والكلام عدة ايام فيبرأ فجانب الاحتماء اولى قُلْ لما طاف المسلمون فى ثيابهم وأكلوا اللحم والدسم عيرهم المشركون لانهم كانوا يطوفون عراة ولا يأكلون اللحم والدسم حال الإحرام فامر الله حبيبه ﷺ ان يقول لهم مَنْ استفهام انكار حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ من الثياب وسائر ما يتجمل به الَّتِي أَخْرَجَ بمحض قدرته لِعِبادِهِ من النبات كالقطن والكتاب ومن الحيوان كالحرير والصوف ومن المعادن كالدروع وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ عطف على زينة الله اى من حرم ايضا المستلذات من المآكل والمشارب كاللحوم والدسوم والألبان اعلم ان الرجل إذا ادى الفرائض وأحب ان يتنعم بمنظر حسن
وان كانت هى التي يبتدأ بها الكلام لكنها غاية لما قبلها من الفعل اى ينالهم نصيبهم من الكتاب الى ان تأتيهم ملائكة الموت فاذا جاءتهم قالُوا توبيخا لهم أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اى اين الآلهة التي كنتم تعبدونها فى الدنيا. وما وصلت باين فى خط المصحف وحقها الفصل لانها موصولة قالُوا اى الكفار ضَلُّوا عَنَّا اى غابوا عنا اى لا ندرى مكانهم وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ عطف على قالوا اى اعترفوا على أنفسهم أَنَّهُمْ كانُوا اى فى الدنيا كافِرِينَ اى عابدين لمن لا يستحق العبادة أصلا حيث شاهدوا مآله وضلاله ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ لاحتمال ذلك من طوائف مختلفة او فى اوقات مختلفة وفى الإرشاد ولعله قصد بيان غاية سرعة وقوع البعث والجزاء كأنهما حاصلان عند ابتداء التوفى كما ينبىء عنه قوله عليه السلام (من مات فقد قامت قيامته) والا فهذا السؤال والجواب وما يترتب عليهما من الأمر بدخول النار وما جرى بين أهلها من التلاعن والتقاول انما يكون بعد البعث لا محالة قالَ الله تعالى لهم يوم القيامة او أحد من الملائكة ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ اى كائنين فى جملة امم مصاحبين لهم قَدْ خَلَتْ اى مضت مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ يعنى كفار الأمم الماضية من النوعين فِي النَّارِ متعلق بقوله ادخلوا وانما قدم الجن على الانس لتقدمهم عليهم فى الخلقة وذلك ان الله تعالى لما خلق الجن فمنهم مؤمن ومنهم كافر فلما استولى اهل الكفر منهم على اهل الايمان حتى استأصلوهم بعث الله إليهم جندا من الملائكة كان رئيسهم إبليس فسلطهم الله عليهم حتى اهلكوا جميعهم ثم خلق الله آدم بعدهم فخلق منه ذريته فمنهم كافر كقابيل ومنهم مؤمن كهابيل إذ كان فى كل زمان منهم امة كافرة مستحقة لدخول النار وامة مؤمنة مستحقة لدخول الجنة حتى الآن الى انقراض العالم كما قال عليه السلام (لا تقوم الساعة وفى الأرض من يقول الله الله) كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ من الأمم السابقة واللاحقة اى فى النار لَعَنَتْ أُخْتَها التي ضلت بالاقتداء بها فلعنت المشركون المشركين واليهود اليهود والنصارى النصارى والمجوس المجوس وعلى هذا القياس ويلعن الاتباع القادة يقولون لعنكم الله أنتم غررتمونا فالمراد الاخت فى الدين والملة ولم يقل أخاها لانه أراد الامة والجماعة حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً غاية لما قبلها. والمعنى انهم يدخلونها فوجا فوجا لاعنا بعضهم بعضا الى انتهاء تداركهم وتلاحقهم فى النار واجتماعهم فيها واصل اداركوا تداركوا أدغمت التاء فى الدال فاجتلبت همزة الوصل قالَتْ أُخْراهُمْ اى دخولا وهم الاتباع واخرى هاهنا بمعنى آخرة مؤنث آخر مقابل أول لا مؤنث آخر بمعنى غير كقوله تعالى وِزْرَ أُخْرى لِأُولاهُمْ اى لاجل أولاهم إذا الخطاب مع الله تعالى رَبَّنا- هؤُلاءِ أَضَلُّونا اى سنوا لنا الضلال عن الهدى بإلقاء الشبهة علينا فاقتدينا بهم فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً
اى مضاعفا مِنَ النَّارِ لانهم ضلوا وأضلوا قالَ الله لِكُلٍّ من الأولين والآخرين ضِعْفٌ اما القادة فبكفرهم وتضليلهم واما الاتباع فبكفرهم وتقليدهم فليس المراد تضعيف ما يستحق كل واحد من العذاب لانه ظلم بل تضعيفه عذاب الضلال بان يضم اليه عذاب الإضلال والتقليد وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ ما لكم
قوله لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ يعنى من مخالفة النفس وقمع الهوى يكون فراشهم ولحافهم حتى تحيط بهم فتذيبهم وتحرق منهم انانيتهم مع أثقال أوزارهم ليستحقوا دخول الجنة وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ يعنى بهذه الطريقة نضع عنهم أوزارهم ونرد مظالمهم فى الدنيا ليردوا القيامة مستعدين لدخول الجنة ومن لم نجزه فى الدنيا بهذه الطريقة فنجزه فى الآخرة كما قال وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ فى الآخرة لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ فيه كذا فى التأويلات النجمية فالمجاهدة وسلوك طريق التصفية من دأب الأخيار ذكر عن ابراهيم ابن أدهم انه لما أراد ان يدخل البادية أتاه الشيطان فخوفه ان هذه بادية مهلكة ولا زاد معك ولا مركب فعزم على نفسه رحمه الله ان يقطع البادية على تجرده ذلك وان لا يقطعها حتى يصلى تحت كل ميل من اميالها الف ركعة وقام بما عزم عليه وبقي فى البادية اثنتي عشرة سنة حتى ان الرشيد حج فى بعض تلك السنين فرآه تحت ميل يصلى فقيل له هذا ابراهيم بن أدهم فأتاه فقال كيف نجدك يا أبا اسحق فانشد ابراهيم بن أدهم يقول نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع فطوبى لعبد آثر الله ربه وجاء بدنياه لما يتوقع: قال الحافظ
دع التكاسل تغنم فقد جرى مثل كه زاد رهروان چستيست و چالاكى
وَالَّذِينَ آمَنُوا بالآيات وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ اى الأعمال الصالحات التي شرعت بالآيات وهى ما أريد به وجه الله تعالى لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها اى طاقتها وقدرتها هو اعتراض بين المبتدأ والخبر للدلالة على ان استحقاق الخلود فى النعيم المقيم بسبب اتصافهم بالايمان والعمل الصالح على حسب ما تسعه طاقتهم وان لم يبذلوا مجهودهم فيه أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ [ملازمان بهشت اند] هُمْ فِيها خالِدُونَ حال من اصحاب الجنة وَنَزَعْنا النزع قلع الشيء عن مكانه ما فِي صُدُورِهِمْ قلوبهم مِنْ غِلٍّ وهو الحقد الكامن والبغض المختفى فى الصدور اى تخرج من قلوبهم اسباب الحقد الذي كان لبعضهم فى حق بعض فى الدنيا فان ذلك الحقد انما نشأ من التعلق بالدنيا وما فيها وبانقطاع تلك العلاقة انتهى ما يتفرع عليه من الحقد ومن جملة أسبابه ايضا ان الشيطان كان يلقى الوساوس الى قلوب بنى آدم فى الدنيا وقد انقطع ذلك فى الآخرة بسبب ان الشيطان لما استغرق فى عذاب النيران لم يتفرغ لالقاء الوسوسة فى قلب الإنسان ويجوز ان يكون المراد نطهر قلوبهم من الغل نفسه حتى لا يكون بينهم الا التواد يعنى لا يحسد بعض اهل الجنة بعضا إذا رآه ارفع درجة منه ولا يغتم بسبب حرمانه من الدرجات الرفيعة العالية قال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت هذه الآية فى ابى بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير وابن مسعود وعمار بن ياسر وسلمان وابى ذر ينزع الله فى الآخرة ما كان فى قلوبهم من غش بعضهم لبعض فى الدنيا من العداوة والقتل الذي كان بعد رسول الله ﷺ والأمر الذي اختلفوا فيه فيدخلون إخوانا على سرر متقابلين.
162
پاك وصافى شو واز چاه طبيعت بدر آي كه صفايى ندهد آب تراب آلوده
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ اى من تحت شجرهم وغرفهم الْأَنْهارُ زيادة فى لذتهم وسرورهم وَقالُوا اى اهل الجنة إذا رأوا منازلهم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا بفضله لِهذا اى لدين وعمل جزاؤه هذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ اى لهذا المطلب الأعلى لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ ووفقنا له
كر بدرقه لطف تو ننمايد راه از راه تو هيچكس نكردد آگاه
آنكه كه بره رسند وبايد رفتن توفيق رفيق نشد وا ويلاه
- روى- عن السدى انه قال فى هذه الآية ان اهل الجنة إذا سيقوا الى الجنة وجدوا عند بابها شجرة فى اصل ساقها عينان فشربوا من إحداهما فينزع ما فى صدورهم من غل وهو الشراب الطهور واغتسلوا من الاخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعده ابدا والشعث انتشار شعر الرأس والأشعث مغبر الرأس ويقال شحب جسمه يشحب بالضم إذا تغير وشربوا واغتسلوا ويبشرهم خزنة الجنة قبل ان يدخلوها بان يقولوا لهم أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فاذا دخلوها واستقروا فى منازلهم منها قالوا الحمد لله الآية واعلم ان الغل ظلمة الصفات البشرية وكدورتها وطهارة القلوب بنور الايمان والأرواح بماء العرفان والاسرار بشراب طهور تجلى صفات الجمال وليس فى صدور اهل الحقيقة من غل وغش أصلا لا فى الدنيا ولا فى العقبى لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا جواب قسم مقدر اى والله لقد جاؤا بِالْحَقِّ فالباء للتعدية او لقد جاؤا ملتبسين بالحق فهى للملابسة يقوله اهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا واستقروا فيه إظهارا لكمال نشاطهم وسرورهم قال الحدادي شهادة منهم بتبليغ الرسل للحق إليهم اى جاؤا بالصدق فصدقناهم وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ يعنى ان الملائكة ينادونهم حين رأى المؤمنون الجنة من بعيد بان يقولوا لهم ان تلك التي رأيتموها هى الجنة التي وعدتم بها فى الدنيا فان مفسرة او مخففة وتلك مبتدأ أشير به الى ما رأوه من بعيد والجنة خبره واللام فيها للعهد أُورِثْتُمُوها اى أعطيتموها والجملة حال من الجنة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فى الدنيا من الأعمال الصالحة اى بسبب أعمالكم فان قيل هذه الآية تدل على ان العبد يدخل الجنة بعمله وقد قال عليه السلام (لن يدخل الجنة أحدكم بعمله وانما تدخلونها برحمة الله تعالى وفضله) فما وجه التوفيق بينهما أجيب بان العمل لا يوجب دخول الجنة لذاته وانما يوجبه من حيث انه تعالى وعد للعاملين ان يتفضل بها بمحض رحمته وكمال فضله وإحسانه ولما كان الوعد بالتفضل فى حق العاملين بمقابلة عملهم كان العمل بمنزلة السبب المؤدى إليها فلذلك قيل أورثتموها بأعمالكم كذا فى حواشى ابن الشيخ وفى الخبر انه يقال لهم يوم القيامة (جوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم) وهى جنة الأعمال وهى التي ينزل الناس فيها بأعمالهم فمن كان أفضل من غيره فى وجوه التفاضل كان له من الجنة اكثر سواء كان الفاضل بهذه الحالة دون المفضول او لم يكن فما من عمل إلا وله جنة يقع التفاضل فيها بين أصحابها ورد فى الحديث
163
وهى مرتبة فوق الجنان فى حظائر القدس عند الرحمن وهم مشرّفون على اهل الجنة والنار فلما رأوا اهل الجنة وانهم فى شغل فاكهون وَقد شغلوا بنعيميها عن المولى نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعنى هنيئا لكم ما أنتم فيه من النعيم المقيم والحور والقصور ثم اخبر عن همة اصحاب الأعراف فقال لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ اى شاهدوا نعيم الجنة ودرجاتها ولم يركنوا الى شىء منها فعبروا عليها ولم يدخلوها وهم على الأعراف يطمعون فى الوصول الى الله والدخول فى الجنة التي أضافها الله تعالى الى نفسه بقوله وَادْخُلِي جَنَّتِي وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ ابتلاء ليريهم انه تعالى من أية دركة خلصهم وبأية كرامة خصهم فيعرفوا قدر ما أنعم الله عليهم به ومن هذا القبيل يكون ما سنح لارباب الكمالات من الخواطر النفسانية وما ابتلاهم بشىء من الدنيا والجاه والقبول والاشتغال بالخلق ليعرفوا قدر العزلة والتجريد والانس مع الله فى الخلوات ففى أداء حق الشكر ورؤية النعمة قالُوا مع المنعم رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى بعد ان خلصتنا من اوصافهم واخلاقهم ودركاتهم ومما هم فيه لا تجعلنا مرة اخرى من جهتهم ولا تدخلنا فى زمرتهم كذا فى التأويلات النجمية وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ وهم الذي علت درجاتهم من الأنبياء واشراف اهل الموقف وهو الأنسب بما بعد الآية إذ قولهم ادخلوا الجنة لا يليق بالمقصرين فى العمل رِجالًا من رؤساء الكفار حين رأوهم فيما بين اصحاب النار وهم ابو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وعاص بن وائل واضرابهم يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ اى علاماتهم الدالة على سوء حالهم حينئذ وعلى رياستهم فى الدنيا والباء سببية قالُوا بدل من نادى اى قال اصحاب الأعراف وهم على السور مخاطبين لرؤساء الكفار توبيخا وشماتة ما أَغْنى عَنْكُمْ ما استفهامية للتقريع او نافية ومعناه على الثانية [دفع نكرد عذاب از شما] جَمْعُكُمْ اى اتباعكم وأشياعكم او جمعكم للمال وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ما مصدرية اى واستكباركم المستمر على الخلق [يعنى استكبار شما مانع عذاب نشد] أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ هو من تمام قول اصحاب الأعراف للرجال الذين هم رؤساء الكفرة فيكون فى محل النصب بالقول المتقدم والاشارة الى ضعفاء المؤمنين الذين كانت الكفرة يحتقرونهم فى الدنيا ويحلفون صريحا انهم لا يدخلون الجنة قوله لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ جواب أقسمتم ومعناه بالفارسية [اين كروه آنانند كه در دنيا سوگند ميخورديد كه البته خداى هركز بديشان نرساند بخشايش خود را] ادْخُلُوا الْجَنَّةَ اى فالتفت اصحاب الأعراف الى فقراء المسلمين مثل بلال وصهيب وسلمان وخباب وأمثالهم وقالوا لهم ادخلوا الجنة على رغم انوف رؤساء الكفار لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ حين يخاف اهل النار وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ حين يحزن اهل النار وفى الآية ذم المال والاستكبار والافتخار بكثرة الخدم والأعوان والأنصار
قفيز فهو امنية بلا اصل فكذلك العبد إذا اجتهد فى عبادة الله تعالى والانتهاء عن معصية الله يقول أرجو ان يتقبل الله هذا اليسير ويتم هذا التقصير ويعظم الثواب ويعفو عن الزلل فهذا منه رجاء. واما إذا اغفل ذلك وترك الطاعات فارتكب المعاصي ولم يبال سخط الله ولا رضاه ووعده ووعيده ثم أخذ يقول انا أرجو من الجنة والنجاة من النار فذلك منه امنية لا حاصل تحتها ويبين هذا قوله عليه السلام (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والفاجر من يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله عز وجل) قال بعضهم ان الغموم ثلاثة. غم الطاعة ان لا تقبل. وغم المعصية ان لا تغفر. وغم المعرفة ان لا تسلب قال يوسف بن أسباط دخلت على سفيان فبكى ليله اجمع فقلت بكاؤك هذا على الذنوب فحمل تبنا وقال الذنوب أهون على الله تعالى من هذا انما أخشى ان يسلبنى الله الإسلام فكل الرسل والابدال والأولياء مع كل هذا الاجتهاد فى الطاعة والحذر عن المعصية فأى شىء تقول اما كان لهم حسن الظن بالله قال بلى فانهم كانوا اعلم بسعة رحمة الله واحسن ظن بجوده منك ولكن علموا ان ذلك دون الاجتهاد امنية وغرور جعلنا الله وإياكم من العالمين بكتابه والواصلين الى جنابه دون من نسى الله واتبع هواه آمين آمين الف آمين إِنَّ رَبَّكُمُ الخطاب لكفار مكة المتخذين أربابا. والمعنى [بدرستى كه پروردگار شما] على التحقيق اللَّهُ [خداييست] جامع جميع صفات كمال الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لا على مثال سبق فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ اى فى ستة اوقات ولو شاء لخلقها فى اسرع من لحظة ولكنه علم عباده التأنى فى الأمور: وفى المثنوى
نه منعم بمال از كسى بهترست خر ار جل اطلس بپوشد خرست
بدين عقل وهمت نخوانم كست وكر ميرود صد غلام از پست
تكبر كند مرد حشمت پرست نداند كه حشمت بحلم اندرست
مكر شيطانست تعجيل وشتاب خوى رحمانست صبر واحتساب «١»
با تأنى كشت موجود از خدا تابشش روز اين زمين و چرخها «٢»
ور نه قادر بود كز كن فيكون صد زمين و چرخ آوردى برون
اين تأنى از پى تعليم تست صبر كن در كار دير آي ودرست
قالوا لا يحسن التعجيل الا فى التوبة من الذنوب وقضاء الدين بعد انقضاء مدته وقرى الضيف وتزويج البكر بعد بلوغها ودفن الميت والغسل من الجنابة واعلم ان الله تعالى بالقادرية والخالقية أوجد السموات والأرض وبالمدبرية والحكيمية خلقها فى ستة ايام وانما حصر فى الستة انواع المخلوقات الستة. وهى الأرواح المجردة. والثاني الملكوتيات فمنها الملائكة والجن والشياطين وملكوت السموات ومنها العقول المفردة والمركبة. والثالث النفوس كنفوس الكواكب ونفس الإنسان ونفس الحيوان ونفس النبات والمعادن. والرابع الاجرام وهى البسائط العلوية من أجسام اللطيفة كالعرش والكرسي والسموات والجنة والنار. والخامس الأجسام المفردة وهى العناصر الاربعة. والسادس الأجسام المركبة الكثيفة من العناصر فعبر عن خلق كل منها بيوم والا فالايام الزمانية لم تكن قبل خلق السموات والأرض ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ
العرش يطلق على السرير الذي يجلس عليه الملوك وعلى كل ما علاك وأظل عليك وهو بهذين المعنيين مستحيل فى حقه تعالى فجعل الاستواء على العرش كناية عن نفس الملك والعز والسلطنة على طريق ذكر اللازم وارادة الملزوم فالمعنى بعد ان خلق الله عالم الملك
(١) در اواسط دفتر پنجم در بيان بردن روباه خر را پيش شير.
(٢) در اواخر دفتر سوم در بيان حيله دفع مغبون شدن در بيع وشرى.
174
فى ستة ايام كما أراد استوى على الملك وتصرف فيه كيف شاء فحرك الافلاك وسير الكواكب وكور الليالى والأيام ودبر امر مصنوعاته على ما تقتضيه حكمته. وهذا معنى قول القاضي استوى امره اى استقر امر ربوبيته وجرى امره وتدبيره ونفذ قدرته فى مصنوعاته وتخصيص العرش لانه أعظم المخلوقات فانه الجسم المحيط بجميع الأجسام فالاستواء عليه استواء على ما عداه ايضا من الجنة والنار والسموات والعناصر وغيرها وفى التفسير الفارسي ثُمَّ اسْتَوى [پس قصد كرد على العرش بآفرينش عرش] قال الحدادي ويقال ثم هنا بمعنى الواو على طريق الجمع والعطف دون التراخي فان خلق العرش كان قبل خلق السموات والأرض وقد ورد فى الخبر (ان أول شىء خلق الله القلم ثم اللوح فامر الله القلم ان يكتب ما هو كائن الى يوم القيامة ثم خلق العرش ثم خلق حملة العرش ثم خلق السموات والأرض) قال شيخى العلامة أبقاه الله بالسلامة المراد بهذا الاستواء استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار نفسه وذاته تعالى علوا كبيرا عما يقول الظالمون بل باعتبار امره الايجادى وتجليه التجلي الاحدى المعبر عنه فى القرآن بالحق واستواء الأمر الإرادي الايجادى على العرش بمنزلة استواء الأمر التكليفي الارشادى على الشرع فكما ان كل واحد من الامرين قلب الآخر وعكسه المستوي السوي فكذلك كل واحد من العرش والشرع قلب الآخر وعكسه السوي المستوي انتهى باختصار قال فى التأويلات النجمية لما أتم خلق المكونات من الأنواع الستة استوى على العرش بعد الفراغ من خلقها استواء التصرف فى العالم وما فيه التدبر فى أموره من العرش الى تحت الثرى وانما خص العرش بالاستواء لانه مبدأ الأجسام اللطيفة القابلة للفيض الرحمانى وهذا الاستواء صفة من صفات الله تعالى لا يشبه استواء المخلوقين كالعلم صفة من صفاته لا يشبه علم المخلوقين إذ ليس كمثله شىء وهو السميع العليم ولو أمعنت النظر فى خصوصية خلافتك الحق تعالى لعرفت نفسك فعرفت ربك وذلك ان الله تعالى لما أراد خلق شخصك من النطفة المودعة فى الرحم استعمل روحك بخلافته ليتصرف فى النطفة ايام الحمل فيجعلها عالما صغيرا مناسبا للعالم الكبير فيكون بدنه بمثابة الأرض ورأسه بمثابة السماء وقلبه بمثابة العرش وسره بمثابة الكرسي وهذا كله بتدبير الروح وتصرفه خلافة عن ربه ثم استوى الروح بعد فراغه من الشخص الكامل على عرش القلب استواء مكانيا بل استوى ليتصرف فى جميع اجزاء الشخص ويدبر أموره بافاضة فيضه على القلب فان القلب هو القابل لفيض الحق تعالى الى المخلوقات كلها كما ان القلب مغتنم فيض الروح الى القالب كله فاذا تأملت فى هذا المثال تأملا شافيا وجدته فى نفى الشبيه عن الصفات المنزهة المقدسة كافيا وتحققت حقيقة من عرف نفسه فقد عرف ربه ان شاء الله تعالى ثم انه تعالى لما ذكر استواءه على العرش واخبر بما اخبر من نفاذ امره واطراد تدبيره بين ذلك بطريق الاستئناف فقال يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ اى يجعل الليل غاشيا يغشى النهار بظلمته فيذهب بنور النهار ويغطيه بظلمة الليل ولم يذكر العكس اكتفاء بأحد الضدين وفيه اشارة الى ليل ظلمات النفس عند استيلاء صفاتها وغلبات هواها على نهار أنوار القلب والى نهار القلب عند غلبات أنواره واستيلاء المحبة عليه يَطْلُبُهُ حَثِيثاً حال من الليل اى يجعل الليل غاشيا للنهار حال كون الليل طالبا له اى لمجيئه
175
إذ أقبلت هوادج هارون فكف صبيان عن الولوع به فلما جاء هارون نادى بأعلى صوته يا امير المؤمنين يا امير المؤمنين فكشف هارون السجاف بيده وقال لبيك يا بهلول فقال يا امير المؤمنين حدثنا ايمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله العامري قال رأيت النبي ﷺ يمضى على جمل وتحته رحل رث فلم يكن ضرب ولا طرد ولا إليك إليك وتواضعك فى سفرك هذا يا امير المؤمنين خير لك من تكبرك فبكى هارون حتى سقطت الدموع على الأرض وقال يا بهلول زدنا يرحمك الله فقال
هب انك قد ملكت الأرض طرا وان لك العباد فكان ماذا
أليس غدا مصيرك جوف قبر ويحثو الترب هذا ثم هذا
فبكى هارون ثم قال أحسنت يا بهلول هل غيره قال نعم يا امير المؤمنين رجل آتاه الله مالا وجمالا فانفق فى ماله وعف فى جماله كتب فى خالص ديوان الله من الأبرار فقال أحسنت يا بهلول ثم امر له بجائزة فقال اردد الجائزة الى من أخذتها منه فلا حاجة لى فيها قال يا بهلول ان يكن عليك دين قضيناه قال يا امير المؤمنين لا يقضى دين بدين اردد الحق الى اهله واقض دين نفسك يا امير المؤمنين من نفسك قال يا بهلول فنجرى عليك ما يكفيك فرفع بهلول رأسه الى السماء ثم قال يا امير المؤمنين انا وأنت من عيال الله تعالى فمحال ان يذكرك وينسانى فاسبل هارون السجاف ومضى والمقصود من هذه الحكاية بيان استماع هارون الحق وقبوله وذلك لانه كان كالمكان الزاكي وقلبه حيا بالحياة الطيبة فلذا لم يخرج منه الا الأخلاق الحميدة واما ارض النفس الامارة التي هى البلد الخبيث فلا يخرج منها الا الأخلاق الذميمة والافعال الرديئة فمن كان قلبه حيا بنور الله انعكس نور قلبه على نفسه فتنورت النفس فتبدلت أوصافها باوصاف القلب وتلاشت ظلمتها بنور القلب فيطمئن الى ذكر الله وطاعته كما هو من أوصاف القلوب وان كان القلب ميتا والنفس حية فظلمات صفات النفس تطل على القلب وتبدل صفاته بصفاتها عند استيلاء صفاتها عليه فيحصل اطمئنانه بالدنيا وما فيها نسأل الله تعالى ان يجعل اطمئناننا الى ذكره وفكره وشكره ويجعلنا من الذين يعرفون قدر نعمة الله وحق المنعم لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ جواب قسم محذوف تقديره والله لقد أرسلنا نوحا وهو ابن لملك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس النبي بن يرد بن مهلابيل بن قينان بن انوش بن آدم عليهم السلام ونوح أول نبى بعد إدريس بعد شيث وكان نوح نجارا بعثه الله الى قومه على رأس أربعين سنة وكان عمره الفا ومائتين وأربعين سنة وفى التفسير الفارسي إِلى قَوْمِهِ [بسوى قوم او كه اكثر أولاد قابيل بودند وبت مى پرستيدند] وذلك ان قابيل لما قتل أخاه هابيل طرده آدم فسكن مع أولاده واتباعه فى اليمن وهو أول من عبد الصنم فَقالَ اى نوح يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده فان العبادة بالاشراك ليس من العبادة فى شىء ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ اى من مستحق للعبادة وغيره بالرفع صفة لا له باعتبار محله الذي هو الرفع على الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ والخبر لكم إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ اى ان لم تعبدوه حسبما أمرت به وهو بيان للداعى الى عبادته عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ اى عذاب يوم القيامة او يوم الطوفان قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ
مرد بايد كه كيرد اندر كوش ور نوشت است پند بر ديوار
اللهم اجعلنا ممن قبل دعوتك ودخل جنتك وَإِلى عادٍ اى وأرسلنا الى عاد وهم قوم من اهل اليمن وكان اسم ملكهم عادا فنسبوا اليه وهو عاد بن ارم بن سام بن نوح أَخاهُمْ اى واحدا منهم فى النسب لا فى الدين كقولهم يا أخا العرب هُوداً عطف بيان لأخاهم وهو هود بن عبد الله بن رياح بن خلود بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح وانما جعل الرسول من تلك القبيلة لانهم أفهم لكلامه واعرف بحاله فى صدقه وأمانته واقرب الى اتباعه قالَ استئناف وفى التفسير الفارسي [قبيله عاد مردم تن آور وبلند بالا بودند واز ايشان در تمام روى زمين در ان زمان قبيله عظيمه نبود ومردم بسيار بودند ومال فراوان داشتند وعمر در پرستش بت مى كذرانيدند حق سبحانه وتعالى هود را بديشان فرستاد پس هود بميان قبيله آمد وايشانرا بحق دعوت كرد] قال يا قَوْمِ (اى قوم من) اعْبُدُوا اللَّهَ وحده ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ غيره بالرفع صفة لا له باعتبار محله وهو الابتداء ومن زائدة فى المبتدأ ولكم خبره أَفَلا تَتَّقُونَ الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر اى ألا تتفكرون فلا تتقون عذاب الله تعالى قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ استئناف كما مر وانما وصف الملأ بالكفر إذ لم يكن كلهم على الكفر كملأ قوم نوح بل كان منهم من آمن به عليه السلام كمرثد بن سعد وكتم إيمانه ولم يظهر الا عند مجيىء وقد عاد الى مكة يستغيثون كما سيجيئ قال
عصت عاد رسولهمو فأمسوا عطاشا ما تبلهم السماء
لهم صنم يقال له صمود يقابله صداء والبهاء
فبصرنا الرسول سبيل رشد فأبصرنا الهدى وجلى العماء
وان اله هود هو الهى على الله التوكل والرجاء
والملأ اشراف القوم وهو فى الأصل بمعنى الجماعة إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ اى متمكنا فى خفة عقل راسخا فيها حيث فارقت دين آبائك. والسفاهة فى اللغة خفة الحلم والرأى وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ اى فيما ادعيت من الرسالة وفيه اشارة الى ان قلوب قوم هود وسخة خبيثة كقلوب قوم نوح لم يخرج منها الخبث الا نكدا فلما أراد هود عليه السلام ان يبذر فيها بذر التوحيد والمعرفة ولم تكن صالحة وقلما خرج منها إلا نبت التسفيه والتكذيب سلكوا طريق سلفهم وإخوانهم وصنعوا مثل حالتهم: وفى المثنوى
در زمين كر نى شكر ور خود نى است باز كويد با تو انواع نبات
زانكه خاك اين زمين بإثبات ترجمان هر زمين نبت وى است
قالَ اى هود عليه السلام سالكا طريق حسن المجادلة مع ما سمع منهم من الكلمة الشنعاء الموجبة لتغليظ القول والمشافهة بالسوء وهكذا ينبغى لكل ناصح يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ اى شىء منها ولا شائبة من شوائبها والباء للملابسة او للظرفية وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ اى لكنى فى غاية الرشد والصدق لانى رسول رب العالمين فالاستدراك باعتبار ما يلزمه وهو كونه فى
اى نترك الآلهة التي كان آباؤنا يعبدونها ومعنى المجيء فى أجئتنا اما المجيء من مكان اعتزل عن قومه يعبد فيه ربه كما كان يعبد رسول الله ﷺ بحراء فلما اوحى اليه جاء قومه يدعوهم واما من السماء كمجىء الملك منها استهزاء به عليه السلام لانهم كانوا يعتقدون ان الله تعالى لا يرسل الا الملك واما القصد على المجاز وهو ان يكون مرادهم بالمجيء مجرد قصد الفعل ومباشرته كأنهم قالوا أتريد منا ان نعبد الله وحده وتقصد ان تكلفنا بذلك كما يقال ذهب يشتمنى من غير ارادة معنى الذهاب فَأْتِنا بِما تَعِدُنا من العذاب المدلول عليه بقوله تعالى أَفَلا تَتَّقُونَ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ اى فى الاخبار بنزول العذاب قالَ هود عليه السلام قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ اى قد وجب فيكون مجازا من باب اطلاق المسبب على السبب فان نزول العذاب عليهم مسبب عن وجوب نزوله فى علمه تعالى مِنْ رَبِّكُمْ اى من جهته تعالى رِجْسٌ عقاب من الارتجاس الذي هو الاضطراب وَغَضَبٌ ارادة انتقام أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ عارية عن السمى جعل المجادل فيه اسماء مجردة عن المسميات لانهم كانوا يسمون الأصنام آلهة ويزعمون كونهم مستحقين للعبادة والحال انهم بمعزل عن الالوهية واستحقاق العبادة سَمَّيْتُمُوها اى سميتم بها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ اى حجة وبرهان فى عبادتها قوله سميتموها صفة للاسماء وكذا قوله ما انزل الله وقوله من سلطان مفعول انزل ومن مزيدة والمعنى أتجادلونني فى مسميات لها اسم بدون ما يليق بها وتوجه الذم للتسمية الصرفة الخالية عن المعنى فلا يلزم ان يكون الاسم هو المسمى قال فى التفسير الفارسي [فى اسماء در كار اين نامها يعنى اين بتان كه هر يك را نامى نهاده آيد بعضى را سائقه مى كفتند وكمان ايشان آن بود كه باران از ايشان مى بارد وبعضى را حافظه مى خواندند بمظنه آنكه نگهبان در سفر ايشانند وهمچنين رازقه وسالمه واين ألفاظ اسما بودند بي مسما چهـ أصنام را كه جمادات بودند قدرت برينها نبوده پس هود عليه السلام فرموده كه شما جدال ميكنيد بدين چيزها كه از روى جهالت شما نام نهاده آيد ايشانرا] فَانْتَظِرُوا مترتب على قوله تعالى قد وقع عليكم اى فانتظروا ما تطلبونه بقولكم فائتنا بما تعدنا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ لما يحل بكم من العذاب فَأَنْجَيْناهُ الفاء فصيحة كما فى قوله تعالى فَانْفَجَرَتْ اى فوقع فأنجينا هودا وَالَّذِينَ مَعَهُ اى فى الدين بِرَحْمَةٍ مِنَّا اى برحمة عظيمة كائنة من جهتنا عليهم وفيه اشارة ان هودا مع رتبته فى النبوة ودرجته فى الرسالة انما نجا برحمة من الله هو والذين آمنوا معه ليعلم ان النجاة لا تكون باستحقاق العمل وانما تكون ابتداء فضل من الله ورحمة فما نجا الا بفضل الحق سبحانه وَقَطَعْنا دابِرَ القوم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اى استأصلناهم اى أهلكناهم جميعا بان قطعنا عرقهم وأصلهم لان دابر الشيء آخره فقطع دابر القوم إهلاكهم من أولهم الى آخرهم وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ عطف على كذبوا داخل معه فى حكم الصلة اى أصروا على الكفر والتكذيب ولم يرعوا عن ذلك أبدا وفيه تنبيه على ان مناط النجاة هو الايمان بالله تعالى وتصديق آياته كما ان مدار البوار هو الكفر والتكذيب وقصتهم ان عادا كانوا يسكنون اليمن بالأحقاف وهى رمال يقال رمل عالج ودهمان ومرين ما بين عمان الى حضر موت وكانوا قد فشوا فى الأرض
187
وقهروا أهلها بقوتهم التي أعطاها الله إياهم وكانت لهم أصنام يعبدونها صداء وصمود والهباء فبعث الله إليهم هودا نبيا من أوسطهم فى النسب وأفضلهم فى الحسب فامرهم ان يوحدوا الله ولا يعبدوا غيره وان يكفروا عن ظلم الناس فابوا عليه وكذبوه وقالوا من أشد منا قوة وازدادوا عتوا وتجبرا فامسك الله عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدهم ذلك وكان الناس إذا نزل بهم بلاء وجهد مضوا الى البيت الحرام بمكة مسلمهم وكافرهم وسألوا الله الفرج وكان اهل مكة يومئذ العماليق أولاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان رئيس العماليق يومئذ بمكة رجلا يقال له معاوية بن بكر وكانت امه من عاد فلما قحط المطر من عاد وجهدوا قالوا جهزوا منكم وفدا الى مكة يستسقوا فجهزوا قيل بن عتر ومرثد بن سعد فى سبعين رجلا
فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو فى خارج مكة فانزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله واصهاره فاقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان وهما قينتان لمعاوية اسم إحداهما وردة واسم الاخرى جرادة فغلبت جرادة على وردة فسميتا جرادتين فلما رأى معاوية طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه وقال قد هلك أخوالي واصهارى جهدا وعطشا وهؤلاء مقيمون عندى والله ما أدرى كيف اصنع بهم استحيى ان آمرهم بالخروج الى حاجتهم فيظنون ان ذلك لثقل مقامهم على فشكا ذلك الى قينتيه الجرادتين فقالتا قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله لعل ذلك يخرجهم فقال معاوية
الا يا قيل ويحك قم فهينم لعل الله يسقينا غماما
فيسقى ارض عاد ان عادا قد أمسوا ما يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس ترجو به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهمو بخير فقد امست نساؤهمو أيامي
وان الوحش تأتيهم جهنارا فلا تخشى لعادى سهاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم نهاركمو وليلكمو التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ولا لقوا التحية والسلاما
فلما غنتهم الجرادتان بهذا قال بعضهم لبعض يا قوم لقد أبطأتم على أصحابكم فقوموا وادخلوا الحرم واستسقوا لقومكم فقال لهم مرثد والله لا تسقون بدعائكم ولكن ان أطعتم نبيكم هودا وتبتم الى الله سقيتم واظهر إسلامه فقالوا لمعاوية احبس عنا مرثدا لا يقدمن معنا مكة فانه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم دخلوا مكة فقام قيل يستسقى فى المسجد وقال اللهم انى لم أجئ لمريض فاداويه ولا لاسير فافاديه اللهم اسقنا فانا قد هلكنا اللهم اسق عادا ما كنت تسقيهم وقال القوم اللهم أعط قيلا ما يسألك واجعل سؤلنا مع سؤله فانشأ الله تعالى سحابات ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السماء يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذا السحاب ما شئت فقال اخترت السوداء فانها اكثر السحاب ماء فنودى اخترت دمارا رمدا لا يبقى من آل عاد ولدا ولا شيوخا الا فصاروا همدا ثم ساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل بما فيها من النقمة والبلاء الى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث فلما رأوها
188
اللام للتبليغ اى للذين استضعفوهم واستذلوهم لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من الذين استضعفوا بدل الكل والضمير للقوم أَتَعْلَمُونَ [آيا شما ميدانيد] أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالوه بطريق الاستهزاء بهم قالُوا اى المؤمنون المستضعفون إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ من التوحيد والعبادة مُؤْمِنُونَ عدلوا عن الجواب الموافق لسؤالهم بان يقولوا نعم او نعلم انه مرسل منه تعالى تنبيها على ان إرساله امر معلوم مقرر عندهم حيث أوردوه صلة للموصول ومن المعلوم ان الصلة لا بد ان تكون جملة معلومة الانتساب الى ذات الموصول فكأنهم قالوا لا كلام فى إرساله لانه اظهر من ان يشك فيه عاقل ويخفى على ذى رأى لما اتى به من هذا المعجز العظيم الخارق وانما الكلام فى الايمان به فنحن مؤمنون به فهذا الجواب من اسلوب الحكيم وهو تلقى المخاطب بغير ما يترقب قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ عدلوا عن الجواب المطابق وهو انا بما أرسل به كافرون لدلالته على ان إرساله معلوم مسلم عندهم كما دل عليه قول المؤمنين فكأنهم قالوا ليس إرساله معلوما لنا مسلما عندنا وليس هناك إلا دعواه وايمانكم به ونحن بما آمنتم به كافرون فالمؤمنون فرعوا ايمانهم على الإرسال الثابت والكفار فرّعوا كفرهم على ايمان المؤمنين واعلم ان الله تعالى ذم الكفار بوجهين أحدهما الاستكبار وهو رفع النفس فوق قدرها وجحود الحق والآخر انهم استضعوا من كان يجب ان يعظموه ويبجلوه ومدح المؤمنين حيث ثبتوا على الحق وأظهروه مع ضعفهم عن مقاومة الكفار كما دل عليه قوله إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ اى نحروها وبالفارسي [پس پى كردند وبكشتند ناقه را] أسند العقر الى الكل مع ان المباشر بعضهم للملابسة أو لأن ذلك كان برضاهم فكأنه فعله كلهم- روى- ان الناقة كانت ترد الماء غبا فاذا كان يومها وضعت رأسها فى البئر فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها لا تدع قطرة واحدة ثم تتفحج فيحبلون ما شاؤا حتى تمتلىء أوانيهم كلها فيشربون ويدخرون ثم تصدر من أعلى الفج الذي وردت منه لانها لا تقدر ان تصدر من حيث ترد لضيقه قال ابو موسى الأشعري أتيت ارض ثمود فذرعت مصدر الناقة فوجدته ستين ذراعا وكانوا إذا جاء يومهم وردوا الماء فيشربون ويسقون مواشيهم ويدخرون من الماء ما يكفيهم اليوم الثاني وكانت الناقة إذا وقع الحر تصيفت بظهر الوادي فيهرب منها أنعامهم الى بطنه وإذا وقع البرد تشتت ببطن الوادي فيهرب منه مواشيهم الى ظهره فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم امرأتان عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار لما أضرت به من مواشيهما وكانتا كثيرتى المواشي قال الحدادي كان فى ثمود امرأة يقال لها صدوق كانت جميلة الخلق غنية ذات ابل وبقر وغنم وكانت من أشد الناس عداوة لصالح وكانت تحب عقر الناقة لاجل انها أضرت بمواشيها فطلبت ابن عم لها يقال له مصدع بن دهر وجعلت له نفسها ان عقر الناقة فاجابها الى ذلك ثم طلبت قدار بن سالف وكان رجلا احمر ازرق قصيرا يزعمون انه ولد زنى ولكنه ولد على فراش سالف فقالت يا قدار أزوجك أي بناتي شئت على ان تعقر الناقة وكان منيعا فى قومه فاجابها ايضا فانطلق قدار ومصدع فاستعووا عواة ثمود فاتاهم تسعة رهط فاجتمعوا على عقر الناقة فاوحى الله تعالى الى صالح ان قومك سيعقرون الناقة فقال لهم
در ميان ايشان بود وبخيرات امر مينمود واز فواحش نهى فرمود ويكى از فواحشها لواطه بود] كما حكى الله تعالى بقوله إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ [مر قوم سدوم را كه لوط عليه السلام در ميان ايشان بود] وهو ظرف لا رسلنا المضمر اى أرسلنا لوطا الى قومه وقت قوله لهم قيل الإرسال قبل وقت القول لا فيه وأجيب بان هذا من قبيل قولك فى ظرف المكان زيد فى ارض الروم فهو هاهنا غير حقيقى فيكفى وقوع المظروف فى بعض اجزائه أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ انكار وتقريع على تلك الفعلة المتمادية فى القبح اى البالغة الى غاية القبح وهى اللواطة والمعنى أتفعلونها ما سَبَقَكُمْ بِها ما فعلها قبلكم على ان الباء للتعدية كما فى قوله عليه السلام (سبقك بها عكاشة) من قولك سبقته بالكرة اى ضربتها قبله مِنْ أَحَدٍ من مزيدة لتأكيد النفي وإفادة الاستغراق مِنَ الْعالَمِينَ من للتبعيض والجملة استئناف نحوى اى مبتدأة جىء بها تأكيدا للانكار السابق كأنه وبخهم اولا بإتيان الفاحشة ثم باختراعها فانه أسوأ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ بيان لتلك الفاحشة. قرأ نافع وحفص انكم بطريق الخبر والباقون أإنكم بطريق الاستفهام يقال اتى المرأة إذا غشيها وفى إيراد لفظ الرجال دون الغلمان والمردان ونحوهما مبالغة فى التوبيخ شَهْوَةً مفعول له وفى التقييد بها وصفهم بالبهيمية الصرفة وتنبيه على ان العاقل ينبغى ان يكون الداعي له الى المباشرة طلب الولد وبقاء النوع لاقضاء الشهوة مِنْ دُونِ النِّساءِ اى متجاوزين النساء اللاتي أباح الله لكم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ إضراب عن الإنكار المذكور الى الاخبار بحالهم التي أدت بهم الى ارتكاب أمثالها وهى اعتياد الإسراف فى كل شىء يعنى انهم قوم عادتهم الإسراف وتجاوز الحد فى كل شىء فمن ثمة أسرفوا فى باب قضاء الشهوة وتجاوزوا عما عين لها الى غيره وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا استثناء مفرغ من أعم الأشياء اى ما كان جوابا من جهة قومه شىء من الأشياء الا قول بعضهم لبعض أَخْرِجُوهُمْ اى لوطا ومن معه من المؤمنين مِنْ قَرْيَتِكُمْ اى الا هذا القول الذي يستحيل ان يكون جوابا لكلام لوط وليس المراد لم يصدر عنهم بصدد الجواب عن مقالات لوط ومواعظه الا هذه المقالة الباطلة كما هو المتسارع الى الافهام بل انه لم يصدر عنهم فى المرة الاخيرة من مرات المحاورات الجارية بينهم وبينه عليه السلام الا هذه الكلمة الشنيعة والا فقد صدر عنهم قبل ذلك كثير من الترهات حسبما حكى عنهم فى سائر السور الكريمة وهذا هو الوجه فى نظائره الواردة بطريق القصر وقوله مِنْ قَرْيَتِكُمْ اى من بلدكم فان العرب تسمى المدينة قرية والمراد بلدة سدوم إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ اى يطلبون الطهارة من الفواحش قالوه على وجه الاستهزاء والسخرية بهم فَأَنْجَيْناهُ اى لوطا وَأَهْلَهُ ابنتيه رعوزا وريثا وسائر من آمن به فان الأهل يفسر بالأزواج والأولاد وبالعبيد والإماء وبالأقارب وبالاصحاب وبالمجموع واهل الرجل خاصته الذين ينسبون اليه إِلَّا امْرَأَتَهُ واهله فانها تسر الكفر وتغرى الكفار على انكار لوط وهو استثناء من اهله كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ استئناف بيانى كأنه قيل فماذا كان حالها فقيل كانت من الغابرين اى الباقين فى ديارهم الهالكين فيها من الغبور بالفارسي [باقى بماندن] والتذكير مع ان الظاهر ان يقال من الغابرات مبنى على انه بقي فى ديارهم
والوزن أنتم قد وليتم امرا فيه هلكت الأمم السالفة قبلكم) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ اى بالكفر والحيف بَعْدَ إِصْلاحِها بعد ما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء واتباعهم بإجراء الشرائع ذلِكُمْ اشارة الى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه خَيْرٌ لَكُمْ من التطفيف والبخس والإفساد وقيل خير هاهنا ليس على بابه من التفضيل بل بمعنى نافع عند الله إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ اى مصدقين بي فى قولى هذا وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ الباء للالصاق او المصاحبة لان القعود ملصق بالمكان وان القاعد ملابسه ويحتمل ان تكون بمعنى فى لان القاعد يحل بمكان قعوده وان تكون بمعنى على لاستيلاء القاعد على المكان تُوعِدُونَ حال من فاعل لا تقعدوا ولم يذكر الموعد به ليذهب الذهن كل مذهب. والمعنى ولا تقعدوا بكل طريق من طرق الدين موعودين اى مخوفين كالشيطان حيث قال لاقعدن لهم صراطك المستقيم وصراط الله وان كان واحدا لكنه يتشعب الى معارف وحدود واحكام وكانوا إذا رأوا أحدا يسعى فى شىء منها منعوه وقيل كانوا يجلسون على المرصد فيقولون لمن يريد شعيبا انه كذاب لا يفتننك عن دينك ويتوعدون من آمن به وقيل يقطعون الطريق وَتَصُدُّونَ عطف على توعدون اى تمنعون وتصرفون عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى السبيل الذي قعدوا عليه مَنْ آمَنَ بِهِ اى بكل صراط وهو مفعول تصدون وَتَبْغُونَها من باب الحذف والإيصال والتقدير وتبغون لها انث ضمير السبيل لانه يذكر ويؤنث. والمعنى وتطلبون لسبيل الله عِوَجاً زيغا وعدولا عن الحق بإلقاء الشبه او بوصفها للناس بانها معوجة وهى ابعد شىء من شائبة الاعوجاج وفيه اشارة الى الذين قطعوا طريق الوصول الى الله على الطالبين بانواع الحيل بالمكايد وطلبوا الاعوجاج فيه بإظهار الباطل كما قطعوا على أنفسهم فان شر المعاصي ما لا يكون لازما لصاحبه بل يكون متعديا عنه الى غيره لان ضرر التعدية عائد الى المبتدئ بقدر الأثر فى التعدي وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ بالبركة فى النسل والمال فصار ضعفكم قوة وفقركم غنى وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ من الأمم الماضية كقوم نوح ومن بعدهم من عاد وثمود واضرابهم واعتبروا بهم واحذروا من سلوك مسالكهم وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ من الشرائع والاحكام وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا اى به قال فى التفسير الفارسي [قومى از مدين بشعيب عليه السلام ايمان آوردند جمعى ديكر انكار كردند وكفتند قوت وثروت ما راست نه مؤمنا را پس حق با ما باشد واگر حق با ايشان بودى بايستى كه توانكرى ووسعت معاش ايشانرا بودى شعيب عليه السلام فرمود كه اگر چهـ شما دو كره شده ايد] فَاصْبِرُوا فتربصوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا اى الفريقين بنصر المحقين على المبطلين فهو وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ إذ لا معقب لحكمه ولا حيف فيه وهو اعدل القاضين تم الجزء الثامن فى اواخر شوال من سنة الف ومائة
لا براح لهم منها- وروى- انهم احترقوا تحت السحابة فصاروا ميتين بمنزلة الرماد الجاثم أجساما ملقاة على الأرض محترقة وقال ابن عباس فتح الله عليهم بابا من جهنم فارسل عليهم منه حرا شديدا فاخذ بانفاسهم فدخلوا جوف البيوت فلم ينفعهم ماء ولا ظل وأنضجهم الحر فبعث الله سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فتنادوا عليكم بها فخرجوا نحوها فلما اجتمعوا تحتها رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ألهبها الله عليهم نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلى وصاروا رمادا وهو عذاب يوم الظلة قال فى التأويلات النجمية من عنادهم رأوا الحق باطلا والباطل حقا والفلاح خسرانا والخسران فلاحا فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فصارت صورتهم تبعا لمعناهم فانهم كانوا جاثِمِينَ الأرواح فى ديار الأشباح الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم فيما سبق لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا وعقوبتهم بمقابلته والموصول مبتدأ وخبره قوله تعالى كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا اى استأصلوا بالمرة وصاروا كأنهم لم يقيموا بقريتهم أصلا اى عوقبوا بقولهم ذلك وصاروا هم المخرجين من القرية إخراجا لا دخول بعده ابدا والمغني المنزل والمغانى المنازل التي كانوا بها يقال غنينا بمكان كذا اى نزلنا فيه. وفيه اشارة الى ان المكذبين والمتكبرين وان كانت لهم علبة فى وقتهم ولكن تنقضى ايامهم بسرعة ويسقط صيتهم ويخمل ذكرهم ويضمحل آثارهم ويكون اهل الحق مع الحق غالبا فى كل امر والباطل زاهق بكل وصف: وفى المثنوى
يك مناره در ثناى منكران كو درين عالم كه تا باشد عيان
منبرى كو كه بر آنجا مخبرى ياد آرد روز كار منكرى
يار غالب شو كه تا غالب شوى يار مغلوبان مشو هين اى غوى
الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ استئناف آخر لبيان ابتلائهم بعقوبة قولهم الأخير اى الذين كذبوه عليه السلام عوقبوا بمقالتهم الاخيرة فصاروا هم الخاسرين للدنيا والدين لا الذين اتبعوه وبهذا الحصر اكتفى عن التصريح بانجائه عليه السلام كما وقع فى سورة هود من قوله تعالى وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ الآية فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ قاله عليه السلام بعد ما هلكوا تأسفا بهم لشدة حزنه عليهم ثم أنكر على نفسه ذلك فقال فَكَيْفَ آسى اى احزن حزنا شديدا بالفارسية [پس چهـ كونه اندوه خورم وغمناك شوم] فهو مضارع متكلم من الاسى من باب علم وهو شدة الحزن عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ مصرين على الكفر ليسوا أهل حزن لاستحقاقهم ما نزل عليهم بكفرهم او قاله اعتذارا من عدم تصديقهم له وشدة حزنه عليهم. والمعنى لقد بالغت فى الإبلاغ والانذار وبذلت وسعى فى النصح والإشفاق فلم تصدقوا قولى فكيف آسى عليكم: وفى المثنوى
چون شوم غمكين كه غم شد سرنكون غم شما بوديد اى قوم حرون
كژ مخوان اى راست خواننده ببين كيف آسى خلف قوم ظالمين
قال فى التأويلات النجمية يعنى خرجت عن عهدة تكليف التبليغ فانه ما على الرسول الا البلاغ فانه وان نصحت لكم فما على من إقراركم وانكاركم شىء ان أحسنتم فالميراث الجميل لكم وان
الوجه فلا يأمن مكره بهذا المعنى إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الذين ليسوا من القوم الرابحين قيل معنى الآية ولا يأمن عذاب الله من العصاة او لا يأمن عذاب الله من المذنبين والأنبياء عليهم السلام لا يأمنون عذاب الله على المعصية ولهذا لا يعصون بانفسهم انتهى قال فى التأويلات النجمية مكره تعالى مع اهل القهر بالقهر ومع اهل اللطف باللطف فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ من اهل القهر إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ الذين خسروا سعادة الدارين ومن اهل اللطف الا الخاسرون الذين خسروا الدنيا والعقبى وربحوا المولى فعلى هذا اهل الله هم الآمنون من مكر الله لان مكر الله فى حقهم مكر باللطف دل عليه قوله أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ولهذا قال وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ لان مكرهم مكر فى مستحقيه وغير مستحقيه بالقهر ومكره فى مستحقيه باللطف فافهم واعتبر جدا انتهى واعلم ان الامن من مكر الله تعالى قد عد كفرا لكن هذا بالنسبة الى اهل المكر دون اهل الكرم فان كمل الأولياء مبشرون بالسلامة فى حياتهم الدنيوية كما قال تعالى هُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
فلهم سلامة دنيوية واخروية كما قال تعالى فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ لكنهم يكتمون سلامتهم لكونهم مأمورين بالكتمان وعلمهم بسلامتهم يكفى لهم ولا حاجه لهم بعلم غيرهم واما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلهم ان يخبروا بسلامتهم لكونهم شارعين فلا بد لغيرهم من العلم بسلامتهم حتى يؤمن ويقبل دعوتهم أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها عدى فعل الهداية باللام لانها بمعنى التبيين والمفعول محذوف والفاعل قوله ان لو نشاء ومعنى يرثون الأرض من بعد أهلها يخلفون من خلا قبلهم من الأمم المهلكة ويرثون ديارهم والمراد بهم اهل مكة ومن حولها. والمعنى أو لم يبين ويوضح لهم عاقبة أمرهم ان سلكوا طريق أسلافهم أَنْ مخففة اى ان الشان لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ اى بجزاء ذنوبهم وسيآتهم او بسبب ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم قال سعدى چلبى المفتى ويجوز ان يضمن معنى أهلكناهم فلا حاجة الى تقدير المضاف وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ عطف على ما يفهم من قوله تعالى أَوَلَمْ يَهْدِ كأنه قيل لا يهتدون ونطبع على قلوبهم اى نختم عليها عقوبة لهم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ اى اخبار الأمم المهلكة فضلا عن التدبر والنظر فيها والاغتنام بما فى تضاعيفها من الهدايات قال الكاشفى [كوش دل از استماع سخن حق فائده دارد نه كوش آب وگل]
اين سخن از كوش دل بايد شنود كوش كل اينجا ندارد هيچ سود
كوش سر با جمله حيوان همدم است كوش سر مخصوص نسل آدم است
كوش سر چون جانب گوينده است كوش سر سهلت اگر آكنده است
تِلْكَ الْقُرى يعنى قرى الأمم المار ذكرهم قاللام للعهد نَقُصُّ عَلَيْكَ [خوانده ايم بر تو] مِنْ أَنْبائِها من للتبعيض اى بعض اخبارها التي فيها عظة وتذكير وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ الباء متعلقة اما بالفعل المذكور على انها للتعدية واما بمحذوف وقع حالا من فاعله اى ملتبسين بالبينات. والمعنى وبالله لقد جاء كل امة من تلك الأمم المهلكة رسولهم الخاص بهم بالمعجزات البينة المتكثرة المتواردة عليهم الواضحة الدلالة على صحة رسالته الموجبة
ايشان نمى شد چون او بمرد وليد كه فرعون زمان موسى بود بر تخت سلطنت نشست وزبان بلاف أنا ربكم الأعلى بگشاد بنى إسرائيل دعوى او قبول نكردند كفت پدر شما در مخريده كسان ما بود وشما بنده زادكان ماييد پس ايشانرا ببندگى كرفت] وكان يستعملهم فى الأعمال الشاقة مثل ضرب اللبن ونقل التراب وبناء المنازل وأشباه ذلك فلما جاء موسى أراد أن يرجع بهم الى موطن آبائهم الذين هو الأرض المقدسة وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر واليوم الذي دخل فيه موسى اربعمائة عام قالَ فرعون وهو استئناف بيانى إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ اى من عند من أرسلك كما تدعيه فَأْتِ بِها قاحضرها عندى ليثبت بها صدقك فان الإتيان والمجيء وان كانا بمعنى واحدا لان بينها فرقا من حيث ان المجيء يلاحظ فيه نقل الشيء من جانب المبدأ والإتيان يلاحظ فيه إيصاله الى المنتهى فان مبدأ المجيء هو جناب المرسل ومنتهى الإتيان هو المرسل اليه إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فى دعواك فَأَلْقى عَصاهُ من يده فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ وهو الحية الصفراء الذكر أعظم الحيات لها عرف كعرف الفرس مُبِينٌ اى ظاهر امره لا يشك فى كونه ثعبانا ولا يختلج ببال أحد كونه من جنس العصا- روى- انه لما القاها صارت ثعبانا أشعر اى كان له على ظهره شعور سود مثل الرماح الطوال فاغرا فاه اى فاتحابين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فهرب منه وأحدث وانهزم الناس مزدحمين فمات منهم خمسة وعشرون الفا فصاح فرعون يا موسى أنشدك بالذي أرسلك خذه وانا أؤمن بك وأرسل معك بنى إسرائيل فاخذه فعاد عصا والاشارة ان الله تعالى جعل عصاه ثعبانا لانه أضافها الى نفسه حين قال هِيَ عَصايَ ثم جعلها محل حاجاته حيث قال وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى ففيه اشارة الى ان كل شىء أضفته الى نفسك ورأيته محل حاجاتك فانه ثعبان يبتلعك ولهذا ف أَلْقِها يا مُوسى يعنى لا تتمسك بها ولا تتوكأ عليها ولا كان قادرا على ان يجعلها فى يده ثعبانا كذا فى التأويلات النجمية ثم قال له فرعون هل معك آية اخرى قال نعم وَنَزَعَ يَدَهُ اى أخرجها من جيبه او من تحت إبطه فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ اى بيضاء بياضا نورانيا خارجا عن العادة ويجتمع عليها النظارة تعجبا من أمرها وذلك ما يروى انه ارى فرعون يده وقال ما هذه فقال يدك ثم أدخلها جيبه وعليه مدرعة من صوف ونزعها فاذا هى بيضاء بياضا نورانيا غلب شعاعه شعاع الشمس وكان عليه السلام آدم شديد الادمة وفيه اشارة الى ان الا يدى قبل تعلقها بالأشياء كانت بيضاء فلما تمسكت بالأشياء سارت ظلمانية فاذا نزعت عنها تصير بيضاء كما كانت فافهم جدا فلما شاهد فرعون هذه المعجزة تشاور مع اشراف قومه فى امر موسى قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ اى الاشراف منهم وهم اصحاب مشورته إِنَّ هذا لَساحِرٌ [جادويست] عَلِيمٌ مبالغ فى علم السحر ماهر فيه ولما كان السحر غالبا فى ذلك الزمان ولا شك ان اهل كل صنعة على طبقات مختلفة بحسب الحذاقة والمهارة زعم القوم ان موسى كان حاذقا فى علم السحر بالغا فيه الى أقصى الغاية وانه جعل علمه وسيلة الى طلب الملك والرسالة فلذلك قالوا يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ
بسحره مِنْ أَرْضِكُمْ مصر ويجعل الحكومة لبنى إسرائيل فلما سمع فرعون هذا قال فَماذا تَأْمُرُونَ بفتح النون وما فى فماذا فى محل النصب على انه مفعول ثان لتأمرون بحذف الجار والاول محذوف والتقدير بأى شىء تأمروننى اى فاذا كان كذلك فماذا تشيرون قالُوا لفرعون أَرْجِهْ أصله ارجئه بهمزة ساكنة وهاء مضمومة والارجاء التأخير وَأَخاهُ هارون وعدم التعرض لذكره قيل لظهور كونه معه حسبما تنادى به الآيات الأخر. والمعنى آخر أمرهما ولا تعجل وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ الجار متعلق بأرسل. والمدائن جمع مدينة وهى البقعة المسوّرة المستولى عليها ملك والمدائن صعيد مصر وكان له مدائن فيها السحرة المعدة لوقت الحاجة إليهم. والمعنى وابعث الشرط الى هذه المدائن حاشِرِينَ مفعوله محذوف اى حاشرين السحرة. والمعنى ليحشروا ويجمعوا إليك من فيها من السحرة يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ اى ماهر فى السحر. والسحر فى اللغة لطف الحيلة فى اظهار الاعجوبة واصل ذلك من خفاء الأمر ومن ذلك سمى آخر الليل سحرا لخفاء الشخص ببقاء ظلمته والسحر الرئة سميت بذلك لخفاء أمرها بانتفاخها تارة وضمورها اخرى [آورده اند كه بهيچ قرن چندان ساحر نبوده كه در قرن موسى ورؤساء سحره بأقصى مداين صعيد بودند در تفسير دمياطى آورده كه در مداين صعيد دو برادر بودند كه ايشانرا در فن سحر وقوفي تمام بود چون فرستاده فرعون بديشان رسيد مادر خود را گفتند ما را بسر قبر پدر ما بر چنان كرد وايشان پدر خود را آواز دادند كه يا ابتا ملك مصر ما را طلبيده بجهت آنكه دو كس آمده اند بي لشكر وسپاه وكاربر وبد وننك آورده وايشانرا عصاييست چون مى افكنند اژدرها ميشود وهر چهـ پيش او آيد مى خورد وفرعون داعيه نموده كه ما را با او معارضه فرمايد صاحب قبر جواب داد كه چون بمصر رسيد پرسيد كه وقتى كه ايشان در خواب ميشود آن عصا همان اژدرها ميشود يا نه اگر ميكردد بدانيد كه جادويى نيست چهـ سحر ساحر وقتى كه در خواب باشد اثر ندارد چون حال بدين منوال باشد نه شما وهيچكس از عالميان را قوت معارضه با ايشان نخواهد بود القصة برادران با شاكردان ومصاحبان كه دوازده هزار بودند ودر زاد المسير كويد هفتاد هزار بمصر آمدند وبنزد فرعون جمع شدند] توهموا انهم بالتأخير وحسن التدبير وبذلك الجد والتشمير يغيرون شيأ من التقدير ولم يعلموا ان الحق غالب والحكم سابق وعند حلول الحكم فلا سلطان للعلم والفهم وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ بعد ما أرسل إليهم الحاشرين قالُوا واثقين بغلبتهم إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ بطريق الاخبار بثبوت الاجر وإيجابه كأنهم قالوا لا بدلنا من اجر عظيم حينئذ او بطريق الاستفهام التقريرى بحذف الهمزة وقولهم ان كنا لمجرد تعيين مناط ثبوت الاجر لا لترددهم فى الغلبة وتوسيط الضمير وتحلية الخبر باللام للقصر اى ان كنا نحن الغالبين لا موسى قالَ نَعَمْ اى ان لكم لاجرا وَإِنَّكُمْ مع ذلك لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ عندى فى المنزلة قال الكلبي قال لهم تكونون أول من يدخل مجلسى وآخر من يخرج منه وفى التأويلات النجمية اجرى الله هذا على لسان فرعون حقا
وصدقا بانهم صاروا من المقربين عند الله لا عند فرعون انتهى [آورده اند كه مهتر اين جماعت چهار تن بودند وآن دو برادر كه شابور وغادور ميكفتند وديكر حطط ومصفى ودر لباب آورده كه اين چهار نيز مهترى بود شمعون نام چون بمصر آمدند وشابور وغادور واقعه سؤال وجواب پدر با قوم كفتند ايشان از قصه خواب وبيدارىء موسى واژدرها شدن عصا استفسار بليغ نمودند معلوم شد كه هرگاه موسى در خوابست عصا اژدرها شده پاسبانى ميكند ايشانرا ترددى پديد آمد ودغدغه در خاطر خطور كرد نهان ميداشتند تا وقتى كه فرعون موسى را طلبيده ومقرر شد كه جادوان مناظره كنند ومجلس معارضه انتظام يافت ساحران وعصا ور سنى چند بميدان آوردند فرعون بالاى تخت بتفرج بنشست ومردم مصر بنظاره حاضر شدند هفتاد هزار ساحر بر يك طرف وموسى وهارون بر يك جانب بايستادند جادوان بطريق ادب پيش آمده] قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ اى عصاك اولا وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ اى حبالنا وعصينا اوّلا خيروا موسى عليه السلام فان كلمة اما فيها للتخيير ويطلق عليها حرف العطف مجازا قال المفسرون تأدبوا مع موسى عليه السلام فكان ذلك سبب ايمانهم قالَ أَلْقُوا ان قيل كيف قال القوا والأمر بالسحر لا يجوز أجيب يجوز القوا ان كنتم محقين على زعمكم ويجوز ان يكون أمرهم بالإلقاء لتأكيد المعجزة قال القاضي قال القوا كرما وتسامحا وازدراء بهم ووثوقا على شأنه يعنى ليس أمرهم بالإلقاء قبله من قبيل الإباحة للسحر والرضى بالكفر. والمعنى القوا ما تلقون فَلَمَّا أَلْقَوْا ما القوا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ [جادويى كردند بر چشمهاى مردمان] بان خيلوا إليهم ما لا حقيقة له قال ابن الشيخ قلبوها وصرفوها على ان تدرك الشيء على ما هو عليه بسبب ما فعلوه من التمويهات وَاسْتَرْهَبُوهُمْ استفعل هاهنا بمعنى افعل والسين لتأكيد معنى الرهبة اى بالغوا فى ارهابهم وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ فى وقته- روى- انهم جمعوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنها حيات جسام غلاظ ولطخوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا الزئبق داخل تلك العصى فلما اثرت حرارة الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض وكانت كثيرة جدا تخيل الناس انها تتحرك وتلتوى باختيارها وصار الميدان كأنه مملوء بالحيات وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ الفاء فصيحة اى فالقاها فصارت حية فاذا هى تلقف اى تلقم وتبتلع من لقف يلقف على وزن علم يعلم يقال لقفته القفة لقفا وتلقفته اتلقفه تلقفا إذا أخذته بسرعة فاكلته وابتلعته ويأفكون اى يزورون من الافك وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه- روى- انها لما تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها بأسرها أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم لا يعلم عددهم الا الله تعالى ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت وأعدم الله بقدرته القاهرة تلك الاجرام العظام او فرقها اجزاء لطيفة فقالت السحرة لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا فَوَقَعَ الْحَقُّ اى ثبت وصدق موسى عليه السلام فى قوله انى رسول من رب العالمين حيث صدقه الله تعالى بما اظهر على يده من المعجزة الباهرة وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اى ظهر بطلان ما كانوا مستمرين على عمله وهو السحر فَغُلِبُوا اى فرعون واتباعه هُنالِكَ
اى فى مجلسهم وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ اى صاروا أذلاء مبهوتين فالانقلاب هنا بمعنى الصيرورة وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ اى خروا سجدا كأنما ألقاهم ملق لشدة خرورهم كيف لا وقد بهرهم الحق واضطرهم الى ذلك. ففى الكلام استعارة تمثيلية حيث شبه حالهم فى سرعة الخرور وشدته حين شاهدوا المعجزة القاهرة بحال من القى على وجهه فعبر عن حالهم بما يدل على حال المشبه به قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ابدلوا الثاني من الاول لئلا يتوهم ان مرادهم فرعون لان فرعون وان ربى موسى وهو صغير الا انه لم يرب هارون قطعا قال ابن عباس آمنت السحرة واتبع موسى من بنى إسرائيل ستمائة الف قالَ فِرْعَوْنُ منكرا على السحرة موبخا لهم على ما فعلوه آمَنْتُمْ بِهِ بهمزة واحدة اما على الاخبار المحض المتضمن للتوبيخ او على الاستفهام التوبيخي بحذف الهمزة كمامر فى ان لنا لأجرا قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ اى بغير ان آذن لكم كما فى قوله تعالى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي لا ان الاذن منه ممكن فى ذلك إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ يعنى ان ما صنعتموه ليس مما اقتضى الحال صدوره عنكم لقوة الدليل وظهور المعجزة بل هو حيلة احتلتموها أنتم وموسى فِي الْمَدِينَةِ يعنى مصر قبل ان تخرجوا الى الميعاد- روى- ان موسى وامير السحرة التقيا فقال له موسى أرأيتك ان غلبتك لتؤمنن بي وتشهدون أن ما جئت به الحق فقال الساحر والله لئن غلبتنى لاؤمنن لك وفرعون يسمعها وهو الذي نشأ عنه هذا القول لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها يعنى القبط وتخلص لكم ولبنى إسرائيل فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عاقبة ما فعلتم وهو تهديد مجمل تفصيله لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ اى من كل شق طرفا يعنى ايديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ على شاطىء نهر مصر على جذوع النخل تفضيحا لكم وتنكيلا لامثالكم قيل هو أول من سن ذلك فشرعه الله تعالى لقطاع الطريق تعظيما لجرمهم ولذلك سماهم تعالى محاربة الله ورسوله قالُوا ثابتين على ما أحدثوا من الايمان وهو استئناف بيانى إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ راجعون اى بالموت لا محالة سواء كان ذلك من قبلك أم لا فلا نبالى بوعيدك او انا الى رحمة ربنا وثوابه منقلبون ان فعلت بنا ذلك كأنهم استطابوه شغفا على لقاء الله تعالى: وفى المثنوى
جانهاى بسته اندر آب وگل چون رهند از آب وكلها شاد دل «١»
در هواى عشق حق رقصان شوند همچوقرص بدر بي نقصان شوند
چون نقاب تن برفت از روى روح از لقاى دوست دارد صد فتوح «٢»
ميزند جان در جهان آبگون نعره يا ليت قومى يعلمون «٣»
وَما تَنْقِمُ مِنَّا اى وما تنكر وما تعيب منا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا وهو خير الأعمال واصل المناقب ليس مما يتأتى لنا العدول عنه طلبا لمرضاتك ثم فزعوا الى الله تعالى فقالوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً اى أفض علينا من الصبر على وعيد فرعون ما يغمرنا كما يغمر الماء فافراغ الماء اى صبه من قبيل الاستعارة شبه الصبر على وعيد فرعون بالماء الغامر تشبيها مضمرا فى النفس وجعل نسبة الإفراغ اليه تخييلا للاستعارة بالكناية لان الإفراغ
(١) در اواسط دفتر يكم در بيان مژده بردن خركوش سوى تخجيران إلخ
(٢) لم أجد
(٣) در اواسط دفتر پنجم در بيان جواب حضرت عزت عزرائيل را كه آنكه نظر بر زحم وتير ندارد إلخ
من لوازم الماء وملائماته وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ ثابتين على ما رزقتنا من الإسلام غير مفتونين من الوعيد قيل لم يقدر عليهم لقوله تعالى أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ وقال ابن عباس رضى الله عنهما فأخذ فرعون السحرة فقطعهم ثم صلبهم على شاطىء نيل مصر وفى المثنوى
ساحران چون حق او بشناختند دست و پادر جرمها در باختند
وفى القصة اشارة الى ان فرعون النفس ايضا منكر على ايمان سحرة صفاتها ويقول آمَنْتُمْ بِهِ اى بموسى الروح من قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ يعنى بالايمان به إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ يا سحرة الصفات فى موافقة موسى الروح فِي الْمَدِينَةِ مدينة القالب والبدن لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها وهو اللذات والشهوات البدنية الجسمانية فان صفات النفس إذا آمنت ووافقت الروح وصفاته خرجت من البدن لذات الدنيا وشهواتها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ حيلى ومكايدى فى ابطالكم واستيفاء اللذات والشهوات لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ بسكين التسويل عن الأعمال الصالحة ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ فى جذوع تعلقات الدنيا وزخارفها قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ لا الى الدنيا وما فيها وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً على قطع تعلقات الدنيا وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ لعبوديتك وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ- روى- ان فرعون بعد ما رأى من موسى عليه السلام ما رأى من معجزة العصا واليد البيضاء خافه أشد الخوف فلذلك لم يجب ولم يتعرض له بسوء بل خلى سبيله فلذلك قال له اشراف قومه أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ اى أتتركهم لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ اى يفسدوا على الناس دينهم فى ارض مصر ويصرفوهم عن متابعتك وَيَذَرَكَ عطف على يفسدوا وَآلِهَتَكَ معبوداتك قيل كان يعبد الكواكب والأصح كما فى التفسير الفارسي انه صنع لقومه أصناما على صورته وأمرهم بان يعبدوها تقربا اليه ولذلك قال انا ربكم الأعلى قالَ فرعون مجيبا لهم سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ [زود باشد كه بكشيم پسران ايشانرا] وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ اى نتركهن احياء ولا نقتلهن بل نستخدمهن والمقصود سنعود الى قتل أبنائهم واستخدام نسائهم كما كنا نفعل وقت ولادة موسى ليعلم انا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ولا يتوهم انه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ اى مستعلون عليهم بالقوة كما كنا لم يتغير حالنا أصلا وهم مقهورون تحت أيدينا كذلك قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ تسلية لهم وعدة لحسن العاقبة حين سمعوا قول فرعون وعجزوا عنه اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ [يارى خواهيد از خداى تعالى در دفع بلاي فرعون] وَاصْبِرُوا على ما سمعتم من أقاويله الباطلة إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ اى ارض مصر يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [ميراث دهد هر كرا ميخواهد از بندگان خود] وَالْعاقِبَةُ [عاقبة نيكو يا نصرت وظفر يا بهشت] لِلْمُتَّقِينَ الذين أنتم منهم لانه روى انه لما غلب سحرة فرعون وتبين نبوة موسى بسطوع حجته آمن بموسى من بنى إسرائيل ستمائة الف نفس واتقوا عن الشرك والعصيان وفيه إيذان بان الاستعانة بالله تعالى والصبر من باب التقوى: قال الحافظ
هذه الثلاث وسمع فيلسوف صوت مغن بارد فقال يزعم اهل الكهانة ان صوت البوم يدل على موت الإنسان فان كان ما ذكروه حقا فصوت هذا يدل على موت البومة
زيبقم در كوش كن تا نشنوم... يا درم بگشاى تا بيرون روم
وتساقطت النجوم فى ايام بعض الأمراء فخاف من ذلك واحضر المنجمين والعلماء فما أجابوا بشىء فقال جميل الشاعر
هذى النجوم تساقطت... لرجوم اعداء الأمير
فتفائل به وامر له بصلة حسنة ولا بأس بان يتفاءل بالفأل الحسن وكان النبي عليه السلام يحب الفأل ويكره الطيرة والفأل الحسن هى الكلمة الصالحة يسمعها من أخيه نحو ان يسمع أحد وهو طالب امر يا واجد يا نجيح او يكون فى سفر فيسمع يا راشد يعنى يا واجد الطريق المستقيم او مريضا فيسمع يا سالم فالتفاؤل بالأمور المشروعة مشروع والطيرة منهى عنها والفرق بين الفأل والطيرة مع ان كل واحد منهما استدلال بالامارة على مآل الأمر وعاقبته ان الأرواح الانسانية أقوى وأصفى من الأرواح البهيمية والطيرية فالكلمة الحسنة التي تجرى على لسان الإنسان يمكن الاستدلال بها بخلاف طيران الطير وحركات البهائم فان أرواحها ضعيفة فلا يمكن الاستدلال بها على شىء من الأحوال ويروى ان النبي عليه السلام حول رداءه فى الاستسقاء وذكر فى الهداية انه كان تفاؤلا يعنى قلب علينا الحال كما قلبنا رداءنا وروى عن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال قلت يا رسول الله انى اسمع منك حديثا كثيرا أنساه فقال (ابسط رداءك) فبسطته ففرق بيديه ثم قال (ضمه) فضممته فما نسيت شيأ بعده وهذا البسط والفرق والضم ليس إلا تفاؤلا والا فالعلم ليس مما يسقط على الرداء ويمكن فيه الفرق والضم ولكن التفاؤل يحصل به يعنى كما بسطت ردائى توقيا لما يسقط فيه فكذلك أصغيت سمعى لما يقع فيه من الكلام وكما أعطيت شخصا كثيرا من الرزق يفرق بين اليدين فكذا أعطيته شيأ كثيرا من العلم وكما يؤمن بالضم من سقوط ما فى الرداء كذلك يؤمن من خروج ما فى السمع او نسيان ما فى الخاطر فبعض الأوضاع يدل على بعض الأحوال كما ان بعض الأسماء يدل على بعض الأمور كما حكى ان عمر رضى الله عنه قال لرجل ما اسمك قال جمرة قال ابن من قال ابن شهاب قال من اين قال من الخرقة قال اين تسكن قال فى الحرة وهى ارض ذات حجارة سود كأنها أحرقت فقال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا فرجع فوجدهم قد احترقوا وأراد عمر رضى الله عنه الاستعانة برجل فسأله عن اسمه فقال ظالم بن سراق فقال تظلم أنت ويسرق أبوك ولم يستعن ودل هذا على تبديل الأسماء القبيحة بالأسماء الحسنة فان فى الأسماء الحسنة التفاؤل ونظير ذلك ما يفهم من قوله عليه السلا (لا تمارضوا فتمرضوا) يعنى ان من اظهر المرض وقال انا مريض فهذا القول والفعل منه يثمر المرض ويؤاخذ به
كفت پيغمبر كه رنجورى بلاغ... رنج آرد تا بميرد چون چراغ
والله الهادي الى الحسنات وهو دافع السيئات وَقالُوا اى فرعون وقومه بعد ما رأوا
او فى لجته ولجة البحر معظم مائه قال الحدادي فى اليم اى فى البحر بلسان العبرانية وهى لغة اليهود وفى التفسير الفارسي فِي الْيَمِّ [در درياى قلزم بنزديك مصر] وذلك ان الله تعالى امر موسى ان يخرج ببني إسرائيل فاستعار نسوة بنى إسرائيل من نساء آل فرعون حليهم وقلن ان لنا خروجا الى عيد فخرج ببني إسرائيل فى أول الليل وهم ستمائة الف من رجل وامرأة وصبى فبلغ الخبر فرعون فركب ومعه الف الف ومائتا الف فادركهم فرعون حين طلعت الشمس وانتهى موسى الى البحر فضرب البحر فانفلق اثنى عشر طريقا وكانت بنو إسرائيل اثنى عشر سبطا فعبر كل سبط طريقا فاقبل فرعون ومن معه فدخلوا بعدهم من حيث دخلوا فلما صاروا جميعا فى البحر امر الله البحر فالتطم عليهم فغرقوا بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ تعليل للاغراق اى كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات التسع التي جاء بها موسى واعراضهم عنها وعدم تفكرهم فيها بحيث صاروا كالغافلين عنها بالكلية والفاء وان دلت على ترتب الإغراق على ما قبله من النكث لكنه صرح بالتعليل إيذانا بان مدار جميع ذلك تكذيب آيات الله والاعراض عنها ليكون ذلك مزجرة للسامعين عن تكذيب الآيات الظاهرة على يد رسول الله ﷺ والاعراض عنها وَأَوْرَثْنَا [ميراث داديم] الْقَوْمَ الَّذِينَ يعنى بنى إسرائيل والقوم مفعول أول لاورثنا كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ اى يستضعفهم القبط ويقهرونهم ويستذلونهم بذبح الأبناء واستخدام النساء والاستعباد مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا مفعول ثان لأورثنا والأرض ارض الشام ومشارقها ومغاربها جهاتها الشرقية والغربية ملكها بنوا إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا فى نواحيها الَّتِي بارَكْنا فِيها بالخصب وسعة الأرزاق صفة للمشارق والمغارب وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى المراد بالكلمة وعده تعالى إياهم بالنصر والتمكين وهو ما ذكره بقوله وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ
وتمامها مضيها وانتهاؤها الى الإنجاز لان العدة بالشيء التزام لا يقاعه بالعبارة واللسان وتمامها لا يكون الا بوقوع الموعود فى الخارج والعيان عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا اى بسبب صبرهم على الشدائد التي كابدوها من جهة فرعون وقومه وَدَمَّرْنا اى خربنا وأهلكنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ من العمارات والقصور اى ودمرنا الذي كان فرعون يصنعه على ان فرعون اسم كان ويصنع خبر مقدم والجملة الكونية صلة ما والعائد محذوف تقديره ودمرنا الذي كان يصنعه فرعون وَما كانُوا يَعْرِشُونَ اى يرفعون من الجنات اى الكروم والأشجار قال فى زبدة التفاسير العرش سقف فى الكروم والأشجار واشارت الآية الى ان العزيز من أعزه الله والذليل من اذله الله ومن صبر على مقاساة الذل فى الله توجه بتاج العزة وجعل له حسن العاقبة والله تعالى كما وعد لبنى إسرائيل وأنجز وعده فاستخلفهم فى مشارق الأرض ومغاربها كذلك وعد لهذه الامة كما قال تعالى فى سورة النور وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ والمراد بالأرض ارض الكفار من العرب والعجم
والعجب النفساني وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يعنى صفات القلب لاستخدام النفس وصفاتها وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ يعنى فكان فى استخدام صفات القلب للنفس وصفاتها بان تعمل الصالحات رياء وسمعة لجلب المنافع الدنيوية لحظوظ النفس بلاء عظيم من ربكم فخلصكم منه لئلا تطلبوا غيره ولا تعبدوا سواه فلا تركنوا الى الروحانية والى المعقولات لكى تظفروا بمراتب الوصول ودرجات الوصال كذا فى التأويلات النجمية وعن بعض الكبار أول وصال العبد الحق هجرانه لنفسه وأول هجران الحق العبد مواصلته لنفسه وأول درجات القرب محو شواهد النفس واثبات شواهد الحق ومن طلب الدلالة فانها لا غاية لها ومن طلب الله عز وجل وحده باول خطوة يقصده بها: قال الحافظ
آنكه پيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم
غرض ز مسجد وميخانه أم وصال شماست جز اين خيال ندارم خدا كواه منست
قال بعض الصالحين عرضت على الدنيا بزينتها فاعرضت عنها ثم عرضت الاخرى بحورها وقصورها وزينتها فاعرضت عنها فقيل لى لو أقبلت على الاولى حجبناك عن الاخرى ولو أقبلت على الاخرى حجبناك عنا فها نحن لك وقسمتك فى الدارين تأتيك وقال احمد بن حضرويه رأيت رب العزة فى المنام فقال لى يا احمد كل الناس يطلبون منى الا أبا يزيد فانه يطلبنى وقال ابراهيم بن أدهم رأيت جبريل عليه السلام فى المنام وبيده قرطاس فقلت ما تصنع به قال اكتب اسماء المحبين فقلت اكتب تحتهم محب المحبين ابراهيم بن أدهم فنودى يا جبريل اكتبه فى أولهم وَواعَدْنا الوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها مُوسى اسم أعجمي لا اشتقاق فيه واما موسى الحديد فهو مفعل من اوسيت رأسه إذا حلقته او فعلى من ماس يميس إذا تبختر فى مشيه فسميت موسى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الخلق ثَلاثِينَ لَيْلَةً [سى شبانه روز چون مدار حساب شهور عرب برؤية هلالست وآن بشب مرئى ميشود تاريخ را بشب مقيد كرد] وثلاثين مفعول ثان لواعدنا على حذف المضاف اى تمام او مكث ثلاثين قال ابن الشيخ الموعود يجب ان يكون من فعل الواعد ونفس الثلاثين ليس كذلك فكأنه قيل وواعدنا موسى ما يتعلق بثلاثين ليلة وهو منا إنزال عند إتمام صوم الثلاثين ومن موسى صوم تلك المدة وإتيان الطور انتهى بتغيير عبارته فواعدنا ليس بمعنى وعدنا بل على بابه بناء على تنزيل قبول موسى عليه السلام منزلة الوعد وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ اى زدنا على تلك الثلاثين عشر ليال فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ ما وقت له فى الوقت الذي ضرب له والفرق بين الميقات والوقت ان الميقات وقت تقدر لان يقع فيه عمل من الأعمال وان الوقت ما يقع فيه شىء سواء قدره مقدر لان يقع فيه ذلك الشيء أم لا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً حال من قوله ميقات ربه اى تم بالغا هذا العدد وقيل هو مفعول تم لانه بمعنى بلغ- روى- ان موسى عليه السلام وعد بنى إسرائيل وهم بمصر ان أهلك الله عدوهم أتاهم بكتاب فيه بيان ما يأتون وما يذرون فلما هلك فرعون سأل موسى ربه الكتاب فامره بصوم ثلاثين وهو ذو القعدة بتمامه ليكلمه ويوحى اليه ويكرمه بماتيم به امر نبوته فصامهن موسى عليه السلام على طريق المواصلة بين ليلهن ونهارهن وانما لم يجع فى تلك المدة وصبر ولم يصبر نصف
227
يوم فى سفر الخضر حيث قال آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قيل لان سفر الحضر سفر التأديب والامتحان والابتلاء فزاد البلاء على الابتلاء حتى جاع فى نصف يوم فى صحبة المخلوق وحضوره الجبل وسفره اليه سفر اللقاء وصحبة الحق فانساه هيبة الموقف الطعام والشراب وأغناه من غيره ثم لما أتم الثلاثين وانسلخ الشهر أنكر خلوف فيه اى كره ان يكلم ربه وريح فمه ريح فم الصائم فتسوك بعود خرنوب وتناول شيأ من نبات الأرض فمضغه فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فافسدته بالسواك وقيل اوحى الله تعالى اليه اما علمت ان ريح فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك ولذاكره التسوك عند الشافعي فى آخر نهار الصوم بناء على ان السواك يزيل الخلوف فامر الله تعالى بان يزيد عليها عشرة ايام من ذى الحجة ليعودفوه الى ما كان عليه فصام فتشرف بالوحى والكليم يوم النحر كذا قال اهل التفسير وفيه ان الوحى والتكليم إذا كان يوم النحر يلزم ان لا يكون ايام الصوم أربعين كملا
وهو مخالف للنص اللهم الا ان تعتبر الليالى او كان صوم يوم النحر مشروعا فى شريعته هكذا لاح بالبال ثم ان موسى عليه السلام لما أراد الانطلاق الى الجبل للمناجاة امره الله تعالى ان يختار سبعين رجلا من قومه من ذوى الحجى والعقل ليشهدوا له على ما يشاهدونه من كرامة الله تعالى إياه ففعل واستخلف هارون أخاه فى قومه كما قال تعالى وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ قبل انطلاقه الى الجبل الذي امر بالعبادة فيه كما فى تفسير الحدادي وهارون عطف بيان اخْلُفْنِي كن خليفتى وقم مقامى فِي قَوْمِي وراقبهم فيما يأتون ويذرون وَأَصْلِحْ ما يحتاج الى الإصلاح من أمورهم وسرفيهم السيرة الصالحة التي لا فساد فيها وثبتهم على ما اخلفهم عليه من الايمان واخلاص العبادة وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ اى ولا تتبع من سألك الإفساد ولا تطع من دعاك اليه وذلك ان موسى عليه السلام كان يشاهد كثرة خلافهم حالا بعد حال فاوصاه فى أمرهم فان قيل ان هارون كان شريك موسى فى النبوة قال تعالى خبرا عن موسى وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فكيف استخلفه قلنا المأموران بشىء لا ينفرد أحدهما بفعله الا بامر صاحبه فلذلك قال اخلفني ولأن موسى كان أصلا فيها وهارون معينا له قال موسى فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي ولهذا كان هو المناجى على الخصوص والمعطى للالواح ولما امر بالذهاب الى فرعون سأل الله ان يشرك معه هارون ولما ذهب الى الطور للمناجاة خلفه فى قومه واستخلفه وهو موضع الاعتراض فى الظاهر ولكن لا اعتراض على الأكابر لان حركاتهم الظاهرة انما تنبعث من دواعى قلوبهم وتلك الدواعي الهامات واردة من الله تعالى لا صنع لهم فيها فمن عرف دورانهم بامر الهى هان عليه التطبيق والتوفيق وسقط عنه الاعتراض على اصحاب التحقيق مع ان درجات الأنبياء متفاضلة كما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فمن منع الرؤية عن موسى منع المناجاة عن هارون وكون هارون شريكه فى الأمر الظاهر لا يقتضى ان يكون رديفه فى الأمر الباطن فان لكل مقام رجالا
رموز مصلحت ملك خسروان دانند كداى كوشه نشينى تو حافظا مخروش
انظر ان موسى عليه السلام استخلف هارون واعتمد عليه فى حفظ قومه فعبدوا العجل
228
بِقُوَّةٍ بجد وعزيمة وَأْمُرْ قَوْمَكَ اى على طريق الندب والحث على اختيار الأفضل يَأْخُذُوا اى ليأخذوا بِأَحْسَنِها الباء زائدة فى المفعول به. الأحسن العزائم والحسن الرخص يعنى ليعلموا ان ما هو عزيمة يكون ثوابه اكثر كالجمع بين الفرائض والنوافل والصبر بالاضافة الى الانتصار وغير ذلك قال قطرب اى بحسنها وكلها حسن كقوله تعالى وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ سَأُرِيكُمْ يا بنى إسرائيل دارَ الْفاسِقِينَ دار فرعون وقومه بمصر خاوية على عروشها ومنازل عاد وثمود واضرابهم لتعتبروا فلا تفسقوا بمخالفة ما أمرتم به من العمل باحكام التوراة او ارض مصر وارض الجبابرة والعمالقة بالشام. ومعنى الاراءة الإدخال بطريق الايراث فعلى الاول يكون وعيدا وترهيبا وعلى الثاني وعدا وترغيبا وفى الآية اشارة الى ان طلب الآخرة كان احسن من طلب الدنيا كذلك طلب الله احسن من طلب الآخرة فعلى العاشق ان يختار الأحسن وقوله سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ يعنى الخارجين من طلب الآخرة فدارهم الجنة ودار الخارجين من طلب الآخرة الى طلب الله فى مقعد صدق عند مليك مقتدر: قال الحافظ
سايه طوبى ودلجويىء حور ولب حوض بهواي سر كوى تو برفت از يادم
نيست بر لوح دلم جز الف قامت دوست چهـ كنم حرف دكر ياد نداد استادم
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ المراد بالآيات ما كتب فى الواح التوراة من المواعظ والاحكام وغيرها من الآيات التكوينية التي من جملتها ما وعد إراءته من دار الفاسقين ومعنى صرفهم عنها الطبع على قلوبهم بحيث لا يكادون يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها لاصرارهم على ما هم عليه من التكبر والتجبر. والمعنى ساطبع على قلوب الذين يعدون أنفسهم كبراء ويرون لهم على الخلق مزية وفضلا فلا ينتفعون بآياتى التنزيلية والتكوينية المنصوبة فى الأنفس والآفاق ولا يغتنمون بمغانم آثارها فلا تسلكوا يا بنى إسرائيل مسلكهم فتكونوا أمثالهم بِغَيْرِ الْحَقِّ صلة للتكبر اى يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل وظلمهم المفرط قال ابن الشيخ لما كان التكبر مؤديا الى الحرمان من الانتفاع بالآيات المذكورة وتضييعها كان المقصود من الآية تحذير بنى إسرائيل عن التكبر المفضى الى ان يصرفهم الله عن التفكر فى الآيات والاهتداء بها حتى يأخذوا احكام التوراة بجد ورغبة انتهى فالآية متصلة بقصة بنى إسرائيل ويحتمل ان تكون كلاما معترضا خلال قصتهم اخبر به رسول الله انه حرم المتكبرين من أمته فهم معانى القرآن والتدبر فيها كما قيل ابى الله تعالى ان يكرم قلوب الظالمين بتمكينهم من فهم حكمة القرآن والاطلاع على عجائبه حيفست چنين كنج در ان ويرانه وَإِنْ يَرَوْا يشاهدوا كُلَّ آيَةٍ من الآيات كانت معجزة لا يُؤْمِنُوا بِها اى كفروا بكل واحدة منها لعدم اجتلائهم إياها كما هى وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا اى لا يتوجهون الى الحق ولا يسلكون سبيله أصلا لاستيلاء الشيطنة عليهم ومطبوعيتهم على الانحراف والزيغ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا اى يختارونه لانفسهم مسلكا مستمرا لا يكادون يعدلون عنه لموافقته لاهوائهم الباطلة وافضائه بهم الى
وقاربوا قتلى فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ اى فلا تفعل بي ما يكون سببا لشماتتهم بي وبالفارسي [پس شادمان مكردان بمن دشمنانرا و چنان مكن كه آرزوى ايشان حاصل شود از اهانت من] يقال شمت به شمت شماتة من باب علم يعلم إذا فرح ببلية أصابت عدوه ثم ينقل الى باب الافعال للتعدية فالشماتة [شادى كردن بمكروهى كه دشمن را رسد] ويعدى بالباء. والاشمات [شاد كام كردن دشمن] كما فى تاج المصادر وشماتة العدو أشد من كل بلية فلذلك قيل والموت دون شماتة الأعداء وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ اى معدودا فى عدادهم بالمؤاخذة او النسبة الى التقصير والاشارة ان هارون القلب أخ موسى الروح والأعداء النفس والشيطان والهوى والقوم الظالمون هم الذين عبدوا عجل الدنيا وهم صفات القلب يشير الى ان صفات القلب تتغير وتتلون بلون صفات النفس ورعوناتها ومن هنا يكون شنشنة الشطار من ارباب الطريقة ورعوناتهم وزلات أقدامهم ولكن القلب من حيث هو هو لا يتغير عما جبل عليه من محبة الله وطلبه وانما تتغير صفاته كما ان النفس لا تتغير من حيث هى هى عما جبلت عليه من حب الدنيا وطلبها وانما تتغير صفاتها من الامارية الى اللوامية والملهمية والمطمئنية والرجوع الى الحق ولو وكلت الى نفسها طرفة عين لعادت المشومة الى طبعها وجبلتها سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا قالَ موسى وهو استئناف بيانى رَبِّ اغْفِرْ لِي اى ما فعلت بأخي من غير ذنب مقرر من قبله وَلِأَخِي اى ان فرط فى كفهم استغفر عليه السلام لنفسه ليرضى أخاه ويظهر للشامتين رضاه لئلا تتهم به ولاخيه للايذان بانه محتاج الى الاستغفار حيث كان عليه ان يقاتلهم وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ بمزيد الانعام علينا بعد غفران ما سلف منا قال الحدادي اى فى جنتك وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وأنت ارحم بنا منا على أنفسنا ومن آبائنا وأمهاتنا- حكى- انه اعتقل لسان فتى عن الشهادة حين اشرف على الموت فاخبروا النبي عليه السلام فدخل عليه وعرض الشهادة فاضطرب ولم يعمل لسانه فقال عليه السلام اما كان يصلى اما كان يزكى اما كان يصوم قالوا بلى قال فهل عق والديه قالوا نعم قال هاتوا بامه فجاءت وهى عجوز عوراء فقال عليه السلام هلا عفوت عنه فقالت لا أعفو لانه لطمنى ففقاء عينى قال هاتوا بالحطب والنار قالت ما تصنع قال أحرقه بالنار بين يديك جزاء لما عمل قالت عفوت عفوت أللنار حملته تسعة أشهر أللنار ارضعته سنتين فأين رحمة الام فعند ذلك انطلق لسانه بالكلمة والنكمة انها كانت رحيمة لارحمانة فللقليل من رحمتها ما جوزت إحراقه بالنار فالله الذي لا يتضرر بجناية العباد كيف يستجيز إحراق المؤمن المواظب على كلمة الشهادة سبعين سنة وهو ارحم الراحمين: قال الحافظ
لطف خدا بيشتر از جرم ماست نكته سربسته چهـ دانى خموش
وقال
دلا طمع مبر از لطف بى نهايت دوست كه ميرسد همه را لطف بى نهايت او
قال بعض اهل التفسير ان قابيل لما قتل أخاه هابيل اشتد ذلك على آدم فقال الله تعالى يا آدم
العقوبة والرحمة إيصال الخير وقدم الاول على الثاني لان دفع المضرة مقدم على تحصيل المنفعة وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة. وايضا كل من سواك انما يتجاوز عن الذنب اما طلبا للثناء الجميل او للثواب الجزيل او دفعا للقسوة من القلب واما أنت فتغفر ذنوب عبادك لا لاجل غرض وعوض بل بمحض الفضل والكرم فلا جرم أنت خير الغافرين وارحم الراحمين وتخصيص المغفرة بالذكر لانها الأهم بحسب المقام وَاكْتُبْ لَنا اى اثبت وعين لنا وذكر الكتابة لانها أدوم فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً حسن معيشة وتوفيق طاعة وَفِي الْآخِرَةِ اى واكتب لنا فيها ايضا حسنة وهى المثوبة الحسنى او الجنة إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ تعليل لطلب الغفران والرحمة من هاد يهود إذا رجع اى تبنا ورجعنا إليك عما صنعنا من المعصية العظيمة التي جئناك للاعتذار عنها وعما وقع هاهنا من طلب الرؤية فبعيد من لطفك وفضلك ان لا تقبل توبة التائبين. قيل لما اخذتهم الرجفة ماتوا جميعا فاخذ موسى عليه السلام يتضرع الى الله حتى أحياهم وقد تقدم فى سورة البقرة قالَ استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قال الله تعالى عند دعاء موسى عليه السلام فقيل قال عَذابِي [عذاب من وصفت او آنست كه] أُصِيبُ بِهِ الباء للتعدية معناه بالفارسية [ميرسانم] مَنْ أَشاءُ تعذيبه من غير دخل لغيرى فيه وَرَحْمَتِي [ورحمت من وصفت او آنست كه] وَسِعَتْ فى الدنيا معناه [رسيده است] كُلَّ شَيْءٍ المؤمن والكافر بل المكلف وغيره من كل ما يدخل تحت الشيئية وما من مسلم ولا كافر الا وعليه آثار رحمته ونعمته فى الدنيا فبها يتعيشون وبها ينقلبون ولكنها تخص فى الآخرة بالمؤمنين كما قال تعالى فَسَأَكْتُبُها اى أثبتها وأعينها فى الآخرة لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الكفر والمعاصي وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ خصها بالذكر لانها كانت أشق عليهم وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا جميعا يُؤْمِنُونَ ايمانا مستمرا فلا يكفرون بشىء منها قال ابن عباس رضى الله عنهما لما أنزلت هذه الآية تطاول لها إبليس فقال انا شىء من الأشياء فاخرجه الله تعالى من ذلك بقوله فَسَأَكْتُبُها إلخ فقالت اليهود والنصارى نحن نتقى ونؤتى الزكاة ونؤمن بآيات ربنا فاخرجهم الله تعالى منها بقوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ فى محل الجر على انه صفة للذين يتقون او بدل منه يعنى محمدا ﷺ الذي نوحى اليه كتابا مختصا به النَّبِيَّ اى صاحب المعجزة وقال البيضاوي انما سماه رسولا بالاضافة الى الله ونبيا بالاضافة الى العباد الْأُمِّيَّ الذي لا يكتب ولا يقرأ وكونه عليه السلام اميا من جملة معجزاته فانه عليه السلام لو كان يحسن الخط والقراءة لصار متهما بانه ربما طالع فى كتب الأولين والآخرين فحصل هذه العلوم بتلك المطالعة فلما اتى بهذا القرآن العظيم المشتمل على علوم الأولين والآخرين من عير تعلم ومطالعة كان ذلك من جملة معجزاته الباهرة.
نكار من كه بمكتب نرفت وخط ننوشت بغمزه مسأله آموز صد مدرس شد
من كان القلم الأعلى يخدمه واللوح المحفوظ مصحفه ومنظره لا يحتاج الى تصوير الرسوم وقد وصف الله تعالى هذه الامة فى الإنجيل امة محمد أناجيلهم فى صدورهم ولو لم يكن رسم الخطوط لكانوا يحفظون شرائعه ﷺ بقلوبهم لكمال قوتهم وظهور استعداداتهم. والام
251
الأصل وعنده أم الكتاب الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً باسمه وصفته عِنْدَهُمْ متعلق يجدون او بمكتوبا وكذا قوله فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ اللذين تعبد بهما بنوا إسرائيل سابقا ولا حقا: وفى المثنوى
پيش از انكه نقش احمد رو نمود نعت او هر كبر را تعويذ بود
سجده مى كردند كارى رب بشر در عيان آريش هر چهـ زودتر
نقش او مى كشت اندر راهشان در دل ودر كوش در أفواه شان
اين همه تعظيم وتفخيم ووداد چون بديدنش بصورت برد باد
قلب آتش ديد در دم شد سياه قلب را در قلب كى بودست راه
فان قيل الرحمة المذكورة لو اختصت بهم لزم ان لا تثبت لغيرهم من المؤمنين وليس كذلك أجيب بان هذا الاختصاص بالاضافة الى بنى إسرائيل الموجودين فى زمان النبي الأمي ولم يؤمنوا به لا بالاضافة الى جميع ما عداهم يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ اى بالتوحيد وشرائع الإسلام وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ اى عن كل ما لا يعرف فى شريعة ولا سنة وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ التي حرمت عليهم بشؤم ظلمهم كالشحوم وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ كالدم ولحم الخنزير. فالمراد بالطيبات ما يستطيبه الطبع ويستلذه. وبالخبائث ما يستخبثه الطبع ويتنفر منه فتكون الآية دليلا على أن الأصل فى كل ما يستطيبه الطبع الحل وكل ما يستخبثه الطبع الحرمة الا لدليل منفصل. ويجوز ان يراد بهما ما طاب فى حكم الشرع. وما خبث كالربا والرشوة ومدلول الآية حينئذ ان ما يحكم الشرع بحله فهو حلال وما يحكم بحرمته فهو حرام ولا حكم لاستطابة الطبع واستخباثه فيهما وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ اى يخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعين القصاص فى العمد والخطأ من غير شرع الدية وقطع الأعضاء الخاطئة وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب وعدم الاكتفاء بغسله وإحراق الغنائم وتحريم العمل يوم السبت بالكلية شبهت هذه التكاليف الشاقة بالحمل الثقيل وبالاغلال التي تجمع اليد الى العنق واصل الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه اى يحبسه من الحراك لثقله فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ اى بنبوة الرسول النبي الأمي وأطاعوه فى أوامره ونواهيه وَعَزَّرُوهُ اى عظموه ووقروه وأعانوه بمنع أعدائه عنه وَنَصَرُوهُ على أعدائه فى الدين وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ يعنى القرآن الذي ضياؤه فى القلوب كضياء النور فى العيون قال صاحب الكشاف فان قلت ما معنى قوله انزل معه وانما انزل مع جبريل قلت انزل مع نبوته لان استنباءه كان مصحوبا بالقرآن مشفوعا به انتهى فمعه متعلق بانزل حال من ضميره بتقدير المضاف اى انزل ذلك النور مصاحبا لنبوته أُولئِكَ المنعوتون بتلك النعوت الجلية هُمُ الْمُفْلِحُونَ اى الفائزون بالمطلوب الناجون من الكروب لا غيرهم من الأمم فيدخل فيهم قوم موسى دخولا أوليا حيث لم ينجوا مما فى توبتهم من المشقة الهائلة وبه يتحقق التحقيق ويتأتى التوفيق والتطبيق بين دعائه عليه السلام وبين الجواب وهو من قوله عذابى الى هنا فقد علم ان اتباع القرآن وتعظيم النبي عليه السلام بعد الايمان سبب للفوز والفلاح
252
عند الرحمن ونصرته عليه السلام على العموم والخصوص فالعموم للعامة من اهل الشريعة والخصوص للخاصة من ارباب الطريقة واصحاب الحقيقة وهم الواصلون الى كمال أنوار الايمان واسرار التوحيد بالإخلاص والاختصاص واعلم ان المقصود الإلهي من ترتيب سلسلة الأنبياء عليهم السلام هو وجود محمد ﷺ فوجود الأنبياء قبله كالمقدمة لوجوده الشريف فهو الخلاصة والنتيجة والزبدة واشرف الأنبياء والمرسلين كما قال عليه السلام (فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لى الغنائم وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبيون) وكذلك المقصود من الكتب الالهية السالفة هو القرآن الذي انزل على النبي عليه السلام فهو زبدة الكتب الالهية وأعظمها ومصدق لما بين يديه لانه بلفظ قد أعجز البلغاء ان يأتوا بسورة من مثله وبمعناه جامع لما فى الكتب السالفة من الاحكام والآداب والفضائل متضمن للحجج والبراهين والدلائل وكذا المقصود من الأمم السالفة هو هذه الامة المرحومة اعنى امة محمد ﷺ فهى كالنتيجة لما قبلها وهى الامة الوسط كما قال تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً وكذا المقصود من الملوك الماضية والسلاطين السالفة هو الملوك العثمانية فهم زبدة الملوك ودولتهم زبدة الدول حيث لا دولة بعدها لغيرهم الى ظهور المهدى وعيسى ويقاتلون من هم مبادى الدجال من الكفرة الفجرة من الافرنج والانكروس وغيرهم ولهم الجمعية الكبرى واليد الطولى والدولة العظمى فى الأقاليم السبعة وأطراف البلاد من المغرب والمشرق ولم يعط هذا لواحد قبل دولتهم ويدل على هذه الجمعية كون اسم جدهم الأعلى عثمان فان عثمان رضى الله عنه جامع القرآن فهم مظاهر لاسم الحق كما كان عمر رضى
الله عنه كذلك حيث انه لما اسلم قال يا رسول الله ألسنا على الحق قال عليه السلام (والذي بعثني بالحق نبيا كلنا على الحق) قال انا والذي بعثك بالحق نبيا لا نعبد الله بعد اليوم سرا فاظهر الله الدين بايمانه فكان ظهور الدين مشروطا بايمانه فهذا أول الظهور ثم وثم الى ان انتهى الى زمن الدولة العثمانية ولذلك يقاتلون على الحق فالسيف الذي بيدهم قد ورثوه كابرا عن كابر ومجاهدا عن مجاهد- حكى- ان عثمان الغازي جد السلاطين العثمانية انما وصل الى ما وصل برعاية كلام الله تعالى وذلك انه كان من أسخياء زمانه يبذل النعم للمترددين فثقل ذلك على اهل قريته وانعكس اليه ذلك وذهب ليشتكى من اهل القرية الى الحاج بكتاش او غيره من الرجال فنزل فى بيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا هو كلام الله تعالى فقال ليس من الأدب ان نقعد عند كلام الله فقام وعقد يديه مستقبلا اليه فلم تزل الى الصبح فلما أصبح ذهب الى طريقه فاستقبله رجل وقال انا مطلبك ثم قال له ان الله تعالى عظمك واعطاك وذريتك السلطنة بسبب تعظيمك لكلامه ثم امر بقطع شجرة وربط برأسها منديلا وقال ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل أول غزوته الى بلاجك وفتح بعناية الله تعالى ثم اذن له السلطان علاء الدين فى الظاهر ايضا فصار سلطانا ثم بعد ارتحاله صار ولده او رخان سلطانا ففتح هو بروسة المحروسة بالعون الإلهي فالدولة العثمانية من ذلك الوقت الى هذا الآن على الازدياد
253
بسبب تعظيم كلام الله القديم وكما ان الله تعالى اظهر لطفه للاولين كذلك يظهره للآخرين وان كان فى بعض الأوقات بظهر القهر والجلال تأديبا وتنبيها فتحته لطف وجمال: قال السعدي قدس سره
ز ظلمت مترس اى پسنديده دوست كه ممكن بود كاب حيوان دروست
دل از بي مرادى بفكرت مسوز شب آبستن است اى برادر بروز
والاشارة فى الآيات ان الله تعالى امتحن موسى عليه السلام باختيار قومه ليعلم ان المختار من الخلق من اختاره الله لا الذي اختاره الخلق وان الله الاختيار الحقيقي لقوله وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ وليس للخلق الاختيار الحقيقي لقوله ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ثم استخرج من القوم المختار ما كان موجبا للرجفة والصعقة والهلاك وهو سوء الأدب فى سؤال الرؤية جهارا وكان ذلك مستورا عن نظر موسى متمكنا فى جبلتهم وكان الله المتولى للسرائر وحكم موسى بظاهر صلاحيتهم فاراه الله ان الذي اختاره يكون مثلك كقوله تعالى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى والذي تختاره يكون كالقوم فلما تحقق لموسى ان المختار من اختاره الله حكم بسفاهة القوم واظهر الاستكانة والتضرع والاعتذار والتوبة والاستغفار والاسترحام كما قال فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا وفيه اشارة اخرى الى ان نار شوق الرؤية كما كانت متمكنة فى قلب موسى بالقوة وانما ظهرت بالفعل بعد ان سمع كلام الله تعالى فان من اصطكاك زناد الكلام وحجر القلب ظهر شرر نار الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان الصدوق وشعلت شعلة السؤال فقال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ كذلك كانت نار الشوق متمكنة فى أحجار قلوب القوم فباصطكاك زناد سمع الكلام ظهر شرر الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان ولما لم يكن اللسان لسان النبوة صعد منه دخان السؤال الموجب للصعقة والرجفة والسر فيه ان يعلم موسى وغيره ان قلوب العباد مختصة بكرامة إيداع نار المحبة فيها لئلا يظن موسى انه مخصوص به ويعذر غيره فى تلك المسألة فانها من غلبات الشوق تطرأ عند استماع كلام المحبوب ولذا قال عليه السلام (ما خلق الله من بنى آدم من بشر الا وقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن ان شاء اقامه وان شاء ازاغه) وبالاصبعين يشير الى صفتى الجمال والجلال وليس لغير الإنسان قلب مخصوص بهذه الكرامة واقامة القلب وازاغته فى ان يجعله مرآة صفات الجمال فيكون الغالب عليه الشوق والمحبة لطفا ورحمة وفى ان يجعله مرآة صفات الجلال فيكون الغالب عليه الحرص على الدنيا والشهوة قهرا وعزة فانكتة فيه ان قلب موسى عليه السلام لما كان مخصوصا بالاصطفاء للرسالة والكلام دون القوم كان سؤاله لرؤية شعلة نار المحبة مقرونا بحفظ الأدب على بساط القرب بقوله رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قدم عزة الربوبية واظهر ذلة العبودية وكان سؤال القوم من القلوب الساهية اللاهية فان نار الشوق تصاعدت بسوء الأدب فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً قدموا الجحود والإنكار وطلبوا الرؤية جهارا فاخذتهم الصاعقة بظلمهم فشتان بين صعقه موسى وصعقة قومه فان صعقته كانت صعقة اللطف مع تجلى صفة الربوبية وان صعقتهم كانت صعقة القهر عند اظهار صفة العزة والعظمة ولما كان موسى عليه السلام ثابتا فى مقام
254
التوحيد كان ينظر بنور الوحدة فيرى الأشياء كلها من عند الله فرأى سفاهة القوم وما صدر منهم من آثار صفة قهره فتنة واختبارا لهم فلما دارت كؤوس شراب المكالمات وسكر موسى باقداح المناجاة زل قدمه على بساط الانبساط فقال إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ اى تزيغ قلب من تشاء بإصبع صفة القهر وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ اى تقيم قلب من تشاء بإصبع صفة اللطف أَنْتَ وَلِيُّنا اى المتولى لامورنا والناصر فى هدايتنا فَاغْفِرْ لَنا ما صدر منا وَارْحَمْنا بنعمة الرؤية التي سألنا كها وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ اى خير من يستر على ذنوب المذنبين يعنى انهم يسترون الذنب ولا يعطون سؤلهم فانت الذي تستر الذنب وتبدله بالحسنات وتعطى سؤل اهل الزلات وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً يعنى حسنة الرؤية كما كتبت لمحمد عليه السلام ولخواص أمته هذه الحسنة فى الدنيا وفى الآخرة يعنى خصنا بهذه الفضيلة فى الدنيا وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ رجعنا إليك فى طلب هذه الفضيلة بالسر لا بالعلانية وأنت الذي تعلم السر والأخفى وأجابهم الله تعالى سرا بسر وإضمارا بإضمار قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ اى بصفة قهرى آخذ من أشاء وبقراءة من قرأ من أساء اى من أساء فى الأدب عند سؤال الرؤية حيث قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله
جهرة آخذهم على سوء أدبهم فادبهم بتأديب عذاب الفرقة وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ نعمة وإيجادا وتربية فَسَأَكْتُبُها يعنى حسنة الرؤية والرحمة بها التي أنتم تسألونها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ يعنى يتقون بالله عن غيره ويؤتون من نصاب هذا المقام الزكاة الى طلابه وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ يعنى الذين هم يؤمنون بانوار شواهد الآيات لا بالتقليد بل بالتحقيق وهم خواص هذه الامة كما عرف أحوالهم وصرح أعمالهم بقوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ وفيه اشارة الى ان فى أمته من يكون مستعدا لاتباعه فى هذه المقامات الثلاثة وهى مقامات الرسالة والنبوة التي هى مشتركة بينه وبين الرسول والأنبياء والمقام الأمي الذي هو مخصوص به ﷺ من بين الأنبياء والرسل عليهم السلام ومعنى الأمي انه أم الموجودات واصل المكونات كما قال (أول ما خلق الله روحى) وقال حكاية عن الله (لولاك لما خلقت الكون) فلما كان هو أول الموجودات وأصلها سمى اميا كما سميت مكة أم القرى لانها كانت مبدأ القرى وأصلها وكما سمى أم الكتاب اما لانه مبدأ الكتب وأصلها فاما اتباعه فى مقام الرسالة والنبوة فبان يأخذ ما آتاه الرسول وينتهى عما نهاه عنه كما قال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فان الرسالة تتعلق واحكام الظاهر والنبوة تتعلق بأحوال الباطن فللعوام شركة مع الخواص فى الانتفاع من الرسالة وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة فمن ادى حقوق احكام الرسالة فى الظاهر يفتتح له بها احوال النبوة فى الباطن من مقام تنبئة الحق تعالى بحيث يصير صاحب الإشارات والإلهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف الملكية وربما يؤول حاله الى ان يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة ولعله يصير مأمورا بدعوة الخلق الى الحق بالمتابعة لا بالاستقلال كما قال عليه السلام (علماء أمتي كانبياء بنى إسرائيل) يشير الى هذا القوم وذلك ان المتقدمين من بنى إسرائيل فى زمن الأنبياء عليهم السلام لما وصلوا الى مقام
255
كشت] مِنْهُ [از آن سنك] اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [دوازده چشمه] بعدد الأسباط قال الحدادي الانبجاس خروج الماء قليلا والانفجار خروجه واسعا وانما قال فانجبست لان الماء كان يخرج من الحجر فى الابتداء قليلا ثم يتسع فاجتمع فيه صفة الانجباس والانفجار قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ كل سبط عبر عنهم بذلك إيذانا بكثرة كل واحد من الأسباط مَشْرَبَهُمْ اى عينهم الخاصة بهم وكان كل سبط يشربون من عين لا يخالطهم فيها غيرهم للعصبية التي كانت بينهم قال ابن الشيخ كان فى ذلك الحجر اثنتا عشرة حفرة فكانوا إذا نزلوا وضعوا الحجر وجاء كل سبط الى حفرته فحفروا الجداول الى أهلهم فذلك قوله تعالى قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ اى موضع شربهم وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ اى جعلناها بحيث تلقى عليهم ظلها تسير فى التيه بسيرهم وتسكن بإقامتهم لتقيهم حر الشمس فى النهار وكان ينزل بالليل عمود من نار يسيرون بضوئه وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ الترنجبين قال فى القاموس المن كل طل ينزل من السماء على شجر او حجر ويحلو وينعقد عسلا ويجف جفاف الصمغ كالشير خشت والترنجبين وَالسَّلْوى قال القزويني وابن البيطار انه السمانى وقال غيرهما طائر قريب من السمانى قال فى التفسير الفارسي [مرغى بر شكل سمانى وآن طائريست در طرف يمن از كنجشك بزركتر واز كبوتر خردتر] وانما سمى سلوى لان الإنسان يسلو به عن سائر الادام وفى الحديث (أطيب اللحم لحم الطير) وفى الحديث ايضا (سيد الادام فى الدنيا والآخرة اللحم وسيد الشراب فى الدنيا والآخرة الماء وسيد الرياحين فى الدنيا والآخرة الفاغية) ويدل على كون اللحم سيد الطعام ايضا قوله ﷺ (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) قيل كان ينزل عليهم المن مثل الثلج من الفجر الى الطلوع لكل انسان صاع وتبعث الجنوب عليهم السمانى فيذبح الرجل منه ما يكفيه كُلُوا اى قلنا لهم كلوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ اى مستلذاته وما موصولة كانت او موصوفة عبارة عن المن والسلوى قال فى التفسير الفارسي [از پاكيزها آنچهـ بمحض عنايت روزى كرديم شما را يعنى هر چهـ روزى ميرسد بخوريد وبراى خود ذخيره منهيد پس ايشان خلاف كرده وذخيره مى نهادند همه متعفن ومتغير ميشد] وَما ظَلَمُونا عطف على جملة محذوفة للايجاز اى فظلموا بان كفروا بتلك النعم الجليلة وما ظلمونا بذلك وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ إذ لا يتخطاهم ضرره قال الحدادي اى يضرون أنفسهم باستيجابهم عذابى وقطع مادة الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا كلفة ولا مشقة فى الدنيا ولا حساب ولا تبعة فى العقبى وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اى واذكر لهم يا محمد وقت قوله تعالى لاسلافهم اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ منصوبة على المفعولية يقال سكنت الدار وقيل على الظرفية اتساعا وهى بيت المقدس او اريحاء وهى قرية الجبارين بقرب بيت المقدس وكان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة رأسهم عوج بن عنق وَكُلُوا مِنْها اى من مطاعمها وثمارها حَيْثُ شِئْتُمْ اى من نواحيها من غير ان يزاحمكم فيها أحد وَقُولُوا حِطَّةٌ اى مسألتنا حطة ذنوبنا عنا فعلة من الحط كالردة
نعم) قيل ومتى ذلك يا رسول الله قال (إذا لبسوا الحرير واستباحوا الزنى وشربوا الخمور وطففوا المكيال والميزان واتخذوا القينات والمعازف وضربوا بالدفوف واستحلوا الصيد فى الحرم) والاشارة ان القرية هى قرية الجسد الحيواني على شاطىء بحر البشرية واهل قرية الحس الصفات الانسانية وهى على ثلاثة اصناف. منها صنف روحانى كصفات الروح. وصنف قلبى كصفات القلب. وصنف نفسانى كصفات النفس الامارة بالسوء وكل قد نهوا عن صيد حيتان الدواعي البشرية فى سبت محارم الله. فصنف امسك عن الصيد ونهى عنه وهو الصفات الروحانية وصنف امسك ولم ينه وهو الصفات القلبية. وصنف انتهك الحرمة وهو الصفات النفسانية قال حضرة شيخنا العلامة أبقاه الله بالسلامة يوم طور النفس الامارة بالسوء يوم السبت لانقطاع اهله باتباع الطاغوت والجبت وشهره شهر المحرم لحرمانه من القربة والنيل والوصلة ونجمه القمر وفلكه فلك السماء الدنيا وآيته قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ انتهى وتتوفر الدواعي البشرية فيما حرم الله بإغراء الشيطان وتزيينه لان الإنسان حريص على ما منع ولا يرغب فيما لم يحرم الله فمن كان الغالب عليه صفات الروح وقهر النفس وتبديل صفاتها بالتزكية والتحلية فانه من اهل النجاة وارباب الدرجات واصحاب القربات.
ومن كان الغالب عليه النفس وصفاتها فانه من اهل الهلاك وارباب الدركات واصحاب المباعدات: وفى المثنوى
نفس تو تامست وتازه است وقديد دانكه روحت حاسه غيبى نديد
كه علاماتست زان ديدار نور التجافي منك عن دار الغرور
واى آنكه عقل او ماده بود نفس زشتش نرو آماده بود
لا جرم مغلوب باشد عقل او جز سوى خسران نباشد نقل او
وصف حيوانى بود بر زن فزون زانكه سوى رنك وبو دارد ركون
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ بمعنى آذن مثل توعد بمعنى أوعد. والإيذان الاعلام وبمعنى عزم لان من عزم على الأمر وصمم نيته عليه يحدث به نفسه ويؤذنها بفعله وعزم الله تعالى على الأمر عبارة عن تقرر ذلك الأمر فى علمه وتعلق إرادته بوقوعه فى الوقت المقدر له. والمعنى واذكر يا محمد لليهود وقت إيجابه تعالى على نفسه لَيَبْعَثَنَّ البتة عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ متعلق بقوله ليبعثن واللام فيه لام جواب القسم لان قوله وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ جار مجرى القسم كعلم الله وشهد الله من حيث دلالته على تأكد الخبر المؤذن به مَنْ يَسُومُهُمْ السوم [رنج بخشانيدن] كذا فى تاج المصادر فالمعنى [كسى كه بخشاند ايشانرا] سُوءَ الْعَذابِ [عذابى سخت] كالاذلال وضرب الجزية وغير ذلك من فنون العذاب. وقد بعث الله تعالى عليهم بعد سليمان عليه السلام بخت نصر فخرب ديارهم وقتل مقاتليهم وسبى نساهم وذراريهم وضرب الجزية على من بقي منهم وكانوا يؤدونها الى المجوس حتى بعث الله محمدا ﷺ ففعل ما فعل ثم ضرب الجزية فلا تزال مضروبة الى آخر الدهر قال الحدادي وفى هذه الآية دلالة على ان اليهود لا ترفع لهم راية عز الى يوم القيامة إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ يعاقبهم فى الدنيا
چون در آيد نام پاك اندر دهان نى پليدى ماند ونى اندهان
قوله تعالى وَاذْكُرُوا ما فِيهِ يتناول الذكر اللفظي والحفظ الظاهري وان كان العمدة هى العمل كما قال سعدى قدس سره [مراد از نزول قرآن تحصيل سيرت خوبست نه ترتيل سوره مكتوب عامىء متعبد پياده رفتست وعالم متهاون سوار خفته] أيقظنا الله وإياكم من منام الغفلة والجهالة وختم عواقب أمورنا بأحسن الخاتمة والحالة آمين وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ اى واذكر يا محمد لبنى إسرائيل وقت أخذ ربك مِنْ بَنِي آدَمَ اى آدم وأولاده كأنه صار اسما للنوع كالانسان والبشر والمراد بهم الذين ولدهم كائنا من كان نسلا بعد نسل سوى من لم يولد له بسبب من الأسباب كالعقم وعدم التزوج والموت صغيرا مِنْ ظُهُورِهِمْ بدل من بنى آدم بدل البعض اى من أصلابهم وفيه تنبيه على ان الميثاق قد أخذ منهم وهم فى أصلاب الآباء ولم يستودعوا فى أرحام الأمهات ذُرِّيَّتَهُمْ مفعول أخذ أي نسلهم قرنا بعد قرن يعنى اخرج بعضهم من بعض كما يتوالدون فى الدنيا بحسب الأصلاب والأرحام والأدوار والأطوار الى آخر ولد يولد وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ اى اشهد كل واحد من أولئك الذريات المخصوصين المأخوذين من ظهور آبائهم على نفسه لا على غيره تقريرا لهم بربوبيته التامة وما تستتبعه من العبودية على الاختصاص وغير ذلك من أحكامها أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ على ارادة القول اى قائلا ألست بربكم ومالك أمركم ومربيكم على الإطلاق من غير ان يكون لاحد مدخل فى شأن من شؤونكم قالُوا استئناف بيانى كأنه قيل فماذا قالوا فقيل قالوا بَلى شَهِدْنا اى على أنفسنا بانك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك والفرق بين بلى ونعم ان بلى اثبات لما بعد النفي اى أنت ربنا فيكون ايمانا ونعم لتقرير ما سبق من النفي اى لست بربنا فيكون كفرا وهذا تمثيل وتخييل نزل تمكينهم من العلم بربوبيته بنصب الدلائل الآفاقية والانفسية وخلق الاستعداد فيهم منزلة الاشهاد وتمكينهم من معرفتها والإقرار بها منزلة الاعتراف فلم يكن هناك أخذ وإشهاد وسؤال وجواب وباب التمثيل باب واسع وارد فى القرآن والحديث وكلام البلغاء قال الله تعالى فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ أَنْ تَقُولُوا مفعول له لما قبله من الاخذ والاشهاد اى فعلنا ما فعلنا كراهة ان تقولوا يَوْمَ الْقِيامَةِ عند ظهور الأمر إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا اى عن وحدانية الربوبية وأحكامها غافِلِينَ لم ننبه عليه بدليل فانهم حيث جبلوا على الفطرة ومعرفة الحق فى القوة القريبة من الفعل صاروا محجوجين عاجزين عن الاعتذار بذلك ولو لم تكن الآية على طريقة التمثيل بل لو أريد حقيقة الاشهاد والاعتراف وقد انسى الله تعالى بحكمته تلك الحال لم يصح قوله ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين كما فى حواشى سعدى چلبى المفتى أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا عطف على ان تقولوا واو لمنع الخلو دون الجمع اى اخترعوا الإشراك وهم سنوه مِنْ قَبْلُ من قبل زماننا وَكُنَّا نحن ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ لا نهتدى الى السبيل ولا نقدر على الاستدلال بالدليل فاقتدينا بهم أَفَتُهْلِكُنا اى أتؤاخذنا فتهلكنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ من آبائنا المضلين بعد ظهور انهم المجرمون ونحن عاجزون عن التدبر والاستبداد بالرأى فان ما ذكر من
ووعظته لم ينزجر ولم يتعظ وان تركته لم يهتد ولم يعقل فهو متردد الى ما لا غاية وراءه فى الحسة والدناءة فانظر حب الدنيا وشؤمها ماذا يجلب للعلماء خاصة وفى الحديث (من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله تعالى الا بعدا) والنعمة انما تسلب ممن لا يعرف قدرها وهو الكفور الذي لا يؤدى شكرها وكما ان الكلب لا يعرف الإكرام من الاهانة والرفعة والشرف من الحقارة وانما الكرامة كلها عنده فى كسرة يطعمها او عراق مائدة يرمى اليه سواء تقعده على سرير معك او فى التراب والقذر فكذا العبد السوء لا يعرف قدر الكرامة ويجهل حق النعمة فينسلخ عن لباس الفضل والكرم ويرتدى برداء القهر والمكر قال فى التأويلات النجمية فلا يغترن جاهل مفتون بان اتباع الهوى لا يضره فان الله تعالى حذر الأنبياء عن اتباع الهوى وأوعدهم عليه بالضلال كقوله يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: قال الحافظ
مباش غره بعلم وعمل فقيه مدام كه هيچكس ز قضاى خداى جان نبرد
ذلِكَ اى ذلك المثل السيّء مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وهم اليهود وكما ان بلعم بعد ما اوتى آيات الله انسلخ منها ومال الى الدنيا حتى صار كالكلب كذلك اليهود بعد ما أوتوا التوراة المشتملة على نعت الرسول ﷺ وذكر القرآن المعجز وبشرى الناس باقتراب مبعثه وكانوا يستفتحون به انسلخوا مما اعتقدوا فى حقه وكذبوه وحرفوا اسمه فَاقْصُصِ الْقَصَصَ [پس بخوان بر ايشان اين خبر را] والقصص مصدر سمى به المفعول كالسلب واللام للعهد لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ راجيا تفكرهم تفكرا يؤدى بهم الى الاتعاظ ساءَ مَثَلًا ساء بمعنى بئس ومثلا تمييز من الفاعل المضمر فى ساء مفسر له الْقَوْمُ مخصوص بالذم بتقدير المضاف لوجوب التصادف بينه وبين الفاعل والتمييز اى ساء مثلا مثل القوم وبئس الوصف وصف القوم قال الحدادي وهذا السوء انما يرجع الى فعلهم لا الى نفس المثل كأنه قال ساء فعلهم الذي جلب إليهم الوصف القبيح فاما المثل فهو من الله حكم وصواب الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا بعد قيام الحجة عليها وعلمهم بها وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ اى ما ظلموا بالتكذيب الا أنفسهم فان وباله لا يتخطاها مَنْ يَهْدِ اللَّهُ اى يخلق فيه الاهتداء فَهُوَ الْمُهْتَدِي لا غير كائنا من كان وانما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية فى حصول الاهتداء من غير تأثير لها فيه سوى كونها دواعى الى صرف العبد اختياره نحو تحصيله وَمَنْ يُضْلِلْ بان لم يخلق فيه الاهتداء بل خلق الله فيه الضلالة لصرف اختياره نحوها فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ اى الكاملون فى الخسران لا غير وفيه اشارة الى ان من أدركته العناية ولحقته الهداية اليوم لم ينزل عن المراتب العلوية الى المدارك السفلية فهم الذين أصابهم رشاش النور الذي رش عليهم من نوره ومن خذله حتى اتبع هواه فاضله الهوى عن سبيل الله فهم الذين اخطأهم ذلك النور ولم يصبهم فوقعوا فى الضلالة والخسران وكان سفيان الثوري يقول اللهم سلم سلم كأنه فى سفينة يخشى الغرق ولما قدم البشير على يعقوب عليه السلام
الى المسببات احسن ترتيب وتوجيه بأقصى وجوه العدل واللطف كذا فى المقصد الأقصى فى شرح معانى اسماء الله الحسنى للامام الغزالي عليه رحمة الملك المتعالي وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا اضافة الآيات الى نون العظمة لتشريفها واستعظام الاقدام على تكذيبها اى بآياتنا التي هى معيار الحق ومصداق الصدق والعدل سَنَسْتَدْرِجُهُمْ اى سنقربهم البتة الى الهلاك على التدريج واصل الاستدراج اما الاستصعاد وهو النقل من سفل الى علو درجة درجة. واما الاستنزال وهو النقل من علو الى سفل كذلك والأنسب هو النقل الى أعلى درجات المهالك ليبلغ أقصى مراتب العقوبة والعذاب مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ صفة لمصدر الفعل المذكور اى سنستدرجهم استدراجا كائنا من حيث لا يعلمون انه كذلك بل يحسبون انه إكرام من الله تعالى وتقريب منه او لا يعلمون ما نريد بهم وذلك ان يتواتر عليهم النعم فيظنوا انها لطف من الله بهم فيزدادوا بطرا وانهماكا فى الغى الى ان تحق عليهم كلمة العذاب على أفظع حال واشنعها
مده خود را فريب از رنك وبويم كه هست از خنده من كريه آميز
: قال الحافظ
بمهلتى كه سپهرت دهد ز راه مرو ترا كه كفت كه اين زال ترك دستان كفت
وَأُمْلِي لَهُمْ الاملاء اطالة مدة أحدهم بإبقائه على ما هو عليه وعدم الاستعجال فى مؤاخذته قال المولى ابو السعود عطف على سنستدرجهم غير داخل فى حكم السين لما ان الاملاء وهو عبارة عن الامهال والاطالة وليس من الأمور التدريجية كالاستدراج الحاصل فى نفسه شيأ فشيأ بل هو فعل يحصل دفعة وانما الحاصل بطريق التدريج آثاره وأحكامه لانفسه كما يلوّح به تغيير التعبير بتوحيد الضمير إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ اى ان أخذي شديد وانما سماه كيدا لان ظاهره احسان وباطنه خذلان قال سعدى چلبى المفتى الاولى ان يقول سماه كيدا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون والكيد الاخذ بخفية وقال الحدادي الكيد هو الإضرار بالشيء من حيث لا يشعر به قال فى الحكم العطائية خف من وجود إحسانه إليك ودوام اسائتك معه ان يكون ذلك استدراجا لك قال الله تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ قال سهل رضى الله عنه فى معنى هذه الآية نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها فاذا ركنوا الى النعمة وحجبوا عن المنعم أخذوا وقال ابو العباس بن عطاء يعنى كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وانسيناهم الاستغفار من تلك الخطيئة وقال الشيخ ابو القاسم القشيري رحمه الله. الاستدراج تواتر المنة بغير خوف الفتنة الاستدراج انتشار الذكر دون خوف المكر. الاستدراج التمكن من المنية والصرف عن البغية. الاستدراج تعليل برجاء وتأميل بغير وفاء. الاستدراج ظاهر مضبوط وسر بالاغيار منوط انتهى. ومن وجوه الاستدراج ان يجهل المريد بنفسه وبحق ربه فيسيىء الأدب بإظهار دعوى او تورط فى بلوى فتؤخر العقوبة عنه امهالا له فيظنه إهمالا فيقول لو كان هذا سوء ادب لقطع الامداد فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر ولو لم يكن من قطع المدد عنه من حيث لا يشعر الا منع المزيد لكان قطعا لان من لم يكن فى زيادة فهو فى نقصان وكان احمد بن حنبل رضى الله عنه
الشهود والعيان ووصل الى الحق المحسان وأتاه كمال الإيقان وتمام الإحسان ثم جاء نبيا او وليا لارشاد الاخوان فقام بالحكمة والبيان وبين الإسلام والايمان ودعا الى الله الحليم الحنان وبشر بالجنان وانذر بالنيران فمن أجاب نال اللطف والإحسان ومن لم يجب خسر خسرنا مبينا وقال عليه الصلاة والسلام عن عيسى (لن يلج ملكوت السموات والأرض من لم يولد مرتين) فالولوج لاصحاب القلوب والمشاهدة والنظر لارباب العقول والاستدلال كذا فى التأويلات النجمية مع مزج من كلام شيخنا العلامة أحياه الله بالسلامة [روزى امام ابى حنيفة رحمه الله در مسجد نشسته بود جماعتى از زنادقه در آمدند وقصد هلاك او كردند امام كفت يك سؤال را جواب دهيد بعد از ان تيغ ظلم را آب دهيد كفتند مسئله چيست كفت من سفينه ديدم پربار كران بر روى دريا روان بي آنكه هيچ ملاحى محافظت ميكرد كفتند اين محالست زيرا كه كشتى بي ملاح بر يك نسق رفتن محال باشد كفت سبحان الله سير جمله أفلاك وكواكب ونظام عالم علوى وسفلى از سير يك سفينه عجبترست همه ساكت كشتند واكثر مسلمان شدند] : قال الحافظ الشيرازي
در حشمت سليمان هر كس كه شك نمايد بر عقل ودانش او خندند مرغ وماهى
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ اى عن القيامة وهى من الأسماء الغالبة فيها كالنجم فى الثريا وسميت القيامة ساعة لوقوعها بغتة او لكون الحساب الواقع فيها يتم وينقضى فى ساعة يسيرة لانه تعالى لا يشغله شأن عن شأن أو لأنها على طولها عند الله تعالى كساعة من الساعات عند الخلق وأصلها ساعة قيام الناس من الأجداث فلما غلبت تعينت فاستغنت عن الاضافة- روى- ان قوما من اليهود قالوا يا محمد أخبرنا متى الساعة ان كنت نبيا فانا نعلم متى هى وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم انه تعالى قد استأثر بعلمها فنزلت أَيَّانَ مُرْساها أيان ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام محله الرفع على انه خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر اى متى ارساؤها اى إثباتها وتقريرها فانه مصدر ميمى من ارساه إذا أثبته وأقره ولا يكاد يستعمل الا فى الشيء الثقيل كما فى قوله تعالى وَالْجِبالَ أَرْساها ولما كان أثقل الأشياء على الخلق هو الساعة سمى الله تعالى وقوعها وثبوتها بالارساء ومحل الجملة النصب بنزع الخافض فانها بدل من الجار والمجرور لا من المجرور فقط كأنه قيل يسألونك عن الساعة عن أيان مرسيها قُلْ إِنَّما عِلْمُها لم يقل انما علم وقت ارسائها لان المقصد الأصلي من السؤال نفسها باعتبار حلولها فى وقتها المعين لا وقتها باعتبار كونه محلالها ولذلك أضاف العلم المطلوب بالسؤال الى ضميرها عِنْدَ رَبِّي خاصة قد استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولانبيا مرسلا لا يُجَلِّيها اى لا يظهر أمرها من التجلية وهو اظهار الشيء والتجلي ظهوره لِوَقْتِها اى فى وقتها فاللام للتأقيت كاللام فى قوله أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَّا هُوَ والمعنى انه تعالى يخفيها على غيره إخفاء مستمرا الى وقت وقوعها ولا يظهرها الا فى ذلك الوقت الذي وقعت فيه بغتة بنفس الوقوع لا بالأخبار عنها لكون اخفائها ادعى الى الطاعة وازجر عن المعصية كاخفاء الاجل الخاص الذي هو وقت الموت كتم الله تعالى وقت قيام الساعة عن الخلق ليصير المكلف مسارعا الى التوبة والطاعة فى جميع الأوقات فانه لو علم وقت
الهياكل الجسمانية انما تتصور إذا كان لها محرك حياة وقوى محركة ومدركة وما ليس له شىء من ذلك فهو بمعزل من الأفاعيل بالمرة ووصف الأرجل بالمشي بها للايذان بان مدار الإنكار هو الوصف أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة والبطش الاخذ بقوة. والمعنى بل ألهم أيد يأخذون بها ما يريدون اخذه وبل للاضراب المفيد للانتقال من فنّ من التبكيت بعد تمامه الى فن آخر منه أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قدم المشي لانه حالهم فى أنفسهم والبطش حالهم بالنسبة الى الغير. واما تقديمه على قوله أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ إلخ مع ان الكل سواء فى انها من أحوالهم بالنسبة الى الغير فلمراعاة المقابلة بين الأيدي والأرجل. واما تقديم الأعين فلما انها أشهر من الآذان واظهر عينا واثرا ثم ان الكفار كانوا يخوفونه عليه السلام بآلهتهم قائلين نخاف ان يصيبكم بعض آلهتنا بسوء فقال الله تعالى قُلِ ادْعُوا ايها المشركون شُرَكاءَكُمْ واستعينوا بهم فى عداوتى ثُمَّ كِيدُونِ فبالغوا فيما تقدرون عليه من مكر وهى أنتم وشركاؤكم فالخطاب فى كيدون للاصنام وعبدتها فَلا تُنْظِرُونِ فلا تمهلون ساعة فانى لا أبالي بكم لوثوقى على ولاية الله وحفظه
اگر هر دو جهانم خصم كردند نترسم چون نكهبانم تو باشى
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ تعليل لعدم المبالاة المنفهم من السوق انفهاما جليا قوله وَلِيِّيَ بثلاث يا آت. الاولى ياء فعيل وهى ساكنة. والثانية لام الفعل وهى مكسورة أدغمت فيها الياء الاولى. والثالثة ياء الاضافة وهى مفتوحة. والولي هنا بمعنى الناصر والحافظ أضيف الى ياء المتكلم. والمعنى ان الذي يتولى نصرتى وحفظى هو الذي أكرمني بتنزيل القرآن وايحائه الىّ وايحاء الكتاب اليه يستلزم رسالته لا محالة وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ اى ومن عادته تعالى ان يتولى الصالحين من عباده وينصرهم لا يخذلهم فضلا عن أنبيائه وَالَّذِينَ تَدْعُونَ يا عبدة الأصنام مِنْ دُونِهِ اى متجاوزين الله تعالى ودعاءه ومضمون هذه الآية ذكر اوّلا لتقريع عبدة الأصنام وذكر هاهنا إتماما لتعليل عدم مبالاته بهم فلا تكرار لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ فى امر من الأمور وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ إذا نابتهم ناثبة وَإِنْ تَدْعُوهُمْ اى الأصنام إِلَى الْهُدى الى ان يهدوكم الى ما تحصلون به مقاصدكم من الكيد وغيره لا يَسْمَعُوا اى دعاءكم فضلا عن المساعدة والامداد وهذا بخلاف التوجه الى روحانية الأنبياء والأولياء وان كانوا مخلوقين فان الاستمداد منهم والتوسل بهم والانتساب إليهم من حيث انهم مظاهر الحق ومجالى أنواره ومرائى كمالاته وشفعاؤه فى الأمور الظاهرة والباطنة له غايات جليلة وليس ذلك بشرك أصلا بل هو عين التوحيد ومطالعة الأنوار من مطالعها ومكاشفة الاسرار من مصاحفها: قال الصائب
مشو بمرك ز امداد اهل دل نوميد كه خواب مردم آگاه عين بيداريست
وَتَراهُمْ الرؤية بصرية والخطاب لكل واحد من المشركين اى وترى الأصنام ايها الرائي رأى العين يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ حال من المفعول اى يشبهون الناظرين إليك ويخيل إليك انهم يبصرونك لما انهم صنعوا لها أعينا مركبة بالجواهر المضيئة المتلالئة وصوروها تصوير من
296
قلب حدقته الى الشيء ينظر اليه وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ حال من فاعل ينظرون اى والحال انهم غير قادرين على الابصار وهو بيان عجزهم عن الابصار بعد بيان عجزهم عن السمع وقيل ضمير الفاعل فى تراهم لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وضمير المفعول للمشركين على ان التعليل قدتم عند قوله تعالى لا يَسْمَعُوا اى وترى المشركين يا محمد ينظرون إليك بأعينهم وهم لا يبصرونك ببصائرهم اى كما أنت عليه فهم غائبون عنك فى الحقيقة الا ان يقروا بالتوحيد وصدق الرسالة- ذكر- ان السطر الاول من خاتم سليمان عليه الصلاة والسلام كان بسم الله الرحمن الرحيم. والسطر الثاني لا اله الا الله. والسطر الثالث محمد رسول الله فلما ادخله جبريل فى إصبعه لم يقدر أصحابه ان يروه فتضرعوا فقال قولوا لا اله الا الله محمد رسول الله فلما قالوه رأوه. وسره انه احاطه المهابة فلما اشتغلوا بالتوحيد حصل لهم الاستعداد والقدرة- وحكى- ان السلطان محمود الغازي دخل على الشيخ الرباني ابى الحسن الخرقاني قدس سره لزيارته وجلس ساعة ثم قال يا شيخ ما تقول فى حق ابى يزيد البسطامي فقال الشيخ هو رجل من رآه اهتدى
واتصل بسعادة لا تخفى فقال محمود وكيف ذلك وابو جهل رأى رسول الله ﷺ ولم يتصل بالسعادة ولم يتخلص من الشقاوة فقال الشيخ فى جوابه ان أبا جهل ما رأى رسول الله ﷺ وانما رأى محمد بن عبد الله يتيم ابى طالب حتى لو كان رأى رسول الله ﷺ لخرج من الشقاوة ودخل فى السعادة ثم قال الشيخ ومصداق ذلك قول الله تعالى وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ فالنظر بعين الرأس لا يوجب هذه السعادة بل النظر بعين السر والقلب يورث ذلك فمن رأى أبا يزيد بهذه العين فاز بالسعادة
براى ديدن روى تو چشم ديكرم باشد كه اين چشم كه من دارم جمالت را نمى شايد
وفى الحديث (طوبى لمن رآنى ولمن رآى من رآنى ولمن رأى من رأى من رآنى ولمن رأى من رأى من رأى من رآنى) كما فى الرسالة العلية للكاشفى: وفى المثنوى
كفت طوبى من رآنى مصطفى والذي يبصر لمن وجهى رأى
چون چراغى نور شمعى را كشيد هر كه ديد آنرا يقين آن شمع ديد
همچنين تا صد چراغ از نقل شد ديدن آخر لقاى اصل شد
خواه نور از واپسين بستان بجان هيچ فرقى نيست خواه از شمع دان
وظهر من هنا ان رؤية الأولياء ايضا انما تفيد إذا كانت بالبصيرة ثم ان الرؤية تتناول ما فى اليقظة وما فى المنام قال بعضهم فى قوله عليه السلام (من رآنى فقد رأى الحق) من رآنى مطلقا اى سواء كانت الرؤية فى اليقظة او فى المنام فقد رأى الرسول الحق وقال بعضهم من رآنى فى المنام فقد رأى الرؤيا الصادقة لا الرؤيا التي يلعب بها الشيطان قال الشيخ الأكمل فى شرح المشارق المنام الحق هو الذي يريه الملك الموكل على الرؤيا فان الله تعالى قد وكل بالرؤيا ملكا يضرب من الحكمة والأمثال وقد اطلعه الله سبحانه على قصص ولد آدم من اللوح المحفوظ فهو ينسخ منها ويضرب لكل قصة مثلا فاذا نام يمثل له تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون بشارة له او نذارة او معاتبة ليكونوا على بصيرة من أمرهم كذا قيل
297
بإلقاء الشيطان والفرق ان كل ما يكون سببا للخير بحيث يكون مأمون الغائلة اى الآفة فى العاقبة ولا يكون سريع الانتقال الى غيره ويحصل بعده توجه تام الى الحق ولذة عظيمة مرغبة فى العبادة فهو ملكى وبالعكس شيطانى قال بعضهم قد يلبس الشيطان ويرى الباطل فى صورة الحق فاجمع المشايخ على ان من كان قوته من الحرام لا يفرق بين الخواطر الملكية والشيطانية بل منهم من قال من كان قوته غير معلوم لا يفرق بينهما: وفى المثنوى
طفل جان از شير شيطان باز كن بعد از آنش با ملك انباز كن
تا تو تارك وملول وتيره دانكه با ديو لعين همشيره
لقمه كان نور افزود وكمال آن بود آورده از كسب حلال
چون ز لقمه تو حسد بينى ودام جهل وغفلت زايد آنرا دان حرام
زايد از لقمه حلال اندر دهان ميل خدمت عزم رفتن آن جهان
قال حضرة شيخنا الفريد امده الله بالمزيد فى كتاب اللائحات البرقيات الملك الموكل بامر الله على قلوب اهل الحق يلقى إليهم الحق دائما فاذا مسهم طائف من الشيطان فيذكرهم بذلك الطائف الشيطاني فهم يتذكرون ويبصرون ويمحون والشيطان المتسلط بخذلان الله على صدور اهل الباطل يلقى إليهم الباطل دائما فاذا مسهم طائف من الرحمن فينسيهم ذلك فهم لا يتذكرون ولا يبصرون ولا يمحون فالشان الرحمانى دائما اراءة الحق حقا والباطل باطلا والشان الشيطاني اراءة الحق باطلا والباطل حقا وهذا هو السر والحكمة فى كون عباد الرحمن هادين ومهديين وعباد الشيطان ضالين ومضلين لان الاراءة الاولى هى الهداية بعينها والثانية هى الإضلال بعينه والإضلال لا بد من انه يستلزم الضلال كما ان الهداية لا بد من انها تستلزم الاهتداء انتهى كلامه قال فى التأويلات النجمية إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا هم ارباب القلوب والتقوى من شان القلب كما قال عليه الصلاة والسلام (التقوى هاهنا) وأشار الى صدره والتقوى نور يبصرون به الحق حقا والباطل باطلا فلذا قال إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ اى إذا طاف حول القلب التقى النقي نوع طيف من عمل الشيطان براه القلب بنور التقوى ويعرفه فيتذكر انه يفسده ويكدر صفاءه ويقسيه فيجتنبه ويحترز منه فذلك قوله تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ يعنى النفوس اخوان القلب فان النفس والقلب توأمان ولدا من ازدواج الروح والقالب فالقلب يمد النفس فى الطاعة ولولا ذلك ما صدر من القلب معصية لانه جبل على الا طمئنان بذكر الله وطاعته ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ لا يسأم كل واحد منهما من فعله ولا يدع ما جبل عليه لئلا يأمن ارباب القلوب من كيد النفوس ابدا ولا يقنط ارباب النفوس المسرفين على أنفسهم من رحمة الله من إصلاح احوال قلوبهم وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ اى اهل مكة بِآيَةٍ من القرآن عند تراخى الوحى او بآية مما اقترحوه كقولهم احى لنا فلانا الميت يكلمنا ويصدقك فيما تدعونا اليه ونحو ذلك قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها اجتبى الشيء بمعنى حباه لنفسه اى جمعه. فالمعنى هلا جمعتها من تلقاء نفسك تقوّلا كسائر ما تقرأه من القرآن فانهم يقولون كله افك او هلا ميزتها واصطفيتها عن سائر مهماتك وطلبتها من الله
301
تعالى فيكون الاجتباء بمعنى الاصطفاء قُلْ ردا عليهم إِنَّما أَتَّبِعُ اى ما افعل الا اتباع ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي لست بمختلق للآيات ولست بمقترح لها هذا القرآن بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ بمنزلة البصائر للقلوب بها تبصر الحق وتدرك الصواب اخبر عن المفرد بالجمع لاشتماله على سور وآيات وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إذ هم المقتبسون من أنواره والمغتنمون من آثاره والجملة من تمام القول المأمور به وفى الآية اشارة الى انه كما ان النبي يتبع الوحى الإلهي كذلك الولي يتبع الإلهام الرباني فلا قدرة على تزكية النفوس الا بالوحى والإلهام وايضا لو لم يتبع الهدى لكان اهل هوى غير صالح للارشاد وخائنا والخائن لا يكون أمينا على اسرار النبوة والولاية وعن بعض اهل العلم قال كنت بالمصطبة وإذا برجلين يتكلمان فى الخلوة مع الله تعالى فلما أرادا ان ينصرفا قال أحدهما للآخر تعال نجعل لهذا العلم ثمرة ولا يكون حجة علينا فقال له اعزم على ما شئت فقال عزمت على ان لا آكل ما للمخلوق فيه صنع قال فتبعتهما فقلت انا معكما فقالا على الشرط قلت على أي شرط شرطتما فصعدا جبل لكام ودلانى على كهف وقالا تعبد فيه فدخلت فيه وجعل كل واحد منهما يأتينى بما قسم الله تعالى وبقيت مدة ثم قلت الى متى أقيم هاهنا أسير الى طرطوس وآكل من الحلال واعلم الناس العلم واقرأ القرآن فخرجت ودخلت طرسوس وأقمت بها سنة وإذا انا برجل منهما قد وقف علىّ وقال يا فلان خنت فى عهدك ونقضت الميثاق اما انك لو صبرت كما صبرنا لوهب لك ما وهب لنا قلت ما الذي وهب لكما قال ثلاثة أشياء طى الأرض من المشرق الى المغرب بقدم واحد والمشي على الماء والحجبة إذا شئنا ثم احتجب عنى فقلت بالذي وهب لكما هذا الحال ألا ما ظهرت لى فقد شويت قلبى فظهر وقال سل فقلت هل لى الى ذلك الحال عودة فقال هيهات لا
يؤمن الخائن: قال الحافظ
وفا مجوى ز كس ور سخن نمى شنوى بهرزه طالب سيمرغ وكيميا ميباش
وفى الحكاية اشارة الى ان الله تعالى يمن على من يشاء- حكى- ان الشيخ جوهر المدفون فى عدن كان مملوكا فعتق وكان يبيع ويشترى فى السوق ويحضر مجالس الفقراء ويعتقدهم وهو أمي فلما حضرت وفاة الشيخ الكبير سعد الحداد المدفون فى عدن قالت له الفقراء من يكون الشيخ بعدك قال الذي يقع على رأسه الطائر الأخضر فى اليوم الثالث من موتى عند ما يجتمع الفقراء فلما توفى اجتمع الفقراء عند قبره ثلاثة ايام فلما كان اليوم الثالث وفرغوا من الذكر والقرآن قعدوا ينتظرون ما وعدهم الشيخ وإذا بطائر أخضر وقع قريبا منه فبقى كل واحد من كبار الفقراء يترجى ذلك ويتمناه فبينماهم كذلك إذا بالطائر قد طار ووقع على رأس الشيخ جوهر ولم يكن يخطر له ولا لاحد من الفقراء ذلك فقام اليه الفقراء ليزفوه الى زاوية الشيخ وينزلوه منزلة المشيخة فبكى وقال كيف أصلح للمشيخة وانا رجل سوقى وانا لا اعرف طريق الفقراء وآدابهم وعلى تبعات وبينى وبين الناس معاملات فقالوا له هذا امر سماوى ولا بدلك منه والله يتولى تعليمك فقال أمهلوني حتى امضى الى السوق وابرأ من حقوق الخلق فامهلوه فذهب الى دكانه ووفى كل ذى حق حقه ثم ترك السوق ولزم الزاوية ولازمه الفقراء فصار جوهرا كاسمه: قال الحافظ
302
Icon