تفسير سورة الهمزة

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة الهمزة (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ قال أبو عبيدة (٢)، والزجاج (٣): الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس، (ويغُضُّهُم (٤) (٥)، وأنشد قول الأعجم (٦):
تُدلي الودَّ إن لاقيتني كَذِبًا... وإن تغيبتُ كنت الهامزَ اللُّمَزَة (٧)
(١) مكية بالإجماع حكاه ابن عطية في "المحرر" ٥/ ٥٢١، وانظر "جامع البيان" ٣٠/ ٢٩١، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٧ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٥.
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ٣١١، برواية: تدلي بودي، وإن أُغيب فأنت... "
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٦١، برواية "إذا لقيك عن كره تكاشرني".
(٤) وردت في المعاني بقوله: يَعَضُّهم، ومعنى يغُضُّهم: يغض بالضم إذا وضع ونقص من قدره "الصحاح" ٣/ ١٠٩٥ (غضض).
(٥) ساقط من (أ).
(٦) الأعجم: لعله: زياد بن سُليم العبدي، ويقال: زياد بن جابر بن عمرو بن عامر من عبد القيس الأعجم، وكان هجاءً قليل المدح للملوك والوفادة إليهم، ولم تكن له همة تدعوه، وكانت همته ومركزه بخراسان وما يليها، وكان صاحب بديهة وقدرة في الشعر، وعده ابن سلام من طبقة فحول الإسلام، وكانت فيه لكنه فلذلك قيل له الأعجم.
انظر: "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٦٨١: رقم ٨٥٠، و"الشعر والشعراء" ص ٢٧٩.
(٧) وقد ورد البيت في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٩١ برواية بمثل ما عند أبي عبيدة، ومما =
305
قال سعيد بن جبير (١)، ومجاهد (٢)، و (قتادة (٣)) (٤): "الهمزة": الطعان، و"اللمزة" (٥) الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم.
قال المبرد: الهمز باللسان، واليد، واللمز أن يغتاب بلسانه، وينظر النظرة المنكرة بعينه (٦). وهذا مما سبق فيه الكلام عند قوله "يلمزك في الصدقات" (٧).
= ذكر أيضًا بمثل رواية أبي عبيدة صاحب: "النكت والعيون" ٦/ ٣٣٥، و"البحر المحيط" ٨/ ٥١٠، و"إصلاح المنطق" ٤٢٨.
وبمثل رواية الزجاج عند: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٨ أ، و"لسان العرب" ٥/ ٤٢٦ (كشر)، و"زاد المسير" ٨/ ٢٠٦، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٠٦، وذكر بالروايتين في: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٨٢، و"فتح القدير" ٥/ ٤٩٣، وقد وردت بمثل ما ذكرها الواحد في: "الكشاف" ٤/ ٢٣٢، و"مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف" ص ١٤٠.
(١) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٨ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٣.
(٢) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٩٢، و"بحر العلوم" ٣/ ٥١٠، و"الكشف والبيان" ج ١٣/ ١٤٨ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٢١، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٦ بمعناه، و"الدر المنثور" ٨: ٦٢٤ وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في الغيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٥/ ٣١٠: ح ٦٧٥٣.
(٣) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٩٥ - ذكر فقط معنى اللمزة، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٩٢ "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٨ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٦، و"الدر المنثور" ٨/ ٦٢٤ وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) في (أ): (الهمزة).
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) سورة التوبة: ٥٨ ومما جاء في تفسيرها: قال الليث اللمز كالغمز في الوجه، رجل لمزة يعيبك في وجهك ورجل همزة يعيبك بالغيب، وقال الزجاج: يقال لمزه الرجل بكسر الميم، واللمزة بضم الميم إذا عبته، وكذلك همزته أهمزه إذا عبته، =
306
وقوله "هماز مشاء" (١).
قال عطاء (٢) (والكلبي (٣)) (٤): نزلت في الأخنس بن شريق، كان يلمز الناس، ويغتابهم.
وقال مقاتل: الهمزة المغتاب على الغيبة، واللمزة: الطعان في الوجه، نزلت في الوليد ابن المغيرة: كان يغتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من ورائه، ويطعن عليه في وجهه (٥).
وقال محمد ابن إسحاق: ما زلنا (٦) نسمع هذه السورة نزلت في أمية ابن خلف (٧).
قال الفراء: إنها نزلت في رجل واحد، وهو جائز في العربية، أن تذكر الشيء العام وأنت تريد به الواحد، وتقصد قصد الواحد، هذا من
= والهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ويغضهم، وقال الأزهري: وأصل الهمز واللمز الدَّفْعُ... وفي رواية عطاء يلمزك: يغتابك، وقال قتادة: يطعن عليك.
(١) سورة القلم: ١١، ومما جاء في تفسيرها: "هماز" قال المبرد: وهو الذي يهمز الناس بالمكروه، وأكثر ذلك بظهر الغيب، قال الزجاج يغتاب للناس، وقال ابن عباس طعان للناس وقال مقاتل: مغتاب.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٨ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٣، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٥.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٥٠ أ، و"بحر العلوم" ٣/ ٥١٠، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٨ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٤، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٥.
(٦) في (أ): (ملنزلنا).
(٧) "معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٣، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٥، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٠٦، و"لباب النقول" ص ٢٣٤ - ٢٣٥.
307
ذلك، وأنت قائل في الكلام عند قول الرجل: لا أزورك (١) أبدًا، فتقول أنت: كل من لم يزرني فلست بزائره، وأنت تقصد قصده.
ويدل على أن المراد به الواحد بعينه: أنها في قراءة عبد الله "ويل لِلْهُمَزَةِ اللُّمَزَةِ" (٢)
٢ - ثم وصفه فقال: ﴿الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ﴾ (وقرئ "جَمَّعِ" بالتشديد (٣)، قال أبو الحسن (٤): المثقلة أكثر في الكلام، وفي القراءة تقول: فلان يُجَمِّعُ الأموال. أي يجمعها من هنا، وهنا، قال: وقال أبو عمرو: "جَمَعَ" بالتخفيف إذا كثر، ومن ثقل فإنما هو شيء بعد شيء هو -هاهنا- ثقيل، لأنه جمع شيئًا بعد شيء.
قال أبو علي: ويجوز أن يكون جمع بالتخفيف لما يُجمَعُ شيء بعد شيء، كما قال (الأعشى) (٥):
(١) في (أ): (لزورك).
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٨٩ بتصرف.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكون السبب خاصًا، والوعيد عامًا لتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جاريًا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه. "الكشاف" ٤/ ٢٣٢، والذي عليه الأكثرية عموم اللفظ لكل همز ولمز انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٩٣، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٨ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٣٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢/ ١٨٣.
(٣) قرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، وأبو جعفر، وروح، ووافقهم الأعمش: "جَمَّعَ" بالتشديد. "كتاب السبعة" ٦٩٧، و"الحجة" ٦/ ٤٤١، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٧٩٧، و"المبسوط" ص ٤١٧، و"كتاب التبصرة" ص ٧٣٢، و"إتحاف فضلاء البشر" ص ٤٤٣.
(٤) أي الأخفش.
(٥) ساقط من (أ).
308
لامرئ يجمع الأداة... لرَيْب الدهر لا مسنَد ولا زمَّالِ (١)
والأشبه أن إرادة العرب لا تجمع في وقت واحد، إنما هو شيء بعد شيء، وقال:
ولها بالماطرون إذا... أكل النمل الذي جمعا (٢)
والنمل لا يجمع ما يدّخره في وقت واحد، إنما يجمع شيئًا بعد شيء، فيجوز على هذا في قول من خفف أن يكون جمع شيئًا بعد شيء، كما يكون ذلك في قول من ثقل) (٣).
وقوله (٤): ﴿وَعَدَّدَهُ﴾ قال الفراء: وأحصاه (٥).
وقال الزجاج: "وعدده" للدهر (٦)، وهو معنى قول مقاتل: واستعد
(١) "ديوانه" ١٨٣ برواية: "يجعل" بدلًا من: (يجمع)، ومعنى: مسند: المتهم في نسبه. زمال: الضعيف. "ديوانه".
(٢) البيت مختلف في نسبته لقائله، فمنهم من ينسبه إلى الأحوص وهو في "شعره" ص ١٤١، وبعضهم إلى يزيد بن معاوية وبعضهم إلى دهبل، وقال: أبو الحسن: الصحيح أنه ليزيد يصف جارية.
انظر: "الكامل" ٢/ ٤٩٨، و"سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٢٦، و"الممتع" لابن عصفور ١/ ١٥٨، و"لسان العرب" ١٣/ ٤٠٩ (مطرن)، ونسبه إلى الأخطل، ولم أعثر عليه في "ديوان الأخطل".
وجاء في حاشية كتاب: "الكامل" والأبيات في "شعر الأحوص" وهي كلمة رواها أبو عمر الشيباني لأبي دهبل الجمحي -وتكلم وحقق ومال في النهاية إلى توثيق نسبته لأبي دهبل- ٢/ ٤٩٨، شعر الأحوص: تح: السامرائي ص ١٤١.
(٣) ما بين القوسين نقله عن "الحجة" ٦/ ٤٤١ - ٤٤٢ بتصرف.
(٤) قوله: من (أ).
(٥) "معاني القرآن" ٣/ ٢٩٠.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٦١.
309
مالاً (١).
قال صاحب النظم: مأخوذ من العدّة، وهو الذخيرة، يقال: أعدد الشيء لكذا وأعددته (٢)، وعددته أيضًا إذا أمسكته (٣) (٤).
وقال (صاحب النظم) (٥): وقيل معنى "وعدده" كثره، كما يقال: هذا مال له عدد (٦).
والعدد، والعديد في بني فلان: أي الكثرة فيهم (٧).
ثم ذكر طول أمله فقال:
(قوله) (٨): ﴿يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ﴾ قال أبو إسحاق: أي يعمل عمل من لا يظن مع يساره أنه يموت (٩).
﴿كَلَّا﴾ لا يخلده (ماله) (١٠)، ولا يبقى له.
(١) "تفسير مقاتل" ٢٥٠ أورد معنى قوله في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٨ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٢١.
(٢) في (ع): (واعتدته).
(٣) في (ع): (أمسكه له).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله في "التفسير الكبير" ٣٢/ ٩٣ من غير عزو.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٦) في (أ): (عدة).
(٧) لم أعثر على مصدر لقول، وقد ورد قبله في "التفسير الكبير" ٣٢/ ٩٣، وجاء في "التهذيب" ١/ ٩٠ (عد). العديد: الكثرة، يقال ما أكثر عديد بني فلان وبنو فلان عديد الحص، إذا كانوا لا يحصون كثرة، كما لا يحصى الحص، ويقال هذه الدراهم عديد هذه الدراهم إذا كانت بعددها.
(٨) ساقط من (ع).
(٩) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٦٢ بنصه.
(١٠) ساقط من (أ).
310
قوله: ﴿لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾ ليلقين في جهنم، وليطرحن فيها.
قال الكلبي: الحطمة اسم من أسماء النار، وهي الدرجة الثانية من درج النار (١).
وقال المبرد: الحطمة النار التي تحطم كل من وقع فيها، ورجل حطمة أي: شديد الأكل يأتي على زاد القوم، وكذلك يقال في السير: سواق حطم، وأنشد:
قد لفَّها الليلُ بسوّاقٍ (٢) حُطَم (٣)
(١) لم أعثر على مصدر لقوله، وقد ورد بمثله من غير عزو في: "التفسير الكبير" ٣٢/ ٩٤، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٤٠٠ (حطم)، وقد ورد عنه أنه الباب السادس راجع في ذلك "النكت والعيون" ٦/ ٣٣٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٨٤.
(٢) في (ع): (بسوق).
(٣) في "الحماسة البصرية":
بات يقاسيها غلام كالزلم خدلج الساقين خفاق القدم
قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم
وورد البيت في: "الكامل" ٢/ ٤٩٨، ٣/ ١٢٣٠، ونسبه للحُطم القيسي، كما في "سمط اللآلي" ٧٢٩، و"لسان العرب" ١٢/ ١٣٨ - ١٣٩ (حطم)، وقال آخرون: هي للرُشيد بن رُميض العنزي قالها في الحطم، وقد نعته بهذا البيت بالحطم، فلقب يومئذ لقول رشيد هذا فيه. انظر "الأغاني" ١٥/ ٢٥٥ تح عبد السلام هارون، و"ديوان الحماسة" للتبريزي ١/ ١٣٢، و"الحماسة البصرية" لأبي الفرج بن الحسين البصري ١/ ١٠٣.
كما ورد غير منسوب في "مقاييس اللغة" ٢٠/ ٧٨ (حطم)، و"الصحاح" ٥/ ١٩٠١ (حطم)، وقال محقق "الكامل" ويقع بعضها في رجز أبي زغبة الخزرجي، والأخنس بن شهاب التغلبي، وجابر بن حني التغلبي، والأغلب العجلي. انظر "شرح أبيات سيبويه" ٢/ ٢٨٦.
ومعنى قوله: "قد لفها الليل" جعل الفعل لليل على المجاز، وأصل الحطم الكسر، والمعنى جمع الليل هذه الساق برجل متناهي القوة؛ عنيف السوق لا يرفق بوسائقه رفق الرعاة، ولا رفق الجزاع. "ديوان الحماسة" للتبريزي: ١/ ١٣٢ - ١٣٣.
311
وأصل الحطمة في اللغة: الكسير (١) (ذكرنا ذلك في تفسِر "الحُطام) " (٢) (٣)، ويقال: "شرُّ الرِّعَاءِ الحُطَمة" (٤)، يقال: راع حطمة، وحُطم بغيرها، كأنه يَحْطِم الماشيةَ أي: يكسرها عند سوقها لعنفه) (٥).
قال مقاتل: هي تحطم العظام، وتأكل اللحوم حتى تهجم علي القلوب (٦). وذلك قوله:
٦، ٧ - ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾ قال (٧): تخلص
(١) في (أ): (الكثير. انظر: (حطم) في "إصلاح المنطق" ص ٤٢٩، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٤٠٠، و"مقاييس اللغة" ٢/ ٧٨، و"الصحاح" ٥/ ١٩٠١، و"لسان العرب" ١٢/ ١٣٨.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) وقد جاء تفسير الحطام الوارد في سورة الزمر: ٢١، قال أبو عبيدة: الحطام والرفات والدرين واحد في كلام العرب وهو: ما يبس من النبات وغيره، وقال مقاتل: يعني هالكًا بعد الخضرة.
(٤) هذا المثل أصله حديث أخرجه مسلم في "صحيحه" ٣/ ١٤٦١: ح: ٢٣: كتاب الإمارة: باب ٥، من طريق عائذ بن عمرو، وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: دخل على عبيد بن زياد، فقال: أي بني إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن شر الرعاءِ الحطمة، فإياك أن تكون منهم".
كما أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ٥/ ٦٤، وانظر: "مجمع الأمثال" ٢/ ١٥٩ رقم ١٩٤٦ وقال الميداني: يضرب لمن يلي شيئًا ثم لا يُحسن ولايته، و"تاج العروس" ٨/ ٢٥١ (حطم).
كما ورد في "المستقصي في أمثال العرب" للزمخشري ٢/ ١٢٩ رقم: ٤٤٢.
(٥) ما بين القوسين نقله عن "تهذيب اللغة" ٤/ ٤٠٠ (حطم).
(٦) "تفسير مقاتل" ٢٥٠ ب، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٩٤.
(٧) أي مقاتل.
حرها إلى القلوب، ثم يكسى لحماً جديدًا، ثم يقبل عليه، فتأكله فهذا دأبه (١). ونحو هذا قال الفراء (٢)، (والزجاج (٣)) (٤): يبلغ ألمها وإحراقها إلى الأفئدة.
قال ابن قتيبة: "تطلع على الأفئدة" تُوفي عليها وتُشْرِف، (ويقال: طلع الجبلَ واطَّلع عليه إذا [علا] (٥) فوقه) (٦)، وخصّ الأفئدة، لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه، فأخبر أنهم في حال من يموت وهم لا يموتون، كما قال: "فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيي" (٧) يريد أنه في حال من يموت (وهو) (٨) لا يموت (٩).
ثم وصفهم فقال:
٨ - ﴿إنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ﴾ قال المفسرون: مطبقة (١٠)، وهو كقوله:
(١) "تفسير مقاتل" ٢٥٠ ب.
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٩٠.
(٣) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٦٢ واللفظ له.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) (علاه) هكذا ورد في النسختين وأثبت ما جاء في مصدر القول -لانتظام الكلام به.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٧) سورة طه: ٧٤.
(٨) ساقط من (أ).
(٩) "تأويل شكل القرآن" ص ٤١٩ بنصه.
(١٠) قال بذلك: ابن عباس، وعطية، وسعيد بن جبير، والحسن، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٩٥، و"تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٩٥، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٣٧ وقال به السجستاني في "نزهة القلوب"، واليزيدي في "غريب القرآن وتفسيره" ص ٤٤١، والسمرقندي في "بحر العلوم" ٣/ ٥١٠، والزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٦٢، والثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٩، =
313
﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ﴾ [البلد: ٢٠]
(وقد مر وذكرنا الكلام في تفسير "المؤصدة" هناك (١)) (٢).
وقوله: (في عمد (ممددة) (٣)) وقرئ: "في عُمُد (٤) ".
قال الفراء: وهما (٥) جمعان (٦) للعمود، مثل: الأديم (٧)، والأُدُم، والإهاب (٨)، والأَهَب، الأُهُب، والقضِيم (٩)، والقَضَم، والقُضُم (١٠)،
= ١٤٩ أ، وانظر: "معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٢٢، وقال آخرون: مغلقة، وقال غيرهم مسدودة. انظر: "النكت والعيون" ٦/ ٣٣٧ وكلها تحمل معنًى واحداً.
(١) راجع: سورة البلد: ٢٠.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) ساقط من (أ).
(٤) قرأ بذلك: عاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي، وخلف، ووافقهم الحسن، والأعمش، وقرأ الباقون: "عَمَد" بفتحتين.
"كتاب السبعة" ٦٩٧، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢٠/ ٧٩٧، و"المبسوط" ٤١٧، و"الحجة" ٦/ ٤٤٢، و"حجة القراءات" ص ٧٧٢، و"إتحاف فضلاء البشر" ص ٤٤٣.
(٥) أي: العُمُد، والعَمَد.
(٦) بياض في (ع).
(٧) الأدم: اشتقاقه من أديم الأرض، لأنه خلق من تراب، وكذلك الأُدْمَةُ إنما هي مشبهة بلون التراب، وقال الليث: الأدم: جمع الأديم، وأديم كل شيء ظاهر جلده، وأدمه الأرض والإدام والأدم ما يؤدم تدم به مع الخبز.
"تهذيب اللغة" ١٤/ ٢١٥ (أدم).
(٨) الإهاب: يقال للجلد إهاب والجمع أهُبُ وأَهب. المرجع السابق.
(٩) القضيم: الجلد الأبيض، يكتب عليه، والجمع أقضمه وقُضُم وقَضَم. "تهذيب اللغة" ٨/ ٣٥١، و"لسان العرب" ١٢/ ٤٨٨ (قضم).
(١٠) "معاني القرآن" ٣/ ٢٩١.
314
(ونحو هذا قال الأخفش: كلاهما جمع عمود (١)) (٢).
وقال (المبرد (٣)، و) (٤) أبو علي: العُمُد عَمُود على غير قياس، واحد والجمع على واحد "عُمُد" مثل: زبُور، وزُبُر، ورسُول، ورُسُل.
ومن قال: "عَمَدٌ" فهو اسم من أسماء الجمع من غير مسمى، يقال ذلك في جمع: فعول، وفعيل، وفعال، نحو أَدَم، وأَهَب، وحَرَس، وغيب (٥).
وقال أبو عبيدة: كلاهما جمع: العِماد (٦).
والعمود كل مستطيل من خشب أو حديد (٧)، وهو أصل للبناء، مثل العماد، يقال: عمود البيت، للذي (٨) يقوم به البيت. (٩)
واختلفوا في المراد بالعمد -هاهنا- مأخوذ بالأعرف والذي عليه الأكثر: أنها أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار.
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) "التفسير الكبير" ٣٢/ ٩٥.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) "الحجة" ٦/ ٤٤٣ بتصرف.
(٦) "مجاز القرآن" ٢/ ٣١١ بنصه.
(٧) وعبارة العمود كل مستطيل من خشب أو حديد عزاها القرطبي إلى أبي عبيدة في: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٨٦، وكذا الشوكاني: "فتح القدير" ٥/ ٤٩٤ ولم أجدها عند أبي عبيدة في المجاز.
(٨) في (أ): (الذي).
(٩) انظر: (عمد) في "مقاييس اللغة" ٤/ ١٣٧، و"الصحاح" ٢/ ٥١١، و"لسان العرب" ٣/ ٣٠٣.
315
قال مقاتل: أطبقت الأبواب عليهم، ثم شددت بأوتاد (١) من حديد من نار حتى يرجع عليهم غمها وحرها، فلا يفتح عنهم باب. (ولا يدخل عليهم رَوّح (٢). وهو قول الكلبي قال: طبقتها في عمد، والعمد كعمد أهل الدنيا غير أنها من النار (٣)) (٤) وقول ابن مسعود (أيضًا (٥)) وهي في قراءته "بِعَمَدٍ" (٦) يعني أنها مطبقة عليهم بعمد وهي أوتاد تلك (٧) الأطباق التي تطبق عليهم (وهي أبوابها) (٨) و"ممددة" من صفة العمد، أي ممدودة مطولة، وهي أرسخ وأثبت من الطويلة.
وقال قتادة: بلغنا أنها عمد يعذبون بها في النار (٩).
(١) في (أ): (باوتداد).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٥٠ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٧، و"فتح القدير" ٥/ ٤٩٤، وقد ورد بمثله من غير عزو في: "بحر العلوم" ٣/ ٥١١، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٠٧.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) ساقط من (أ).
(٦) وردت قراءته في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٩٥، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٩ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٤، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٨٥.
وهي قراءة تفسيرية، وليست قراءة قرآنية لشذوذها وضعف سندها.
(٧) في (أ): (ذلك.
(٨) ما بين القوسين ساقطة من (أ).
(٩) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٩٥، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٩٦، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٩ ب "معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٤، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٨٦، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٠٧، و"البحر المحيط" ٨/ ٥١١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٦، و"الدر المنثور" ٨/ ٦٢٥ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، و"فتح القدير" ٥/ ٤٩٤.
316
وعلى هذا معنى الآية: هم عمد ممددة، أي في عذابها وإيلامها يضربون بها.
(تمت) (١).
(١) ساقط من (ع).
317
سورة الفيل
319
Icon