بسم الله الرحمان الرحيم
هذه السورة وصفها القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) بأنها من أعاجيب السور، نزلت ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، سلميا وحربيا، ناسخا ومنسوخا، محكما ومتشابها، مكيا ومدنيا، ومن بين آياتها المكية ما ورد مبدوءا ب ﴿ يا أيها الناس ﴾، ومن بين آياتها المدنية ما ورد مبدوء ب﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾، ويغلب على هذه السورة في أكثر آياتها طابع السور المكية، وموضوعاتها الرئيسية. وسميت ( سورة الحج ) أخذا من قوله تعالى :﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ﴾ [ الآيتان : ٢٧ ٢٨ ].
ﰡ
ومناسبة بداية سورة الحج لنهاية سورة الأنبياء أن كتاب الله ذكر في نهاية سورة الأنبياء حال الأشقياء والسعداء، وما يكون عليه الفريقان يوم الفزع الأكبر، وأعذر لمشركي قريش بعد أن أنذرهم وتوعدهم، واحتكم إلى الله في شأنهم، ثم جاءت بداية سورة الحج تجدد تحذير الشاكين، وتخويف المشركين، فأشارت إلى زلزلة الساعة وشدة هولها، وذكرت ما أعد الله لمنكريها، ونبهتهم على أحقية البعث ووقوعه بتطويرهم في خلقهم أطوارا، وبهمود الأرض ثم اهتزازها بالنبات أزهارا وثمارا.
يقول الله تعالى داعيا كافة عباده إلى عبادته وتقواه، تجنبا لسخطه، وابتغاء رضاه :﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾.
فقوله تعالى هنا :﴿ اتقوا ربكم ﴾ أي اتقوا عذابه، واحترسوا بطاعته عن عقوبته، و " الاتقاء " الاحتراس من الأمر المكروه، وقوله تعالى :﴿ إن زلزلة الساعة شيء عظيم ﴾ : " الزلزلة " في الأصل شدة الحركة، ولفظها مأخوذ من زل عن الموضع إذا زال عنه وتحرك.
و " النطفة " هي ماء الإخصاب الدافق، فإذا كبر حجم النطفة وتعلقت في جدار الرحم سميت " علقة " أخذا من علوق الشيء بغيره إذا تعلق به، و " المضغة " هي قدر ما يمضغ من اللحم، و " المخلقة " تامة الخلق، و " غير المخلقة " غير الكاملة والسقط، وإلى هذه الأطوار نفسها يشير قول الله تعالى في آية أخرى :﴿ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ﴾ [ المومنون : ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد وقف علم التشريح والأجنة في هذا العصر مبهورا أما ما حدده كتاب الله في شأن ترتيب خلق الجنين، ولم يستطع أن يزيد ولا أن ينقص مما ورد في الذكر الحكيم، من المسميات والمفاهيم ﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ [ الأنعام : ٩٦ ].
وقوله تعالى هنا :﴿ لنبين لكم ﴾ كأنه يقول فيما يراه الزمخشري : " إنما نقلناكم من حال إلى حال، ومن خلقة إلى خلقة لنبين لكم بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا، وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا، ثم من نطفة ثانيا ولا تناسب بين الماء والتراب وقدرعلى أن يجعل النطفة علقة- وبينهما تباين ظاهر- ثم يجعل العلقة مضغة، والمضغة عظاما، قادر على إعادة ما أبدأه، بل هذا أدخل في القدرة وأهون في القياس ".
وقوله تعالى هنا :﴿ لتبلغوا أشدكم ﴾ معنى " الأشد " كمال القوة والعقل والتمييز وعنفوان الشباب، وهو من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل لها واحد، و ﴿ أرذل العمر ﴾ أخسه وأدونه، وهو الهرم والخرف الذي يصير الإنسان معه ضعيف البنية سخيف العقل، قال أبو حيان : " ولا زمان لذلك محدود، بل ذلك بحسب ما يقع في الناس، وقد نرى من علت سنه وقارب المائة أو بلغها في غاية جودة الذهن والإدراك مع قوة ونشاط، ونرى من هو في سن الاكتهال وقد ضعفت بنيته ".
وإذا كان كتاب الله في الدليل الأول على البعث لم يحل على الرؤية في جميع الأطوار التي يتقلب فيها الإنسان، لأن بعضها لا يقع تحت المشاهدة المباشرة، واكفتى بأن قال :﴿ إن كنتم في ريب من البعث ﴾ [ الآية : ٥ ] فإنه قد أحال على الرؤية في الدليل الثاني إحالة واضحة، فقال تعالى تعبيرا عن الدليل الثاني المنتزع من حياة النبات :﴿ وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾، لأن هذا الدليل الثاني مشاهد للأبصار، ولا يتأتى فيه للعين أي جحود أو إنكار وهذا الدليل قد ورد ذكره في القرآن عدة مرات، لكونه من أوضح الدلائل والآيات، ومعنى " هامدة " يابسة لا نبات فيها، ومعنى " اهتزت " تخلخلت الأرض وتحركت، لأجل خروج النبات، ومعنى " ربت " زادت وارتفعت بنفس النبات، والمراد ب " كل زوج بهيج " كل لون يبهج من رآه، من البهجة وهي الحسن.
ولا بد هنا من وقفة خاصة عند قوله تعالى :﴿ ذلك بأن الله هو الحق ﴾، وسيعيد كتاب الله نفس المعنى مع تتمته الضرورية شرعا وطبعا، إذ يقول في الربع الأخير من السورة نفسها :﴿ ذلك بأن الله هو الحق وان ما تدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ﴾ [ الآية : ٦٢ ]، فها هنا ينبه كتاب الله على ان كل ما سوى الله، وإن كان موجودا فعلا، فإنه لا وجود له من نفسه، لأن وجوده مرتبط بغيره، إذ هو تحت تصرف الله ومشيئته، يصرف أمره كيف يشاء، و " الحق الحقيقي " هو الموجود المطلق، الغني المطلق، الذي يصدر كل وجود عن وجوده، إذ هو مبدع الكون وممده بمدده وجوده، وليس ذلك إلا لله تعالى الملك الحق، الموجود الثابث، الذي لا يتغير ولا يزول.
والمراد " بالعلم " هنا العلم الضروري، و " بالهدى " الاستدلال والنظر، لأنه يهدي إلى المعرفة، و " بالكتاب المنير " الوحي الإلهي. فهذا الصنف من المجادلين يجادل في الحق دون مستند ولا دليل، وغايته الوحيدة هي التدجيل والتضليل،
﴿ له في الدنيا خزي، ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ﴾
والمراد " بالمولى " هنا الناصر والمعين، والمراد " بالعشير " الصاحب المخالط.
وختم هذا الربع بالإشارة إلى أن من خلقه الله في أحسن تقويم، وأكرمه بالعقل والإيمان، ثم هانت نفسه عليه فرضي لها بالعكوف عل عبادة الأصنام والأوثان، ولم ينجع في هدايته إلى الحق لا دليل ولا برهان، لا سبيل إلى إنقاذه من الهوان والخسران، وذلك قوله تعالى :﴿ ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ﴾.
أعظم ميزة يمتاز بها الوحي الإلهي ومسك ختامه القرآن هو أنه ( فرقان )، فرقان يستعين به المؤمن على التفرقة والتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء، إذ كثيرا ما تختل مقاييس العقل، وتنحرف اتجاهات الفطرة، ولا عاصم لهما من الاختلال والخبال إلا الوحي الإلهي الذي يحميها من الهوى والضلال. فهو المعيار الصادق، لإثبات الحقائق، والطريق المضمون لهداية الخلائق، وها هو كتاب الله يشير في بداية هذا الربع إلى ما يجري عادة في كل جيل من الخصومة والنزاع، والمواجهة والصراع، بين أنصار الحق وأتباع الباطل، إذ من المتعذر أن يقع بين هذين الفريقين ائتلاف والتقاء، ما دام الأولون يعملون جادين لنيل الفوز والسعادة، والآخرون يشقون طريقهم مسرعين نحو الخيبة والشقاء ﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾، لا سيما والخصومة بينهم خصومة في الله، لا تنتهي بالصلح والتراضي إلا إذا تحقق رضا الله، وفي التفسير المأثور ان هذه الآية نزلت في المتبارزين يوم بدر، وهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، ومن المشركين : عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ووقع في صحيح البخاري أن هذه الآية نزلت فيهم، وختم مسلم كتابه الصحيح بقصتهم، والقاعدة المتبعة عند العلماء في مثل هذه الآية : " أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "، وبذلك تصدق الآية على سبب نزولها، كما تصدق على من يندرج تحت مدلولها، فيكون المراد بالفريقين المتخاصمين من جهة أولى : فريق المؤمنين، ومن جهة أخرى : فريق الكافرين من كل ملة أو دين. وبعموم الآية قال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن وغيرهم، ويؤكد معنى العموم ما أشار إليه كتاب الله في أواخر الربع الماضي من أن الله تعالى سيفصل يوم القيامة بين أهل الملل المختلفة، وواضح أنه لا يكون الفصل بينهم إلا في الخصومة القائمة بينهم، وذلك قوله تعالى فيما سبق :﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد ﴾.
وبعدما وضع كتاب الله أمام الأنظار قصة الفريقين المتخاصمين على وجه الإجمال أوضح المصير الذي يؤول إليه كل فريق بعد الفصل بينهما في الدار الآخرة، فقال تعالى في شأن الكافرين الأشقياء :﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وذوقوا عذاب الحريق ﴾،
و " الحميم " الماء الحار المغلي بنار جهنم، وعن ابن عباس : " لو سقطت من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها "
والتعبير في الآية الأولى " بالثياب من النار " إما أن يحمل على حقيقته، وإما أن يكون استعارة عن إحاطة النار بهم، كما يحيط الثوب بلابسه، ويقابله في الآية الثانية : و " لباسهم فيها حرير.
أعظم ميزة يمتاز بها الوحي الإلهي ومسك ختامه القرآن هو أنه ( فرقان )، فرقان يستعين به المؤمن على التفرقة والتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء، إذ كثيرا ما تختل مقاييس العقل، وتنحرف اتجاهات الفطرة، ولا عاصم لهما من الاختلال والخبال إلا الوحي الإلهي الذي يحميها من الهوى والضلال. فهو المعيار الصادق، لإثبات الحقائق، والطريق المضمون لهداية الخلائق، وها هو كتاب الله يشير في بداية هذا الربع إلى ما يجري عادة في كل جيل من الخصومة والنزاع، والمواجهة والصراع، بين أنصار الحق وأتباع الباطل، إذ من المتعذر أن يقع بين هذين الفريقين ائتلاف والتقاء، ما دام الأولون يعملون جادين لنيل الفوز والسعادة، والآخرون يشقون طريقهم مسرعين نحو الخيبة والشقاء ﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾، لا سيما والخصومة بينهم خصومة في الله، لا تنتهي بالصلح والتراضي إلا إذا تحقق رضا الله، وفي التفسير المأثور ان هذه الآية نزلت في المتبارزين يوم بدر، وهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، ومن المشركين : عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ووقع في صحيح البخاري أن هذه الآية نزلت فيهم، وختم مسلم كتابه الصحيح بقصتهم، والقاعدة المتبعة عند العلماء في مثل هذه الآية :" أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "، وبذلك تصدق الآية على سبب نزولها، كما تصدق على من يندرج تحت مدلولها، فيكون المراد بالفريقين المتخاصمين من جهة أولى : فريق المؤمنين، ومن جهة أخرى : فريق الكافرين من كل ملة أو دين. وبعموم الآية قال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن وغيرهم، ويؤكد معنى العموم ما أشار إليه كتاب الله في أواخر الربع الماضي من أن الله تعالى سيفصل يوم القيامة بين أهل الملل المختلفة، وواضح أنه لا يكون الفصل بينهم إلا في الخصومة القائمة بينهم، وذلك قوله تعالى فيما سبق :﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد ﴾.
وبعدما وضع كتاب الله أمام الأنظار قصة الفريقين المتخاصمين على وجه الإجمال أوضح المصير الذي يؤول إليه كل فريق بعد الفصل بينهما في الدار الآخرة، فقال تعالى في شأن الكافرين الأشقياء :﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وذوقوا عذاب الحريق ﴾،
و " الحميم " الماء الحار المغلي بنار جهنم، وعن ابن عباس :" لو سقطت من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها "
والتعبير في الآية الأولى " بالثياب من النار " إما أن يحمل على حقيقته، وإما أن يكون استعارة عن إحاطة النار بهم، كما يحيط الثوب بلابسه، ويقابله في الآية الثانية : و " لباسهم فيها حرير.
﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾
ومعنى " يصهر به ما في بطونهم " أي يذاب به، من " الصهر " وهو الإذابة، ويوضحه قوله تعالى في آية أخرى :﴿ وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ﴾ [ محمد : ١٥ ]، وكما تذاب الأحشاء تذاب الجلود، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى :﴿ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ﴾ [ النساء : ٥٦ ].
أعظم ميزة يمتاز بها الوحي الإلهي ومسك ختامه القرآن هو أنه ( فرقان )، فرقان يستعين به المؤمن على التفرقة والتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء، إذ كثيرا ما تختل مقاييس العقل، وتنحرف اتجاهات الفطرة، ولا عاصم لهما من الاختلال والخبال إلا الوحي الإلهي الذي يحميها من الهوى والضلال. فهو المعيار الصادق، لإثبات الحقائق، والطريق المضمون لهداية الخلائق، وها هو كتاب الله يشير في بداية هذا الربع إلى ما يجري عادة في كل جيل من الخصومة والنزاع، والمواجهة والصراع، بين أنصار الحق وأتباع الباطل، إذ من المتعذر أن يقع بين هذين الفريقين ائتلاف والتقاء، ما دام الأولون يعملون جادين لنيل الفوز والسعادة، والآخرون يشقون طريقهم مسرعين نحو الخيبة والشقاء ﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾، لا سيما والخصومة بينهم خصومة في الله، لا تنتهي بالصلح والتراضي إلا إذا تحقق رضا الله، وفي التفسير المأثور ان هذه الآية نزلت في المتبارزين يوم بدر، وهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، ومن المشركين : عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ووقع في صحيح البخاري أن هذه الآية نزلت فيهم، وختم مسلم كتابه الصحيح بقصتهم، والقاعدة المتبعة عند العلماء في مثل هذه الآية :" أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "، وبذلك تصدق الآية على سبب نزولها، كما تصدق على من يندرج تحت مدلولها، فيكون المراد بالفريقين المتخاصمين من جهة أولى : فريق المؤمنين، ومن جهة أخرى : فريق الكافرين من كل ملة أو دين. وبعموم الآية قال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن وغيرهم، ويؤكد معنى العموم ما أشار إليه كتاب الله في أواخر الربع الماضي من أن الله تعالى سيفصل يوم القيامة بين أهل الملل المختلفة، وواضح أنه لا يكون الفصل بينهم إلا في الخصومة القائمة بينهم، وذلك قوله تعالى فيما سبق :﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد ﴾.
وبعدما وضع كتاب الله أمام الأنظار قصة الفريقين المتخاصمين على وجه الإجمال أوضح المصير الذي يؤول إليه كل فريق بعد الفصل بينهما في الدار الآخرة، فقال تعالى في شأن الكافرين الأشقياء :﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وذوقوا عذاب الحريق ﴾،
و " الحميم " الماء الحار المغلي بنار جهنم، وعن ابن عباس :" لو سقطت من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها "
والتعبير في الآية الأولى " بالثياب من النار " إما أن يحمل على حقيقته، وإما أن يكون استعارة عن إحاطة النار بهم، كما يحيط الثوب بلابسه، ويقابله في الآية الثانية : و " لباسهم فيها حرير.
﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾
والمراد ( بالمقامع ) المطارق أو السياط وما يشبههما.
أعظم ميزة يمتاز بها الوحي الإلهي ومسك ختامه القرآن هو أنه ( فرقان )، فرقان يستعين به المؤمن على التفرقة والتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء، إذ كثيرا ما تختل مقاييس العقل، وتنحرف اتجاهات الفطرة، ولا عاصم لهما من الاختلال والخبال إلا الوحي الإلهي الذي يحميها من الهوى والضلال. فهو المعيار الصادق، لإثبات الحقائق، والطريق المضمون لهداية الخلائق، وها هو كتاب الله يشير في بداية هذا الربع إلى ما يجري عادة في كل جيل من الخصومة والنزاع، والمواجهة والصراع، بين أنصار الحق وأتباع الباطل، إذ من المتعذر أن يقع بين هذين الفريقين ائتلاف والتقاء، ما دام الأولون يعملون جادين لنيل الفوز والسعادة، والآخرون يشقون طريقهم مسرعين نحو الخيبة والشقاء ﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾، لا سيما والخصومة بينهم خصومة في الله، لا تنتهي بالصلح والتراضي إلا إذا تحقق رضا الله، وفي التفسير المأثور ان هذه الآية نزلت في المتبارزين يوم بدر، وهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، ومن المشركين : عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، ووقع في صحيح البخاري أن هذه الآية نزلت فيهم، وختم مسلم كتابه الصحيح بقصتهم، والقاعدة المتبعة عند العلماء في مثل هذه الآية :" أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب "، وبذلك تصدق الآية على سبب نزولها، كما تصدق على من يندرج تحت مدلولها، فيكون المراد بالفريقين المتخاصمين من جهة أولى : فريق المؤمنين، ومن جهة أخرى : فريق الكافرين من كل ملة أو دين. وبعموم الآية قال مجاهد وعطاء بن أبي رباح والحسن وغيرهم، ويؤكد معنى العموم ما أشار إليه كتاب الله في أواخر الربع الماضي من أن الله تعالى سيفصل يوم القيامة بين أهل الملل المختلفة، وواضح أنه لا يكون الفصل بينهم إلا في الخصومة القائمة بينهم، وذلك قوله تعالى فيما سبق :﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد ﴾.
وبعدما وضع كتاب الله أمام الأنظار قصة الفريقين المتخاصمين على وجه الإجمال أوضح المصير الذي يؤول إليه كل فريق بعد الفصل بينهما في الدار الآخرة، فقال تعالى في شأن الكافرين الأشقياء :﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم والجلود، ولهم مقامع من حديد، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وذوقوا عذاب الحريق ﴾،
و " الحميم " الماء الحار المغلي بنار جهنم، وعن ابن عباس :" لو سقطت من الحميم نقطة على جبال الدنيا لأذابتها "
والتعبير في الآية الأولى " بالثياب من النار " إما أن يحمل على حقيقته، وإما أن يكون استعارة عن إحاطة النار بهم، كما يحيط الثوب بلابسه، ويقابله في الآية الثانية : و " لباسهم فيها حرير.
﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾
وقوله تعالى :﴿ وذوقوا عذاب الحريق ﴾ أي ويقال لهم ذوقوا، وعبر " بالذوق " الذي هو في الأصل الإحساس بالطعم عن الإحساس بألم الحريق، إمعانا في تبكيتهم على ما أصروا عليه في الدنيا من استهتار واستهزاء، وعناد وعداء.
والتعبير في الآية الأولى " بالثياب من النار " إما أن يحمل على حقيقته، وإما أن يكون استعارة عن إحاطة النار بهم، كما يحيط الثوب بلابسه، ويقابله في الآية الثانية : و " لباسهم فيها حرير.
وهداية الله لهم إلى الطيب من القول في الدنيا، تصدق بالشهادتين، والتوسل إلى الله بجميع الأذكار المشروعة والأقوال الطيبة، المتعلقة بالبر والخير والإصلاح بين الناس، وخصوصا الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهداية الله لهم إلى الطيب من القول في الآخرة، تصدق بمثل قولهم فيها :﴿ وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾ [ الزمر : ٧٤ ] ﴿ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ﴾ [ فاطر : ٣٤ ] ﴿ وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ]. و " صراط الحميد " الذي هداهم الله إليه هو دين الإسلام الحق، الذي لا يقبل الله دينا سواه، ومحجته البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك.
يضاف إلى " الطيب من القول " ما تتلقاهم به في الدار الآخرة ملائكة الرحمن، من البرور والرعاية ومزيد الإحسان ﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ] ﴿ ويلقون فيها تحية وسلاما ﴾ [ الفرقان : ٧٥ ] ﴿ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار ﴾ [ الرعد : ٢٤، ٢٣ ] ﴿ لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، إلا قيلا سلاما سلاما ﴾ [ الواقعة : ٢٦، ٢٥ ].
وحمل بعض المفسرين لفظ ( الإلحاد ) في قوله تعالى هنا :﴿ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ﴾ على معناه العام، فأدرج فيه كل ما يعد ميلا وانحرافا عن الإسلام، اعتقادا كان أو عملا، من الصغائر أو من الكبائر، كما حمل بعض المفسرين جملة " ومن يرد " على معنى العمل والنية معا، حتى أن من نوى سيئة من السيئات بمكة حوسب عليها ولو لم يعملها، لعظم حرمة المكان، أما إذا عملها فإنه يرتكب معصيتين : إحداهما بنفس المخالفة، والثانية بانتهاك حرمة البلد الحرام، وقد روي هذا التفسير عن ابن مسعود وابن عمر، وذهب إليه الضحاك وابن زيد.
وهذه الآية تتضمن بطريق التعريض توبيخ مشركي قريش على ما هم فيه من المفارقات والتناقضات، فبينما هم يدعون البنوة لإبراهيم، إذا بهم يصرون على الشرك الذي كان إبراهيم أعدى عدو له حتى تبرأ من أبيه وقومه من أجله، وبينما إبراهيم كان يحرص على تطهير البيت من كل رجس و خبث-بما في ذلك رجس الأوثان والأصنام، وخبث الأوساخ والأقذار-إذا بمشركي قريش ينتهكون حرمة البيت الحرام، ويملأونه بالأوثان والأصنام، وبينما إبراهيم كان يعد للعدة ليكون البيت مكانا مقدسا يحج إليه عباد الرحمن، الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان، من جميع الأقاليم والأوطان، إذا بمشركي قريش ينزلون به إلى عبادة الأوثان.
والخطاب في قوله تعالى هنا ﴿ لا تشرك بي شيئا ﴾ ﴿ وطهر بيتي ﴾ ﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾ موجه لإبراهيم الخليل عليه السلام، وكأن كتاب الله يعيد على مسامع رسوله والمؤمنين نفس الخطاب الإلهي الذي تلقاه إبراهيم الخليل، يوم وكل الله إليه وإلى ابنه إسماعيل إقامة البيت الحرام، وإذا كان هذا الخطاب موجها بالأصالة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام فإنه موجه بالتبع إلى خاتم الأنبياء والرسل، مجدد ملة إبراهيم، الذي أمره الله بإعادة الحق إلى نصابه، عند تيسر أسبابه، وكأنما كان التذكير ببناء البيت الحرام، وبالحكمة التي من أجلها وضع للناس، تمهيدا لما ورد بعد ذلك في هذا الربع، من توجيه الخطاب إلى مشركي قريش ومن سلك مسلكهم، بقوله تعالى :﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ﴾. ومعنى ﴿ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ﴾ جعلناه يبوء إليه ويقيم فيه، كقوله تعالى في آية أخرى ﴿ لنبوئنهم من الجنة غرفا ﴾ [ العنكبوت : ٥٨ ].
والجمع بين عبادة الأوثان وقول الزور هنا في قران واحد، والأمر باجتنابهما معا في آن واحد، مبني على ما يوجد بينهما من ارتباط وثيق، فالشرك في الحقيقة هو رأس الزور، لأن المشرك بالله يزعم زورا وبهتانا أن الوثن يستحق العبادة، ويشهد له بالقدرة على الضر والنفع وغيره من صفات الكمال، التي هي من صفات الله وحده دون سواه، وكل قول من أقوال الزور يلتقي مع الشرك في أنه كذب وباطل، وغير مطابق للحقيقة.
وهذه الآية تتضمن بطريق التعريض توبيخ مشركي قريش على ما هم فيه من المفارقات والتناقضات، فبينما هم يدعون البنوة لإبراهيم، إذا بهم يصرون على الشرك الذي كان إبراهيم أعدى عدو له حتى تبرأ من أبيه وقومه من أجله، وبينما إبراهيم كان يحرص على تطهير البيت من كل رجس و خبث-بما في ذلك رجس الأوثان والأصنام، وخبث الأوساخ والأقذار-إذا بمشركي قريش ينتهكون حرمة البيت الحرام، ويملأونه بالأوثان والأصنام، وبينما إبراهيم كان يعد للعدة ليكون البيت مكانا مقدسا يحج إليه عباد الرحمن، الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان، من جميع الأقاليم والأوطان، إذا بمشركي قريش ينزلون به إلى عبادة الأوثان.
والخطاب في قوله تعالى هنا ﴿ لا تشرك بي شيئا ﴾ ﴿ وطهر بيتي ﴾ ﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾ موجه لإبراهيم الخليل عليه السلام، وكأن كتاب الله يعيد على مسامع رسوله والمؤمنين نفس الخطاب الإلهي الذي تلقاه إبراهيم الخليل، يوم وكل الله إليه وإلى ابنه إسماعيل إقامة البيت الحرام، وإذا كان هذا الخطاب موجها بالأصالة إلى إبراهيم الخليل عليه السلام فإنه موجه بالتبع إلى خاتم الأنبياء والرسل، مجدد ملة إبراهيم، الذي أمره الله بإعادة الحق إلى نصابه، عند تيسر أسبابه، وكأنما كان التذكير ببناء البيت الحرام، وبالحكمة التي من أجلها وضع للناس، تمهيدا لما ورد بعد ذلك في هذا الربع، من توجيه الخطاب إلى مشركي قريش ومن سلك مسلكهم، بقوله تعالى :﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ﴾. ومعنى ﴿ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ﴾ جعلناه يبوء إليه ويقيم فيه، كقوله تعالى في آية أخرى ﴿ لنبوئنهم من الجنة غرفا ﴾ [ العنكبوت : ٥٨ ].
والجمع بين عبادة الأوثان وقول الزور هنا في قران واحد، والأمر باجتنابهما معا في آن واحد، مبني على ما يوجد بينهما من ارتباط وثيق، فالشرك في الحقيقة هو رأس الزور، لأن المشرك بالله يزعم زورا وبهتانا أن الوثن يستحق العبادة، ويشهد له بالقدرة على الضر والنفع وغيره من صفات الكمال، التي هي من صفات الله وحده دون سواه، وكل قول من أقوال الزور يلتقي مع الشرك في أنه كذب وباطل، وغير مطابق للحقيقة.
وقوله تعالى :﴿ ياتوك رجالا وعلى كل ضامر ﴾ فيه وعد من الله لإبراهيم بتلبية الناس لندائه إلى حج البيت، وأنهم ستهوي أفئدتهم إليه، ويقبلون عليه، مشاة وركبانا، بمختلف الوسائل التي يملكونها في كل عصر، وجاء التعبير ب " يأتوك " بدلا من " ياتوا " البيت " مثلا، كأن من أتى الكعبة حاجا أتى إبراهيم، لأن النداء إلى الحج إنما وصل إلى الناس بواسطته، وفي ذلك من التشريف لإبراهيم الخليل ما هو أهل له. ولفظ " رجال " هنا جمع راجل، ولفظ " الضامر " إشارة إلى الإبل بالخصوص إنما جرت مجرى التمثيل، فقد كانت هي المركوب الشائع بين العرب، و " الفج " الطريق الواسع، و " العميق " هنا معناه البعيد.
وقوله تعالى :﴿ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ﴾ ورد فيه وصف الأيام " بالمعلومات "، كما ورد في آية أخرى وصف الأيام " بالمعدودات "، تنبيها على ان أيام النحر وأيام التشريق أيام فاضلة تستحق مزيد الاعتناء، وعلى أنها أيام مخصوصة ليست كغيرها من أيام العمر، فينبغي اغتنام فضلها، لما لها من خصوصية وامتياز.
والمراد ( بذكر اسم الله ) هنا نفس النحر والذبح، مما يقوم به حجاج بيت الله الحرام، وإنما كنى كتاب الله عنهما ( باسم الله ) نظرا لأن المسلم لا ينفك عن ذكر اسم الله كلما نحر أو ذبح،
في الربع الماضي تحدث كتاب الله عما قام به مشركو قريش من صد رسول الله والمؤمنين عن البيت الحرام عام الحديبية، إلحادا وظلما، وفي هذا الربع يتصدى كتاب الله لتقرير حق الدفاع عن النفس والدين، لأول مرة، دفعا للظلم، ومقاومة للإلحاد، حتى يتحرر البيت الحرام من رجس الأوثان، ولا يبقى تحت ربقة الوثنيين، وحتى يتحرر المستضعفون بمكة من عنت المشركين. وقبل أن يأذن الله للمؤمنين بقتال من ظلمهم، وتثبيتا لهم على الحق، أوحى إلى رسوله انه سبحانه سيتولى الدفاع عنهم، وأنهم سيكونون في حمايته ورعايته، عندما يعدون العدة لمكافحة الباطل وتقليم أظفاره، ويهبون لنصرة الحق وتحرير أنصاره، فمن كان الله له عونا، لم يخف هضما ولا غبنا، وإلى المعنى يشير قوله تعالى في بداية هذا الربع :﴿ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ﴾، وكما ألقى بهذا الوعد الحق السكينة في قلوب المؤمنين، أعلن غضبه على الكفر والكافرين، وسخطه على الخيانة والخائنين، ومن غضب الله عليه وكله إلى نفسه أحوج ما يكون إليه، وخذله حتى أقرب الناس إليه، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في نفس السياق :﴿ إن الله لا يحب كل خوان كفور ﴾. وهكذا تضمنت هذه الآية وعدا من الله بنصر المؤمنين، ووعيدا بخذلان الكافرين والخائنين، والخيانة هنا تصدق بالأصالة على " الخيانة الكبرى " وهي خيانة الأمانة الإلهية التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، مما يجب على الإنسان الوفاء به من حقوق الله وحقوق العباد في كل آن، وتصدق بالتبع على بقية صنوف وحقوق العباد في كل آن، وتصدق بالتبع على بقية صنوف وحقوق العباد في كل آن، وتصدق بالتبع على بقية صنوف الخيانات، مما يتفرع عنها ويظهر أثره في مختلف التصرفات.
وقوله تعالى :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ تعهد من الله على وجه التفضل والإحسان بنصر المؤمنين نصرا مؤزرا، متى خاضوا المعركة، لإعلاء كلمة الله ونصر دينه، وقد جاء هذا التعهد في صيغة تحفز على الاستماتة في سبيل الله، كلها توكيد وتأييد. ومن كانت قدرة الله توجهه وترافق خطواته، لم يستطع أي عائق كيفما كان أن يقف في طريقه أو يعطل حركاته.
ووضع كتاب الله أمام أنظار المؤمنين حقيقة واقعية وتاريخية لا جدال فيها ولا نزاع، ألا وهي ان الحق مهما كان نوعه لا بد له من نصرة ودفاع، فكثيرا ما يطغى الباطل ويحاول أن يسيطر سيطرة نهائية، لولا ما يقف في وجهه من حركات الدفاع المضاد، التي تدفع بالطغاة الظالمين إلى الهاوية. وهذه الحقيقة هي التي عبر عنها كتاب الله بمنتهى الدقة والوضوح في قوله تعالى :﴿ ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ﴾ [ البقرة : ٢٥١ ] وإليها يشير قوله تعالى هنا مع ذكر المثال :﴿ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ﴾، مما يدل على أن العقائد والأديان، إنما هي مدينة بوجودها وبقائها لمن دافعوا عنها بحماس وإيمان، ولولا ذلك لدخلت كلها في خبر كان.
ومما يحسن التنبيه إليه في هذا المقام ما في هذه الآية الكريمة من ذكر لجملة من معابد الملل الأخرى إلى جانب " المساجد " التي هي بيوت الله، والإتيان بها جميعا في صعيد واحد، ففي ذلك تلميح لطيف إلى مبدأ الإسلام الأساسي القائل : " لا إكراه في الدين "، وإشارة واضحة، إلى أن الإسلام يضمن لمخالفيه حرية الاعتقاد، وأنه كما لا يسمح بالاعتداء على معابده ومقدساته لا يسمح بالاعتداء على معابدهم ومقدساتهم أيضا. قال ابن خويز منداد : " هذه الآية تضمنت المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبيعهم وبيوت نيراهم "، وقال القرطبي : " إنما لم ينقض ما في بلاد الإسلام لأهل الذمة، لأنها جرت مجرى بيوتهم وأموالهم التي عوهدوا على صيانتها ".
وقوله تعالى هنا :﴿ يذكر فيها اسم الله ﴾ بعد ذكر الصوامع والبيع والصلوات والمساجد يعود الضمير فيها على المساجد دون إشكال، ويمكن أن يعود حتى على الصوامع والبيع والصلوات، باعتبار ما كان عليه الأمر فيها قبل أن ينحرف أهلها عن دين الحق ويدخلوا فيه البدع والمحدثات.
وثاني هذه المبادئ : إيتاء الزكاة، وتوثيق رباط المحبة والتكافل بين عباد الله، بحيث يكون المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية على درجة كبيرة من الإنسانية والتعاطف والتراحم والتواصل، بدلا من الأنانية والتقاطع والتهارش والتقاتل، شعارهما " نفسي وأخي، بل أخي قبل نفسي، لا نفسي نفسي "، والزكاة هي دعامة الإخاء والوئام بين الإخوة المؤمنين، والحق الأول من حقوق المعسرين على الموسرين.
وثالث هذا المبادئ : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث يكون المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية على تمام الوعي بخطورة المسؤولية الملقاة على عاتقهما في صيانة الإسلام من كل ما هو دخيل، والحفاظ عليه شكلا وموضوعا، مظهرا ومخبرا، عرضا وجوهرا، حماية للكيان الإسلامي من الفناء، ووقوفا في وجه الدسائس والمؤامرات التي تحاك ضده في الخفاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعنى نصرة الصلاح والقيام بالإصلاح، ومحاربة الفساد والحيلولة دون الإفساد هو الواجب الأول من واجبات الدولة الإسلامية، وهو الضامن الأكبر لسلامة الدين، وسلامة المجتمع، وسلامة الدولة.
وواضح من هذه الآية الكريمة أن " تمكين " المسلمين في الأرض مشروط بهذه الشروط كلها وبما تفرع منها، فمتى توافرت كان لهم النصر والتمكين، ومتى أهملت أو أهمل بعضها حل بساحتهم الخذلان والتفكك إلى حين، ﴿ ولله عاقبة الأمور ﴾.
وقال تعالى في شأن الكافرين المعاندين :﴿ والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ﴾.
وإنما نسب إلى " الشيطان " في هذه الآية ما يقوم به خصوم النبوات والرسالات من تحدي الأنبياء والرسل، وبثهم البلبلة وإلقائهم الشبه، لأن الشيطان هو المغوي، والمحرك شياطين الإنس للإغواء، مصداقا لما حكى عنه كتاب الله ﴿ ولأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين ﴾ [ الحجر : ٣٩، ٤٠ ]. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرار إخوانه الأنبياء والرسل السابقين، من أحرص الناس على هداية قومه، بشهادة الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، إذ قال في وصفه :﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ]، وقال أيضا :﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ [ الأحزاب : ٦ ] وكان في قومه شياطين، كالنضر بن الحارث، يلقون لقومه وللوافدين عليه من الشبهات ما يثبطونهم به عن الإسلام، ورغما عن ذلك فقد أظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون، ودخل الناس في دين الله أفواجا اللهم إلا فيمن كان قلبه مريضا وقاسيا
﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾
أما قصة ( الغرانيق ) " السفلى " التي هول بها البعض في هذا المقام، فهي كما قال الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية، من وضع الزنادقة، وليس لها أصل في الإسلام، واستدل علاء الدين المعروف " بالخازن " في تفسيره على ضعفها باضطراب رواتها، واختلاف ألفاظها، وانقطاع سندها.
وإنما نسب إلى " الشيطان " في هذه الآية ما يقوم به خصوم النبوات والرسالات من تحدي الأنبياء والرسل، وبثهم البلبلة وإلقائهم الشبه، لأن الشيطان هو المغوي، والمحرك شياطين الإنس للإغواء، مصداقا لما حكى عنه كتاب الله ﴿ ولأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين ﴾ [ الحجر : ٣٩، ٤٠ ]. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرار إخوانه الأنبياء والرسل السابقين، من أحرص الناس على هداية قومه، بشهادة الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، إذ قال في وصفه :﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم ﴾ [ التوبة : ١٢٨ ]، وقال أيضا :﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ [ الأحزاب : ٦ ] وكان في قومه شياطين، كالنضر بن الحارث، يلقون لقومه وللوافدين عليه من الشبهات ما يثبطونهم به عن الإسلام، ورغما عن ذلك فقد أظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون، ودخل الناس في دين الله أفواجا اللهم إلا فيمن كان قلبه مريضا وقاسيا
﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾
أما قصة ( الغرانيق ) " السفلى " التي هول بها البعض في هذا المقام، فهي كما قال الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية، من وضع الزنادقة، وليس لها أصل في الإسلام، واستدل علاء الدين المعروف " بالخازن " في تفسيره على ضعفها باضطراب رواتها، واختلاف ألفاظها، وانقطاع سندها.
وختم هذا الربع بتأكيد وعد الله للسعداء، ووعيده للأشقياء، فقال تعالى في شأن الكافرين والمكذبين :﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾،
وقال تعالى في شأن المؤمنين الصالحين :﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ﴾، وخص كتاب الله المهاجرين منهم بالذكر والثناء، جزاء ما بذلوا في سبيل الله وإعلاء كلمته من التضحية والفداء، فقال تعالى :﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ﴾
وختم هذا الربع بتأكيد وعد الله للسعداء، ووعيده للأشقياء، فقال تعالى في شأن الكافرين والمكذبين :﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾،
وقال تعالى في شأن المؤمنين الصالحين :﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ﴾، وخص كتاب الله المهاجرين منهم بالذكر والثناء، جزاء ما بذلوا في سبيل الله وإعلاء كلمته من التضحية والفداء، فقال تعالى :﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ﴾
وختم هذا الربع بتأكيد وعد الله للسعداء، ووعيده للأشقياء، فقال تعالى في شأن الكافرين والمكذبين :﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾،
وقال تعالى في شأن المؤمنين الصالحين :﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ﴾، وخص كتاب الله المهاجرين منهم بالذكر والثناء، جزاء ما بذلوا في سبيل الله وإعلاء كلمته من التضحية والفداء، فقال تعالى :﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ﴾
بسم الله الرحمان الرحيم
هذه السورة وصفها القرطبي في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) بأنها من أعاجيب السور، نزلت ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، سلميا وحربيا، ناسخا ومنسوخا، محكما ومتشابها، مكيا ومدنيا، ومن بين آياتها المكية ما ورد مبدوءا ب ﴿ يا أيها الناس ﴾، ومن بين آياتها المدنية ما ورد مبدوء ب﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾، ويغلب على هذه السورة في أكثر آياتها طابع السور المكية، وموضوعاتها الرئيسية. وسميت ( سورة الحج ) أخذا من قوله تعالى :﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ﴾ [ الآيتان : ٢٧ ٢٨ ].
*خ في بداية الربع الماضي قرر كتاب الله حق المومنين في الدفاع عن دينهم وكيانهم ضد كل اعتداء، كما تعهد الحق سبحانه وتعالى بنصرتهم على الأعداء، فقال تعالى :﴿ إن الله يدافع عن الذين أمنوا ﴾ ﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ وفي نهايته نوه بموقف المهاجرين في سبيل الله، الذين قتلوا أو ماتوا، وأعلن عن ثوابهم في دار النعيم، فقال تعالى :﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقهم الله رزقا حسنا ﴾ [ الآية : ٥٨ ]. وكان مسك الختام في الربع الماضي قول الله تعالى :﴿ إن الله لعليم حليم ﴾ إشارة إلى أنه لولا حلم الله على البشر، لأخذهم بظلمهم أخذا وبيلا، على حد قوله تعالى :﴿ ولو يواخذ الله الناس بما كسبوا مات ترك على ظهرها من دابة ﴾ [ فاطر : ٤٥ ]. خ*/
وفي نفس هذا الجو، جو الدفاع المشروع، المأذون فيه من قبل الشارع، والمؤيد بنصر الله في الدنيا، وثوابه في الآخرة، تجيء بداية هذا الربع عودا على بدء، فتؤكد من جديد ما يطالب به كل مسلم، من رد عدوان المعتدين، والوقوف في وجه الطغاة الظالمين، وأن المسلم إذ قام برد العدوان، ثم وقع عليه عدوان آخر، لا ينبغي أن ييأس من روح الله، فليعد الكرة، وليجاهد لإعلاء كلمة الله المرة تلو المرة، ولا بد أن يصل إلى الغاية، وينصره الله في النهاية، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ﴾، ثم قال تعالى في نفس السياق :﴿ إن الله لعفو غفور ﴾ إشارة إلى الحالات التي يمكن أن يحدث فيها " العفو " أثره المطلوب، ويحقق المرغوب.
وقوله تعالى هنا :﴿ ومن عاقب بمثل ما عوقب به ﴾ ورد فيه " العقاب " مورد " الجزاء "، فأطلق على جزاء العقوبة عقوبة، لاستواء الفعلين في ظاهرهما، ولملابسة أحدهما للآخر، ومما يشبه هذا الطراز قوله تعالى :﴿ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ]، وقوله تعالى في سورة الشورى :﴿ بمثل ما عوقب به ﴾ يقتضي أن يقف دفاع المسلمين عند حدود رد العدوان، بحيث لا يطلقون لشهواتهم ونزواتهم العنان، ولا يجاوزون في دفاعهم مقتضيات العدل والإحسان.
وقوله تعالى هنا :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ عقب قوله :﴿ أنزل من السماء ماء ﴾ تصوير لما يعقب إنزال المطر من اخضرار الأرض ولو بعد حين، وإذا كانت الفاء ههنا للتعقيب، فإن تعقيب كل شيء بحسبه كما قال ابن كثير، على غرار قوله تعالى :﴿ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ﴾ [ المومنون : ١٤ ]، فقد جاءت " فاء التعقيب " في الانتقال من طور إلى طور آخر، مع أن بين كل طورين من تلك الأطوار أربعين يوما، كما ثبت في الصحيحين. ومن اللطائف في هذا الباب ما ذكره ابن عطية في تفسيره من أنه " شاهد بنفسه في السوس الأقصى أن المطر نزل ليلا بعد قحط، على أرض رملة، نسفتها الرياح، فأصبحت مخضرة ثاني يوم بنبات رقيق ".
وقوله تعالى :﴿ إن الله لطيف خبير ﴾ عقب قوله :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ معناه فيما قاله ابن عباس : " خبير " بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر، " لطيف " بأرزاق عباده.
وقوله تعالى هنا :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ عقب قوله :﴿ أنزل من السماء ماء ﴾ تصوير لما يعقب إنزال المطر من اخضرار الأرض ولو بعد حين، وإذا كانت الفاء ههنا للتعقيب، فإن تعقيب كل شيء بحسبه كما قال ابن كثير، على غرار قوله تعالى :﴿ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ﴾ [ المومنون : ١٤ ]، فقد جاءت " فاء التعقيب " في الانتقال من طور إلى طور آخر، مع أن بين كل طورين من تلك الأطوار أربعين يوما، كما ثبت في الصحيحين. ومن اللطائف في هذا الباب ما ذكره ابن عطية في تفسيره من أنه " شاهد بنفسه في السوس الأقصى أن المطر نزل ليلا بعد قحط، على أرض رملة، نسفتها الرياح، فأصبحت مخضرة ثاني يوم بنبات رقيق ".
وقوله تعالى :﴿ إن الله لطيف خبير ﴾ عقب قوله :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ معناه فيما قاله ابن عباس :" خبير " بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر، " لطيف " بأرزاق عباده.
وقوله تعالى هنا :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ عقب قوله :﴿ أنزل من السماء ماء ﴾ تصوير لما يعقب إنزال المطر من اخضرار الأرض ولو بعد حين، وإذا كانت الفاء ههنا للتعقيب، فإن تعقيب كل شيء بحسبه كما قال ابن كثير، على غرار قوله تعالى :﴿ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ﴾ [ المومنون : ١٤ ]، فقد جاءت " فاء التعقيب " في الانتقال من طور إلى طور آخر، مع أن بين كل طورين من تلك الأطوار أربعين يوما، كما ثبت في الصحيحين. ومن اللطائف في هذا الباب ما ذكره ابن عطية في تفسيره من أنه " شاهد بنفسه في السوس الأقصى أن المطر نزل ليلا بعد قحط، على أرض رملة، نسفتها الرياح، فأصبحت مخضرة ثاني يوم بنبات رقيق ".
وقوله تعالى :﴿ إن الله لطيف خبير ﴾ عقب قوله :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ معناه فيما قاله ابن عباس :" خبير " بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر، " لطيف " بأرزاق عباده.
وقوله تعالى هنا :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ عقب قوله :﴿ أنزل من السماء ماء ﴾ تصوير لما يعقب إنزال المطر من اخضرار الأرض ولو بعد حين، وإذا كانت الفاء ههنا للتعقيب، فإن تعقيب كل شيء بحسبه كما قال ابن كثير، على غرار قوله تعالى :﴿ ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر ﴾ [ المومنون : ١٤ ]، فقد جاءت " فاء التعقيب " في الانتقال من طور إلى طور آخر، مع أن بين كل طورين من تلك الأطوار أربعين يوما، كما ثبت في الصحيحين. ومن اللطائف في هذا الباب ما ذكره ابن عطية في تفسيره من أنه " شاهد بنفسه في السوس الأقصى أن المطر نزل ليلا بعد قحط، على أرض رملة، نسفتها الرياح، فأصبحت مخضرة ثاني يوم بنبات رقيق ".
وقوله تعالى :﴿ إن الله لطيف خبير ﴾ عقب قوله :﴿ فتصبح الأرض مخضرة ﴾ معناه فيما قاله ابن عباس :" خبير " بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر، " لطيف " بأرزاق عباده.
وقوله تعالى هنا :﴿ إن الإنسان لكفور ﴾ بعد ذكر آيات الله في الأنفس والآفاق، إشارة إلى ما عليه الشاكون والمنكرون من جحود لوجود الله، وما عليه الكافرون والمشركون من جحود لوحدانيته، وما عليه الغافلون والضالون من جحود لنعمته، بالرغم من قيام الدلائل القاطعة والبراهين الساطعة على قدرته وحكمته ﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾ [ سبأ : ١٣ ].
وأوصى الحق سبحانه وتعالى رسوله هنا كما أوصاه هناك بأن لا يقبل من خصوم الإسلام أي نزاع أو جدال فيما جاء به عن الله من الحق، وبأن يواصل دعوته عن بينة واقتناع، تاركا الفصل النهائي بينه وبين المعاندين والمنكرين إلى يوم الفصل والجزاء، وذلك قوله تعالى ﴿ فلا ينازعنك في الأمر ﴾ أي لا ينازعك أحد منهم فيما يشرع لأمتك من أمر الدين ﴿ وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ﴾
وبمثل هذا المعنى جاء قوله تعالى في آية أخرى :﴿ ولا يصدنك عن آياته الله بعد إذ نزلت إليك، وادع إلى ربك ﴾ [ القصص : ٨٧ ].
ثم عقب كتاب الله على ذلك بقوله :﴿ هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم ﴾، إشارة إلى أن المسلمين إذا أقاموا دولتهم على هذه الدعائم، وحافظوا على ما لديهم من شعائر ومعالم، فإنهم سيكونون الصفوة المختارة من بين البشر، التي تحيي من ملة إبراهيم ما ضاع واندثر، والتي لا تعرف إفراطا ولا تفريطا في ورد ولا صدر. ووصف إبراهيم بكونه ( أبا ) للمسلمين : من جهة أنه إمام الموحدين، ومقيم قواعد البيت الحرام الذي جعله الله مثابة وأمنا للناس أجمعين.
وختم هذا الربع بالإشارة إلى ما ميز الله به أمة التوحيد من اسم " الإسلام والمسلمين "، ووصفها واشتهارها بهذا الاسم الشريف على مر الأعوام والسنين، والإشارة إلى ما ادخر الله لها من " الشهادة " على العالمين، والتركيز على ما يضمن لها البقاء والنصر في كل حين، فقال تعالى :﴿ هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ﴾.