ﰡ
ثمان وسبعون اية بعضها مدنيّه وأكثرها مكيّة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ اى عقابه بان تطيعوه إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ اى تحريكها الأشياء على الاسناد المجازى او تحركها فيها فاضيف إليها اضافة معنوية بتقدير في او اضافة المصدر الى الظرف على اجرائه مجرى المفعول به شَيْءٌ عَظِيمٌ اى هائل ان مع صلتها في مقام التعليل علل أمرهم بالتقوى بفظاعة الساعة ليتصوروها بعقولهم ويعلموا انه لا يومنهم منها سوى التدرع بلباس التقوى اختلفوا في هذه الزلزلة فقال علقمة والشعبي هذا من اشراط الساعة تكون قبل قيام الساعة قال جلال الدين المحلى قبل طلوع الشمس من مغربها واختار هذا القول ابن العربي والقرطبي بقرينة قوله تعالى.
يَوْمَ تَرَوْنَها
اى الساعة او الزلزلة ظرف لقوله تَذْهَلُ
بسببها كُلُّ مُرْضِعَةٍ
اى امرأة ألقمت الرضيع ثديها يقال امرأة مرضع بلا هاء إذا أريد بها الصفة مثل حائض وحامل يعنى من شانها ان ترضع وإذا أريد به الفعل حالا يقال مرضعة عَمَّا أَرْضَعَتْ
ما موصولة او مصدرية يعنى تدهش من هول تلك الزلزلة فتذهل عمن ترضعها وتنزع ثديها من فيه او تذهل عن ارضاعها هذه الجملة خبر ثان لان والرابط ضمير ترونها او تعليل بعظم شانها وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها
اى تسقط جنينها من هول تلك الزلزلة عطف على تذهل قال الحسن تذهل المرضعة عن ولدها يعنى فطام وتضع الحامل ما في بطنها من غير تمام وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
قال الحسن ترى الناس سكارى من الخوف وَما هُمْ بِسُكارى
من الشراب قرأ حمزة والكسائي سكرى وما هم بسكرى قال البغوي هما لغتان لجمع السكران قال البيضاوي وقرأ سكرى كعطشى اجراء للسكر مجرى العلل أفرد الضمير في ترى الناس بعد جمعه في ترونها لان الساعة يراها الجميع واثر السكر انما
فارهقهم هوله بحيث طير عقولهم واذهب تميزهم استدراك لدفع توهم خفة الأمر الناشي عن نفى السكر قالوا هذه الآية تدل على ان هذه الزلزلة تكون في الدنيا لان بعد البعث لا يكون حبل ولارضاع ويرد عليه ان قوله تعالى يا ايها الناس اتقوا اما خطاب للناس عامة واما للموجودين عند نزول الآية خاصة وعلى كلا التقديرين كون زلزلة الساعة الّتي هى من شرائطها شديدة هائلة لا يصلح تعليلا للامر بالتقوى في حق المخاطبين لان شدتها وهولها لا تلحق الا بالموجودين عندها لا بجميع الناس ولا بالموجودين في زمن النبي ﷺ وقال ابن عباس رضى الله عنه زلزلة الساعة قيامها وذلك بعد نفخة البعث وقيام الناس من قبورهم واختاره الحليمي وغيره قالوا خرج هذه الآية مخرج المجاز والتمثيل لشدة الهول والفزع لا على الحقيقة نظيره قوله تعالى يوما يجعل الولدان شيبا ولا شيب فيه انما هو مجاز لشدة الهول واستدلوا على ذلك بما أخرجه احمد والترمذي وصححه عن عمران بن حصين قال كنا مع رسول الله ﷺ فنزلت يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم الى قوله عذاب الله شديد قال أتدرون اىّ يوم ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار الحديث وقال البغوي روى عن عمران بن حصين وابى سعيد الخدري وغيرهما ان هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بنى المصطلق ليلا فنادى رسول الله ﷺ فقرأ عليهم فلم ير اكثر باكيا من تلك الليلة فلما أصبحوا لم يحطوا السرج عن الدواب ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا قدرا والناس من بين باك او جالس حزين متفكر فقال رسول الله ﷺ أتدرون يوم ذلك قالوا الله ورسوله اعلم قال ذلك يوم يقول الله عزّ وجلّ لآدم قم فابعث بعث النار من ولدك فيقول آدم من كل كم كم فيقول الله عزّ وجلّ من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين الى النار وواحد الى الجنة فكبر ذلك على المسلمين وبكوا وقالوا فمن ينجو كما يا رسول الله فقال رسول الله
لا يدل على ان الزلزلة تكون حين الأمر ببعث النار بل يكون ذلك اليوم والأمر متاخر عنها فكانه ﷺ لما اخبر عن الزلزلة الّتي كانت متقدمة عن النفخة الاولى ذكر ما يكون في ذلك اليوم من الأهوال العظام وهو قوله لآدم البث بعث النار فيكون ذلك في أثناء ذلك اليوم ولا يقتضى ان يكون ذلك متصلا بالنفخة الاولى قلت وهذا الجواب ضعيف لان حديث ابى سعيد الّذي أخرجه الشيخان في الصحيحين عنه عن النبي ﷺ ورد بلفظ يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك قال اخرج بعث النار قال وما بعث النار قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون فعنده يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد قالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد قال ابشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج الف ثم قال والّذي نفسى بيده أرجو ان تكونوا ربع اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا نصف اهل الجنة فكبرنا قال ما أنتم في الناس الا كالشعرة السوداء في جلد ثور ابيض او كشعرة بيضاء في جلد ثور اسود فان هذا
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ اى في ذات الله وصفاته وأحكامه بِغَيْرِ عِلْمٍ نزلت في النضر بن الحارث كان كثير الجدال وكان يقول الملئكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين وكان ينكر البعث واحياء من صار ترابا كذا اخرج ابن ابى خاتم عن ابى مالك وَيَتَّبِعُ فى المجادلة او في عامة أحواله كُلَّ شَيْطانٍ اعترضه من الجن والانس مَرِيدٍ المرد النجرد العرى ومنه الأمرد لتجرده عن الشعر والمريد والمارد بمعنى العاري من الخير المستقر في الشر وفي القاموس مرد كنصر وكرم مرود او مرادة فهو مارد ومريد ومتمرد أقدم أو عتا او هو ان يبلغ الغاية الّتي تخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف ومرده قطعه ومرّق عرضه وعلى الشيء مرن واستمر.
كُتِبَ اى قضى عَلَيْهِ اى على الشيطان أَنَّهُ اى الشان مَنْ تَوَلَّاهُ اى تبعه فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ان المفتوحة مع جملتها خبر لمبتدأ محذوف والجملة بعد الفاء جزاء لمن ان كانت شرطية وجوابه ان كانت موصولة والمعنى ان من تبع الشيطان فالامر ان الشيطان يضل تابعه عن سواء السبيل فلم ب؟؟؟ بل عليه وَيَهْدِيهِ اى يريه طريق النار او يوصله إِلى عَذابِ السَّعِيرِ
بالحمل الى ما يوصله وقيل ضمير انه راجع الى الشيطان ومن موصولة او موصوفة مع صلتها او صيغتها خبر لان والضمير المنصوب في تولاه راجع الى التابع وألفا في فانه يضله للعطف على انه من تولاه والمعنى قضى على الشيطان انه نفس تولى تابعه او الّذي تولى تابعه اى أحبه او استولى عليه فقضى ان الشيطان يضله كذا قال الزجاج وجملة ومن الناس من يجادل في الله حال من فاعل اتقوا تقديره يا ايها الناس اتقوا ومنكم من يجادل ولم يتق ففيه التفات من الخطاب الى الغيبة او معترضة.
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي فى شك مِنَ الْبَعْثِ اى من إمكانه وكونه مقدورا لنا فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ يعنى خلقنا جنسكم وهو شامل لمن يولد ومن يسقط لكونه مستعدا لان يصير إنسانا يعنى فانظروا في بدأ خلقكم فانه يزيل ريبكم
وجملة ترى الأرض عطف على انا خلقناكم أورد جملة فعلية ليدل على حدوث هذه الصفة مرة بعد اخرى فهذه دليل ثالث كررها الله تعالى في كتابه لظهوره وكونه مشاهدا.
ذلِكَ اشارة الى ما ذكر من خلق الإنسان في أطوار مختلفة وتحويله على احوال
وَأَنَّ السَّاعَةَ يعنى ساعة القراض الدنيا آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها فان التغير من مقدمات الانصرام وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ بمقتضى وعده الّذي لا يحتمل الخلف الجمل الثلث الاول منها لبيان العلة الفاعلية لخلق الإنسان في أطوار مختلفة وتحويله على احوال متضادة واحياء الأرض بعد موتها والجملتين الأخيرتين لبيان العلة الغائية اى ما هو بمنزلة العلة الغائية فان خلق الإنسان ونحوه لمعرفة الله سبحانه وحسن عبادته والا لكان إيجاده عبثا وخلق سائر الكائنات لتكون برهانا لمعرفة الديان ويترتب على وجوب المعرفة وجوب العبادة وعليه يترتب الجزاء إذ لولا البعث والجزاء لزم التسوية بين المسلمين والمنكرين المجرمين فيختل امر العدل قال الله تعالى افنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أفلا تذكرون.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ضرورى وَلا هُدىً اى استدلال يهدى الى المعرفة وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ مظهر للحق منزل من الله تعالى على أحد من الناس فان اسباب العلم للانسان انما هو أحد هذه الأمور الثلاثة ثانِيَ عِطْفِهِ العطف الجانب والعطفان الجانبان يمينا وشمالا وهو الموضع الّذي يعطف الإنسان اى يلوى ويميله عند الاعراض قال مجاهد اى لاوى عنقه حاصل المعنى معرضا عما يدعى اليه من الحق تكبرا او تبخترا كذا قال ابن عطية وابن زيد وابن جريح.
لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ متعلق بيجادل قرأ ابن كثير وابو عمر بفتح الياء من المجرد والباقون بضم الياء من الافعال يعنى يجادل حتى يضل غيره لَهُ فِي
وهو القتل والاسر فقتل نضر بن الحارث وعقبه بن ابى معيط يوم بدر صبر او قتل معهما سبعون واسر سبعون وقال جلال الدين المحلى نزلت الآية في ابى جهل فقتل يوم بدر وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ اى المحرق وهو النار.
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ التفات من الغيبة الى الخطاب او التقدير ويقال لهم يوم القيمة إذا عذبوا ذلك العذاب بسبب ما فعلته من الكفر والمعاصي وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ أورد صيغة المبالغة نظرا الى كثرة العبيد والجملة معطوفة على ما قدمت يداك ونفى الظلم كناية عن العدل كما ان عدم الحب في قوله تعالى لا يحب الله الجهر بالقول كناية عن البغض والعدل سبب لمجازاة الكفر والمعاصي بالتعذيب اخرج البخاري وابن ابى حاتم وابن مردوية عن ابن عباس قال كان الرجل يقدم المدينة فيسلم فان ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال هذا دين صالح وان لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال هذا دين سوء فانزل الله تعالى.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ قال المفسرون معناه على شك من حرف الشيء وهو طرفه فالشاك والمنافق كانه على طرف من الفريقين المؤمنين والكافرين قد يميل الى هؤلاء وقد يميل الى هؤلاء او هو كالذى على طرف الجيش فان احسّ الظفر قرّ والا فرّ واخرج ابن ابى حاتم وكذا قال البغوي انها نزلت في يوم من الاعراب كانوا يقدمون المدينة والمهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت بها فرسه مهر أحسنا وولدت أمرته غلاما وكثر ماله قال هذا دين حسن وقد أصبت فيه خيرا واطمأن اليه وهو المعنى قوله تعالى فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ اى بتعبد الله والإسلام وان صابه مرض وولدت امرأته جارية وأجهضت رهاكه وقل ماله قال ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين الا شرا فينقلب عن دينه وهو المعنى لقوله تعالى وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ بلاء وشدة انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ اى ارتد عن دينه ورجع على عقبه الى الوجه الّذي كان عليه من الكفر واخرج ابن مردوية من طريق
يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ ان لم يعبده وَما لا يَنْفَعُهُ ان عبده ذلِكَ الدعاء هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ عن الحق مستعار من ضل في التيه إذا ابعد عن الطريق المستقيم.
يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ اللام زائدة والمعنى يدعوا من ضره اى ضر عبادته هكذا قرأ ابن مسعود رضى الله عنه أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ الموهوم الّذي يتوقعه الكافر بعبادته وهو الشفاعة والتوسل بها الى الله تعالى وهذا على عادة العرب فانهم يقولون لما لا يكون موجودا أصلا هذا شيء بعيد ونظيره قوله تعالى ذلك رجع بعيد اى لارجع أصلا ولما كان النفع من الصنم بعيدا بمعنى انه لا نفع فيه أصلا قيل ضره اقرب من نفعه لانه كائن لا محالة قيل يدعوا من تتمة الكلام السابق تكرير لقوله يدعوا في قوله يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه تأكيد لفظى له وما بعده كلام مستأنف واللام في لمن ضره جواب لقسم محذوف والموصول مع صلته مبتدأ خبره لَبِئْسَ الْمَوْلى اى الناصر وقيل المعبود وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ اى الصاحب والمخالط يعنى الوثن والعرب يسمى الزوج عشيرا لأجل المخالطة والجملتان الزامتان مستانفتان على قراءة ابن مسعود وما في معناه وقيل اللام متعلقه ليدعوا من حيث انه بمعنى يزعم والزعم قول مع اعتقاد او يقال يدعو داخلة على الجملة الواقعة مقولا اجراء له محرى القول وعلى هذين التقديرين اللام جواب قسم محذوف ومن مع صلته
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ يعنى انه تعالى يريد اثابة المؤمن الصالح وعقاب المشرك ولا دافع لمراده ولا مانع لقضائه.
مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ اى محمدا ﷺ الظن بمعنى الوهم يقتضى مفعولا واحدا وهو ان مع جملتها وإن كان الظن بمعناه فالجملة قائمة مقام المفعولين فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ هذا كلام فيه اختصار تقديره ان الله ناصر رسوله في الدنيا والاخرة فمن كان يظن خلاف ذلك ويتوقعه لاجل غيظه الرسول ﷺ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ اى بحبل إِلَى السَّماءِ اى سماء بيته يعنى ليشدد حبلا في سقف بيته ثُمَّ لْيَقْطَعْ اى ليختنق من قطع إذا اختنق فان المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه يعنى يستعض في ازالة غيظه وليفعل كل ما يفعل الممتلى غيظا حتى يموت وهذا امر للتعجيز يقال للحاسد ان لم ترض بهذا فاختنق ومت غيظا وقال ابن زيد المراد بالسماء السماء الدنيا والمعنى من كان يظن ان لن ينصر الله نبيه ويكيده في امره ليقطعه من أصله حتى يبلغ عنان السماء فيجتهد في دفع نصر الله إياه او ليمدد بحبل الى السماء الدنيا وليذهب السماء وليقطع الوحى الّذي يأتيه من السماء قال البغوي روى ان هذه الآية نزلت في اسد وغطفان دعاهم النبي صلى الله عليه الى الإسلام وكان بينهم وبين اليهود حلف فقالوا لا يمكننا ان نسلم لانا نخاف ان لا ينصر الله محمدا ولا يظهر امره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود فلا يميروننا ولا يؤووننا فنزلت هذه الآية وقال مجاهد النصر بمعنى الرزق
وَكَذلِكَ اى انزالا مثل ذلك الانزال اى مثل انزالنا الآيات الدالة على إمكان البعث والتوحيد وصدق الرسول والوعد بنصره أَنْزَلْناهُ اى القران كله حال كونه آياتٍ بَيِّناتٍ واضحات الدلالة على صدق الرسول ﷺ وما جاء به فلا منافاة بين هذه الاية وبين قوله تعالى منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات لاختفاء المراد منها مع ظهور اعجازها وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ الجملة في محل الجر بلام التعليل معطوفة على محذوف متعلق بقوله أنزلناه يعنى أنزلناه لمصالح ولان يهدى به او يثبت على الهدى من يريد الله هدايته او ثباته على الهداية وجاز ان يكون في محل النصب عطفا على الضمير المنصوب في أنزلناه يعنى وأنزلنا ان الله يهدى من يريد.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا يعنى عبدة الأوثان إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بالحكومة بينهم واظهار المحق منهم من المبطل او بالجزاء فيجازى
أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ من الملئكة وَمَنْ فِي الْأَرْضِ من الانس والجن يعنى المؤمنين منهم وكلمة من وان كان يعم المؤمن والكافر لكن خص منه الكافر بكلام مستقل وهو قوله تعالى وكثير حق عليهم العذاب فبقى المؤمنون مراد او انما فسرت هكذا لان كلمة من لذوى العقول ولما عطف عليه قوله وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ فان حقيقة العطف للمغائرة وحمل البيضاوي كلمة من على العموم وقال من يجوز ان تعم اولى العقل وغيرهم او على التغلب وقال اكثر المحققين ان من لا يعبر به عن غير الناطقين الا إذا جمع بينهم وبين غيرهم فعلى تقدير ارادة العموم قوله والشمس إلخ من قبيل عطف الخاص على العام أفردها بالذكر لشهرتها واستبعاد ذلك منها والمراد بالسجود عند المحدثين والعلماء المتقدمين الطاعة الاختيارية فان الجمادات وان كانت أمواتا عندنا لكن لها حيوة ما وهى مطيعة طاعة اختيارية لله تعالى قال الله تعالى قالتا اتينا طائعين وقال في وصف الحجارة وان منها لما يهبط من خشية الله وقال وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ان الجبل ينادى الجبل يا فلان هل مرّ بك أحد يذكر الله رواه الطبراني من حديث ابن مسعود قال البغوي هذا مذهب حسن موافق لقول اهل السنة وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مبتدأ وَكَثِيرٌ نكرير للاول تأكيدا ومبالغة في الكثرة وخبره حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ لعدم انخراطهم في الساجدين فهذا لجملة مخصصة بكلمة من مخرجة للكافرين من ان يرادوا بها وقيل كلمة من في قوله تعالى من في الأرض بمعنى ما للعموم والمراد بالسجود كون الممكنات كلها متسخرة لقدرته غير آبية
هذانِ خَصْمانِ فوجان متخاصمان يعنى المؤمنون خصم والكافرون من الأنواع الخمسة خصم وهو يطلق على الواحد والجماعة اخْتَصَمُوا أورد صيغة الجمع حملا على المعنى فِي رَبِّهِمْ اى في دينه او في ذاته وصفاته وامره روى الشيخان في الصحيحين عن ابى ذر قال نزلت قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم في حمزة وعبيدة وعلى بن ابى طالب رضى الله عنهم وعتبة وشيبة والوليد بن عتبه واخرج البخاري والحاكم عن على قال فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر واخرج الحاكم عنه بوجه آخر قال نزلت في الذين بارزوا يوم بدر على وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وروى البغوي عن قيس بن عباد عن على بن ابى طالب قال انا أول من يحثوا بين يدى الرحمة للخصومة يوم القيمة قال قيس وفيهم نزلت هذه الاية وقال قيس هم الذين بارزوا يوم بدر حمزة وعلى وعبيدة وشيبه بن ربيعه وعتبه بن ربيعه
كذبتم وبيت الله يبزى «٢» محمدا | ولما نطاعن دونه ونناصل «٣» |
ونسلمه حتى نصرع حوله | نذهل عن أبنائنا والحلائل |
(٢) على صيغة المجهول أراد لا يبزى حذف لا في جواب القسم وهى مراده اى لا يقهر ولا يغلب والبز بالزاء المعجمة الغلبة والقهر ١٢.
(٣) التناصل الترامي بالسهام ١٢. [.....]
(٢) اى تجتمع وتنصرف ١٢.
يُصْهَرُ بِهِ اى يذاب بذلك الحميم المنصب من فوقهم رؤسهم ما فِي بُطُونِهِمْ من الشحوم والاحشاء وَالْجُلُودُ ويصهربه الجلود يعنى يؤثّر حرارته في بواطنهم كما يوثر في ظواهرهم والجملة حال من الحميم او من ضميرهم اخرج الترمذي وحسنه عن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال ان الحميم ليصب على روسهم فينفذ الحميم حتى تخلص الى جوفه فيسيل ما في جوفه ثم يهراق من بين قدميه وهو الصهر ثم يعادكما كان.
وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ جمع مقمعة وحقيقتها ما يقمع به اى يكف بعنف قال الليث المقمعة شبه الجرز وهو بالفارسية گرز بالكاف الفارسي قال البغوي هو من قولهم قمعت راسه إذا ضربته ضربا عنيفا والجملة حال من الضمير المجرور في بطونهم اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس في هذه الآية انه قال يضربون بها اى بالمقامع فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالثبور واخرج احمد وابو يعلى وابن ابى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ انه قال لو ان مقمعا من حديد وضع على الأرض فاجتمع الثقلان ما اقلوه من الأرض ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتعثت ثم عادكما كان.
كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها اى من النار من غم وكرب يلحقهم بانفاسهم بسبب النار بدل اشتمال من الضمير المجرور باعادة الجار أُعِيدُوا فِيها تقديره كلما أرادوا ان يخرجوا منها فخرجوا منها عيدوا فيها لان الاعادة لا يكون الا بعد الخروج والجملة الشرطية اعنى كلما أرادوا الى آخرها صفة لمقامع والرابط محذوف اى أعيدوا بها فيها واخرج ابن ابى حاتم عن الفضيل بن عياض في الآية انه قال والله ما طمعوا في الخروج لان الأرجل مقيدة موبقة ولكن يرفعهم لهها وتردهم مقامعها قلت لعل المراد بقوله أرادوا ان يخرجوا منها انهم يزعمون حين يرفعهم لهبها ان يقعوا خارج النار ولا يكون كذلك بل يردهم مقامعها و
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ غير الأسلوب فيه وأسند الإدخال الى الله تعالى وأكده بان احماد الحال المؤمنين وتعظيما لشانهم يُحَلَّوْنَ من حليت المرأة إذا ألبست الحلي حال من الموصول فِيها اى في الجنة مِنْ أَساوِرَ جمع اسورة وهو جمع سوار صفة لمفعول محذوف يعنى يحلون حليا كائنا من أساور مِنْ ذَهَبٍ بيان له وَلُؤْلُؤاً معطوف على أساور على قرأة نافع وعاصم بالنصب هاهنا وفي سورة فاطر حملا على محل أساور او بإضمار الناصب يعنى ويؤتون لؤلؤا والباقون بالجر حملا على لفظة أساور او عطفا على ذهب قال القرطبي قال المفسرون ليس أحد من اهل الجنة الا وفي يده ثلث اسورة سوار من ذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ قلت والالف المكتوب في الرسم بعد الواو يؤيد النصب وقال ابو عمرو اثبتوا الالف كما اثبتوا في قالوا وكانوا وقال الكسائي الف صورة الهمزة وترك أبو بكر وابو عمرو إذا خفف الهمزة الاولى من لؤلؤ واللؤلؤ في جميع القرآن وحمزة إذا وقف سهل الهمزتين على أصله وهشام يسهل الثانية في غير النصب على أصله والباقون يحققونهما اخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن ابى سعيد الخدري ان النبي ﷺ تلا قوله تعالى جنت عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير فقال عليهم التيجان ان ادنى لؤلؤ منها ليضىء ما بين المشرق والمغرب واخرج الطبراني الأوسط والبيهقي بسند حسن عن ابى هريرة قال قال رسول الله
يشرب بها في الآخرة واخرج الطيالسي بسند صحيح والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله ﷺ من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وان دخل الجنة لم يلبسه واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن ابى امامة عن رسول الله ﷺ قال ما منكم من أحد الا انطلق به الى طوبى فيفتح له أكمامها فياخذ من اى ذلك شاء ان شاء ابيض وان شاء احمر وان شاء اخضر وان شاء اصفر وان شاء اسود مثل شقاق النعمان وارق واحسن واخرج ايضا عن كعب قال لو ان ثوبا من ثياب الجنة لبس في الدنيا لصعق من ينظر اليه وما حملته أبصارهم واخرج الصابوني في المائتن عن عكرمة قال ان الرجل من اهل الجنة ليلبس الحلة فتكون من ساعته سبعون لونا واخرج مسلم عن ابى هريرة عن النبي ﷺ قال من يدخل الجنة فنعم فيها لا يباس ولابتلى ثيابه ولا يفنى شبابه.
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ حال بتقدير قد من الموصول المفعول ليدخل يعنى والحال انهم قد هدوا في الدنيا الى الطيب من القول يعنى شهادة ان لا اله الا الله والله اكبر والحمد لله كذا قال ابن عباس وقال السدى يعنى هدوا الى القرآن وقيل الماضي هاهنا بمعنى المستقبل يعنى ويهدون في الجنة الى الطيب من القول وهو قولهم الحمد لله الّذي صدقنا وعده وَهُدُوا اى قد هدوا في الدنيا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ اى الى دين الله وهو الإسلام والحميد هو الله المستحق للحمد لذاته او المعنى ويهدون الى صراط الجنة الّتي هى الحميد.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ اى يمنعون الناس من ان يدخلوا في دين الإسلام لا يريد بالمضارع حالا ولا استقبالا وانما يريد استمرار الصدّ كقولهم فلان يعطى ويمنع ولذلك حسن عطفه على الماضي وقيل هو حال من فاعل كفروا وخبر ان محذوف دل عليه اخر الآية ان نذقه من عذاب اليم وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ عطف على سبيل الله او على اسم الله والمراد بالمسجد الحرام المسجد خاصة عند الشافعي وعند ابى حنيفة رحمه الله الحرم كله كما في قوله تعالى سبحان الّذي اسرى بعبده ليلا من المسجد
بإخراجهم عن المسجد الحرام الّذي جعل الله للناس كلهم فيه سواء ومن اظلم ممن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها وأقوى حججهم في الباب حديث اسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله اين تنزل غذا في حجته فقال هل ترك عقيل منزلا قال نحن نازلون غدا إنشاء الله نجيف بنى كنانه ثم قال لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر متفق عليه وروى ابن الجوزي هذا الحديث قال
مفعول يرد محذوف يتناول كل متناول تقديره من يرد قولا او فعلا فعلى هذا قوله بإلحاد بظلم حالان مترادفان او الثاني بدل من الاول باعادة الجار او صلة له اى يلحد بسبب الظلم اى بان ارتكب منهيا ولو شتم الخادم نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ جواب لمن روى البخاري في الصحيح عن ابن عباس قال قال رسول الله ﷺ ابغض الناس الى الله ثلثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرأ بغير حق ليهريق دمه وروى الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي في المدخل ورزين في كتابه عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ ستة لعنتهم لعنهم الله وكل نبى مجاب الزائد في كتاب والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله ويذل بذلك من أعز الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتى ما حرم الله والتارك لسنتى وروى الحاكم عن على مرفوعا نحوه وهذان الحديثان يشعر ان بان المراد بالمسجد الحرام
وَاذكر إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ اى عينا وجعلنا له مَكانَ الْبَيْتِ مبوأ اى منزلا كذا قال الزجاج وقيل اللام زائدة ومكان ظرف والمعنى وإذ أنزلناه فيه قال في القاموس بواه منزلا وفيه أنزله والمبأة المنزل وانما ذكر مكان البيت لان الكعبة رفعت الى السماء من الطوفان ثم لما امر الله تعالى ابراهيم عليه السّلام ببناء البيت لم يدر اين يبنى فبعث الله ريحه خجوجا «١» فنكست له ما حول البيت عن الأساس كذا قال البغوي واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي في الدلائل عن السدى بعث الله ريحا يقال لها ريح الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فنكست لها ما حول الكعبة عن أساس البيت الاول وقال البغوي قال الكلبي بعث الله سبحانه بقدر البيت فقامت بحيال البيت وفيها راس يتكلم يا ابراهيم ابن على قدرى فبنى عليه أَنْ لا تُشْرِكْ ان مصدرية متعلق بفعل محذوف اى عهدنا الى ابراهيم ان لا تشرك او المعنى فعلنا ذلك لان
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ اى أعلمهم وناد فيهم بِالْحَجِّ الظاهر انه عطف على طهر ذكر البغوي واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس نحوه ان ابراهيم عليه السّلام حين امر به قال وما يبلغ صوتى قال الله تعالى عليك الاذان وعلينا الإبلاغ فقام ابراهيم على المقام فارتفع المقام حتى صاركا طول الجبال فادخل إصبعيه في اذنيه واقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وقال يا ايها الناس ان ربكم قد بنى بيتا كتب عليكم الحج الى البيت فاجيبوا ربكم فاجابه كل من يحج من اصل الإماء وأرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك قال ابن عباس فاول من اجابه اهل اليمن فهم اكثر الناس حجا وروى ان ابراهيم صعد أبا قبيس ونادى وقال ابن عباس عنى بالناس في هذه الآية اهل القبلة قال البغوي وزعم الحسن ان قوله تعالى واذن في الناس بالحج كلام مستانف والمخاطب النبي ﷺ امر ان يفعل ذلك في حجة الوداع
لِيَشْهَدُوا متعلق بأذّن او بيأتوك اى ليحضروا مَنافِعَ لَهُمْ دينية او دنيوية وتنكيرها لان المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة قال محمد بن على بن الحسين بن على الباقر عليهم السّلام وسعيد بن المسيب المراد بها العفو والمغفرة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه متفق عليه وقال سعيد بن جبير المراد بها التجارة وهى رواية عن زيد عن ابن عباس حيث قال الأسواق
الجمهور الاكل من الدماء الواجبة بالجنايات والواجب بإفساد الحج وفي رواية عن احمد واليه ذهب اسحق انه لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ويأكل مما سوى ذلك كذا ذكر البخاري عن ابن عمر معلقا والحجة لتحريم الاكل من دماء النذر وكفارات الجنايات القياس على حرمة الاكل من جزاء الصيد وهى مجمع عليها والجامع انها دماء كفارات فلا بد من تسليمها بجميع اجزائها الى مستحقها لكن قياس المنذور على جزاء الصيد غير صحيح الا ان يقال ان لنذر يقتضى تسليم المنذور بجميع اجزائه- مسئلة واتفقوا على جواز الاكل من الأضاحي اما على قول ابى حنيفة فلانه دم نسك وقد صح قوله ﷺ في الضحى يأكلوا وأطعموا وادخروا متفق عليه من حديث سلمه ابن الأكوع واما عند الشافعي وغيره فلانه دم تطوع مسنون
ثُمَّ لْيَقْضُوا قرأ ورش وابو عمرو ابن عامر وقنبل بكسر الام والباقون بإسكانها تَفَثَهُمْ اى يزيلوا وسخهم بحلق الراس وقص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد عند الاحلال الاول وذلك قبل طواف الزيارة ويحل على المحرم بعد الحلق كل شيء الا النساء وتحل النساء بعد الطواف كذا قال المفسرون والقضاء في الأصل بمعنى الفعل والأداء يقال قضى دينه وقال الله تعالى وإذا فضيتم مناسككم وقضيهن سبع سموت ويستلزمه الفراغ منه كما أيد يقوله تعالى أيما الأجلين قضيت وفي ازالة الوسخ الفراغ منه وقال البغوي قال ابن عمرو ابن عباس قضاء التفث مناسك الحج
الجمع بين الأحاديث متى أمكن اولى من ترك العمل على بعضها فنحمل اثر ابن عباس وهو في حكم المرفوع وقد بلغ بالاعتصام درجة الحسن على ترك الترتيب عمدا وما احتج به الشافعي على الجهل والنسيان فقلنا الترتيب واجب لكن يسقط بالجهل والنسيان كالترتيب في الفوائت من الصلوات واجب عند ابى حنيفة ويسقط بالنسيان والإمساك في الصوم واجب ويسقط بالنسيان وتكبيرات التشريق واجبة تسقط بالنسيان. مسئلة الحلق من واجبات الإحرام ليس بركن عند ابى حنيفة رحمه الله وقال الشافعي رحمه الله وبعض العلماء انه ركن من اركان الحج وفي رواية ضعيفة عن الشافعي وهى رواية عن ابى يوسف وعن احمد وبه قال بعض المالكية انه ليس بنسك بل امر مباح وحجتنا وحجة الشافعي هذه الآية فانه امر بقضاء التفث والمراد به الحلق والأمر للوجوب فكان ركنا عنده قلنا ثبوته وان كان بالآية القطعية لكن دلالة الآية عليه انما هى بتأويل ظنى لاختلاف في تفسير الآية فلا يوجب القطع وايضا قال الشافعي الحلق تحلل من الإحرام والإحرام ركن للحج فكذا التحلل عنه كالسلام في الصلاة فانه ركن عند الشافعي قلنا كون الإحرام شرطا وركنا للحج لا يستلزم كون التحلل عنه كذلك وكون السلام ركنا ممنوع عندنا وايضا هذا قياس مع الفارق لان النبي صلى الله
بالمحظورات كما يبطل إحرام الصلاة الا ترى ان الجماع قبل الوقوف بعرفة يوجب الفساد حتى يجب عليه القضاء ولا يوجب البطلان حتى يجب المضي في الفاسد- مسئله أول وقت الحلق الرمي من طلوع الفجر الثاني يوم النحر وعند الأكثر بعد نصف الليل من ليلة النحر لنا حديث عروة بن مضرس فيه قال رسول الله ﷺ من شهد معنا هذا الصلاة صلوة الفجر بمزدلفة وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك ليلا او نهارا فقدتم حجه وقضى تفثه رواه اصحاب السنن الأربع والحاكم وقال صحيح على شرط كافة اهل الحديث ولم يحرجاه على أصلهما لان عروة بن مضرس لم يرو عنه الا الشعبي وقد وجدنا عروة ابن الزبير قد حدث عنه واختلفوا في اخر وقته فقال الشافعي وابو يوسف ومحمد واكثر العلماء لا آخر لوقته واختلفوا ايضا في ان الحرم هل هو شرط للحلق فقال ابو يوسف وزفر واكثر العلماء ليس بشرط وقال ابو حنيفة للحلق اعتبار ان أحدهما انه محل للاحرام وثانيهما انه نسك من مناسك الحج فباعتبار انه محلل لا آخر لوقته ولا يختص ايضا بمكان وباعتبار انه نسك يختص بيوم النحر وبالحرم لانه كونه عبادة لا يدرك بالرأى فيراعى خصوصياته الواردة من الشارع وهو الزمان والمكان واما كونه محللا فامر يدرك بالرأى لان المحلل انما يكون ما يكون جناية في غير او انه وهو كذلك فان وجد الحلق بعد وقته او في غير الحرم يكون محللا من إحرامه ولا يكون عبادة فيلزم الدم لترك نسك واجب واحتج ابو يوسف بان النبي ﷺ قال اذبح ولا حرج لمن قال حلقت قبل ان اذبح وانه ﷺ حلق عام الحديبية بالحديبية وهى من الحل قلنا قوله ﷺ اذبح ولا حرج لمن قال حلقت قبل ان اذبح لبيان سقوط الترتيب لعلة الجهل والنسيان لا لتعميم الزمان لان يوم النحر كان موجودا عند السؤال لانه كان بعد الظهر يوم النحر وحلق النبي ﷺ بالحديبية لم يكن عند ابى حنيفة نسكا بل ليعرف استحكام الانصراف
والحديثان في الصحيحين وَلْيُوفُوا قرأ ابن ذكوان بكسر اللام والباقون بإسكانها وقرأ أبو بكر عن عاصم ليوفوا بتشديد الفاء من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال
عين المنذور به لانه إذا أراد وجود الشرط أراد وجود النذر فكان المعلق في معنى المنجز فيندرج في حكمه وهو وجوب الإيفاء وعدم جواز العدول عنه الى الكفارة فصار محمل ما يقتضى الإيفاء المنجز ونذر التردد ومحمل ما يقتضى اجزاء الكفار نذر اللجاج ومذهب احمد فيه هكذا التفصيل الّذي اختاره صاحب الهداية وهو اظهر اقوال الشافعي كذا في المنهاج وفي رواية عنها نذر اللجاج يوجب الكفارة لا غير وفي قول للشافعى فيه إيفاء لا غير مسئلة يشترط للوجوب بالنذر عند ابى حنيفة ان يكون من جنسه واجب بايجاب الله تعالى وفي المنهاج للشافعى ان الصحيح عند الشافعي انعقاد بكل طاعة وان لم
ابو حنيفة إذا قصد به اليمين ينعقد للكفارة والا يلغو ضرورة انه لا فائدة في انعقاده وليس هو مراد بهذه الآية ومامورا بالإيفاء اجماعا فان الله لا يأمر بالفحشاء وبه قال مالك والشافعي وقال احمد ينعقد النذر لاجل الكفارة سواء نوى به اليمين اولا قال ابن همام وعليه مشى اكثر مشايخ الحنفية وبه قال الطحاوي انه لو أضاف النذر الى سائر المعاصي كقوله لله على ان اقتل فلانا كان يمينا ولزمته الكفارة بالحنث قلت وذلك لانه لما تعذر حمل اللفظ على معناه الحقيقي وجب حمله على المعنى المجازى وهو مقتضى قوله ﷺ لانذر في معصية وكفارته كفارة اليمين ومحمل الحديث عند ابى حنيفة إذا نوى به اليمين ومنها ما كان من جنسه طاعة خالصة عن العصيان كالنذر بصوم يوم العيد والصلاة عند طلوع الشمس وهذا القسم من النذر ينعقد عند ابى حنيفة رحمه الله وعليه ان يفطر ويقضى ولا كفارة عليه وان صام أجزأه وان نوى يمينا مع نفى النذر فعليه كفارة يمين والا فعليه القضاء والكفارة جميعا كما ذكرنا في النذر بالطاعة وقال احمد عليه ان يفطر ويقضى ويكفر وان صام لا يجزيه وعنه ان صام أجزأه وقال مالك والشافعي لا ينعقد هذا النذر كالنذر بالنوع الاول من المعصية المحضة إذ لا فرق بين معصية ومعصية وما نهى الله عنه لا يجب بايجاب العبد وجه الفرق لابى حنيفة انه نذر الصوم وهو مشروع بأصله وانما النهى فيه لغيره وهو ترك اجابة دعوة الله فينعقد نذره ويجب عليه
شيء.
(مسئلة) ولو قال لله على ان اهدى هذه الشاة الى بيت الله وأشار الى شاة مملوكة لغيره
قالوا لا قال فهل كان فيها عيد من أعيادهم قالوا لا فقال رسول الله ﷺ أوف بنذرك فانه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم رواه ابو داود بسند صحيح وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن حده ان امرأة قالت يا رسول الله انى نذرت ان اضرب على راسك الدف قال او في بنذرك رواه ابو داود وزاد ارين قالت يا رسول الله ونذرت ان اذبح بمكان كذا وكذا مكان يذبح فيه اهل الجاهلية قال هل كان بذلك المكان وثن من أوثان الجاهلية يعبد قالت لا قال هل كان فيه عيد من أعيادهم قالت لا قال او في بنذرك قلت الأمر بالإيفاء هاهنا ليس للوجوب اجماعا جمعا بين هذه الأحاديث وقوله ﷺ انما النذر ما ابتغى به وجه الله ونظرا الى ان ما ليس بطاعة لا يصلح للوجوب ولا لكونه تحية بوجه الله تعالى فالامر هاهنا للاباحة وإذا كان ترك المعصية فيما كان النذر بالمعصية موجبا للتكفير نظرا الى المعنى فههنا اولى مسئلة من نذر بطاعة
يوسف وزفر نحن نقول بهذا الحديث انه من نذر ان يصلى ببيت المقدس جاز له ان يصلى بالمسجد الحرام وقد كان رسول الله ﷺ يوم الفتح بالمسجد الحرام واما من نذر ان يصلى في المسجد الحرام فصلى في غير ذلك كيف يجوز وقد قال رسول الله ﷺ صلوة الرجل في بيته بصلوة وصلوته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلوة وصلوته في المسجد الّذي يجمع فيه بخمس مأته صلوة وصلوته في المسجد الأقصى بألف صلوة وصلوته في مسجدى بخمسين الف صلوة وصلوته في المسجد الحرام مأته الف صلوة رواه ابن ماجه من حديث انس وفي الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ صلوة في مسجدى خير من الف صلوة فيما سواه الا المسجد الحرام وروى الطحاوي عنه وعن سعد بن ابى وقاص وعن عائشة وعن ميمونة وعن ابى سعيد الخدري كلهم عن النبي ﷺ مثل حديث الصحيحين عن ابى هريرة وروى الطحاوي عن عطاء ابن الزبير قال قال رسول الله ﷺ صلوة في مسجدى هذا أفضل من الف صلوة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام وصلوة في ذلك أفضل من مأته الف صلوة في هذا وعن عمر بن الخطاب موقوفا وعن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله فاجاب ابو حنيفة ان هذه الأحاديث مختصة بالمكتوبات فان فضل المكتوبات في المساجد على الترتيب المذكور حق وليس ذلك في النوافل حيث قال رسول الله ﷺ أفضل صلوة المرء في بيته الا الصلاة المكتوبة رواه الشيخان في الصحيحين من حديث زيد بن ثابت وروى ابو داود والترمذي عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله ﷺ صلوة المرأ في بيته أفضل عن صلوته في مسجدى هذا الا المكتوبة وذكر الطحاوي حديث عبد الله بن سعد مرفوعا لان أصلي في بيتي أحب الى من ان أصلي في المسجد مسئلة من قال إذا قدم غابئى او شفى مريضى فلله على صوم شهر يجب عليه صيام شهر بعد وجود الشرط فلو صام عنه قبل وجود الشرط لم يجز ويجب عليه الاعادة خلافا للشافعى رح لان الشرط عندنا مانع من انعقاد السبب والأداء قبل وجود السبب لا يجوز وعنده مانع من الحكم دون السبب فيجوز الأداء كما يجوز الزكوة بعد النصاب قبل الحول مسئلة لو أضاف الوجوب الى الوقت جاز تقديمه على ذلك الوقت عند ابى حنيفة وابى يوسف رحمهما الله خلافا لمحمد هو يقول الاضافة الى الوقت كالتعليق بالشرط وهما يقولان ليس كذلك بل هو إيجاب منجز مقيدا بقيد والقيود ملغاة كمن قال لله على ان أصلي في السوق
خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء رواه ابو داود من حديث ابن عباس وقال رسول الله ﷺ ما من ايام أحب الى الله ان يتعبد له فيها من ايام العشر وان صيام يوم منها ليعدل سنة وليلة منها بليلة القدر رواه ابن ماجه من حديث ابى هريرة وهذا الحديث ضعيف وقال رسول الله ﷺ أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلوة الليل رواه مسلم واصحاب السنن الأربعة عن ابى هريرة والروياني في مسنده والطبراني عن جندب- مسئلة من نذر ان يحج ماشيا ذكر في المبسوط من مذهب ابى حنيفة انه مخير بين الركوب والمشي يعنى لا يجب عليه المشي وبه قال قوم وهذا القول مبنى على ما سبق انه من نذر بطاعة وشرط فيه ما ليس بطاعة لا يلزمه الشرط وفي القدورى واكثر المتون انه يمشى ولا يركب حتى يطوف طواف الزيارة واختلفوا في محل ابتداء المشي فقيل من الميقات لان شروع الحج من هناك والأصح انه من بيته لانه المراد عرفا الا ان ينوى خلاف ذلك فعليه مانوى قال صاحب الهداية هذا يعنى ما ذكر في القدورى اشارة الى وجوب المشي بالنذر قال الطحاوي وبه قال ابو حنيفة وابو يوسف ومحمد والحجة لاهل المقالة الاولى اما على من يقول الحج راكبا أفضل من الحج ماشيا فظاهر ان المنذور لا بد ان يكون عبادة وفي المشقى الاولى
المثل ولا يعاد العبادة والإيعاد تلك العبادة ولما لم يدرك للتتابع في الصيام والقيام
وفي غير ذلك قوله كقولنا وقال زفر يلزمه الركعتان ان نذر ثلثا ولا يلزمه شيء فيما سوى ذلك لان الصلاة بلا وضوء او بلا قراءة او ركعة منفردة او مع شفع يقدمها ليست بقربة فلا يجوز به النذر قلنا الالتزام بالشيء يستلزم استلزام ما لا صحة له الا به والله اعلم مسئلة من نذر ان يحج ماشيا فحج راكبا بعذر او بلا عذر واهدى بدنة هل يجب عليه الكفارة أم لا قال ابو حنيفة لا يجب عليه الكفارة الا إذا نوى به اليمين والخلاف في هذه المسألة مثل الخلاف في فوات اصل المنذور وقد مر من قبل مسئلة من نذر ان يعتكف قال ابو حنيفة ومالك يجب عليه ان يصوم ويعتكف وقال الشافعي واحمد لا يجب عليه الصوم ومبنى الخلاف على اختلافهم في انه بل يشترط الصوم للاعتكاف أم لا فقال الشافعي واحمد لا يشترط ويصح الاعتكاف بغير صوم وبالليل واقله ساعة وقال مالك يشترط وهو رواية عن احمد ورواية الحسن عن ابى حنيفة وفي الأصل مذهب ابى حنيفة ان الصوم شرط لصحة الواجب من الاعتكاف دون التطوع منه وبه قال محمد والحجة على اشتراط الصوم للاعتكاف ما رواه الدار قطنى والبيهقي عن سويد بن عبد العزيز عن سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ ولا اعتكاف الا بصوم قال الدار قطنى تفرد به سويد عن سفيان وقال احمد سويد متروك الحديث وقال البخاري في حديثه نظر وقال يحيى ليس بشيء وسفيان قال يحيى لم يكن بالقوى وقال ابن حبان يروى عن الزهري المقلوبات قلت قال الذهبي صدوق
عليينة وحماد بن سلمة وغيرهم وما قال ابن همام ان ابن بديل ثقة قال فيه ابن معين صالح وذكره ابن حبان في الثقات- قلت لم يذكر الذهبي في ترثيقه شيئا بل قال
اخر ينبغى ان يحكم بوجوب الاعادة- كمن وجب عليه الحج ولم يحج وعجز عن الحج فاحج عنه غير ثم قدر على الحج بنفسه بطل حينئذ احجاج الغير ولزمه ان يحج بنفسه- قلنا قال ابو حنيفة ان اشتراط الصوم للاعتكاف ثبت بالنص كما ذكرنا فكان القياس ان لا يتادى الاعتكاف المنذور في رمضان أصلا لانه إذا وجب الاعتكاف بالنذر وجب الصوم مقصودا ايضا شرطا له والصوم المنذور مقصودا لا يتادى في رمضان لكون الوقت مشغولا بحق الله تعالى فلا يتأدى
(٢) وفي الأصل رمضانا آخر.
في حالة الاستغناء- ومن نذر ان يتصدق بملكه لزمه ان يتصدق بالجميع عند ابى حنيفة وصاحبيه كذا في الهداية- وقال احمد وزفر والشافعي يجب التصدق بالجميع في الصورتين- وقال مالك يلزمه في الصورتين ان يتصدق بثلث ما يملكه لحديث ابى لبابه انه قال
لا يرفع الوجوب بعد الثبوت قلنا إذا ذكر الهدى مطلقا يعتبر هناك ذكر البيت او مكة مقدرا فيوجب وإذا نص على المسجد او الحرم تعذر الإضمار فلا يوجب مسئلة لو قال ثوبى هذا ستر للبيت او اضرب به حطيم البيت يلزمه استحسانا لانه يراد بهذا اللفظ هدية عرفا مسئلة من قال ان اشتريت هذه الشاة (وأشار الى شاة مملوكة لغيره) فعلىّ ان اهدى الى الكعبة قال الشافعي لا يلزمه الوفاء لان التعليق عنده يمنع الحكم دون السبب عن الانعقاد- فعند انعقاد السبب الشاة مملوكة لغيره فيلغو النذر بها لقوله ﷺ لا نذر فيما لا يملكه ابن آدم- وعند ابى حنيفة يلزم لان التعليق عنده يمنغ السبب عن الانعقاد وانما ينعقد بعد وجود الشرط يعنى بعد الشراء فلا يلغوا (مسئلة) من قال لله علىّ ان اذبح نفسى او ولدي او عبدى يلزمه شاة استحسانا عند
من أيدي الجبابرة الى تخريبه فلم يظهر عليه جبار قط- اخرج الترمذي وحسّنه عن ابن الزبير قال قال رسول الله ﷺ انما سمى البيت العتيق لانه لم يظهر عليه جبار لكن يردّ هذا القول حديث ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة- متفق عليه- وحديث ابن عباس عن النبي ﷺ قال كانى به اسود افحج يقلعها حجرا حجرا- رواه البخاري وحديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ﷺ اتركوا الحبشة ما تركوكم فانه لا يستخرج كنز الكعبة الا ذو السويقتين من الحبشة رواه ابو داود والحاكم وصححه- فان هذه الأحاديث تدل على تسلط جبار عليه في المستقبل- وذلك ينافى كونه عتيقا بهذا المعنى- وقيل سمى عتيقا لان الله اعتقه من الغرق فانه رفع ايام الطوفان- وقال ابن زيد والحسن سمى عتيقا لانه قديم وهو اوّل بيت وضع للنّاس يقال دينار عتيق اى قديم وقيل العتيق بمعنى الكريم يقال عتاق الخيل لكرامها- وعتق الرقيق خروجه من ذلّ العبودية الى كرم الحرية- والمختار عندى قول سفيان بن عيينة انه سمى عتيقا لانه غير مملوك لبشر ولم يملك قط بل لم يملك ما حوله من الحرم سواء العاكف فيه والباد- اعلم ان الطواف بالبيت عبادة معقولة مقصودة كالصلوة- منها ما هو فريضة ركن للحج والعمرة ومنها ما هو واجب كطواف القدوم والصدر على ما نذكر فيه من الاختلاف
(٢) الاولى فان صاماها لذا. الفقير الدهلوي.
لحجى ثم بقيت حراما ما أقمنا اصنع كما يصنع الحاج حتى قضيت اخر نسكى- قال هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم- ومسند الامام ابى حنيفة بين جامعه وبين الامام رجال لا يعرف حالهم فاحاديث المسند لا يصلح ان يعارض ما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس انه لم يقرب بطوافه بها حتى رجع من عرفة والله اعلم ولما ثبت ان النبي ﷺ كان قارنا ولم يطف حين قدومه سوى طواف العمرة- ظهر ان طواف القدوم ليس ركنا من اركان الحج ولا واجبا مستقلّا برأسه بل هو سنة مثل ركعتى تحية المسجد يتادى في ضمن واجب او سنة اخر- الا ترى انه من اتى المسجد وصلى فريضة او سنة موكدة
يشترط تجديدها كما في افعال الصلاة- الا انه ما كان من المناسك عبادة مستقلة كالطواف وركعتى الطواف ويشترط تجديد مطلق النية عند شروعه لان الصلاة والطواف لكل منهما جهتان عبادة في نفسه وجزء عبادة- فمن حيث انه عبادة في نفسه لا بد فيه من اقتران النية باول جزء من اجزائه- ومن حيث انه جزء عبادة يكفيه النية السابقة المقترنة للاحرام- فعملنا بالشبهين وقلنا لا بد فيه مطلق النية عند الشروع لانه عبادة ولا يشترط تعيين النية لانه جزء من عبادة- وما ليس بعبادة الا من حيث كونه جزء للحج كالوقوف بعرفة والسعى بين الصفا والمروة فقلنا انه لا يشترط اقتران النية به بل يكفيه اقتران النية بالإحرام (مسئلة) من طاف حاملا غيره فان كان الحامل حلالا والمحمول محرما ونوى طواف المحمول ونوى المحمول طوافه او كان على العكس ونوى الحامل طواف نفسه أجزأه اجماعا- وان كان محرمين فان قصد للمحمول ففط فله وان طاف لنفسه فلنفسه
فالطواف قيل قبل الصلاة وقد قال رسول الله ﷺ الطواف بمنزلة الصلاة الا ان الله قد احلّ فيه النطق فمن نطق فلا ينطق الا بخير- رواه الحاكم في المستدرك وصححه والطبراني والبيهقي وروى ابو نعيم في الحلية المرفوع فقط وروى الترمذي والحاكم والدار قطنى وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وصححه ابن السكن قوله ﷺ الطواف بالبيت صلوة الا ان الله أباح فيه الكلام- وعند ابى حنيفة رحمه الله الطهارة عن الاخباث سنة وستر العورة والطهارة عن الأحداث واجب يا ثم بتركه ويجب بدنة ان طاف الفرض جنبا او عريانا ودم مطلقا- ان طاف للفرض محدثا او غيره جنبا او عريانا- وصدقة بنصف صاع من بر على مسكين ان طاف غير الفرض محدثا- وليس شيء من ذلك شرطا عنده لان ثابت بالكتاب مطلق الطواف والزيادة على الكتاب في حكم النسخ عنده ولا يجوز
اهله وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس- رواه الترمذي وقال هذا الحديث صحيح وأخرجه ابو داود والنسائي والطحاوي وابن حبان من طريق الحسن الغربي وهو حديث حسن وأخرجه الترمذي والطحاوي وله طرق اخر عند ابى داود والنسائي والطحاوي وابن حبان يقوى بعضها بعضا وايضا الافاضة معطوفة في حديث عائشة على الرمي بكلمة ثم والفاء فلا يدل تقدم الافاضة على طلوع الفجر- واخر وقته عند ابى حنيفة الى غروب الشمس من ثانى ايام التشريق وقيل وقته يوم النحر خاصة- وقد ذكرنا في سورة البراءة في تفسير قوله تعالى وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ «١» إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ان عند الجمهور هو يوم النحر رواه ابو داود والحاكم وصححه من حديث ابن عمر مرفوعا وهو المروي عن على عليه السلام- وروى بن جريج عن مجاهد يوم الحج الأكبر ايام منى كلها وكان الثوري يقول يوم الحج الأكبر ايام منى كلها مثل يوم صفين ويوم الجمل ويوم بعاث يراد به الحين من الزمان- (مسئلة) ومن شرائط الطواف الترتيب عند مالك والشافعي واحمد وبه قال محمد وهو ان يبتدى الطواف من الحجر الأسود يقوم مستقبلا بحيث يكون جميع الحجر عن يمينه فيطوف جاعلا للبيت عن يساره فلو طاف جاعلا للبيت عن يمينه لا يجوز ولو بدأ بغير الحجر لم يحتسب فاذا انتهى اليه ابتدأ منه- وقال ابو حنيفة الترتيب ليس بشرط
لانه من رواية يزيد بن ابى زياد وهو ليس بالقوى لا يحتج بحديثه وقد أنكره الشافعي وقال لا اعلمه اشتكى في هذه الحبة قلت ولو كان قدوم النبي ﷺ بمكة مشنكيا لكان شكواه مانعا من المشي في طواف القدوم ايضا- وقد صح عنه ﷺ من حديث جابر وغيره انه ﷺ طاف طواف القدوم فرمل ثلاثا ومشى أربعا- وصح عنه ﷺ انه سعى بين الصفا والمروة وكان يدور إزاره من شدة السعى- فثبت انه ﷺ انما طاف للزيارة راكبا لبيان الجواز وتعليم الناس مناسكهم واما طواف النافلة فيجوز عند الجمهور بلا كراهة ولعله مكروه على اصل ابى حنيفة- لنا انه ﷺ لما فتح ملة وطاف عند قدومه طاف على راحلته كما ذكرنا رواية البخاري في سورة الفتح- (مسئلة) والموالاة ليس بشرط في الطواف اجماعا بل هو سنة- روى سعيد بن منصور عن ابن عمر انه طاف بالبيت فاقيمت الصلاة فصلى مع القوم ثم قام فبنى على ما مضى من صوافه- وكذا روى عبد الرزاق عن عبد الرحمان بن ابى بكر وروى سعيد بن منصور عن عطاء انه كان يقول في الرجل يطوف بعض طوافه تم يحضر الجنازة فيخرج فيصلى عليها ثم يرجع فيقضى ما بقي من طوافه- وقال نافع طول القيام في الطواف بدعة وروى عن الحسن انه قال من أقيمت عليه الصلاة وهو في الطواف فقطعه انه يستانفه (مسئلة) ويكره قطع طواف فريضة وان أقيمت الصلاة المكتوبة- الا ترى الى حديث أم سلمة انها طافت للصدر والنبي ﷺ يصلى الصبح (مسئلة) يقطع الطواف النافلة لو أقيمت للفريضة او خاف فوت صلوة الجنازة او نحوها لا لعبادة نافلة والاولى ان يقطع على الوتر لما ذكرنا من اثر عبد الرحمان بن ابى بكر (مسئلة) يجب بعد كل أسبوع ركعتان عند ابى حنيفة وهو رواية عن مالك وأحد قولى الشافعي فيلزم بتركه دم- وقد ذكرنا المسألة وما يتعلق بها
(٢) والاضطباع ان يدخل جانب ردائه الايمن تحت إبطه الايمن ويلقيه على كتفه اليسرى فتكون كتفه اليمنى مكشوفة- الفقير الدهلوي-
ذلك
خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره محذوف- او فاعل لفعل محذوف او منصوب بفعل محذوف يعني الأمر ذلك او ذلك ثابت واجب الامتثال او وجب ذلك او عرفت ذلك او احفظ ذلك- وذلك اشارة الى ما سبق من الاحكام وهو وأمثاله يطلق المفصل بين كلامين.
وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ يعنى معاصى الله ومنهى عنه وتعظيمها ان يشق عليه اقترابها- فان المؤمن يرى خطيئته صدرت منه كمثل حبل على رأسه يخاف ان يقع عليه- وان المنافق يرى خطيئته كمثل ذباب على انفه فعل بيده هكذا فطارت كذا وقع في الحديث- وقال اللبث حرمات الله مالا يحل انتهاكها يعنى أوامر الله ونواهيه- وقال الزجاج الحرمة ما وحب القيام به وحرم التفريط فيه وذهب قوم الى ان معنى حرمات الله المناسك- وقال ابن زيد الحرمات هاهنا البلد الحرام والبيت الحرام والشهر الحرام فَهُوَ يعنى تعظيم الحرمات خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ثوابا وأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ تحريمه حيث قال حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ الاية يعنى فلم تحرمون منها البحيرة والسائبة والوصيلة والحامى- وهذه جملة معترضة فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ اى الرجس الّذي هو الأوثان سماه رجسا اى قذرا لان العقول والطباع السليمة يتنفر عنها كما يتنفر المرء عن القاذورات- فهو غاية المبالغة في النهى عن تعظيمها والتنفير عن عبادتها- وقيل هو بمعنى الرجز وهو العذاب سماه رجسا لانه سبب للتعذيب وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) يعنى الكذب مشتق من الزّور بفتح الزاء بمعنى الانحراف كما ان الافك من الافك بمعنى الصرف- فان الكذب منحرف مصروف عن الواقع- والمراد هاهنا قولهم الملائكة بنات الله والأوثان شفعاؤنا عند الله وقولهم في تلبيتهم لبّيك لا شريك لك الا شريكا تملكه وما ملكه- واللفظ عام يعم جميع انواع الكذب في الحكايات والمعاملات
الأسدي قال صلّى رسول الله ﷺ صلوة الصبح فلما انصرف قام قائدا فقال عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله ثلاث مرات- ثم قرأ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ. قال قتادة كانوا في الشرك يحجون ويمنعون البنات والأمهات والأخوات وكانوا ليسمون أنفسهم حنفاء والحليف عند العرب من كان على دين ابراهيم عليه السّلام فنزلت هذه الاية يعنى اجتنبوا الشرك وقول الزور حتى تكونوا على دين ابراهيم.
حُنَفاءَ لِلَّهِ اى مخلصين له الدين من الحنف محركة وهو الاستقامة كذا في القاموس والاستقامة على الحق هو الإخلاص لله والاعراض عما سواه غَيْرَ مُشْرِكِينَ به في العبادة ولا في اثبات وجوب الوجود والالوهية- يعنى من أشرك لا يكون حنيفا ولا على ابراهيم فانه لم يك من المشركين- قوله تعالى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مع ما عطف عليه معلوف على قوله وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ متفرع عليه وهو خير لفظا لكنه امر معنى فان معناه عظموا حرمات واجتنبوا الأوثان لان عبادة الأوثان من أعظم المحرمات وأشدها فعلا- والقول بما كان المشركون يقولونها ندبا أعظمها وأشدها قولا وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ غيره فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ يعنى ان عبادة الله تعالى كمال ورفعة لا رفعة فوقه- فيوفوق كل شيء كمن هو مستو على السماء فهو فوق كل شيء في الحس ولا يعد له غيره في الارتفاع- ثم إذا عبد مع الله غيره من الممكنات فكانّما سقط من السماء الى الحضيض- إذ لا مذلّة فوق من اذلّ نفسه حتى عبد حمكنا مثله بل دونه من الحجارة وأمثالها فَتَخْطَفُهُ قرا نافع بفتح الخاء وشديد الطاء من التفعيل للمبالغة والباقون بإسكان الخاء وتخفيف الظاء من المجرد الطَّيْرُ استعارة بالكناية أراد بالطير الاهوية المردية فانها تخطفه اى تسلبه وتوزع أفكاره أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ استعارة مثله أراد بالريح الشيطان فانه يهوى ويطرح به فِي مَكانٍ من الضلالة سَحِيقٍ (٢١)
ذلِكَ تفسيره مثل ما سبق وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ قال ابن عباس شعائر الله البدن والهدى وأصلها من الاشعار وهو اعلامها ليعرف انها هدى وتعظيمها استسمانها- وقد صح انه ﷺ اهدى مائة بدنة- وروى ابو داود ان عمر رضى الله عنه اهدى نجيبة طلبت منه بثلاث مائة دينار فَإِنَّها اى تعظيمها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) اى من افعال ذوى تقوى القلوب فحذف هذه المضافات- وذكر القلوب لانها منشأ التقوى والفجور والآمرة بهما.
لَكُمْ فِيها مَنافِعُ يعنى لكم في تلك الشعائر اى البدن والهدى منافع يعنى جاز لكم الانتفاع بها بركوبها والحمل عليها وشرب لبنها غير مضربها إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى وقت معلوم يعنى الى ان تنحروها كذا قال عطاء بن رباح وبه قال مالك والشافعي واحمد وإسحاق انه جاز ركوب الهدى والحمل عليها وشرب لبنها غير
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ اى جماعة مؤمنة سلفت منكم جَعَلْنا مَنْسَكاً قرأ حمزة والكسائي بكسر السين هاهنا وفي اخر السورة يعنى موضع نسك اى
الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ هيبة منه لاشراق أشعة جلاله عليها وعرفان عظمته وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ من المصائب وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ فى أوقاتها وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥) عطف على صلة اللام الموصول يعنى بشر الذين يقيمون الصّلوة وينفقون مما رزقنهم.
وَالْبُدْنَ جمع بدنة كخشب وخشبة قال الجزري في النهاية البدنة يقع على الجمل والناقة والبقرة وهى
لَنْ يَنالَ اللَّهَ الاية- واخرج ابن المنذر وابن مردوية عن ابن عباس قال كان المشركون إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء فينتضحون بها نحو الكعبة- فاراد المسلمون ان يفعلوا ذلك فانزل الله تعالى لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها قال مقاتل اى لن يرفع الله لحومها ولا دماؤها وَلكِنْ يَنالُهُ قرأ يعقوب لن تنال وتناله بالتاء المثناة من فوق فيهما والباقون بالياء المثناة من تحت اى ولكن يرفع الله التَّقْوى مِنْكُمْ يعنى الأعمال الصالحة المترتبة على التقوى والإخلاص المراد بها وجه الله كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ كرره تذكيرا للنعمة وتعليلا له بقوله لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ لتعرفوا عظمته باقتداره على مالا يقدر غيره فتوحدوه بالكبرياء شكرا عَلى ما هَداكُمْ أرشدكم الى معالم دينه ومناسك حجه والى طريق تسخيرها وكيفية التقرب بها- وما مصدرية او موصولة وعلى متعلقة بتكبر والتضمنه معنى الشكر- وقيل المراد التكبير عند الاحلال والذبح على انعام هداكم الله الى تسخيرها وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧) قال ابن عباس يعنى الموحدين عطف على بشّر المخبتين.
إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ «١» عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا قرأ ابن كثير وابو عمرو يدفع بفتح الياء والفاء واسكان الدال والمفعول محذوف- اى يدفع غائلة المشركين عن المؤمنين ويمنعهم من المؤمنين والباقون يدافع من المفاعلة اى يبالغ في الدفع مبالغة من يغالب فيه إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ اى يبغض كُلَّ خَوَّانٍ في امانة الله كَفُورٍ (٣٨) لنعمته قال ابن عباس خانوا الله يعنى كفار
أُذِنَ قرأ نافع وعاصم وابو عمرو على البناء للمفعول والباقون على البناء للفاعل اى اذن الله ورخّص في القتال لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء على البناء للمفعول يعنى للمؤمنين الذين يقاتلهم المشركون والباقون بكسر التاء على البناء للفاعل يعنى للمؤمنين الذين اذن لهم في الجهاد وان يقاتلوا الكفار- قال البغوي قال المفسرون كان مشركوا مكة يؤذون اصحاب رسول الله ﷺ فلا يزالون يجيئون بين مضروب ومشجوج ويشكون ذلك الى رسول الله ﷺ فيقول لهم اصبروا فانى لم اومر بالقتال فنزلت هذه الاية بالمدينة- واخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردوية والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس انها أول اية نزلت في القتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين اية- وأخرجه ابن ابى حاتم عن عروة بن الزبير- وأخرجه عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري وقال البغوي قال مجاهد نزلت هذه الاية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة الى المدينة فكانوا يمنعون فاذن الله لهم في قتال الكفار والذين يمنعونهم من الهجرة بِأَنَّهُمْ اى أذنوا في القتال بسبب انهم ظُلِمُوا اى اعتدوا عليهم «١» بالإيذاء
الَّذِينَ «١» أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ الّتي كانت لهم بمكة الموصول مجرور بدل من الموصول في أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ او منصوب بتقديرا عنى او امدح او مرفوع بتقدير المبتدا اى هم الذين اخرجوا «٢» وعلى جميع التقادير المال واحد بِغَيْرِ حَقٍّ استحقوا به الجلاء إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ان مع صلته في محل الجر بدل من الحق استثناء منه واطلاق الحق عليه مبنىّ على زعمهم الباطل- والفرض منه التنبيه على وضوح ظلمهم وكونهم على الباطل حيث زعموا ما هو بديهىّ البطلان وهو استحقاق الإخراج بالتوحيد حقّا وهذا نظير قوله فلان لا خير فيه الا انه يسئ بمن يحسن اليه يعنى انه يزعم الاساءة
(٢) الى المدينة يعنى محمدا ﷺ وأصحابه كذا قال ابن عباس- ازالة الخفاء منه رح.
وبلدة ليس بها أنيس... الا اليعافير والا العيس
وقيل هذا استثناء منقطع بمعنى لكنهم اخرجوا بسبب قولهم ربّنا الله وهذا القول حق فالاخراج به إخراج بغير حق- وجاز ان يكون استثناء من كلام محذوف تقديره ما اخرجوا الشيء الا بان قالوا ربّنا الله وهذا القول حق فالاخراج به إخراج بغير حق فهو في مقام التعليل لما سبق وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ «١» النَّاسَ بَعْضَهُمْ بدل من الناس بِبَعْضٍ اى ببعضهم بتسليط المؤمنين منهم على الكافرين- قرأ نافع لولا دفاع الله بكسر الدال والف بعد الفاء بمعنى المدافعة للمبالغة والباقون بفتح الدال واسكان الفاء من غير الف لَهُدِّمَتْ قرأ نافع وابن كثير بتخفيف الدال والباقون بتشديدها صَوامِعُ ادغم حمزة والكسائي وابو عمرو وابن ذكوان تاء هدمت في الصاد ولم يدغم غيرهم «٢» قال مجاهد والضحاك يعنى صوامع الرهبان وقال قتادة صوامع الصابئين وَبِيَعٌ جمع بيعة وهى كنيسة النصارى وَصَلَواتٌ وهى كيائس اليهود يسمونها بالعبرانية صلوة وَمَساجِدُ المسلمين من امة محمّد ﷺ ومعنى الاية لولا دفع الله الناس لهدمت في كل شريعة نبي مكان عبادتهم فهدمت في زمن موسى الكنائس وفي زمن عيسى البيع والصوامع وفي زمن محمد ﷺ المساجد يُذْكَرُ فِيهَا اى في المساجد او في جميع الاربعة اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً صفة لمصدر محذوف اى ذكرا كثيرا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ اى ينصر دينه جواب قسم محذوف والجملة معترضة للوعد- إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ على نصرهم عَزِيزٌ (٤٠) لا يمكن ممانعته تأكيد للوعد
(٢) وفي الأصل غيره.
.
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يا محمد يعنى كفار مكة فَقَدْ كَذَّبَتْ تعليل لجزاء محذوف لشرط مذكور تقديره فان كذبوك فلا تحزن لانه ليس بامر مبدع فقد كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ جملة معترضة لتسلية النبي ﷺ وَكُذِّبَ مُوسى غيّر فيه النظم وبنى للمفعول لان قومه بنى إسرائيل لم يكذبوه وانما كذبه القبط ولان تكذيبه كان اشنع لكون آياته أعظم واشيع فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ اى أمهلتهم وأخرت عقوبتهم عطف على كذبت ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بالعذاب عاقبة أمرهم فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) اثبت الياء ورش في الوصل حيث وقعت والباقون حذفوها- يعنى كيف كان إنكاري عليهم بتغيير النعمة محنة والحيوة هلاكا والعمارة خرابا استفهام للتعجيب او التهويل او التقرير اى هو واقع موقعه.
فَكَأَيِّنْ فكم مِنْ قَرْيَةٍ كلمة كاين مرفوع بالابتداء او منصوب بإضمار فعل يفسره أَهْلَكْناها قرأ ابو عمرو ويعقوب أهلكتها بتاء مضمومة على صيغة المتكلم المتوحد والباقون بنون مفتوحة والف بعدها على التعظيم- يعنى أهلكنا أهلها حذف المضاف
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ عطف على محذوف تقديره الم يخرجوا من بيوتهم فلم يسيروا في الأرض فَتَكُونَ منصوب بتقدير ان معطوف على مصدر مدلول تضمنا لقوله أَفَلَمْ يَسِيرُوا- يعنى الم يحصل منهم خروجهم من بيوتهم وسير في الأرض لان تكون لَهُمْ قُلُوبٌ وتكون اما تامة ولهم حال من فاعله- واما بمعنى تصير والظرف خبره وبعده اسمه يَعْقِلُونَ بِها صفة لقلوب والمفعول محذوف والمعنى يعقلون بها ما يجب تعقله من التوحيد بما حصل لهم من الاستبصار والاستدلال أَوْ آذانٌ عطف على قلوب يَسْمَعُونَ بِها الاستفهام للانكار والإنكار راجع الى كون قلوبهم عاقلة بعد السير وآذانهم سامعة للحق وفيه حثّ على التعقل والاستماع فَإِنَّها الضمير للقصة او مبهم يفسره الابصار في قوله تعالى لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وفي تعمى ضمير راجع الى الابصار المقدم رتبة او الظاهر أقيم مقامه- والفاء للتعليل اى تعليل استعقاب السير كون قلوبهم عاقلة وآذانهم سامعة- يعنى ليست أبصارهم عامية حتى لا يروا مشاهد الآثار الأمم الخالية بعد السير ولمّا كان حال الكفار من عدم الاعتبار بعد ظهور الآيات ومشاهدة الآثار شاهدا على ونهم عميانا وموجبا لانكار السامع لابصارهم أكد هذه الجملة بانّ وضمير القصة او الضمير المبهم المفسر بما بعده انزالا للسامع منزلة المنكر لنفى العمى- ثم قال استدراكا لدفع توهم نفى العمى عنهم مطلقا وازاحة لشبهة حارت عقول العقلاء في انهم يرون آيات التوحيد ولا يعتقدون به ويسمعون براهين التحقيق ولا يصغون إليها وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) ذكر الصدور للتأكيد ونفى احتمال التجوّز كما في قوله تعالى طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ وفيه تنبيه على ان العمى الحقيقي ليس المتعارف الّذي يخص البصر- قال قتادة البصر الظاهر بلغة ومتعة وبصر القلب هو البصر النافع قال رسول الله ﷺ شر العمى عمى القلب رواه البيهقي
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ المتوعد به هذه الاية في مقام الاستشهاد على عمى قلوبهم فان استعجال العذاب دليل على العمى قال البغوي نزلت في النضر بن الحارث حيث قال إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ... وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ لامتناع الخلف في خبره فيصيبهم ما أوعدهم به البتة ولو بعد حين لكونه صبورا لا يعجل بالعقوبة وانجر الله الوعد يوم بدر والجملة حال او معترضة وكذا قوله وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ حال او معترضة كانّه قال لم تستعجلونه وهو لا يجوز فواته وهذه الاية تدل على انه كما لا يجوز الخلف في وعده لا يجوز التخلف في وعيده ايضا- وذالا ينافى المغفرة فان آيات الوعيد مخصوصة بالنصوص والإجماع بمن لا يتداركه المغفرة وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي يعدّون بالياء التحتانية هاهنا لقوله ويستعجلونك- وقرأ الباقون بالتاء الفوقانية لانه أعم لانه خطاب للمستعجلين والمؤمنين جميعا- قال ابن عباس في رواية عطاء معنى الاية ان يوما عنده تعالى والف سنة في الامهال سواء- لانه قادر متى شاء أخذهم لا يفوته شيء بالتأخير فيستوى في قدرته وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخيره وقيل معناه ان يوما من ايام العذاب الّذي استعجلوه في الثقل والاستطالة والشدة كالف سنة مما تعدون فكيف يستعجلونه- وهذا كما يقال ايام الهموم طوال وايام السرور قصار- وقيل انه
الناس بنصف يوم وانّ يوما عند ربك كالف سنة- رواه احمد والترمذي وحسنه وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مائة عام ونصف يوم رواه الترمذي.
وَكَأَيِّنْ اى وكم مِنْ قَرْيَةٍ اى من اهل قرية حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه في الاعراب وإرجاع الضمائر والاحكام مبالغة في التعميم- وأورد هذه الجملة معطوفة بالواو على قوله يَسْتَعْجِلُونَكَ... وَلَنْ يُخْلِفَ لانه في مقام الاستشهاد لعدم التخلف وبيان ان المتوعد به واقع لا محالة- والتأخير مبنى على عادة الله سبحانه فان كثير من القرى أَمْلَيْتُ اى أمهلت لَها كما امهلتكم وَهِيَ ظالِمَةٌ مثلكم حال من القرية ثُمَّ أَخَذْتُها بالعذاب وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) يعنى الى حكمى مرجع الجميع-.
قُلْ يا محمّد لكفار مكة يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ يعنى لست بقادر على إتيان العذاب مُبِينٌ (٤٩) أوضح لكم ما أنذركم به ولمّا كان الخطاب مع المشركين المستعجلين بالعذاب وانما كان ذكر المؤمنين وثوابهم زيادة في غيظهم اقتصر على ذكر الانذار- ويمكن ان يقال ان الانذار مقدم على الابشار وعام للفريقين والابشار يخص بمن أطاعه بعد ما أطاعه ولذلك اقتصر عليه روى الشيخان في الصحيحين عن ابى موسى الأشعري قال قال رسول الله ﷺ انما مثلى ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل اتى قوما فقال يا قوم انى رايت الجيش بعيني وانّى انا النذير العريان فالنجا النجا فاطاعه طائفة من قومه فادلجوا «١» وانطلقوا على
فَالَّذِينَ آمَنُوا بما جئت به وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ على حسب ما امرتهم لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لما سلف منهم قال رسول الله ﷺ ان الإسلام يهدم ما كان قبله- رواه مسلم عن عمرو بن العاص وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) اى الجنة.
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا بالرد والابطال مُعاجِزِينَ حال من فاعل سعوا قرأ ابن كثير وابو عمرو معجّزين بالتشديد من التفعيل هاهنا وفي سورة سبا اى مثبطين الناس عن الايمان ينسبونهم الى العجز والباقون بالألف من المفاعلة اى معاندين مشاقين قال قتادة معنى معجزين ظانّين مقدرين انهم يعجزوننا بزعمهم ان لا بعث ولا نشر ولا جنة ولا نار او معنى يعجزوننا اى يفوتوننا فلا نقدر عليهم- وقيل معنى معاجزين مغالبين يريدون ان يظهروا عجزنا عن ادراكهم- قلت يمكن ان يكون معناه معاجزين الرسول فانه يمنعهم عن دخول النار وهم يقتحمون فيها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (٥١) روى الشيخان في الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ مثلى كمثل رجل استوقد نارا فلمّا أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب الّتي تقع في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها فانا أخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها- واللفظ للبخارى ولمسلم نحوه قال البغوي قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي وغيرهما من المفسرين انه لما راى رسول الله ﷺ تولّى قومه عنه وشق عليه ما راى من مباعدتهم عما جاء به من الله عزّ وجلّ تمنى في نفسه ان يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على ايمانهم فكان يوما في مجلس لقريش فانزل الله سورة النجم فقراها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ الاية يعزيه وكان به رحيما- وسمع من كان بحبشة من اصحاب رسول الله ﷺ وبلغهم سجود قريش وقيل أسلمت قريش واهل مكة فرجع أكثرهم الى عشائرهم وقالوا هم أحب إلينا حتى إذا دنوا من مكة بلغهم ان الّذي كانوا تحدثوا به من اسلام اهل مكة كان باطلا فلم يدخل أحد الا بجوار او مستخفيا مِنْ رَسُولٍ من زائدة للتعميم قال البغوي الرسول هو الّذي يأتيه جبرئيل عيانا وَلا نَبِيٍّ هو الّذي يكون نبوته إلهاما او مناعا وقيل الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كانبياء بنى إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى فكل رسول نبى وليس كل نبى رسولا- عن ابى ذر قال قلت يا رسول الله اىّ الأنبياء كان اوّل قال آدم قلت يا رسول الله ونبى كان قال نعم نبى مكلّم قلت يا رسول الله كم المرسلون قال ثلاثمائة وبضعة عشر جمّا غفيرا- وفي رواية عن ابى امامة
تمنى كتاب الله اوّل ليلة | وآخرها لاقى حمام المقادر |
- وثانيهما ما أخرجه ايضا من طريق المقيم بن سليمان وحماد بن سلمة عن داود عن ابى هند عن ابى العالية- قلنا اختلف العلماء في الجواب عن الاشكال فقال بعضهم ان الرسول لم يقرأه ولا سمع منه أصحابه ولكن الشيطان القى ذلك بين قراءته في اسماع المشركين فظن المشركون ان الرسول ﷺ قرأه- وقال قتادة أغفى النبي ﷺ إغفاء فجرى على لسانه بإلقاء الشيطان على سبيل السهو والنسيان فلم يلبث حتى نبهه الله عليه «١» - قيل ان شيطانا يقال له ابيض عمل هذا العمل وكان ذلك
قال الخفاجي في سليم الرياض ص ٨٦- ٤٧٠ اى الى صحابى من اصحاب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم قالها وقيل المعنى لم يعزها لصاحب لها قد قالها انتهى (الفقير الدهلوي). [.....]
لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ عليه بتمكين الشيطان منه فِتْنَةً اى محنة وبلاء لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ شك ونفاق وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ اى المشركين وَإِنَّ الظَّالِمِينَ يعنى اهل النفاق والشرك وضع الظاهر موضع ضميرهم قضاء عليهم بالظلم لَفِي شِقاقٍ خلاف عن الحق او عن الرسول والمؤمنين بَعِيدٍ (٥٣) قال البغوي لما نزلت هذه الاية قالت قريش ندم محمد على ما ذكر من منزلة الهتنا عند الله فغيّر ذلك وكان الحرفان الذان القى الشيطان في امنيّته ﷺ قد وقع في فم كل مشرك فازدادوا شرّا الى ما كانوا عليه وشدة على من اسلم.
وَلِيَعْلَمَ عطف على ليجعل واللام متعلق بمقدر يعنى فعلنا تمكين الشيطان على الإلقاء ونسخ ما يلقى الشيطان لامرين لنجعل ما يلقى الشيطان الى آخره وليعلم- وجاز ان يكون اللام متعلقا بقوله أَلْقَى الشَّيْطانُ وحينئذ يكون اللام في ليجعل وليعلم للعاقبة كما في قوله تعالى فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً... الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بالله وأحكامه وقال السدى اى التصديق بنسخ الله أَنَّهُ اى الّذي أحكمه الله من آيات القرآن هو الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ النازل من عنده او انّه اى تمكين الشيطان حق لانه جرت به عادة الله في جنس الإنسان من لدن آدم عليه السّلام فَيُؤْمِنُوا بِهِ اى بالقرآن ويعتقدوا انه من الله او بالله تعالى وعطف يؤمنوا على يعلم بالفاء دليل على ان مجرد العلم ليس بايمان بل هو امر وهبى مترتب على العلم غالبا بجرى العادة فَتُخْبِتَ اى تخشع لَهُ قُلُوبُهُمْ بالانقياد والخشية وتطمئن عنده وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا فيما أشكل عليهم إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) اى اعتقاد صحيح وطريق قويم وهو الإسلام.
وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ اى شك مِنْهُ اى ناشية من القرآن او الرسول او الذين أمنوا او مما القى الشيطان في امنيّته ما باله ذكرها بخير
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ يوم تزول مريتهم لِلَّهِ وحده ظرف مستقر يَحْكُمُ الله بَيْنَهُمْ بالمجازاة جملة مستأنفة او في محل النصب على الحال والضمير يعم المؤمنين والكافرين لتفصيله بقوله فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) إدخال الفاء في خبر الثاني دون الاوّل تنبيه على ان اثابة المؤمنين بالجنات تفضل من الله تعالى وعقاب الكافرين مسبب بأعمالهم ولذلك قال لهم عذاب ولم يقل هم في عذاب- قال رسول الله ﷺ لن ينجى أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى الله برحمة منه وفضل- رواه الشيخان في الصحيحين ورويا فيهما عن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ سددوا وقاربوا وابشروا فانه لا يدخل الجنة أحدا عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا انا الا ان يتغمدنى بمغفرة ورحمة- ولمسلم من حديث جابر نحوه وقد ورد نحوه من حديث ابى سعيد عند احمد وابن ابى موسى وشريك بن طارق واسامة بن شريك والسد بن كون عند الطبراني واما قوله تعالى ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فمحمول على ان للجنة منازل تنال بالأعمال واما اصل دخولها والخلود فيها فبفضل الله المتعال اخرج هناد في الزهد عن ابن مسعود قال تجوزون الصراط بعفو الله وتدخلون الجنة برحمة الله وتقسمون المنازل بأعمالكم- واخرج ابو نعيم عن عون بن عبد الله مثله.
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ اى الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر ببال البشر وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ بأحوالهم واحوال معانديهم حَلِيمٌ (٥٩) لا يعاجل في العقوبة.
ذلِكَ اى الأمر ذلك او ذلك حق او تحقق ذلك او عرفت ذلك الّذي قصصنا عليك وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ اى جازى الظالم بمثل ما ظلم به عليه اطلق لفظ العقاب الّذي هو الجزاء على ابتداء الظلم للازدواج او للمشاكلة ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ بالمعاودة على الظلم لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ لا محالة إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) للمنتصر حيث اتبع هواه في الانتقام واعرض عما ندب الله اليه بقوله ولمن صبر وغفر ان ذلك لمن عزم الأمور- وفيه تعريض بالحث على المغفرة فانه تعالى مع كمال قدرته وعلو شأنه لما كان يعفو ويغفر فغيره بذلك اولى وتنبيه على انه قادر على العقوبة إذ لا يوصف بالعفو الا القادر على العقوبة- قال البغوي قال الحسن قوله تعالى وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ معناه قاتل المشركين كما قاتلوه ثم بغى عليه اى ظلم بإخراجه من منزله وقيل نزلت الآية في قوم من المشركين أتوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فكره المسلمون قتالهم وسألوهم ان يكفوا من القتال من أجل الشهر الحرام فابى المشركون وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم وثبت المسلمون فنصروا عليهم- قلت فعلى هذا قوله إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ عن المؤمنين غَفُورٌ لهم في قتالهم في الشهر الحرام واخرج ابن ابى حاتم عن مقاتل نحوه.
ذلِكَ النصر بِأَنَّ اللَّهَ قادر على كل شيء وقد جرى عادته
ذلِكَ الاتصاف بكمال العلم والقدرة والسمع والبصر بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الثابت في نفسه الواجب لذاته وحده لان وجوب وجوده ووحدته يقتضيان ان يكون مبدأ لكل ما يوجد سواه عالم بذاته وبما عداه متصف بجميع صفات الكمال- إذ من ثبت ألوهيته لا يمكن الا ان يكون قادرا عالما سميعا بصيرا وَأَنَّ ما يَدْعُونَ قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر هنا وفي لقمان في الموضعين بالتاء الفوقانية خطابا للمشركين والباقون بالياء التحتانية اى ما يدعونه اى المشركون مِنْ دُونِهِ الها هُوَ الْباطِلُ اى المعدوم الممتنع وجوده في حد ذاته او باطل الالوهية وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ المتعالي من ان يكون له شريك الْكَبِيرُ (٦٢) العظيم الّذي ليس كمثله شيء.
أَلَمْ تَرَ اى الم تبصر او الم تعلم والاستفهام للانكار يعنى تعلم وتبصر أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً يعنى أصبحت مخضرة بالنبات أورد لفظ المضارع للماضى لاستحضار صورة ما مضى وللدلالة على بقاء اثر المطر زمانا بعد زمان- والجملة دليل اخر على كمال علمه وقدرته إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ يصل علمه او لطفه الى كل ما دقّ وجلّ خَبِيرٌ (٦٣) بالتدابير الظاهرة والباطنة وبأحوال عباده وما احتاجوا اليه من الأرزاق.
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقا وملكا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ في ذاته عن كل شيء الْحَمِيدُ (٦٤) المستوجب للحمد بصفاته وأفعاله او المحمود في ذاته وان لم يوجد حامد غيره.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ اى جعلها مذلّلة لكم معدة لمنافعكم-
وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ بنفخ الأرواح في أجسادكم بعد ان كنتم جمادا عناصر ونطفا وعلقا ومضغا وأجسادا لا روح فيها ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انقضاء اجالكم بنزع الأرواح من أجسادكم ثُمَّ يُحْيِيكُمْ فى الاخرة باعادة الأجسام ونفخ الأرواح فيها إِنَّ الْإِنْسانَ المشرك لَكَفُورٌ (٦٦) لجحود للنعم بعد ظهورها لا يعرف نعمة الإنشاء المبدئ للوجود ولا الافناء المقرب الى الموعود ولا الاحياء الموصل الى المقصود او المعنى كفور بربّه مع قيام البراهين القاطعة على وجوده ووحدته وصفاته الكاملة.
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا لم يذكر هاهنا بالواو للعطف كما ذكر فيما سبق لان هناك وقعت الاية مع ما يناسبها من الاى الواردة في النسائك فعطفت على أخواتها
وَإِنْ جادَلُوكَ بعد ظهور الحق ولزوم الحجة فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) من المجادلة الباطلة وغيرها فمجازيكم عليها الجملة الشرطية معطوفة على قوله فلا ينازعنّك- وفي هذه الجملة وعيد مع رفق وكان ذلك قبل الأمر بالقتال.
اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ اى يقضى بين المؤمنين منكم والكافرين فيظهر الحق من الباطل بإثابة المؤمنين وعقاب الكافرين يوم القيامة كما فصل بينهم في الدنيا بالحجج والآيات فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) من امر الدين الاختلاف ذهاب كل واحد من الخصمين الى خلاف ما ذهب اليه الاخر.
وَيَعْبُدُونَ عطف على مضمون ما سبق من الآيات الدالة على وحدانيته تعالى وكمال قدرته يعنى أتعلمون تلك الدلائل الواضحة والبراهين القاطعة في التوحيد والالوهية وهم مع ذلك يعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ الله بِهِ سُلْطاناً اى حجة تدل على جواز عبادته وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ حصل لهم من ضرورة العقل او استدلاله او بالنقل الصحيح المفيد للعلم من المخبر الصادق الّذي دل على صدقه برهان او المتواتر المنتهى الى احدى الحواس الخمس وَما لِلظَّالِمِينَ اى المشركين الذين ارتكبوا مثل هذا الظلم مِنْ نَصِيرٍ (٧١) يمنعهم من عذاب الله.
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ الشرط مع الجزاء معطوف على يعبدون آياتُنا من القرآن بَيِّناتٍ واضحات اتيانا من الله تعالى او واضحات الدلالة على العقائد الحقة والاحكام الالهية تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ اى الإنكار يعنى يظهر في وجوههم اثار الإنكار من العبوس والغيظ وضع المظهر موضع الضمير للدلالة على ان الباعث على الإنكار انما هو شدة كفرهم لا غير ذلك- او المراد بالمنكر ما يقصدونه بالمؤمنين من الشر يَكادُونَ حال من الذين كفروا يَسْطُونَ اى يبطشون او يبسطون إليهم أيديهم بالسوء وأصله من سطا الفرس يسطو إذا قام على رجليه رافعا يديه اما مرحا اى أشرا واما نزوا على الأنثى- وفي القاموس سطا عليه وبه سطوا وسطوة صال او قهر بالبطش بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا يعنى بمحمد ﷺ وأصحابه قُلْ لهم يا محمد أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ
يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ اى بين لكم حال مستغرب او قصة عجيبة فَاسْتَمِعُوا لَهُ اى للمثل استماع تدبر وتفكر- وقيل معنى الاية جعل لى مثل يعنى جعل الكفار لله سبحانه مثلا مماثلا في استحقاق العبادة وهى الأصنام فاستمعوا حالها ثم احكموا هل يجوز به التمثيل له تعالى ثم بين ذلك فقال إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ قرآ يعقوب بالياء التحتانية والضمير راجع الى الكفار والباقون بالتاء على الخطاب للكفار والراجع الى الموصول محذوف يعنى انّ الّذين تدعونها ايها الكفار الهة كائنة مِنْ دُونِ اللَّهِ وهى الأصنام لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً اى لا يقدرون على خلق ذباب واحد مع صغره وقلته وخسته- لان لن بما فيها من تأكيد النفي دالّة على منافاة ما بين المنفي والمنفي عنه والذباب مشتق من الذب لانه يذب وجمعه اذبة للقلة ذبّان للكثرة كغراب وأغربة وغربان وَلَوِ اجْتَمَعُوا اى الأصنام لَهُ اى لخلق الذباب وهو بجوابه المقدر في موضع الحال جىء بها للمبالغة اى لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متقاونين عليه فكيف إذا كانوا منفردين قالوا وحينئذ للحال- وقيل للعطف على معطوف محذوف تقديره مستو حالهم في عدم القدرة على الخلق لو لم يجتمعوا لخلقه ولو اجتمعوا له اى لا يقدرون عليه في شيء من الأحوال وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ كانوا يطلون الأصنام بالزعفران ويضعون
ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ اى ما عظّموه حق تعظيمه وما عرفوه حق معرفته وما وصفوه حق توصيفه حيث أشركوا به ما لا يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ على خلق الممكنات بأسرها عَزِيزٌ (٧٤) لا يغلبه شيء والهتهم عجزة عن أقلّها مقهورة من اذلّها.
اللَّهُ يَصْطَفِي اى يختار مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحى وبين الناس بقبض الأرواح وإيصال الأرزاق وغير ذلك- قال البغوي هم جبرئيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وغيرهم وَمِنَ النَّاسِ اى ويختار من الناس رسلا يدعون سائرهم الى الحق ويبلّغونهم ما نزل عليهم من الله تعالى اوّلهم آدم وآخرهم محمّد صلى الله عليهم وسلم- قال البغوي نزلت حين قال المشركون أنزل عليه الذّكر من بيننا- فاخبر ان الاختيار الى الله تعالى يختار من يشاء من خلقه وقال البيضاوي لمّا قرّر وحدانيته ونفى ان يشاركه غيره في الالوهية وصفاتها بين ان له عبادا مصطفين للرسالة يتوسل بإجابتهم والاقتداء به
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ قال ابن عباس يعنى ما قدموا وما خلفوا- وقال الحسن ما عملوا وما هم عاملون بعد- وقيل الضمير راجع الى الرسل اى يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ اى الرسل اى ما قبل خلقهم وما خلفهم اى ما هو كائن بعد فنائهم وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) اى اليه مرجع الأمور كلها لانه مالكها بالذات لا يسئل عما يفعل من الاصطفاء وغيره وهم يسئلون.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا اى صلوا عبر عن الصلاة بالركوع والسجود لانهما ركنان لها لا زمان لا تنفك عنهما بخلاف غيرهما من الأركان فان القراءة تسقط عن الأخرس والقيام عمن لا يستطيعه- واما الركوع والسجود فلا يسقطان ابدا عند ابى حنيفة رحمه الله حيث قال من لم يقدر على الإيماء برأسه للركوع والسجود يتاخر عنه الصلاة ولا يتادى بالإيماء بالحاجب او القلب وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ بكل ما يصلح كونه عبادة له تعالى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ قال ابن عباس هو صلة الرحم ومكارم الأخلاق والظاهر انه يعم الافعال كلها يعنى اختاروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون به وما تذرونه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) الجملة في محل النصب على الحال اى افعلوا هذه كلها وأنتم راجون الفلاح غير متيقنين له ولا واثقين بأعمالكم- قال رسول الله ﷺ اوحى الى نبى من أنبياء بنى إسرائيل قل لاهل طاعتى من أمتك لا يتكلوا على أعمالهم فانى لا اناصب عبد الحساب «١» يوم القيامة أشاء ان أعذبه الا عذبته وقل لاهل معصيتى من أمتك لا يلقوا بايديهم فانى اغفر الذنوب العظيمة ولا أبالي رواه ابو نعيم عن على عليه السّلام واخرج البزار عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم
وَجاهِدُوا الجهد بالضم الوسع والطاقة وبالفتح المشقة وقيل المبالغة والغاية وقيل هما لغتان في الوسع والطاقة واما في المشقة والغاية فالفتح لا غير والجهاد والمجاهدة مفاعلة منه- ولما كان بناؤه للاشتراك بين اثنين استعمل في المحاربة مع الأعداء فان فيه تحمل المشقة من الجانبين واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول او فعل والمبالغة فيه الى غاية فِي اللَّهِ اى في سبيله وإعلاء دينه وقضاء أحكامه وقيل معناه لله حَقَّ جِهادِهِ «١» منصوب على المصدرية ومعناه جهادا فيه حقّا خالصا- اى حق ذلك الجهاد حقا وخلص خلوصا لوجهه الكريم- فعكس وأضيف الحق الى الجهاد مبالغة كقولك هو حق عالم وأضيف الجهاد الى الضمير اتساعا- او لانه مختص بالله من حيث انه مفعول لوجه الله- ومن اجله قال ابن عباس هو استفراغ الطاقة فيه وان لا يخافوا في الله لومة لائم فهو حق الجهاد- وقال الضحاك ومقاتل اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته وقال اكثر المفسرين حق الجهاد ان يكون نيته خالصة لله عزّ وجلّ وقال السدى ان يطاع فلا يعصى- وقال عبد الله بن المبارك هو مجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر وهو حق الجهاد قال البغوي وقد روى ان رسول الله ﷺ لما رجع من غزوة تبوك قال رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر- قال البغوي أراد بالجهاد الأصغر الجهاد مع الكفار
فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ داوموا عليها وَآتُوا الزَّكاةَ يعنى فتقربوا الى الله بانواع الطاعات لما خصّكم بهذا الفضل والشرف واعتصموا بالله يعنى ثقوابه في جميع أموركم ولا تستعينوا في شيء الا منه وقال الحسن معناه تمسكوا بدين الله وروى عن ابن عباس سلوا ربكم يعصمكم
المطالب الصحيفة ما ورد في ان الجنة قالت قد أفلح المؤمنون ٣٦١ ما ورد في الخشوع في الصّلوة وجعل بصره موضع سجوده وترك الالتفات ونحو ذلك ٣٦٢ في متعة النساء ٣٦٥ حديث اوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصّلوة وفيه فان انتقص من فريضة يكمل بالتطوع ثم الزكوة مثل ذلك الحديث ٣٦٥ حديث في انّ لكل انسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار فمن دخل النار ورث اهل الجنة منزله ٣٦٦ المطالب الصحيفة حديث من فرّ من ميراث وارثه قطع الله ميراثه من الجنة ٣٦٦ حديث ان خلق أحدكم يجمع في بطن امه أربعين يوما نطفة الحديث ٣٦٩ حديث ان الله انزل من الجنة خمسة انهار سيحون وجيحون الحديث ٣٧٤ حديث كل نسب وصهر ينقطع الانسى وصهرى ٤٠٣ تحقيق الميزان وما ورد فيه ٤٠٣ فصل في كيفية الوزن ٤٠٤ حديث ان لاهل النار خمس دعوات الحديث ٤٠٨ تمّت.