تفسير سورة الفتح

المصحف المفسّر
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب المصحف المفسّر .
لمؤلفه فريد وجدي . المتوفي سنة 1373 هـ
سورة الفتح مدنية وآياتها تسع وعشرون

تفسير الألفاظ :
﴿ إنا فتحنا لك فتحا مبينا ﴾ هذا وعد من الله لرسوله بفتح مكة، وعبر بالماضي لتحققه.
تفسير المعاني :
إنا قررنا يا محمد أن نفتح لك فتحا مبينا، هو استيلاؤك على مكة وإزالة الكفر منها.
تفسير المعاني :
ليغفر الله لك بسبب جهادك فيها ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك بإعلاء الدين وضم الملك إلى النبوة، ويهديك صراطا مستقيما في تبليغ الرسالة وإقامة مراسيم الرياسة.
تفسير الألفاظ :
﴿ نصرا عزيزا ﴾ أي نصرا فيه عزة ومنعة.
تفسير المعاني :
وينصرك الله يا محمد نصرا مصحوبا بعز ومنعة.
تفسير الألفاظ :
﴿ السكينة ﴾ أي الثبات والطمأنينة.
تفسير المعاني :
هو الذي أنزل الثبات والطمأنينة في قلوب المؤمنين في المواقف الحرجة ووسط المخاوف الشديدة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم، ولله جنود السماوات والأرض يدبر أمرها ويسلطها على من يشاء لتأديبه، وكان الله عليما حكيما.
تفسير الألفاظ :
﴿ ويكفر عنهم سيئاتهم ﴾ أي يسترها ويغطيها أو يمحوها.
تفسير المعاني :
ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويمحو عنهم أعمالهم السيئة، وكان ذلك عند الله فوزا عظيما.
تفسير الألفاظ :
﴿ الظانين بالله ظن السوء ﴾ أي ظن الأمر السوء، والسوء هو السوء، وظن السوء هو الظن بأن الله لا ينصر رسوله. ﴿ عليهم دائرة السوء ﴾ أي عليهم دائرة ما يظنونه ويتوقعونه. ﴿ وأعد لهم ﴾ أي وهيأ لهم، مشتق من العدة وهي الأهبة.
تفسير المعاني :
ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الذين يظنون أن الله لا ينصر رسوله عليهم تدور دائرة ظنهم السيئ وغضب الله عليهم ولعنهم وهيأ لهم جهنم وساءت مآلا.
تفسير المعاني :
ولله جنود السماوات والأرض يكبح بها جماح كل متجبر.
تفسير الألفاظ :
﴿ إنا أرسلناك شاهدا ﴾ أي على أمتك.
تفسير المعاني :
إنا أرسلناك يا محمد شاهدا على أمتك ومبشرا على الطاعة ونذيرا على المعصية.
تفسير الألفاظ :
﴿ وتعزروه ﴾ أي وتقووه، والتعزير التقوية. ﴿ وتوقروه ﴾ أي وتعظموه. ﴿ وتسبحوه ﴾ أي وتنزهوه عن النقص. ﴿ بكرة وأصيلا ﴾ أي غدوة وعشية. والغدوة ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، والأصيل ما قبل غروب الشمس، والعشية ما بعد الظهر إلى المغرب.
تفسير المعاني :
لتؤمنوا بالله ورسوله وتؤيدوه وتعظموه وتنزهوه عن النقص صباحا ومساء.
تفسير الألفاظ :
﴿ إنما يبايعون الله ﴾ أي يعاهدونه. ﴿ نكث ﴾ أي نقض العهد، مضارعه ينكث. ﴿ أوفى ﴾ أي وفى.
تفسير المعاني :
إن الذين يعاهدونك يا محمد على الثبات معك في نصر الإسلام وجهاد أعدائه، إنما يبايعون الله نفسه، يده فوق أيديهم.
فمن نقض عهده منهم فإنما ضرر ذلك عائد عليه، ومن وفى بعهده فسيؤتيه أجرا عظيما في الدنيا والآخرة.
تفسير الألفاظ :
﴿ المخلفون ﴾ أي الذين تخلفوا عن المضي مع رسوله إلى الحرب واعتلوا بالشغل، وهم بنو أسلم وبنو جهينة وبنو مزينة وبنو غفار، استنفرهم رسول الله للحرب عام الحديبية فتعللوا بأنهم مشغولون بأموالهم وأهليهم.
تفسير المعاني :
سيقول الذين تخلفوا عن نصرتك حين دعوتهم : شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم نفاقا، فقل لهم : من يملك لكم من الله شيئا إن أراد أن يضركم أو أراد أن ينفعكم، بل كان الله بما تعملون خبيرا، فيجازيكم بما يناسبكم.
تفسير الألفاظ :
﴿ ينقلب ﴾ أي يرجع، ﴿ السوء ﴾ هو السوء. ﴿ بورا ﴾ أي هالكين جمع بائر. يقال بار يبور بورا، أي هلك. ﴿ أعتدنا ﴾ أي هيأنا، مشتق من العتاد وهو الآلة. ﴿ سعيرا ﴾ أي نار متسعرة أي متوقدة. يقال سعرت النار أسعرها سعرا، أي أوقدتها فتسعرت أي اتقدت. ﴿ مغانم ﴾ جمع مغنم وهي الغنائم. ﴿ ذرونا ﴾ أي اتركونا.
تفسير المعاني :
بل خيل لكم أن لن يرجع الرسول ولا المؤمنون إلى أهليهم أبدا، فتبطش بهم قريش وتهلكهم، وزين الشيطان ذلك في قلوبكم، وظننتم ظن السوء وكنتم قوما هالكين.
تفسير الألفاظ :
﴿ أعتدنا ﴾ أي هيأنا، مشتق من العتاد وهو الآلة. ﴿ سعيرا ﴾ أي نار متسعرة أي متوقدة. يقال سعرت النار أسعرها سعرا، أي أوقدتها فتسعرت أي اتقدت.
تفسير المعاني :
ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا هيأنا للكافرين نارا متأججة.
تفسير المعاني :
ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. كل على ما تقضي به حكمته، ويمليه علمه المطلق بمصالح خلقه، وكان الله غفورا رحيما.
تفسير الألفاظ :
﴿ مغانم ﴾ جمع مغنم وهي الغنائم. ﴿ ذرونا ﴾ أي اتركونا.
تفسير المعاني :
سيقول المتخلفون إذا ذهبتم لتأخذوا مغانم خيبر، وكان رسول الله قد غزاها وفتحها في السنة السابعة من الهجرة، دعونا نتبعكم.. يريدون أن يغيروا وعد الله أن يعوض الجيش الذي كان معه حين أراد أن يعتمر فمنعه مشركو مكة- وكان في قدرته فتحها – عن مغانمها، مغانم خيبر.. قل : لن تتبعونا، كذلك قال الله من قبل، فسيقولون : بل تحسدوننا، بل كانوا لا يفهمون إلا فهما قليلا.
تفسير الألفاظ :
﴿ الأعراب ﴾ سكان البادية، واحدهم أعرابي. وهو غير العربي الذي يطلق على من كان جنسه عربيا.
تفسير المعاني :
قل للمتخلفين من الأعراب عن نصرتك : ستدعون إلى قتال قوم أولي بأس شديد، قيل هم بنو ثقيف وبنو هوزان، فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا، وإن تتولوا كما توليتم من قبل عن الحديبية يعذبكم عذابا أليما.
تفسير المعاني :
ليس على الأعمى ولا على الأعرج ولا على المريض إثم في التخلف، ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار، ومن يتول يعذبه عذابا أليما.
تفسير المعاني :
لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم من الإخلاص، فأنزل عليهم الطمأنينة وسكون النفس، وجعل ثوابهم فتحا قريبا هو فتح خيبر بعد انصرافهم، وقيل فتح مكة أو هجر.
تفسير المعاني :
ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما. تشير هذه الآية إلى هذه الحادثة وهي أنه عليه السلام لما نزل الحديبية سنة ست، وهي قرب مكة، وكان قصده أن يعتمر، فبعث بخراش بن أمية الخزاعي إلى أهل مكة، فهموا بقتله، فحماه بعضهم فرجع. فبعث النبي عثمان بن عفان فحبسوه وأرجف بقتله، فدعا رسول الله أصحابه وكانوا ألفا وثلاثمائة، أو ألفا وأربعمائة، أو ألفا وخمسمائة، وبايعهم على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا منهم، وكان جالسا تحت سمرة أو سدرة وهي الشجرة المذكورة في الآية.
تفسير الألفاظ :
﴿ صراطا ﴾ أي طريقا جمعه صُرُط وأصله سراط.
تفسير المعاني :
وعدكم الله غنائم كثيرة تأخذونها، فعجل لكم هذه، يعني مغانم خيبر، ومنع أيدي الناس، أي أهل خيبر وخلفاءهم، أن تصيبكم بمكروه ولتكون هذه الغنيمة آية للمؤمنين ليهديكم إليه صراطا مستقيما.
تفسير الألفاظ :
﴿ وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ﴾ أي ومغانم أخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها واستولى عليها وأظفركم بها.
تفسير المعاني :
وغنيمة أخرى لم تقدروا على أخذها قد أحاط الله بها فاستولى عليها وأظفركم بها، وكان الله على كل شيء قديرا.
تفسير الألفاظ :
﴿ لولوا الأدبار ﴾ أي لانهزموا. الأدبار جمع دبر ودبر، وهو مؤخر الإنسان. وتولية الدبر كناية عن الانهزام.
تفسير المعاني :
ولو قاتلكم الكفار لانهزموا، ثم لا يجدون معينا ولا نصيرا.
تفسير الألفاظ :
﴿ سنة الله ﴾ أي طريقته وعادته في تدبير الخلق. ﴿ قد خلت ﴾ أي مضت، والسنون الخالية أي الماضية.
تفسير المعاني :
عادة الله التي قد مضت من قبل في كل الأمم ولن تجد لسنة الله تبديلا.
تفسير الألفاظ :
﴿ كف أيديهم ﴾ أي أيدي كفار مكة.
تفسير المعاني :
وهو الذي منع أيدي كفار مكة أن تصل إليكم بأذى، ومنع أيديكم عنهم أيضا ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم، وكان الله بما تعملون بصيرا.
تفسير الألفاظ :
﴿ والهدى ﴾ هو ما يهدى للبيت من الذبائح، ويقال له الهدي أيضا. ﴿ معكوفا ﴾ عكفه يعكفه منعه. ﴿ محله ﴾ أي مكانه الذي يحل فيه نحره. ﴿ أن تطئوهم ﴾ أي أن توقعوا بهم وتبيدوهم، وأصل الوطء الدوس. ﴿ معرّة ﴾ مكروه، من عرّه أي عراه مكروه. ﴿ لو تزيلوا ﴾ أي لو تفرقوا أو تميز بعضهم من بعض وقرئ تزايلوا.
تفسير المعاني :
هم الذين كفروا ومنعوكم عن المسجد الحرام وعن وصول الهدى إلى المكان الذي يحل فيه نحره. ولولا وجود رجال ونساء من المؤمنين مبثوثين بينهم لم تعرفوهم قد توقعون بهم وتبيدونهم فيصيبكم من ذلك مكروه، لما كف أيديكم عنهم " الجواب في الآية محذوف وهو لما كف أيديكم عنهم " ليدخل الله في رحمته من يشاء من مؤمنيهم ومشركيهم، ولو كان بعضهم تميز عن بعض لما كففنا أيديكم عنهم، ولعذبناهم بالقتل والسبي عذابا أليما.
تفسير الألفاظ :
﴿ الحمية ﴾ أي الأنفة. ﴿ سكينته ﴾ أي طمأنينته.
تفسير المعاني :
واذكر إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم أنفة الجاهلية التي تمنع عن الإذعان للحق، فأنزل الله طمأنينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى، أي الثبات والوفاء بالعهد، وكانوا أحق بها من غيرهم وأهلها، وكان الله بكل شيء عليما.
تفسير الألفاظ :
﴿ فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ﴾ أي فجعل قبل فتح مكة فتح خيبر.
تفسير المعاني :
لقد حقق الله رؤيا رسوله التي رآها، إذ رأى أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين، قد حلق بعضهم رءوسهم وبعضهم قد قصّروا شعورهم، فعلم ما لم تعلموا من حكمة تأخير دخولها، وجعل من قبل ذلك فتحا قريبا، هو فتح خيبر.
تفسير الألفاظ :
﴿ أرسل رسوله بالهدى ﴾ أي متلبسا بالهدى أو بسبب الهدى أو لأجل الهدى. ﴿ ليظهره على الدين كله ﴾ أي ليغلبه على الأديان كلها. وأل في كلمة الدين للجنس.
تفسير المعاني :
هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، أي الإسلام، ليغلبه على الأديان كلها، وكفى بالله شهيدا على نبوته.
تفسير الألفاظ :
﴿ سيماهم ﴾ أي علامتهم، وهي السمة أي العلامة التي تحدثت في الجبهة من كثرة السجود، من سامه إذا علمه. ﴿ أخرج شطأه ﴾ أي أخرج فراخه. يقال أشطأ الزرع إذا فرخ. ﴿ فآزره ﴾ أي فقواه، من المؤازرة وهي المعاونة. ﴿ فاستغلظ ﴾ أي فصار من الدقة إلى الغلظة. ﴿ فاستوى على سوقه ﴾ أي فاستقام على قصبه. وسوق جمع ساق.
تفسير المعاني :
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكافرين رحماء بينهم، تراهم راكعين ساجدين يطلبون فضلا من ربهم ورضوانا، علامة السجود في وجوههم، ذلك وصفهم في التوراة والإنجيل، كزرع أخرج فراخه فقواه، فاستحال من الدقة إلى الغلظة، فاستقام على سوقه يستدعي إعجاب الزراع به ليغيظ الله بهم الكفار، وعد الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما.
Icon