تفسير سورة الفتح

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة الفتح
قوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن مَسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم سأله فلم يُجبه ثم سأله فلم يجبه: فقال عمر بن الخطاب: ثكلت أم عمر، نزَرْتَ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مراتٍ كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحرّكت بعري ثم تقدت أمام الناس وخشيتُ أن ينزل فيَّ القرآن فما نشبتُ أن سمعت صارخاً يصرخ بي. فقلت لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فسلّمت عليه، فقال: "لقد أنزلت علىّ الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس. ثم قرأ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا).
(صحيح البخاري ٨/٤٤٦- ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح٤٨٣٣).
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس - رضي الله عنه -: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) قال: الحديبية.
(صحيح البخاري ٨/٤٤٧ - ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح٤٨٣٤)، وأخرجه بنحوه بسنده عن البراء (صحيح البخاري - المغازي - غزوة الحديبية ح٤١٥٠).
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبد الله بن نمير. ح وحدثنا ابن نمير (وتقاربا في اللفظ). حدثنا أبي. حدثنا عبد العزيز بن سياه. حدثنا بن أبي ثابت عن أبي وائل. قال: قام سهل بن حنيف يوم صفين فقال: يا أيها الناس! اتّهموا أنفسكم. لقد كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الحديبية ولو نرى قتالاً لقاتلنا. وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبين المشركين. فجاء عمر بن الخطاب. فأتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: "بلى" قال: أليس قتلانا في الجنة
349
وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى" قال: ففيم نُعطي الدنيّة في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال "يا ابن الخطاب! إني رسول الله. ولن يضيّعني الله أبداً". قال: فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا. فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتالاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلامَ نعطي الدنيّة في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: يا ابن الخطاب! إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً. قال: فنزل القرآن على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمفتح. فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه. فقال: يا رسول الله! أوفتح هو؟ قال: "نعم" فطابت نفسه ورجع.
(صحيح مسلم ٣/١٤١١-١٤١٢ - ك الجهاد والسير، ب صلح الحديبية في الحديبية ح١٧٨٥)، (صحيح البخاري ٨/٤٥١ ح٤٨٤٤ - التفسير - سورة الفتح، الآية).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) والفتح: القضاء.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قول الله (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: نحره بالحديبية وحلقه.
قال البخاري: حدثنا أحمد بن سريج، أخبرنا شبابة، حدثنا شعبة، عن معاوية بن قرة المزني، عن عبد الله المُغَفل المزني قال: رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم الفتح على ناقة له يقرأ سورة الفتح -أو من سورة الفتح- قال فرجّعَ فيها.
قال: ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مُغَفل. وقال: لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعّت كما رجع ابن مُغَفل يحكي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت لمعاوية كيف كان ترجيعه؟ قال: أأأ ثلاث مرات.
(الصحيح - ك التوحيد، ب ذكر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وروايته عن ربه ح٧٥٤٠)، قال ابن حجر: فرجّع فيها صوته أي ردد صوته بالقراءة (الفتح ٨/٥٨٤).
350
قوله تعالى (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (٢) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا)
انظر سورة الفاتحة لبيان الصراط المستقيم: الإسلام.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) قال: السكينة: الرحمة (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) قال: إن الله جل ثناؤه بعث نبيه محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدقوا بها زادهم الصلاة فلما صدقوا بها زادهم الصيام، فلما صدقوا لها زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها زادهم الحج، ثم أكمل دينهم، فقال (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى) قال ابن عباس: فأوثق إيمان أهل الأرض وأهل السماوات وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله.
قال مسلم: وحدثا نصر بن علي الجهضمي. حدثنا خالد بن الحارث. حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. أن أنس بن مالك حدثهم قال: لما نزلت: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله). إلى قوله: (فوزاً عظيماً) مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة. وقد غير الهدى بالحديبية. ففال "لقد أُنزلت عليّ آية هي أحب إليّ من الدنيا جميعا".
(صحيح مسلم ١٣/١٤١٣ - ك الجهاد والسير، ب صلح الحديبية في الحديبية ح١٧٨٦).
قال البخاري: حدثني أحمد بن إسحاق حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس أبن مالك - رضي الله عنه - (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: الحديبية. قال أصحابه: هنيئا مريئا، فما لنا؟ فأنزل الله (ليدخل الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار). قال شعبة فقدمت الكوفة فحدثت بهذا كله عن قتادة، ثم رجعت فذكرت له، فقال لي: أما (إنا فتحنا لك) فعن أنس، وأما "هنيئا مريئا" فعن عكرمة.
(صحيح البخاري - المغازي، ب غزوة الحديبية ح٤١٧٢).
قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل، أخبرنا ابن عيينة، حدثنا زياد أنه سمع المغيرة يقول: قام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى تورمت قدماه، فقيل له: غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال: "أفلا أكون عبدا شكوراً".
(صحيح البخاري ٨/٤٤٨ - ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح٤٨٣٦)، (صحيح مسلم ٤/١٧١٢ ح٢٨١٩ و٢٨٢٠ - ك صفات المنافقين وأحكامهم، ب إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله:
(ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) إلى قوله (ويكفر عنهم سيئاتهم) فأعلم الله سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام.
قال ابن كثير: (وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) كقوله (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
قوله تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
قال ابن كثير: وقوله تعالى (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ) أي: يتهمون الله تعالى في حكمه ويظنون بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رضي الله عنهم أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية، ولهذا قال تعالى (عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم) أي: أبعدهم من رحمته (وأعد لهم جهنم وساءت مصيراً).
قوله تعالى (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) انظر سورة المدثر آية (٣١).
قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) يقول: شاهدا على أمته أن قد بلغهم ومبشرا بالجنة لمن أطاع الله، ونذيرا من النار.
انظر حديث البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص في سورة البقرة آية (١١٩).
قوله تعالى (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتعزروه) : ينصروه (وتوقروه) أمر الله بتسويده وتفخيمه.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وتسبحوه بكرة وأصيلا) في بعض القراءة (ويسبحون الله بكرة وأصيلا).
وهذه القراءة تفسيرية لبيان عود الضمير إلى الله عز وجل.
قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
قال مسلم: حدئنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث بن سعد، ح وحدثنا محمد بن رمح، أخبرنا الليث عن أبي الزبير، عن جابر قال: كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة. وقال: بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت.
(الصحيح ٣/١٤٨٣ ح١٨٥٦ - ك الإمارة، ب استحباب مبايعة الإمام الجيش)، وأخرج البخاري بسنده عن سلمة بن الأكوع أنهم بايعوا على الموت. (الصحيح - الجهاد، البيعة في الحرب ح٢٩٦٠). والجمع بين الحديثين أن البعض بايع على الموت كما حصل لسلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (إن الذين يبايعونك) قال: الحديبية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) وهم الذين بايعوا يوم الحديبية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (فسيؤتيه أجرا عظيما) وهى الجنة.
قال ابن كثير: ثم قال تعالى لرسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشريفا له وتعظيماً وتكريماً (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) كقوله (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (يد الله فوق أيديهم) أي: هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم،
353
ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كقوله
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
قوله تعالى (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، في قوله (سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا) قال أعراب المدينة: جهينة ومزينة استتبعهم لخروجه إلى مكة، قالوا: نذهب معه إلى قوم قد جاءوه، فقتلوا أصحابه فنقاتلهم، فاعتلوا بالشغل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (سيقول لك المخلفون من الأعراب)... إلى قوله (وكنتم قوم بورا) قال: ظنوا بنبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أنهم لن يرجعوا من وجههم ذلك، وأنهم سيهلكون، فذلك الذي خلفهم عن نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وكنتم قوم بورا) قال: فاسدين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وكنتم قوماً بورا) قال: هالكين.
قوله تعالى (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قال: رجع يعني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مكة، فوعده الله مغانم كثيرة، فعجلت له خيبر، لقال المخلفون (ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله) وهي المغانم ليأخذوها، التي قال الله جل ثناؤه (إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) وعرض عليهم قتال قوم أولى بأس شديد.
354
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (كذلكم قال الله من قبل) أي: إنما جعلت الغنيمة لأهل الجهاد، وإنما كانت غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب.
قوله تعالى (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (أولى بأس شديد) قال: هم فارس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) قال: قال الحسن: دعوا إلى فارس الروم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) فدعوا يوم حنين إلى هوازن وثقيف فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد.
قوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ)
أخرج الطبري بسنده الحس عن قتادة، قال: ثم عذر الله أهل العذر من الناس،
فقال: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج).
قوله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)
قال مسلم: حدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي وسويد بن سعيد وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن عبدة (واللفظ لسعيد) (قال سعيد وإسحاق: أخبرنا. وقال الآخرون: حدثنا سفيان) عن عمرو، عن جابر. قال: كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة. فقال لنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أنتم اليوم خير أهل الأرض". وقال جابر: لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة.
(صحيح مسلم - الإمارة، ب استحباب مبايعة الإمام الجيش ٣/١٤٨٤ ح٧١)، وأخرجه البخاري مختصراً (صحيح البخاري ٨/٤٥١ - ك التفسير - سورة الفتح، ب (الآية) ح٤٨٤٠).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم) أي: الصبر والوقار.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأثابهم فتحا قريبا) وهى: خيبر.
قوله تعالى (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (١٩) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد، قوله (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) قال: المغانم الكثيرة التي وعدوا: ما يأخذونه إلى اليوم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فعجل لكم هذه) قال: عجل لكم خيبر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكفّ أيدي الناس عنكم) عن بيوتهم، وعن عيالهم بالمدينة حين ساروا إلى الحديبية وإلى خيبر، وكانت خيبر في ذلك الوجه.
قوله تعالى (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة، قوله (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) قال حدث عن الحسن، قال: هي فارس والروم.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وأخرى لم تقدروا عليها) ما فتحوا حتى اليوم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها) كنا نحدث أنها مكة.
قال أبو داود الطاليسي: حدثنا شعبة عن سماك الحنفي عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم.
(انظر تفسير ابن كثير ٤/١٩١-١٩٢) وسنده رجاله ثقات إلا سماك الحنفي لا بأس به، فالإسناد حسن)، وأخرجه البيهقي من طريق شعبة به بلفظ: هو ما أصبتم بعده (دلائل النبوة ٤/١٦٣).
قوله تعالى (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ) يعني: كفار قريش، قال الله (ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) ينصرهم من الله.
قوله تعالى (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)
انظر سورة الأحزاب آية (٦٢)، وسورة فاطر آية (٤٣).
قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)
قال مسلم: حدثني عمرو بن محمد الناقد. حدثنا يزيد بن هارون. أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس بن مالك، أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جبل التنعيم. متسلّحين يريدون غرّة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه فأخذهم سِلماً. فاستحياهم. فأنزل الله عز وجل: (وهو الذي كفّ أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم).
(صحيح مسلم ٣/١٤٤٢ - ك الجهاد والسير، ب قول الله تعالى (الآية) ح١٨٠٨).
قال النسائي: أنا محمد بن عقيل، أنا علي بن الحسين، حدثني أبي عن ثابت، قال: حدثني عبد الله بن مغفل المزني، قال: كنا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله، وكأني بغصن من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فرفعته عن ظهره، وعلي بن أبي طالب وسهل بن عمرو بين يديه، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فأخذ سهيل يده فقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: "اكتب باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة"، فأمسك بيده فقال: لقد ظلمناك إن كنت رسولاً، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: "أكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وأنا رسول الله، قال: فكتب، فبينما نحن
كذلك. إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هل جئتم في عهد أحد، أو هل جعل لكم أحداً أماناً"، فقالوا: لا، فخلى سبيلهم، فأنزل الله عز وجل (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم) إلى قوله (بصيراً).
(التفسير ٢/٣١٢-٣١٤ ح٥٣١)، وأخرجه أحمد (المسند ٤/٨٦-٨٧)، والحاكم (المستدرك ٢/٤٦٠-٤٦١) من طريق الحسين بن واقد من ثابت به. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ٦/١٤٥)، وقال ابن حجر: أخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بسند صحيح (الفتح ٥/٣١٥)، والحديث أخرجه مسلم من حديث ثابت عن أنس (الصحيح ٣/١٤١١ ح١٧٨٤) بنحوه مختصراً.
قوله تعالى (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال، أخبرني الزهري قال، أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان -يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه - قالا: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق... فذكر الحديث بطوله، وفيه: أن قريشاً أرسلت إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما أرسلت رجلاً من كنانة، فلما أُشرف على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه رضي الله عنهم: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له، فبعثت له واستقبله الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إليهم قال: رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، فما أرى أن يصدوا عن البيت.
(الصحيح ٥/٣٨٨-٣٩٢ ح٧٢٣١، ٧٢٣٢ - ك الشروط، ب الشروط في الجهاد). وأخرجه الإمام أحمد (المسند ٤/٣٢٣-٣٢٦) بطوله، وفيه تسمية الرجل الكناني: الحلس بن علقمة، وأنه قال لما رجع إلى قريش: "يا معشر قريش قد رأيت ما لا يحل صده، الهدي في قلائد قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله".
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا) أي: محبوساً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات)... حتى بلغ (بغير علم) هذا حين أراد محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه أن يدخلوا مكة، فكان بها رجال مؤمنون ونساء مؤمنات، فكره الله أن يؤذوا أو يوطئوا بغير علم، فتصيبكم منهم معرة بغير علم، والمعرة أي: الإثم.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله (لو تزيلوا) الآية، إن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار.
قوله تعالى (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)
قال البخاري: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر قال: أخبرني الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة ومروان -يصدق كل واحد سهما حديث صاحبه- قالا: خرج رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن الحديبية حتى إذا كانوا ببعض الطريق... فذكر الحديث بطوله وفي آخره: فأرسل قريش إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تناشده الله والرحمن لما أرسل فمن أتاه فهو آمن فأرسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهم، فأنزل الله تعالى (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) حتى بلغ (الحمية حمية الجاهلية) وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم، وحالوا بينهم وبين البيت.
(الصحيح ٥/٣٢٧-٢٣٣ ح٢٧٣١-٢٧٣٢ - ك الشروط، ب الشروط في الجهاد).
انظر حديث البخاري عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - المتقدم عند الآية (٤٠) من سورة التوبة، وهو حديث: "تلك السكينة تنزلت بالقرآن".
قال أحمد: حدثنا عبد الوهاب الخفاف، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن مسلم ابن يسار، عن حمران بن أبان أن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه إلا حرم على النار، فقال له عمر بن الخطاب: أنا أحدثك ما هي. هي كلمة الإخلاص التي أعز الله تبارك وتعالى بها محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه، وهي كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمه أبا طالب عند الموت: شهادة أن لا إله إلا الله.
(المسند ١/٣٥٣ ح٤٤٧) بتحقيق أحمد شاكر، وورد هكذا في المطبوع بلفظ: "اعز الله".
والوجود في أطراف المسند (٥/٥٢) :"التي ألزمها الله محمداً وأصحابه... ". وكذا هو في (مجمع الزوائد ١/١٥)، و (الدر المنثور ٦/٨٠)، وأخرج هذا الحديث أيضاً ابن حبان في صحيحه (الإحسان ١/٤٣٤ رقم٢٠٤)، والحاكم في المستدرك (١/٧٢) وغيرهما من عبد الوهاب بن عطاء الخفاف بإسناده مختصراً، وليس عندهم: "هي كلمه الإخلاص... " إلى قوله "عند الموت" وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي. ومسلم بن يسار البصري -وإن كان ثقة- ليس له رواية في الصحيحين، وعبد الوهاب ليس له رواية عند البخاري. وقال ابن كثير في مسند الفاروق (١/٢٢٧) : وهذا إسناد جيد. وقال الهيثمي في (المجمع ١/١٥) : لعمر حديث رواه ابن ماجة بغير هذا السياق، ورجاله ثقاة، رواه أحمد. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقال محققو مسند أحمد: إسناده قوي (١/٩٩، ح٤٤٧) ومعنى ألاص عليها: أي أداره وحثه عليها.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (وألزمهم كلمة التقوى) يقول: شهادة أن لا إله إلا الله، فهي كلمة التقوى، يقول: فهي رأس التقوى.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وألزمهم كلمة التقوى) قال: الإخلاص.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (وكانوا أحق بها وأهلها) وكان المسلمون أحق بها، وكانوا أهلها: أي التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.
قوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق)
قال: رأى رسول الله محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه يطوف بالبيت وأصحابه، فصدق الله رؤياه، فقال (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين)... حتى بلغ (لا تخافون).
قوله تعالى (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اللهم ارحم المحلقين"، قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: "اللهم ارحم المحلقين"، قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: "والمقصرين". وقال الليث: حدثني نافع "رحم الله المحلقين" -مرة أو مرتين-. قال: وقال عبيد الله: حدثني نافع "وقال في الرابعة: والمقصرين".
(صحيح البخاري ٣/٦٥٦ ح١٧٢٧ - ك الحج، ب الحلق والتقصير عند الإحلال)، (صحيح مسلم ٢/٩٤٥ - ك الحج، ب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير).
قال البخاري: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاووس، عن ابن عباس، عن معاوية - رضي الله عنه - قال: "قصرت عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمشقص".
(الصحيح ٣/٦٥٦ ح١٧٣٠ - ك الحج، ب الحلق والتقصير عند الإحلال)، وأخرجه مسلم (الصحيح ٢/٩١٣ ح١٢٤٦) وفيه زيادة: عند المروة. فيه قول ابن عباس: فقلت له: لا أعلم هذا إلا حجة عليك. والمشقص هو: سهم فيه نصل عريض.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (من دون ذلك فتحا قريبا) قال: النحر بالحديبية، ورجعوا ففتحوا خيبر، ثم اعتمر بعد ذلك، فكان تصديق رؤياه في السنة المقبلة.
قوله تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)
قال البخاري: حدثنا خلاّد بن يحيى قال، حدثنا سفيان عن أبي بردة بن عبد الله بن أبي بردة عن جده عن أبي موسى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً" وشبك أصابعه.
(صحيح البخاري ١/٦٧٤ - ك الصلاة، ب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره ح٤٨١)، وأخرجه مسلم (الصحيح - البر والصلة، ب تراحم المؤمنين ٤/١٩٩٩ ح٢٥٨٥).
قال ابن كثير: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) كما قال تعالى (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديداً عنيفا على الكافر، رحيما برا بالأخيار، غضوبا عبوسا في وجه الكافر، ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن كما قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (رحماء بينهم) ألقى الله في قلوبهم الرحمة بعضهم لبعض (تراهم ركعا سجدا) يقول تراهم ركعا أحيانا لله في صلاتهم سجدا أحيانا (يبتغون فضلا من الله) يقول: يلتمسون بركوعهم وسجودهم وشدتهم على الكفار ورحمة بعضهم بعضاً فضلاً من الله، وذلك رحمتهم إياهم، بأن يتفضل عليهم، فيدخلهم جنته (ورضوانا) يقول: وأن يرضى عنهم ربهم.
362
قال ابن كثير: وقوله (تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلاً الله ورضوانا) وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة، وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله -عز وجل- والاحتساب عند الله جزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله، وهو سعة الرزق عليهم، ورضاه تعالى عنهم وهو أكبر من الأول، كما قال تعالى (ورضوان من الله أكبر).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (سيماهم في وجوههم) قال: السمت الحسن.
أخرج الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضاً عن مجاهد (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) قال: الخشوع.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) يقول: علامتهم أو أعلمتهم الصلاة.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (محمد رسول الله والذين معه) أصحابه مثلهم يعني مكتوبا في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق السماوات والأرض.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة (ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه) قال: هذا مثل أصحاب محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الإنجيل، قيل لهم: إنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (كزرع أخرج شطأه) قال: ما يخرج يجنب الحقلة فيتم وينمي.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (فآزره) قال: فشده وأعانه.
363
Icon