هي تسع وعشرون آية، وهي مدنية قال القرطبي : بالإجماع. وقد أخرج ابن الضريس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة الفتح بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج ابن إسحاق والحاكم وصححه البيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة ومروان قالا : نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها وهذا لا ينافي الإجماع على كونها مدنية، لأن المراد بالسورة المدنية النازلة بعد الهجرة من مكة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مغفل قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فرجع فيها. وفي الصحيحين عن زيد بن أسلم عن أبيه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً، فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر بن الخطاب : هلكت أم عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك، فقال عمر : فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي، فقلت : لقد خشيت أن يكون قد نزل في قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال : لقد أنزلت علي سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ ﴿ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ﴾ » وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال : لما نزلت ﴿ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ﴾ الآية إلى قوله :﴿ فوزاً عظيماً ﴾ مرجعه من الحديبية وهم مخالطهم الحزن والكآبة، وقد نحروا الهدي بالحديبية فقال :«لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعها ».
ﰡ
وهي مَدَنِيَّةٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: بِالْإِجْمَاعِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الضُّرَيْسِ وَالنَّحَّاسُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بِالْمَدِينَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وأخرج ابن إسحاق، والحاكم وصحّحه، والبيهقي فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالَا: نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا. وَهَذَا لَا يُنَافِي الْإِجْمَاعَ عَلَى كَوْنِهَا مَدَنِيَّةً لأنّ المراد بالسور الْمَدَنِيَّةِ النَّازِلَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ. وَأَخْرَجَ البخاري ومسلم وغير هما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فِي مَسِيرِهِ سُورَةَ الْفَتْحِ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَرَجَعَ فِيهَا. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: هَلَكَتْ أُمُّ عُمَرَ، نَزَرْتُ «١» رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُجِيبُكَ، فَقَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ «٢» أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»، ثُمَّ قَرَأَ:
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: فَوْزاً عَظِيماً مرجعه من الحديبية، وهم يخالطهم الحزن والكآبة، وقد نحر الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعِهَا».
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ١ الى ٧]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤)لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧)
(٢). «ما نشبت» : أي ما لبثت.
إِنَّهُ فَتْحُ مَكَّةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ فَتْحُ خَيْبَرَ. وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا مِنْ أَنَّ السُّورَةَ أُنْزِلَتْ فِي شَأْنِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقِيلَ: هُوَ جَمِيعُ مَا فَتَحَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مِنَ الْفُتُوحِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا فَتَحَ لَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: فَتْحُ الرُّومِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْفَتْحِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً مُبِينًا، أَيْ: ظَاهِرًا وَاضِحًا مَكْشُوفًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ اللَّامُ متعلقة بفتحنا، وَهِيَ لَامُ الْعِلَّةِ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ، يَعْنِي الْمُبَرِّدَ، عَنِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ فَقَالَ: هِيَ لَامُ كَيْ، مَعْنَاهَا: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِكَيْ يَجْتَمِعَ لَكَ مَعَ الْمَغْفِرَةِ تَمَامُ النِّعْمَةِ فِي الْفَتْحِ، فَلَمَّا انْضَمَّ إِلَى الْمَغْفِرَةِ شَيْءٌ حَادِثٌ وَاقِعٌ حَسُنَ مَعْنَى كَيْ، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ لَيْسَ الْفَتْحُ سَبَبَ الْمَغْفِرَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: إِنَّ اللَّامَ لَمْ تَكُنْ عِلَّةً لِلْمَغْفِرَةِ، وَلَكِنْ لِاجْتِمَاعِ مَا عُدِّدَ مِنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ: الْمَغْفِرَةُ، وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ، وَهِدَايَةُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَالنَّصْرُ الْعَزِيزُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: يَسَّرْنَا لَكَ فَتْحَ مَكَّةَ وَنَصَرْنَاكَ عَلَى عَدُوِّكَ لِنَجْمَعَ لَكَ بَيْنَ عِزِّ الدَّارَيْنِ، وَأَعْرَاضِ الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ. وَهَذَا كَلَامٌ غَيْرُ جَيِّدٍ، فَإِنَّ اللَّامَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَهِيَ عِلَّةٌ لِلْفَتْحِ. فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُعَلِّلَةً؟ وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي تَوْجِيهِ التَّعْلِيلِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ التَّعْرِيفُ بِالْمَغْفِرَةِ تقديره: إنا فتحنا لك لنعرف أَنَّكَ مَغْفُورٌ لَكَ مَعْصُومٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ فَتَحَ لَكَ لِكَيْ يَجْعَلَ الْفَتْحُ عَلَامَةً لِغُفْرَانِهِ لَكَ. فَكَأَنَّهَا لَامُ الصَّيْرُورَةِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَهُوَ خَطَأٌ، فَإِنَّ لَامَ الْقَسَمِ لَا تُكْسَرُ وَلَا يُنْصَبُ بِهَا.
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ فَقِيلَ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ، وَمَا تَأَخَّرَ بَعْدَهَا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ:
يَعْنِي ذَنْبَ أَبَوَيْكَ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ ذُنُوبِ أُمَّتِكَ. وَمَا أَبْعَدَ هَذَا عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ! وَقِيلَ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنب أبيك أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ، وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ ذُنُوبِ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، وَهَذَا كَالَّذِي قَبْلَهُ. وَقِيلَ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَا تَأَخَّرَ مِنْ ذَنْبِ يَوْمِ حُنَيْنٍ، وَهَذَا كَالْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي الْبُعْدِ. وَقِيلَ: لَوْ كَانَ ذَنْبٌ قَدِيمٌ أَوْ حَدِيثٌ لَغَفَرْنَاهُ لَكَ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا وَجْهَ لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالذَّنْبِ بَعْدَ الرِّسَالَةِ تَرْكَ مَا هُوَ الْأَوْلَى، وَسُمِّيَ ذَنْبًا فِي حَقِّهِ لِجَلَالَةِ قَدْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَنْبًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بِإِظْهَارِ دِينِكَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَقِيلَ: بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ: بِالنُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ، وَقِيلَ: بِفَتْحِ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَخَيْبَرَ، وَالْأَوْلَى أَنْ
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ هَذِهِ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، تَقْدِيرُهُ: يَبْتَلِي بِتِلْكَ الْجُنُودِ مَنْ يَشَاءُ، فَيَقْبَلُ الْخَيْرَ مِنْ أَهْلِهِ وَالشَّرَّ مِمَّنْ قَضَى لَهُ بِهِ لِيُدْخِلَ وَيُعَذِّبَ، وَقِيلَ:
مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: إِنَّا فَتَحْنا كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ مَا فَتَحْنَا لِيُدْخِلَ وَيُعَذِّبَ، وَقِيلَ: متعلقة بينصرك:
أَيْ نَصَرَكَ اللَّهُ بِالْمُؤْمِنِينَ لِيُدْخِلَ وَيُعَذِّبَ، وَقِيلَ: متعلقة بيزدادوا، أي: يزدادوا «ليدخل» و «يعذب»، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أَيْ: يَسْتُرَهَا وَلَا يُظْهِرَهَا وَلَا يُعَذِّبَهُمْ بِهَا، وَقَدَّمَ الْإِدْخَالَ عَلَى التَّكْفِيرِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ لِلْمُسَارَعَةِ إِلَى بَيَانِ مَا هُوَ الْمَطْلَبُ الْأَعْلَى، وَالْمَقْصِدُ الْأَسْنَى وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً أي: وكان ذلك الوعد بإدخالهم الجنة وتكفير سيئاتهم عند الله وفي حكمه فَوْزًا عَظِيمًا، أَيْ:
ظَفَرًا بِكُلِّ مَطْلُوبٍ وَنَجَاةً مِنْ كُلِّ غَمٍّ، وَجَلْبًا لِكُلِّ نَفْعٍ، وَدَفْعًا لِكُلِّ ضُرٍّ، وَقَوْلُهُ: عِنْدَ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ فَوْزًا لِأَنَّهُ صِفَةٌ فِي الْأَصْلِ، فَلَمَّا قُدِّمَ صَارَ حَالًا، أَيْ: كَائِنًا عِنْدَ اللَّهِ، وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَزَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِمَّا وَعَدَ بِهِ صَالِحِي عِبَادِهِ ذَكَرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ غَيْرُهُمْ، فَقَالَ: وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «يُدْخِلَ»، أَيْ: يُعَذِّبَهُمْ في الدنيا بما يصل إليهم مِنَ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ بِسَبَبِ مَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ ظُهُورِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَقَهْرِ الْمُخَالِفِينَ لَهُ، وَبِمَا يُصَابُونَ بِهِ مِنَ الْقَهْرِ وَالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِعَذَابِ جَهَنَّمَ، وَفِي تَقْدِيمِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ عَذَابًا، وَأَحَقُّ مِنْهُمْ بِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِهِ. ثُمَّ وَصَفَ الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ وَهُوَ ظَنُّهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغْلَبُ وَأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ تَعْلُو كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ.
وَمِمَّا ظَنُّوهُ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً.
عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ أَيْ: مَا يَظُنُّونَهُ وَيَتَرَبَّصُونَهُ بِالْمُؤْمِنِينَ دَائِرٌ عَلَيْهِمْ، حَائِقٌ بِهِمْ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْعَذَابَ وَالْهَلَاكَ الَّذِي يَتَوَقَّعُونَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَاقِعَانِ عَلَيْهِمْ نازلان بهم. وقال الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ: السَّوْءُ هُنَا الْفَسَادُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ السَّوْءِ بِفَتْحِ السِّينِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِضَمِّهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا بَيَّنَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مَعَ ذَلِكَ مِنَ الْغَضَبِ وَاللَّعْنَةِ وَعَذَابِ جَهَنَّمَ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مِنَ الملائكة والإنس والجنّ والشياطين
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ مُجَمِّعِ بن جارية الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا حتى بلغنا كراع الغميم «١»، إذ الناس يهزّون الْأَبَاعِرَ، فَقَالَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَقَالُوا: أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجْنَا مَعَ النَّاسِ نُوجِفُ «٢»، فَإِذَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، فَقَالَ رَجُلٌ: إِي رَسُولَ اللَّهِ أو فتح هُوَ؟ قَالَ:
إِي وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّهُ لَفَتْحٌ. فَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، فَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ، مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبينا نحن نسير إذا أَتَاهُ الْوَحْيُ، وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ اشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَسُرِّيَ عَنْهُ وَبِهِ مِنَ السُّرُورِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً قَالَ: «فتح مكة». وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي حتى ترم قدماه، فقيل له: أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: السَّكِينَةُ هِيَ الرَّحْمَةُ، وَفِي قَوْلِهِ: لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ نبيه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَمَّا صَدَّقَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ زَادَهُمُ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمُ الصِّيَامَ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهِ زَادَهُمُ الزَّكَاةَ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهَا زَادَهُمُ الْحَجَّ، فَلَمَّا صَدَّقُوا بِهِ زَادَهُمُ الْجِهَادَ.
ثُمَّ أَكْمَلَ لَهُمْ دِينَهُمْ فَقَالَ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «٣».
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَوْثَقُ إِيمَانِ أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ وَأَصْدَقُهُ وَأَكْمَلُهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ قَالَ: تصديقا مع تصديقهم. وأخرج البخاري ومسلم
(٢). «نوجف» : نسرع السير.
(٣). المائدة: ٣.
واختلف في معنى قوله :﴿ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ فقيل : ما تقدّم من ذنبك قبل الرسالة، وما تأخر بعدها ؛ قاله مجاهد وسفيان الثوري وابن جرير والواحدي وغيرهم. وقال عطاء : ما تقدّم من ذنبك، يعني : ذنب أبويك آدم وحوّاء، وما تأخر من ذنوب أمتك. وما أبعد هذا عن معنى القرآن. وقيل : ما تقدّم من ذنب أبيك إبراهيم، وما تأخر من ذنوب النبيين من بعده، وهذا كالذي قبله. وقيل : ما تقدّم من ذنب يوم بدر، وما تأخر من ذنب يوم حنين، وهذا كالقولين الأولين في البعد. وقيل : لو كان ذنب قديم، أو حديث ؛ لغفرنا لك، وقيل غير ذلك مما لا وجه له، والأوّل أولى. ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى، وسمي ذنباً في حقه لجلالة قدره، وإن لم يكن ذنباً في حق غيره. ﴿ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ بإظهار دينك على الدين كله، وقيل : بالجنة، وقيل : بالنبوّة والحكمة، وقيل : بفتح مكة والطائف وخيبر، والأولى أن يكون المعنى : ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة، والهداية إلى صراط مستقيم، وهو الإسلام. ومعنى ﴿ يهديك ﴾ : يثبتك على الهدى إلى أن يقبضك إليه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي، في الدلائل عن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتدّ عليه، فسرّي عنه، وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنه أنزل عليه :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾.
وأخرج البخاريّ وغيره عن أنس في قوله :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال : الحديبية. وأخرج البخاريّ، وغيره عن البراء قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت :«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال :«فتح مكة» وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال :«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتورم قدماه، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، قال :«أفلا أكون عبداً شكوراً»، وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ﴾ قال : السكينة : هي الرحمة، وفي قوله :﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : إن الله بعث نبيه بشهادة أن لا إله إلاّ الله، فلما صدّق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدّقوا بها زادهم الصيام، فلما صدّقوا به زادهم الزكاة، فلما صدّقوا بها زادهم الحجّ، فلما صدّقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم، فقال :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ﴾ [ المائدة : ٣ ]. فأوثق إيمان أهل السماء، وأهل الأرض، وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : تصديقاً مع تصديقهم. وأخرج البخاري ومسلم، وغيرهما عن أنس قال :«لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ مرجعه من الحديبية. قال :«لقد أنزلت علي آية هي أحبّ إليّ مما على الأرض»، ثم قرأها عليهم، فقالوا : هنيئًا مريئًا يا رسول الله، قد بيّن الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه :﴿ لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ حتى بلغ :﴿ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. »
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي، في الدلائل عن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتدّ عليه، فسرّي عنه، وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنه أنزل عليه :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾.
وأخرج البخاريّ وغيره عن أنس في قوله :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال : الحديبية. وأخرج البخاريّ، وغيره عن البراء قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت :«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال :«فتح مكة» وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال :«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتورم قدماه، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، قال :«أفلا أكون عبداً شكوراً»، وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ﴾ قال : السكينة : هي الرحمة، وفي قوله :﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : إن الله بعث نبيه بشهادة أن لا إله إلاّ الله، فلما صدّق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدّقوا بها زادهم الصيام، فلما صدّقوا به زادهم الزكاة، فلما صدّقوا بها زادهم الحجّ، فلما صدّقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم، فقال :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ﴾ [ المائدة : ٣ ]. فأوثق إيمان أهل السماء، وأهل الأرض، وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : تصديقاً مع تصديقهم. وأخرج البخاري ومسلم، وغيرهما عن أنس قال :«لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ مرجعه من الحديبية. قال :«لقد أنزلت علي آية هي أحبّ إليّ مما على الأرض»، ثم قرأها عليهم، فقالوا : هنيئًا مريئًا يا رسول الله، قد بيّن الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه :﴿ لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ حتى بلغ :﴿ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. »
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي، في الدلائل عن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتدّ عليه، فسرّي عنه، وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنه أنزل عليه :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾.
وأخرج البخاريّ وغيره عن أنس في قوله :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال : الحديبية. وأخرج البخاريّ، وغيره عن البراء قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت :«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال :«فتح مكة» وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال :«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتورم قدماه، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، قال :«أفلا أكون عبداً شكوراً»، وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ﴾ قال : السكينة : هي الرحمة، وفي قوله :﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : إن الله بعث نبيه بشهادة أن لا إله إلاّ الله، فلما صدّق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدّقوا بها زادهم الصيام، فلما صدّقوا به زادهم الزكاة، فلما صدّقوا بها زادهم الحجّ، فلما صدّقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم، فقال :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ﴾ [ المائدة : ٣ ]. فأوثق إيمان أهل السماء، وأهل الأرض، وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : تصديقاً مع تصديقهم. وأخرج البخاري ومسلم، وغيرهما عن أنس قال :«لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ مرجعه من الحديبية. قال :«لقد أنزلت علي آية هي أحبّ إليّ مما على الأرض»، ثم قرأها عليهم، فقالوا : هنيئًا مريئًا يا رسول الله، قد بيّن الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه :﴿ لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ حتى بلغ :﴿ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. »
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي، في الدلائل عن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتدّ عليه، فسرّي عنه، وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنه أنزل عليه :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾.
وأخرج البخاريّ وغيره عن أنس في قوله :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال : الحديبية. وأخرج البخاريّ، وغيره عن البراء قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت :«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال :«فتح مكة» وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال :«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتورم قدماه، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، قال :«أفلا أكون عبداً شكوراً»، وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ﴾ قال : السكينة : هي الرحمة، وفي قوله :﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : إن الله بعث نبيه بشهادة أن لا إله إلاّ الله، فلما صدّق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدّقوا بها زادهم الصيام، فلما صدّقوا به زادهم الزكاة، فلما صدّقوا بها زادهم الحجّ، فلما صدّقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم، فقال :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ﴾ [ المائدة : ٣ ]. فأوثق إيمان أهل السماء، وأهل الأرض، وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : تصديقاً مع تصديقهم. وأخرج البخاري ومسلم، وغيرهما عن أنس قال :«لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ مرجعه من الحديبية. قال :«لقد أنزلت علي آية هي أحبّ إليّ مما على الأرض»، ثم قرأها عليهم، فقالوا : هنيئًا مريئًا يا رسول الله، قد بيّن الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه :﴿ لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ حتى بلغ :﴿ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. »
وفي تقديم المنافقين على المشركين دلالة على أنهم أشدّ منهم عذاباً، وأحقّ منهم بما وعدهم الله به، ثم وصف الفريقين، فقال :﴿ الظانين بالله ظَنَّ السوء ﴾ وهو ظنهم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يغلب، وأن كلمة الكفر تعلو كلمة الإسلام.
ومما ظنوه ما حكاه الله عنهم بقوله :﴿ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً ﴾، ﴿ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء ﴾ أي ما يظنونه، ويتربصونه بالمؤمنين دائر عليهم حائق بهم، والمعنى : أن العذاب، والهلاك الذي يتوقعونه للمؤمنين واقعان عليهم نازلان بهم. قال الخليل وسيبويه : السوء هنا : الفساد. قرأ الجمهور ﴿ السوء ﴾ بفتح السين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضمها ﴿ وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾. لما بيّن سبحانه أن دائرة السوء عليهم في الدنيا بيّن ما يستحقونه مع ذلك من الغضب واللعنة، وعذاب جهنم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي، في الدلائل عن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتدّ عليه، فسرّي عنه، وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنه أنزل عليه :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾.
وأخرج البخاريّ وغيره عن أنس في قوله :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال : الحديبية. وأخرج البخاريّ، وغيره عن البراء قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت :«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال :«فتح مكة» وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال :«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتورم قدماه، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، قال :«أفلا أكون عبداً شكوراً»، وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ﴾ قال : السكينة : هي الرحمة، وفي قوله :﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : إن الله بعث نبيه بشهادة أن لا إله إلاّ الله، فلما صدّق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدّقوا بها زادهم الصيام، فلما صدّقوا به زادهم الزكاة، فلما صدّقوا بها زادهم الحجّ، فلما صدّقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم، فقال :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ﴾ [ المائدة : ٣ ]. فأوثق إيمان أهل السماء، وأهل الأرض، وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : تصديقاً مع تصديقهم. وأخرج البخاري ومسلم، وغيرهما عن أنس قال :«لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ مرجعه من الحديبية. قال :«لقد أنزلت علي آية هي أحبّ إليّ مما على الأرض»، ثم قرأها عليهم، فقالوا : هنيئًا مريئًا يا رسول الله، قد بيّن الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه :﴿ لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ حتى بلغ :﴿ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. »
وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري في تاريخه، وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي، في الدلائل عن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن نسير إذ أتاه الوحي، وكان إذا أتاه اشتدّ عليه، فسرّي عنه، وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنه أنزل عليه :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾.
وأخرج البخاريّ وغيره عن أنس في قوله :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال : الحديبية. وأخرج البخاريّ، وغيره عن البراء قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت :«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ قال :«فتح مكة» وأخرج البخاريّ، ومسلم، وغيرهما عن المغيرة بن شعبة قال :«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تتورم قدماه، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، قال :«أفلا أكون عبداً شكوراً»، وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله :﴿ هُوَ الذي أَنزَلَ السكينة فِي قُلُوبِ المؤمنين ﴾ قال : السكينة : هي الرحمة، وفي قوله :﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : إن الله بعث نبيه بشهادة أن لا إله إلاّ الله، فلما صدّق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدّقوا بها زادهم الصيام، فلما صدّقوا به زادهم الزكاة، فلما صدّقوا بها زادهم الحجّ، فلما صدّقوا به زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم، فقال :﴿ اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ﴾ [ المائدة : ٣ ]. فأوثق إيمان أهل السماء، وأهل الأرض، وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلاّ الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود ﴿ لِيَزْدَادُواْ إيمانا مَّعَ إيمانهم ﴾ قال : تصديقاً مع تصديقهم. وأخرج البخاري ومسلم، وغيرهما عن أنس قال :«لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم :﴿ لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ مرجعه من الحديبية. قال :«لقد أنزلت علي آية هي أحبّ إليّ مما على الأرض»، ثم قرأها عليهم، فقالوا : هنيئًا مريئًا يا رسول الله، قد بيّن الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه :﴿ لّيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾ حتى بلغ :﴿ فَوْزاً عَظِيماً ﴾. »
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٨ الى ١٥]
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢)
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥)
قَوْلُهُ: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً أَيْ: عَلَى أُمَّتِكَ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ إِلَيْهِمْ وَمُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ لِلْمُطِيعِينَ وَنَذِيراً لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: لِتُؤْمِنُوا بِالْفَوْقِيَّةِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِالتَّحْتِيَّةِ، فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى الْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأُمَّتِهِ، وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ الْمُرَادُ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَانْتِصَابُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا عَلَى الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ الْخِلَافُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَفْعَالِ كَالْخِلَافِ فِي لِتُؤْمِنُوا كما سلف، ومعنى تعزّروه: تعظّموه وتفخّموه قال الحسن والكلبي، والعزيز: التَّعْظِيمُ وَالتَّوْقِيرُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: تَنْصُرُوهُ وَتَمْنَعُوا مِنْهُ. وقال عكرمة: تقاتلون مَعَهُ بِالسَّيْفِ، وَمَعْنَى تُوَقِّرُوهُ: تُعَظِّمُوهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: تسوّدوه، وقيل: وَالضَّمِيرَانِ فِي الْفِعْلَيْنِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَا وَقْفٌ تَامٌّ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ وَتُسَبِّحُوهُ، أَيْ: تُسَبِّحُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بُكْرَةً وَأَصِيلًا أَيْ: غُدْوَةً وَعَشِيَّةً، وَقِيلَ: الضَّمَائِرُ كُلُّهَا فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَكُونُ مَعْنَى تُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ: تُثْبِتُونَ لَهُ التَّوْحِيدَ وَتَنْفُونَ عَنْهُ الشُّرَكَاءَ، وَقِيلَ: تَنْصُرُوا دِينَهُ وَتُجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ. وفي التسبيح وجهان، أحد هما التَّنْزِيهُ لَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ كُلِّ قَبِيحٍ، وَالثَّانِي الصَّلَاةُ إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يَعْنِي بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَإِنَّهُمْ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى قِتَالِ قُرَيْشٍ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هذه البيعة لرسوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ هِيَ بَيْعَةٌ لَهُ،
ثَبَتَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا عَاهَدَ عليه في البيعة لرسوله. قرأ الجمهور: فَسَيُؤْتِيهِ بالتحتية، وقرأ نافع وابن كَثِيرٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِالنُّونِ، وَاخْتَارَ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَاخْتَارَ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ الْفَرَّاءُ سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ هُمُ الَّذِينَ خَلَّفَهُمُ اللَّهُ عَنْ صُحْبَةِ رَسُولِهِ حِينَ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: يَعْنِي أَعْرَابَ غِفَارٍ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَسْلَمَ وَأَشْجَعَ وَالدُّئِلِ، وَهُمُ الْأَعْرَابُ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَ الْمَدِينَةِ.
وَقِيلَ: تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَافَرَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ كَانَ قَدِ اسْتَنْفَرَهُمْ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ، وَالْمُخَلَّفُ: الْمَتْرُوكُ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا أَيْ: مَنَعَنَا عَنِ الْخُرُوجِ مَعَكَ مَا لَنَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالنِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ، وَلَيْسَ لَنَا مَنْ يَقُومُ بِهِمْ وَيَخْلُفُنَا عَلَيْهِمْ فَاسْتَغْفِرْ لَنا لِيَغْفِرَ اللَّهُ لَنَا مَا وَقَعَ مِنَّا مِنَ التَّخَلُّفِ عَنْكَ بِهَذَا السَّبَبِ، وَلَمَّا كَانَ طَلَبُ الِاسْتِغْفَارِ مِنْهُمْ لَيْسَ عَنِ اعْتِقَادٍ بَلْ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِهْزَاءِ، وَكَانَتْ بَوَاطِنُهُمْ مُخَالِفَةً لِظَوَاهِرِهِمْ فَضَحَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَهَذَا هُوَ صَنِيعُ الْمُنَافِقِينَ.
وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ بَوَاطِنُهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا مِنَ الْجُمْلَةِ الْأُولَى. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبَ عَنْهُمْ، فَقَالَ: قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أَيْ: فَمَنْ يَمْنَعُكُمْ مِمَّا أَرَادَهُ اللَّهُ بِكُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَيْ: إِنْزَالَ مَا يَضُرُّكُمْ مِنْ ضَيَاعِ الْأَمْوَالِ وَهَلَاكِ الْأَهْلِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: ضَرًّا بِفَتْحِ الضَّادِ، وَهُوَ مَصْدَرُ ضَرَرْتُهُ ضَرًّا. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِضَمِّهَا، وَهُوَ اسْمُ مَا يَضُرُّ، وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً أَيْ: نَصْرًا وَغَنِيمَةً، وَهَذَا رَدٌّ عَلَيْهِمْ حِينَ ظَنُّوا أَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدفع عنه الضَّرَّ، وَيَجْلِبُ لَهُمُ النَّفْعَ، ثُمَّ أَضْرَبَ سُبْحَانَهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً أَيْ: إِنَّ تَخَلُّفَكُمْ لَيْسَ لِمَا زَعَمْتُمْ، بَلْ كَانَ اللَّهُ خَبِيرًا بِجَمِيعِ مَا تَعْمَلُونَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا تَخَلُّفُكُمْ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ تَخَلُّفَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ، بَلْ لِلشَّكِّ وَالنِّفَاقِ وَمَا خَطَرَ لَكُمْ مِنَ الظُّنُونِ الْفَاسِدَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ عَدَمِ الثِّقَةِ بِاللَّهِ، وَلِهَذَا قَالَ: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةٌ لِقَوْلِهِ: بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً لِمَا فِيهَا مِنَ الْإِبْهَامِ، أَيْ:
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يَسْتَأْصِلُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَرَّةِ فَلَا يَرْجِعُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَى أَهْلِهِ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تخلفتم لا لما ذكرتم من
سَيَقُولُونَ عِنْدَ انْطِلَاقِكُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ إِلى مَغانِمَ يَعْنِي مَغَانِمَ خَيْبَرَ لِتَأْخُذُوها لِتَحُوزُوهَا ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ أَيِ: اتْرُكُونَا نَتَّبِعْكُمْ وَنَشْهَدْ مَعَكُمْ غَزْوَةَ خَيْبَرَ. وَأَصْلُ الْقِصَّةِ أَنَّهُ لما انصرف النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعَدَهُمُ اللَّهُ فَتْحَ خَيْبَرَ، وَخَصَّ بِغَنَائِمِهَا مَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، فَلَمَّا انْطَلَقُوا إِلَيْهَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُخَلَّفُونَ: ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ، فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ أَيْ: يُغَيِّرُوا كَلَامَ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يُبَدِّلُوهُ هُوَ مَوَاعِيدُ اللَّهِ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ خَاصَّةً بِغَنِيمَةِ خَيْبَرَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
يَعْنِي أَمْرَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ أَنْ لَا يَسِيرَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا «٢» واعترض على هَذَا ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ غَزْوَةَ تَبُوكَ كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَبَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ:
كَلامَ اللَّهِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «كَلْمَ اللَّهِ» قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْكَلَامُ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، والكلام لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ كَلِمَاتٍ لِأَنَّهُ جَمْعُ كَلْمَةٍ، مِثْلُ نَبْقَةٍ وَنَبْقٍ. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ فَقَالَ: قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا هَذَا النَّفْيُ هُوَ فِي مَعْنَى النَّهْيِ، وَالْمَعْنَى: لَا تَتَّبِعُونَا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ أَيْ: مِنْ قَبْلِ رُجُوعِنَا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّ غَنِيمَةَ خَيْبَرَ لِمَنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ خَاصَّةً لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ فِيهَا نَصِيبٌ فَسَيَقُولُونَ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ عِنْدَ سَمَاعِ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «لَنْ تَتَّبِعُونا» بَلْ تَحْسُدُونَنا أَيْ: بَلْ مَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ خُرُوجِنَا مَعَكُمْ إِلَّا الْحَسَدُ لئلا نشارككم في الغنيمة، وليس ذلك
(٢). التوبة: ٨٣.
وقيل : تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سافر إلى مكة عام الفتح بعد أن كان قد استنفرهم ليخرجوا معه، والمخلف : المتروك ﴿ شَغَلَتْنَا أموالنا وَأَهْلُونَا ﴾ أي منعنا عن الخروج معك ما لنا من الأموال، والنساء والذراري وليس لنا من يقوم بهم، ويخلفنا عليهم ﴿ فاستغفر لَنَا ﴾ ليغفر الله لنا ما وقع منا من التخلف عنك بهذا السبب، ولما كان طلب الاستغفار منهم ليس عن اعتقاد بل على طريقة الاستهزاء، وكانت بواطنهم مخالفة لظواهرهم، فضحهم الله سبحانه بقوله :﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ وهذا هو صنيع المنافقين، والجملة مستأنفة لبيان ما تنطوي عليه بواطنهم، ويجوز أن تكون بدلاً من الجملة الأولى. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب عنهم، فقال :﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مّنَ الله شَيْئاً ﴾ أي فمن يمنعكم مما أراده الله بكم من خير وشرّ، ثم بيّن ذلك، فقال :﴿ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً ﴾ أي إنزال ما يضركم من ضياع الأموال وهلاك الأهل. قرأ الجمهور ﴿ ضرًّا ﴾ بفتح الضاد، وهو مصدر ضررته ضرًّا. وقرأ حمزة والكسائي بضمها وهو اسم ما يضرّ، وقيل : هما لغتان ﴿ أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً ﴾ أي نصراً وغنيمة، وهذا ردّ عليهم حين ظنوا أن التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع عنه الضرّ ويجلب لهم النفع. ثم أضرب سبحانه عن ذلك، وقال :﴿ بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ أي إن تخلفكم ليس لما زعمتم، بل كان الله خبيراً بجميع ما تعملونه من الأعمال التي من جملتها تخلفكم، وقد علم أن تخلفكم لم يكن لذلك، بل للشك والنفاق، وما خطر لكم من الظنون الفاسدة الناشئة عن عدم الثقة بالله ؛ ولهذا قال :﴿ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول والمؤمنون إلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً ﴾.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: وَتُعَزِّرُوهُ يَعْنِي الْإِجْلَالَ وَتُوَقِّرُوهُ يَعْنِي التَّعْظِيمَ، يعني مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَتُعَزِّرُوهُ قَالَ: تَضْرِبُوا بَيْنَ يَدَيْهِ بِالسَّيْفِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْخَطِيبُ، وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «لَمَّا أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةُ وَتُعَزِّرُوهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَا ذَاكَ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: لِتَنْصُرُوهُ». وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَعَلَى النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ فِي اللَّهِ لَا تَأْخُذُنَا فِيهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ نَنْصُرَهُ إِذَا قَدِمَ عَلَيْنَا يَثْرِبَ، فَنَمْنَعَهُ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَزْوَاجَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَلَنَا الْجَنَّةُ، فَمَنْ وَفَى وَفَى اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّهُمْ كَانُوا فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً» وَفِيهِمَا عَنْهُ أنهم كانوا أربعة عَشْرَةَ مِائَةً، وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَأَلَهُ كَمْ كَانُوا فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ قَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ جَابِرًا قَالَ:
كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهِمَ، هُوَ حَدَّثَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ١٦ الى ٢٤]
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧) لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠)
وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤)
قَوْلُهُ: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ هُمُ الْمَذْكُورُونَ سَابِقًا سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هُمْ فَارِسُ. وَقَالَ كَعْبٌ وَالْحَسَنُ: هُمُ الرُّومُ.
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُمْ هَوَازِنُ وَثَقِيفٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَيْ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقْتَ تِلْكَ الْبَيْعَةِ، وَهِيَ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، وَكَانَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَالْعَامِلُ فِي «تَحْتَ» إِمَّا يُبَايِعُونَكَ، أَوْ مَحْذُوفٌ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ، وَهَذِهِ الشَّجَرَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ شَجَرَةٌ كَانَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقِيلَ: سِدْرَةٌ. وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ عَلَى أَنْ يُقَاتِلُوا قُرَيْشًا وَلَا يَفِرُّوا. وَرُوِيَ أَنَّهُ بَايَعَهُمْ «١» عَلَى الْمَوْتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ عَدَدِ أَهْلِ هَذِهِ الْبَيْعَةِ قَرِيبًا، وَالْقِصَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مَعْطُوفٌ عَلَى يُبَايِعُونَكَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: عَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ: مِنَ الرضى بِأَمْرِ الْبَيْعَةِ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مِنْ كَرَاهَةِ الْبَيْعَةِ عَلَى الْمَوْتِ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ مَعْطُوفٌ عَلَى رَضِيَ. وَالسَّكِينَةُ: الطُّمَأْنِينَةُ وَسُكُونُ النَّفْسِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: الصَّبْرُ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً هُوَ فَتْحُ خَيْبَرَ عِنْدَ انْصِرَافِهِمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ. قَالَهُ قَتَادَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وغير هما، وَقِيلَ: فَتْحُ مَكَّةَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها أَيْ: وَأَثَابَكُمْ مَغَانِمَ كَثِيرَةً، أَوْ: وَآتَاكُمْ، وَهِيَ غَنَائِمُ خَيْبَرَ، وَالِالْتِفَاتُ لِتَشْرِيفِهِمْ بِالْخِطَابِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً أَيْ: غَالِبًا مُصْدِرًا أَفْعَالَهُ وَأَقْوَالَهُ عَلَى أُسْلُوبِ الْحِكْمَةِ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فِي هَذَا وَعْدٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا سَيَفْتَحُهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْغَنَائِمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَأْخُذُونَهَا فِي أَوْقَاتِهَا الَّتِي قُدِّرَ وُقُوعُهَا فِيهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ أَيْ: غَنَائِمَ خَيْبَرَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ أَيْ: وَكَفَّ أَيْدِيَ قُرَيْشٍ عَنْكُمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالصُّلْحِ، وَقِيلَ: كَفَّ أَيْدِيَ أَهْلِ خَيْبَرَ وَأَنْصَارِهِمْ عَنْ قِتَالِكُمْ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَفَّ أَيْدِيَ الْيَهُودِ عَنِ الْمَدِينَةِ بَعْدَ خُرُوجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الحديبية وخيبر،
وَكَفَّ لِتَكُونَ وَالْمَعْنَى: ذَلِكَ الْكَفُّ آيَةٌ يُعْلَمُ بِهَا صِدْقُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ مَا يَعِدُكُمْ بِهِ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً أَيْ: يَزِيدَكُمْ بِتِلْكَ الْآيَةِ هُدًى، أَوْ يُثَبِّتَكُمْ عَلَى الْهِدَايَةِ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها مَعْطُوفٌ عَلَى «هَذِهِ»، أَيْ: فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ الْمَغَانِمَ، وَمَغَانِمَ أُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا، وَهِيَ الْفُتُوحُ الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدُ كَفَارِسَ وَالرُّومِ وَنَحْوِهِمَا، كَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ: هِيَ خَيْبَرُ وَعَدَهَا اللَّهُ نَبِيَّهُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَحَهَا وَلَمْ يَكُونُوا يَرْجُونَهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: فَتْحُ مَكَّةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حُنَيْنٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِأُخْرَى. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا لَكُمْ حَتَّى تَفْتَحُوهَا وَتَأْخُذُوهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَعَدَّهَا لَهُمْ وَجَعَلَهَا كَالشَّيْءِ الَّذِي قَدْ أُحِيطَ بِهِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ، فَهُوَ مَحْصُورٌ لَا يَفُوتُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا فِي الْحَالِ فَهِيَ مَحْبُوسَةٌ لَهُمْ لَا تَفُوتُهُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَى أَحَاطَ: عَلِمَ أَنَّهَا سَتَكُونُ لَهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَا تَخْتَصُّ قُدْرَتُهُ بِبَعْضِ الْمَقْدُورَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ قَالَ قَتَادَةُ:
يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقِيلَ: أَسَدٌ وَغَطَفَانُ الَّذِينَ أَرَادُوا نَصْرَ أَهْلِ خَيْبَرَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا يُوَالِيهِمْ عَلَى قِتَالِكُمْ وَلا نَصِيراً يَنْصُرُهُمْ عَلَيْكُمْ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ أَيْ: طَرِيقَتَهُ وَعَادَتَهُ الَّتِي قَدْ مَضَتْ فِي الْأُمَمِ مِنْ نَصْرِ أَوْلِيَائِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ، وَانْتِصَابُ «سُنَّةَ» عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: بَيَّنَ اللَّهُ سُنَّةَ اللَّهِ، أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا أَيْ:
لَنْ تَجِدَ لَهَا تَغْيِيرًا، بَلْ هِيَ مُسْتَمِرَّةٌ ثَابِتَةٌ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ أَيْ: كَفَّ أَيْدِيَ الْمُشْرِكِينَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْدِيَ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا جَاءُوا يَصُدُّونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ عَنِ الْبَيْتِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَهِيَ: الْمُرَادُ بِبَطْنِ مَكَّةَ. وَقِيلَ: إِنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ يُرِيدُونَ غرّة «١» النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخذهم المسلمون ثم تركوهم. وفي رواية اخْتِلَافٌ سَيَأْتِي بَيَانُهُ آخِرَ الْبَحْثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ يَقُولُ: فَارِسَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُمُ الأكراد. وأخرج ابن مردويه عن
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي «الْمُصَنَّفِ» عَنْ نَافِعٍ قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ نَاسًا يَأْتُونَ الشَّجَرَةَ الَّتِي بُويِعَ تَحْتَهَا، فَأَمَرَ بِهَا. فَقُطِعَتْ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قِيلَ: عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَهُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
بَايَعْنَاهُ عَلَى ألّا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ». وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ قَالَ: إِنَّمَا أُنْزِلَتِ السَّكِينَةُ عَلَى مَنْ عُلِمَ مِنْهُ الْوَفَاءُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يَعْنِي الْفَتْحَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ يَعْنِي خَيْبَرَ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَسْتَحِلُّوا حَرَمَ اللَّهِ، وَيُسْتَحَلَّ بِكُمْ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ قال: سنة من بَعْدَكُمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَالَ: هَذِهِ الْفُتُوحُ الَّتِي تُفْتَحُ إِلَى الْيَوْمِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَالَ: هِيَ خَيْبَرُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنْ أَنَسِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ، هَبَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ في السلاح من قبل جبال التَّنْعِيمِ يُرِيدُونَ غِرَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَأُخِذُوا فَعَفَا عَنْهُمْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ أَسَرَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ، فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ: «أَنَّ ثَلَاثِينَ شَابًّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ خَرَجُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي السِّلَاحِ، فَثَارُوا فِي وُجُوهِهِمْ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ اللَّهُ بِأَسْمَاعِهِمْ- وَلَفْظُ الْحَاكِمِ: بِأَبْصَارِهِمْ- فَقَامَ إِلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ جِئْتُمْ فِي عَهْدِ أَحَدٍ، أَوْ هَلْ جَعَلَ لَكُمْ أَحَدٌ أَمَانًا؟ فَقَالُوا: لَا، فخلّى سبيلهم، فنزلت هذه الآية».
[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ٢٥ الى ٢٩]
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦) لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩)قَوْلُهُ: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يَعْنِي كُفَّارَ مَكَّةَ، وَمَعْنَى صَدِّهِمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ: أَنَّهُمْ مَنَعُوهُمْ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ وَيَحِلُّوا عَنْ عُمْرَتِهِمْ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِنَصْبِ «الْهَدْيَ» عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي «صَدُّوكُمْ»، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى «الْمَسْجِدِ»، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ: عَنْ نَحْرِ الْهَدْيِ. وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ: وَصُدَّ الْهَدْيُ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ الْهَاءِ مِنَ الْهَدْيِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ. وَانْتِصَابُ مَعْكُوفًا عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَدْيِ، أَيْ: مَحْبُوسًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: عَكَفَهُ، أَيْ: حَبَسَهُ وَوَقَفَهُ، وَمِنْهُ: وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: مَعْكُوفًا: مَجْمُوعًا، وَقَوْلُهُ: أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ أَيْ: عَنْ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، أَوْ هُوَ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ، وَالْمَعْنَى: صَدُّوا الْهَدْيَ كَرَاهَةَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ، أَوْ هو بدل من الهدي بدل اشتمال، ومحلّه: مَنْحَرَهُ، وَهُوَ حَيْثُ يَحِلُّ نَحْرُهُ مِنَ الْحَرَمِ، وَكَانَ الْهَدْيُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَرَخَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ بِجَعْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ وَهُوَ الْحُدَيْبِيَةُ مَحِلًّا لِلنَّحْرِ.
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا كَلَامٌ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ. وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ يَعْنِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ، وَمَعْنَى: «لَمْ تَعْلَمُوهُمْ» لَمْ تَعْرِفُوهُمْ، وَقِيلَ: لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ أَنْ تَطَؤُهُمْ يجوز أن يكون بدلا من رجال ونساء، وَلَكِنَّهُ غَلَّبَ الذُّكُورَ، وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ مَفْعُولِ «تَعْلَمُوهُمْ»، وَالْمَعْنَى أَنْ تَطَئُوهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْإِيقَاعِ بِهِمْ، يُقَالُ: وَطِئْتُ الْقَوْمَ، أَيْ: أَوْقَعْتُ بِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ كَسَبُوا مَكَّةَ وَأَخَذُوهَا عَنْوَةً بِالسَّيْفِ لَمْ يَتَمَيَّزِ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِيهَا مِنَ الْكُفَّارِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَأْمَنُوا أَنْ يَقْتُلُوا الْمُؤْمِنِينَ فَتَلْزَمَهُمُ الْكَفَّارَةُ وَتَلْحَقَهُمْ سُبَّةٌ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ أَيْ: مِنْ جِهَتِهِمْ مَعَرَّةٌ أَيْ: مَشَقَّةٌ بِمَا يَلْزَمُهُمْ فِي قَتْلِهِمْ مِنْ كَفَّارَةٍ وَعَيْبٍ، وَأَصْلُ الْمَعَرَّةِ: الْعَيْبُ، مَأْخُوذَةٌ من العرّ
متعلّق بعذبنا، وَالْحَمِيَّةُ: الْأَنَفَةُ، يُقَالُ: فُلَانٌ ذُو حَمِيَّةٍ، أَيْ: ذُو أَنَفَةٍ وَغَضَبٍ، أَيْ: جَعَلُوهَا ثَابِتَةً رَاسِخَةً فِي قُلُوبِهِمْ، وَالْجَعْلُ بِمَعْنَى الْإِلْقَاءِ، وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ بَدَلٌ مِنَ الْحَمِيَّةِ. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ:
قَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: قَدْ قَتَلُوا أَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَيَدْخُلُونَ عَلَيْنَا فِي مَنَازِلِنَا، فَتَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّهُمْ قَدْ دَخَلُوا عَلَيْنَا عَلَى رَغْمِ أَنْفِنَا، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا يَدْخُلُونَهَا عَلَيْنَا. فَهَذِهِ الْحَمِيَّةُ هِيَ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي دَخَلَتْ قُلُوبَهُمْ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَمِيَّتُهُمْ: أَنَفَتُهُمْ مِنَ الْإِقْرَارِ للنبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ بِالرِّسَالَةِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «لَوْ تَزَيَّلُوا» وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ عَوْنٍ لَوْ تَزَايَلُوا وَالتَّزَايُلُ: التَّبَايُنُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَيْ: أَنْزَلَ الطُّمَأْنِينَةَ وَالْوَقَارَ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْهُمْ مَا دَخَلَ أَهْلَ الْكُفْرِ مِنَ الْحَمِيَّةِ، وقيل: ثبّتهم على الرضى وَالتَّسْلِيمِ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَهِيَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» كَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ «محمد رسول الله» صلّى الله عليه وسلّم وَزَادَ بَعْضُهُمْ «وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ هِيَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يُقِرُّوا بِهَا، وَامْتَنَعُوا مِنْ كِتَابَتِهَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ، فَخَصَّ اللَّهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ بِهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ هِيَ الَّتِي يُتَّقَى بِهَا الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقِيلَ: كَلِمَةُ التَّقْوَى هِيَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَالثَّبَاتُ عَلَيْهِ وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها أَيْ: وَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ أَحَقَّ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُسْتَأْهِلِينَ لَهَا دُونَهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَهَّلَهُمْ لِدِينِهِ وَصُحْبَةِ رَسُولِهِ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ قَالَ الواحدي: قال
إِنْ شاءَ اللَّهُ تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد لما يَجِبُ أَنْ يَقُولُوهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «١» قَالَ ثَعْلَبٌ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَثْنَى فِيمَا يَعْلَمُ لِيَسْتَثْنِيَ الْخَلْقُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ. وَقِيلَ:
كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ بَعْضُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، فَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ لهذا المعنى، قاله الحسن ابن الْفَضْلِ. وَقِيلَ: مَعْنَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ: كَمَا شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: «إِنْ» بِمَعْنَى إِذْ، يَعْنِي إِذْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ أَرَى رَسُولَهُ ذَلِكَ، وَانْتِصَابُ آمِنِينَ عَلَى الْحَالِ مِنْ فاعل لتدخلنّ، وكذا مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ أَيْ: آمِنِينَ مِنَ الْعَدُوِّ، وَمُحَلِّقًا بَعْضُكُمْ وَمُقَصِّرًا بَعْضُكُمْ، وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي اسْتِغْفَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ لَهُ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ؟ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ، وَقَوْلُهُ: لَا تَخافُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَوْ مُسْتَأْنَفٌ، وَفِيهِ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ لِمَا قَدْ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: آمِنِينَ. فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَيْ: مَا لَمْ تَعْلَمُوا مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي الصُّلْحِ لِمَا فِي دُخُولِكُمْ فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «صَدَقَ»، أَيْ: صَدَقَ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا، فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا بِهِ فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً أَيْ: فَجَعَلَ مِنْ دُونِ دُخُولِكُمْ مَكَّةَ، كَمَا أَرَى رَسُولَهُ، فَتْحًا قَرِيبًا. قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ:
هُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكُ: فَتْحُ خَيْبَرَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا فَتْحَ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَقَدْ دَخَلَ فِي تِلْكَ السَّنَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُ مَنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ بَلْ أَكْثَرُ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي سَنَةِ سِتٍّ، وَهِيَ سَنَةُ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانُوا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ عَشَرَةَ آلَافٍ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى أي: إرسالا متلبسا بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ وَهُوَ الْإِسْلَامُ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أَيْ: يُعْلِيَهُ عَلَى كُلِّ الْأَدْيَانِ كَمَا يُفِيدُهُ تَأْكِيدُ الْجِنْسِ، وَقِيلَ: لِيُظْهِرَ رَسُولَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِحَمْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ قَدْ ظَهَرَ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَانْقَهَرَ لَهُ كُلُّ أَهْلِ الْمِلَلِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً الْبَاءُ زَائِدَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، أَيْ: كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا عَلَى هَذَا الْإِظْهَارِ الَّذِي وَعَدَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ وَعَلَى صحة نبوّة نبيه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ مُبْتَدَأٌ، وَرَسُولُ اللَّهِ خَبَرُهُ، أَوْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، ورَسُولُ اللَّهِ بَدَلٌ مِنْهُ، وَقِيلَ: مُحَمَّدٌ مُبْتَدَأٌ وَرَسُولُ اللَّهِ نَعْتٌ لَهُ. وَالَّذِينَ مَعَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالْجُمْلَةُ مُبَيِّنَةٌ لِمَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ قِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ الْحُدَيْبِيَةِ، والأولى
هُوَ تَفْسِيرٌ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِشَارَةٌ مُبْهَمَةٌ لَمْ يُرِدْ بِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَوْصَافِ، وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ، لِقَوْلِهِ: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ أَيْ: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ، قَالَ الْفَرَّاءُ: فِيهِ وَجْهَانِ: إِنْ شِئْتَ قُلْتَ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ، يَعْنِي كَمَثَلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى الْإِنْجِيلِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، ثُمَّ تَبْتَدِئُ: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ، قَرَأَ الْجُمْهُورُ شَطْأَهُ بِسُكُونِ الطَّاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ ذَكْوَانَ بِفَتْحِهَا، وَقَرَأَ أَنَسٌ وَنَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ «شَطَاهُ» كَعَصَاهُ. وَقَرَأَهُ الْجَحْدَرِيُّ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ شَطَّهُ بِغَيْرِ هَمْزَةِ، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ. قَالَ الْأَخْفَشُ وَالْكِسَائِيُّ: شطأه: أي طرفه. قال الفراء:
أشطأ الزَّرْعُ فَهُوَ مُشْطِئٌ إِذَا خَرَجَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَخْرَجَ شَطْأَهُ أي: نباته. وقال قطرب: الشطء:
شوك السُّنْبُلِ. وَرُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: هو السنبل. وقال الجوهري: شطء الزرع والنبات:
[فراخه] «١»، وَالْجَمْعُ أَشْطَاءٍ. وَقَدْ أَشْطَأَ الزَّرْعُ خَرَجَ شَطْؤُهُ. فَآزَرَهُ أي: قواه وأعانه وشدّه، وقيل: الْمَعْنَى: إِنَّ الشَّطْءَ قَوَّى الزَّرْعَ، وَقِيلَ: إِنَّ الزَّرْعَ قَوَّى الشَّطْءَ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّطْءَ خُرُوجُ النَّبَاتِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَخْرَجَ الشَّطْءَ عَلَى وَجْهِ الثَّرَى | وَمِنَ الْأَشْجَارِ أَفْنَانُ الثَّمَرْ |
بِمَحْنِيَّةٍ «١» قَدْ آزَرَ الضَّالُّ «٢» نَبْتَهَا | مَجِرَّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيَّبِ |
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَحَرُوا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ سَبْعِينَ بَدَنَةً، فَلَمَّا صُدَّتْ عَنِ الْبَيْتِ حَنَّتْ كَمَا تَحِنُّ إِلَى أَوْلَادِهَا. وَأَخْرَجَ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وابن قانع والباوردي وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، عَنْ أبي جميعة جنيد بْنِ سَبُعٍ قَالَ: «قَابَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَوَّلَ النَّهَارِ كَافِرًا، وَقَابَلْتُ مَعَهُ آخِرَ النَّهَارِ مُسْلِمًا، وَفِينَا نَزَلَتْ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ وَكُنَّا تِسْعَةَ نَفَرٍ سَبْعَةُ رِجَالٍ وَامْرَأَتَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: «كُنَّا ثَلَاثَةَ رِجَالٍ وَتِسْعَ نِسْوَةٍ». وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ قَالَ: حِينَ رَدُّوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم أَنْ تَطَؤُهُمْ بِقَتْلِكُمْ إِيَّاهُمْ لَوْ تَزَيَّلُوا يَقُولُ: لَوْ تَزَيَّلَ الْكُفَّارُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا بقتلكم إياهم. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ قَالَ: يَوْمَ صفّين: [أيها الناس] «٣» اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال: «يا بن الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ
(٢). «الضال» : شجرة السدر.
(٣). من صحيح مسلم (١٧٨٥).
قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي ديننا؟ قال:
يا بن الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهَا، قَالَ: يَا رسول الله أفتح هو؟ قال: «نعم». وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْإِفْرَادِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو زرعة. وأخرج ابن مردويه عن سلمة ابن الْأَكْوَعِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مثله في قوله. وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم من قول عمر بن الخطاب نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ نَحْوَهُ. وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ نَحْوُ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ قَالَ: هُوَ دُخُولُ مُحَمَّدٍ الْبَيْتَ وَالْمُؤْمِنِينَ مُحَلِّقِينَ وَمُقَصِّرِينَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ لِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ فِي الصحيحين وغير هما أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي يَرَوْنَهُ، وَلَكِنَّهُ سِيمَا الْإِسْلَامِ وَسَمْتُهُ وَخُشُوعُهُ. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ «الصَّلَاةِ» وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ:
هُوَ السَّمْتُ الْحَسَنُ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ: بِسَنَدٍ حَسَنٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ قَالَ:
«النُّورُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ نَصْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: بَيَاضٌ يَغْشَى وُجُوهَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ:
يَعْنِي نَعْتُهُمْ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ قال: نباته: فروخه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ سيماهم فِي وُجُوهِهِمْ ﴾ قال : أما إنه ليس الذي يرونه، ولكنه سيما الإسلام، وسمته وخشوعه. وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال : هو السمت الحسن. وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير، وابن مردويه. قال السيوطي بسند حسن عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ سيماهم فِي وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود ﴾ قال :«النور يوم القيامة» وأخرج البخاري في تاريخه وابن نصر عن ابن عباس في الآية قال : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس ﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة ﴾ يعني : نعتهم مكتوب في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق الله السموات والأرض. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ قال : نباته : فروخه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ سيماهم فِي وُجُوهِهِمْ ﴾ قال : أما إنه ليس الذي يرونه، ولكنه سيما الإسلام، وسمته وخشوعه. وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال : هو السمت الحسن. وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير، وابن مردويه. قال السيوطي بسند حسن عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ سيماهم فِي وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود ﴾ قال :«النور يوم القيامة» وأخرج البخاري في تاريخه وابن نصر عن ابن عباس في الآية قال : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس ﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة ﴾ يعني : نعتهم مكتوب في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق الله السموات والأرض. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ قال : نباته : فروخه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ سيماهم فِي وُجُوهِهِمْ ﴾ قال : أما إنه ليس الذي يرونه، ولكنه سيما الإسلام، وسمته وخشوعه. وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال : هو السمت الحسن. وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير، وابن مردويه. قال السيوطي بسند حسن عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ سيماهم فِي وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود ﴾ قال :«النور يوم القيامة» وأخرج البخاري في تاريخه وابن نصر عن ابن عباس في الآية قال : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس ﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة ﴾ يعني : نعتهم مكتوب في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق الله السموات والأرض. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ قال : نباته : فروخه.
قرأ الجمهور :﴿ شَطْأَهُ ﴾ بسكون الطاء، وقرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتحها، وقرأ أنس ونصر بن عاصم، ويحيى بن وثاب :﴿ شطاه ﴾ كعصاه. وقرأه الجحدري وابن أبي إسحاق :( شطه ) بغير همزة، وكلها لغات، قال الأخفش والكسائي :﴿ شطأه ﴾ أي طرفه. قال الفراء : شطأ الزرع فهو مشطئ : إذا خرج. قال الزجاج :﴿ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ أي نباته. وقال قطرب : الشطأ : سوى السنبل. وروي عن الفراء أيضاً أنه قال : هو السنبل، وقال الجوهري : شطأ الزرع والنبات، والجمع أشطاء، وقد أشطأ الزرع : خرج شطؤه ﴿ فَآزَرَهُ ﴾ أي قوّاه وأعانه وشده، قيل المعنى : إن الشطأ قوّى الزرع، وقيل : إن الزرع قويّ الشطأ، ومما يدلّ على أن الشطأ خروج النبات. قول الشاعر :
أخرج الشطأ على وجه الثرى | ومن الأشجار أفنان الثمر |
بمحنية قد آزر الضالّ نبتها | بجرّ جيوش غانمين وخيب |
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ سيماهم فِي وُجُوهِهِمْ ﴾ قال : أما إنه ليس الذي يرونه، ولكنه سيما الإسلام، وسمته وخشوعه. وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال : هو السمت الحسن. وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير، وابن مردويه. قال السيوطي بسند حسن عن أُبيّ بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :﴿ سيماهم فِي وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود ﴾ قال :«النور يوم القيامة» وأخرج البخاري في تاريخه وابن نصر عن ابن عباس في الآية قال : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس ﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة ﴾ يعني : نعتهم مكتوب في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق الله السموات والأرض. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ قال : نباته : فروخه.