مكية، إلا صدرها ؛ العشر الآيات، فإنها نزلت بالمدينة في شأن من كان من المسلمين بمكة، وإلا قوله :﴿ ومن الناس من يقول آمنا ﴾ إلى :﴿ المنافقين ﴾ [ العنكبوت : ٩ – ١١ ]، فإنها نزلت في المتخلفين عن الهجرة. وهي كالتعليل لخاتمة ما قبلها ؛ من البشارة بالنصر ؛ لأنه لا يكون في الغالب إلا بعد الامتحان.
ﰡ
﴿ الم ﴾ * ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾ * ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾.
قلت : الحسبان : قوة أحد النقيضين على الآخر، كالظن، بخلاف الشك، فهو الوقوف بينهما. والعلم : هو القطع بأحدهما، ولا يصح تعلقهما بمعاني المفردات، ولكن بمضامين الجمل، فلا أقول : حَسِبْتُ زيداً، وظننت الفرس، بل حسبت زيداً قائماً، والفرس جواداً. والكلام الدال على المضمون، الذي يقتضيه الحسبان هنا أن يتركوا مع قوله :﴿ وهم لا يفتنون ﴾ أي : أحسبوا تركهم غير مفتونين لأن يقولوا : آمنا.
يقول الحق جل جلاله :﴿ الم ﴾ : الألف : لوحدة أسرار الجبروت، واللام : لفيضان أنوار الملكوت، والميم : لاتصال المادة بعالم الملك. فكأنه تعالى أقسم بوحدة جبروته وأنوار ملكوته واتصال مادته بملكه وخليقته، أنه لا يدع دعوة مدع إلا ويختبره ؛ ليظهر صدقه أو كذبه، وهذا معنى قوله :﴿ أحَسِبَ الناسُ ﴾. ؟ ؟
وقال صلى الله عليه وسلم :" أشدُّ الناسِِ بلاءً في الدنيا : نبي أو صفي ". وقال صلى الله عليه وسلم :" أشدُّ الناس بلاءً : الأنبياءُ، ثم الصالحون. لقد كان أحدهم يُبْتَلى بالفقر، حتى ما يَجَدَ إلا العباءَةَ يُحَوِّيهَا فيلبسها، ويُبْتَلى بالقَمَلِ حتى يَقْتُلَهُ، ولأَحَدُهُمْ كان أشدَّ فرحاً بالبلاء من أحَدِكُم بالعطاء٢ ". من الجامع. والله تعالى أعلم.
رُوي أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جزعوا من أذى المشركين، وضاقت صدورهم من ذلك، وربما استنكر بعضهم أن يُمكِّن اللهُ الكفرةَ من المؤمنين. فنزلت مُسلِّية ومعِلْمة أن هذه هي سيرة الله في عباده ؛ اختباراً لهم.
وقال صلى الله عليه وسلم :" أشدُّ الناسِِ بلاءً في الدنيا : نبي أو صفي ". وقال صلى الله عليه وسلم :" أشدُّ الناس بلاءً : الأنبياءُ، ثم الصالحون. لقد كان أحدهم يُبْتَلى بالفقر، حتى ما يَجَدَ إلا العباءَةَ يُحَوِّيهَا فيلبسها، ويُبْتَلى بالقَمَلِ حتى يَقْتُلَهُ، ولأَحَدُهُمْ كان أشدَّ فرحاً بالبلاء من أحَدِكُم بالعطاء٢ ". من الجامع. والله تعالى أعلم.
وقال صلى الله عليه وسلم :" أشدُّ الناسِِ بلاءً في الدنيا : نبي أو صفي ". وقال صلى الله عليه وسلم :" أشدُّ الناس بلاءً : الأنبياءُ، ثم الصالحون. لقد كان أحدهم يُبْتَلى بالفقر، حتى ما يَجَدَ إلا العباءَةَ يُحَوِّيهَا فيلبسها، ويُبْتَلى بالقَمَلِ حتى يَقْتُلَهُ، ولأَحَدُهُمْ كان أشدَّ فرحاً بالبلاء من أحَدِكُم بالعطاء٢ ". من الجامع. والله تعالى أعلم.
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ * ﴿ مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ * ﴿ وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ أَمْ حَسِبَ الذين يعملون السيئات ﴾ أي : الشرك والمعاصي وإذاية المسلمين، ﴿ أن يسبقونا ﴾ أي : يفوتونا، بل يلحقهم الجزاء لا محالة. و " أم " : منقطعة، ومعنى الإضراب فيها : أن هذا الحسبان أَبْطَلُ من الحسبان الأول، لأن ذلك يظن أنه لا يُمْتَحَنُ لإيمانه، وهذا يظن أنه لا يُجَازَى بمساوئه، وشبهته أضعف، ولذلك عقّبه بقوله :﴿ ساءَ ما يحكمون ﴾، أي : بئس ما يحكمون به حكمهم في صفات الله أنه مسبوق، وهو القادر على كل شيء، فالمخصوص محذوف.
﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ﴾
قلت :" وصى " حُكمه حُكْمُ " أَمَرَ "، يقال وصيت زيداً بأن يفعل خيراً، كما تقول : أمرته بأن يفعل خيراً، ومنه :﴿ وَوَصَّى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ﴾ [ البقرة : ١٣٢ ]، أي : أمرهم بكلمة التوحيد ووصاهم عليها.
يقول الحق جل جلاله :﴿ ووصينا الإنسانَ بوالديه ﴾ ؛ أمرناه بإيتاء والديه ﴿ حُسْناً ﴾ أي : فعلاً ذا حُسْنٍ، أو : ما هو في ذاته حُسن ؛ لفرط حسنه، كقوله :﴿ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ﴾
[ البقرة : ٨٣ ] أو : وصينا الإنسان بتعاهد والديه، وقلنا له : أحسن بهما حسناً، أو أوْلِهِمَا حُسْناً. ﴿ وإِن جاهداك ﴾ أي : حملاك بالمجاهدة والجد ﴿ لتُشرك بي ما ليس لك به علم ﴾ أي : لا علم لك بالإلهية، والمراد نَفْيُ العلم نَفْيُ المعلوم، وكأنه قيل : لتشرك بي شيئاً لا يصح أن يكون إلهاً، وقيل : ما ليس لك به حجة ؛ لأنها طريق العلم، فهو قوله :
﴿ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ﴾ [ المؤمنون : ١١٧ ]، بل هو باطل عقلاً ونقلاً، ﴿ فلا تُطعمها ﴾ في ذلك ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
﴿ إليّ مرجعُكُم ﴾، من آمن منكم ومن أشرك، ﴿ فأُنبئُكم بما كنتم تعملون ﴾ ؛ فأُجازيكم حق جزائكم. وفي ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك، وحث على الثبات والاستقامة في الدين. رُوي أن سعد بن أبي وقاص لما أسلم، نذرت أمه ألا تأكل ولا تشرب حتى يرتد، فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية والتي في لقمان١.
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ ﴾ * ﴿ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ومن الناس من يقول آمنا بالله ﴾، فيدخل في جملة المسلمين، ﴿ فإِذا أُوذي في الله ﴾ أي : مسّه أذىً من الكفرة ؛ بأن عذبوه على الإيمان، ﴿ جعل فتنةَ الناسِ كعذابِ الله ﴾ أي : جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله، فَيُصْرَفْ عن الإيمان، ﴿ ولئن جاء نصرٌ من ربك ﴾ ؛ فتح أو غنيمة، ﴿ ليقولن إنا كنا معكم ﴾ أي : متابعين لكم في دينكم، ثابتين عليه بثباتكم، فأعطونا نصيباً من المغنم. والمراد بهم : المنافقون، أو : قوم ضعف إيمانهم فارتدوا. قال تعالى :﴿ أَوَلَيس الله بأعلمَ بما في صدور العالمين ﴾ أي : هو أعلم بما في صدور العالمين. ومن ذلك ما في صدور هؤلاء من النفاق، وما في صدور المؤمنين. من الإخلاص.
الإشارة : منافق أهل الإيمان هو الذي يظهر الإيمان في الرخاء ويرجع عنه في الشدة، ومنافق الصوفية هو الذي يظهر الانتساب في السعة والجمال، فإذا وقع البلاء والاختبار بأهل النسبة خرج عنهم، فإذا أُوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله بالقطيعة والحجاب، ولئن جاء لأهل النسبة نصر وعز، ليقولن : إنا كنا معكم. وقد رأينا كثيراً من هذا النوع، دخلوا في طريق القوم، فلما قابلتهم نيران التعرف والامتحان ؛ رجعوا القهقرى، فعند الامتحان يعز المرء أو يهان، وعند الحَمْلَةِ يتميز الجبان من الشجاع.
قال القشيري : المحن تُظْهِرُ جواهرَ الرجال، وتَدُلُّ على قيمتهم وأقدارهم. ثم من كانت محنته من فوات الدنيا، أو نقص نصيبه فيها، أو بموت قريب أو فَقْد حبيب، فحقيرٌ قدره، وكثيرٌ في الناس مثله. ومن كانت محنته في الله ولله، فعظيم قدره، وقليل مثله، في العدد قليل، ولكن في القدر والخطر جليل. ه. قلت : معنى كلامه : أن العامة يمتحنهم الله ويختبرهم بذهاب حظوظهم وأحبابهم، فإن جزعوا فقدرهم حقير، وإن صبروا فأجرهم كبير، وأما الخاصة فيمتحنهم الله بسبب نسبتهم إلى الله، وإقبالهم عليه، أو الأمر بمعروف أو نهي عن منكر، فَيُؤْذَوْنَ في جانب الله، فمنهم من يُسجن، ومنهم من يُضرب، ومنهم من يُجلى من بلده، فهؤلاء قدرهم عند الله كبير. ثم قال : والمؤمن مَنْ يكفُّ الأذى، والولي من يتحمل من الناس الأذى، من غير شكوى، ولا إظهار دعوى. ه.
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ * ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وقال الذين كفروا ﴾ من صناديد قريش، ﴿ للذين آمنوا اتَّبِِعُوا سبيلَنَا ﴾ الذي نسلكه، وهو الدخول في ديننا، ﴿ وَلْنَحْمِلْ خطاياكم ﴾ إن كان ذلك خطيئة في زعمكم. أمروهم باتباع سبيلهم، وهي طريقتهم التي كانوا عليها، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم، فعطف الأمر على الأمر، وأرادوا ليجتمع هذان الأمران في الحصول. والمعنى : تعليق الحمل بالاتباع، أي : إن تتبعوا سبيلنا حملنا خطاياكم. وهذا قول صناديد قريش، كانوا يقولون لمن آمن منهم : لا نُبعث نحن ولا أنتم، فإن كان ذلك فإنا نحمل عنكم الإثم.
قال تعالى :﴿ وما هم بحاملين من خطاياهم من شيءٍ ﴾ أي : ما هم حاملين شيئاً من أوزارهم، ﴿ إنهم لكاذبون ﴾ فيما ادعوا ؛ لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه، كالكاذبين الذين يَعِدُون الشيء وفي قلوبهم نية الخُلْف.
﴿ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [ النحل : ٢٥ ]، ﴿ وَلَيُسْأَلُنَّ يوم القيامة عما كانوا يفترون ﴾ من الأكاذيب والأباطيل التي ضلوا بها.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ * ﴿ فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ و ﴾ الله ﴿ لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلَبِثَ فيهم ألفَ سنةٍ إلا خمسين عاماً ﴾ يدعوهم إلى الله، وهم يؤذونه بالشتم والضرب حتى نُصر، فاصبر كما صبر، فإن العاقبة للمتقين.
رُوي أنه عاش ألفاً وخمسين سنة، وقيل : إنه ولد في حياة آدم، وآدم يومئذٍ ابن ألف سنة إلا ستين عاماً. وقيل : إلا أربعين. ذكره الفاسي في الحاشية. والمشهور : أن بينه وبين آدم نحو العشرة آباء. وروي أنه بُعث على رأس أربعين، ولبث في قومه تسعمائة وخمسين. وعاش بعد الطوفان ستين. وعن وَهْبٍ أنه عاش في عمره ألفاً وأربعمائة، وقيل : وستمائة، فقال له ملك الموت : يا أطول الأنبياء عمراً ؛ كيف وجدت الدنيا ؟ قال : كَدَارٍ لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر. ولم يقل : تسعمائة وخمسين سنة، لأنه، لو قيل ذلك، لجاز أن يتوهم إطلاق هذا العدد على أكثره، وهذا التوهم زائل هنا، وكأنه قيل : تسعمائة وخمسين كاملة وافية العدد. مع أن ما ذكره الحق أسلس وأعذب لفظاً، ولأن القصة سيقت لذكر ما ابتلى به نوح عليه السلام من أمته، وما كابده من طول المصابرة ؛ تسليةً لنبينا - عليه الصلاة والسلام - فكان ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض. وَجِيءَ، أولاً : بالسّنةِ ثم بالعام ؛ لأن تكرار لفظ واحد في كلام واحد حقيق بالاجتناب في البلاغة.
﴿ فأخذهم الطوفانُ ﴾ ؛ طوفان الماء، وهو ما طاف وأحاط، بكثرة وغلبة، من سيل، أو ظلام ليلٍ، أو نحوها، ﴿ وهم ظالمون ﴾ أنفسهم بالكفر والشرك.
﴿ وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُواْ عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ * ﴿ وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ﴾
قلت :( إبراهيم ) : عطف على ( نوح )، أو متعلق باذكر، و( وإذ قال ) : ظرف زمان لأرسلنا، أو : بدل اشتمال من ( إبراهيم ) ؛ إِنْ نُصِبَ باذكر، لأن الأحيان تشتمل على ما فيها.
يقول الحق جل جلاله :﴿ وإِبراهيمَ ﴾ أي : وأرسلنا إبراهيم ﴿ إذ قال لقومه ﴾ أي : أرسلناه حين كمل عقله وتم نظره، وبلغ من السن والعلم مبلغاً صَلَحَ فيه لأن يعظ قَوْمَهُ، وَيَأَمُرَهُمْ بالعبادة والتقوى. وقرأ النخعي وأبو حنيفة : بالرفع. أي : ومن المرسلين إبراهيم، قال في وعظه :﴿ اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم ﴾ مما أنتم عليه من الكفر، ﴿ إن كنتم تعلمون ﴾ ؛ إن كان فيكم علم بما هو خير لكم مما هو شر لكم.
﴿ إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً ﴾ : لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئاً من الرزق، ﴿ فابتغوا عند الله الرزقَ ﴾ كُلَّه ؛ فإنه هو الرزاق وحده، لا يرزق غَيْرُهُ. ﴿ واعبدوه واشكروا له ﴾ أي : متوسلين إلى مطالبكم بعبادته، مقيدين لما خصكم به من النعم بشكره، ﴿ إليه تُرجعون ﴾، فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه.
وهذه الآية من قوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ إلى قوله :﴿ فما كان جواب قومه ﴾ : يحتمل أن تكون من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه، والمراد بالأمم قبله : قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم، وأن تكون من كلام الله في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشأن قريش، مُعْتَرِضَةً بين أول قصة إبراهيم وآخرها. فإن قلت : الجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت ؛ معترضة فيه ؛ فلا تقول : مكة، وزيد قائم، خير بلاد الله ؟ قلت : قد وقع الاتصال، وبيانه : أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام إنما هو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أباهُ إبراهيم كان مبتلى بنحو ما ابتلى به ؛ من شرك قومه، وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ يا معشر قريش محمداً، فقد كذب إبراهيمَ قومُه، وكل أمة كذبت نبيها لأن قوله :﴿ فقد كذّب أمم مِن قبلكم ﴾ لا بد من تناوله لأمة إبراهيم، وهو كما ترى اعتراض متصل، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها ؛ لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله، وهدم الشرك، وتوهين قواعده، وصفة قدرة الله وسلطانه، ووضح صحته وبرهانه. قاله النسفي.
قال ابن جزي :﴿ وإن تُكذِّبوا ﴾ يحتمل أن يكون وعيداً للكفار وتهديداً لهم، أو يراد به تسلية النبي عن تكذيب قومه، بالتأسي بغيره من الأنبياء الذين كذّبهم قومُهم. هـ.
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ * ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِىءُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ * ﴿ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ * ﴿ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
قلت : يقال : بدأ الله الخلق، وأبداه : بمعنى واحد، وقد جاءت اللغتان في هذه السورة. وقوله :( يُعيده ) : عطف على الجملة، لا على ( يبدئ ) ؛ لأن رؤية البداءة بالمشاهدة بخلاف الإعادة، فإنها تُعْلَمُ بالنظر والاستدلال، وهم لا يقرونها، لعدم النظر. وقد قيل : إنه يريد إعادة النبات وإبداءه، وعلى هذا تكون ( ثم يعيده ) : عطفاً على ( يبدئ ).
يقول الحق جل جلاله :﴿ أَوَلَم يروا ﴾ أي : كفار قريش ﴿ كيف يُبدئ اللهُ الخلقَ ﴾ أي : يظهره من العدم، أي : قد رأوا ذلك وعلموه، ﴿ ثم يُعيده ﴾ بالبعث ؛ للجزاء بالعذاب والثواب.
قال القشيري : الذي دَاخَلَهم في الشكُّ هو بعث الخلَق، فاحتجَّ عليهم بما أراهم من فصول السنة بعد نقضها، وإعادتها على الوجه الذي كان في العام الماضي. وكما أن ذلك سائغٌ في قدرته، كذلك بُعث الخلق. ه. ونحوه لابن عطية وغيره. كما هو مشهود في الثمار، من كونها تبدأ، فتجنى، ثم تفنى، ثم تعيدها مرة أخرى. وكذلك يبدئ خلق الإنسان، ثم يهلكه بعد أن خلق منه ولداً، وخلق من الولد ولداً آخر، وكذا سائر الحيوان. وهذا يرشح صحة عطف " يعيد " على " يبدئ ". ﴿ إن ذلك على الله يسيرٌ ﴾ أي : الإعادة بعد الإفناء يسيرة على قدرة الله تعالى.
وهذه الآية من قوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ إلى قوله :﴿ فما كان جواب قومه ﴾ : يحتمل أن تكون من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه، والمراد بالأمم قبله : قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم، وأن تكون من كلام الله في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشأن قريش، مُعْتَرِضَةً بين أول قصة إبراهيم وآخرها. فإن قلت : الجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت ؛ معترضة فيه ؛ فلا تقول : مكة، وزيد قائم، خير بلاد الله ؟ قلت : قد وقع الاتصال، وبيانه : أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام إنما هو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أباهُ إبراهيم كان مبتلى بنحو ما ابتلى به ؛ من شرك قومه، وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ يا معشر قريش محمداً، فقد كذب إبراهيمَ قومُه، وكل أمة كذبت نبيها لأن قوله :﴿ فقد كذّب أمم مِن قبلكم ﴾ لا بد من تناوله لأمة إبراهيم، وهو كما ترى اعتراض متصل، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها ؛ لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله، وهدم الشرك، وتوهين قواعده، وصفة قدرة الله وسلطانه، ووضح صحته وبرهانه. قاله النسفي.
قال ابن جزي :﴿ وإن تُكذِّبوا ﴾ يحتمل أن يكون وعيداً للكفار وتهديداً لهم، أو يراد به تسلية النبي عن تكذيب قومه، بالتأسي بغيره من الأنبياء الذين كذّبهم قومُهم. هـ.
﴿ إن الله على كل شيءٍ قديرٌ ﴾ ؛ فلا يعجزه شيء.
وهذه الآية من قوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ إلى قوله :﴿ فما كان جواب قومه ﴾ : يحتمل أن تكون من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه، والمراد بالأمم قبله : قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم، وأن تكون من كلام الله في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشأن قريش، مُعْتَرِضَةً بين أول قصة إبراهيم وآخرها. فإن قلت : الجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت ؛ معترضة فيه ؛ فلا تقول : مكة، وزيد قائم، خير بلاد الله ؟ قلت : قد وقع الاتصال، وبيانه : أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام إنما هو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أباهُ إبراهيم كان مبتلى بنحو ما ابتلى به ؛ من شرك قومه، وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ يا معشر قريش محمداً، فقد كذب إبراهيمَ قومُه، وكل أمة كذبت نبيها لأن قوله :﴿ فقد كذّب أمم مِن قبلكم ﴾ لا بد من تناوله لأمة إبراهيم، وهو كما ترى اعتراض متصل، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها ؛ لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله، وهدم الشرك، وتوهين قواعده، وصفة قدرة الله وسلطانه، ووضح صحته وبرهانه. قاله النسفي.
قال ابن جزي :﴿ وإن تُكذِّبوا ﴾ يحتمل أن يكون وعيداً للكفار وتهديداً لهم، أو يراد به تسلية النبي عن تكذيب قومه، بالتأسي بغيره من الأنبياء الذين كذّبهم قومُهم. هـ.
وهذه الآية من قوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ إلى قوله :﴿ فما كان جواب قومه ﴾ : يحتمل أن تكون من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه، والمراد بالأمم قبله : قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم، وأن تكون من كلام الله في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشأن قريش، مُعْتَرِضَةً بين أول قصة إبراهيم وآخرها. فإن قلت : الجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت ؛ معترضة فيه ؛ فلا تقول : مكة، وزيد قائم، خير بلاد الله ؟ قلت : قد وقع الاتصال، وبيانه : أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام إنما هو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أباهُ إبراهيم كان مبتلى بنحو ما ابتلى به ؛ من شرك قومه، وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ يا معشر قريش محمداً، فقد كذب إبراهيمَ قومُه، وكل أمة كذبت نبيها لأن قوله :﴿ فقد كذّب أمم مِن قبلكم ﴾ لا بد من تناوله لأمة إبراهيم، وهو كما ترى اعتراض متصل، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها ؛ لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله، وهدم الشرك، وتوهين قواعده، وصفة قدرة الله وسلطانه، ووضح صحته وبرهانه. قاله النسفي.
قال ابن جزي :﴿ وإن تُكذِّبوا ﴾ يحتمل أن يكون وعيداً للكفار وتهديداً لهم، أو يراد به تسلية النبي عن تكذيب قومه، بالتأسي بغيره من الأنبياء الذين كذّبهم قومُهم. هـ.
وهذه الآية من قوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ إلى قوله :﴿ فما كان جواب قومه ﴾ : يحتمل أن تكون من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه، والمراد بالأمم قبله : قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم، وأن تكون من كلام الله في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشأن قريش، مُعْتَرِضَةً بين أول قصة إبراهيم وآخرها. فإن قلت : الجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت ؛ معترضة فيه ؛ فلا تقول : مكة، وزيد قائم، خير بلاد الله ؟ قلت : قد وقع الاتصال، وبيانه : أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام إنما هو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أباهُ إبراهيم كان مبتلى بنحو ما ابتلى به ؛ من شرك قومه، وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ يا معشر قريش محمداً، فقد كذب إبراهيمَ قومُه، وكل أمة كذبت نبيها لأن قوله :﴿ فقد كذّب أمم مِن قبلكم ﴾ لا بد من تناوله لأمة إبراهيم، وهو كما ترى اعتراض متصل، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها ؛ لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله، وهدم الشرك، وتوهين قواعده، وصفة قدرة الله وسلطانه، ووضح صحته وبرهانه. قاله النسفي.
قال ابن جزي :﴿ وإن تُكذِّبوا ﴾ يحتمل أن يكون وعيداً للكفار وتهديداً لهم، أو يراد به تسلية النبي عن تكذيب قومه، بالتأسي بغيره من الأنبياء الذين كذّبهم قومُهم. هـ.
﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذالِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ * ﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ فما كان جوابَ قومه ﴾ ؛ قوم إبراهيم حين دعاهم إلى الله ﴿ إلا أن قالوا اقتلوه أو حَرِّقوه ﴾، قاله بعضهم لبعض، أو : قاله واحد منهم، وكان الباقون راضين، فكانوا جميعاً في الحكم القائلين. فاتفقوا على تحريقه، ﴿ فأنجاه الله من النار ﴾ حين قذفوه فيها ؛ بأن جعلها برداً وسلاماً. وتقدم في الأنبياء تمام القصة.
﴿ إن في ذلك ﴾ ؛ فيما فعلوه به وفعلناه ﴿ لآياتٍ ﴾ دالةً على عظم قدرته ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ ؛ لأنهم المنتفعون بالفصح عنها والتأمل فيها. رُوي أنه لم ينتفع بها في تلك الأيام أحد لذهاب حرها ؛ لأن كل نار سمعت الخطاب فامتثلت.
وهذه الآية من قوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ إلى قوله :﴿ فما كان جواب قومه ﴾ : يحتمل أن تكون من جملة قول إبراهيم عليه السلام لقومه، والمراد بالأمم قبله : قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم، وأن تكون من كلام الله في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشأن قريش، مُعْتَرِضَةً بين أول قصة إبراهيم وآخرها. فإن قلت : الجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت ؛ معترضة فيه ؛ فلا تقول : مكة، وزيد قائم، خير بلاد الله ؟ قلت : قد وقع الاتصال، وبيانه : أن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام إنما هو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أباهُ إبراهيم كان مبتلى بنحو ما ابتلى به ؛ من شرك قومه، وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله :﴿ وإِن تُكذِّبوا ﴾ يا معشر قريش محمداً، فقد كذب إبراهيمَ قومُه، وكل أمة كذبت نبيها لأن قوله :﴿ فقد كذّب أمم مِن قبلكم ﴾ لا بد من تناوله لأمة إبراهيم، وهو كما ترى اعتراض متصل، ثم سائر الآيات بعدها من توابعها ؛ لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله، وهدم الشرك، وتوهين قواعده، وصفة قدرة الله وسلطانه، ووضح صحته وبرهانه. قاله النسفي.
قال ابن جزي :﴿ وإن تُكذِّبوا ﴾ يحتمل أن يكون وعيداً للكفار وتهديداً لهم، أو يراد به تسلية النبي عن تكذيب قومه، بالتأسي بغيره من الأنبياء الذين كذّبهم قومُهم. هـ.
﴿ وقال ﴾ إبراهيمُ لقومه :﴿ إِنما اتخذتم من دون الله أوثاناً ﴾ ؛ أصناماً آلهة ﴿ مودَّةَ بينكم في الحياة الدنيا ﴾ أي : لتوادوا بينكم في الحياة الدنيا، وتواصلوا ؛ لاجتماعكم على عبادتها، واتفاقكم عليها كما تتفق الناس على مذهب أو طريق، فيكون ذلك سبب تحابهم. أو : إنما اتخذتم الأوثان سبب المودة، أو اتخذتموها مودودة ومحبوبة بينكم، أو : إن التي اتخذتموها أوثاناً تعبدونها هي مودة بينكم في الدنيا، ﴿ ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ﴾ أي : تتبرأ الأصنام من عابديها ؛ كقوله :﴿ يكونون عليهم ضدا ﴾ [ مريم : ٨٢ ]، أو : ينكر بعضكم بعضا، ويقع بينكم التباغض، كقوله :﴿ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ [ الزخرف : ٦٧ ]. ﴿ ويعلن بعضُكم بعضاً ﴾، فتلعن الأتباعُ الرؤساء ؛ ﴿ ومأواكم النار ﴾ أي : مأوى العابد والمعبود والتابع والمتبوع. ﴿ وما لكم من ناصرين ﴾ يحصنونكم منها.
يقول الحق جل جلاله :﴿ فآمن ﴾ لإبراهيم، أي : انقاد ﴿ له لوطٌ ﴾، وكان ابنَ أخيه، وأول من آمن به حين رأى النار لم تحرقه. ﴿ وقال ﴾ إبراهيم :﴿ إني مهاجرٌ إلى ربي ﴾ ؛ إلى حيث أمرني ربي بالهجرة، وهو الشام، فخرج من " كوثى "، وهي من سواد الكوفة، إلى حرّان، ثم منها إلى فلسطين، وهي من برية الشام، ونزل لوط بسدوم، ومِنْ ثَمَّ قالوا لكل نبي هجرة، ولإبراهيم هجرتان. وكان معه، في هجرته، لوط وسارة زوجته.
وقيل : القائل :﴿ إني مهاجرٌ إلى ربي ﴾ هو لوط، فأول من هاجر من الأنبياء إبراهيم ولوط. وذكر البيهقي : إن أول من هاجر منا في الإسلام بأهله : عثمان. ورفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قال : إن عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط. ه. يعني : الهجرة إلى الحبشة. وكانت - فيما ذكر الواقدي - سنة خمس من البعثة، وأما الهجرة إلى المدينة ؛ ففي البخاري عن البراء : أولُ من قَدِمَ المدينة من الصحابة، مهاجراً، مُصعبُ بن عُمير، وابن أم مكتوم، ثم جاء عمَّارُ، وبلال، وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم١.
﴿ إنه هو العزيزُ ﴾ الذي يمنعني من أعدائي، ﴿ والحكيمُ ﴾ الذي لا يأمرني إلا بما هو خير لي.
قال القشيري : لا تَصحُّ الهجرةُ إلى الله إلا بالتبرِّي بالقلب من غير الله، والهجرةُ بالنفس يسيرةٌ بالنسبة إلى الهجرة بالقلب، وهي هجرة الخواص، وهي الهجرة عن أوطان التفرقة إلى ساحة الجمعِِ، والجمعُ بين التعريج في أوطان التفرقة والكونِ في مشاهدة الجمع متنافٍ. هـ. وقالَ في قوله تعالى :﴿ وإنه في الآخرة لمن الصالحين ﴾ أي : للدنوِّ والقربة والتخصيص بالزلفة. هـ.
قال القشيري : لا تَصحُّ الهجرةُ إلى الله إلا بالتبرِّي بالقلب من غير الله، والهجرةُ بالنفس يسيرةٌ بالنسبة إلى الهجرة بالقلب، وهي هجرة الخواص، وهي الهجرة عن أوطان التفرقة إلى ساحة الجمعِِ، والجمعُ بين التعريج في أوطان التفرقة والكونِ في مشاهدة الجمع متنافٍ. هـ. وقالَ في قوله تعالى :﴿ وإنه في الآخرة لمن الصالحين ﴾ أي : للدنوِّ والقربة والتخصيص بالزلفة. هـ.
﴿ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴾ * ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴾ * ﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ ﴾ * ﴿ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴾ * ﴿ وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرينَ ﴾ * ﴿ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ﴾ * ﴿ وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ و ﴾ اذكر ﴿ لوطاً إِذْ قال لقومه إِنكم لتأتون الفاحشةَ ﴾ أي : الفعلة البالغة في القُبح، وهي اللواطة، ﴿ ما سَبَقَكم بها من أحدٍ من العالمين ﴾ : جملة مستأنفة مقررة لفحش تلك الفعلة، كأن قائلاً قال : لِمَ كانت فاحشة ؟ فقال : لأن أحداً ممن قبلهم لم يقدم عليها، قالوا : لم يَنْزُ ذكر على ذكر قبل قوم لوط.
قال شيخ شيوخنا الفاسي في حاشيته : وما ذكره واضح من حيث العقيدة، وإن كانت الآية، وقولُ إبراهيم يحتمل أن يكون من نوع قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ]. والمعنى الأول معلوم من قوله تعالى :﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ﴾ [ المائدة : ١٧ ] الآية. هـ. قلت : ظاهر قوله تعالى :﴿ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [ هود : ٧٤ ] ؛ أن مجادلته كانت عن قومه فقط ؛ لغلبة الشفقة عليه، كما هو شأنه، ولذلك قال تعالى :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ... ﴾ حتى قال له تعالى :﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا عَنْ هَذَا ﴾ [ هود : ٧٥، ٧٦ ] لَمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب، فتأمله.
وعن أم هانئ - رضي الله عنها - أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله :﴿ وتأتون في ناديكم المنكر ﴾ ؟ فقال :" كانوا يحذفون من يمرّ بهم الطريق، ويسخرون منهم١ ". وقال معاوية : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن قوم لوط كانوا يجلسون في مجالسهم، وعند كل رجل قصعة من الحصى، فإذا مر بهم عابر قذفوه، فأيهم أصابه ؛ كان أَوْلَى به٢ ".
﴿ فما كان جوابَ قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذابِ الله إن كنت من الصادقين ﴾ فيما تعدنا من نزول العذاب، أو في دعوى النبوة، المفهومة من التوبيخ.
قال شيخ شيوخنا الفاسي في حاشيته : وما ذكره واضح من حيث العقيدة، وإن كانت الآية، وقولُ إبراهيم يحتمل أن يكون من نوع قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ]. والمعنى الأول معلوم من قوله تعالى :﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ﴾ [ المائدة : ١٧ ] الآية. هـ. قلت : ظاهر قوله تعالى :﴿ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [ هود : ٧٤ ] ؛ أن مجادلته كانت عن قومه فقط ؛ لغلبة الشفقة عليه، كما هو شأنه، ولذلك قال تعالى :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ... ﴾ حتى قال له تعالى :﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا عَنْ هَذَا ﴾ [ هود : ٧٥، ٧٦ ] لَمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب، فتأمله.
٢ أخرجه البغوي في تفسيره ٦/٢٤٠..
قال شيخ شيوخنا الفاسي في حاشيته : وما ذكره واضح من حيث العقيدة، وإن كانت الآية، وقولُ إبراهيم يحتمل أن يكون من نوع قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ]. والمعنى الأول معلوم من قوله تعالى :﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ﴾ [ المائدة : ١٧ ] الآية. هـ. قلت : ظاهر قوله تعالى :﴿ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [ هود : ٧٤ ] ؛ أن مجادلته كانت عن قومه فقط ؛ لغلبة الشفقة عليه، كما هو شأنه، ولذلك قال تعالى :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ... ﴾ حتى قال له تعالى :﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا عَنْ هَذَا ﴾ [ هود : ٧٥، ٧٦ ] لَمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب، فتأمله.
قال شيخ شيوخنا الفاسي في حاشيته : وما ذكره واضح من حيث العقيدة، وإن كانت الآية، وقولُ إبراهيم يحتمل أن يكون من نوع قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ]. والمعنى الأول معلوم من قوله تعالى :﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ﴾ [ المائدة : ١٧ ] الآية. هـ. قلت : ظاهر قوله تعالى :﴿ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [ هود : ٧٤ ] ؛ أن مجادلته كانت عن قومه فقط ؛ لغلبة الشفقة عليه، كما هو شأنه، ولذلك قال تعالى :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ... ﴾ حتى قال له تعالى :﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا عَنْ هَذَا ﴾ [ هود : ٧٥، ٧٦ ] لَمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب، فتأمله.
قال شيخ شيوخنا الفاسي في حاشيته : وما ذكره واضح من حيث العقيدة، وإن كانت الآية، وقولُ إبراهيم يحتمل أن يكون من نوع قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ]. والمعنى الأول معلوم من قوله تعالى :﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ﴾ [ المائدة : ١٧ ] الآية. هـ. قلت : ظاهر قوله تعالى :﴿ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [ هود : ٧٤ ] ؛ أن مجادلته كانت عن قومه فقط ؛ لغلبة الشفقة عليه، كما هو شأنه، ولذلك قال تعالى :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ... ﴾ حتى قال له تعالى :﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا عَنْ هَذَا ﴾ [ هود : ٧٥، ٧٦ ] لَمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب، فتأمله.
﴿ وقالوا ﴾، لمّا رأوا فيه أثر الضجر والخوف :﴿ لا تخفْ ولا تحزنْ ﴾ على تمكنهم منا، ﴿ إنا منجُّوكَ وأهلَكَ ﴾ أي : وننجي أهلك، فالكاف في محل الجر، و " أهلك " : نصب بفعل محذوف، ﴿ إلا امرأتكَ كانت من الغابرين ﴾. في الكلام حذف يدل عليه ما في هود١، أي : لا تخف ولا تحزن من أجلنا، إنهم لن يصلوا إليك ونحن عندك، بل يهلكون جميعاً، وأما أنت ؛ فإنا منجوك. . . إلخ ؛ لأن خوفه إنما كان عليهم لا على نفسه. أو يقدر : إنا منجوك وأهلك بعد هلاكهم.
قال شيخ شيوخنا الفاسي في حاشيته : وما ذكره واضح من حيث العقيدة، وإن كانت الآية، وقولُ إبراهيم يحتمل أن يكون من نوع قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ]. والمعنى الأول معلوم من قوله تعالى :﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ﴾ [ المائدة : ١٧ ] الآية. هـ. قلت : ظاهر قوله تعالى :﴿ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [ هود : ٧٤ ] ؛ أن مجادلته كانت عن قومه فقط ؛ لغلبة الشفقة عليه، كما هو شأنه، ولذلك قال تعالى :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ... ﴾ حتى قال له تعالى :﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا عَنْ هَذَا ﴾ [ هود : ٧٥، ٧٦ ] لَمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب، فتأمله.
قال شيخ شيوخنا الفاسي في حاشيته : وما ذكره واضح من حيث العقيدة، وإن كانت الآية، وقولُ إبراهيم يحتمل أن يكون من نوع قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ]. والمعنى الأول معلوم من قوله تعالى :﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ﴾ [ المائدة : ١٧ ] الآية. هـ. قلت : ظاهر قوله تعالى :﴿ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [ هود : ٧٤ ] ؛ أن مجادلته كانت عن قومه فقط ؛ لغلبة الشفقة عليه، كما هو شأنه، ولذلك قال تعالى :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ... ﴾ حتى قال له تعالى :﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا عَنْ هَذَا ﴾ [ هود : ٧٥، ٧٦ ] لَمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب، فتأمله.
قال شيخ شيوخنا الفاسي في حاشيته : وما ذكره واضح من حيث العقيدة، وإن كانت الآية، وقولُ إبراهيم يحتمل أن يكون من نوع قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ]. والمعنى الأول معلوم من قوله تعالى :﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ﴾ [ المائدة : ١٧ ] الآية. هـ. قلت : ظاهر قوله تعالى :﴿ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾ [ هود : ٧٤ ] ؛ أن مجادلته كانت عن قومه فقط ؛ لغلبة الشفقة عليه، كما هو شأنه، ولذلك قال تعالى :﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ... ﴾ حتى قال له تعالى :﴿ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا عَنْ هَذَا ﴾ [ هود : ٧٥، ٧٦ ] لَمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب، فتأمله.
﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَارْجُواْ الْيَوْمَ الأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ * ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ و ﴾ أرسلنا ﴿ إلى مدينَ أخاهم شعيباً فقال يا قوم اعبدوا الله ﴾ وحده، ﴿ وارجُوا اليومَ الآخر ﴾ أي : خافوه، واعملوا ما ترجون به الثواب فيه، ﴿ ولا تعثوا في الأرض مفسدين ﴾ ؛ قاصدين الفساد.
﴿ وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ ﴾ * ﴿ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ ﴾ * ﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وعاداً وثمودَا ﴾ أي : اذكر عاداً وثموداً، أو أهلكنا عاداً، وثموداً يدل عليه ﴿ فأخذتهم الرجفة ﴾ ؛ لأنه في معنى الإهلاك، ﴿ وقد تبيَّنَ لكم ﴾ ما وصفنا من إهلاكهم ﴿ من مساكنهم ﴾ الدارسة. أو تبين لكم بعض مساكنهم الخربة إذا مررتم بها خالية. ﴿ وزيَّنَ لهم الشيطانُ أعمالهم ﴾ من الكفر والمعاصي، ﴿ فصدَّهم عن السبيل ﴾ ؛ عن الطريق الذي أُمروا بسلوكه، وهو الإيمان بالله ورسوله. ﴿ وكانوا مستبصرين ﴾ ؛ متمكنين من النظر والاستبصار وتميز الحق من الباطل، ولكنهم لم يفعلوا. أو عارفين الحق من الباطل ؛ بظهور دلائله، لكنهم عاندوا، حسداً. يقال : استبصر : إذا عرف الشيء على حقيقته. أو : متيقنين أن العذاب لاحق بهم ؛ بإخبار الرسول، لكنهم لجّوا. أو : مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها.
وقال الفراء : عقلاء ذوو بصائر، يعني : علماء في أمور الدنيا، كقوله :﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. . . ﴾ [ الروم : ٧ ] الآية. وقال مجاهد : حسبوا أنهم على الحق، وهم على الباطل. ه.
قال ابن جزي : فيحتمل عندي أنه أراد به المعنيين ؛ لأن قوم لوط هلكوا بالحجارة، وعاداً هلكوا بالريح. وإن حملناه على المعنى الواحد ؛ نقض ذكر لآخر، وقد أجاز كثير من الناس استعمال اللفظ الواحد ؛ في معنيين، ويقوي ذلك إن المقصود عموم أصناف الكفار. ه.
﴿ ومنهم من أخذتهم الصيحةُ ﴾ ؛ كمدين وثمود، ﴿ ومنهم من خسفنا به الأرضَ ﴾ كقارون، ﴿ ومنهم من أغرقنا ﴾ ؛ كقوم نوح، وفرعون وقومه، ﴿ وما كان الله ليظلمهم ﴾ فيعاقبهم بغير ذنب ؛ إذ ليس ذلك من عادته - عز وجل -، وإن جاز في حقه، ﴿ ولكن كانوا أنفسَهم يَظْلِمُون ﴾ ؛ بالتعرض للعذاب بالكفر والطغيان. وبالله التوفيق.
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ * ﴿ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ الْعَالِمُونَ ﴾ * ﴿ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذالِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ مَثَلُ الذين اتخذوا من دون اللهِ أولياءَ ﴾ ؛ أصناماً يعبدونها، أي : مَثَلُ من أشرك بالله الأوثان ؛ في الضعف، وسوء الاختيار، ﴿ كَمَثَل العنكبوتِ اتخذت بيتاً ﴾، أي : كمثل العنكبوت فيما تتخذه لنفسها من بيت ؛ فإنه لا يدفع الحر والبرد، ولا يقي ما تقي البيوت، فكذلك الأوثان، لا تنفعهم في الدنيا والآخرة، بل هي أَوْهَى وأضعف، فإن لبيت العنكبوت حقيقةً وانتفاعاً عاماً، وأما الأوثان فتضر ولا تنفع، ﴿ وإنَّ أوْهَنَ البيوتِ ﴾ أي : أضعفها ﴿ لبيتُ العنكبوت ﴾ ؛ لا بَيْتَ أوهن من بيته ؛ إذْ أضعف شيء يسقطها. عن عليّ رضي الله عنه :" طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت، فإن تركه يُورث الفقر ".
والعنكبوت يقع على الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث، ويجمع على عناكيب وعناكب وعِكاب وعكَبَة وأعكُب. ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ لعلموا أن هذا مثلُهم، وأنَّ ما تمسكوا به من الدين أرق من بيت العنكبوت. وقال الزجاج : تقدير الآية : مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء، لو كانوا يعلمون، كمثل العنكبوت. وقيل : معنى الآية : مَثَلُ المشركِ يعبد الوثن، بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله، مثل عنكبوت تتخذ بيتاً بالإضافة إلى رجل بنى بيتاً بآجُرٍّ وجص، أو جص وصخور، فكما أن أوهن البيوت، إذا استقرأتَهَا بيتاً بيتاً، بيت العنكبوت، كذلك أضعف الأديان، إذا تتبعتها ديناً ديناً، عبادةُ الأوثان.
تنبيه : الأشياء الحسية جعل الله فيها القوي والضعيف، والعزيز والذليل، والفقير والغني ؛ لِحكمة، وأما أسرار المعاني القائمة بها ؛ فكلها قوية عزيزة غنية، فالأشياء، بهذا الاعتبار - أعني : النظر لحسها ومعناها - كلها قوية في ضعفها، عزيزة في ذلها، غنية في فقرها. ولذلك تجد الحق تعالى يدفع بأضعف شيء أقوى شيء، وينصر بأذل شيء على أقوى شيء. رُوي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ وإن أوْهَن البيوت لبيتُ العنكبوت ﴾ ؛ شكى العنكبوتُ إلى الله تعالى، وقال ربِّ خلقتني ضعيفاً، ووصفتني بالإهانة والضعف، فأوحى الله تعالى إليه : انكسر قلبك من قولنا، ونحن عند المنكسرة قلوبهم من أجلنا، وقد صددنا بنسجك الضعيف صناديد قريش، وأغنينا محمداً عن كل ركن كثيف، فقال : يا رب حسبي أن خلقت في ذلي عزتي، وفي إهانتي قوتي. هـ. ذكره في اللباب.
﴿ وهو العزيزُ ﴾ الغالب الذي لا شريك له، ﴿ الحكيمُ ﴾ في ترك المعاجلة بالعقوبة، وفيه تجهيل لهم، حيث عبدوا جماداً لا علم له ولا قدرة، وتركوا عبادة القادر القاهر على كل شيء، الحكيم الذي لا يفعل إلا لحكمة وتدبير.
تنبيه : الأشياء الحسية جعل الله فيها القوي والضعيف، والعزيز والذليل، والفقير والغني ؛ لِحكمة، وأما أسرار المعاني القائمة بها ؛ فكلها قوية عزيزة غنية، فالأشياء، بهذا الاعتبار - أعني : النظر لحسها ومعناها - كلها قوية في ضعفها، عزيزة في ذلها، غنية في فقرها. ولذلك تجد الحق تعالى يدفع بأضعف شيء أقوى شيء، وينصر بأذل شيء على أقوى شيء. رُوي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ وإن أوْهَن البيوت لبيتُ العنكبوت ﴾ ؛ شكى العنكبوتُ إلى الله تعالى، وقال ربِّ خلقتني ضعيفاً، ووصفتني بالإهانة والضعف، فأوحى الله تعالى إليه : انكسر قلبك من قولنا، ونحن عند المنكسرة قلوبهم من أجلنا، وقد صددنا بنسجك الضعيف صناديد قريش، وأغنينا محمداً عن كل ركن كثيف، فقال : يا رب حسبي أن خلقت في ذلي عزتي، وفي إهانتي قوتي. هـ. ذكره في اللباب.
تنبيه : الأشياء الحسية جعل الله فيها القوي والضعيف، والعزيز والذليل، والفقير والغني ؛ لِحكمة، وأما أسرار المعاني القائمة بها ؛ فكلها قوية عزيزة غنية، فالأشياء، بهذا الاعتبار - أعني : النظر لحسها ومعناها - كلها قوية في ضعفها، عزيزة في ذلها، غنية في فقرها. ولذلك تجد الحق تعالى يدفع بأضعف شيء أقوى شيء، وينصر بأذل شيء على أقوى شيء. رُوي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ وإن أوْهَن البيوت لبيتُ العنكبوت ﴾ ؛ شكى العنكبوتُ إلى الله تعالى، وقال ربِّ خلقتني ضعيفاً، ووصفتني بالإهانة والضعف، فأوحى الله تعالى إليه : انكسر قلبك من قولنا، ونحن عند المنكسرة قلوبهم من أجلنا، وقد صددنا بنسجك الضعيف صناديد قريش، وأغنينا محمداً عن كل ركن كثيف، فقال : يا رب حسبي أن خلقت في ذلي عزتي، وفي إهانتي قوتي. هـ. ذكره في اللباب.
تنبيه : الأشياء الحسية جعل الله فيها القوي والضعيف، والعزيز والذليل، والفقير والغني ؛ لِحكمة، وأما أسرار المعاني القائمة بها ؛ فكلها قوية عزيزة غنية، فالأشياء، بهذا الاعتبار - أعني : النظر لحسها ومعناها - كلها قوية في ضعفها، عزيزة في ذلها، غنية في فقرها. ولذلك تجد الحق تعالى يدفع بأضعف شيء أقوى شيء، وينصر بأذل شيء على أقوى شيء. رُوي أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ وإن أوْهَن البيوت لبيتُ العنكبوت ﴾ ؛ شكى العنكبوتُ إلى الله تعالى، وقال ربِّ خلقتني ضعيفاً، ووصفتني بالإهانة والضعف، فأوحى الله تعالى إليه : انكسر قلبك من قولنا، ونحن عند المنكسرة قلوبهم من أجلنا، وقد صددنا بنسجك الضعيف صناديد قريش، وأغنينا محمداً عن كل ركن كثيف، فقال : يا رب حسبي أن خلقت في ذلي عزتي، وفي إهانتي قوتي. هـ. ذكره في اللباب.
﴿ اتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ اتْلُ ما أُوحي إليك من الكتابِ ﴾ ؛ تَنَعُّماً بشهود أسرار معانيه، وبشهود المتكلم به، فتغيب عن كل ما سواه، واستكشافاً لحقائقه، فإن القارئ المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه. وقد كان من السلف من يبقى في السورة يكررها أياماً، وفي الآية يرددها ليلة وأكثر، كلما رددها ظهر له معان أُخر.
﴿ وأَقِم الصلاةَ ﴾ أي : دم على إقامتها، بإتقانها ؛ فعلاً وحضوراً وخشوعاً، ﴿ إن الصلاةَ تنهى عن الفحشاء ﴾ ؛ الفعلة القبيحة ؛ كالزنى، والشرب، ونحوهما، ﴿ والمنكرِ ﴾، وهو ما يُنكره الشرع والعقل. ولا شك أن الصلاة، إذا صحبها الخشوع والهيبة في الباطن، والإتقان في الظاهر، نهت صاحبها عن المنكر، لا محالة، وإلا فلا.
رُوي أن فتًى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله الصلوات، ولا يدع شيئاً من الفواحش إلا ركبه، فَوُصِفَ حَالُهُ له صلى الله عليه وسلم فقال :" إن صلاته تنهاه "، فلم يلبث أن تاب١. ه.
وأما من كان يصليها فلم تنهه ؛ فهو دليل عدم قبولها، ففي الحديث :" من لمْ تَنْهَهُ صَلاتُهُ عن الفحشاء والمنكر لم يَزْدَدْ من الله إلا بُعْداً٢ " رواه الطبراني. وقال الحسن : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست بصلاة، وهي وبال عليه. وقال ابن عوف : إن الصلاة تنهى ؛ إذا كنت فيها فأنت في معروف وطاعة، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر. ه. فخص النهي بكونه ما دام فيها، وعليه حَمَلَهُ المَحلِّي.
قال المحشي : يعني : أن مِنْ شأنها ذلك، وإن لم يحصل ذلك فلا تخرج عن كونها صلاة، كما أن من شأن الإيمان التوكل، وإن قدر أن أحداً من المؤمنين لا يتوكل ؛ فلا يخرج ذلك عن الإيمان. وقيل : الصلاة الحقيقية : ما تكون لصاحبها ناهيةً عن ذلك، وإن لم ينته فالصلاةُ ناهيةٌ على معنى : ورود الزواجر على قلبه، ولكنه أصر ولم يطع. ويقال : بل الصلاة الحقيقية ما تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فإن كان، وإلا فصورة الصلاة، لا حقيقتها. انظر القشيري.
وقال ابن عطية : إذا وقعت على ما ينبغي ؛ من الخشوع، والإخبات لذكر عظمة الله، والوقوف بين يديه، انتهى عن الفحشاء والمنكر، وأما مَنْ كانت صلاته لا ذكر فيها ولا خشوع، فتلك تترك صاحبها بمنزلته حيث كان. ه.
فائدة : ذكر في اللباب أن أول من صلى الصبح آدم عليه السلام، لأنه لم يكن رأى ظلمة قط، فلما نزل، وجنَّه الليل خرّ مغشياً، فلما أصبح ورأى النور صلى ركعتين، شكراً. وأول من صلى الظهر إبراهيم، فلما فدى ولده، وقد كان نزل به أربعة أهوال، هم الذبح، وهم الولد، وهم والدته، وهم مرضاة الرب، فصلى أربع ركعات، شكراً لله تعالى. وأول من صلى العصر سليمان عليه السلام، لمَّا رد الله عليه ملكه. وأول من صلى المغرب عيسى عليه السلام، كفارة عما اعتقد فيه من أنه ثالث ثلاثة. وأول من صلى العشاء يونس عليه السلام، ولعله هذا الوقت الذي نُبذ فيه بالعراء. وأول من توضأ آدم ؛ كفارة لأكله. ه. مختصراً بزيادة بيان. وجمعها الحق تعالى لهذه الأمة المحمدية ؛ لتحوز فضائل تلك الشرائع ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جَامِعٌ لِمَا افْتَرَقَ في غيره.
ثم قال تعالى ﴿ ولذكرُ الله أكبرُ ﴾، أي : ولذكر الله، على الدوام، أكبر، في النهي من الفحشاء والمنكر، من الصلاة ؛ لأنها في بعض الأوقات. فالجزء الذي في الصلاة ينهى عن الفحشاء الظاهرة، والباقي ينهى عن الفحشاء الباطنة، وهو أعظم، ولأن الانتهاء لا يكون إلا من ذاكرٍ لله، مراقبٍ له، وثواب ذلك الذكر أن يذكر الله تعالى ؛ لقوله :﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٥٢ ]. ومن ذَكَرَه حَفِظَهُ ورعاه. أو : لذكر الله أكبر ؛ أجراً، من الصلاة، ومن سائر الطاعات، كما في الحديث :" ألا أنبئكم بخيرِ أعمالكمْ، وأزكْاهَا عند مليككم، وأرفَعِهَا في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والوَرِق، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوْا عدوكم فتضربُوا أعناقهم ويضربوا أعناقكمْ ؟ قالوا : وما ذلك يا رسول الله ؟ قال ذِكْرُ الله٣ ". وسئل أي الأعمال أفضل ؟ قال :" أن تموتَ ولسانُكَ رَطْبٌ من ذكر الله٤ ".
قيل : المراد بذكر الله هو الصلاة نفسها، أي : وَللصلواتُ أكبر من سائر الطاعات، وإنما عبّر عنها بذكر الله ؛ ليشعر بالتعليل، كأنه قال : والصلاة أكبر ؛ لأنها ذكر الله. وعن ابن عباس : ولذكر الله لكم إياكم، برحمته، أكبر من ذكركم إياه بطاعته. وقال ابن عطاء ذكر الله لكم أكبر من ذكركم له ؛ لأن ذكره بلا علة، وذكركم مشوب بالعلل والأماني، ولأن ذكره لا يفنى، وذكركم يفنى. أو : لذكر الله أكبر من أن تفهمه أفهامكم وعقولكم. أو : ذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية. ﴿ والله يعلم ما تصنعون ﴾ من الخير والطاعة، فيثيبكم أحسن الثواب. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر المتعلِّقَيْنِ بالجوارح الظاهرة، والذكر ينهى عن الفحشاء والمنكر المتعلقين بالعوالم الباطنة، وهي المساوئ التي تحجب العبد عن حضرة الغيوب فإذا أكثر العبد من ذكر الله، على نعت الحضور والتفرغ من الشواغل، تنور قلبه، وتطهر سره ولُبه، فاتصف بأوصاف الكمال، وزالت عنه جميع العلل، ولذلك جعلته الصوفية مُعْتَمَدَ أعمالِهِمْ، والتزموه مع مرور أوقاتهم وأنفاسهم، ولم يقتنعوا منه بقليل ولا كثير، بل قاموا فيه بالجد والتشمير، فيذكرون أولاً بلسانهم وقلوبهم، ثم بقلوبهم فقط، ثم بأرواحهم وأسرارهم فيغيبون حينئذٍ في شهود المذكور عن وجودهم وعن ذكرهم، وفي هذا المقام ينقطع ذكر اللسان، ويصير العبد محواً في وجود العيان، فتكون عبادتهم كلها فكرة وعبرة، وشهوداً ونظرة، وهو مقام العيان في منزل الإحسان، فيكون ذكر اللسان عندهم بطالة، وفي ذلك يقول الشاعر :
مَا إِنْ ذَكَرْتُكِ إلاّ همَّ يَلْعَنُني *** سِرِّي وَقَلْبِي وروحي، عند ذِكْرَاكَ
حَتَّى كَأَنَّ رَقيباً مِنْكَ يَهْتِفُ بِي :*** إِيَّاكَ، وَيْحَك، والتَّذْكَارَ، إِيَّاكَ
أَمَا تَرَى الْحقَّ قَدْ لاَحَتْ شَوَاهِدُهُ ؟ *** وَوَاصَلَ الْكُلَّ، مِنْ مَعْنَاهُ، مَعْنَاكَ ؟ !
قال القشيري : ويقال : ذكر الله أكبر من أن يبقى معه ذكر مخلوق أو معلوم للعبد، فضلاً أن يبقى معه للفحشاء والمنكر سلطان. ه. وقال في القوت على هذه الآية : الذكر عند الذاكرين : المشاهدة، فمشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة. هذا أحد الوجهين في الآية : ثم قال : ورُوي في معنى الآية ؛ عن رسول لله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إنما فرضت الصلاة، وأمر بالحج والطواف، وأشعرت المناسك، لإقامة ذكر الله - عز وجل - " ؛ قال تعالى :﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكري ﴾ [ طه : ١٤ ]، أي : لتذكرني فيها. ثم قال : فإذا لم يكن في قلبك للمذكور، الذي هو المقصود والمُبْتغى، عظمة ولا هيبة، ولا إجلالُ مقامٍ، ولا حلاوة فهْم، فما قيمة ذكرك فإنما صلاتك كعمل من أعمال دنياك. وقد جعل الرسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قسماً من أقسام الدنيا، إذ كان المصلي على مقام من الهوى، فقال :" حُبب إليَّ من دنياكم. . " ٥ ذكر منها الصلاة، فهي دنيا لمن كان همه الدنيا، وهي آخرة لأبناء الآخرة، وهي صلة ومواصلة لأهل الله - عز وجل-، وإنما سميت الصلاة ؛ لأنها صلة بين الله وعبده، ولا تكون المواصلة إلا لتقي، ولا يكون التقي إلا خاشعاً، فعند هذا لا يعظم عليه طول القيام، ولا يكبر عليه الانتهاء عن المنكر كما قال الله :﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴾. ه.
٢ أخرجه الطبري في تفسيره ٢٠/١٥٥. والسيوطي في الدر المنثور ٥/٢٧٩، وابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١٢٧..
٣ أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٣٧٧، وابن ماجه في الأدب حديث ٣٧٩..
٤ أخرجه ابن حبان في صحيحه ٨١٥..
٥ أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب عشرة النساء ٧/١٦١، والحاكم في المستدرك ٢/١٦٠، وأحمد في المسند ٣/١٢٨..
﴿ وَلاَ تُجَادِلُواْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ وَقُولُواْ آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ولا تُجادلوا أهلَ الكتاب إلا بالتي هي أحسن ﴾ ؛ إلا بالخصلة التي هي أحسن، أي : ألطف وأرفق، وهي مقابلة الخشونة باللين، والغضب بالكظم، والمشاغبة بالنصح، بأن تدعوه إلى الله تعالى برفق ولين، وتبين له الحجج والآيات، من غير مغالبة ولا قهر. وأصل المجادلة : فتلُ الخصم عن مذهبه بطريق الحجج، وأصل : شدة الفتل، ومنه قيل للصقر : أجدل ؛ لشدة فتل بدنه وقوة خلقه. والآية ؛ قيل : منسوخة بآية السيف، وقيل : نزلت في أهل الذمة.
﴿ إلا الذين ظلموا منهم ﴾، فأفرطوا في الاعتداء والعناد، ولم يقبلوا النصح، ولم ينفع فيهم الرفق، فاستعمِلوا معهم الغلظة. وقيل : إلا الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو : إلا الذين أثبتوا الولد والشريك، وقالوا : يد الله مغلولة. أو معناه : ولا تُجادلوا الذين دخلوا في الذمة، المؤدين للجزية، إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا : فنبذوا الذمة، ومنعوا الجزية، فمجادلتهم بالسيف. والآية تدل على جواز مناظرة الكفرة في الدين، وعلى جواز تعلم علم الكلام، الذي به تتحقق المجادلة. قاله النسفي. ﴿ وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهُنا وإلهكم واحد ﴾ ؛ هذا من حسن المجادلة. قال صلى الله عليه وسلم :" إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقالوا : آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان باطلاً ؛ لم تصدقوهم، وإن كان حقاً ؛ لم تكذبوهم١ ". ﴿ ونحن له مسلمون ﴾ ؛ مطيعون له خاصة، وفيه تعريض باتخاذهم أحبارَهُم ورهبانَهم أرباباً من دون الله.
الإشارة : المناظرة بين العلماء، والمذاكرة بين الفقراء، ينبغي أن تكون برفق ولين عن قلب سليم، بقصد إظهار الحق وتبيين الصواب، أو تنبيه عن الغفلة، أو ترقية في المنزلة، من غير ملاححة، أو مخاصمة، ولا قصد مغالبة ؛ لأن العلم النافع، وذكر الله الحقيقي، يُهذب الطبع، ويحسن الأخلاق.
قال في الحاشية : ثم تذكّر حسن رده صلى الله عليه وسلم للقائلين له : السلام عليكم، ورفقَه، وقوله لعائشة :" متى عَهدْتِنِي فاحشاً " ؟ يتبين لك مناسبة الوصية بحسن المجادلة في الآية مع ما قبلها، وأن ذلك حال المقيمين للصلاة، الذاكرين الله حقيقة، وأنهم على خُلق جميل وحلم وسمت، لا يستفزهم شيء من العوارض ؛ لِمَا رسخ في قلوبهم من نور القُرب الذي محى الطبع وفُحْشه. والله تعالى أعلم. ه.
﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الْكَافِرونَ ﴾ * ﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ * ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الظَّالِمُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وكذلك ﴾ أي : ومثل ذلك الإنزال البديع ﴿ أنزلنا إليك الكتاب ﴾ مصدقاً لسائر الكتب السماوية وشاهداً عليها، ﴿ فالذين آتيناهم الكتاب ﴾ ؛ التوراة والإنجيل، ﴿ يؤمنون به ﴾، وهم عبد الله بن سلام ومن آمن معه، وأصحاب النجاشي، أو : من تقدم عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، ﴿ ومن هؤلاء ﴾، من أهل مكة، ﴿ من يؤمن به ﴾، أو : فالذي آتيناهم الكتب قبلك يؤمنون به قبل ظهوره، ومن هؤلاء الذين أدركوا زمانك من يؤمن به. وإذا قلنا : إِنّ السورة كلها مكية، يكون إخباراً بغيب تحقق وقوعه، ﴿ وما يجحد بآياتنا ﴾، مع ظهورها وزوال الشبهة عنها، ﴿ إلا الكافرون ﴾ ؛ إلا المتوغلون في الكفر، المصممون عليه، ككعب بن الأشرف وأضرابه، أو كفار قريش، إذا قلنا : الآية مكية.
هذا، وكونه صلى الله عليه وسلم أُمياً كَمَالٌ في حقه صلى الله عليه وسلم، مع كونه أمياً أحاط بعلوم الأولين والآخرين، وأخبر بقصص القرون الخالية والأمم الماضية، من غير مدارسة ولا مطالعة، وهو، مع ذلك، يُخبر بما مضى، وبما يأتي إلى قيام الساعة، وسرد علم الأولين والآخرين مما لا يعلم القصة الواحدة منها إلا الفاذ من أحبارهم، الذي يقطع عمره في مدارسته وتعلمه، وهذا كله في جاهلية جهلاء، بَعُد فيها العهد بالأنبياء، وبدّل الناس، وغيَّروا في كتب الله تعالى ؛ بالزيادة والنقصان، ففضحهم صلى الله عليه وسلم وقرر الشرائع الماضية، فهذا كله كاف في صحة نبوته، فكانت أميته صلى الله عليه وسلم وَصْفَ كمال في حقه، ومعجزةً دالة على نبوته ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم، مع كونه أُمياً، ظهر عليه من العلوم اللدنية، والأسرار الربانية، ما يعجز عنه العقول، ولا تُحيط به النقول، مع إحكامه لسياسة الخلق، ومعالجتهم، مع تنوعهم، وتدبير أمر الحروب، وإمامته في كل علم وحكمة.
وأيضاً : المقصود من القراءة والكتابة : ما ينتج عنهما من العلم ؛ لأنهما آلة، فإذا حصلت الثمرة استغنى عنهما. والمشهور أنه صلى الله عليه وسلم لم يكتب قط.
وقال الباجي وغيره : إنه كتب، لظاهر حديث الحديبية. وقال مجاهد والشعبي : ما مات النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب وقرأ. وهذا كله ضعيف.
﴿ وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ * ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذالِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ * ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وقالوا ﴾ أي كفار قريش :﴿ لولا أُنزل عليه آية من ربه ﴾ تدل على صدقه، مثل ناقة صالح، وعصا موسى، ومائدة عيسى، ونحو ذلك. وقرأ نافع وابن عامر وحفص : بالجمع ؛ " آيات "، كثيرة ﴿ قل إنما الآيات عند الله ﴾، يُنزل منها ما شاء متى شاء، ولست أملك منها شيئاً، ﴿ وإنما أنا نذير مبين ﴾ ؛ إنما كلفت بالإنذار وإبانته بما أعطيت من الآيات، وليس من شأني أن أقول : أنزل على آية كذا دون آية كذا، مع علمي أن المراد من الآيات ثبوت الدلالة على نبوتي، والآيات كلها في حُكم آية واحدة في ذلك.
دامَتْ لَدَيْنا ؛ فَفاقَتْ كلَّ مُعْجِزَةٍ | مِنَ النَّبِيِّينَ، إِذْ جاءَتْ ولَمْ تَدُمِ |
﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ * ﴿ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ﴾ * ﴿ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيِقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ ويستعجلونك بالعذاب ﴾، كقولهم : أمطر علينا حجارة من السماء، ﴿ ولولا أجلٌ مسمىًّ ﴾ المضروب لعذاب كل قوم، أو : القيامة، أو : يوم بدر، أو : وقت فنائهم بأجلهم. والمعنى : ولو أجل قد سمّاه الله وعيَّنه في اللوح المحفوظ، ﴿ لجاءهم العذاب ﴾ عاجلاً. والحكمة تقتضي تأخيره إلى ذلك الأجل المسمى، ﴿ وليأتينهم ﴾ العذاب في الأجل المسمى ﴿ بغتةً ﴾ : فجأة ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ بإتيانه.
﴿ يا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ﴾ * ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ * ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ * ﴿ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعةً ﴾، فإذا لم يتيسر لكم إقامةُ دينِكُمْ في بلد، فاخرجوا منها إلى أرض يتهيأ لكم فيها استقامة دينكم، والبقاع تتفاوت في ذلك تفاوتاً كبيراً، والناس مختلفون، فأهل الشرائع يطلبون البقاع التي يتيسر لهم فيها استقامة ظواهرهم، كالمدن والقرى الكبار، التي يكثر فيها العلم وأهله. وأهل الحقائق من الصوفية يطلبون البقاع التي تسلم فيها قلوبهم من العلائق والشواغل، أينما وجدوها عمروها، إن تهيأ لهم الاجتماع على ربهم. وعن سهل رضي الله عنه : إذا ظهرت المعاصي والبدع في أرض، فاخرجوا منها إلى أرض المطيعين. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من فرّ بدينه من أرض، إلى أرض، وإن كان بشيراً، استوجب الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام١ ".
﴿ فإياي فاعبدون ﴾ أي : فخصوني بالعبادة. وإياي : مفعول لمحذوف، ومفعول " اعبدوني " : الياء المحذوفة، أي : فاعبدوا إياي، فاعبدوني. والفاء : جواب الشرط، محذوف، إذ المعنى، إن أرضي واسعة، فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرض، فاخلصوا لي في غيرها.
كُلُّ امْرئٍ مُصَبَّحٌ في أَهْلهِ | والمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ |
المَوْتُ كَأسٌ، وكُلُّ النَاس شَارِبُه | والقَبْرُ بَابٌ، وكُلُّ الناس دَاخِلُهُ |
وقال آخر :
اعْلَمْ بِأَنَّ سِهَامَ الْمَوْتِ قَاطِعَةٌ | بِكُلِّ مُدِّرع فِيهَا وَمُتَّرِسِ |
ركوبُك النعشُ يُنْسِيكَ الرُّكُوبَ إلى | مَا كُنْتَ تَرْكَبُ مِنْ نَعْلٍ ومَنِ فَرَسِ |
تَرْجُو النَّجَاةَ، وَلَمْ تَسْلُكْ طَرِيَقَتَهَا | إنَّ السَّفَينَةَ لاَ تَجْرِيَ علَى يَبَسِ |
كُلُّ امْرئٍ مُصَبَّحٌ في أَهْلهِ | والمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ |
المَوْتُ كَأسٌ، وكُلُّ النَاس شَارِبُه | والقَبْرُ بَابٌ، وكُلُّ الناس دَاخِلُهُ |
وقال آخر :
اعْلَمْ بِأَنَّ سِهَامَ الْمَوْتِ قَاطِعَةٌ | بِكُلِّ مُدِّرع فِيهَا وَمُتَّرِسِ |
ركوبُك النعشُ يُنْسِيكَ الرُّكُوبَ إلى | مَا كُنْتَ تَرْكَبُ مِنْ نَعْلٍ ومَنِ فَرَسِ |
تَرْجُو النَّجَاةَ، وَلَمْ تَسْلُكْ طَرِيَقَتَهَا | إنَّ السَّفَينَةَ لاَ تَجْرِيَ علَى يَبَسِ |
كُلُّ امْرئٍ مُصَبَّحٌ في أَهْلهِ | والمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ |
المَوْتُ كَأسٌ، وكُلُّ النَاس شَارِبُه | والقَبْرُ بَابٌ، وكُلُّ الناس دَاخِلُهُ |
وقال آخر :
اعْلَمْ بِأَنَّ سِهَامَ الْمَوْتِ قَاطِعَةٌ | بِكُلِّ مُدِّرع فِيهَا وَمُتَّرِسِ |
ركوبُك النعشُ يُنْسِيكَ الرُّكُوبَ إلى | مَا كُنْتَ تَرْكَبُ مِنْ نَعْلٍ ومَنِ فَرَسِ |
تَرْجُو النَّجَاةَ، وَلَمْ تَسْلُكْ طَرِيَقَتَهَا | إنَّ السَّفَينَةَ لاَ تَجْرِيَ علَى يَبَسِ |
كُلُّ امْرئٍ مُصَبَّحٌ في أَهْلهِ | والمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ |
المَوْتُ كَأسٌ، وكُلُّ النَاس شَارِبُه | والقَبْرُ بَابٌ، وكُلُّ الناس دَاخِلُهُ |
وقال آخر :
اعْلَمْ بِأَنَّ سِهَامَ الْمَوْتِ قَاطِعَةٌ | بِكُلِّ مُدِّرع فِيهَا وَمُتَّرِسِ |
ركوبُك النعشُ يُنْسِيكَ الرُّكُوبَ إلى | مَا كُنْتَ تَرْكَبُ مِنْ نَعْلٍ ومَنِ فَرَسِ |
تَرْجُو النَّجَاةَ، وَلَمْ تَسْلُكْ طَرِيَقَتَهَا | إنَّ السَّفَينَةَ لاَ تَجْرِيَ علَى يَبَسِ |
﴿ وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ * ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ * ﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ * ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وكأيِّن من دابة ﴾ أي : وكم دابة من دواب الأرض، عاقلة وغير عاقلة، ﴿ لا تحملُ رِزْقَها ﴾ ؛ لا تطيق أن تحمله ؛ لضعفها عن حمله، ﴿ اللهُ يرزقها وإياكم ﴾ أي : لا يرزق تلك الدواب الضعاف إلا الله، ولا يرزقكم أنتم أيها الأقوياء إلا الله، وإن كنتم مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها ؛ لأنه لو لم يخلق فيكم قدرة على كسبها، لكنتم أعجز من الدواب. وعن الحسن :﴿ لا تحمل رزقها ﴾ : لا تدخره، إنما تصبح خِمَاصاً١، فيرزقها الله. وقيل : لا يدخر من الحيوان قوتاً إلا ابن آدم والفأرة والنملة. ﴿ وهو السميع ﴾ لقولكم : نخشى الفقر والعيْلة إن هاجرنا، ﴿ العليم ﴾ بما في ضمائركم من خوف فوات الرزق.
كَمْ قَوِيٍّ قَوِيٍّ في تقلبه | ترى عَنْهُ أَمْرَ الرَّزْقِ يَنْحَرفُ |
وكم ضعيفٍ ضعيفٍ في تصرفه | كأنه من خليجِ البحرِ يَغْتَرِفُ |
اللهَ يَرْزُق قَوْماً لاَ خَلاَقَ لَهُمْ | مِثْلَ الْبَهَائِمِ في خَلْقِ التَّصَاوِيرِ |
لَوْ كَانَ عَنْ قُوَّةٍ أَوْ عَنْ مُغَالَبَةٍ | طَارَ البُزَاةُ بِأرْزَاقِ الْعَصَافِيرِ |
كَمْ قَوِيٍّ قَوِيٍّ في تقلبه | ترى عَنْهُ أَمْرَ الرَّزْقِ يَنْحَرفُ |
وكم ضعيفٍ ضعيفٍ في تصرفه | كأنه من خليجِ البحرِ يَغْتَرِفُ |
اللهَ يَرْزُق قَوْماً لاَ خَلاَقَ لَهُمْ | مِثْلَ الْبَهَائِمِ في خَلْقِ التَّصَاوِيرِ |
لَوْ كَانَ عَنْ قُوَّةٍ أَوْ عَنْ مُغَالَبَةٍ | طَارَ البُزَاةُ بِأرْزَاقِ الْعَصَافِيرِ |
كَمْ قَوِيٍّ قَوِيٍّ في تقلبه | ترى عَنْهُ أَمْرَ الرَّزْقِ يَنْحَرفُ |
وكم ضعيفٍ ضعيفٍ في تصرفه | كأنه من خليجِ البحرِ يَغْتَرِفُ |
اللهَ يَرْزُق قَوْماً لاَ خَلاَقَ لَهُمْ | مِثْلَ الْبَهَائِمِ في خَلْقِ التَّصَاوِيرِ |
لَوْ كَانَ عَنْ قُوَّةٍ أَوْ عَنْ مُغَالَبَةٍ | طَارَ البُزَاةُ بِأرْزَاقِ الْعَصَافِيرِ |
كَمْ قَوِيٍّ قَوِيٍّ في تقلبه | ترى عَنْهُ أَمْرَ الرَّزْقِ يَنْحَرفُ |
وكم ضعيفٍ ضعيفٍ في تصرفه | كأنه من خليجِ البحرِ يَغْتَرِفُ |
اللهَ يَرْزُق قَوْماً لاَ خَلاَقَ لَهُمْ | مِثْلَ الْبَهَائِمِ في خَلْقِ التَّصَاوِيرِ |
لَوْ كَانَ عَنْ قُوَّةٍ أَوْ عَنْ مُغَالَبَةٍ | طَارَ البُزَاةُ بِأرْزَاقِ الْعَصَافِيرِ |
﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ * ﴿ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ وما هذه الحياةُ الدنيا إلا لهوٌ ولعب ﴾ أي : وما هي ؛ لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها، إلا كما يلعب الصبيان ساعة، ثم يفترقون متعبَين بلا فائدة. وفيه ازدراء بالدنيا وتحقير لشأنها، وكيف لا يحقرها وهي لا تزن عنده جناح بعوضة ؟ واللهو : ما يتلذذ به الإنسان، فيلهيه ساعة، ثم ينقضي. ﴿ وإنَّ الدار الآخرة لهي الحيوان ﴾، أي : الحياة الحقيقية ؛ لأنها دائمة. والحيوان : مصر، وقياسه : حيَيَان، فَقَلَبَ الياءَ الثانية واواً. ولم يقل : لهي الحياة ؛ لِمَا في بناء فَعَلاَن من معنى الحركة والاضطراب. وفي المصباح : الحيوان : مبالغة في الحياة، كما قيل : للموت الكثير مَوَتَان. ه. ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ حقيقة الدارين ؛ لَمَا اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي.
فتحصل أن الدنيا في حق أهل الغفلة لعب ولهو ؛ لأنها شغلتهم وغرتهم بزخارفها عن معرفة الله والوصول إليه، ولذلك حذّر منها صلى الله عليه وسلم، فقد قال في بعض خطبه :" أيها الناس، لا تكونوا ممن خَدَعَتْهُ العاجلة، وغرته الأمنية، واستهوته الخدعة، فركن إلى دار سريعة الزوال، وشيكة الانتقال ؛ إذ لن يبقى من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلا كإناخة راكب، أو درّ حالب، فعلام تعرجون ؟ وما تنتظرون ؟ فكأنكم، والله، بما قد أصبحتم فيه من الدنيا، كأن لم يكن، وما تصيرون إليه من الآخرة، لم يزل، فخذوا في الأهْبة لأزُوف النقلة، وأعدوا الزاد لقرب الرحلة، واعلموا أن كل امرئ على ما قَدَّمَ قادِمٌ، وعلى ما خَلَّفَ نادمٌ ". وفي حق أهل الجد جدٌ وحق ؛ لأنها مزرعة للآخرة، ومتجر من أسواق الله، فيها ربحهم وغنيمتهم. وبالله التوفيق.
فتحصل أن الدنيا في حق أهل الغفلة لعب ولهو ؛ لأنها شغلتهم وغرتهم بزخارفها عن معرفة الله والوصول إليه، ولذلك حذّر منها صلى الله عليه وسلم، فقد قال في بعض خطبه :" أيها الناس، لا تكونوا ممن خَدَعَتْهُ العاجلة، وغرته الأمنية، واستهوته الخدعة، فركن إلى دار سريعة الزوال، وشيكة الانتقال ؛ إذ لن يبقى من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلا كإناخة راكب، أو درّ حالب، فعلام تعرجون ؟ وما تنتظرون ؟ فكأنكم، والله، بما قد أصبحتم فيه من الدنيا، كأن لم يكن، وما تصيرون إليه من الآخرة، لم يزل، فخذوا في الأهْبة لأزُوف النقلة، وأعدوا الزاد لقرب الرحلة، واعلموا أن كل امرئ على ما قَدَّمَ قادِمٌ، وعلى ما خَلَّفَ نادمٌ ". وفي حق أهل الجد جدٌ وحق ؛ لأنها مزرعة للآخرة، ومتجر من أسواق الله، فيها ربحهم وغنيمتهم. وبالله التوفيق.
فتحصل أن الدنيا في حق أهل الغفلة لعب ولهو ؛ لأنها شغلتهم وغرتهم بزخارفها عن معرفة الله والوصول إليه، ولذلك حذّر منها صلى الله عليه وسلم، فقد قال في بعض خطبه :" أيها الناس، لا تكونوا ممن خَدَعَتْهُ العاجلة، وغرته الأمنية، واستهوته الخدعة، فركن إلى دار سريعة الزوال، وشيكة الانتقال ؛ إذ لن يبقى من دنياكم هذه في جنب ما مضى إلا كإناخة راكب، أو درّ حالب، فعلام تعرجون ؟ وما تنتظرون ؟ فكأنكم، والله، بما قد أصبحتم فيه من الدنيا، كأن لم يكن، وما تصيرون إليه من الآخرة، لم يزل، فخذوا في الأهْبة لأزُوف النقلة، وأعدوا الزاد لقرب الرحلة، واعلموا أن كل امرئ على ما قَدَّمَ قادِمٌ، وعلى ما خَلَّفَ نادمٌ ". وفي حق أهل الجد جدٌ وحق ؛ لأنها مزرعة للآخرة، ومتجر من أسواق الله، فيها ربحهم وغنيمتهم. وبالله التوفيق.
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ﴾ * ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ أَوَلَمْ يَرَوا ﴾ أي : أهل مكة ﴿ أنا جعلنا ﴾ بلدهم ﴿ حَرَماً ﴾ أي : ممنوعاً مصوناً من الهبب، ﴿ آمِنا ﴾ ؛ يأمن كل من دخله، أو آمناً أهله من القتل والسبي، ﴿ ويُتَخَطّفُ الناس من حولهم ﴾ أي : يخطف بعضهم بعضاً، قتلاً وسبياً، إذ كانت العرب حوله في تغاور وتناهب، ﴿ أفبالباطل يؤمنون ﴾ ؛ أبعد هذه النعمة العظمى يُؤمنون بالأصنام ويعبدونها، أو : الشيطان، ﴿ وبنعمة الله يكفرون ﴾ ؛ حيث أشركوا به غيْرَهُ، أو بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ إذ هو النعمة المهداة، أو : الإسلام. وتقديم المعمولين ؛ للاهتمام، أو للاختصاص.
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المطايا ***. . .
أي : أتم خير من ركب المطايا، والتقدير : ألا يستوجبون الثوى فيها ؟ وقد افتروا مثل هذه العظيمة، كذبوا على الله وكذّبوا بالحق الذي جاء من عنده، أو : ألم يصح عندهم أن في جهنم مثوى للكافرين ؟ حين اجترأوا مثل هذه الجرأة، بل لهم فيها مثوى وإقامة. وهذه الآية في مقابلة قوله :﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفَاً ﴾ [ العنكبوت : ٥٨ ]. لاسيما في قراءة الثاء. والله تعالى أعلم.
... *** وأندى العالمين بطون راح
والبيت لجرير في ديوانه ص ٨٥، ٨٩، والجنى الداني ص ٣٢، وشرح شواهد المغني ١/٤٢، ولسان العرب (نقص). ومغني اللبيب ١/١٧ وبلا نسبة في الخصائص ٢/٤٦٣..
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
يقول الحق جل جلاله :﴿ والذين جاهدوا فينا ﴾، أطلق المجاهدة، ولم يُقيدها بمفعول ؛ ليتناول من تجب مجاهدته من النفس والشيطان وأعداء الدين، أي : جاهدوا نفوسَهم في طلبنا أو في حقنا، ومن أجلنا، ولوجهنا، خالصاً، ﴿ لنهدينهم سُبلنا ﴾ أي : طُرُق السير إلينا، والوصول إلى حضرتنا، أو لنسهلنهم فعل الخير حتى يصلوا إلى جنابنا.
وعن الداراني : والذين جاهدوا بأن عملوا بما علموا، لنهدينهم إلى علم ما لم يعلموا. وقال الفضيل : والذين جاهدوا في طلب العلم، أي : لله، لنهدينهم سبل العمل. وقال سهل : والذين جاهدوا في إقامة السنَّة، لنهدينهم سبل الجنة. وقال ابن عطاء : جاهدوا في إرضائنا ؛ لنهدينهم سبل الوصول إلى محل الرضوان. وقال ابن عباس : جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سُبل ثوابنا.
وقال الجنيد : جاهدوا في التوبة، لنهديهم سُبل الإخلاص، أو : جاهدوا في خدمتنا ؛ لنمنحنهم سبل المناجاة معنا والأنس بنا، ﴿ وإن الله لمع المحسنين ﴾ بالنصر والمعونة في الدنيا، وبالثواب والمغفرة في العُقبى. والله تعالى أعلم.
الإشارة : المجاهدة، على قدرها تكون المشاهدة، فمن لا مجاهدة له لا مشاهدة له. وبالمجاهدة تميزت الخصوص من العموم، وبها تحقق سير السائرين، فالعموم وقفوا مع موافقة حظوظهم ؛ من الجاه والغنى وغيره، والخصوص خالفوا نفوسهم ورفضوا حظوظهم، وخرقوا عوائدهم، فَخُرِقَتْ لهم العوائد، وانكشفت عنهم الحجب، وشاهدوا المحبوب. فجاهدوا أولاً في ترك الدنيا، وتحملوا مرارة الفقر، حتى تحققوا بمقام التوكل، ثم جاهدوا في ترك الجاه والرئاسة، فتحققوا بالخمول، وهو أساس الإخلاص، ثم جاهدوا في مخالفة النفس، فَحَمَّلوها كل ما يثقل عليها، وأخرجوها من كل ما تهواه ويخف عليها، وارتكبوا في ذلك أهوالاً وأحوالاً صِعَاباً، حتى ماتت نفوسهم مَوْتَاتٍ، فتحقق بذلك حياة أرواحهم، وأشرفت على البحر الزاخر، بحر التوحيد الخاص، فغابت ظلال الأكوان حين أشرقت شمس العيان، ففني من لم يكن، وبقي من لم يزل، فدخلوا جنة المعارف، ولم يشتاقوا قط إلى جنة الزخارف ؛ لأنها منطوية فيها. ولا بد من صحبة شيخ كامل، قد سلك هذه المسالك، يلقيه زمام نفسه، حتى يوصله إلى ربه، وإلا أتعب نفسه بلا فائدة.
وقوله تعالى :﴿ وإن الله لمع المحسنين ﴾ ؛ تهوينٌ وتسهيلٌ على السائرين أَمْرَ نفوسِهِمْ ومجاهدَتَها، إذا علموا أن الله معهم، هان عليهم كل صعب، وقَرُبَ كل بعيد. وبالله التوفيق. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.