ﰡ
اختلف في سبب الآية، فقيل إن بعض المنافقين قال : إن محمدا له قلبان لأنه كان في الشيء فنزغ في غيره ثم عاد إلى شأنه الأول. فقالوا ذلك عنه فنهاهم الله تعالى عنه ١ وقيل بل بسبب أنه كان في قريش في بني فهد رجل منهم يدعي أن له قلبين وأنه أذكى من محمد صلى الله عليه وسلم وكان يدعى ذا القلبين. فلما وقعت هزيمة بدر طاف لبه وحدث أبا سفيان كالمختبل، فنزلت الآية بسببه نفيا لدعواه ٢. واختلف في اسم ذلك الرجل فقيل أبو معمر، وقيل هو عبد الله بن خطل ٣. وإنما جاء هذا اللفظ في الآية مقدما توطئة لما بعده وذلك أن بعده : إن الأزواج المتظاهر منهن لا يكن أمهات وأن الأدعياء لا يكونون أبناء. فأراد تعالى أنه كما لا يكون لرجل قلبان في جوفه، كذلك لا يكون الأزواج أمهات ولا الأدعياء أبناء. وذلك أن العرب كانوا إذا حرم أحدهم زوجته جعلها كأمه ويعتقدون في الأدعياء أنهم أبناء، فأبطل الله تعالى ذلك، وأنزل أحكام الظهار إذا وقع، وسيأتي الكلام عليه في سورة المجادلة إن شاء الله تعالى. ونفى أن يكون الأدعياء أبناء، وذلك بسبب زيد بن حارثة ٤ وكان يدعى زيد بن محمد، وذلك أنه كان عبدا لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ٥، وذلك قبل البعثة، وأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاختار البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم على حريته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه " فرضي بذلك أبوه وعمه وانصرفا.
وقوله :﴿ ذلكم قولكم بأفواهكم ﴾ تأكيد للقول.
٢ ذكره الواحدي في أسباب النزول ص ٢٦٤، وكذلك الجصاص في أحكام القرآن ٥/ ٢٢١، ٢٢٢..
٣ في أسباب النزول للواحدي أنه جميل بن معمر. راجع ص ٢٦٤..
٤ زيد بن حارثة: هو زيد بن حارثة بن شراحيل، صحابي، اشترته خديجة ووهبته للنبي صلى الله عليه وسلم فتبناه قبل الإسلام وأعتقه وزوجه ابنة عمه. توفي سنة ٨هـ/ ٦٢٩م. انظر الإصابة لابن حجر ١/ ٥٦٣..
٥ "بسبب زيد بن حارثة... إلى: وسلم" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
فأمر بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب وأن لا يدعوهم إلى من تبناهم كما كان يفعل أولا فمن جهل ذلك فيه كان مولى وأخا في الدين. فقال الناس : زيد بن حارثة وسالم مولى أبي حذيفة ١ وغير ذلك. ذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الآية ثم قال : أنا ممن لا يعرف أبوه فأنا أخوكم في الدين ومولاكم. قال الراوي عنه : ولو علم أن أباه حمار لانتمى إليه. وأهل الحديث يقولون في أبي بكرة : نفيع بن الحارث ٢ وهذه الآية ناسخة لما قد كان قبلها جائزا في السنة من تنمية الرجل المتبنى إلى متبنيه بالبنوة كما ينسب إلى أبي الصلب وذلك أنه قد كان النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك حتى نزلت الآية. فهذا من نسخ السنة بالقرآن. وبين الأصوليين فيه تنازع ٣.
– قوله تعالى :﴿ وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به.... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ النبي أولى بالمؤمنين ﴾ :
اختلف في الخطأ والعمد في الآية ما هو ؟ فقالت فرقة : خطأهم كان فيما سلف من قولهم ذلك. وهذا ضعيف، لأنه لا يتصف بشيء، لأنه خطأ إلا بعد النهي. وقال الجمهور : الخطأ ما كان من غير قصد. ثم اختلف الذين ذهبوا إلى هذا هل الآية على العموم أم لا ؟ فذهب جماعة إلى أنها خاصة ٤، وأن رفع الحرج إنما هو جري على العادة من نسبة زيد إلى محمد، وغير ذلك مما يشبهه، وأن الجناح في التعمد، إلى نحو ذلك، وهو قول قتادة وغيره. وذهب قوم إلى أنها عامة في كل شيء لم يتعمده فاعله وهو مما لو تعمده لزمه حكم ٥. وعلى هذا يأتي اختلاف الفقهاء فيمن حلف أن لا يفارق غريمه حتى يقضيه، فقضاه ثم وجد فيما قضاه زائدا أو ناقصا. وفيمن ٦ حلف أن لا يسلم على رجل فسلم عليه وهو لا يعلم. فذهب عطاء وغيره إلى أنه لا يحنث من فعل ذلك غير متعمد ٧ وحجته عموم الآية وقوله عليه الصلاة والسلام : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان/ وما استكرهوا عليه " ٨ وقوله : " ما أخشى عليكم الخطأ وإنما أخشى عليكم العمد " ٩ وأكثر الفقهاء يرون الحنث في ذلك ونحوه ويحملون عموم الآية في الأحاديث على الخصوص. وكذلك اختلفوا فيمن أفطر في رمضان ناسيا١٠ هل عليه قضاء ؟ وكذلك اختلفوا فيمن صلى ناسيا بجنابته هل عليه إعادة ؟ وعموم الآية ما يمكن أن يحتج به في جميع ذلك.
٢ ذكر القرطبي قول الطبري في الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ١٢١..
٣ في (أ): "نزاع"..
٤ "خاصة " كلمة ساقطة في (أ)، (ز)..
٥ نسبه القرطبي إلى عطاء ١٤/ ١٢٠..
٦ "حلف أن لا يفارق... إلى: وفيمن" كلام ساقط في (أ)..
٧ راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٢٢، ٢٢٣، وأحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٤٤، والجامع لأحكام القرآن ١٤/ ١٢٠..
٨ الحديث أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب: طلاق المكره والناسي ١/ ٦٥٩..
٩ نسبه الجصاص إلى عمر وكذلك الكيا الهراسي. راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٢٣، وأحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٤٤..
١٠ في (أ)، (ز): "ساهيا"..
اختلف في تأويلها، فقيل المعنى إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بشيء أو نهى عنه ثم خالفت إلى أمور نفسه كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يتبعه من أمر نفسه١. وقيل معناه إن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالحكم من الإنسان مما يحكم به الإنسان في نفسه لوجوب طاعته عليه الصلاة والسلام ٢ هذا في حق الولاية من قبل المؤمنين. وأما من قبل النبي صلى الله عليه وسلم فالذي ينبغي أن يقال فيه إنه ٣ الرفق والتلطف والمن والعطف. فمن ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام كان لا يصلي على ميت عليه دين. فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فعلي، أنا وليه فاقرأوا إن شئتم :﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ﴾ " ٤ فالآية على هذا ناسخة للسنة.
قوله تعالى :﴿ وأزواجه أمهاتهم ﴾ :
جعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تشريفا لهن مثل الأمهات للمؤمنين أي أنهن يجب برهن كما يجب بر الأمهات ويحرم نكاحهن كما يحرم نكاح الأمهات وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات. وقد اختلف هل كان يحرم عليه عليه الصلاة والسلام حرائر الكتابيات أم لا ؟ واستدل من قال بالتحريم بقوله تعالى :﴿ وأزواجه أمهاتهم ﴾ ولو تزوج عليه السلام كافرة لكانت أما للمؤمنين.
قوله تعالى :﴿ وأولوا الأرحام بعضهم... ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ مسطورا ﴾ :
بين تعالى في هذا أن أولي الأرحام أحق بالتوارث مما كانت الشريعة قررته من التوارث بالأخوة والهجرة، فإنه كان في صدر الإسلام بالمدينة توارث بهذين الوجهين، واختلفت الروايات في صفته. فالآية على هذا ناسخة، رد الله تعالى بها المواريث على الأنساب. وقد تقدم الكلام على هذا في سورة الأنفال ٥. وقوله :﴿ في كتاب الله ﴾ يحتمل أن يريد القرآن ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ.
وقوله تعالى :﴿ إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ﴾ :
قال قتادة وغيره ٦ : يريد الإتيان في الحياة والصلة والوصية عند الموت وهذا كله جائز أن يفعل مع ولي المؤاخاة والهجرة والقريب الذي ليس بوارث وإن كان كافرا. واختلفوا هل يجوز أن يجعل الكافر وصيا أم لا ؟ فجوز بعض ومنع بعض ورد النظر إلى السلطان بعض منهم مالك رضي الله تعالى عنه. فإذا قيل بالمنع فالآية في المؤمنين خاصة، وإلى هذا ذهب مجاهد وابن زيد والرماني ٧ وغيره. أو يقال في المؤمنين والكافرين فيما دون إثبات الوصية منهم. ومن أجاز حمل الآية على العموم ولم يخصص شيئا من شيء.
وقوله :﴿ كان ذلك في الكتاب مسطورا ﴾ :
يحتمل الوجهين المتقدمين من كتاب الله تعالى أو اللوح المحفوظ. وقد قال بكل من الوجهين جماعة.
٢ راجع نحو ذلك في أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٢٣، وأحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٤٤..
٣ في (ب)، (د)، (هـ): "هو"..
٤ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة كتاب الكفالة، باب: الدين ٣/ ٥٩..
٥ راجع أيضا الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٨/ ٥٥ و ١٤/ ١٢٤..
٦ أضاف القرطبي الحسن وعطاء. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ١٢٦..
٧ الرماني: هو أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله. باحث ومفسر معتزلي من كبار النحاة توفي سنة ٣٨٤هـ/ ١٠٠٣ م. انظر وفيات الأعيان ١/ ٣٣١..
يحتج به بعض الناس في وجوب التأسي بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم ١.
اختلف في سببها. قيل غيرة غارتها عائشة. وقال ابن زيد وقع بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تغاير ونحوه مما شقي هو به فنزلت الآية بسبب ذلك. وقال ابن الزبير : سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أزواجه النفقة وتشططن في تكليفه منها فوق وسعه. وقال قوم سببها أنهن طلبن منه ثيابا وملابس. وقالت واحدة لو كنا عند غير النبي صلى الله عليه وسلم لكان لنا حلي ومتاع ١. واختلف هل في هذه الآية تخيير لنسائه صلى الله عليه وسلم في الطلاق أم لا ؟ فذهب بعض إلى أنه لا تخيير فيها، قالوا وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلاوتها عليهن وتخييرهن بين الدنيا والآخرة وأمر الطلاق مرجوء ٢ فلو اخترن أنفسهن نظر ٣ هو كيف يسرحهن وليس فيه تخييرهن في الطلاق لأن التخيير يضمن ثلاث تطليقات وهو قد قال :﴿ وأسرحكن سراحا جميلا ﴾ وليس مع بت الطلاق سراح جميل. فعلى هذا القول لفظ السراح لا يقتضي البتات. وقالت فرقة بل هي آية تخيير في الطلاق واخترنه فلم يعد ذلك طلاقا وهو قول عائشة رضي الله تعالى عنها لما سئلت عن الرجل يخير امرأته، قالت قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكان طلاقا. وفي رواية أخرى ما خيرناه فلم يعد ذلك طلاقا ٤ ووجه هذا القول أن يقال إن هذا التخيير من النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن فيه ذكر الطلاق فإنه كناية عن الطلاق على شرائطه. وقال بعضهم الآية وإن لم يكن فيها تخيير في الطلاق ففيها إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه لأنه يطلقهن. وهو إخبار لا خلف فيه لأن الله تعالى أمره به فأشبه التخيير في وجوب الطلاق للمخيرة باختيارها نفسها. وأما من غير النبي صلى الله عليه وسلم فليس ذلك بتخيير ولا فيه شبهة منه وإنما هو عدة بالطلاق إن اختارته ٥. وهذا أصح ما ينبغي أن يقال في الآية. وقد اختلف في التخيير والتمليك اختلافا كثيرا إذا لم يرد فيه نص من قرآن أو أثر. فذهب بعضهم إلى أنه لا تخيير لهما وأن المرأة لا يكون لها شيء من ذلك وإن خيرت أو ملكت ٦. وذهب بعضهم إلى أن نفس التخيير والتمليك طلاق قبلته أو ردته، روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفرق ربيعة بين التخيير والتمليك فلم ير للتحيير شيئا ورأى التمليك واحدة بائنة وهو مذهب أبي حنيفة. وذهب جماعة إلى أن التخيير والتمليك موقوف على جواب الزوجة ٧.
فأما القول الأول فيرده من جهة النظر أنه لو لم يكن له تأثير لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا تأثير له. والآية وإن لم تكن تخييرا محضا فهو يشبه التخيير كما قدمنا. وأما الثاني فيرده قول عائشة رضي الله تعالى عنها : فاخترنا الله ورسوله فلم يعد ذلك علينا شيئا. والفرق بين التخيير والتمليك غير بين فلا معنى له. وأصحها القول الرابع وهو الذي يعضده النظر ومفهوم الآية. إلا أن الذين ذهبوا إليه اختلفوا فيما يكون قضاء الزوجة. فمنهم من جعل قضاء الزوجة في ذلك بتاتا. ومنهم من جعله واحدة بائنة، ومنهم من جعله واحدة رجعية، ومنهم من جعله على ما قضت به إن واحدة وإن ثلاثا، ومنهم من جعله على ما نوى الزوج مع يمينه. وذهب مالك رحمه الله تعالى إلى أنه لا قضاء للمرأة في التخيير إلا بالثلاث وأن لها القضاء في التمليك بما شاءت إلا أن للزوج أن يناكر فيه وليس له أن يناكر في التخيير بعد الدخول. واحتج بعضهم للتخيير بأنه الثلاث فقال إنما كان ذلك لأن معنى التخيير التسريح. قال الله تعالى في آية التخيير ﴿ فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ﴾ فمعنى التسريح البتات لأن الله تعالى قال :﴿ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] وهو الطلقة الثالثة ٨. والاحتجاج بالصحيح من هذه الأقوال يطول به الكتاب وليس في الآية ما يقوي الاستدلال به عليه فلا معنى للاشتغال به إذ غرضنا إنما هو سوق دليل من الآية المتكلم عليها.
– وقوله تعالى :﴿ إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ﴾ :
أي إن كان عظيم همكن إنما هو التعمق من الدنيا والنيل من نعيمها. وظاهر هذه الآية عندي يدل على أن الذي سأله أزواجه صلى الله عليه وسلم إنما هو التوسع لهن في أمور الدنيا كالملابس ونحوها دون الغيرة التي ذهب إليها من ذهب.
وقوله :﴿ أمتعكن ﴾ معناه أعطيكن المتاع الذي ندب الله إليه بقوله تعالى :﴿ ومتعوهن ﴾ الآية [ البقرة : ٢٣٦ ]. وأكثر الناس على أنه من المندوب إليه ٩. وقالت فرقة هي واجبة ١٠. والسراح الجميل في الآية يحتمل أن يكون ما دون بت الطلاق ويحتمل أن يكون في بقاء جميل المعتقد وحسن العشرة وإن كان الطلاق بتاتا، وقد تقدم فيه القولان جميعا.
وأزواجه صلى الله عليه وسلم اللواتي نزلت فيهن الآية هن التسع نسوة أمهات المؤمنين اللاتي توفي عنهن صلى الله عليه وسلم، خمس من قريش : عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية. وأربع من غير قريش : ميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيي الخيبرية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقية. واختلف هل كان عند النبي صلى الله عليه وسلم – عند التخيير – غير هؤلاء أم لا ؟ فقيل لم يكن ذلك، وهو الصحيح. وقيل كانت عنده معهن بنت الضحاك العامرية واختارت نفسها فذهبت كما وقع في لفظ الآثار المدونة.
ووصف تخييره صلى الله عليه وسلم أنه لما خرج من إيلائه بالتسعة والعشرين يوما ونزلت هذه الآية بدأ بعائشة – وكانت أحبهن إليه – فقال : " إني ذاكر لك أمرا عليك ألا تعجلي حتى تستأذني أبويك " ثم خيرها وتلا عليها الآية فاختارته. وتتابع سائر أزواجه صلى الله عليه وسلم على رأي عائشة رضي الله تعالى عنهن. وفي الحديث طول إلا أن هذا معناه ١١.
٢ قال الشافعي: إن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها. راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٢٦، أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٤٥، الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ١٦٢. وقد نسبه الجصاص إلى الحسن وقتادة..
٣ "نظر" كلمة ساقطة في (ح)..
٤ راجع نحو ذلك في أحكام القرآن للجصاص ٥/٢٢٦، أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/٣٤٥..
٥ راجع نحو ذلك في م. س. ، ن. ص..
٦ قال أبو بكر: التخيير في نفس ليس بطلاق لا صريح ولا كناية. راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٢٨..
٧ راجع نحو ذلك في م. س. ، ن. ص..
٨ راجع أحكام الطلاق في الجامع لأحكام القرآن ٣/ ١٢٥ و١٤/ ١٧٢..
٩ وهو قول مالك وأبي عبيد والقاضي شريح. راجع الجامع لأحكام القرآن ٣/ ٢٠٠..
١٠ وهو قول ابن عمر وعلي والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير وأبي قلابة والزهري وقتادة والضحاك وابن مزاحم. راجع الجامع لأحكام القرآن ٣/ ٢٠٠..
١١ فراجعه في جامع البيان للطبري ٢١/ ٩٩..
اختلف في سببها. قيل غيرة غارتها عائشة. وقال ابن زيد وقع بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تغاير ونحوه مما شقي هو به فنزلت الآية بسبب ذلك. وقال ابن الزبير : سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أزواجه النفقة وتشططن في تكليفه منها فوق وسعه. وقال قوم سببها أنهن طلبن منه ثيابا وملابس. وقالت واحدة لو كنا عند غير النبي صلى الله عليه وسلم لكان لنا حلي ومتاع ١. واختلف هل في هذه الآية تخيير لنسائه صلى الله عليه وسلم في الطلاق أم لا ؟ فذهب بعض إلى أنه لا تخيير فيها، قالوا وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلاوتها عليهن وتخييرهن بين الدنيا والآخرة وأمر الطلاق مرجوء ٢ فلو اخترن أنفسهن نظر ٣ هو كيف يسرحهن وليس فيه تخييرهن في الطلاق لأن التخيير يضمن ثلاث تطليقات وهو قد قال :﴿ وأسرحكن سراحا جميلا ﴾ وليس مع بت الطلاق سراح جميل. فعلى هذا القول لفظ السراح لا يقتضي البتات. وقالت فرقة بل هي آية تخيير في الطلاق واخترنه فلم يعد ذلك طلاقا وهو قول عائشة رضي الله تعالى عنها لما سئلت عن الرجل يخير امرأته، قالت قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكان طلاقا. وفي رواية أخرى ما خيرناه فلم يعد ذلك طلاقا ٤ ووجه هذا القول أن يقال إن هذا التخيير من النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن فيه ذكر الطلاق فإنه كناية عن الطلاق على شرائطه. وقال بعضهم الآية وإن لم يكن فيها تخيير في الطلاق ففيها إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه لأنه يطلقهن. وهو إخبار لا خلف فيه لأن الله تعالى أمره به فأشبه التخيير في وجوب الطلاق للمخيرة باختيارها نفسها. وأما من غير النبي صلى الله عليه وسلم فليس ذلك بتخيير ولا فيه شبهة منه وإنما هو عدة بالطلاق إن اختارته ٥. وهذا أصح ما ينبغي أن يقال في الآية. وقد اختلف في التخيير والتمليك اختلافا كثيرا إذا لم يرد فيه نص من قرآن أو أثر. فذهب بعضهم إلى أنه لا تخيير لهما وأن المرأة لا يكون لها شيء من ذلك وإن خيرت أو ملكت ٦. وذهب بعضهم إلى أن نفس التخيير والتمليك طلاق قبلته أو ردته، روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفرق ربيعة بين التخيير والتمليك فلم ير للتحيير شيئا ورأى التمليك واحدة بائنة وهو مذهب أبي حنيفة. وذهب جماعة إلى أن التخيير والتمليك موقوف على جواب الزوجة ٧.
فأما القول الأول فيرده من جهة النظر أنه لو لم يكن له تأثير لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا تأثير له. والآية وإن لم تكن تخييرا محضا فهو يشبه التخيير كما قدمنا. وأما الثاني فيرده قول عائشة رضي الله تعالى عنها : فاخترنا الله ورسوله فلم يعد ذلك علينا شيئا. والفرق بين التخيير والتمليك غير بين فلا معنى له. وأصحها القول الرابع وهو الذي يعضده النظر ومفهوم الآية. إلا أن الذين ذهبوا إليه اختلفوا فيما يكون قضاء الزوجة. فمنهم من جعل قضاء الزوجة في ذلك بتاتا. ومنهم من جعله واحدة بائنة، ومنهم من جعله واحدة رجعية، ومنهم من جعله على ما قضت به إن واحدة وإن ثلاثا، ومنهم من جعله على ما نوى الزوج مع يمينه. وذهب مالك رحمه الله تعالى إلى أنه لا قضاء للمرأة في التخيير إلا بالثلاث وأن لها القضاء في التمليك بما شاءت إلا أن للزوج أن يناكر فيه وليس له أن يناكر في التخيير بعد الدخول. واحتج بعضهم للتخيير بأنه الثلاث فقال إنما كان ذلك لأن معنى التخيير التسريح. قال الله تعالى في آية التخيير ﴿ فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ﴾ فمعنى التسريح البتات لأن الله تعالى قال :﴿ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ﴾ [ البقرة : ٢٢٩ ] وهو الطلقة الثالثة ٨. والاحتجاج بالصحيح من هذه الأقوال يطول به الكتاب وليس في الآية ما يقوي الاستدلال به عليه فلا معنى للاشتغال به إذ غرضنا إنما هو سوق دليل من الآية المتكلم عليها.
– وقوله تعالى :﴿ إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ﴾ :
أي إن كان عظيم همكن إنما هو التعمق من الدنيا والنيل من نعيمها. وظاهر هذه الآية عندي يدل على أن الذي سأله أزواجه صلى الله عليه وسلم إنما هو التوسع لهن في أمور الدنيا كالملابس ونحوها دون الغيرة التي ذهب إليها من ذهب.
وقوله :﴿ أمتعكن ﴾ معناه أعطيكن المتاع الذي ندب الله إليه بقوله تعالى :﴿ ومتعوهن ﴾ الآية [ البقرة : ٢٣٦ ]. وأكثر الناس على أنه من المندوب إليه ٩. وقالت فرقة هي واجبة ١٠. والسراح الجميل في الآية يحتمل أن يكون ما دون بت الطلاق ويحتمل أن يكون في بقاء جميل المعتقد وحسن العشرة وإن كان الطلاق بتاتا، وقد تقدم فيه القولان جميعا.
وأزواجه صلى الله عليه وسلم اللواتي نزلت فيهن الآية هن التسع نسوة أمهات المؤمنين اللاتي توفي عنهن صلى الله عليه وسلم، خمس من قريش : عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية. وأربع من غير قريش : ميمونة بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حيي الخيبرية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقية. واختلف هل كان عند النبي صلى الله عليه وسلم – عند التخيير – غير هؤلاء أم لا ؟ فقيل لم يكن ذلك، وهو الصحيح. وقيل كانت عنده معهن بنت الضحاك العامرية واختارت نفسها فذهبت كما وقع في لفظ الآثار المدونة.
ووصف تخييره صلى الله عليه وسلم أنه لما خرج من إيلائه بالتسعة والعشرين يوما ونزلت هذه الآية بدأ بعائشة – وكانت أحبهن إليه – فقال :" إني ذاكر لك أمرا عليك ألا تعجلي حتى تستأذني أبويك " ثم خيرها وتلا عليها الآية فاختارته. وتتابع سائر أزواجه صلى الله عليه وسلم على رأي عائشة رضي الله تعالى عنهن. وفي الحديث طول إلا أن هذا معناه ١١.
٢ قال الشافعي: إن من ملك زوجة فليس عليه تخييرها. راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٢٦، أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٤٥، الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ١٦٢. وقد نسبه الجصاص إلى الحسن وقتادة..
٣ "نظر" كلمة ساقطة في (ح)..
٤ راجع نحو ذلك في أحكام القرآن للجصاص ٥/٢٢٦، أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/٣٤٥..
٥ راجع نحو ذلك في م. س. ، ن. ص..
٦ قال أبو بكر: التخيير في نفس ليس بطلاق لا صريح ولا كناية. راجع أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٢٨..
٧ راجع نحو ذلك في م. س. ، ن. ص..
٨ راجع أحكام الطلاق في الجامع لأحكام القرآن ٣/ ١٢٥ و١٤/ ١٧٢..
٩ وهو قول مالك وأبي عبيد والقاضي شريح. راجع الجامع لأحكام القرآن ٣/ ٢٠٠..
١٠ وهو قول ابن عمر وعلي والحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير وأبي قلابة والزهري وقتادة والضحاك وابن مزاحم. راجع الجامع لأحكام القرآن ٣/ ٢٠٠..
١١ فراجعه في جامع البيان للطبري ٢١/ ٩٩..
أخذ بعضهم من هذه الآية ومن قول شعيب :﴿ إني أريد أن أنكحك.... ﴾ الآية [ القصص : ٢٧ ] إلى أنه ينبغي أن يكتب في المهور أنكحه إياها، فيقدم ضمير الذكر كما في الآيتين. وهذا غير واجب لأن الزوج مخاطب في الآيتين فلذلك قدم ضميره، وفي المهر الزوجان غائبان فيقدم الكاتب أيهما شاء ولم يبق ١ ترجيح إلا بدرجة الرجال وأنهم القوامون على النساء. وقد تقدم الكلام على هذا.
يحتمل وجهين : أحدهما : أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يؤذيهم ؟ والثاني : أن يكون بأمره بأن يعرض عن أقوالهم وما يؤذونه به. فعلى التأويل الأول تكون الآية منسوخة بآية السيف.
استدل بعضهم بقوله تعالى :﴿ طلقتموهن ﴾ وبما تقتضيه ثم من المهلة على أن الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح وأن من طلق امرأة قبل نكاحها – وإن عينها – فإنه لا يلزمه. وقال بهذا ما ينيف على ثلاثين بين صاحب وتابع وإمام سمى البخاري منهم اثنين وعشرين ١. والمشهور في المذهب وعليه طائفة كثيرة من أهل العلم – أن طلاق المعينة قبل النكاح يلزم ولا هي حجة في الآية لمن منع من ذلك لأنه تعالى إنما أخبر بحكم الطلاق إذا وقع بعد النكاح ولم يذكر حكمه إذا وقع قبل ذلك ولا يقتضي نفيا ولا إثباتا. وقد تقدم الكلام على هذه المسألة وعلى مسألة المتعة بما أغنى عن إعادتهما هنا. وهذه الآية مخصصة لقوله تعالى :﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ﴾ الآية [ البقرة : ٢٢٨ ]. ولقوله :﴿ واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم ﴾ [ الطلاق : ٤ ] الآيتين. إن هاتين عامتان في المدخول بها وغير المدخول بها. وهذه الآية غير المدخول بها فتخصصت غير المدخول بها في هذه الآية من عموم الآيتين المذكورتين. وقد اختلف هل هذه الآية منسوخة بآية البقرة أو مدنية أو ناسخة لها لأن هذه الآية اقتضت المتعة للمطلقة قبل الدخول فرض لها صداق أم لا. والآية التي في سورة البقرة قوله تعالى :﴿ وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ﴾ [ البقرة : ٢٣٧ ] اقتضت أن المطلقة قبل الدخول – وقد فرض لها – ليس لها إلا نصف الصداق. فمن الناس من يرى أن ما في سورة البقرة ناسخ لهذه. وهذا ضعيف لأن هذه الآية عامة في المطلقتين وما في سورة البقرة خاص في إحداهما. ويبعد أن يقال إن الخاص ناسخ للعام، وفيه بين أهل الأصول تنازع. ويأتي على قول من يرى المتعة للمطلقة قبل الدخول فرض لها أو لم يفرض لها أن هذه الآية ناسخة لما في سورة البقرة. وهذا أيضا يبعد لأن النسخ لا يرجع إليه إلا إذا لم يقدر على الجمع بين الآيتين، والجمع بين هاتين الآيتين ممكن لمن تأمله من أوجه. والذي ينبغي أن يقال في الآيتين أن ٢ إحداهما مبينة للأخرى ثم يختلف من وجه التبين على حسب الاختلاف في المتعة. وقد اختلف إذا حصلت الخلوة بين الزوجين وادعت الوطء وأنكره الزوج هل تجب العدة أم لا ؟ فالمذهب أنه يجب ولا تسقط باختلافهما لأنه حق لله تعالى : وقال الشافعي في أحد قوليه لا يجب إلا بالمسيس، واحتج أصحابه له بالآية.
٢ "أن" ساقط في (ح)..
اختلف في تأويلها. فذهب الضحاك وابن زيد إلى أن الله تعالى أحل له أن يتزوج كل امرأة يعطيها مهرها فأباح له كل النساء بهذا الوجه وأباح له ملك اليمين ثم أباح بنات العم والعمة والخال والخالة ممن هاجرن معه ١. وهذه المذكورات قد انطوى ذكرهن في قوله تعالى :﴿ أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ﴾ إلا أنه تعالى خصصهن بعد أن عمهن بالذكر مع غيرهن تشريفا وتنزيها لهن ٢ تم أباح له تعالى الواهبات أنفسهن خاصة له. واختلف على هذا القول هل الآية محكمة أو منسوخة ؟ فذهب قوم إلى أنها محكمة ناسخة لقوله تعالى :﴿ لا يحل لك النساء من بعد ﴾ ٣ [ الأحزاب : ٥٢ ] وذهب قوم إلى أنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ لا يحل لك النساء من بعد ﴾ على القول بأن مقتضى هذه الآية القصر على من عنده من النساء. وذهب جماعة إلى أن الإشارة بالأزواج إلى من كان في ملكه صلى الله عليه وسلم وأنه تعالى مع ذلك أباح له ملك اليمين وأباح له مع المذكورات بنات عمه وعماته وخالاته وخاله ممن هاجر معه، فلم يدخل هؤلاء على هذا القول في ذكر الأزواج. وأباح الواهبات خاصة له بالأمر على القول الأول أوسع على النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى القول الثاني أضيق. ويؤيده ما قاله ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج أي النساء شاء وكان ذلك، فشق على نسائه. فلما نزلت هذه الآية وحرم عليه بها النساء إلا من سمي سر نساؤه ذلك٤. وروي أن أم هانئ ٥ بنت أبي طالب أنها قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه، فعذرني، ثم نزلت هذه الآية فحرمني عليه بأني لم أهاجر معه وإنما كنت من الطلقاء ٦.
– قوله تعالى :﴿ إن وهبت نفسها للنبي ﴾ :
هذه هي الموهوبة التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف هل وقع ذلك له صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فذهب ابن عباس ومجاهد إلى أنه لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح وبملك يمين، وأما بالهبة فلم يكن عنده منهن أحد.
ويحتج من يذهب إلى هذا بقراءة الجمهور :﴿ إن وهبت ﴾ بكسر الهمزة أي إن وقع فهو حلال. وذهب جماعة إلى أنه قد كان عنده ويحتجون بقراءة :﴿ أن وهبت ﴾ بفتح الهمزة ٧ وفتحها إشارة إلى ما وقع من الواهبات قبل نزول الآية. واختلف الذين ذهبوا إلى وقوع الهبة في نفس الموهوبة من هي ؟ فقال ابن عباس – كما حكى الطبري عنه – هي ميمونة بنت الحارث ٨. وقال علي بن الحسين ٩ هي أم شريك ١٠ وقال الشعبي وغيره هي زينب بنت خزيمة أم المساكين ١١ وقال عروة إن خولة أم حكيم بنت الأوقص السلمية١٢ هي ممن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ١٣.
وقوله تعالى :﴿ خالصة لك من دون المؤمنين ﴾ :
لا خلاف أن الموهوبة كانت خالصة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يجوز لغيره. إلا أنهم اختلفوا هل يجوز أن ينعقد النكاح على شروطه بلفظ الهبة أم لا ؟ فأجازه ابن القاسم دخل أو لم يدخل. وذكر ابن المواز عنه وعن عبد المالك أنه يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل، وبه قال أبو حنيفة. وقال أشهب وابن وهب وابن عبد الحكم أنه يفسخ وإن دخلت، وبه قال الشافعي ١٤. وذكر ابن المواز أنه لم يختلف مالك وأصحابه بأنه يفسخ قبل البناء ١٥ وليس ذلك بصحيح فمن منعه فلوقوع اللفظ فاسدا إذ ذلك اللفظ لم يبحه الله تعالى إلا في جهة النبي صلى الله عليه وسلم فمن أجازه راعى المعنى.
وقوله تعالى :﴿ قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ﴾ :
قيل المراد بذلك نكاح أربع نسوة لا يتجاوز إلى أكثر ١٦ والولي والصداق، ويختلف في الشهود هل يدخلون في الفرض أم لا ؟ فمن أجاز عند النكاح بغير شهود إذا أعلن به – وهو مذهب مالك وغيره – لم يرهم داخلين في الفرض. ومن لم يجزه – وهو مذهب الشافعي وغيره – رآه داخلين في الفرض. وذهب بعض أهل النظر إلى أن الرجم الذي كان يقرأ في سورة الأحزاب داخل في هذه الآية.
٢ "لهن" كلمة ساقطة في (ح)..
٣ قال هبة الله: وهي من أعاجيب المنسوخ نسخها الله تعالى بآية قبلها في النظم وهي قوله تعالى: ﴿يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك﴾ راجع الناسخ والمنسوخ لابن سلامة ص ٢٥٨..
٤ ذكره الجصاص في أحكام القرآن ٥/ ٢٣٧، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٢٠٧..
٥ أم هانئ بنت أبي طالب الهاشمية، أمها فاختة وقيل هند وهي شقيقة علي. روى عنها ابن عباس. أسلمت عام الفتح وعاشت بعد علي دهرا. انظر إسعاف المبطأ ٢/ ٣٧٨..
٦ راجع لباب النقول ص ٦٤٦، ٦٤٧..
٧ وهي قراءة الحسن البصري وأبي بن كعب والشعبي. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٢٠٩..
٨ ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها. أم المؤمنين اختلف في تاريخ وفاتها بين ٤٩هـ و ٦٦هـ. انظر الإصابة لابن حجر ٤/ ٣٩٨..
٩ علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، زين العابدين. أحد التابعين الثقاة العباد الورعين أفضل أهل البيت في زمانه. قال ابن المسيب ما رأيت أورع منه. توفي سنة ٩٣هـ/ ٧١٥م، وقيل غير ذلك. انظر إسعاف المبطأ ٢/ ٣٤٢..
١٠ أم شريك: وهي غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية العامرية. وهو ما اختاره السيوطي في لباب النقول ص ٦٤٧، وابن عباس في تنوير المقباس ص ٣٥٥..
١١ زينب بنت خزيمة، أرملة عبيدة بن الحارث، أم المساكين، تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجها في غزوة بدر. انظر الإصابة ٤/ ٣٦٠..
١٢ خولة أم حكيم بنت الأوقص السلمية: امرأة عثمان بن مظعون. يقال كنيتها أم شريك. انظر الإصابة لابن حجر ٤/ ٢٨٢، وطبقات ابن سعد ٣/ ٣٩٣..
١٣ راجع هذه الاختلافات في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٤/ ٢٠٨، ٢٠٩..
١٤ "وذكر ابن المواز... إلى: الشافعي" كلام ساقط في (أ)، (ب)، (ز)..
١٥ راجع نحو ذلك في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٣/ ٢٧٢ و ١٤/ ٢١١، وكذلك في روائع البيان للصابوني ٢/ ٣٠٩ –٣١١..
١٦ نسبه القرطبي إلى أبي بن كعب وقتادة. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٢١٤..
معناه أن الله تعالى فسح لنبيه صلى الله عليه وسلم فيما يفعله في جهة النساء. والضمير في ﴿ منهن ﴾ عائد على ما تقدم ذكره من الأصناف اللائي أحللن للنبي صلى الله عليه وسلم حسب الخلاف المذكور في ذلك. واختلف في معنى الإرجاء والإيواء المذكورين في الآية هاهنا١. فقال مجاهد وقتادة والضحاك أن المعنى في القسم أن تقرب من شئت في القسمة لها من نفسك وتؤخر عنك من شئت وتكثر لمن شئت وتقل لمن شئت لا حرج عليك في ذلك. فإذا علمت هذا – وهذا حكم الله وقضاؤه – زالت الأنفة والبغضاء والتغاير عنهن ورضين وقرت أعينهن فكان صلى الله عليه وسلم يقسم لهن ما شاء. وهذا على القول بأن سبب هذه الآيات التغاير ٢. وقال أبو زيد ٣ وابن عباس : المعنى في الطلاق أن يطلق من شاء ممن حصل في عصمته ويمسك من شاء. قال أبو رزين ٤ : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم ببعض نسائه فقلن له : أقسم لنا ما شئت. وكان ممن أرجأ سودة وجويرية وصفية وأم حبيبة وميمونة. وآوى إليه عائشة وأم سلمة وحفصة وزينب. وقال ابن عباس أيضا : المعنى من مات من نسائك أو خليت سبيلها فلا إثم عليك أن تستبدل عوضها من اللائي أحللنا لك، ولا يحل لك أن تزيد على عدة نسائك اللائي عندك شيئا. وقال الحسن ٥ المعنى في تزوج من شاء من النساء وترك من شاء. قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يتركها أو يتزوجها. وقال قوم : المعنى في ضم من شاء من الواهبات وتأخر من شاء. والآية كيفما تأولت ففيها توسعة على النبي صلى الله عليه وسلم. ؟ قال الشعبي : كان نساء قد وهبن أنفسهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ببعضهن وأرجأ ببعضهن ولم يقربهن حتى توفي ولم ينكحهن منهن أم شريك. فقالت عائشة : لما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك ٦ وذهب علي بن أبي طالب وغيره إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى :﴿ لا يحل لك النساء من بعد ﴾ الآية. قال هبة الله ٧ : وليس في كتاب الله تعالى ناسخ لقوله :﴿ لا يحل لك النساء ﴾ الآية إلا هذه الآية. وليس في كتاب الله تعالى ناسخ تقدم المنسوخ سوى هذا ٨ وهذا القول باطل من عدة أوجه ٩.
وقوله تعالى :﴿ ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ﴾ :
يحتمل أن يريد من أردت ممن كنت عزلته وأخرته فلا جناح عليك في رده إلى نفسك. ويحتمل أن يريد : ومن ابتغيت ومن عزلت فذلك سواء لا جناح عليك في جميعه. وهذا المعنى يحتمل أن يكون من معنى القسم ويحتمل أن يكون من معنى١٠ الواهبات. وبكل قد قال قوم. ولم تختلف النقلة في أنه صلى الله عليه وسلم عدل في القسمة بين أزواجه حتى مات ولم يمتثل معهن ما أبيح له أخذا منه صلى الله عليه وسلم بأفضل الأخلاق من غير أن سودة وهبت يومها لعائشة تفهما ١١ لمسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
٢ في (ح): "التفاخر"..
٣ أبو زيد: هو عبد الرحمن بن إبراهيم القرطبي، المشهور بابن تارك الفرس، أبو زيد. توفي سنة ٢٥٨هـ/ ٨٧٢م. انظر ترتيب المدارك ١/ ١٧٤..
٤ أبو رزين: واسمه مسعود مولى أبي وائل. يقال إنه كان من أهل الصفة. له حديث السلام على القبور. انظر الإصابة لابن حجر ٤/ ٧٠، وطبقات ابن سعد ٦/ ١٨٠..
٥ "الحسن" كلمة ساقطة في (أ)، (د)، (ز)..
٦ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٥٩، ولباب النقول ص ٦٤٨..
٧ هبة الله: هو أبو القاسم هبة الله بن سلامة بن نصر بن علي، مفسر، ضرير، من أهل بغداد. له مصنفات منها: الناسخ والمنسوخ في القرآن. توفي سنة ٤١٠هـ/ ١٠٣٢م. انظر الأعلام ٨/ ٧٢، وبغية الوعاة ص ٤٠٧..
٨ راجع القول في الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة ص ٢٥٨..
٩ راجع تفسير هذه الآية بتوسع في أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٣٨ – ٢٤١. وفي المحرر الوجيز ١٣/ ٨٧ – ٩٢، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٢١٤، ٢١٥..
١٠ "معنى" كلمة ساقطة في غير (أ)، (ز)..
١١ "تفهما" كلمة ساقطة في (ب)..
اختلف في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة ؟ الذين ذهبوا إلى أنها محكمة اختلفوا في تأويلها. فقال أبي بن كعب وغيره ١ : معناها لا يحل لك النساء من بعد الأصناف التي سميت. وهذا على قول من جعل الآية في الأصناف المذكورة غير مطلقة في جميع النساء. وقال مجاهد وأبو أمامة بن سهل ٢ وأبو رزين وابن جبير : لا يحل له اليهوديات ولا النصرانيات من بعد المسلمات المذكورات. وكذلك قدروا :﴿ ولا أن تبدل بهن ﴾ أي ولا أن تبدل اليهوديات والنصرانيات بالمسلمات ٣. قال أمامة لئلا تكون كافرة أما للمؤمنين ٤ وفي هذا القول بعد لأنه لم يجز للمسلمات ذكر فيضمرن. وقال الحسن وابن سيرين وغيرهما ٥ إن هذه الآية حظرت عليه صلى الله عليه وسلم النساء إلا التسع اللواتي كن عنده فكأن الآية ليست بمتصلة بما قبلها. قال ابن عباس وقتادة : لما هجرهن رسول الله صلى الله عليه شهرا وآلى منهن ثم خرج ٦ وخيرهن اخترن الله ورسوله جازاهن بأن حظر عليه النساء غيرهن وقنعه بهن وحظر عليه تبديلهن ونسخ بذلك ما أباحه الله تعالى له قبل من التوسعة في جميع النساء. فعلى هذا القول تكون هذه الآية ناسخة للآية المتقدمة على القول بأنها مبيحة للنبي صلى الله عليه وسلم جميع النساء. فقد كان له صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من شاء. وقد تزوج سليمان عليه السلام – فيما يذكر عنه – سبعمائة امرأة حرة وكانت له ثلاثمائة أمة مملوكة. ؟ وكان لداود عليه السلام مائة حرة. وقد روي أن اليهود قالت : ما لمحمد شغل إلا التزوج. فحسدوه على ذلك فأنزل الله تعالى :﴿ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.... ﴾ إلى قوله :﴿ وآتيناهم ملكا عظيما ﴾ [ النساء : ٥٤ ] فروي ٧ أن معنى ﴿ ملكا عظيما ﴾ ما كان لسليمان وداود من النساء. وقيل لما قال :﴿ ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ﴾ الآية [ الأحزاب : ٣٨ ] كان له أن يتزوج من شاء بغير عدد كما كان للأنبياء قبله ثم نسخ ذلك بهذه الآية، قاله محمد بن كعب ٨.
وقال أبي بن كعب والضحاك المعنى : لا تحل لك العمات والخالات ونحوهن وأمر مع ذلك أن لا يتبدل بأزواجه التسع ومنع أن يطلق منهن ويتزوج غيرهن. وقيل من تزوجت حصلت في عصمته أي لا يبدلها بأن يأخذ زوجة إنسان ويعطيه هو زوجته. قال ابن زيد هذا الشيء كانت العرب تفعله. وقد أنكر الطبري وغيره ٩ هذا المعنى في الآية. والعرب لم يعرف لها أنها كانت تفعل ذلك. وما روي من حديث عيينة بن حصن من أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة فقال من هذه الحميراء ؟ فقال هذه عائشة فقال عيينة يا رسول الله إن شئت نزلت لك عن سيدة نساء العرب جمالا ونسبا ١٠ فليس بتبديل ولا أرى ذلك وإنما احتقر عائشة لأنها كانت صبية. فالآية على القول بأن مقتضاها القصر على من عنده من النساء، قيل إنها محكمة لم ينسخها شيء، إلا أنه يختلف هل هي ناسخة لما كان قبلها من إباحة جميع النساء أم لا ؟ وقيل إنها منسوخة. والذين ذهبوا إلى أنها منسوخة اختلفوا في الذي نسخها. فقيل نسختها السنة، روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له جميع النساء ١١. وهذا القول ضعيف لأن الحديث لو كان صحيحا لما صح النسخ به لأنه خبر آحاد وخبر الآحاد لا ينسخ به القرآن. وقيل هي منسوخة بالقرآن، واختلفوا في الناسخ فقيل قوله تعالى :﴿ ترجي من تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء ﴾ وهو قول علي بن أبي طالب وابن عباس والضحاك. وجائز أن ينسخ الشيء ما بعده لأن القرآن بمنزلة سورة واحدة. على أنه قد روي عن ابن عباس أنه نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان وقد أجمع على أن قوله تعالى :﴿ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم ﴾ [ البقرة : ٢٤٠ ] منسوخ بما قبله وهو :﴿ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن ﴾ [ البقرة : ٢٣٠ ] منسوخ بما قبله وهو :﴿ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن ﴾ [ البقرة : ٢٣٤ ] فهذا مثله. وقد مر الكلام على هذا. وقيل نسخها قوله تعالى :﴿ إنا أحللنا لك أزواجك التي آتيت أجورهن ﴾ على القول بأنها مبيحة جميع النساء ١٢ ومما يدل على ١٣ النسخ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بعد نزول النهي بقوله تعالى :﴿ لا يحل لك النساء من بعد ﴾ ميمونة، ومليكة بنت كعب وصفية بنت حيي وجويرية بنت الحارث ١٤.
وقوله تعالى :﴿ ولو أعجبك حسنهن ﴾ :
قال ابن عباس نزل ذلك بسبب أسماء بنت عميس ١٥ أعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات عنها جعفر بن أبي طالب ١٦. وفي هذا اللفظ ١٧ ﴿ ولو أعجبك حسنهن ﴾ دليل على جواز النظر من الرجل إلى المرأة التي يريد زواجها، وهي مسألة مختلف فيها. فقيل يجوز من غير اغتفال لها. وقيل يجوز اغتفلها النظر أو لم يغتفلها. وإلى مثل هذا ذهب الشافعي فقال يجوز بأمرها وبغير أمرها. والقولان قائمان من المذهب. ومعنى ذلك عندنا أن ينظر إلى وجهها وكفيها خاصة. قال أبو حنيفة : وإلى القدمين. قال داود إلى جميع البدن سوى السوءتين. وقيل لا يجوز شيء من ذلك اغتفلها أو لم يغتفلها. هذه ثلاثة أقوال في جواز النظر. وعلى القول بالجواز ثلاثة أقوال فيما يجوز أن ينظر إليهن. / والحجة للجواز دليل الآية المتقدم وما جاء من أنه صلى الله عليه وسلم أري عائشة في منامه قبل أن يتزوجها في خرقة حرير ١٨ وتصعيده النظر صلى الله عليه وسلم وتصويبه ١٩في المرأة التي وهبته نفسها وما ذكر ٢٠ من أن المغيرة بن شعبة أراد زواج امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " ٢١. وقال عليه الصلاة والسلام لآخر :" وانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا " ٢٢. قال الحميدي ٢٣ يعني صفراء وقال سهل بن أبي حثمة ٢٤ رأيت محمد بن مسلمة يطارد تبيتة بنت الضحاك٢٥على إجار من أجاجير المدينة. فقلت له أتفعل هذا ؟ فقال نعم، قال النبي صلى الله عليه سلم : " إذا ألقى الله تعالى في قلب أحدكم خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " ٢٦ ومن حجة من منع قوله عليه الصلاة والسلام : " يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الأخرى " ٢٧. وجمع أهل القول الأول بين الأحاديث، وقد تقدمت هذه المسألة قبل هذا.
٢ أبو أمامة بن سهل: هو صدى بن عجلان بن وهب الباهلي أبو أمامة. صحابي كان مع علي في صفين. توفي سنة ٨١هـ/ ٧٠٠م. انظر تهذيب التهذيب ٤/ ٤٢٠..
٣ أضاف الكيا: ولا كافرة: راجع أحكام القرآن ٤/ ٣٤٩..
٤ نسبه القرطبي إلى مجاهد. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٤/٢٢٠..
٥ أضاف القرطبي أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. راجع م، س، ، ن، ص..
٦ "ثم خرج" كلام ساقط في (أ)، (ز)..
٧. في (ج): "فقيل"..
٨ محمد بن كعب بن سليم بن أسد القرظي، أبو حمزة المدني، من خلفاء الأوس. ثقة. توفي سنة ١٢٠هـ/ ٧٤٢م، وقيل غير ذلك. انظر تهذيب التهذيب ٩/ ٤٢٠..
٩ أضاف القرطبي النحاس. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٢٢٠..
١٠ الحديث أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب النكاح ٢/ ٣٨٠..
١١ الحديث أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب: تفسير سورة الأحزاب ٥/ ٣٥٦..
١٢ راجع الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٢١٩، وأحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٤٩..
١٣ في (ب)، (ج)، (ح)، (د)، (هـ) زيادة: "أن"..
١٤ ميمونة: وهي أم المؤمنين. وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة. اختلف في تاريخ وفاتها بين ٤٩هـ و٦٦هـ. انظر الإصابة ٤/ ٣٩٨.
مليكة بنت كعب من بني ليث ماتت وهي عند الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر طبقات ابن سعد ٨/ ٢٢٠. وصفية بنت حيي بن أخطب من الخزرج. توفيت سنة ٥٨هـ/ ٦٧٠م. انظر الإصابة لابن حجر ٤/ ٣٣٧. وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من خزاعة. توفيت سنة ٥٦هـ/ ٦٧٦م. انظر الإصابة ١/ ٢٦٥..
١٥ أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث الخثعمي. صحابية كان لها شأن. وصفها أبو نعيم بمهاجرة الهجرتين ومصلية القبلتين. توفيت سنة ٤٠هـ/ ٦٦١م. انظر طبقات ابن سعد ٨/ ٢٦٥..
١٦ جعفر بن أبي طالب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أبو عبد الله. ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأحد السابقين إلى الإسلام. مات شهيدا بأرض الشام. انظر الإصابة ١/ ٢٣٩..
١٧ في (أ)، (ز): "وفي قوله"..
١٨ الحديث أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة، كتاب التعبير، باب: كشف المرأة في المنام ٨/ ٧٥. وأحمد في مسنده ٦/ ١٦١..
١٩ "تصويبه" كلمة ساقطة في (ج)..
٢٠ "وما ذكر" كلام ساقط في (و)..
٢١ الحديث أخرجه الترمذي في سننه، كتاب النكاح، باب: ما جاء في النظر إلى المخطوبة ٣/ ٣٩٧..
٢٢ الحديث أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب: ندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها ٤/ ١٤٢..
٢٣ الحميدي: هو عبد الله بن زبير الحميدي الأسدي، أبو بكر. أحد الأئمة في الحديث. توفي سنة ١٩٠هـ/ ٨٣٤م. انظر تهذيب التهذيب ٥/ ٢١٥..
٢٤ سهل بن أبي حثمة: واسمه عبد الله، وقيل عامر، وقيل هو سهل بن عبد الله بن أبي حثمة عامر بن ساعدة، الخزرجي الأنصاري، أبو عبد الرحمن. انظر تهذيب التهذيب ٤/ ٢٤٩..
٢٥ محمد ين مسلمة: هو أبو عبد الرحمن محمد بن مسلمة الأوسي الأنصاري الحارثي. صحابي شهد بدرا وما بعدها. توفي سنة ٤٣هـ/ ٦٦٣م. انظر الإصابة ٣/٣٦٢.
ثبيتة بنت الضحاك: هي ثبيتة بنت الضحاك بن خليفة الأنصارية ولدت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر الإصابة ٤/ ٢٥١ وطبقات ابن سعد ٣/ ٥٦٦..
٢٦ حكاه القرطبي وقال: والإجار: السطح بلغة أهل الشام والحجاز. قال أبو عبيد: وجمع الإجار أجاجير وأجاجرة. راجع الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٢٢٢، والمحرر الوجيز ١٣/ ٩٢..
٢٧ الحديث أخرجه الترمذي، كتاب الأدب، باب: ما جاء في نظرة الفجأة ٥/ ١٠١..
هذه الآية تضمنت من أولها إلى قوله :﴿ وإذا سألتموهن متاعا ﴾ الأدب في أمر الطعام والجلوس. وتضمنت في قوله تعالى :﴿ وإذا سألتموهن ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ﴾ الحجابة. قال بعضهم وهذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من رؤية النساء والجلوس معهن ١. وتضمنت في قوله :﴿ وما كان لكم ﴾ إلى آخرها حكم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعده. فأما آية الأدب في الطعام فاختلف في سببها. فجمهور المفسرين على أن سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش أولم عليها فلما طعموا قعد نفر في ناحية من البيت فثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم، فخرج ليخرجوا، ومر على حجر نسائه ثم عاد فوجدهم في مكانهم وزينب في البيت معهم، فلما دخل وراءهم انصرف، فخرجوا عند ذلك. قال أنس فأعلم أو فأعلمته فخرج فلما وصل الحجرة أرخى الستر بيني وبينه ودخل. ونزلت الآية في سبب ذلك ٢. وقال قتادة وغيره فيما ذكر بعض المفسرين أن هذا السبب جرى في بيت أم سلمة. والأول أشهر : وقال ابن عباس نزلت في ناس من المؤمنين كانوا يتحيلون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون. قال إسماعيل بن أبي حكيم ٣ هذا أدب أدب الله تعالى به الثقلاء. وقال ابن أبي عائشة٤ : فحسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم. وأما آية الحجاب فاختلف في سببها أيضا. فقال أنس بن مالك وغيره : سببها أمر القعود في بيت زينب، الحديث المذكور قبل. وقال فرقة في بيت أم سلمة. وقال مجاهد سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل معه قوم وعائشة معهم فمست يدها يد رجل منهم فنزلت الآية. وقالت عائشة وجماعة سببها كلام عمر وأنه كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يحجب نساءه. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل وكان عمر يتابع. فخرجت سودة ليلا لحاجتها وكانت امرأة تفرع النساء طولا، فناداها عمر : قد عرفناك يا سودة حرصا على الحجاب. وقالت له زينب بنت جحش : عجبا لك يا ابن الخطاب تغار علينا والوحي نزل في بيوتنا. فما زال عمر يتابع حتى نزلت آية الحجاب ٥. وقد قال عمر رضي الله تعالى عنه وافقت ربي في ثلاث، منها الحجاب ومقام إبراهيم وعسى ربه أن طلقكن ٦ الحديث. وكانت عادة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوها أن يبكر من شاء إلى دار الدعوة ينظرون طبخ الطعام ونضجه في حديث أنس. وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك فنهى الله تعالى المؤمنين عن فعل ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم. ويدخل تحت هذا النهي سائر المؤمنين. والتزم الناس أدب الله تعالى في ذلك. قال بعضهم لما أنزل الله تعالى في أمهات المؤمنين :﴿ وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ﴾ خصصن بذلك دون سائر النساء. ولا يجوز أن يرون متنقبات. وكن إذا طفن بالبيت يستترن من الناس فلا يشاركن في الطواف. وأمر عمر أن لا يخرج في جنازة زينب بنت جحش إلا ذو محرم مراعاة للحجاب. وكانت توفيت في خلافته وما دلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش بالقبة وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة. فصنعه عمر ونادى في الناس أن اخرجوا فصلوا على أمكم. وروي أن ذلك صنع في جنازة السيدة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم. والمتاع عام في جميع ما يمكن أن يطلب على عرف السكنى والمجاورة، من الماعون وسائر المرافق للدين والدنيا. وأما آية حكم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعده فاختلف في سببها أيضا. فروي أنها نزلت بسبب أن بعض الصحابة قال لو مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتأذى منه. هكذا كنى عنه ابن عباس ببعض الصحابة ٧. وروي عن معمر أنه قال : هو طلحة بن عبيد الله ٨. وروي أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد أبي سلمة، وحفصة بعد خنيس بن حذافة السهمي : ما بال محمد يتزوج نساءنا. والله لو مات لأجلنا السهام على نسائه ٩ فنزلت الآية في هذا وحرم الله تعالى نكاح أزواجه بعده وجعل لهن حكم الأمهات. ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب ثم رجعت تزوج عكرمة بن أبي جهل ١٠ قتيلة بنت الأشعت بن قيس. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوجها ولم يبن بها فصعب ذلك على أبي بكر الصديق، فقال له عمر : مهلا يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه إنه لم يحزها ولا أرخى عليها حجابا وقد أبانتها منه ردتها مع قومها. فسكن أبو بكر.
٢ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٧٠..
٣ إسماعيل بن أبي حكيم القرشي بالولاء المدني. توفي سنة ١٣٠هـ/ ٧٤٧م. انظر تهذيب التهذيب ١/ ٢٨٩..
٤ ابن أبي عائشة: وهو عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر التميمي، أبو عبد الرحمن البصري. توفي سنة ٢٢٨هـ/٧٩٦م. انظر تهذيب التهذيب ٧/٤٥..
٥ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٧١، ولباب النقول ص ٦٥١ – ٦٦٣..
٦ راجع صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القبلة ١/ ١٠٥. وكذلك مسند الإمام أحمد بن حنبل ١/ ٢٤..
٧ هذا ما ذكره ابن عطية. أما في الجامع لأحكام القرآن فالذي روى ذلك هو مقاتل. راجع المحرر الوجيز ١٣/ ٩٥، والجامع لأحكام ١٤/ ٢٢٨..
٨ طلحة بن عبيد الله: هو طلحة بن عبيد الله بن عثمان التميمي القرشي المدني، أبو محمد صحابي شجاع وأحد العشرة المبشرين بالجنة. توفي سنة ٣٦هـ/ ٦٥٦م. انظر طبقات ابن سعد ٣/ ١٥٢..
٩ راجع لباب النقول ص ٦٥٥..
١٠ عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي، كان شديد العداوة للرسول صلى الله عليه وسلم مع أبيه، ثم أسلم وحسن إسلامه، قتل يوم اليرموك. انظر الإصابة ٧/ ٣٦..
لما أوجب الله تعالى الحجاب احتمل أن يكون من ذوي المحارم وغيرهم فبين الله تعالى بهذه أن الحجاب إنما هو دون من ذكر فيها من القرابات للضرورة المحوجة إلى ذلك. فمن ذلك الآباء والأبناء والإخوة وأبناؤهم وأبناء الأخوات.
وقوله :﴿ ولا نسائهن ﴾ دخل فيه الأخوات والأمهات وسائر القرابات من النساء وما يتصل بهن من التصرفات لهن. ويؤيد هذا القول – وهو قول جماعة من أهل العلم – هذه الإضافة المخصصة في قوله تعالى :﴿ نسائهن ﴾. وقال ابن زيد وغيره إنما أراد جميع النساء المؤمنات وتخصيص الإضافة إنما هو في الإيمان.
وقوله تعالى :﴿ أو ما ملكت أيمانهن ﴾ :
اختلف في المباح هنا من ملك اليمين ما هو ؟ فقيل الإماء دون العبيد. وقيل الإماء والعبيد، وهذا القول أولى بلفظ الآية. ثم اختلف من ذهب إلى ذلك ١ فقالت فرقة من ملكته من العبيد من ملكه سواهن. وهو أظهر من لفظ الآية. وقالت فرقة بل٢ من جميع العبيد ٣ كانت في ملكهن أو في ملك غيرهن. والمكاتب إذا كان عنده ما يؤدي فقد أمر صلى الله عليه وسلم بضرب الحجاب دونه، وفعلت ذلك أم سلمة مع مكاتبها نبهان. ولم يذكر تعالى الأعمام والأخوال في الإباحة. فاختلف فيهم هل هم ممن يحتجب منهم أم لا ؟ فقالت فرقة لم يذكر الله تعالى العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين. وقد قال عليه الصلاة والسلام : " الخال أحد الأبوين " ٤ وقال قوم منهم الشعبي وعكرمة ٥ لم يذكرهم الله تعالى لإمكان أن يصفوا لأبنائهم، وكرهوا أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها وقد تقدم أكثر هذا في سورة النور واختلف المفسرون في المعنى الذي رفع فيه الجناح بهذه الآية.
فقال قتادة هو الحجاب، أي أبيح لهذه الأصناف الدخول على النساء دون حجاب ورؤيتهن. وقال مجاهد : ذلك في وضع الجلباب وإبداء الزينة. ولما رخص في هذه الأصناف وانخرمن ٦ الإباحة، عطف تعالى فأمرهن بالتقوى.
٢ "بل" كلمة ساقطة في (ب)، (هـ)..
٣ "العبيد" كلمة ساقطة في (ب)، (هـ)..
٤ الحديث ذكره الترمذي في سننه عن البراء بن عازب بلفظ: الخالة بمنزلة الأم. كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في بر الخالة ٤/ ٣١٣..
٥ وأضاف القرطبي الزجاج. راجع ذلك في الجامع لأحكام القرآن ١٢/ ٢٢٦ و ١٤/ ٢٣١..
٦ "وانخرمت": بياض في (هـ)..
اختلف في الضمير في قوله :﴿ يصلون ﴾ لمن هو ؟ فقالت فرقة لله تعالى ولملائكته. وهو قول من الله تعالى شرف الله تعالى به ملائكته فلا يدفعه الاعتراض الذي جاء في قول الخطيب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أطاع الله ورسوله رشد ومن يعصهما فقد ضل. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بئس الخطيب أنت " ١ قالوا لأنه ليس لأحد من البشر أن يجمع ذكر الله تعالى مع غيره في ضمير واحد، ولله أن يفعل ما يشاء. وقالت فرقة هو للملائكة خاصة، تقديره أن الله تعالى يصلي على محمد وملائكته يصلون. ودل الظاهر من القول على ما ترك، وليس في الآية اجتماع في ضمير. فعلى هذين القولين لا يجوز لأحد الجمع بين الله تعالى وبين غيره في ضمير ويستدل من ذهب إلى هذا القول بإنكار النبي صلى الله عليه وسلم على رجل قال : ما شاء الله وشئت. وقالت فرقة بل الضمير لله تعالى وملائكته وذلك جائز للبشر فعله ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس الخطيب أنت، لهذا المعنى، وإنما قاله لأن الخطيب وقف على : ومن يعصهما، وسكت. ومما يؤيد هذا أن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم في مصنف أبي داود : ومن يعصهما، فجمع ذكر الله تعالى وذكر رسوله في ضمير واحد. وفي كتاب مسلم : بئس الخطيب أنت، وقفه وحمله على الأولى في فصل الضمير وإن كان أقل. ومن يعص الله ورسوله. وهذا يحتمل أن يكون لما خطأه في وقفه أصلح له بعد ذلك جميع كلامه لأن فصل ضمير اسم الله تعالى من ضمير غيره أولى لا محالة. فقال له بئس الخطيب أنت لموضع وقفه وحمله على الأولى في فصل الضمير وإن كانا جميعا جائزين. وصلاة الله تعالى رحمة منه وصلاة الملائكة دعاء وصلاة المؤمنين دعاء وتعظيم. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض، وأمر الله تعالى بها أمر يحمل على الوجوب. واختلف فيه في الصلاة هل هي فرض أو سنة ؟ فذهب الشافعي إلى أنه فرض تفسد الصلاة بتركه، ومن حجة هذا القول عموم الآية لأنه لم يخصص به صلاة من غيرها. وذهب مالك وغيره إلى أنه سنة. واختلف هل يجوز أن يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فلم يجزه قوم ورآه مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن الأمر بالصلاة إنما جاء فيه، فيقصرونه عليه كما جاء في الآية. وأجازه آخرون إذ الأمر بالصلاة عليه لا يدل على أنه لا يجوز على غيره، واحتجوا أيضا بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من قوله : " اللهم صل على آل أبي أوفى " ويرون أنه لما نزلت هذه الآية قال له قوم : يا رسول الله : هذا السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك ؟ قال : " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وارحم محمدا وآل محمد كما رحمت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد " وفي بعض الأحاديث زيادة ونقص ولكن هذا معناه٢.
٢ راجع مختلف هذه الأقوال في أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٢٤٣، ٢٤٤، وفي الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٢٣٦. والحديث أخرجه النسائي في سننه، باب: السهو، والترمذي في باب: الوتر وأحمد في مسنده ٣/ ٤٧..
لما كانت عادة العرب التبذل في الاحتجاب وكن يكشفن وجوههن كما تفعل ا
لإماء وكان ذلك داعيا إلى نظر الرجل إليهن أمر الله رسوله أن يأمرهن بإدناء الجلابيب ليقع بسترهن الفرق بين الحرائر والإماء فيعرف الحرائر بسترهن. وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الطريق لرؤية النساء ومعارضتهن فنزلت الآية. وقال الحسن وأبو مالك : كان النساء يخرجن في حاجاتهن بالليل فيظن المنافقون أنهن إماء فيؤذونهن فنزلت الآية. والجلباب ثوب أكبر من الخمار، وقيل هو الرداء. واختلف في صورة إدنائه، فقال ابن عباس وعبيدة السلماني : ذلك أن تلوية المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها. وقال ابن عباس أيضا وقتادة ذلك أن تلويه حتى لا يظهر إلا عيناها. وقال الحسن ذلك أن تغطي نصف وجهها.
وقوله :﴿ ذلك أدنى أن يعرفن ﴾ :
أي يفرق بين الحرائر والإماء فإذا عرفن لم يقابلن بأذى من المعارضة مراقبة لمرتبة الحرية. وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى يعلم من هي. وقال بعضهم كان بالمدينة إماء يعرفن بالسوء من المذاهب وكان السفهاء ربما تعرضوا لهن وربما ظنوا الحرة أمة فعبثوا بها فأنزل الله تعالى :﴿ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك.... ﴾ الآية وذلك قبل نزول الحجاب ١. وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت قنعها بالدرة محافظة على زي الحرائر.