تفسير سورة الإسراء

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ ﴾ الآية سبب نزولها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش الإِسراء به وتكذيبهم له فأنزل الله تعالى ذلك تصديقاً له وهذه السورة مكية إلا آيات اختلف فيها ذكرت في البحر ومناسبة هذه لما قبلها أنه تعالى لما أمره بالصبر ونهاه عن الحزن عليهم وأن يضيق صدره من مكرهم وكان من مكرهم نسبته إلى التكذيب والسحر والشعر وغير ذلك مما رموه به أعقب تعالى ذلك بشرفه وفضله واحتفائه به وعلو منزلته عنده وتقدم الكلام على سبحان في البقرة، وأسرى بمعنى سرى وانتقل من ضمير الغيبة في قوله بعبده إلى ضمير المتكلم في قوله لنريه والظاهر أن هذا الإِسراء كان بشخصه ولذلك كذبت قريش به وشغبت عليه، والمسجد الأقصى بيت المقدس وسمي الأقصى لأنه كان في ذلك الوقت أقصى بيوت الله الفاضلة من الكعبة. و ﴿ ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ صفة مدح لإِزالة اشتراك عارض وبركته بما خص به من الخيرات الدينية كالنبوة والشرائع والرسل الذين كانوا في ذلك القطر والدنياوية من كثرة الأشجار والأنهار وطيب الأرض وفي الحديث أنه تعالى بارك فيما بين العريش إلى الفرات وخص فلسطين بالتقديس وفي إضافته تعالى عبده لضميره تشريف عظيم وكثيراً ما أتى الشريف بلفظ العبد كقوله تعالى﴿ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ ﴾[ص: ٣٠، ٤٤] و﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾[الحجر: ٤٢، الإسراء: ٦٥]﴿ وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ ﴾[ص: ٤٥]" ويروى أنه صلى الله عليه وسلم كان نائماً في بيت أم هانىء بعد صلاة العشاء فأسرى به ورجع من ليلته وقص القصة على أم هانىء بعد صلاة العشاء وقال مثل لي النبيون فصليت بهم وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانىء بثوبه فقال مالك قالت: أخشى أن يكذبك قومك بأن أخبرتهم قال: وإن كذبوني فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث الإِسراء فقال أبو جهل: يا معشر بني كعب بن لؤي هلم فحدثهم فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً وارتد ناس ممن كان آمن به وسعى رجال الى أبي بكر رضي الله عنه فقال إن كان قال ذلك لقد صدق قالوا أتصدقه على ذلك قال إني لأصدقه على أبعد من ذلك "فسمي الصديق ومنهم من سافر إليه فاستنعتوه المسجد فجلى له بيت المقدس فطفق ينظره وينعته لهم فقالوا أما النعت فقد أصاب وقالوا أخبرنا عن عيرنا فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها وقال تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق فخرجوا ذلك اليوم نحو الثنية فقال قائل منهم هذه والله الشمس طلعت فقال آخر هذه والله العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد ثم لم يؤمنوا وقالوا ما هذا إلا سحر مبين وقد عرج به إلى السماء في تلك الليلة وكان العروج به من بيت المقدس وأخبر قريشاً أيضاً بما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السماء من العجائب وأنه لقي الأنبياء وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى.﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ لأقوال محمد.﴿ ٱلبَصِيرُ ﴾ بأفعاله وفيه التفات من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب في أنه وآتينا معطوف على الجملة السابقة من تنزيهه سبحانه وبراءته من السوء ولا يلزم من عطف الجمل المشاركة في الخبر أو غيره ولما ذكر تشريف الرسول صلى الله عليه وسلم بالإِسراء وإراءته الآيات ذكر تشريف موسى صلى الله عليه وسلم بإِيتائه التوراة والكتاب هنا التوراة والظاهر عود الضمير في وجعلناه على الكتاب وأن لا تكون تفسيرية ولا نهي وأن يكون مصدرية تعليلاً أي لأن لا تتخذوا واو نفي وانتصب ذرية على النداء أي يا ذرية قرأت فرقة ذرية بالرفع وخرج على أن تكون بدلاً من الضمير في تتخذوا على قراءة من قرأ بياء الغيبة * قال ابن عطية ولا يجوز في القراءة بالتاء لأنك لا تبدل من ضمير مخاطب لو قلت ضربتك زيداً على البدل لم يجز انتهى ما ذكره من إطلاق أنك لا تبدل من ضمير مخاطب يحتاج إلى تفصيل وذلك أنه إن كان في بدل بعض من كل وبدل اشتمال جاز للإِخلاف وإن كان من بدل شىء من شىء وهما يعني واحدة فإِن كانت تفيد التوكيد جاز بلا خلاف نحو مررت بكم صغيركم وكبيركم وإن لم تفد التوكيد فمذهب جمهور البصريين المنع ومذهب الأخفش والكوفيين الجواز وهو الصحيح لو جوز ذلك في كلام العرب * وقد استدللنا على صحة ذلك في شرح التسهيل وذكر من حملنا مع نوح تنبيهاً على النعمة الي نجاهم الله بها من الغرق والظاهر أن الضمير في أنه عائد على نوح صلى الله عليه وسلم أي كونوا موحدين شاكرين لنعم الله مقتدين بنوح الذي أنتم ذرية من حمل معه.﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ الآية قضى يتعدى بنفسه إلى مفعول كقوله تعالى:﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ ﴾[القصص: ٢٩] ولما ضمن هنا معنى الإِيحاء أو الإِنفاذ تعدى بإِلى أي أوحينا أو أنفذنا إلى بني إسرائيل في القضاء المحتوم المبتوت واللام في لتفسدن جواب قسم فإِما أن يقدر محذوفاً ويكون متعلق القضاء محذوفاً تقديره وقضينا إلى بني إسرائيل فسادهم في الأرض وعلوهم ثم أقسم تعالى على وقوع ذلك وأنه كائن لا محالة فحذف متعلق قضينا وأبقى منصوب القسم المحذوف ويجوز أن يكون قضينا أجري مجرى القسم ولتفسدن جوابه كقولهم قضاء الله لأقومن مرتين أولاهما قتل زكريا ونشره في الشجرة بالمنشار والثانية حبس أرميا حين أنذرهم سخط الله.﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا ﴾ أي موعود أولاهما والوعد قد سبق بذلك والموعود هو العقاب والضمير في أولاهما عائد على المرتبين.﴿ عِبَاداً لَّنَآ ﴾ قال ابن عباس غزاهم سنحاريب وجنوده ملك بابل وقيل بخت نصر وروي أنه دخل قبل في جيش من الفرس وهو خامل يسير في مطبخ الملك فاطلع من جور بني إسرائيل على ما لم يعلمه الفرس لأنه كان يداخلهم فلما انصرف الجيش ذكر للملك الأعظم فلما كان بعد مدة جعله الملك رئيس جيش وبعثه فخرب بيت المقدس وقتلهم وجلاهم ثم انصرف فوجد الملك قد مات فملك موضعه واستمر حاله حتى ملك الأرض بعد ذلك والبعث هنا الإِرسال والتسلط.﴿ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾ أي قتال وحرب شديد لقوتهم ونجدتهم وكثرة عددهم وعددهم.﴿ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ ﴾ أسند الجوس وهو التردد خلال الديار بالفساد إليهم لتخريب المساجد وإحراق التوراة من جملة الجوس المسند إليهم.﴿ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً ﴾ أي منجزاً ما وقع به الوعد من العقاب.﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ﴾ هذا إخبار من الله لبني إسرائيل في التوراة وجعل رددنا موضع ندد اذ وقت إخبارهم لم يقع الأمر بعد لكنه لما كان وعد الله في غاية الثقة أنه يقع عبر عن مستقبله بالماضي * والكرة الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليهم حين تابوا ورجعوا عن الفساد ملكوا بيت المقدس وقيل الكرة قتل بخت نصر واستنقاذ بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم وذكر في سبب ذلك أن ملكاً غزا أهل بابل وكان بخت نصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفاً ممن يقرأ التوراة وبقي بقيتهم عنده ببابل في الذل فلما غزاهم ذلك الملك وغلب على بابل تزوج امرأة من بني إسرائيل وطلبت منه أن يرد بني إسرائيل إلى بيت المقدس ففعل وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء فرجعوا إلى أحسن ما كانوا عليه وانتصب نفيراً على التمييز فقيل النفير والنافر واحد وأصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته وجواب وإن أسأتم قوله فلها على حذف مبتدأ أولها خبره تقديره فالإِساءة لها.﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ ﴾ أي المرة الآخرة في إفسادكم وعلوكم وجواب إذا الأولى تقديره بعثناهم عليكم وإفسادهم وقرىء:﴿ لِيَسُوءُواْ ﴾ بلام كي وياء الغيبة وضمير الجمع والغائب العائد على المبعوثين وقرىء: لنسوء بالنون التي للعظمة وفيها ضمير يعود على الله والظاهر أنه أريد بالوجوه الحقيقية لأن آثار الأعراض النفسانية في القلب تظهر على الوجه ففي الفرح يظهر الاسفار والاشراق وفي الحزن يظهر الكلوح والغبرة ويحتمل أن يعبر عن الجملة بالوجه فإِنهم ساؤهم بالقتل والسبي والنهب فحصلت بالإِساءة للذوات كلها.﴿ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ ﴾ أي مسجد بيت المقدس ومعنى:﴿ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ أي بالسيف والقهر والغلبة والإِذلال وهذا يبعد قول من ذهب إلى أن أولى المرتين لم يكن فيها قتل ولا قتال ولا نهب.﴿ وَلِيُتَبِّرُواْ ﴾ أي يهلوا وقال قطرب يهدموا * وقال فما الناس إلا عاملان فعامل * يتبر ما يبنى وآخر رافع والظاهر أن مفعوله يتبروا أي يهلكوا ما غلبوا عليه من الاقطار ويحتمل أن تكون ما ظرفية أي مدة استيلائهم.﴿ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾ بعد المرة الثانية إن تبتم وانزجرتم عن المعاصي وإن عدتم إلى المعصية مرة ثالثة عدنا إلى العقوبة وقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الاتاوة عليهم وعن الحسن عادوا فبعث الله محمداً فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون ثم ذكر ما أعد لهم في الآخرة وهو جعل جهنم له حصيراً والحصير السجن أو المحبس * قال لبيد: ومقامه غلب الرجال كأنهم   جن لدى باب الحصير قياموالذي يظهر بأنها حاصرة لهم محيطة بهم من جميع جهاتهم فحصير معناه ذات حصر إذ لو كان للمبالغة لزمته التاء لجريانه على مؤنث كما تقول رحيمة وعليمة ولكنه على معنى النسب كقوله تعالى:﴿ السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ ﴾[المزمل: ١٨] أي ذات انفطار.﴿ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَِهْدِي ﴾ الآية لما ذكر من اختصه بالإِسراء وهو محمد صلى الله عليه وسلم ومن آتاه التوراة وهو موسى صلى الله عليه وسلم وأنه هدى لبني إسرائيل وذكر فيها ما قضى عليهم من التسلط عليهم بذنوبهم كان ذلك رادعاً من عقل عن معاصي الله فذكر ما شرف الله به رسوله من القرآن الناسخ لحكم التوراة وكل كتاب إلهي وأنه يهدي للطريقة التي هي أقوم والذي يظهر من حيث المعنى أن أقوم هنا لا يراد بها التفضيل إذ لا مشاركة بين الطريقة التي يرشد إليها القرآن وطريقة غيرها وفضلت هذه عليها وإنما المعنى التي هي قيمة أي مستقيمة وغيرها من الطرق ليست مستقيمة كما قال تعالى:﴿ وَذَلِكَ دِينُ ٱلقَيِّمَةِ ﴾[البينة: ٥].
﴿ وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾ عطف على قوله ان لهم أجراً كبيراً بشروا بفوزهم بالجنة وبكينونة العذاب الأليم لأعدائهم الكفار إذ في علم المؤمنين بذلك وتبشيرهم به مسرة لهم فهما بشارتان وفيه وعيد للكفار * قال الزمخشري: فإِن قلت كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفرة ولم يذكر الفسقة قلت: كان الناس حينئذٍ إما مؤمن تقي وإما مشرك وإنما حدث أصحاب المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك. " انتهى ". هذه مكابرة بل قد وقع في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض المؤمنين هنات وسقطات بعضها مذكور في القرآن وبعضها في الحديث الصحيح الثابت.﴿ وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ ﴾ قال ابن عباس وغيره: نزلت ذامة لما يفعله الناس من الدعاء على أموالهم وأبنائهم في أوقات الغضب والضجر * ومناسبتها لما قبلها أن بعض من لا يؤمن بالآخرة كان يدعو على نفسه بتعجيل ما وعد به من الشر في الآخرة كقول النضر: فأمطر علينا حجارة من السماء الآية وكتب ويدع بغير واو على حسب السمع والإِنسان هنا ليس واحداً معيناً والمعنى أن في طباع الإِنسان إذا ضجر وغضب دعا على نفسه وأهله وماله بالشر أن يصيبه كما يدعو بالخير أن يصيبه ثم ذكر تعالى أن ذلك من عدم تثبته وقلة صبره وكونه خلق كثير التسرع لما يرد على قلبه لا يتأتى ولا يستبصر.﴿ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ ﴾ الظاهر أن آيتين هو المفعول الأول والليل والنهار ظرفان في موضع المفعول الثاني أي وجعلنا في الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل أي جعلنا الليل ممحو الضوء مطموسه مظلماً لا يستبان فيه شىء كما لا يستبان ما في اللوح المحفوظ وجعلنا آية النهار مبصرة أي يبصر فيه الأشياء ويستبان ومعنى:﴿ لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً ﴾ أي: من فضله أي: لتتوصلوا إلى استبانة أعمالكم وتصرفكم في معايشكم والحساب للشهور والأيام والساعات ومعرفة ذلك في الشرع إنما هو من جهة آية النهار وكل شىء مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم.﴿ فَصَّلْنَاهُ ﴾ بيناه تبييناً غير ملتبس والظاهر أن نصب وكل شىء على الاشتغال.﴿ طَآئِرَهُ ﴾ أي أن جميع ما يلقى الإِنسان من خير وشر فقد سبق به القضاء وألزم خطه وعمله ومكسبه في عنقه معبر عن الخط والعمل إذ هما متلازمان بالطائر. وقرىء: ﴿ وَنُخْرِجُ ﴾ بنون مضارع أخرج.﴿ كِتَاباً ﴾ بالنصب وعن أبي جعفر ويخرج بالياء مبنياً للمفعول كتاباً أو يخرج الطائر كتاباً وعنه أيضاً كتاب الرفع على أنه مفعول ما لم يسم فاعله. و ﴿ يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ﴾ صفتان لكتاب ويجوز أن يكون منشوراً حالاً من مفعول يلقاه.﴿ ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ ﴾ معمول لقول محذوف أي يقال له اقرأ كتابك وقال قتادة يقرأ في ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئاً. و ﴿ بِنَفْسِكَ ﴾ فاعل كفى والباء زائدة على سبيل الجواز لا اللزوم ويدل عليه أنه إذا حذفت ارتفع ذلك الإِسم بكفى كقول الشاعر: ويخبرني عن غائب المرء هديه   كفى الهدى عما غيب المرء فجراو ﴿ ٱلْيَوْمَ ﴾ منصوب بكفى وعليك يتعلق بحسيباً ومعنى حسيباً حاكماً عليك بعلمه وحسيباً منصوب على التمييز لجواز دخول من عليه والحسيب بمعنى المحاسب ومعناه حافظاً عليك عملك ولذلك عدى بعلى.﴿ مَّنِ ٱهْتَدَىٰ ﴾ الآية قيل نزلت الإشارة في الهدى إلى أبي سلمة بن عبد الأسود وفي الضلال إلى الوليد بن المغيرة وتقدم تفسير ولا تزر في آخر الأنعام.﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ ﴾ الآية فيها نتفاء التعذيب ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى:﴿ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ فيكذب ولا يؤمن بما جاء به من عند الله وانتفاء التعذيب أعم من أن يكون في الدنيا بالهلاك وغيره من العذاب أو في الآخرة بالنار فهو يشملهما.﴿ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً ﴾ الآية لما ذكر تعالى أنه لا يعذب أحداً حتى يبعث إليه رسولاً بين بعد ذلك علة أهلاكهم وهي مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمادي على الفساد والفسق وأراد هنا حقيقته وأن نهلك يعني في الدنيا وقرىء:﴿ أَمَرْنَا ﴾ بتخفيف الميم من الأمر ومفعول أمر محذوف تقديره أمرنا بالطاعة.﴿ مُتْرَفِيهَا ﴾ ويجوز أن تكون أمرنا بمعنى كثرنا تقول العرب أمر القوم بكسر الميم أي كثروا وأمرهم الله بفتح الميم أي كثرهم فصارت الحركة يصير بها الفعل متعدياً تقول العرب شترت عني الرجل بكسر التاء والقول الذي حق عليهم هو وعيد الله الذي قاله رسولهم * والتدمير الاهلاك مع طمس الأثر وهدم البناء مع هلاك أهلها وقرىء: آمرنا بالمد أي كثرنا عدى أمر بالهمزة بمعنى كثرنا وقرىء: أمرنا بالتشديد أي جعلناهم أمراء أو بمعنى كثرنا وكم في موضع نصب على المفعول بأهلكنا أي كثيراً من القرون أهلكنا ومن القرون بيان لكم وتمييز له كما تميز العدد بالجنس والقرون عاد وثمود وغيرهم ويعني بالإِهلاك هنا الإِهلاك بالعذاب وفي ذلك تهديد ووعيد لمشركي مكة وقال من بعد نوح ولم يقل من بعد آدم لأن نوحاً صلى الله عليه وسلم أول نبي بالغ قومه في تكذيبه وقومه أول من حلت بهم العقوبة العظمى وهو الاستئصال بالطوفان وتقدم القول في عمر القرن ومن الأولى للتبيين والثانية لابتداء الغاية وتعلقاً بأهلكنا لاختلاف معنييهما وكفى بربك إنما يجيء في الأغلب في مدح أو ذم وإعراب كفى بربك كإِعراب كفى بالله وبذنوب عباده تنبيه على أن الذنوب هي أسباب الهلكة. و ﴿ خَبِيرَاً بَصِيراً ﴾ تنبيه على أنه عالم بها ومعاقب عليها ويتعلق بذنوب بخبيراً أو بصيراً.﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ ﴾ قيل نزلت في المنافقين كانوا يغزون مع المسلمين لا للثواب ومن شرطية وجوابه عجلنا له فيها ما نشاء فقيد المعجل بمشيئة ما نشاء تعجيله ولمن نريد بدل من قوله له بدل بعض من كل لأن الضمير في له عائد على من الشرطية وهي في معنى الجمع ولكن جاءت الضمائر هنا على اللفظ لا على المعنى وجعلنا بمعنى صيرنا والمفعول الأول جهنم والثاني له لأنه ينعقد منهما مبتدأ وخبر ويصلاها حال من الضمير في له أو من جهنم.﴿ مَذْمُوماً ﴾ إشارة إلى الإِهانة.﴿ مَّدْحُوراً ﴾ إشارة إلى البعد والطرد من رحمة الله تعالى وهما حالان من الضمير المستكن في يصلاها.
﴿ وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ ﴾ أي ثواب الآخرة بأن يؤثرها على الدنيا ويعقد إرادته بها.﴿ وَسَعَىٰ ﴾ فيما كلف من الأعمال والأقوال.﴿ سَعْيَهَا ﴾ أي السعي المعد للنجاة فيها.﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ هو الشرط الأعظم في النجاة فلا ينفع أراده ولا سعي إلا بحصوله وفي الحقيقة هو الناشىء عنه إرادة الآخرة والسعي للنجاة فيها وحصول الثواب.﴿ فَأُولَئِكَ ﴾ إشارة إلى من اتصف بهذه الأوصاف وراعى معنى من فلذلك كان بلفظ الجمع والله تعالى يشكرهم على طاعتهم وهو تعالى هو المشكور على ما أعطى وانتصب كلاً بنمد والامداد المواصلة بالشىء وهؤلاء وهؤلاء بدلان من كلا بدل تفصيل وقدره الزمخشري كل واحد من الفريقين نمد وأعربوا هؤلاء بدلاً من كلا ولا يصح أن يكون بدلاً من كلا على تقدير كل واحد لأنه يكون إذ ذاك بدل كل من بعض فينبغي أن يكون التقدير كل الفريقين فيكون بدل كل من كل على جهة التفصيل والظاهر أن هذا الامداد هو في الرزق في الدنيا ويدل على هذا التأويل.﴿ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾ أي رزقه لا يضيق عن مؤمن ولا كافر ومعنى محظوراً أي ممنوعاً والظاهر أن:﴿ ٱنظُرْ ﴾ بصرية لأن التفاوت في الدنيا مشاهد. و ﴿ كَيْفَ ﴾ سؤال عن الهيئة منصوب. بـ ﴿ فَضَّلْنَا ﴾ والجملة في موضع نصب على إسقاط حرف الجر وهو إلى ويجوز أن يكون أنظر من نظر القلب فيكون حرف الجر المقدر لفظه في والتفضيل هنا في الدنيا ودرجات منصوباً على التمييز والمفضل عليه محذوف تقديره من درجات الدنيا وتفضيلها والخطاب في:﴿ لاَّ تَجْعَل ﴾ للسامع المخاطب غير الرسول.﴿ فَتَقْعُدَ ﴾ قال الفراء وتبعه الزمخشري فتقعد بمعنى فيصير فيكون اسمها ضمير المخاطب وخبرها.﴿ مَذْمُوماً ﴾ وحكى الكسائي عن العرب وقعد لا يسأل حاجة إلا قضاها وأصحابنا لا يجعلون قعد بمعنى صار إلا في المثل في قولهم: شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة أي صارت ومذموماً حال عندهم من الضمير المستكن في فتقعد ويؤولونه على معنى فيثبت ويسكن في حال الذم.﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ ﴾ الآية قال ابن عباس: وجماعة قضى بمعنى أمر وأن حرف تفسير * وقال أبو البقاء ويجوز أن يكون في موضع نصب أي ألزم ربك عبادته ولا زائدة انتهى وهذا وهم لدخول إلا على مفعول تعبد ويلزم أن يكون منفياً أو مبهماً ولا تعبدوا نهي. و ﴿ إِحْسَاناً ﴾ مصدر بمعنى الأمر عطف ما معناه أمر على نهي كما عطف في قوله * يقولون لا تهلك أسى وتجمل * وقد اعتنى بالأمر بالإِحسان إلى الوالدين حيث قرن بقوله: لا تعبدوا إلا إياه ويتقديمهما اعتناء بهما على قوله إحساناً ومناسبة اقتران بر الوالدين بإِفراد الله بالعبادة من حيث أنه تعالى هو الموجود حقيقة والوالدان وساطة في إنشائه وهو تعالى المنعم بإِيجاده ورزقه وهما ساعيان في مصالحه * وقال الزمخشري اما هي ان الشرطية زيدت عليها ما توكيداً لها ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل ولو أفردت لم يصح دخولها لا تقول ان تكرمن زيداً يكرمك ولكن إما تكرمنه انتهى * وهذا الذي ذكره مخالف لمذهب سيبويه لأن مذهبه أنه يجوز أن يجمع بين اما ونون التوكيد وأن تأتي بأن وحدها ونون التوكيد وأن تأتي باما وحدها دون نون التوكيد وقال سيبويه في هذه المسئلة: وإن شئت لم تقحم النون كما أنك إن شئت لم تجىء بما يعني مع النون وعدمها وقرىء:﴿ يَبْلُغَنَّ ﴾ بنون التوكيد وعند متعلق به. و ﴿ أَحَدُهُمَا ﴾ فاعل بيبلغن.﴿ أَوْ كِلاَهُمَا ﴾ معطوف على أحد وقرىء: يبلغان فالألف للتثنية والنون مشددة بعد ألف الاثنين وأحدهما بدل من الضمير، أو كلاهما فاعل بفعل محذوف تقديره أو يبلغ كلاهما والفاء في فلا جواب الشرط * وقال الزمخشري: * فإِن قلت لو قيل اما يبلغان كلاهما كان توكيداً لا بدلاً فمالك زغمت أنه بدل * قلت: لأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيداً للإِثنين فانتظم في حكمه فوجب أن يكون مثله * فإِن قلت ما ضرك لو جعلته توكيداً مع كون المعطوف عليه بدلاً وعطفت التوكيد على البدل * قلت: لو أريد توكيد التثنية لقيل كلاهما فحسب فلما قيل أحدهما أو كلاهما علم أن التوكيد غير مراد فكان بدلاً مثل الأول * قال ابن عطية: وعلى هذه القراءة الثالثة يعني يبلغان يكون قوله: أحدهما بدلاً من الضمير في يبلغان وهو بدل مقسم * كقول الشاعر: وكنت كذي رجلين رجل صحيحة   ورجل رمى فيها الزمان فشلت" انتهى " ويلزم من قوله: أن يكون كلاهما معطوفاً على أحدهما وهو بدل والمعطوف على البدل بدل والبدل مشكل لأنه يلزم منه أن يكون المعطوف عليه * بدلاً وإذا جعلت أحدهما بدلاً من الضمير فلا يكون إلا بدل بعض من كل وإذا عطفت عليه كلاهما فلا جائز أن يكون بدل بعض من كل لأن كلاهما مرادف للضمير من حيث التثنية فلا يكون بدل بعض من كل ولا جائز أن يكون بدل كل من كل لأن المستفاد من الضمير التثنية وهو المستفاد من كلاهما فلم يغد البدل زيادة على المبدل منه * وأما قول ابن عطية وهو بدل مقسم كقول الشاعر: وكنت كذي رجلين البيت   فليس من بدل التقسيم لأن شرط ذلك العطف بالواو وأيضاً فالبدل المقسم لا يصدق المبدل فيه على أحد قسميه وكلاهما يصدق عليه الضمير وهو المبدل منه فليس من البدل المقسم وقد ذكرنا تخريجه على إضمار فعل فتكون كلاهما فاعلاً بذلك الفعل.﴿ أُفٍّ ﴾ إسم فعل بمعنى أنضجر ولم يأت اسم فعل بمعنى المضارع إلا قليلاً نحو أف وأوه بمعنى أتوجع وإذا كان قد نهى أن يستقبلهما بهذه اللفظة الدالة على الضجر والتبرم بهما فالنهي عما هو أشد كالشتم والضرب هو بجهة الأولى وفي أف لغات ذكرت في البحر ولما نهاه تعالى أن يقول لهما ما مدلوله أتضجر منكما ارتقى إلى النهي عما هو من حيث الوضع أشد من أف وهو نهرهما وان كان النهي عن نهرهما يدل عليه النهي عن قول أف لأنه إذا نهى عن الأدنى كان ذلك نهياً عن الأعلى بجهة الأولى والمعنى ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك وقل لهما بدل قول أف ونهرهما.﴿ قَوْلاً كَرِيماً ﴾ أي جامعاً للمحاسن من البر وجودة اللفظ ثم أمره تعالى بالمبالغة في التواضع معهما بقوله:﴿ وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ ﴾ وقال القفال في تقديره وجهان: * أحدهما أن الطائر إذا ضم فرحة إليه للتربية خفض له جناحه فخفض الجناح كناية عن حسن التدبير وكأنه قيل للولد أكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا بك ذلك حال صغرك * الثاني أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه وإذا أراد ترك الطيران والارتفاع خفضه فصار خفض الجناح كناية عن فعل التواضع من هذا الوجه ثم أمره تعالى بأن يدعو الله تعالى لهما بأن يرحمهما رحمته الباقية إذ رحمته عليهما لا فناء لها ثم نبه على العلة الموجبة للإِحسان إليهما والبر بهما واسترحام الله تعالى لهما وهي تربيتهما له صغيراً وتلك الحالة مما يزيده إشفاقاً لهما ورحمة إذا هي تذكير بحالة إحسانهما إليه وقت أن لا يقدر على الإِحسان لنفسه والظاهر أن الكاف في كما للتعليل أي رب ارحمهما لتربيتهما لي وإحسانهما إليّ حالة الصغر والافتقار.﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾ أخبر تعالى أنه أعلم بما انطوت عليه الضمائر من قصد عبادة الله والبر بالوالدين ثم قال:﴿ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ ﴾ أي ذوي صلاح ثم فرط منكم تقصير في عبادة أو بر وانبتم إلى الخير.﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ أي غفور لما فرط من هناتكم والظاهر أن هذا عام في كل من فرطت منه جناية ثم ناب منها.﴿ وَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ ﴾ الآية لما أمر ببر الوالدين أمر بصلة القرابة والظاهر أنه خطاب لما خوطب بقوله: اما يبلغن عندك الكبر والحق هنا ما يتعين له من صلة الرحم وسد الخلة والمواساة عند الحاجة بالمال والمعونة بكل وجه ونهى تعالى عن التبذير وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها وتبذر أموالها في الفخر والسمعة وتذكر ذلك في أشعارها فنهى الله تعالى عن النفقة في غير وجوه البر وما يقرب منه.﴿ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ ﴾ واخوه الشياطين كونهم قرناءهم في الدنيا وفي النار وفي الآخرة وتدل هذه الأخوة على أن التبذير في معصية الله أو كونهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإِسراف في الدنيا وذكر كفران الشيطان لربه ليحذر ولا يطاع لأنه لا يدعو إلى خير كما قال تعالى:﴿ إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ ﴾[فاطر: ٦].
﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ﴾ قيل" نزلت في ناس في مزينة استحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا أجد ما أحملكم عليه فبكوا وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان بعد نزول هذه الآية إذا لم يكن عنده ما يعطي وسئل قال: يرزقنا الله وإياكم من فضله "فالرحمة على هذا الرزق المنتظر * قال الزمخشري: ويجوز أن يكون ابتغاء رحمة من ربك علة لجواب الشرط فهو يتعلق به ويتقدم عليه أي فقل لهم قولاً سهلاً ليناً وعدهم وعداً جميلاً رحمة لهم وتطييباً لقلوبهم ابتغاء رحمة من ربك أي ابتغ رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم " انتهى " ما أجازه لا يجوز لأن ما بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبله لا يجوز في قولك أن تقم فاضرب زيداً ان تقم زيداً فاضرب وهذا منصوص عليه فإِن حذفت الفاء في مثل ان تقم تضرب خالداً فمذهب سيبويه والكسائي الجواز فتقول ان تقم خالداً تضرب ومذهب الفراء المنع فإِن كان معمول الفعل مرفوعاً نحو ان تفعل يفعل زيد فلا يجوز تقديم زيد على أن يكون مرفوعاً بتفعل هذه وأجاز سيبويه أن يكون مرفوعاً بفعل يفسره يفعل كأنك قلت إن تفعل يفعل زيد يفعل ومنع ذلك الكسائي والفراء.﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً ﴾ أي مداراة باللسان ويسر يكون لازماً ومتعدياً فميسور من المتعدي تقول يسر ذلك كذا إذا أعددته لك.﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ ﴾ قيل نزلت في إعطائه صلى الله عليه وسلم قميصه ولم يكن له غيره وبقي عرياناً وقيل أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإِبل وعيينة مثل ذلك والعباس بن مرداس خمسين ثم أكملها مائة فنزلت وهذه استعارة استعير فيها المحسوس للمعقول وذلك أن البخل معنى قائم بالإِنسان يمنعه من التصرف في ماله فاستعير له الغل الذي هو ضم اليد إلى العنق فامتنع من تصرف يده وإجالتها حيث يريد وذكر اليد لأن الأخذ بها والإِعطاء واستعير بسط اليد لإِذهاب المال وذلك لأن قبض اليد يحبس ما فيها وبسطها يذهب ما فيها طابق في الاستعارة بين قبض اليد وبسطها من حيث المعنى لأن جعل اليد مغلولة هو قبضها وغلها أبلغ من القبض وقد طابق بينهما أبو تمام * قال في المعتصم تعوّد بسط الكف حتى لو أنه * ثناها لقبض لم تطعه أنامله والظاهر أنه مراد بالخطاب أمة الرسول صلى الله عليه وسلم. وإلا فهو صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئاً لغد وكذلك من كان واثقاً بالله تعالى حق الوثوق كأبي بكر حيث تصدق بجميع ماله وختم ذلك بقوله: خبيراً وهو العلم بخفيات الأمور وبصيراً أي بمصالح عباده حيث يبسط لقوم ويضيق على قوم.﴿ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ﴾ تقدم تفسير نظيره صدر هذه الآية والفرق بين خشية إملاق ومن إملاق وبين قوله يرزقهم وإياكم ويرزقكم وإياهم تقدم كل ذلك.﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ ﴾ الآية تقدم تفسير نظيرها في الانعام.﴿ وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ أي وبئس طريقة لأنها سبيل يؤدي إلى النار قال ابن عطية: وسبيلاً نصب على التمييز التقدير وساء سبيله سبيلاً انتهى فإِذا كان سبيلاً نصباً على التمييز فإِنما هو تمييز للمضمر المستكن في ساء وهي الضمير الذي يفسره ما بعده والمخصوص بالذم محذوف وإذا كان كذلك فلا يكون تقديره وساء سبيله سبيلاً لأنه إذ ذاك لا يكون فاعله ضميراً يراد به الجنس مقيداً بالتمييز ويبقى التقدير أيضاً عارياً عن المخصوص بالذم وتقدم تفسير قوله: ولا تقتلوا النفس في أواخر الانعام ولما نهى عن قتل الأولاد نهي عن قتل النفس فانتقل من الخاص إلى العام والظاهر أن هذه كلها منهيات مستقلة ليست مندرجة تحت قوله تعالى: وقضى ربك كاندراج أن لا تعبدوا وانتصب مظلوماً على الحال من الضمير المستكن في قتل والمعنى أنه قتل بغير الحق.﴿ فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ ﴾ وهو الطالب لدمه شرعاً.﴿ سُلْطَاناً ﴾ أي تسلطاً وقهراً والظاهر النهي عما كانت الجاهلية تفعله من قتل الجماعة بالواحد وقتل غير القاتل والمثلة والمكافأة الذي يقتل لمن قتله والضمير في أنه عائد على الولي لتناسق الضمائر ونصره إياه بأن وجب له القصاص فلا تسترد على ذلك أو نصره بمعونة السلطان وبإِظهار المؤمنين على استبقاء الحق.﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ ﴾ تقدم تفسير نظيره في الانعام.﴿ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ ﴾ عام فيما عقده الإِنسان بينه وبين ربه أو بينه وبين آدمي في طاعة.﴿ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ ظاهره أن العهد هو المسئول من المعاهد أن يفي له ولا يضيعه وقيل هو على حذف مضاف أي ان ذا العهد كان مسئولا ان لم يف به واسم كان مضمر يعود على العهد أو على ذي العهد مسئولا خبر كان وفيه ضمير المفعول أي مسئولا هو أي عدم الإِيفاء به * ثم أمره تعالى بإِيفاء الكيل والوزن المستقيم وذلك فيما يرجع إلى المعاملة بالأموال وفي قوله وأوفوا الكيل دلالة على أن الكيل هو على البائع لأنه لا يقال ذلك للمشتري والتقييد بقوله: إذا كلتم أي وقت كيلكم على سبيل التأكيد ولا يتأخر الإِيفاء بأن يكيل به بنقصان ما تم يوفيه بعد ذلك فلا يتأخر الإِيفاء عن وقت الكيل * قال ابن عطية: واللفظة للمبالغة من القسط انتهى لا يجوز أن يكون من القسط لاختلاف المادتين لأن القسط مادته قسط وذلك مادته قسطس إلا أن اعتقد زيادة السين أخيراً كسين قدموس وضغبوس وعرفاس فيمكن لكنه ليس من مواضع زيادة السين المقيسة.﴿ ذٰلِكَ خَيْرٌ ﴾ أي الإِيفاء والوزن لأن فيه تطييب النفوس بالاتسام بالعدل والإِيصال للحق.﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ أي عاقبة إذ لا تبقى على الموفى والوازن تبعة لا في الدنيا ولا في الآخرة وهو من المآل وهو المرجع.﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ لما أمر تعالى بثلاثة أشياء بالإِيفاء بالعهد والإِيفاء بالكيل والوزن بالقسطاس أتبع ذلك بثلاثة أمناه ولا تقف ولا تمش ولا تجعل ومعنى ولا تقف لا تتبع ما لا علم لك به من قول أو فعل نهي أن يقول ما لا يعلم وأن يعمل بما لا يعلم ويدخل فيه النهي عن اتباع التقليد لأنه اتباع لما لا يعلم صحته وقال الكميت: فلا أرمي البريء بغير ذنب   ولا أقفوا الحواض أن قفيافي قوله: ان السمع والبصر والفؤاد دليل على أن العلوم مستفادة من الحواس ومن العقول وجاء هذا الترتيب القرآني في البداءة بالسمع ثم يليه البصر ثم يليه الفؤاد وأولئك إشارة إلى هذه الثلاثة وهم اسم إشارة إلى الجمع المذكر والمؤنث العاقل وغيره وتخيل ابن عطية أن أولئك مختص بالعاقل فقال: وعبر عن السمع والبصر والفؤاد بأولئك لأنها حواس لها إدراك وجعلها في هذه الآية مسؤولة فهي حالة من يعقل وليس ما تخيله صحيحاً بل جميع أسماء الإِشارة مثل أولئك يشترك فيه المذكر والمؤنث والعاقل وغير العاقل قال الزمخشري: وعنه في موضع الرفع بالفاعلية أي كل واحد منها كان مسئولاً عنه فمسئولا مسند إلى الجار والمجرور كالمغضوب في قوله:﴿ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم ﴾[الفاتحة: ٧]، يقال للإِنسان لم سمعت ما لا يحل لك سماعه ولم نظرت ما لا يحل لك نظره ولم عزمت على ما لا يحل لك العزيمة عليه. " انتهى " وهذا الذي ذهب إليه من أن عنه في موضع الرفع بالفاعلية ومعنى به أنه مفعول لم يسم فاعله لا يجوز لأن الجار والمجرور وما يقام مقام الفاعل من مفعول به ومصدر وظرف بشروطها جار مجرى الفاعل وكما أن الفاعل لا يجوز تقديمه فكذلك ما جرى مجراه وأقيم مقامه فإِذا قلت غضب عليّ زيد فلا يجوز على زيد غضب بخلاف غضبت على زيد فيجوز على زيد غضبت وقد حكى الاتفاق من النحويين على أنه لا يجوز تقديم الجار والمجرور الذي لا يقام مقام الفاعل على الفعل أبو جعفر النحاس ذكر ذلك في المقنع من تأليفه فليس عنه مسئولاً كالمغضوب عليه لتقديم الجار والمجرور في عنه مسئولاً وتأخير في المغضوب عليهم قول الزمخشري: ولم نظرت ما لا يحل لك أسقط إلى وهو لا يجوز إلا ان جاء في ضرورة شعر لأن نظر يتعدى بإِلى وكان التركيب ولم نظرت إلى ما لا يحل لك كما قال النظر إليه فعدّاه بإِلى ومسئولاً فيه ضمير يعود على كل من حيث اللفظ وهذا الضمير هو المفعول الذي لم يسم فاعله وعنه في موضع نصب والضمير في عنه عائد على معنى أولئك أي عن كل واحد مما تقدم وانتصب مرحاً على الحال أي مارحاً كما تقول جاء زيد ركضاً أي راكضاً أو على حذف مضاف أي ذا مرح والمرح هو السرور والاغتباط بالراحة والفرح وكأنه ضمن معنى الاختيال لأن غلبة السرور والفرح يصحبها التكبر والاختيال ولذلك علل بقوله:﴿ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ ﴾ أي لن تجعل فيه خرقاً بدوسك لها وشدّة وطئك وانتصب طولاً على التمييز أي لن يبلغ طولك الجبال والظاهر أن ذلك إشارة إلى مصدر النهيين السابقين وهما قفو ما ليس لك به علم والمشي في الأرض مرحاً وسيئة خبر كان وأنت ثم قال مكروها فذكر وقرىء: سيئته فسيئة اسم كان ومكروها الخبر ذلك إشارة إلى جميع التكاليف من قوله: لا تجعل مع الله إلهاً آخر إلى قوله: ولا تمش في الأرض مرحاً، وهي أربعة وعشرون نوعاً من التكاليف بعضها أمر وبعضها نهي بدأها بقوله: لا تجعل، واختتم الآيات بقوله: ولا تجعل، وقال: مما أوحى لأن ذلك بعض مما أوحي إليه إذ أوحى بتكاليف أخر ومما أوحى خبر عن ذلك ومن الحكمة يجوز أن يكون متعلقاً بأوحى وأن يكون بدلاً مما وأن يكون حالاً من الضمير المنصوب المحذوف العائد على ما وكانت هذه التكاليف حكمة لأن حاصلها يرجع إلى الأمر بالتوحيد وأنواع الطاعات والإِعراض عن الدنيا والإِقبال على الآخرة والعقول تدل على صحتها وهي شرائع في جميع الشرائع لا تقبل النسخ وعن ابن عباس أن هذه الآيات كانت في ألواح موسى صلى الله عليه وسلم أولها لا تجعل مع الله إلهاً آخر قال تعالى:﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾[الأعراف: ١٤٥] وكرر تعالى النهي عن الشرك ففي النهي الأول فتقعد مذموماً مخذولاً وفي الثاني فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً والفرق بين مذموم وملوم أن كونه مذموماً أن تذكر أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح منكر وكونه ملوماً أن يقال له بعد الفعل وذمه لم فعلت كذا وما حملك عليه وما استفدت منه إلا إلحاق الضرر بنفسك فأول الأمر الذم وآخره اللوم والفرق بين مخذولاً ومدحوراً أن المخذول هو المتروك إعانته ونصره والمفوض إلى نفسه والمدحور المطرود المبعد على سبيل الإِهانة له والاستخفاف به فأول الأمر الخذلان وآخره الطرد مهاناً وكان وصف الذم والخذلان يكون في الدنيا ووصف اللوم والدحور يكون في الآخرة ولذلك جاء فتلقى في جهنم والخطاب بالنهي في هذه الآيات كلها للسامع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم * وقال الزمخشري: ولقد جعل الله فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم تنفعه حكمته وعلومه وان بدّ فيها الحكماء وحل بيافوخه السماء ما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم.﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ ﴾ لما نبه تعالى على فساد طريقة من أثبت لله شريكاً ونظيراً أتبعه بفساد طريقة من أثبت لله ولداً والاستفهام معناه الإِنكار والتوبيخ والخطاب لمن اعتقد أن الملائكة بنات الله ومعنى أفأصفاكم أآثركم وخصكم وهذا كما قال أله البنات ولكم البنون ألكم الذكر وله الأنثى وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم ومعنى عظيماً مبالغاً في المنكر والقبح حيث أضفتم إليه الأولاد ثم حيث فضلتم عليه أنفسكم فجعلتم له ما تكرهون ثم نسبة الملائكة الذين هم من شريف ما خلق إلى الأنوثة ومعنى صرفنا نوعنا من جهة إلى جهة ومن مثال إلى مثال والتصريف لغة صرف الشىء بين جهة إلى جهة ثم صار كتابة عن التبيين وقرىء: ليذكر وأصله من التذكر أدغمت التاء في الذال وقرىء: ليذكروا من الذكر ما يزيدهم أي التصريف إلا نفوراً أي بعداً وفراراً عن الحق.﴿ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ ﴾ ذكر قولهم أنه تعالى معه آلهة ورد عليهم ومعنى:﴿ لاَّبْتَغَوْاْ ﴾ أي طلبوا متوصلين إلى ذي العرش إلى مغالبته وإفساد ملكه لأنهم شركاؤه على زعمهم كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض والكاف في كما في موضع نصب أي مثلما وقرىء: تقولون بتاء الخطاب ويقولون بياء الغيبة سبحانه أي تنزيهه وتعالى متعلق به على سبيل الأعمال إذ يصح لسبحان أن يتعلق به عن والتعالي في حقه تعالى هو بالمكانة لا بالمكان وعلو مصدر على غير الصدر إذ لو جاء على تعالى لكان المصدر تعالياً لأن تفاعل بمعنى الفعل المجرد وهو على ونسبة التسبيح للسماوات والأرض ومن فيهن من ملك وإنس وجن حمله بعضهم على النطق بالتسبيح حقيقة وان ما لا حياة فيه ولا نمو يحدث الله له نطقاً وهذا هو الظاهر من اللفظ ولذلك جاء ولكن لا تفقهون تسبيحهم * قال ابن عطية ثم أعاد على السماوات والأرض ضمير من يعقل لما أسند إليها فعل الفاعل وهو التسبيح " انتهى " ويعني بالضمير في قوله: ومن فيهن وكأنه تخيل أن هن لا يكون إلا لمن يعقل من المؤنثات وليس كما تخيل بل هن يكون ضمير الجمع المؤنث مطلقاً.
ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﰿ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ ﴾ ان نافية ومن شىء مبتدأ ومن زائدة وخبره يسبح موجب.﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً ﴾ حيث لا يعاجلكم بالعقوبة على سوء نظركم.﴿ غَفُوراً ﴾ إن رجعتم ووحدتم الله.﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ ﴾ الآية نزلت في أبي سفيان والنضر وأبي جهل وأم جميل امرأة أبي لهب كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قرأ القرآن فحجب الله أبصارهم إذ قرأ فكانوا يمرون به ولا يرونه * ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر تقرير الألوهية ذكر بعده تقرير النبوّة وذكر شيئاً من أحوال الكفرة وإنكارها وإنكار المعاد والمعنى وإذا شرعت في القراءة وليس المعنى على الفراغ من القراءة. بل المعنى أنك إذا التبست بقراءة القرآن ولا يراد بالقرآن جميعه بل ما ينطلق عليه الاسم فإِنك تقول لمن يقرأ شيئاً من القرآن قارىء القرآن والظاهر إقرار مستوراً على موضوعه من كونه اسم مفعول أي مستوراً عن أعين الكفار فلا يرونه أو مستوراً به الرسول عن أعينهم.﴿ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾ تقدم تفسيره في الانعام.﴿ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ ﴾ قيل" دخل ملأ من قريش على أبي طالب يزورونه فدخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ ومر بالتوحيد ثم قال: يا معشر قريش: قولوا لا إله إلا الله تملكون بها العرب وتدين لكم العجم فولوا ونفروا "فنزلت قال الزمخشري: وحد يحد وحدا وحده نحو وعد يعد وعداً وعده ووحده من باب رجع عوده على بدئه وأفعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر ساد مسدّ الحال أصله يحد وحده بمعنى واحد انتهى ما ذهب إليه من أن وحده مصدر ساد مسد الحال خلاف مذهب سيبويه ووحده عند سيبويه ليس مصدراً بل إسم وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال فوحده عنده موضوع موضع إيحاد وإيحاد موضوع موضع موحد ووحده وقع بعد فاعل ومفعول نحو ضربت زيداً وحده فمذهب سيبويه أنه حال من الفاعل أي موحداً له بالضرب ومذهب المبرد أنه يجوز أن يكون حالاً من المفعول فعلى مذهب سيبويه يكون التقدير موحداً له بالذكر وعلى مذهب المبرد يكون التقدير موحداً بالذكر والظاهر أن الآية في حال الفارّين عنه وقت قراءته القرآن ومرور بتوحيد الله تعالى والمعنى إذا جاءت في قراءته مواضع التوحيد فرّ الكفار إنكاراً له واستبشاعاً لرفض آلهتهم وإطراحها.﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ ﴾ أي بالاستخفاف الذي يستمعون به والهزء بك وبالقرآن واللغو كان إذا قرأ صلى الله عليه وسلم قام رجلان من بني عبد الله عن يمينه ورجلان منهم عن يساره فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار وبما يتعلق بأعلم وفيه متعلق بيستمعون لما ضمن يستمعون معنى يستهزئون عدي بالباء وإليك متعلق بيستمعون الثانية وإذا الثانية بدل من الأولى ونجوى على إضمارهم نجوى أي ذوو نجوى وإن في إن يتبعون نافية والجملة في موضع مفعول بيقول وروي أن تناجيهم كان عند عتبة دعا أشراف قريش إلى طعام فدخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى الله فتناجوا يقولون ساحر مجنون والظاهر أن مسحوراً من السحر أي خبل عقله السحر والأمثال هي ما تقدّم من قولهم في تناجيهم.﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً ﴾ إي إلى الإِيمان.﴿ وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا ﴾ هذا استفهام تعجب وإنكار واستبعاد لما ضربوا له الأمثال وقالوا عنه انه مسحور ذكروا ما استدلوا به على زعمهم على اتصافه بما نسبوا إليه واستبعدوا أنه بعدما يصير الإِنسان رفاتاً يحييه الله ويعيده وقد رد عليهم ذلك بأنه تعالى هو الذي فطرهم بعد العدم الصرف على ما يأتي بشرحه في الآية بعد هذا وجواب إذا محذوف تقديره أئذا كنا عظاماً ورفاتاً نبعث رفت الشىء كسره يرفته بالكسر والرفات الأجزاء المفتتة من كل شىء مكسر وفعال بناء لهذا المعنى كالحطام والفتات والرضاض والرقاق.﴿ قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً ﴾ الآية أي كونوا حجارة يابسة أو حديداً مع أن طباعها القساوة والصلابة لكان قادراً على أن يردّكم إلى حال الحياة.﴿ أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾ عن قبول الحياة ويعظم في زعمكم على الخالق إحياؤه فإِنه يحييه.﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ ﴾ أي يحركونها على سبيل التكذيب والاستبعاد.﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ﴾ أي متى العود ولم يقولوا ذلك على سبيل التسليم للعود ولكن حيدة وانتقالاً لما لا يسأل عنه لأن ما ثبت إمكانه بدليل العقل لا يسأل عن تعيين وقوعه ولكن أجابهم على سؤالهم يقرب وقوعه إلا بتعيين زمانه لأن ذلك مما استأثر تعالى بعلمه واحتمل أن يكون في:﴿ عَسَىٰ ﴾ إضمار أي عسى هو أي العدد واحتمل أن يكون مرفوعها أن.﴿ يَكُونَ ﴾ فتكون فيه تامة ووقع في لفظ ابن عطية عسى أن الساعة قريبة " انتهى ". وهذا تركيب لا يجوز لا تقول عسى أن زيداً قائم بخلاف عسى أن يقوم زيد. و ﴿ قَرِيباً ﴾ يحتمل أن يكون خبر كان على أنه يكون العود متصفاً بالقرب ويحتمل أن يكون ظرفاً أي زماناً قريباً وعلى هذا التقدير يكون:﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ﴾ بدلاً من قريباً فالظاهر أن الدعاء حقيقة أي يدعوكم بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة كما قال تعالى﴿ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾[ق: ٤١] الآية ومعنى تستجيبون توافقون الداعي فيما دعاكم إليه والظاهر أن الخطاب للكفار إذ الكلام قيل ذلك معهم فالضمير لهم. و ﴿ بِحَمْدِهِ ﴾ حال منهم أي ملتبسين بالثناء عليه تعالى.﴿ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أن هنا نافية وتظنون معلقة عن العمل فالجملة بعده في موضع نصب وقلما ذكر النحويون في أدوات التعليق أن النافية ويظهر أن انتصاب قليلاً على أنه نعت كزمان محذوف أي الأزمانا قليلاً كقوله:﴿ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾[الكهف: ١٩، المؤمنون: ١١٣] ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أي لبثنا قليلاً ودلالة الفعل على مصدره دلالة قوية.﴿ وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ الآية إضافة العباد له تعالى تدل على أن المأمورين هم المؤمنون أمروا أن يقول بعضهم لبعض الكلم التي هي أحسن أي يجل بعضهم بعضاً ويعظمه ولا يصدر له منه إلا الكلم الطيب والقول الجميل ونبهوا على أنه قد يكون من الشيطان نزغ لهم فيجتنبوه ذكروا بعداوته القديمة لهم والخطاب بقوله:﴿ رَّبُّكُمْ ﴾ للمؤمنين فالرحمة الانجاء من الكفار وأذاهم والتعذيب تسليطهم عليهم.﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴾ أي حافظاً وكفيلاً ولما خاطبهم بقوله تعالى: ﴿ أَعْلَمُ بِكُمْ ﴾ تنقل من الخصوص إلى العموم فقال مخاطباً لرسوله صلى الله عليه وسلم.﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ ليبين أن علمه غير مقصور عليكم بل علمه متعلق بجميع من في السماوات والأرض بأحوالهم ومقاديرهم وما يستأهل كل واحد منهم وبمن متعلق بأعلم كما تعلق بكم قبله بأعلم ولما كان الكفار قد استبعدوا تنبىء البشر إذ فيه تفضيل الأنبياء على غيرهم أخبر تعالى بتفضيل بعض الأنبياء على بعض إشارة إلى أنه لا يستبعد تفضيل الأنبياء على غيرهم إذ وقع التفضيل في هذا الجنس المفضل على الناس والله أعلم بما خص كل واحد من المزايا فهو يفضل من شاء منهم على من شاء إذ هو الحكيم فلا يصدر شىء إلا عن حكمته وفيه إشارة إلى أنه لا يستنكر تفضيل محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء وخص داود بالذكر هنا لأنه تعالى ذكر في الزبور أن محمداً خاتم النبيين وأن أمّته خير الأمم وقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ ﴾[الأنبياء: ١٠٥] وهم محمد وأمّته وكانت قريش ترجع إلى اليهود كثيراً فيما يخبرون به مما في كتبهم فنبه على أن زبور داود تضمن البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وفي ذلك رد على مكابري اليهود حيث قالوا لا نبي بعد موسى ولا كتاب بعد التوراة ونص تعالى هنا على إيتاء داود الزبور وإن كان قد آتاه مع ذلك الملك إشارة إلى أن التفضيل المحض وهو بالعلم الذي آتاه والكتاب الذي أنزل عليه كما فضل محمداً صلى الله عليه وسلم بما آتاه من العلم والقرآن الذي خصه به وتقدم تفسير وآتينا داود زبوراً في آخر النساء.﴿ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم ﴾ الآية قيل نزلت في عبدة الشيطان وهم خزاعة أسلمت الشياطين وبقوا يعبدونهم فلا يستطيعون جواب لقوله ادعو وثم محذوف بعد الفاء تقديره فهم لا يستطيعون والمعنى لا يستطيعون أن يكشفوا عنكم الضر من مرض أو فقر أو عذاب ولا أن يحولوه من واحد إلى آخر ويبدلوه وفي قوله: زعمتهم ضمير محذوف عائد على الذين وهو المفعول الأول والثاني محذوف تقديره زعمتموهم آلهة من دون الله والظاهر أن أولئك إشارة إلى المعبودين وهو مبتدأ والذين صفة له ويدعون صلة للذين والواو للعابدين والضمير العائد على الذين محذوف تقديره يدعونهم آلهة ويبتغون خبر أولئك والوسيلة القرب إلى الله.﴿ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ أجاز الحوفي أن يكون بدلاً من الواو في يبتغون وتبعه الزمخشري فعلى هذا يكون أيهم موصولاً وأقرب خبر مبتدأ التقدير ويبتغي الذين هم أقرب إلى ربهم الوسيلة وأجاز أيضاً أن يكون أيهم أقرب مبتدأ وخبراً على الاستفهام ومقدراً قبله الفعل المعلق وهو ينظرون وقال نحوه ابن عطية والجملة في موضع نصب على إسقاط في ان كان من نظر القلب وإلى ان كان من نظر البصر وإضمار الفعل المعلق يحتاج إلى سماع ويرجون رحمته معطوف على يبتغون.﴿ مَحْذُوراً ﴾ يحذره كل أحد.﴿ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ ﴾ إن نافية ومن زائدة في المبتدأ تدل على استغراق الجنس والجملة بعد الا خبر المبتدأ وقيل المراد الخصوص والتقدير وان من قرية ظالمة والظاهر أن جميع القرى تهلك قبل يوم القيامة وإهلاكها تخريبها وفناء أهلها تخريبها وفناء أهلها أو معذبوها أي معذبوا أهلها بالقتل وأنواع العذاب.﴿ كَانَ ذٰلِك ﴾ إشارة إلى الاهلاك والتعذيب في الكتاب أي في سابق القضاء أو اللوح المحفوظ أي مكتوباً أسطاراً.﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ ﴾ الآية عن ابن عباس أن أهل مكة سألوا أن تجعل لهم الصفا ذهباً وأن تنحى عنهم الجبال فيزرعون اقترحوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوحى الله تعالى إن شئت أن أفعل ذلك لهم فإِن تأخروا عاجلتهم بالعقوبة وإن شئت استأنيت بهم عسى أن أجتبي منهم مؤمنين فقال بل تستأني بهم يا رب فنزلت واستعير المنع للترك أي ما تركنا إرسال الآيات المقترحة إلا لتكذيب الأولين بها وليس تكذيب الأولين علة في منع إرسال الآيات لقريش فالمعنى إلا اتباعهم طريقة تكذيب الأولين بها فتكذيب الأولين فاعل على حذف مضاف فإِذا كذبوا بها كما كذب الأولون عاجلتهم بعذاب الاستئصال وقد اقتضت الحكمة أن لا أستأصلهم.﴿ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ ﴾ ذكر من تلك الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسلت إليهم فأهلكوا واحدة وهي ناقة صالح لأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم وانتصب مبصرة على الحال وهي قراءة الجمهور وقرىء: مبصرة بالرفع على إضمار مبتدأ أي هي مبصرة وأضاف الابصار إليها على سبيل المجاز لما كانت يبصرها الناس والتقدير آية مبصرة وقرىء: مبصرة بفتح الصاد اسم مفعول يبصرها الناس ويشاهدونها.﴿ إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾ أي إنذاراً بعذاب الدنيا والآخرة.﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ ﴾ الآية أحاط بالناس فقيل بعلمه فلا يخرج شىء عن علمه وبقدرته فقدرته غالبة كل شىء.﴿ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ ﴾ قال الجمهور: هي رؤيا عين ويقظة وهي ما رأى في ليلة الإِسراء من العجائب قال الكفار: إن هذا لعجب نخب إلى بيت المقدس شهرين إقبالاً وإدباراً ويقول محمد: جاءه من ليلة وانصرف منه فافتتن بهذا التلبيس قوم من ضعفاء المسلمين فارتدوا وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية وقيل في الرؤيا غير ذلك مما هو مذكور في البحر * قال ابن عطية: قالت عائشة: الرؤيا رؤيا منام وهذه الآية تقضي بفساده وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها وما كان لأحد أن ينكرها انتهى ليس كما قال ابن عطية فإِن رؤيا الأنبياء حق ويخبر النبي بوقوع ذلك لا محالة فيصير إخباره بذلك فتنة لمن يريد الله به ذلك وأريناك صلة للتي والعائد محذوف تقديره أريناكها والشجرة الملعونة في القرآن قيل هي أبو جهل وقيل شجرة الزقوم وقال أبو جهل وغيره هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنها تنبت الشجر والنار تأكل الشجر وما نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد ثم أمر أبو جهل جارية له فأحضر تمراً وزبداً وقال لأصحابه ترقموا فافتتن أيضاً بهذه المقالة بعض الضعفاء والظاهر أن الشجرة الملعونة في القرآن هي التي تفرع منها ناس في الملة الإِسلامية وهم ظالمون قد أحدثوا في الشريعة ما لا يجوز فيها ويدل عليه قوله تعالى:﴿ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ ﴾[هود: ١٨] وسئل الإِمام أحمد عن شخص هل نلعنه فقال: هل رأيتني ألعن أحداً ثم قال: ما لي لا ألعن من لعنه الله في كتابه وتلا ألا لعنة الله على الظالمين.﴿ فَمَا يَزِيدُهُمْ ﴾ أي: التخويف إلا طغياناً كبيراً.﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ﴾ الآية تقدم الكلام في مثل هذه الآية وانتصب طيباً على أنه حال من الضمير المحذوف العائد على من تقديره لمن خلقته في حال طين وهي حال ماضية إذ لم يكن بعد أن صور آدم إنما كان طيناً قبل ذلك فهي حال ماضية محكية * وأجاز بعضهم أن يكون منصوباً على إسقاط حرف الجر تقديره من طين كما صرح به في قوله:﴿ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾[الأعراف: ١٢، ص: ٧٦] والكاف في أرأيتك للخطاب وتقدم الكلام عليها في سورة الأنعام * وقال الحوفي أرأيتك بمعنى عرفني وأخبرني وهذا منصوب بأرأيتك والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته علي لم كرمته عليّ وقد خلقتني من نار وخلقته من طين وحذف هذا لما في الكلام من الدليل عليه وقال نحواً منه الزمخشري * وقال ابن عطية والكاف في أرأيتك حرف خطاب ومبالغة في التنبيه لا موضع لها من الإِعراب فهي زائدة ومعنى أرأيت أتأملت ونحوه كان المخاطب بها ينبه المخاطب ليستجمع لما ينصه عليه بعد وقال سيبويه: هي بمعنى أخبرني ومثل بقوله: أرأيتك زيداً أيؤمن هو وقاله الزجاج ولم يمثل وقول سيبويه صحيح حيث يكون بعدها استفهام كمثاله وأما في هذه الآية فهي كما قلت وليست التي ذكر سيبويه " انتهى " * وما ذهب إليه الحوفي والزمخشري في أرأيتك هنا هو الصحيح فلذلك قدر الاستفهام وهو لم كرمته عليّ فقد انعقد من قوله هذا الذي كرمت عليّ لم كرمته على جملة من مبتدأ وخبر وصار مثل زيد أيؤمن هو دخلت عليه أرأيتك فعملت في الأول والجملة الاستفهامية في موضع الثاني والمستتر في أرأيت بمعنى أخبرني أن يدخل على جملة ابتدائية يكون الخبر استفهاماً فإِن صرح به فذاك واضح وإلا قول وقد أشبعنا الكلام في ذلك في سورة الانعام ومعنى:﴿ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ ﴾ أي أخرت مماتي وأبقيتني حياً واللام مؤذنة بقسم محذوف وقد جرح هو في مكان آخر بالمقسم به فقال فبعزتك وجواب القسم لأحتنكن تقول العرب احتنك الجراد الأرض أكل نباتها ولذلك فسره بعضهم بمعنى لأستأصلن واستثنى القليل لأنه علم أنه يكون في ذرية آدم صلى الله عليه وسلم من لا يتسلط عليه كما قال ﴿ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [الحجر: ٤٠، ص: ٨٣] والأمر بالذهاب ليس على حقيقته من نقيض المجيء والمعنى إذهب لشأنك الذي اخترته وعقبه بذكر ما جره سوء فعله من جزائه وجزاء اتباعه جهنم ولما تقدم اسم غائب وهو فمن تبعك وضمير خطاب غلب الخطاب فقال جزاؤكم والموفور المكمل ووفر متعد * كقوله: ومن يجعل المعروف من دون عرضه   يفره ومن لا يتق الشتم يشتمولازم تقول وفر المال يفر وفوراً وانتصب جزاء على المصدر والعامل فيه جزاؤكم.﴿ وَٱسْتَفْزِزْ ﴾ معناه استخفف وهو معطوف على فاذهب وعطف عليه ما بعده من الأمر وكلها بمعنى التهديد كقوله:﴿ ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ ﴾[فصلت: ٤٠] ومن في:﴿ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ ﴾ موصولة مفعولة باستفزز ومفعول استطعت محذوف تقديره من استطعت أن تستفزه * والصوت هنا الدعاء إلى معصية الله وقرأ الحسن.﴿ وَأَجْلِبْ ﴾ بوصل الألف وضم اللام من جلب ثلاثياً واجلب من أجلب على قراءة الجمهور رباعياً والظاهر أن إبليس له خيل ورجالة من الجن من جنسه قاله قتادة: وقيل من الآدميين أضيفوا إليه لانخراطهم في طاعته وكونهم أعوانه على غيرهم قاله مجاهد * وقال الزمخشري: فإِن قلت ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله قلت هو كلام وارد مورد التمثيل مثلت حاله في تسليط على من يغويه بمغوار وقع على قوم فصوت بهم صوتاً يستفزهم من أماكنهم ويقلقهم عن مراكزهم واجلب عليهم بجنده من خيالة ورجالة حتى استأصلهم انتهى وقرأ الجمهور ورجلك بفتح الراء وسكون الجيم وهو اسم جمع واحده راجل كركب وراكب وقرأ حفص بكسر الجيم * والمشاركة في الأموال ما أخذ من غير حقه وما وضع في غير حقه المشاركة في الأولاد ما مجسوه وهودوه ونصروه وصبغوه غير صبغة الإِسلام وأما وعده فالوعد الكاذب كوعدهم أن لا بعث * وانتصب غروراً وهو مصدر على أنه نعت لمصدر محذوف أي وعداً غروراً والإِضافة إليه تعالى في أن عبادي إضافة تشريف والمعنى المختصين بكونهم عبادي لا يضافون إلى غيري ومعنى وكيلاً أي حافظاً لعباده الذين ليس له عليهم سلطان من إغواء الشيطان.﴿ رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ٱلْفُلْكَ ﴾ الآية لما ذكر تعالى وصف المشركين في اعتقادهم آلهتهم وأنها تضر وتنفع وأتبع ذلك بقصة إبليس مع آدم وتمكينه من وسوسة ذريته وتسويله ذكر ما يدل من أفعاله على وحدانيته تعالى فإِنه هو النافع الضار المتصرف في خلقه بما يشاء فذكر إحسانه إليهم بحراً وبراً وإزجاء الفلك سوقها من مكان إلى مكان بالريح اللينة والمجاديف وابتغاء الفضل طلب التجارة والحج فيه والغزو والضر في البحر الخوف من الغرق باضطرابه وعصف الريح ومعنى ضل ذهب من أوهامكم من تدعونه إلهاً فيشفع أو ينفع وجاءت صفة كفور دلالة على المبالغة ثم لم يخاطبهم بذلك بل أسند ذلك إلى الإِنسان لطفاً بهم وإحالة على الجنس إذا كل واحد لا يكاد يؤدي شكر نعم الله ولما كان الخسف تغييباً في التراب قال جانب وبكم حال أي يخسف جانب البر مصحوباً بكم والحاصب الحجارة ثم لا تجدوا عند حلول أحد هذين بكم من تكلون أموركم إليه وأم في أم أمنتم منقطعة فتتقدر ببل والهمزة أي بل أأمنتم والضمير في فيه عائد على البحر وانتصب تارة على الطرف أي وقتاً غير الوقت الأول.﴿ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ ٱلرِّيحِ ﴾ والقاصف الذي يكسر كل ما يلقى ويقال قصف الشجر يقصفه قصفاً كسره * وقال أبو تمام: إن الرياح إذا ما أعصفت قصفت   عيدان نجد ولا يعبأن بالرتم﴿ بِمَا كَفَرْتُمْ ﴾ سببية وما مصدرية أي بسبب كفركم السابق منكم والضمير في به عائد على المصدر الدال عليه فيغرقكم إذ هو أقرب مذكور وهو نتيجة الإِرسال * والتبيع قال ابن عباس النصير وقال الفراء طالب الثأر.﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ ﴾ الآية لما ذكر تعالى ما امتن به عليهم من إزجاء الفلك في البحر ومن تنجيتهم من الغرق تمم ذكر المنة بذكر تكريمهم ورزقهم وتفضيلهم وكرم تعدي بالتضعيف من كرم أي جعلناهم ذوي كرم بمعنى الشرف والمحاسن الجمة وحملناهم في البر والبحر * وقال ابن عباس: في البر على الخيل والبغال والحمير والإِبل وفي البحر على السفن * والطيبات كما تقدم الحلال أو المستلذ * ومعنى على كثير أبهم في قوله على كثير ولم يعين الكثير الذي فضل بني آدم عليه ولما ذكر تعالى أنواعاً من كرامات الإِنسان في الدنيا ذكر شيئاً من أحوال الآخرة فقال:﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ والعامل في يوم أذكر على أنه مفعول بإِمامهم والظاهر أنه الإِمام الذي يأتم به أمته من نبي أو كتاب أو شريعة.﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ ﴾ جاء جمعاً على معنى من إذ قد حمل على اللفظ أولاً فأفرد في قوله: أوتي كتابه بيمينه والكتاب ما كتب له فيه من خير أو شر.﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾ أي لا ينقصون أدنى شىء وتقدم شرح الفتيل في سورة النساء والظاهر أن الإِشارة بقوله في هذه إلى الدنيا قاله ابن عباس وغيره أي من كان في هذه الدار أعمى عن النظر في آيات الله وعبره والإِيمان بأنبيائه فهو في الآخرة أعمى إما أن يكون على حذف مضاف أي في شأن الآخرة وإما أن يكون فهو يوم القيامة أعمى على معنى أنه خير أن لا يتوجه له صواب ولا يلوح له نجح.﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ ﴾ الضمير في وإن كادوا عائد على الكفار ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما عدد نعمه على بني آدم تمم ذكر حالهم في الآخرة من إيتاء الكتاب باليمين لأهل السعادة ومن عمل أهل الشقاوة أتبع ذلك بما يهم به الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع والتلبيس على سيد أهل السعادة المتطوع له بالعصمة ومعنى ليفتنونك ليخدعونك وذلك في ظنهم لا أنهم قاربوا ذلك إذ هو معصوم صلى الله عليه وسلم أن يقاربوا فتنته عما أوحي إليه وتلك المقاربة في زعمهم سببها رجاؤهم أن يفتري على الله غير ما أوحي إليه من تبديل الوعد وعيداً والوعيد وعداً وما اقترحته ثقيف من أن يضيف إلى الله ما لم ينزله عليه وان هذه هي المخففة من الثقيلة وليتها الجملة الفعلية وهي كادوا لأنها من أفعال المقاربة وإنما تدخل على مذهب البصريين من الأفعال على النواسخ التي للإِثبات على ما تقرر في علم النحو واللام في ليفتنونك هي الفارقة بين أن هذه وان النافية وإذا حرف جواب وجزاء ويقدر قسم هنا يكون لاتخذوك ولا تخذوك في معنى لا يتخذونك.﴿ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ ﴾ جواب لولا يقتضي إذا كان مثبتاً امتناعه لوجود ما قبله فمقاربة الركون لم يقع منه صلى الله عليه وسلم فضلاً عن الركون والمانع من ذلك هو وجود تثبيت الله تعالى له وانتصب شيئاً على المصدر وجواب لولا قوله: لقد كدت ومثله قول الشاعر: لولا الأمير ولولا فضل طاعته   لقد شربت وما أحلى من العسلوأكثر ما يجيء باللام وحدها وبعدها الفعل الماضي المثبت كقوله: لمسكم.﴿ إِذاً لأذَقْنَاكَ ﴾ عذاب الآخرة وعذاب القبر مضاعفين.﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾" روي أنه لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين "والضمير في وان كادوا ليهود المدينة وناحيتها كحيي ابن أخطب وغيره، وذلك أنهم ذهبوا إلى المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ان هذه ليست بأرض الأنبياء وإنما أرض الأنبياء الشام، ولكنك تخاف الروم فإِن كنت نبياً فاخرج إليها فإِن الله سيحميك كما حمى غيرك من الأنبياء، فنزلت وأخبر تعالى أنه لو خرج لم يبثهم بعد إلا قليلاً * وانتصب سنة على المصدر المؤكد أي سن الله ذلك سنة والمعنى أن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم فسنة الله أن يهلكهم بعد إخراجه ويستأصلهم ولا يقيمون بعده إلا قليلاً كقوله: في قصة شعيب وقوله:﴿ أَخْرِجُوۤاْ آلَ لُوطٍ ﴾[النمل: ٥٦] وقوله:﴿ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ ﴾[الشعراء: ١٦٧]، وقوله: وإذا لا يلبثون نظير قوله:﴿ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً ﴾[النساء: ٥٣].
﴿ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ ﴾ الآية مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر كيدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانوا يرومون به أمره تعالى أن يقبل على شأنه من عبادة ربه وأن لا يشغل قلبه بهم وكان قد تقدم القول في الإِلهيات والمعاد والنبّوات فأردف ذلك بالأمر بأشرف العبادات والطاعات بعد الإِيمان وهي الصلاة وتقدم الكلام في إقامة الصلاة والمواجه بالأمر الرسول صلى الله عليه وسلم قال الواحدي اللام وللسبب لأنها إنما تجب بزوال الشمس فيجب على المصلي إقامتها لأجل دلوك الشمس وقال ابن عطية هذه الآية بإِجماع المفسرين إشارة إلى الصلوات الخمس، وقال ابن عباس وغيره: دلوك الشمس زوالها، والإِشارة إلى الظهر والعصر وغسق الليل إشارة إلى المغرب والعشاء وقرآن الفجر أريد به صلاة الصبح فالآية على هذا تعم جميع الصلوات كلها وأعاد قرآن الفجر في قوله: إن قرآن الفجر ولم يأت مضمراً فيكون انه على سبيل التعظيم والتنويه بقرآن الفجر ومعنى مشهوداً أي تشهده الملائكة حفظة الليل وحفظة النهار كما جاء في الحديث أنهم يتعاقبون ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ولما أمره تعالى بإِقامة الصلاة للوقت المذكور ولم يدل أمره تعالى إياه على اختصامه بذلك دون أمته ذكر ما اختصه به تعالى وأوجبه عليه من قيام الليل وهو في أمته تطوع فقال: ومن الليل فتهجد به أي بالقرآن نافلة زيادة مخصوصاً بها أنت وتهجد هنا تفعل بمعنى الإِزالة والترك لقولهم تأثم وتحنث ترك التأثم والتحنث ومنه تحنث بغار حراء أي ترك التحنث وشرح بلازمه وهو التعبد ومن للتبعيض وعسى مدلولها في المحبوبات في الترجي والأجود أن هذه الترجية والأطماع بمعنى الوجوب من الله تعالى وهو متعلق من حيث المعنى بقوله فتهجد وعسى هنا تامة وفاعلها أن يبعثك وربك فاعل بيبعثك * ومقاماً الظاهر أنه معمول ليبعثك وهو منصوب على الظرف أي في مقام محمود ولا يجوز أن يكون ربك اسم عسى وأن يبعثك في موضع الخبر لأنه يلزم من ذلك الفصل بين العامل الذي هو أن يبعثك وبين المعمول الذي هو مقاماً بأجنبي وهو ربك الذي هو اسم عسى وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:" المقام المحمود هو الذي أشفع فيه لأمتي ".﴿ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي ﴾ الآية لما أمره تعالى بإِقامة الصلاة وبالتهجد ووعده ببعثه مقاماً محموداً وذلك في الآخرة أمره أن يدعوه بما يشمل أموره الدنيوية والأخروية فقال: وقل رب الآية والظاهر أنه عام في جميع أموره ومصادره دنيوية وأخرويه والصدق لفظ يقتضي رفع المذام واستيعاب المدح كما تقول رجل صدق إذ هو مقابل رجل سوء * وسلطاناً أي حجة بينة ونصيرا مبالغة في ناصر.
﴿ وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ ﴾ الحق القرآن والباطل الشيطان وهذه الآية نزلت بمكة ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستشهد بها يوم فتح مكة وقت طعنه الأصنام وسقوطها لطعنه إياها بالمخصرة حسبما ذكر في السير. و ﴿ زَهُوقاً ﴾ صفة مبالغة في اضمحلاله وعدم ثبوته في وقت ما ومن في من القرآن لابتداء الغاية * وقال ابن عطية والزمخشري: من في القرآن لبيان الجنس ووافقهما أبو البقاء وقد ذكرنا أن من التي لبيان الجنس لا تتقدم على المبهم الذي تبينه وإنما تكون متأخرة عنه وشفاؤه كونه مزيلاً للريب كاشفاً عن غطاء القلب لفهم المعجزات والأمور الدالة على الله المقررة لدينه فصار لعلات القلوب كالشفاء لعلات الأجسام وخساراً للظالمين وهم الذين يضعون الشىء في غير موضعه هو بإِعراضهم عنه وعدم تدبره بخلاف المؤمن فإِنه يزداد بالنظر فيه والتدبر في معانيه إيماناً.﴿ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ ﴾ الآية لما ذكر تعالى توزيع ما أنزل من القرآن شفاء للمؤمن وخساراً للظالم عرض بما أنعم عليه به من شرائع الإِسلام ومع ذلك أعرض عنه وبعد بجانبه اشمئزازاً له وقرىء نأي من النأي وهو البعد وقرىء: وناء نهض ومعنى يؤساً قنوطاً من أن ينعم الله عليه والظاهر أن المراد بالإِنسان هنا ليس واحداً بعينه بل المراد به الجنس ونسب تعالى الانعام لذاته والمسيس للشر ويؤس صفة مبالغة من يئس.﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ ﴾ كل إذا كان غير مضاف فتارة يراعي لفظه فيفرد الضمير العائد عليه كما في قوله تعالى:﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾[الأنبياء: ٣٣] شاكلته أي على مذهبه الذي يشاكل حاله في الهدى والضلالة من قولهم طريق ذو شواكل وهي الطرق التي تشعبت منه.﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ ﴾ في الصحيح من حديث ابن مسعود أنه" قال أني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكىء على عسيب فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوا عن الروح فقال بعضهم لا تسألوه فسيفتيكم بما تكرهون فأتاه نفر منهم فقالوا يا أبا القاسم ما تقول في الروح فسكت ثم ماج فأمسكت بيدي على جبهته فعرفت أنه نزل عليه الوحي فنزل عليه ويسئلونك عن الروح "الآية فعلى هذا يكون الضمير في ويسئلونك لليهود ويكون الخطاب لهم في قوله: وما أوتيتم الآية والروح على قول الجمهور هي الروح التي في الحيوان وهم اسم جنس وهذا هو الظاهر ومعنى من أمر ربي أي فعل ربي كونها بأمره وفي ذلك دلالة على حدوثها والأمر بمعنى الفعل وارد قال تعالى:﴿ وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾[هود: ٩٧] أي فعل فرعون والظاهر أنهم سألوه عن ماهيتها وحقيقتها وقيل عن كيفية مداخلتها الجسد الحيواني وابتعاثها فيه وصورة ملابستها له وكلاهما مشكل لا يعلمه إلا الله * وقد رأيت كتاباً يترجم بالنفخ والتسوية لبعض الفقهاء المتصوفة يذكر فيه أن الجواب في قوله: قل الروح من أمر ربي إنما هو للعوام وأما الخواص فهم عنده يعرفون الروح وأجمع علماء الإِسلام على أن الروح مخلوقة وذهب كفرة الفلاسفة وكثير ممن ينتمي إلى الإِسلام إلى أنها قديمة واختلاف الناس في الروح بلغ إلى سبعين قولاً وكذلك اختلفوا هل الروح النفس أم شىء غيرها.﴿ وَلَئِن شِئْنَا ﴾ اللام مؤذنة بقسم محذوف ولنذهبن جوابه.﴿ وَكِيلاً ﴾ أي حافظاً.﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ استثناء منقطع أي ولكن رحمة من ربك غير مذهوب به وهذا امتنان من الله تعالى ببقاء القرآن محفوظاً.﴿ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ ﴾ الآية لما ذكر تعالى إنعامه على نبيه بالنبوة وبإِنزال وحيه عليه وباهر قدرته ذكر ما منحه تعالى من الدليل على نبوته الباقي بقاء الدهر وهو القرآن الذي عجز العالم عن الإِتيان بمثله وأنه من أكبر النعم عليه والفضل الذي أبقي له ذكراً إلى آخر الدهر وإذا كان فصحاء اللسان الذي قيل وبلغاتهم عجزوا عن الإِتيان بسورة واحدة مثله فلأن تكونوا أنتم أعجز عن أن تأتوا بمثل جميعه ولو تعاون الثقلان عليه لا يأتون بمثله ولما كانت الجن تفعل أفعالاً مستغربة كما حكى الله عنهم في قصة سليمان عليه السلام أدرجوا مع الإِنس في التعجيز ليكون ذلك أبلغ في التعجيّز ولا يأتون جواب القسم المحذوف واللام الموطئة في لئن وهي الداخلة على الشرط كقوله تعالى:﴿ لَئِنْ أُخْرِجُواْ ﴾[الحشر: ١٢] الآية.﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا ﴾ تقدم نظيره والظاهر أن المراد بالمثل هو القول الغريب السائر في الآفاق والقرآن مثل من الأمثال التي ضربها الله * قال الزمخشري: ويجوز أن تكون مؤكدة زائدة التقدير ولقد صرفنا كل مثل " انتهى " يعني فيكون مفعول صرفنا كل مثل وهذا التخريج هو على مذهب الكوفيين والأخفش لا على مذهب جمهور البصريين والظاهر أن مفعول صرفنا محذوف تقديره البينات والعبر ومن لابتداء الغاية وروي" أن صناديد قريش اجتمعوا وسيروا للنبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء إليهم جرت بينهم محاوروات في ترك دينهم وطلب منهم أن يوحدوا ويعبدوا الله فأرغبوه بالمال والرئاسة فأبى وقال: لست أطلب ذلك فاقترحوا عليه الآيات ألست التي ذكرها الله هنا "ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما تحداهم بأن يأتوا بمثل القرآن فتبين عجزهم عن ذلك وإعجازه وانضمت إليه معجزات أخر وبينات واضحة فلزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتعللون باقتراح آيات فعل الحائر المبهوت المحجوج فقالوا ما حكاه الله عنهم ومعنى من الأرض أي أرض مكة.﴿ يَنْبُوعاً ﴾ مشتق من النبع ووزنه يفعول كيعفور.﴿ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ ﴾ التي أصلها الينبوع ثم اقترحوا بإِيتاء جنة من نخيل وعنب وكان الغالب على بلادهم ذلك.﴿ خِلالَهَا ﴾ أي وسط الجنة وقولهم: كما زعمت إشارة إلى قوله تعالى:﴿ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾[سبأ: ٩].
﴿ قَبِيلاً ﴾ معاينة والزخرف الزينة ويطلق على الذهب.﴿ أَوْ تَرْقَىٰ ﴾ أي تصعد في السماء على حذف مضاف إي إلى معارج والظاهر أن السماء هنا هي المظلة وما اكتفوا بالتغيبة بالرقي في السماء حتى غيوا ذلك بأن ينزل عليهم كتاباً يقرؤنه ولما تضمن اقتراحهم ما هو مستحيل في حق الله وهو أن يأتي بالله والملائكة قبيلاً أمره تعالى بالتسبيح والتنزيه عما لا يليق به ومن أن يقترح عليه ما ذكرتم فقال:﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ ﴾ أي ما كنت إلا بشراً رسولاً من الله إليكم لا مقترحاً عليه ما ذكرتم من الآيات.﴿ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ ﴾ الآية الظاهر أن قوله وما منع الناس اخبار من الله تعالى عن السبب الضعيف الذي منعهم من الإِيمان إذ ظهر لهم المعجز وهو استبعاد أن يبعث الله رسولاً إلى الخلق واحداً منهم ولم يكن ملكاً وأن يؤمنوا في موضع نصب وإن قالوا في موضع رفع وإذ ظرف العامل فيه منع والناس كفار قريش القائلون تلك المقالات السابقة والهدى القرآن ومن جاء به وليس المراد مجرد القول بل قولهم الناشىء عن اعتقادهم والهمزة في ابعث للإِنكار ورسولاً ظاهره أنه نعت * وقوله:﴿ قُل لَوْ كَانَ ﴾ الآية يمشون يتصرفون فيها بالمشي وليس لهم صعود إلى السماء فيسمعون من أهلها ويعلمون ما يجب علمه بل هم مقيمون في الأرض يلزمهم ما يلزم المكلفين من عبادات مخصوصة وأحكام لا يدرك تفصيلها بالعقل.﴿ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم ﴾ من جنسهم من يعلمهم ذلك ويلقيه إليهم ولما دعاهم صلى الله عليه وسلم إلى الإِيمان وتحدى على صدق نبوته بالمعجز الموافق لدعواه أمره تعالى أن يعلمهم بأنه تعالى هو الشهيد بينه وبينهم على تبليغه وما قام به من أعباء الرسالة وعدم قبولهم وكفرهم وما اقترحوا عليه من الآيات على سبيل العناد وأردف ذلك بما فيه تهديد وهو قوله: انه كان بعباده خبيراً بخفيات أسرارهم بصيراً مطلعاً على ما يظهر من أفعالهم وأقوالهم.﴿ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ ﴾ إخبار من الله وليس مندرجاً تحت قل لقوله ونحشرهم ومن مفعول يهدي فهو ضمير يعود على معنى من لا على لفظها والمهتدي مطاوع لهدى يقول هداه فاهتدى كما تقول عصمته فاعتصم ومن مفعول بيضلل لهم ضمير يعود على معنى من لا على لفظها والظاهر أن قول عمياً وبكماً وصماً هو حقيقة وذلك عند قيامهم من قبورهم لم يرد الله إليهم أبصارهم وسمعهم ونطقهم فيرون النار ويسمعون زفيرها وينطقون بما حكى الله عنهم كما تقدم الكلام عليه في أوائل البقرة. و ﴿ خَبَتْ ﴾ معناه سكن لهبها.﴿ سَعِيراً ﴾ إيقاداً ذلك إشارة إلى ذلك العشر والعذاب.﴿ وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا ﴾ تقدم الكلام عليه في أثناء السورة والرؤية رؤية القلب وهي العلم ومعنى مثلهم من الإِنس وعطف قوله: وجعل لهم على قوله: أولم يروا لأنه استفهام تضمن التقرير والمعنى قد علموا بدليل العقل كيت وكيت.﴿ وَجَعَلَ لَهُمْ ﴾ أي للعالمين ذلك.﴿ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ ﴾ وهو الموت.﴿ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ وهم الواضعون الشىء غير موضعه على سبيل الاعتداء.﴿ إِلاَّ كُفُوراً ﴾ أي جحوداً لما أتى به الصادق صلى الله عليه وسلم من توحيد الله وإفراده بالعبادة وبعثهم يوم القيامة إلى الجزاء.
﴿ قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ ﴾ الآية * مناسبتها أن المشركين قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً وطلبوا اجراء الأنهار والعيون في بلدهم لتكره أقواتهم وتتسع عليهم فبين تعالى أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله لبقوا على بخلهم وشحهم قل لو أنتم تملكون فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده تقديره تملكون فحذف تملك وانفصل الضمير الذي هو الواو فصار أنتم * كقوله وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها * فهو فاعل وكان تقديره وإن لم يحمل ففيه ضمير مستكن فلما حذف الفعل وانفصل الضمير فصار هو وخرج ذلك أبو الحسن علي بن فضال المجاشقي على إضمار كان وقال أبو الحسن بن الصائغ حذف كان فانفصل اسمها والتقدير قل لو كنتم وقال البصريون يصرحون بامتناع لو زيد قام لأكرمته على الفصيح ويجيزونه شاذاً كقولهم: * لو ذات سوار لطمتني * وهو عندهم على فعل مضمر وجواب لولا مسكتم وخشية مفعول من أجله وقتوراً مبالغة في التقتير ولما حكى الله تعالى عن قريش ما حكى من تعنتهم في اقتراحهم وعنادهم للرسول صلى الله عليه وسلم سلاه الله تعالى بما جرى لموسى مع فرعون ومع قومه من قولهم أرنا الله جهرة الآية. و ﴿ تِسْعَ آيَاتٍ ﴾ تقدم الكلام عليه في الاعراف والعامل في إذ محذوف تقديره.﴿ فَسْئَلْ ﴾ عن حديث أو قصة.﴿ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ ﴾ وقال الزمخشري: اذكر أو يخبرونك انتهى وإذ ظرف لما مضى لا يصح إعمال واحد منهما فيه وقرأ الجمهور لقد علمت بفتح التاء على خطاب موسى لفرعون وتبكيته في قوله عنه انه مسحور أي قد علمت أن ما جئت به ليس من باب السحر ولا إني خدعت في عقلي بل علمت أنه ما أنزلها إلا الله وما أحس ما جاء به من إسناد إنزالها إلى لفظ رب السماوات والأرض إن هو لما سأله فرعون في أو محاورته فقال له: وما رب العالمين؟ قال له: رب السماوات والأرض ينبهه على نقصه وأنه لا تصرف له في الوجود فدعواه الربوبية دعوى استحالة فبكته وأعلمه أنه يعلم آيات الله ومن أنزلها ولكنه مكابر ومعاند كقوله تعالى:﴿ وَجَحَدُواْ بِهَا ﴾[النمل: ١٤] الآية وخاطبه بذلك على سبيل التوبيخ أي أنت بحال من يعلم هذا وهو في الوضوح بحيث يعلمها وليس خطابه على جهة إخباره عن علمه وقرىء: لقد علمت بتاء المتكلم وهو ضمير موسى صلى الله عليه وسلم وما أنزل جملة في موضع نصب علق عنها علمت ومعنى بصائر دلالات على وحدانية الله تعالى وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والإِشارة بهؤلاء إلى الآيات التسع وانتصب بصائر على الحال والعامل فيه محذوف تقديره أنزلها بصائر وقابل موسى صلى الله عليه وسلم بظن فرعون وشتان ما بين الظنين ظن فرعون باطل واستفزازه إياهم هو استخفافه لموسى ولقومه بأن يقلعهم من أرض مصر بقتل أو جلاء فماق به مكره وأغرقه الله وقبطه والضمير في بعده عائد على فرعون أي من بعد إعراقه والأرض المأمور بسكناها أرض الشام ووعد الآخرة قيام الساعة وانتصب.﴿ لَفِيفاً ﴾ على الحال أي منضماً بعضكم إلى بعض.﴿ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ ﴾ الآية هو مردود على قوله: قل لئن اجتمعت الإِنس والجن وهكذا طريقة كلام العرب وأسلوبها تأخذ في شىء وتستطرد منه إلى شىء آخر ثم تعود إلى ما ذكرته أولاً وانتصب.﴿ مُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾ على الحال أي مبشراً لهم بالجنة ومنذراً من النار وانتصب:﴿ وَقُرْآناً ﴾ على إضمار فعل يفسره فرقناه أي وفرقنا قرآنا فرقناه فهو من باب الاشتغال وحسن النصب ورجحه على الرفع كونه عطف على جملة فعلية وهي قوله: وما أرسلناك ولا بد من تقدير صفة لقوله: وقرآناً حتى يصح كونه كان يجوز فيه الابتداء لأنه نكرة لا مسوغ لها في الظاهر للإِبتداء بها والتقدير وقرآناً أي قرآناً عظيماً جليلاً.﴿ عَلَىٰ مُكْثٍ ﴾ أي تطاول في المدة شيئاً بعد شىء.﴿ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ ﴾ يتضمن الإِعراض عنهم والاحتقار لهم وعدم الاكتراث بهم فإِن خيراً منهم العلماء الذين قرؤا الكتاب وعلموا الشرائع آمنوا به وصدقوه وثبت عندهم أنه النبي الموعود به في كتبهم فإِذا تلى عليهم خروا سجداً وسبحوا الله تعظيماً لوعده ولبشارته ببعثه محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه وهو المراد بالوعد في قوله: إن كان وعد ربنا لمفعولاً فالظاهر أن الضمير في قوله: إذا تتلى عليهم عائد على القرآن والخرور السقوط بسرعة وانتصب سجداً على الحال.﴿ سُبْحَانَ رَبِّنَآ ﴾ نزهوا الله عما نسبه إليه كفار قريش وغيرهم وإن هنا المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة والمعنى إن ما وعد به من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه قد فعله وأنجزه وتكرر الخرور لاختلاف حالتي السجود والبكاء وجاء التعبير عن الحالة الأولى بالاسم وعن الثانية بالفعل لأن الفعل مشعر بالتجدد وذلك أن البكاء ناشىء عن التفكر فهم دائماً في فكرة وتذكر فناسب ذكر الفعل إذ هو مشعر بالتجدد ولما كانت حالة السجود ليست تتجدد في كل وقت عبر فيها بالاسم ويزيدهم أي ما تلى عليهم خشوعاً أي تواضعاً.﴿ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ ﴾ الآية قال ابن عباس:" تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده يا رحمن يا رحيم فقال المشركون: كان محمد يدعو إلهاً واحداً فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن ما الرحمن إلا رحمان اليمامة يعنون مسيلمة "فنزلت والله والرحمن إسمان لذات واحد وأياً شرطية وما زائدة وتدعو فعل الشرط حذفت منه النون وفله جواب الشرط والمعنى أي الاسمين وهو لفظ الله والرحمن فله لكون الاسمين لذات واحد الأسماء الحسنى والصلاة هنا الدعاء قاله ابن عباس ومعلوم أن الجهر والمخافتة معتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأركان وكان صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بقراءته فيسب المشركون ويلغون فأمر بأن يخفض من صوته حتى لا يسمع المشركون وأن لا يخافت حتى يسمعه من وراءه من المؤمنين.﴿ وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ ﴾ أي بين الجهر والمخافتة.﴿ سَبِيلاً ﴾ وسطاً وتقدم الكلام على بين ذلك في البقرة ولما ذكر تعالى أنه واحد وإن تعددت أسماؤه أمره تعالى أن يحمده على ما أنعم به عليه مما آتاه من شرف الرسالة والاصطفاء ووصف نفسه أنه لم يتخذ ولداً فيعتقد تكثره بالنوع وكان ذلك رداً على اليهود والنصارى والعرب الذين عبدوا الملائكة واعتقدوا أنهم بنات الله ونفى أولاً الولد خصوصاً ثم نفى الشريك في ملكه وهو أعم من أن ينسب إليه ولد فيشركه في ملكه أو غيره ولما نفى الولد والشريك نفى الولي وهو الناصر وهو أعم من أن يكون ولداً أو شريكاً أو غير ذلك ولما كان اتخاذ الولد قد يكون للانتصار وللاعتزاز به والاحتماء من الذل وقد يكون التفضل والرحمة لمن والى من عباده الصالحين كان النفي لمن ينتصر به من أجل المذلة إذ كان مورد الولاية يحتمل هذين الوجهين فنفى الجهة التي يكون لأجل النقص بخلاف الولد والشريك فإِنهما نفيا على الإِطلاق.﴿ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ﴾ التكبير أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإِجلال وأكد بالمصدر تحقيقاً له وإبلاغاً في معناه وابتدئت هذه السورة بتنزيه الله سبحانه واختتمت به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً الآية.
Icon