تفسير سورة الحج

تفسير المراغي
تفسير سورة سورة الحج من كتاب تفسير المراغي .
لمؤلفه المراغي . المتوفي سنة 1371 هـ
آيها ثمان وسبعون
هي مدنية إلا الآيات ٥٢، ٥٣، ٥٤، ٥٥ فبين مكة والمدينة، والأصح أنها مختلطة منها المكي ومنها المدني، قال العزيزي : وهي من أعاجيب السور نزلت ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، مكيا ومدنيا، سليما وحربيا، محكما ومتشابها.
وهي بحسب موضوعاتها أقسام ثلاثة :
( ١ ) البعث والدليل عليه وما يتبع ذلك.
( ٢ ) الحج والمسجد الحرام.
( ٣ ) أمور عامة كالقتال وهلاك الظالمين والاستدلال بنظام الدنيا على وجود الخالق وضرب المثل بعجز الأصنام وعدم استطاعتها خلق الذباب.
ومناسبتها للسورة قبلها من وجوه :
( ١ ) إن آخر السورة قبلها كان في أمر القيامة كقوله :﴿ يوم تطوى السماء كطي السجل للكتب ﴾[ الأنبياء : ١٠٤ ]، وقوله :﴿ واقترب الوعد الحق ﴾[ الأنبياء : ٩٧ ] وأول هذه السورة الاستدلال على البعث بالبراهين العقلية.
( ٢ ) إنه قد أقيمت في السورة السالفة الحجج الطبيعية على الوحدانية، وفي هذه جعل العلم الطبيعي من براهين البعث.
( ٣ ) في السورة السالفة وما قبلها قصص الأنبياء وبراهينهم لقومهم، وفي هذه السورة خطاب من الله للأمم الحاضرة، وهو خطاب يسترعي السمع ويوجب علينا ولو إجمالا أن نعرف صنع الله في أرضه وسمائه وتدبيره خلق الأجنة والنبات والحيوان.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ( ١ ) يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾[ الحج : ١- ٢ ].
تفسير المفردات :
التقوى : التباعد عن كل ما يكسب الإثم من فعل أو ترك. والزلزلة : الحركة الشديدة بحيث تزيل الأشياء من أماكنها.
الإيضاح :
﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم ﴾أي يا أيها الناس احذروا عقاب ربكم، فأطيعوه ولا تعصوه، بفعل ما أمركم به من الواجبات، وترك ما نهاكم عنه من المحرمات، وهذا خطاب ينتظم فيه المكلفون حين النزول ومن سيوجدون بعده إلى يوم القيامة.
ثم علل هذا الأمر بقوله :
﴿ إن زلزلة الساعة شيء عظيم ﴾أي إن الزلزلة التي تكون حين قيام الساعة قبل قيام الناس من أجداثهم كما قال :﴿ إذا زلزلت الأرض زلزالها ( ١ ) وأخرجت الأرض أثقالها ﴾[ الزلزلة : ١- ٢ ]، وقال :﴿ وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ( ١٤ ) فيومئذ وقعت الواقعة ﴾[ الحاقة : ١٤- ١٥ ]الآية، وقال :﴿ إذا رجت الأرض رجا ( ٤ ) وبست الجبال بسا ﴾[ الواقعة : ٤- ٥ ] الآية، أمر هائل وخطر عظيم، لا يقدر قدره إلا موجده، وإذا كانت الزلزلة وحدها لا تحتمل، فما بالك بما يحدث في ذلك اليوم من الحشر والجزاء والحساب على الأعمال لدى من لا يغيب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
تفسير المفردات :
والذهول : الدهش الناشئ عن الهم والغم الكثير. والمرضعة : الأنثى حال الإرضاع، و المرضع ما من شأنها أن ترضع ولو لم ترضع حال وصفها به.
الإيضاح :
ثم بين شيئا من أهوال هذا اليوم فقال :
( ١ )﴿ يوم تروها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ﴾أي في هذا اليوم يبلغ الأمر من الدهشة والاضطراب ولحيرة والذهول أن تذهل المرضعة عن ولدها الذي ترضعه، وهو أعز شيء لديها، فكيف بذهولها عن سواه ؟
( ٢ )﴿ وتضع كل ذات حمل حملها ﴾أي وتسقط كل ذات حمل الجنين الذي في بطنها قبل التمام رعبا وفزعا.
قال الحسن : تذهب المرضعة عن ولدها بغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام.
( ٣ )﴿ وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾أي وترى الناس حينئذ، كأنهم سكارى وما هم بسكارى على التحقيق، ولكن شدة العذاب هي التي أذهلت عقولهم، وأذهبت تمييزهم.
وقد يكون المراد من ذهول الحامل ووضع المرضع ضرب المثل لشدة الأمر وبلوغه أقصى الغايات كما يؤول به أيضا قوله تعالى :﴿ يوما يجعل الولدان شيبا ﴾[ المزمل : ١٧ ].
﴿ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم و يتبع كل شيطان مريد ( ٣ ) كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ﴾[ الحج : ٣- ٤ ].
المعنى الجملي : بعد أن أخبر فيما سلف بأهوال يوم القامة وشدتها، ودعا الناس إلى تقوى الله، بين أنه مع هذا التحذير الشديد فإن كثيرا من الناس ينكرون هذا البعث، ويجادلون في أمور الغيب بغير علم.
أخرج ابن أبي حاتم أن هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث وكان جدلا يقول : الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، ولا يقدر الله إحياء من بلي وصار ترابا.
الإيضاح :
﴿ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ﴾أي ومن الناس من يتعاطى الجدل فيما يجوز على الله من الصفات والأفعال، وما لا يجوز عليه، غير متبع في ذلك حجة ولا برهانا بل يجهل بحقيقة ما يقول، فيزعم أن الله غير قادر على إحياء من بلي وصار ترابا، وأن لله ولدا، وأن القرآن ما هو إلا أسطورة من أساطير الأولين إلى نحو ذلك من الترهات والأباطيل.
وقد ذم المجادلة بغير علم فأومأ إلى أن الجدل إذا كان مع العلم والحجة والبرهان فلا يذم ولا يقبح، وعليه جاء قوله تعالى :﴿ وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾[ النحل : ١٢٥ ].
﴿ ويتبع كل شيطان مريد ﴾المريد المتجرد للفساد، العاري عن الخير، من قولهم شجرة مرداء إذا كان لا ورق لها، و رملة مرداء إذا تنبت شيئا، أي ومن الناس من يتبع في كل ما يأتي وما يذر من شؤونه وأهوائه، شياطين من شياطين الإنس والجن الذين يزينون له طرق الغواية، ويسلكون به الطرق التي تزلق به المهاوي، ويقودونه إلى الأعمال التي تصل به إلى النار، من شرك بالله وعبادة للأوثان والأصنام، وشرب الخمر، ولعب للميسر، إلى نحو أولئك مما يحسنون له عمله، ويكونون له فيه القادة الذين لا يرد لهم قول، ولا يقبح منهم فعل.
ثم وصف سبحانه ذلك الشيطان بقوله :﴿ كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ﴾.
﴿ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم و يتبع كل شيطان مريد ( ٣ ) كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ﴾[ الحج : ٣- ٤ ].
المعنى الجملي : بعد أن أخبر فيما سلف بأهوال يوم القامة وشدتها، ودعا الناس إلى تقوى الله، بين أنه مع هذا التحذير الشديد فإن كثيرا من الناس ينكرون هذا البعث، ويجادلون في أمور الغيب بغير علم.
أخرج ابن أبي حاتم أن هذه الآيات نزلت في النضر بن الحارث وكان جدلا يقول : الملائكة بنات الله، والقرآن أساطير الأولين، ولا يقدر الله إحياء من بلي وصار ترابا.
الإيضاح :
﴿ كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ﴾أي قدر سبحانه أن من اتبع ذلك الشيطان، و سلك سبيله، أضله في الدنيا، بما يوسوس له، و يدسي به نفسه، ويزين لها من اتباع الغواية، والفجور، وسلوك سبيل المعاصي والآثام التي توبقه في جهنم و بئس القرار.
وخلاصة ذلك : إنه يضله في الدنيا، ويقوده في الآخرة إلى عذاب السعير، بما يجترح من السيئات ويرتكب من الآثام.
﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ( ٥ ) ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شيء قدير ( ٦ ) وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ﴾[ الحج : ٥- ٧ ]
المعنى الجملي : لما حكى سبحانه عن المشركين الجدل بغير علم في البعث والحشر وذمهم على ذلك، قفى على هذا بإثباته من وجهين :
( ١ ) الاستدلال بخلق الحيوان وهو ما أشار إليه في الآية الأخرى :﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾[ يس : ٧٩ ] وقوله :﴿ فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ﴾[ الإسراء : ٥١ ]
( ٢ ) الاستدلال بحال خلق النبات في قوله﴿ وترى الأرض هامدة ﴾إلخ.
تفسير المفردات :
الريب : الشك. وأصل النطفة : الماء العذب ويراد بها هنا ماء الرجل. والعلقة : القطعة الجامدة من الدم. والمضغة : القطعة من اللحم بقدر ما يمضغ. والأجل المسمى : هو حين الوضع. والطفل : يكون للواحد والجمع. والأشد : القوة. وأرذل العمر : أدنؤه وأردؤه. هامدة : أي ميتة يابسة من قولهم همدت الأرض إذا يبست و درست، و همد الثوب : بلى، واهتزت : أي اهتز نباتها وتحرك. وربت : ازدادت وانتفخت لما يتداخلها من الماء والنبات. زوج : أي صنف. بهيج : أي حسن سار للناظرين.
الإيضاح :
﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث ﴾أي إن كنتم في شك من مجيء البعث فانظروا إلى مبدإ خلقكم ليزول ريبكم وتعلموا أن القادر على خلقكم أول مرة قادر على إعادة خلقكم ثانيا.
وعبر سبحانه بالريب مع أنهم موقنون بعدم حصوله، إيذانا بأن أقصى ما يمكن صدوره منهم و إن بلغوا غاية المكابرة والعناد هو الارتياب في شأنه، أما الحزم بعدم إمكانه فلا يدور بخلد عاقل على الحال.
ثم ذكر سبحانه من مراتب الخلق أمورا سبعة :
( ١ )﴿ فإنا خلقناكم من تراب ﴾إذ خلق الإنسان من المني المتولد من الأغذية، والأغذية تنتهي إلى النبات، وهو يتولد من الأرض والماء.
( ٢ )﴿ ثم من نطفة ﴾أي ثم من مني مكون من الدم والمتولد من الغذاء المنتهي إلى التراب.
( ٣ )﴿ ثم من علقة ﴾أي ثم من دم جامد غليظ، ولا يخفى ما بين الماء والدم من المباينة والمخالفة.
( ٤ )﴿ ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ﴾أي ثم من قطعة من اللحم مسواة، لا نقص فيها ولا عيب في ابتداء خلقها، ومضغة غير مسواة، فيها عيب، وبهذا التفاوت في الخلق يتفاضل الناس في صورهم وأشكالهم وطولهم وقصرهم.
﴿ لنبين لكم ﴾أي خلقناكم على هذا النمط البديع، لنبين لكم جميل نظامنا، وعظيم حكمتنا، والتي من جملتها أمر البعث.
﴿ ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ﴾أي ونبقي ما نشاء من الأجنة إلى الوقت الذي قدر أن تلد فيه المرأة.
( ٥ )﴿ ثم نخرجكم طفلا ﴾أي ثم نخرجكم من أرحام أمهاتكم إذا بلغتم الأجل الذي قدرته لخروجكم منها أطفالا صغارا في المهد.
( ٦ )﴿ ثم لتبلغوا أشدكم ﴾أي ثم يعمركم ويسهل تربيتكم حتى تبلغوا كمال عقولكم، ونهاية قواكم.
( ٧ )﴿ ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ﴾أي ومنكم من يتوفى على كمال قوته كمال عقله، ومنكم من يبقى حتى يبلغ الهرم والخرف فيصير كما كان في أول طفولته ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم.
وخلاصة ذلك : إنه إما أن يميتكم أو يردكم إلى أرذل العمر الذي يسلب فيه العلم والقدرة على العمل.
ثم ذكر الاستدلال على إمكان البعث بحال خلق النبات أيضا فقال :
﴿ وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾أي وترى الأرض يابسة دارسة الآثار من النبات والزرع فإذا نحن أنزلنا عليها الماء تحركت بالنبات وازدادت وانتفخت، لما يتداخلها من الماء والنبات، ثم أنبتت أنواعا يسر الناظرين ببديع منظرها وجميل شكلها، واختلاف طعومها وروائحها، ومقادير منافعها.
﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ( ٥ ) ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شيء قدير ( ٦ ) وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ﴾[ الحج : ٥- ٧ ]
المعنى الجملي : لما حكى سبحانه عن المشركين الجدل بغير علم في البعث والحشر وذمهم على ذلك، قفى على هذا بإثباته من وجهين :
( ١ ) الاستدلال بخلق الحيوان وهو ما أشار إليه في الآية الأخرى :﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾[ يس : ٧٩ ] وقوله :﴿ فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ﴾[ الإسراء : ٥١ ]
( ٢ ) الاستدلال بحال خلق النبات في قوله﴿ وترى الأرض هامدة ﴾إلخ.
تفسير المفردات :
والحق : هو الثابت الذي يحق ثبوته.
الإيضاح :
وبعد أن قرر سبحانه هذين البرهانين رتب عليهما النتيجة الحتمية لذلك، وذكر أمورا خمسة :
( ١ )﴿ ذلك بأن الله هو الحق ﴾أي هذا الذي ذكرت لكم من بدئنا خلقكم في بطون أمهاتكم، ووصفنا أحوالكم قبل الميلاد وبعده، طفلا وكهلا وشيوخا في حال الهرم، وتنبيهنا إياكم إلى فعلنا بالأرض الهامدة بما ينزل عليها من الغيث لتصدقوا بأن الذي فعل ذلك هو الله الحق الذي لا شك فيه، وأن ما تعبدون من الأوثان والأصنام فهو باطل، لأنها لا تقدر على فعل شيء من ذلك.
( ٢ )﴿ وأنه يحيي الموتى ﴾أي ولتعلموا أن الذي قدر على هذه الأشياء البديعة لا يتعذر عليه أن يحيي الموتى بعد فنائها ودروسها في التراب.
( ٣ )﴿ وأنه على كل شيء قدير ﴾أي وأن فاعل ذلك قادر على كل شيء، ولا يمتنع عليه شي أراده، فهو قادر على إيجاد جميع الممكنات، ومن ذلك إعادة الأجسام بعد موتها.
﴿ يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ( ٥ ) ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى وأنه على كل شيء قدير ( ٦ ) وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ﴾[ الحج : ٥- ٧ ]
المعنى الجملي : لما حكى سبحانه عن المشركين الجدل بغير علم في البعث والحشر وذمهم على ذلك، قفى على هذا بإثباته من وجهين :
( ١ ) الاستدلال بخلق الحيوان وهو ما أشار إليه في الآية الأخرى :﴿ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ﴾[ يس : ٧٩ ] وقوله :﴿ فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ﴾[ الإسراء : ٥١ ]
( ٢ ) الاستدلال بحال خلق النبات في قوله﴿ وترى الأرض هامدة ﴾إلخ.
الإيضاح :
( ٤ )﴿ وأن الساعة آتية لا ريب فيها ﴾أي ولتعلموا أن الساعة التي وعدكم أن يبعث فيها الموتى من قبورها آتية لا محالة، ولا شك في حدوثها، وليس لأحد أن يرتاب فيها.
( ٥ )﴿ وأن الله يبعث من في القبور ﴾أي ولتوقنوا بان الله حينئذ يبعث من في القبور أحياء إلى مواقف الحساب.
وخلاصة ذلك : أنكم إذا تأملتم في خلق الحيوان والنبات أمكنكم ان تستدلوا بذلك على وجود الخالق وقدرته على إحياء الموتى وعلى غيرها من الممكنات، وأن الساعة آتية لا شك فيها، و أنه يبعث من في القبور للحساب والجزاء، ولولا ذلك ما أوجد هذا العالم، لأن أفعاله تعالى مبنية على الحكم الباهرة، والغايات السامية.
﴿ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ( ٨ ) ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ( ٩ ) ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾[ الحج : ٧- ١٠ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآية قبلها حال الضلال المقلدين الذين يتبعون أهل الكفر والمعاصي أردف ذلك بذكر حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفرة والمبتدعين.
تفسير المفردات :
الهدى : الاستدلال والنظر الصحيح الموصل إلى المعرفة. والكتاب المنير : الوحي المظهر للحق.
الإيضاح :
﴿ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ﴾أي ومن الناس من يخاصم في توحيد الله والإقرار بالألوهية، بغير علم منه بما يخاصم به، ولا برهان معه على ما يقول، ولا وحي من الله آتاه ينير حجته، بل يقول ما يقول من الجهل ظنا منه و تخرصا.
وخلاصة ذلك : إنه يجادل بلا عقل صحيح، ولا نقل صحيح، بل يجادل اتباعا للرأي والهوى.
﴿ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ( ٨ ) ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ( ٩ ) ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾[ الحج : ٧- ١٠ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآية قبلها حال الضلال المقلدين الذين يتبعون أهل الكفر والمعاصي أردف ذلك بذكر حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفرة والمبتدعين.
تفسير المفردات :
ثاني عطفه : أي لاويا جانبه متكبرا مختالا، ونحوه تصغير الخد ولي الجيد. والخزي : الهوان والذل. عذاب الحريق : أي عذاب النار التي تحرق داخليها.
الإيضاح :
﴿ ثاني عطفه ﴾ تقول العرب : جاءني ثاني عطفه إذا جاء متبخترا متكبرا، فالمراد : ومن الناس من يجادل وهو لاو عنقه معرض عما يدعى إليه من الحق مستكبر عن قوله.
ونحو الآية قول لقمان لابنه :﴿ ولا تصغر خدك للناس ﴾[ لقمان : ١٨ ].
﴿ ليضل عن سبيل الله ﴾أي ليصد المؤمنين بالله عن دينهم الذي هداهم الله إليه ويستنزلهم عنه.
وبعد أن ذكر فعله وثمرته ذكر ما أعد عليه في الدنيا والآخرة فقال :
﴿ له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ﴾أي له في الدنيا إهانة وذل كفاء استكباره عن آيات الله كما حدث من القتل والأسر بأيدي المؤمنين يوم بدر، وسيصلى في الآخرة عذاب النار ويحرق بلهبها.
﴿ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ( ٨ ) ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ( ٩ ) ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾[ الحج : ٧- ١٠ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآية قبلها حال الضلال المقلدين الذين يتبعون أهل الكفر والمعاصي أردف ذلك بذكر حال الدعاة إلى الضلال من رؤوس الكفرة والمبتدعين.
الإيضاح :
ثم بين سبحانه سبب هذا الخزي المعجل والعذاب المؤجل فقال :
﴿ ذلك بما قدمت يداك ﴾أي ويقال له حينئذ : إن هذه النار التي تصطلى بلهبها اليوم جزاء ما اجترحت يداك في الدنيا من الآثام، واكتسبته من الذنوب والمعاصي.
﴿ وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾أي وقد فعلنا ذلك، لأن الله لا يظلم عباده، فيعاقب بعض عبيده على جرم، ويعفو عن مثله عن آخر غيره.
وقصارى ذلك : إنهم استحقوا هذا العذاب لما اجترحوه من الآثام والذنوب، والله لا يظلم أحدا بغير جرم قد فعله.
ومآل ذلك توبيخهم وتبكيتهم بأنهم هم سبب هذا العذاب.
﴿ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإذا أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ( ١١ ) يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد ( ١٢ ) يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير ﴾[ الحج : ١١- ١٣ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال الضالين المقلدين الذين يجادلون في توحيد الله بلا بينة ولا دليل، وحال المضلين الذين يجادلون بلا سلطان من عقل، ولا برهان صحيح من نقل، ثم سوء مآلهما في الدنيا والآخرة وأن لهما في الدنيا خزيا وفي الآخرة عذابا في النار تحترق منه أجسامهما، أعقب ذلك بذكر قوم مضطربي الإيمان، مذبذبين في دينهم، لا ثبات لهم في عقيدتهم، ولا استقرار لهم ي آرائهم، إن أصابوا خيرا فرحوا به وركنوا إليه، وإن نالهم بلاء وشدة في أنفسهم أو أهليهم أو أموالهم ارتدوا كفارا، فلحقهم الخسار والدمار في دينهم ودنياهم، وذلك هو الخسران الذي لا خسران بعده.
وهم في ذلك الحين يعبدون الأصنام والأوثان، لتكشف عنهم ضرهم وتدفع عنهم ما نزل بهم من البلاء، وقد ضلوا في ذلك ضلالا بعيدا، وأنهم يوم القيامة ليجأرون ويصرخون ويقولون :﴿ لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير ﴾.
روي عن ابن عباس أن هذه الآية زلت في أعراب كانوا يقدمون على النبي ( ص ) مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا صح جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا أو ولدت امرأته غلاما أو كثر ماله وماشيته رضي به واطمأن إليه وإن أصابه وجع أو ولدت امرأته جارية أو أجهضت رماكه – خليه – أو ذهب ماله. أو تأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان وقال له : ما جاءتك هذه الشرور إلا بسبب هذا الدين فينقلب عنه.
تفسير المفردات :
على حرف : أي على طرف. خير : أي سعة في المال وكثرة في الولد. فتنة : أي بلاء ومحنة في نفسه أو أهله أو ماله. على وجهه : أي جهته ويراد بذلك أنه ارتد ورجع إلى لكفر. خسر الدنيا والآخرة : أي ضيعهما، إذ فاته فيهما ما يسره، يدعو الأولى يراد بها يعبد ويدعو الثانية يراد بها يقول.
الإيضاح :
﴿ ومن الناس من يعبد الله على حرف ﴾أي على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه، فهو في قلق واضطراب فيه لا في سكون وطمأنينة، فمثله مثل الذي يكون على طرف من العسكر إن أحس بغنيمة قر وسكن، وإن كانت هزيمة فر وهام على وجهه، وهذا ما أشار إليه بقوله :
﴿ فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه ﴾أي فإن أصابه رخاء وسعة في العيش سكن واستبشر بهذا الخير والدين فعبد الله، وإن أصابه شر وبلاء في جسمه أو ضيق في معيشته ارتد ورجع إلى الكفر.
والثبات في الدين إنما يكون إذا كان الغرض منه إصابة الحق وطاعة الرب والخوف من عقابه، أما إذا كان المقصد منه الخير المعجل فإنه يظهر في السراء ويختفي لدى الضراء، وهذا هو النفاق بعينه كما يرشد إلى ذلك قوله في المنافقين :﴿ مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ﴾[ الناس : ١٤٣ ] وقوله :﴿ فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم ﴾[ النساء : ١٤١ ].
وخلاصة ذلك : أن من الناس من ليس له ثبات في أمر دينه، بل هو مرجحن مضطرب مذبذب، يعبد الله على وجه التجربة انتظارا للنعمة، فإن أصابه خير يبقى مؤمنا وإن أصابه شر من سقم أو ضياع مال أو فقد ولد ترك دينه وارتد كافرا.
ثم بين سوء عاقبة عمله فقال :
﴿ خسر الدنيا والآخرة ﴾أي ضيع نفعهما، وزالت عنه فائدتهما، فإنه خسر في الدنيا العز والكرامة وإصابة الغنيمة، وخسر في الآخرة الثواب الدائم : بل حل به العقاب اللازب.
﴿ ذلك هو الخسران المبين ﴾أي ذلك هو الخسران الذي لا خسران مثله لمن تدبر فيه وتفكر.
﴿ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإذا أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ( ١١ ) يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد ( ١٢ ) يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير ﴾[ الحج : ١١- ١٣ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال الضالين المقلدين الذين يجادلون في توحيد الله بلا بينة ولا دليل، وحال المضلين الذين يجادلون بلا سلطان من عقل، ولا برهان صحيح من نقل، ثم سوء مآلهما في الدنيا والآخرة وأن لهما في الدنيا خزيا وفي الآخرة عذابا في النار تحترق منه أجسامهما، أعقب ذلك بذكر قوم مضطربي الإيمان، مذبذبين في دينهم، لا ثبات لهم في عقيدتهم، ولا استقرار لهم ي آرائهم، إن أصابوا خيرا فرحوا به وركنوا إليه، وإن نالهم بلاء وشدة في أنفسهم أو أهليهم أو أموالهم ارتدوا كفارا، فلحقهم الخسار والدمار في دينهم ودنياهم، وذلك هو الخسران الذي لا خسران بعده.
وهم في ذلك الحين يعبدون الأصنام والأوثان، لتكشف عنهم ضرهم وتدفع عنهم ما نزل بهم من البلاء، وقد ضلوا في ذلك ضلالا بعيدا، وأنهم يوم القيامة ليجأرون ويصرخون ويقولون :﴿ لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير ﴾.
روي عن ابن عباس أن هذه الآية زلت في أعراب كانوا يقدمون على النبي ( ص ) مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا صح جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا أو ولدت امرأته غلاما أو كثر ماله وماشيته رضي به واطمأن إليه وإن أصابه وجع أو ولدت امرأته جارية أو أجهضت رماكه – خليه – أو ذهب ماله. أو تأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان وقال له : ما جاءتك هذه الشرور إلا بسبب هذا الدين فينقلب عنه.
الإيضاح :
ثم أكد عظم ذلك الخسران بقوله :
﴿ يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ﴾أي يعبد من دون الله آلهة لا تضره إن لم يعبدها في الدنيا، ولا منفعة له في الآخرة إن عبدها.
﴿ ذلك هو الضلال البعيد ﴾أي ذلك الارتداد وعبادة تلك الآلهة دون الله هو السير على غير استقامة والذهاب على غير هدى، فما مثله إلا مثل من أبعد في التيه ضالا، وبعدت مسافة ضلاله، فلم يهتد إلى الصراط السوي، ولم ينل ما يبتغي وبلغت به الحيرة كل مبلغ.
﴿ ومن الناس من يعبد الله على حرف فإذا أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ( ١١ ) يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد ( ١٢ ) يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير ﴾[ الحج : ١١- ١٣ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال الضالين المقلدين الذين يجادلون في توحيد الله بلا بينة ولا دليل، وحال المضلين الذين يجادلون بلا سلطان من عقل، ولا برهان صحيح من نقل، ثم سوء مآلهما في الدنيا والآخرة وأن لهما في الدنيا خزيا وفي الآخرة عذابا في النار تحترق منه أجسامهما، أعقب ذلك بذكر قوم مضطربي الإيمان، مذبذبين في دينهم، لا ثبات لهم في عقيدتهم، ولا استقرار لهم ي آرائهم، إن أصابوا خيرا فرحوا به وركنوا إليه، وإن نالهم بلاء وشدة في أنفسهم أو أهليهم أو أموالهم ارتدوا كفارا، فلحقهم الخسار والدمار في دينهم ودنياهم، وذلك هو الخسران الذي لا خسران بعده.
وهم في ذلك الحين يعبدون الأصنام والأوثان، لتكشف عنهم ضرهم وتدفع عنهم ما نزل بهم من البلاء، وقد ضلوا في ذلك ضلالا بعيدا، وأنهم يوم القيامة ليجأرون ويصرخون ويقولون :﴿ لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير ﴾.
روي عن ابن عباس أن هذه الآية زلت في أعراب كانوا يقدمون على النبي ( ص ) مهاجرين من باديتهم، فكان أحدهم إذا صح جسمه ونتجت فرسه مهرا حسنا أو ولدت امرأته غلاما أو كثر ماله وماشيته رضي به واطمأن إليه وإن أصابه وجع أو ولدت امرأته جارية أو أجهضت رماكه – خليه – أو ذهب ماله. أو تأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان وقال له : ما جاءتك هذه الشرور إلا بسبب هذا الدين فينقلب عنه.
تفسير المفردات :
والمولى : الناصر. والعشير : الصاحب والمعاشر.
الإيضاح :
ثم زاد ما سلف توكيدا وبين مآل دعائه وعبادته غير الله فقال :
﴿ يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير ﴾أي يقول الكافر برفع صوت وصراخ حين يرى تضرره بذلك المعبود ودخوله النار بسببه، ولا يرى أثرا مما كان يتوقع من نفعه لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير.
وخلاصة ذلك : أي عشير هذا، وأي ناصر ذلك الذي لا ينفع ولا ينصر من يعاشره ؟ والله لبئس العشير و لبئس النصير.
﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد ﴾[ الحج : ١٤ ]
المعنى الجملي : لما ذكر في الآية السالفة حال عباده المنافقين وحال معبوديهم، عطف على ذلك بذكر حال المؤمنين الذين آمنوا بقلوبهم، وصدقوا إيمانهم بأفعالهم، وعملوا الصالحات وتركوا المنكرات.
الإيضاح :
﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾أي إن الله سبحانه يتفضل على المؤمنين الذين عملوا صالح الأعمال، ويكافئهم لقاء إحسانهم، بدخول الجنات التي تجري من تحت أشجارها الأنهار جزاء وفاقا على ما قاموا به جليل الأعمال، وما زكوا به أنفسهم من جميل الخصال.
ولما بين سبحانه حال الفريقين ذكر أنه قادر على أن يفعل بهما ما يشاء فقال :
﴿ وإن الله يفعل ما يريد ﴾ من إكرام من يطيعه وإهانة من يعصيه، لا راد لحكمه، ولا مانع لقضائه، فهو يعطي المتقين ضروبا من الفضل والإحسان زيادة على أجورهم كما قال :﴿ فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ﴾[ النساء : ١٧٣ ] ويدخل الكافرين نارا وقودها الناس والحجارة، لما دسوا به أنفسهم من أنواع الرجس والفسوق.
﴿ من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ( ١٥ ) وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد ﴾[ الحج : ١٥- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال المجادل بالباطل وخذلانه في الدنيا، لأنه يدلي بحجة من العقل ولا ببرهان من الوحي، ثم بين ما يؤول إليه أمره من النكال في الدنيا والخزي في الآخرة، ثم ذكر مشايعيه وعمم خسارهم في الدارين، وأردف ذلك ذكر حال المؤمنين وما يلقونه من السعادة والنعيم في الدار الآخرة، قفى على ذلك بذكر المجادل عنهم وعن دين الله بالتي هي أحسن، وهو رسول الله ( ص ) وبالغ في إثبات نصره بما لا مزيد عيه، ثم ذكر شان كتابه وأنه آيات واضحات ترشد إلى سواء السبيل.
تفسير المفردات :
بسبب : أي بحبل. إلى السماء : أي إلى سقف بيته. ليقطع : أي ليختنق. فلينظر : أي فليقدر في نفسه النظر. كيده : أي فعله. ما يغيظ : أي غيظه.
الإيضاح :
﴿ من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ﴾ أي من كان يحسب أن الله لن ينصر محمدا ( ص ) في الدنيا والآخرة فليمدد بحبل إلى سماء بيته ثم ليختنق به، ثم ليصور في نفسه النظر، هل يذهبن ذلك الكيد الذي كاده، والفعل الذي فعله ما يغيظه من النصرة، كلا.
وخلاصة المعنى : من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدا ولا كتابه ولا دينه فليذهب وليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه، فإن الله ناصره لا محالة كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ﴾[ غافر : ٥١ ] وسيعلي في الدنيا كلمته ويظهر دينه، ويرفع في الآخرة درجته ويدخل من صدقه جنات تجري من تحتها الأنهار وينتقم ممن كذبه، ويذيقه عذاب الحريق، فمن كان من أعاديه يغيظه ذلك فليبالغ في كيده إلى أقصى مجهوده، فقصارى أمره خيبة مسعاه ودوام غيظه دون أن يصل إلى غاية، أو يبلغ أمنية.
وتلخيص هذا : أيها الكاره لمحمد الذي أرسل لإنقاذك، إن نعم الله على عباده كثيرة ولا سيما بعثة الأنبياء، فإذا كرهت ما أنعم الله به عليك ببعثه محمد ( ص ) فكأنك تختنق، لأنك تكره النعم لنفسك فتستبيح خنقها من حيث لا تشعر.
﴿ من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ( ١٥ ) وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد ﴾[ الحج : ١٥- ١٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر حال المجادل بالباطل وخذلانه في الدنيا، لأنه يدلي بحجة من العقل ولا ببرهان من الوحي، ثم بين ما يؤول إليه أمره من النكال في الدنيا والخزي في الآخرة، ثم ذكر مشايعيه وعمم خسارهم في الدارين، وأردف ذلك ذكر حال المؤمنين وما يلقونه من السعادة والنعيم في الدار الآخرة، قفى على ذلك بذكر المجادل عنهم وعن دين الله بالتي هي أحسن، وهو رسول الله ( ص ) وبالغ في إثبات نصره بما لا مزيد عيه، ثم ذكر شان كتابه وأنه آيات واضحات ترشد إلى سواء السبيل.
الإيضاح :
﴿ وكذلك أنزلناه آيات بينات ﴾أي وكما بينت لكم حججي على من جحد قدرتي على إحياء من مات من الخلق بعد فنائه وأوضحتها غاية الإيضاح، أنزلنا القرآن كله آيات واضحات الدلالة على معانيها.
وخلاصة ذلك : إن القرآن كله كامل البيان في جميع أبوابه وفصوله لا في أمر البعث وحده.
﴿ وأن الله يهدي من يريد ﴾أي وكذلك أنزله ليوفق به لسبيل الحق من أراد هدايته وإرشاده إلى سبيل السلام.
﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ﴾[ الحج : ١٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآية السالفة أنه سبحانه يهدي من يريد أتبعه ببيان من يهديه ومن لا يهديه.
تفسير المفردات :
الذين هادوا : هم اليهود. والصابئين : قوم يعبدون الملائكة. ويصلون إلى القبلة ويقرؤون الزبور، وفي كتاب الملل والنحل للشهرستاني : إن الصائبة كانوا على عهد إبراهيم عليه السلام، ويقال لمقابليهم الحنفاء، وعمدة مذهبهم تعظيم النجوم وثوابتها وسياراتها. والمجوس : على ما قاله قتادة : قوم يعبدون الشمس والقمر والنيران. والذين أشركوا : هم عباد الأوثان. فالأديان ستة. خمسة للشيطان، وواحد للرحمان. يفصل : أي يقضي بإظهار المحق من المبطل. شهيد : أي عالم بكل الأشياء ومراقب لها.
الإيضاح :
﴿ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد ﴾أي إن الله يقضي بين هذه الفرق، ويجازي كلا بما يفعل، ويضعه في الموضع اللائق به، إذ ليس شيء من أحوالهم بغائب عنه، بل هو عليم بأقوالهم مراقب لأفعالهم.
وخلاصة ذلك : إنه تعالى يحكم بالعدل، فيدخل من آمن به الجنة، ويلقي من كفر به في جهنم، و بئس القرار، وهو الشهيد على أعمالهم، الحفيظ لأفعالهم، العليم بسرائرهم، وما تكنه ضمائرهم.
﴿ ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات و من في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ﴾[ الحج : ١٨ ].
المعنى الجملي : بعد أن أبان فيما سلف أنه تعالى يقضي بين أرباب الفرق السالفة يوم القيامة وهو شهيد على أقوالهم و أفعالهم، أردف هذا ببيان أنه ما كان ينبغي لهم أن يختلفوا، ألا يرون أن جميع العوالم العلوية والسفلية كبيرها وصغيرها، شمسها وقمرها ونجومها، وجبالها وحيوانها ونباتها خاضعة لجبروته ومسخرة لقدرته، وقد كان في هذا منع لهم لو أرادوا، ولكن من يهنه الله ويكتب عليه الشقاء فلا يستطيع أحد أن يسعده، فالله وحده هو القدير على الإشقاء والإسعاد.
تفسير المفردات :
ألم تر : أي ألم تعلم. والسجود : لغة التطامن والتذلل، ثم أطلق على التذلل لله وعبادته، وهو ضربان : سجود بالاختيار، وهو خاص بالإنسان وبه يستحق الثواب. وسجود بالتسخير والانقياد لإرادته سبحانه، وهو دال على الذلة والافتقار إلى عظمته، جلت قدرته. من في السماوات : هم الملائكة. ومن في الأرض : هم الإنس والجن. وحق : أي ثبت وتقرر.
الإيضاح :
﴿ ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم و الجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ﴾أي ألم تعلم أيها المخاطب بهذا أن هذه الخلائق مسخرة لقدرة بارئها، وجبروت منشئها، منقادة لإرادته طوعا أو كرها فهي مفتقرة في وجودها وبقائها إليه، فهو الذي أنشأها ورتبها، وأكمل وجودها على النحو الذي أراده، والحكمة التي قدرها لها في البقاء.
وأفرد الشمس وما بعدها بالذكر لأنها قد عبدت من دون الله، فعبدت الشمس حمير، والقمر كنانة، والشعرى لحم، والثريا طيء، والمصريون عبدوا العجل " أبيس " وعبدت العزى – شجرة - غطفان.
﴿ وكثير حق عليه العذاب ﴾ أي و كثير منهم لا يسجدون فاستحقوا بذلك لعذاب.
﴿ ومن يهن الله فما له من مكرم ﴾أي ومن يهنه الله من خلقه فيكتب له الشقاء لسوء استعداده فما له من مكرم يسعده، لأن الأمور كلها بيده يوفق من يشاء لطاعته، ويخذل من يشاء لتدسيته نفسه، واجتراحه للسيئات، وارتكابه للآثام والمعاصي.
﴿ إن الله يفعل ما يشاء ﴾أي إن الله يفعل في خلقه ما يشاء من إهانة من أراد إهانته، وإكرام من أراد إكرامه، فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
﴿ * هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( ١٩ ) يصهر به ما في بطونهم والجلود ( ٢٠ ) ولهم مقامع من حديد ( ٢١ ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ( ٢٢ ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ( ٢٣ ) وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ﴾[ الحج : ١٩- ٢٤ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أرباب الفرق الست فيما سلف، وذكر أن الله يفصل بينهم يوم القيامة وهو العليم بأحوالهم وأفعالهم و أقوالهم، قفى على ذلك بذكر طرفي الخصومة وتعيين موضع الخصومة، وبيان مآل كل من الفريقين من الإهانة والكرامة، والعذاب والنعيم.
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : تخاصم المؤمنون واليهود فقالت اليهود : نحن أولى بالله تعالى وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله تعالى. آمنا بمحمد ( ص )، وآمنا بنبيكم، وبما أنزل الله تعالى من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا، ثم تركتموه وكفرتم به حسدا فنزلت الآية.
ويرى جماعة من الصحابة والتابعين وهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول أن المراد بالخصمين هنا هم الذين برزوا يوم بدر، فمن المؤمنين حمزة وعلي وعبيدة، ومن الكافرين عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، وكان أبو ذر يقسم إن هذه الآيات نزلت في هؤلاء المتبارزين كما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما. و روى البخاري وغيره عن علي أنه قال : فينا نزلت هذه الآية وأنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة.
تفسير المفردات :
خصمان : واحدهما خصم، وهو من له رأي غير رأيك في موضوع ما، وكل منهما يحاج صاحبه فيه. قطعت لهم : أي قدرت. و الحميم : الماء الذي بلغت حرارته أقصى الغاية.
الإيضاح :
﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾أي إن أهل الأديان الستة التي سبق ذكرها فريقان : فريق المؤمنين. وفريق الكافرين أرباب الديانات الخمس المتقدمة، جادلوا في دين الله، فكل فريق يعتقد أن ما هو عليه هو الحق وأن ما عليه خصمه هو الباطل، وبنى على ذلك كل أقواله وأفعاله، وهذا كاف في تحقيق الخصومة وإن لم يحصل بينهما تحاور بالفعل.
ثم ذكر مآل كل فريق وما يلقاه من الجزاء بعد أن يفصل الله بينهما، وذكر من جزاء فريق الكافرين أمورا ثلاثة :
( ١ )﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ﴾أي فالكافرون أعدت لهم نيران تحيط بهم كأنها ثيب قدرت على قدر أجسامهم.
ولا يخفى ما في هذا الأسلوب من التهكم بهم واحتقار شأنهم.
و التعبير بثياب، للإشارة إلى تراكم طبقات النار المحيط بهم وكون بعضها فوق بعض.
وشبيه بالآية قوله :﴿ لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ﴾[ الأعراف : ٤١ ].
( ٢ )﴿ يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر ما في بطونهم والجلود ﴾أي يصب من فوق رؤوسهم الماء الحار الذي يذيب أمعاءهم وأحشاءهم كما يحرق جلودهم، فله أثر في الباطن والظاهر.
أخرج عبد بن حميد والترمذي في جماعة عن أبي هريرة انه تلا هذه الآية فقال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول :" إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ من الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:﴿ * هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( ١٩ ) يصهر به ما في بطونهم والجلود ( ٢٠ ) ولهم مقامع من حديد ( ٢١ ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ( ٢٢ ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ( ٢٣ ) وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ﴾[ الحج : ١٩- ٢٤ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أرباب الفرق الست فيما سلف، وذكر أن الله يفصل بينهم يوم القيامة وهو العليم بأحوالهم وأفعالهم و أقوالهم، قفى على ذلك بذكر طرفي الخصومة وتعيين موضع الخصومة، وبيان مآل كل من الفريقين من الإهانة والكرامة، والعذاب والنعيم.
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : تخاصم المؤمنون واليهود فقالت اليهود : نحن أولى بالله تعالى وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله تعالى. آمنا بمحمد ( ص )، وآمنا بنبيكم، وبما أنزل الله تعالى من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا، ثم تركتموه وكفرتم به حسدا فنزلت الآية.
ويرى جماعة من الصحابة والتابعين وهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول أن المراد بالخصمين هنا هم الذين برزوا يوم بدر، فمن المؤمنين حمزة وعلي وعبيدة، ومن الكافرين عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، وكان أبو ذر يقسم إن هذه الآيات نزلت في هؤلاء المتبارزين كما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما. و روى البخاري وغيره عن علي أنه قال : فينا نزلت هذه الآية وأنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة.

تفسير المفردات :

خصمان : واحدهما خصم، وهو من له رأي غير رأيك في موضوع ما، وكل منهما يحاج صاحبه فيه. قطعت لهم : أي قدرت. و الحميم : الماء الذي بلغت حرارته أقصى الغاية.

الإيضاح :

﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾أي إن أهل الأديان الستة التي سبق ذكرها فريقان : فريق المؤمنين. وفريق الكافرين أرباب الديانات الخمس المتقدمة، جادلوا في دين الله، فكل فريق يعتقد أن ما هو عليه هو الحق وأن ما عليه خصمه هو الباطل، وبنى على ذلك كل أقواله وأفعاله، وهذا كاف في تحقيق الخصومة وإن لم يحصل بينهما تحاور بالفعل.
ثم ذكر مآل كل فريق وما يلقاه من الجزاء بعد أن يفصل الله بينهما، وذكر من جزاء فريق الكافرين أمورا ثلاثة :
( ١ )﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ﴾أي فالكافرون أعدت لهم نيران تحيط بهم كأنها ثيب قدرت على قدر أجسامهم.
ولا يخفى ما في هذا الأسلوب من التهكم بهم واحتقار شأنهم.
و التعبير بثياب، للإشارة إلى تراكم طبقات النار المحيط بهم وكون بعضها فوق بعض.
وشبيه بالآية قوله :﴿ لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش ﴾[ الأعراف : ٤١ ].
( ٢ )﴿ يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر ما في بطونهم والجلود ﴾أي يصب من فوق رؤوسهم الماء الحار الذي يذيب أمعاءهم وأحشاءهم كما يحرق جلودهم، فله أثر في الباطن والظاهر.
أخرج عبد بن حميد والترمذي في جماعة عن أبي هريرة انه تلا هذه الآية فقال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول :" إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ من الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان ".


تفسير المفردات :
يصهر به : أي يذاب.
﴿ * هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( ١٩ ) يصهر به ما في بطونهم والجلود ( ٢٠ ) ولهم مقامع من حديد ( ٢١ ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ( ٢٢ ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ( ٢٣ ) وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ﴾[ الحج : ١٩- ٢٤ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أرباب الفرق الست فيما سلف، وذكر أن الله يفصل بينهم يوم القيامة وهو العليم بأحوالهم وأفعالهم و أقوالهم، قفى على ذلك بذكر طرفي الخصومة وتعيين موضع الخصومة، وبيان مآل كل من الفريقين من الإهانة والكرامة، والعذاب والنعيم.
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : تخاصم المؤمنون واليهود فقالت اليهود : نحن أولى بالله تعالى وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله تعالى. آمنا بمحمد ( ص )، وآمنا بنبيكم، وبما أنزل الله تعالى من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا، ثم تركتموه وكفرتم به حسدا فنزلت الآية.
ويرى جماعة من الصحابة والتابعين وهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول أن المراد بالخصمين هنا هم الذين برزوا يوم بدر، فمن المؤمنين حمزة وعلي وعبيدة، ومن الكافرين عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، وكان أبو ذر يقسم إن هذه الآيات نزلت في هؤلاء المتبارزين كما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما. و روى البخاري وغيره عن علي أنه قال : فينا نزلت هذه الآية وأنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة.
تفسير المفردات :
و مقامع : واحدها مقمعة، وهي السوط.
الإيضاح :
( ٣ )﴿ ولهم مقامع من حديد ﴾أي ولتعذيبهم سياط من حديد، تضرب بها رؤوسهم ووجوههم، يقمعون بها ويردون ردا عنيفا إذا أرادوا الهرب من النار، وإلى هذا أشار بقوله :﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ﴾.
﴿ * هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( ١٩ ) يصهر به ما في بطونهم والجلود ( ٢٠ ) ولهم مقامع من حديد ( ٢١ ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ( ٢٢ ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ( ٢٣ ) وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ﴾[ الحج : ١٩- ٢٤ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أرباب الفرق الست فيما سلف، وذكر أن الله يفصل بينهم يوم القيامة وهو العليم بأحوالهم وأفعالهم و أقوالهم، قفى على ذلك بذكر طرفي الخصومة وتعيين موضع الخصومة، وبيان مآل كل من الفريقين من الإهانة والكرامة، والعذاب والنعيم.
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : تخاصم المؤمنون واليهود فقالت اليهود : نحن أولى بالله تعالى وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله تعالى. آمنا بمحمد ( ص )، وآمنا بنبيكم، وبما أنزل الله تعالى من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا، ثم تركتموه وكفرتم به حسدا فنزلت الآية.
ويرى جماعة من الصحابة والتابعين وهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول أن المراد بالخصمين هنا هم الذين برزوا يوم بدر، فمن المؤمنين حمزة وعلي وعبيدة، ومن الكافرين عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، وكان أبو ذر يقسم إن هذه الآيات نزلت في هؤلاء المتبارزين كما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما. و روى البخاري وغيره عن علي أنه قال : فينا نزلت هذه الآية وأنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة.
تفسير المفردات :
و الغم، الحزن الشديد.
الإيضاح :
﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ﴾أي إنهم كلما حاولوا الهرب م جهنم والخروج منها حين يلحقهم عظيم عذابها أعيدوا فيها وضربوا بسياط من حديد وقيل لهم : ذوقوا عذاب هذه النار التي تحرق الأمعاء والأحشاء.
﴿ * هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( ١٩ ) يصهر به ما في بطونهم والجلود ( ٢٠ ) ولهم مقامع من حديد ( ٢١ ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ( ٢٢ ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ( ٢٣ ) وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ﴾[ الحج : ١٩- ٢٤ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أرباب الفرق الست فيما سلف، وذكر أن الله يفصل بينهم يوم القيامة وهو العليم بأحوالهم وأفعالهم و أقوالهم، قفى على ذلك بذكر طرفي الخصومة وتعيين موضع الخصومة، وبيان مآل كل من الفريقين من الإهانة والكرامة، والعذاب والنعيم.
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : تخاصم المؤمنون واليهود فقالت اليهود : نحن أولى بالله تعالى وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله تعالى. آمنا بمحمد ( ص )، وآمنا بنبيكم، وبما أنزل الله تعالى من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا، ثم تركتموه وكفرتم به حسدا فنزلت الآية.
ويرى جماعة من الصحابة والتابعين وهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول أن المراد بالخصمين هنا هم الذين برزوا يوم بدر، فمن المؤمنين حمزة وعلي وعبيدة، ومن الكافرين عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، وكان أبو ذر يقسم إن هذه الآيات نزلت في هؤلاء المتبارزين كما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما. و روى البخاري وغيره عن علي أنه قال : فينا نزلت هذه الآية وأنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة.
الإيضاح :
وبعد أن بين سوء حال الكافرين أردف ذلك ببيان ما يناله المؤمنون من الكرامة في المسكن والحلية والملبس وحسن القول والعمل فقال :
( ١ )﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾أي إن الله يدخل من آمن به وبرسله وعمل صالح الأعمال التي تزكي نفوسهم وتقربهم إلى ربهم جنات تجري من تحت قصورها وأشجارها الوافرة الظلال الأنهار الواسعة يتمتعون بها كما شاؤوا.
( ٢ )﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾أي يلبسون في أيديهم حلية من ذهب، وفي رؤوسهم تيجانا من لؤلؤ.
( ٣ )﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾أي ويلبسون الحرير الذي حرم عليهم لبسه في الدنيا، وكان فيها عنوان العزة والكرامة فأوتوه في الآخرة إجلالا وتعظيما لهم.
﴿ * هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم ( ١٩ ) يصهر به ما في بطونهم والجلود ( ٢٠ ) ولهم مقامع من حديد ( ٢١ ) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق ( ٢٢ ) إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ( ٢٣ ) وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ﴾[ الحج : ١٩- ٢٤ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أرباب الفرق الست فيما سلف، وذكر أن الله يفصل بينهم يوم القيامة وهو العليم بأحوالهم وأفعالهم و أقوالهم، قفى على ذلك بذكر طرفي الخصومة وتعيين موضع الخصومة، وبيان مآل كل من الفريقين من الإهانة والكرامة، والعذاب والنعيم.
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : تخاصم المؤمنون واليهود فقالت اليهود : نحن أولى بالله تعالى وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله تعالى. آمنا بمحمد ( ص )، وآمنا بنبيكم، وبما أنزل الله تعالى من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا، ثم تركتموه وكفرتم به حسدا فنزلت الآية.
ويرى جماعة من الصحابة والتابعين وهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول أن المراد بالخصمين هنا هم الذين برزوا يوم بدر، فمن المؤمنين حمزة وعلي وعبيدة، ومن الكافرين عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، وكان أبو ذر يقسم إن هذه الآيات نزلت في هؤلاء المتبارزين كما ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما. و روى البخاري وغيره عن علي أنه قال : فينا نزلت هذه الآية وأنا أول من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة.
تفسير المفردات :
و الطيب من القول : ما يقع في محاورة أهل الجنة بعضهم بعضا. و صراط الحميد : أي الطريق المحمود في آداب المعاشرة والاجتماع.
الإيضاح :
( ٤ )﴿ وهدوا إلى الطيب من القول ﴾أي وأرشدوا إلى القول الطيب وهو قولهم حين دخول الجنة :﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ﴾[ الزمر : ٧٤ ].
( ٥ )﴿ وهدوا إلى صراط الحميد ﴾أي وأرشدوا إلى الطريق الحميد الذي يجعل أقوالهم وأفعالهم مرضية عند ربهم، محمودة لدى معاشريهم وإخوانهم لما فيها مما يجعل في المعاشرة والاجتماع.
﴿ إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ندقه من عذاب أليم ﴾[ الحج : ٢٥ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر مآل كل فريق من الكفار والمؤمنين، أردف ذلك بيان عظيم حرمة البيت، وأنكر على الكفار صدهم المؤمنين عن شهوده وقضاء مناسكهم فيه، ودعواهم أنهم أولياؤه.
روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية نزلت في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله ( ص ) وأصحابه عام الحديبية عن المسجد الحرام، وقد كره عليه الصلاة والسلام أن يقاتلهم وكان محرما بعمرة، ثم صالحوه على أن يعود في العام المقبل.
تفسير المفردات : المراد بالمسجد الحرام : مكة، وعبر به عنها لأنه المقصود المهم منها. العاكف : المقيم. والبادي : الطارئ القادم عليها. و الإلحاد : العدول عن الاستقامة. بظلم : أي بغير حق.
الإيضاح :
﴿ إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ﴾أي إن الذين جحدوا توحيد الله وكذبوا رسوله وأنكروا ما جاءهم به من عند ربهم، ويمنعون الناس أن يدخلوا في دين الله، ويصدون عن دخول في المسجد الحرام الذي جعله للذين آمنوا به كافة، سواء منهم المقيم فيه والطارئ عليه – النازع إليه من غربته نذيقهم عذابا مؤلما موجعا لهم، ويدل على هذا قوله :
﴿ و من يرد فيه بإلحاد بظلم ندقه من عذاب أليم ﴾أي ومن يرد أن يميل إلى الظلم في المسجد الحرام فيعصى الله ويخالف أوامره نذقه يوم القيامة العذاب الموجع له.
وخلاصة ذلك : إنه سبحانه توعد الكفار الذين يصدون عن الدين، ويمنعون الناس من اعتناقه، ويحولون بين الناس ودخول مكة بالعذاب المؤلم لهم يوم القيامة، كما توعد بذلك من يرتكب الذنوب والآثام في المسجد الحرام.
﴿ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ( ٢٦ ) وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ( ٢٧ ) ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطمعوا البائس الفقير ( ٢٨ ) ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذرهم وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾[ الحج : ٢٦- ٢٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن كثيرا من مشركي قريش صدوا عن دين الله وعن دخول المسجد الحرام : أردف ذلك بتأنيبهم وتوبيخهم على ما يفعلون، فبين أنه ما كان ينبغي لهم ذلك، فإن أباهم إبراهيم الذي يفخرون به وينتسبون إليه هو الذي ابتناه وجعله مباءة للناس وأمر بتطهيره من الشرك للطائفين والمصلين، وأن ينادي في الناس ليأتوه من كل فج عميق، لما لهم في ذلك من منافع دينية ودنيوية، ويذكروا اسم الله في أيام النحر على ما آتاهم من بهيمة الأنعام، فاذكروه على ذلك، وكلوا منها، وأطعموا الفقراء والبائسين، فإذا قضيتم مناسككم فأزيلوا ما عليكم من الوسخ والقذر، فقلموا أظافركم وأزيلوا شعوركم، ثم وفوا ما عليكم من نذور كنتم قد نذرتموها من أعمال البر والخير، ثم طوفوا طواف الزيارة بالبيت العتيق، وبذلك تكونون قد أتممتم مناسك الحج.
تفسير المفردات :
يقال بوأه منزلا : أي أنزله فيه ؛ وأصل البيت مأوى الإنسان بالليل ثم أطلق على كل مأوى متخذ من حجر أو مدر أو صوف أو وبر، والمراد به هنا الكعبة، وقد بنيت عدة مرات في أوقات مختلفة.
الإيضاح :
﴿ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ﴾أي واذكر أيها الرسول لهؤلاء المشركين الذين يصدون عن سبيل الله وعن دخول المسجد الحرام الوقت الذي جعلنا فيه هذا البيت مباءة للناس يرجعون إليه للعبادة، والمراد بذكر الوقت ذكر ما وقع فيه من حوادث جسام، ليتذكروا فيقلعوا عن غيهم و يرعووا إلى رشدهم، ويستبين لهم عظيم ما ارتكبوا من خطإ، وكبير ما اجترحوا من جرم بصدهم الناس عن بيت بناه أبوهم، وجعله الله قبلة للناس في الصلاة ومكانا للطواف حين أداء شعيرة الحج.
﴿ أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع والسجود ﴾أي وقلنا له : لا تشرك بي شيئا من خلقي في العبادة وطهر بيتي من الأوثان والأقذار لمن يطوف به ويصلي عنده.
﴿ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ( ٢٦ ) وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ( ٢٧ ) ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطمعوا البائس الفقير ( ٢٨ ) ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذرهم وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾[ الحج : ٢٦- ٢٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن كثيرا من مشركي قريش صدوا عن دين الله وعن دخول المسجد الحرام : أردف ذلك بتأنيبهم وتوبيخهم على ما يفعلون، فبين أنه ما كان ينبغي لهم ذلك، فإن أباهم إبراهيم الذي يفخرون به وينتسبون إليه هو الذي ابتناه وجعله مباءة للناس وأمر بتطهيره من الشرك للطائفين والمصلين، وأن ينادي في الناس ليأتوه من كل فج عميق، لما لهم في ذلك من منافع دينية ودنيوية، ويذكروا اسم الله في أيام النحر على ما آتاهم من بهيمة الأنعام، فاذكروه على ذلك، وكلوا منها، وأطعموا الفقراء والبائسين، فإذا قضيتم مناسككم فأزيلوا ما عليكم من الوسخ والقذر، فقلموا أظافركم وأزيلوا شعوركم، ثم وفوا ما عليكم من نذور كنتم قد نذرتموها من أعمال البر والخير، ثم طوفوا طواف الزيارة بالبيت العتيق، وبذلك تكونون قد أتممتم مناسك الحج.
تفسير المفردات :
و أذن : أي ناد بالحج : أي بالدعوة إليه. رجالا : أي مشاة. و الضامر : البعير الهزيل أتعبته كثرة الأسفار، ويطلق على الذكر و الأنثى. و الفج : الطريق. و العميق : البعيد.
الإيضاح :
﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ﴾أي وقلنا له : ناد الناس داعيا لهم إلى الحج وزيارة هذا البيت الذي أمرت ببنائه يأتوك مشاة على أرجلهم وركابا على ضوامر من الإبل من كل طريق بعيد.
﴿ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ( ٢٦ ) وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ( ٢٧ ) ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطمعوا البائس الفقير ( ٢٨ ) ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذرهم وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾[ الحج : ٢٦- ٢٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن كثيرا من مشركي قريش صدوا عن دين الله وعن دخول المسجد الحرام : أردف ذلك بتأنيبهم وتوبيخهم على ما يفعلون، فبين أنه ما كان ينبغي لهم ذلك، فإن أباهم إبراهيم الذي يفخرون به وينتسبون إليه هو الذي ابتناه وجعله مباءة للناس وأمر بتطهيره من الشرك للطائفين والمصلين، وأن ينادي في الناس ليأتوه من كل فج عميق، لما لهم في ذلك من منافع دينية ودنيوية، ويذكروا اسم الله في أيام النحر على ما آتاهم من بهيمة الأنعام، فاذكروه على ذلك، وكلوا منها، وأطعموا الفقراء والبائسين، فإذا قضيتم مناسككم فأزيلوا ما عليكم من الوسخ والقذر، فقلموا أظافركم وأزيلوا شعوركم، ثم وفوا ما عليكم من نذور كنتم قد نذرتموها من أعمال البر والخير، ثم طوفوا طواف الزيارة بالبيت العتيق، وبذلك تكونون قد أتممتم مناسك الحج.
تفسير المفردات :
ويذكروا اسم الله : أي يحمدوه ويشكروه. والأيام المعلومات : هي أيام النحر وهي ثلاثة أيام يوم العيد ويومان بعده. والمراد ببهيمة الأنعام : الإبل والبقر والضأن. و البائس : الذي أصابه البؤس والشدة.
الإيضاح :
ثم بين السبب في هذه الزيارة فقال :
﴿ ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ﴾أي يأتونك ليحضروا منافع لهم في الدنيا من تجارة رائجة وسلع نافقة، ومنافع في الآخرة بما يعملون من عمل يرضي ربهم، وبما يحمدونه على النعم التي تترى عليهم، وما رزقهم من الهدايا والبدن التي أهدوها النحر الثلاثة يوم العيد ويومين بعده.
﴿ فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ﴾أي فاذكروا اسم الله على ضحاياكم، وكلوا من لحومها، وأطعموا ذوي الحاجة الفقراء الذين مسهم الضر والبؤس.
﴿ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ( ٢٦ ) وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ( ٢٧ ) ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطمعوا البائس الفقير ( ٢٨ ) ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذرهم وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾[ الحج : ٢٦- ٢٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر أن كثيرا من مشركي قريش صدوا عن دين الله وعن دخول المسجد الحرام : أردف ذلك بتأنيبهم وتوبيخهم على ما يفعلون، فبين أنه ما كان ينبغي لهم ذلك، فإن أباهم إبراهيم الذي يفخرون به وينتسبون إليه هو الذي ابتناه وجعله مباءة للناس وأمر بتطهيره من الشرك للطائفين والمصلين، وأن ينادي في الناس ليأتوه من كل فج عميق، لما لهم في ذلك من منافع دينية ودنيوية، ويذكروا اسم الله في أيام النحر على ما آتاهم من بهيمة الأنعام، فاذكروه على ذلك، وكلوا منها، وأطعموا الفقراء والبائسين، فإذا قضيتم مناسككم فأزيلوا ما عليكم من الوسخ والقذر، فقلموا أظافركم وأزيلوا شعوركم، ثم وفوا ما عليكم من نذور كنتم قد نذرتموها من أعمال البر والخير، ثم طوفوا طواف الزيارة بالبيت العتيق، وبذلك تكونون قد أتممتم مناسك الحج.
تفسير المفردات :
وليقضوا : أي ليزيلوا. و التفث : الوسخ، ويراد هنا قص الشعور وتقليم الأظفار. والنذور : ما ينذر من أعمال في الحج. والعتيق : القديم لأنه أول بيت وضع للناس.
الإيضاح :
﴿ ثم ليقضوا نفثهم وليوفوا نذرهم وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾أي ثم ليزيلوا ما علق بهم من الأوساخ، فيحلقوا الشعر ويقلموا الأظفار ويأخذوا من الشوارب والعارضين، وليوفوا ما نذروه من أعمال البر وليطوفوا طواف الوداع بالبيت العتيق، إذ هم أقدم بيت للعبادة في حياة البشر.
﴿ ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ( ٣٠ ) حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق ( ٣١ ) ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ( ٣٢ ) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾[ الحج : ٣٠- ٣٣ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه أمر إبراهيم ببناء البيت وتطهيره من عبادة الأوثان والأصنام، وأن ينادي الناس ليحجوا هذا البيت الحرام مشاة وركوبا من كل فج عميق، لما لهم في ذلك من منافع دنيوية ودينية، وأن ينحروا البدن الهدايا ذاكرين اسم الله عليها في أيام معلومات، وأن يأكلوا منها ويطعموا البائس الفقير، وأن يقصوا شعورهم ويقلموا أظافرهم ثم ليطوفوا بهذا البيت العتيق، قفى على ذلك ببيان أن اجتناب المحرومات حال الإحرام خير عند الله مثوبة وأعظم أجرا، وأن ذبح الأنعام وأكلها حلال إلا ما حرم عليكم، وأنه يجب اجتناب عبادة الأوثان وترك شهادة الزور، وأن من يشرك بالله فقد هلك، وأن تعظيم شعائر الله علامة على أن القلوب مليئة بالتقوى والخوف من الله، وأن في هذه الهدايا منافع من الدر والصوف والنسل إلى أجل مسمى وهو أن تنحر ثم تؤكل ويتصدق بلحومها.
تفسير المفردات :
ذلك : أي الأمر هكذا، ويقع للفصل بين كلامين أو بين وجهي كلام واحد كقوله تعالى :﴿ هذا وإن للطاغين لشر مآب ﴾[ ص : ٥٥ ]. والحرمات : التكاليف الدينية من مناسك الحج وغيرها. و تعظيمها : العلم بوجوبها والعمل على موجب ذلك. و الزور : الكذب.
الإيضاح :
﴿ ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ﴾أي هذا الذي أمر به من قضاء التفث والوفاء بالنذور والطواف بالبيت هو الفرض الواجب عليكم أيها الناس في حجكم، ومن يجتنب ما أمر باجتنابه في حال إحرامه تعظيما منه لحدود الله أن يواقعها، وحرمه أن يستحلها، فهو خير له عند ربي في الآخرة، بما يناله من رضاه وجزيل ثوابه.
وعن ابن زيد : الحرمات المشعر الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام.
﴿ وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم ﴾أي وأحل لكم أيها الناس أن تأكلوا الأنعام إذا ذكيتموها، فلم يحرم عليكم بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حاميا إلا ما يتلى عليكم في كتاب الله، وهو الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به و المنخنقة و الموقوذة و المتردية و النطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب، فإن كل ذلك رجس.
﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور * حنفاء الله غير مشركين به ﴾أي فابتعدوا عن عبادة الأوثان، وطاعة الشيطان، فإن ذلك رجس، واتقوا قول الكذب والفرية على الله كقولكم في الآلهة :﴿ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ﴾[ الزمر : ٣ ] وقولكم : الملائكة بنات الله، ونحو هذا من القول، فإن ذلك كذب وزور وشرك بالله.
﴿ ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ( ٣٠ ) حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق ( ٣١ ) ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ( ٣٢ ) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾[ الحج : ٣٠- ٣٣ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه أمر إبراهيم ببناء البيت وتطهيره من عبادة الأوثان والأصنام، وأن ينادي الناس ليحجوا هذا البيت الحرام مشاة وركوبا من كل فج عميق، لما لهم في ذلك من منافع دنيوية ودينية، وأن ينحروا البدن الهدايا ذاكرين اسم الله عليها في أيام معلومات، وأن يأكلوا منها ويطعموا البائس الفقير، وأن يقصوا شعورهم ويقلموا أظافرهم ثم ليطوفوا بهذا البيت العتيق، قفى على ذلك ببيان أن اجتناب المحرومات حال الإحرام خير عند الله مثوبة وأعظم أجرا، وأن ذبح الأنعام وأكلها حلال إلا ما حرم عليكم، وأنه يجب اجتناب عبادة الأوثان وترك شهادة الزور، وأن من يشرك بالله فقد هلك، وأن تعظيم شعائر الله علامة على أن القلوب مليئة بالتقوى والخوف من الله، وأن في هذه الهدايا منافع من الدر والصوف والنسل إلى أجل مسمى وهو أن تنحر ثم تؤكل ويتصدق بلحومها.
تفسير المفردات :
و حنفاء واحدهم حنيف : وهو المائل عن كل دين زائغ إلى الدين الحق. وخر : سقط. و الخطف : الاختلاس بسرعة. تهوي أي تسقط. سحيق : أي بعيد. والشعائر واحدها شعيرة : وهي الاختلاس بسرعة. تهوي : أي تسقط. سحيق : أي بعيد.
الإيضاح :
وقوله :﴿ حنفاء لله غير مشركين به ﴾ : أي تمسكوا بهذه الأمور على وجه العبادة لله وحده دون إشراك أحد سواه معه.
﴿ ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ﴾ أي إن من أشرك مع الله سواه فقد أهلك نفسه هلاكا ليس وراءه هلاك، وكانت حاله أشبه بحال من سقط من السماء فتخطفته الطير ففرقت أجزاءه في حواصلها إربا إربا، أو عصفت به الريح فهوت به في المهاوي البعيدة التي لا رجعة له منها.
﴿ ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ( ٣٠ ) حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق ( ٣١ ) ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ( ٣٢ ) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾[ الحج : ٣٠- ٣٣ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه أمر إبراهيم ببناء البيت وتطهيره من عبادة الأوثان والأصنام، وأن ينادي الناس ليحجوا هذا البيت الحرام مشاة وركوبا من كل فج عميق، لما لهم في ذلك من منافع دنيوية ودينية، وأن ينحروا البدن الهدايا ذاكرين اسم الله عليها في أيام معلومات، وأن يأكلوا منها ويطعموا البائس الفقير، وأن يقصوا شعورهم ويقلموا أظافرهم ثم ليطوفوا بهذا البيت العتيق، قفى على ذلك ببيان أن اجتناب المحرومات حال الإحرام خير عند الله مثوبة وأعظم أجرا، وأن ذبح الأنعام وأكلها حلال إلا ما حرم عليكم، وأنه يجب اجتناب عبادة الأوثان وترك شهادة الزور، وأن من يشرك بالله فقد هلك، وأن تعظيم شعائر الله علامة على أن القلوب مليئة بالتقوى والخوف من الله، وأن في هذه الهدايا منافع من الدر والصوف والنسل إلى أجل مسمى وهو أن تنحر ثم تؤكل ويتصدق بلحومها.
تفسير المفردات :
و تعظيمها : أن تختار حسانا سمانا غالية الأثمان.
الإيضاح :
﴿ ذلك ﴾أي امتثلوا ذلك واحفظوه، ولا تتهاونوا في الحرص عليه والسير على نهجه.
﴿ ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ﴾أي ومن يعظم البدن التي يهديها للحرم، بأن يختارها عظيمة الأجسام سمينة غير هزيلة غالية الثمن ويترك المكاس حين شرائها فقد اتقى الله حقا، فإن تعظيمها باب من أبواب التقوى، بل هو من أعظم أبوابها.
روي أن النبي ( ص ) أهدى مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل في أذنه برة – حلق - من ذهب، وأن عمر أهدى نجيبة – ناقة – طلبت منه بثلاثمائة دينار، وقد سأل رسول الله أن يبيعها ويشتري بثمنها بهما فنهاه عن ذلك وقال :" بل أهدها "، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسوق البدن مجللة بالقباطي – ثياب مصرية غالية الثمن – فيتصدق بلحومها وبجلالها.
﴿ ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ( ٣٠ ) حنفاء لله غير مشركين به ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق ( ٣١ ) ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ( ٣٢ ) لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾[ الحج : ٣٠- ٣٣ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه أمر إبراهيم ببناء البيت وتطهيره من عبادة الأوثان والأصنام، وأن ينادي الناس ليحجوا هذا البيت الحرام مشاة وركوبا من كل فج عميق، لما لهم في ذلك من منافع دنيوية ودينية، وأن ينحروا البدن الهدايا ذاكرين اسم الله عليها في أيام معلومات، وأن يأكلوا منها ويطعموا البائس الفقير، وأن يقصوا شعورهم ويقلموا أظافرهم ثم ليطوفوا بهذا البيت العتيق، قفى على ذلك ببيان أن اجتناب المحرومات حال الإحرام خير عند الله مثوبة وأعظم أجرا، وأن ذبح الأنعام وأكلها حلال إلا ما حرم عليكم، وأنه يجب اجتناب عبادة الأوثان وترك شهادة الزور، وأن من يشرك بالله فقد هلك، وأن تعظيم شعائر الله علامة على أن القلوب مليئة بالتقوى والخوف من الله، وأن في هذه الهدايا منافع من الدر والصوف والنسل إلى أجل مسمى وهو أن تنحر ثم تؤكل ويتصدق بلحومها.
تفسير المفردات :
و الأجل المسمى : هو أن تنحر وتذبح، ومحلها مكان نحرها. والمراد بالبيت العتيق : ما يليه ويقرب منه وهو الحرم.
الإيضاح :
﴿ لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ﴾أي لكم في تلك الهدايا منافع كركوبها حين الحاجة وشرب ألبانها حين الضرورة إلى أن تنحر ويؤكل منها ويتصدق بلحومها.
﴿ ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾أي ثم مكان حل نحرها عند البيت العتيق أي عند الحرم جميعه، إذ الحرم كله في حكم البيت الحرام.
أخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن جرير والطبري وغيرهم عن ابن الزبير فقال : قال رسول الله ( ص ) :" إنما سماه الله البيت العتيق، لأنه أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط " وإلى هذا ذهب قتادة، وقد قصده تبع ليهدمه، فأصابه الفالج فأشير عليه أن يكف عنه، وقيل له إن ربا يمنعه، فتركه وكساه، وهو أول من كساه، وقصده أبرهة فأصابه ما أصابه.
﴿ ولكل أمة جعلنا منكسا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين ( ٣٤ ) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ﴾[ الحج : ٣٤- ٣٥ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن تعظيم الشعائر من أعظم دعائم التقوى، وأن محل نحرها هو البيت العتيق، قفى على ذلك ببيان أن الذبح وإراقة الدماء على وجه التقرب إليه تعالى ليس بخاص بهذه الأمة، بل لكل أمة مناسك وذبائح تذكر الله حين ذبحها والشكر له على توفيقه لإقامة هذه الشعائر، فالإله واحد والتكاليف تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والمصالح، وبعدئذ أمر رسوله أن يبشر المتواضعين الخاشعين لله الذين يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقناهم بجنات تجري من تحتها الأنهار.
تفسير المفردات :
المنسك :( بكسر السين وفتحها ) والنسك في الأصل : العبادة مطلقا، وشاع استعماله في أعمال الحج، والمراد به هنا الذبح وإراقة الدماء على وجه التقرب إليه تعالى، أسلموا : أي انقادوا له. المخبتين : أي المتواضعين الخاشعين، من أخبت الرجل : إذا سار في الخبت وهو المطمئن من الأرض.
الإيضاح :
﴿ ولكل أمة جعلنا منسكا ﴾أي جعلنا لأهل كل دين من الأديان التي سلفت من قبلكم ذبحا يذبحونه، ودما يريقونه على وجه التقرب لله، وليس ذلك خاصا بقوم دون آخرين.
ثم بين السبب في ذلك فقال :
﴿ ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ﴾أي وإنما شرعنا لهم ذلك كي يذكروا الله حين ذبحها، ويشكروه على ما أنعم به عليهم، إذ هو المقصود الأهم.
وفي الصحيحين عن أنس قال : أتي رسول الله ( ص ) بكبشين أملحين – فيهما بياض يخالطه سواد – أقرنين فسمى وكبر ووضع رجله في صفاحهما. و روى أحمد عن زيد بن أرقم قال : قلت يا رسول الله ما هذه الأضاحي ؟ قال :" سنة أبيكم إبراهيم " قالوا : ما لنا منها ؟ " قال :" بكل شعرة حسنة " قالوا : فالصوف ؟ قال :" بكل شعرة من الصوف حسنة ".
ثم أخبر سبحانه بتفرده بالألوهية وأنه لا شريك له فقال :
﴿ فإلهكم إله واحد فله أسلموا ﴾أي فإن معبودكم واحد وإن اختلفت العبادات بحسب الأزمنة والأمكنة ونسخ بعضها بعضا، فما المقصد منها جميعا لا عبادة الله وحده لا شريك له كما قال :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾[ الأنبياء : ٢٥ ] فاخلصوا له العمل واستسلموا لحكمه وانقادوا له في جميع ما كلفكم به.
﴿ وبشر المخبتين ﴾أي وبشر أيها الرسول الخاضعين لله بالطاعة، المذعنين له بالعبودية، المنيبين إليه بالتوبة، بما أعد لهم من جزيل ثوابه، وجليل عطائه.
﴿ ولكل أمة جعلنا منكسا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين ( ٣٤ ) الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ﴾[ الحج : ٣٤- ٣٥ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أن تعظيم الشعائر من أعظم دعائم التقوى، وأن محل نحرها هو البيت العتيق، قفى على ذلك ببيان أن الذبح وإراقة الدماء على وجه التقرب إليه تعالى ليس بخاص بهذه الأمة، بل لكل أمة مناسك وذبائح تذكر الله حين ذبحها والشكر له على توفيقه لإقامة هذه الشعائر، فالإله واحد والتكاليف تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والمصالح، وبعدئذ أمر رسوله أن يبشر المتواضعين الخاشعين لله الذين يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقناهم بجنات تجري من تحتها الأنهار.
تفسير المفردات :
وجلت : أي خافت.
الإيضاح :
ثم بين سبحانه علاماتهم فقال :
( ١ )﴿ الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ﴾أي إنهم إذا ذكر الله عرتهم رهبة من خشيته، وخوف من عقابه.
( ٢ )﴿ والصابرين على ما أصابهم ﴾ من النوائب والمحن في طاعة الله.
( ٣ )﴿ والمقيمي الصلاة ﴾أي والمؤدين حقه تعالى فيما أوجبه عليهم من فريضة الصلاة في الأوقات التي حددها لهم.
( ٤ )﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾أي وينفقون بعض ما آتاهم الله من طيب الرزق في وجوه البر وعلى أهليهم وأقاربهم وعلى الخلق كافة، ومن ذلك إهداء الهدايا التي يغالون في أثمانها.
﴿ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ( ٣٦ ) لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين ﴾[ الحج : ٣٦- ٣٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن حث سبحانه على التقرب بالأنعام كلها، وبين أن ذلك من تقوى القلوب، خص من بينها الإبل، لأنها أعظمها خلقا، وأكثرها نفعا، وأنفسها قيمة.
تفسير المفردات :
البدن : واحدها بدنة، وهي الناقة أو البقرة التي تنحر بمكة، وتطلق على الذكر والأنثى. وشعائر الله : أعلام دينه شرعها لعباده. صواف : أي قائمات قد صفت أيديهن وأرجلهن، واحدها صافة. وجبت جنوبها : أي سقطت جنوبها على الأرض ويراد بذلك زهقت أرواحها وفقدت الحركة. القانع : أي الراضي بما عنده وبما يعطي من غير مسألة، قال لبيد :
فمنهم سعيد آخذ بنصيبه ومنهم شقي بالمعيشة قانع
و المعتر : أي المتعرض للسؤال.
الإيضاح :
﴿ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله ﴾امتن سبحانه على عباده بأن خلق لهم البدن وجعلها من شعائره، فتهدى إلى بيته الحرام، بل جعلها أفضل ما يهدى إليه.
وإطلاق البدنة على البعير والبقرة هو قول معظم أئمة اللغة وهو مذهب أبي حنيفة وقول عطاء وسعيد بن المسيب من التابعين، وروي عن بعض الصحابة فقد أثر عن ابن عمر رضي الله عنهما : لا تعلم البدن إلا من الإبل والبقر.
وتجزئ البدنة عن سبعة لما رواه أبو داود عن جابر قال : قال رسول الله ( ص ) :" البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة ".
﴿ ولكم فيها خير ﴾أي لكم فيها نفع في الدنيا كالركوب واللبن، وأجر في الآخرة بنحرها والتصدق بها.
﴿ فاذكروا اسم الله عليها صواف ﴾أي فاذكروا اسم الله على البدن حين نحركم إياها قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن، وقولوا : بسم الله والله أكبر، و اللهم منك وإليك.
﴿ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع و المعتر ﴾أي فإذا سقطت وزهقت أرواحها ولم ببق لها حركة، فكلوا منها وأطعموا القانع المستغني بما تعطونه وهو في بيته بلا مسألة، و المعتر الذي يتعرض لكم، ويأتي إليكم لتطعموه من لحمها.
و خلاصة ذلك : كلوا وأطعموا.
﴿ كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ﴾أي هكذا سخرنا البدن لكم مع عظم أجرامها وكمال قوتها، فلا تستعصي عليكم، بل تأتي إليكم منقادة فتعقلونها وتحبسونها صافة قوائمها ثم تطعنونها في لباتها، لتشكروا إنعامنا عليكم بالتقرب والإخلاص في أعمالكم.
﴿ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ( ٣٦ ) لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين ﴾[ الحج : ٣٦- ٣٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن حث سبحانه على التقرب بالأنعام كلها، وبين أن ذلك من تقوى القلوب، خص من بينها الإبل، لأنها أعظمها خلقا، وأكثرها نفعا، وأنفسها قيمة.
تفسير المفردات :
المحسنين : أي المخلصين في كل ما يأتون وما يذرون في أمور دينهم.
الإيضاح :
ولما حث سبحانه على التقرب بها مذكورا اسمه عليها بين السبب فقال :
﴿ لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ﴾أي لن ينال رضا الله اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المهراقة بالنحر، ولكن ترفع إليه الأعمال الصالحة فيها بإرادة وجهه تعالى فحسب.
والخلاصة : لن يرضي المضحون ربهم إلا إذا أحسنوا النية وأخلصوا له في أعمالهم، فإذا لم يراعوا ذلك لم تغن عنهم التضحية والتقرب بها شيئا وإن كثر ذلك، فقد جاء في الصحيح :" إن الله لا ينظر إلى صدوركم و لا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ".
ثم كرر سبحانه على عظم تسخيرها، لافتا أنظارهم إلى ما أوجب عليهم بقوله :
﴿ كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ﴾أي هكذا سخرها لكم، لتشكروه على هدايته إياكم لمعالم دينه، ومناسك حجه، فتقولوا : الله أكبر على ما هدانا ولله الحمد على ما أولانا.
ثم وعد من امتثل بقوله :
﴿ وبشر المحسنين ﴾أي وبشر أيها الرسول الذين أطاعوا الله فأحسنوا في طاعتهم إياه في الدنيا بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين.
﴿ * إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ( ٣٨ ) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ( ٣٩ ) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ( ٤٠ ) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ﴾[ الحج : ٣٨- ٤١ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه صد المشركين عن دين الله وعن المسجد الحرام، ثم أردفه ذكر مناسك الحج، وبين ما فيها من منافع في الدين و الدنيا، قفى على ذلك ببيان ما يزيل الصد عنه ويؤمن معه من التمكن من أداء تلك الفريضة على أتم الوجوه.
الإيضاح :
﴿ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ﴾ أي إن الله يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الأشرار وكيد الفجار، ويكلؤهم وينصرهم على أعدائهم ويكتب لهم الفلج عليهم والظفر بهم كما قال :﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ﴾[ غافر : ٥١ ].
ثم ذكر السبب في وعيدهم بقوله :
﴿ إن الله لا يحب كل خوان كفور ﴾أي إنما دفعهم وقهرهم، لأنهم خانوا أمانة الله وهي أوامره ونواهيه، وكفروا أنعمه التي يسديها إليهم بكرة وعشيا، وعبدوا غيره مما لا يضر ولا ينفع. وفي هذا إيماء إلى أن المؤمنين هم أحباء الله.
﴿ * إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ( ٣٨ ) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ( ٣٩ ) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ( ٤٠ ) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ﴾[ الحج : ٣٨- ٤١ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه صد المشركين عن دين الله وعن المسجد الحرام، ثم أردفه ذكر مناسك الحج، وبين ما فيها من منافع في الدين و الدنيا، قفى على ذلك ببيان ما يزيل الصد عنه ويؤمن معه من التمكن من أداء تلك الفريضة على أتم الوجوه.
تفسير المفردات :
أذن : أي رخص.
الإيضاح :
﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ﴾أي رخص للمؤمنين، وأبيح لهم أن يقاتلوا المشركين لظلمهم إياهم، فقد كانوا يؤذون أصحاب النبي ( ص ) أذى شديدا فيأتون إليه بين مضروب ومشجوج في رأسه ويتظلمون إليه فيقول لهم صبرا صبرا، فإني لم أوذن بالقتال حتى هاجر، وأنزل الله هذه الآية، وهي أول آية نزلت بالإذن بالقتال بعد ما نهي عنه في نيف وسبعين آية كما رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس.
ثم وعدهم بالنصر ودفع أذى المشركين عنهم فقال :
﴿ إن الله على نصرهم لقدير ﴾أي وإن الله على نصر المؤمنين الذين يقاتلون في سبيله لقادر، وقد فعل فأعزهم ورفعهم، وأهلك عدوهم وأذلهم بأيديهم.
وفي هذا الأسلوب مبالغة عظيمة زيادة في توطين عزائم المؤمنين وتثبيتهم على الجهاد في سبيله.
وبمعنى الآية قوله :﴿ فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداءا حتى تضع الحرب أوزارها ﴾[ محمد : ٤ ] وقوله :﴿ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشق صدور قوم مؤمنين ( ١٤ ) ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم ﴾[ التوبة : ١٤- ١٥ ] وقوله :﴿ أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ﴾[ آل عمران : ١٤٢ ].
وإنما شرع الجهاد بعد الهجرة إلى المدينة، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر من المؤمنين عددا، حتى خرجوا النبي ( ص ) من بين أظهرهم وهموا بقتله وشردوا أصحابه، فذهبت طائفة منهم إلى الحبشة وذهب آخرون إلة المدينة، فلما استقروا بالمدينة وأتاهم رسول الله ( ص ) واجتمعوا إليه وقاموا بنصره وصارت المدينة لهم دار إسلام ومعقلا يلجؤون إليه شرع الجهاد ونزلت الآية مرخصة فيه.
روى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس أنه قال : لما أخرج النبي( ص ) من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون. ليهلكن القوم. فأنزل الله :﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ قال أبو بكر : فعرفت أنه سيكون قتال.
﴿ * إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ( ٣٨ ) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ( ٣٩ ) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ( ٤٠ ) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ﴾[ الحج : ٣٨- ٤١ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه صد المشركين عن دين الله وعن المسجد الحرام، ثم أردفه ذكر مناسك الحج، وبين ما فيها من منافع في الدين و الدنيا، قفى على ذلك ببيان ما يزيل الصد عنه ويؤمن معه من التمكن من أداء تلك الفريضة على أتم الوجوه.
تفسير المفردات :
الصوامع : واحدها صومعة، وهي معبد الرهبان في الصحراء – الدير – والبيع : واحده بيعة وهي معبد النصارى. والصلوات : واحدها صلاة معرب صلوثا بالعربية معبد اليهود. ومساجد : واحدها مسجد، وهو معبد المسلمين.
الإيضاح :
ثم وصف سبحانه هؤلاء المؤمنين بقوله :
﴿ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ﴾أي أولئك المظلومون هم الذين أخرجهم المشركون من مكة إلى المدينة وعذبوا بعضهم وسبوا بعضا آخر، وما كان لهم من إساءة إليهم ولا ذنب جنوه إلا أنهم عبدوا الله وحده لا شريك له.
ونحو الآية قوله :﴿ يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ﴾[ الممتحنة : ١ ] وقوله في قصة أصحاب الأخدود :﴿ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ﴾[ البروج : ٨ ].
ولما كان المسلمون ينشدون حين بناء الخندق :
لا هم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى بغوا علينا *** إذا أرادوا فتنة أبينا
كان رسول الله يوافقهم معهم آخر كل قافية، فإذا قالوا : إذا أرادوا فتنة أبينا يقول أبينا ويمد بها صوته.
ثم حرض المؤمنين على القتال، وبين أنه أجرى العادة به في الأمم الماضية، لينتظم أمر الجماعات، وتقوم الشرائع، وتصان بيوت العبادة من الهدم فقال :
﴿ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ﴾أي فليقاتل المؤمنين الكافرين، فلولا القتال وتسليط المؤمنين على المشركين في كل عصر وزمان لهدمت في شريعة كل نبي معابد أمته، فهدمت صوامع الرهبان وبيع النصارى وصلوات اليهود ومساجد المسلمين التي يذكرون فيها اسم الله كثيرا.
وفي هذا ترق وانتقال من الأقل إلى الأكثر حتى انتهى إلى المساجد وهي أكثر عمارا وأكثر عبادا وهم ذوو القصد الصحيح.
والخلاصة : إنه لولا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء، وإقامة حدود الأديان، لاستولى أهل الشرك على مواضع العبادة وهدموها، وقد يكون المراد لولا هذا الدفع لهدمت في زمن موسى الكنائس، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع، وفي زمن محمد ( ص ) المساجد.
﴿ ولينصرن الله من ينصره ﴾ أي و ليعينن الله من يقاتل في سبيله، لتكون كلمته العليا وتكون كلمة عدو دينه السفلى، ولقد أنجز الله وعده. وسلط المهاجرين والأنصار على صناديد قريش وأكاسرة العجم وقياصرة الروم وأورثهم أرضهم وديارهم.
ونحو الآية قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ( ٧ ) والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ﴾[ محمد : ٧- ٨ ].
﴿ إن الله لقوي عزيز ﴾أي إن اله لقوي على نصر من جاهد في سبيله من أهل طاعته، منيع في سلطانه، لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب.
و نحو الآية قوله :﴿ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ﴾[ المجادلة : ٢١ ]. وقوله :﴿ لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ( ١٧١ ) إنهم لهم المنصورون ( ١٧٢ ) وإن جندنا لهم الغالبون ﴾[ الصافات : ١٧١-١٧٢ ].
﴿ * إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ( ٣٨ ) أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ( ٣٩ ) الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ( ٤٠ ) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ﴾[ الحج : ٣٨- ٤١ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر عز اسمه صد المشركين عن دين الله وعن المسجد الحرام، ثم أردفه ذكر مناسك الحج، وبين ما فيها من منافع في الدين و الدنيا، قفى على ذلك ببيان ما يزيل الصد عنه ويؤمن معه من التمكن من أداء تلك الفريضة على أتم الوجوه.
الإيضاح :
ثم وصف الله الذين أخرجوا من ديارهم بقوله :
﴿ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ﴾أي هؤلاء الذين أخرجوا من ديارهم هم الذين إن مكنا لهم في البلاد، فقهروا المشركين وغلبوهم عليها أطاعوا الله، فأقاموا الصلاة على النحو الذي طلبه، و أعطوا الزكاة أموالهم التي حباها لهم، ودعوا الناس إلى توحيده، والعمل بطاعته، و أمروا بما حثت عليه الشريعة، ونهوا عن الشرك و اجتراح السيئات.
وخلاصة ذلك : إنهم هم الذين كملوا أنفسهم باستحضار المعبود والتوجه إليه في الصلاة على قدر الطاقة، وكانوا عونا لأممهم بإعانة فقرائهم وذوي الحاجة منهم وكملوا غيرهم، فأفاضوا عليهم من علومهم وآدابهم، ومنعوا المفاسد التي تعوق غيرهم عن الوصول إلى الرقي الخلقي والأدب السامي.
ثم وعد بإعلاء كلمته ونصر أوليائه فقال :
﴿ ولله عاقبة الأمور ﴾أي ولله آخر الأمور و مصايرها، في الثواب عليها أو العقاب في الدار الآخرة.
ونحو الآية قوله :﴿ والعاقبة للمتقين ﴾[ الأعراف : ١٢٨ ].
﴿ وإن يكذبونك فقد كذبت قبلهم نوح وعاد وثمود ( ٤٢ ) وقوم إبراهيم وقوم لوط ( ٤٣ ) وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ( ٤٤ ) فكأن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ( ٤٥ ) أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾[ الحج : ٤٢- ٤٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيها سلف أن المشركين أخرجوا المؤمنين من ديارهم بغير حق، وأنه أذن لهم في مقاتلتهم، وضمن لهم النصرة عليهم، أردف هذا تسلية الرسول ( ص ) على ما يرى من قومه، وتصبيره على أذاهم وتكذيبهم إياه، فأبان له أن هذا التكذيب ليس بدعا في الأمم، فكثير منها قد كذبت رسلها فحل بها من البوار ما فيه عبرة لمن اعتبر وتذكر، مما يشهدونه رأي العين في حلهم وترحالهم، وفي غدوهم ورواحهم، فلا تحزن على ما ترى، واصبر فإن العاقبة للمتقين.
الإيضاح :
﴿ وإن يكذبونك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود * وقوم إبراهيم وقوم لوط * وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ﴾أي فإن يكذبك هؤلاء المشركون بالله على ما أتيتهم به من الحق وما تعدهم به من العذاب على كفرهم به، فلست بأوحدي في ذلك، فتلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذبة لرسلها، وذلك منهاج من قبلهم، فلا يصدنك ذلك فإن العذاب من ورائهم، ونصري إياك وأتباعك آت لا محالة، كما أتى عذابي على أسلافهم من الأمم من قبلهم بعد الإمهال، فقد أمهلت أهل الكفر من هذه الأمم فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب ثم أحللت بهم عقابي بعدئذ، فانظر أيها الرسول كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة، وتنكري لهم عما كانت عليه من الإحسان إليهم، ألم أبدلهم بالكثرة قلة، وبالحياة موتا وهلاكا، وبالعمارة خرابا، فكذلك سأفعل بمكذبيك من قريش وإن أمليت لهم إلى آجالهم، فإني منجزك وعدي فيهم كما أنجزت غيرك من رسلي وعدي في أممهم فأهلكتهم وأنجيت رسلي من بين أظهرهم.
ونحو الآية قوله :﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخد القرى وهي ظالمة غن أخذه أليم شديد ﴾[ هود ١٠٢ ]. ***
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:﴿ وإن يكذبونك فقد كذبت قبلهم نوح وعاد وثمود ( ٤٢ ) وقوم إبراهيم وقوم لوط ( ٤٣ ) وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ( ٤٤ ) فكأن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ( ٤٥ ) أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾[ الحج : ٤٢- ٤٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيها سلف أن المشركين أخرجوا المؤمنين من ديارهم بغير حق، وأنه أذن لهم في مقاتلتهم، وضمن لهم النصرة عليهم، أردف هذا تسلية الرسول ( ص ) على ما يرى من قومه، وتصبيره على أذاهم وتكذيبهم إياه، فأبان له أن هذا التكذيب ليس بدعا في الأمم، فكثير منها قد كذبت رسلها فحل بها من البوار ما فيه عبرة لمن اعتبر وتذكر، مما يشهدونه رأي العين في حلهم وترحالهم، وفي غدوهم ورواحهم، فلا تحزن على ما ترى، واصبر فإن العاقبة للمتقين.

الإيضاح :

﴿ وإن يكذبونك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود * وقوم إبراهيم وقوم لوط * وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ﴾أي فإن يكذبك هؤلاء المشركون بالله على ما أتيتهم به من الحق وما تعدهم به من العذاب على كفرهم به، فلست بأوحدي في ذلك، فتلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذبة لرسلها، وذلك منهاج من قبلهم، فلا يصدنك ذلك فإن العذاب من ورائهم، ونصري إياك وأتباعك آت لا محالة، كما أتى عذابي على أسلافهم من الأمم من قبلهم بعد الإمهال، فقد أمهلت أهل الكفر من هذه الأمم فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب ثم أحللت بهم عقابي بعدئذ، فانظر أيها الرسول كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة، وتنكري لهم عما كانت عليه من الإحسان إليهم، ألم أبدلهم بالكثرة قلة، وبالحياة موتا وهلاكا، وبالعمارة خرابا، فكذلك سأفعل بمكذبيك من قريش وإن أمليت لهم إلى آجالهم، فإني منجزك وعدي فيهم كما أنجزت غيرك من رسلي وعدي في أممهم فأهلكتهم وأنجيت رسلي من بين أظهرهم.
ونحو الآية قوله :﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخد القرى وهي ظالمة غن أخذه أليم شديد ﴾[ هود ١٠٢ ]. ***

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٢:﴿ وإن يكذبونك فقد كذبت قبلهم نوح وعاد وثمود ( ٤٢ ) وقوم إبراهيم وقوم لوط ( ٤٣ ) وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ( ٤٤ ) فكأن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ( ٤٥ ) أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾[ الحج : ٤٢- ٤٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيها سلف أن المشركين أخرجوا المؤمنين من ديارهم بغير حق، وأنه أذن لهم في مقاتلتهم، وضمن لهم النصرة عليهم، أردف هذا تسلية الرسول ( ص ) على ما يرى من قومه، وتصبيره على أذاهم وتكذيبهم إياه، فأبان له أن هذا التكذيب ليس بدعا في الأمم، فكثير منها قد كذبت رسلها فحل بها من البوار ما فيه عبرة لمن اعتبر وتذكر، مما يشهدونه رأي العين في حلهم وترحالهم، وفي غدوهم ورواحهم، فلا تحزن على ما ترى، واصبر فإن العاقبة للمتقين.

الإيضاح :

﴿ وإن يكذبونك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود * وقوم إبراهيم وقوم لوط * وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ﴾أي فإن يكذبك هؤلاء المشركون بالله على ما أتيتهم به من الحق وما تعدهم به من العذاب على كفرهم به، فلست بأوحدي في ذلك، فتلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية المكذبة لرسلها، وذلك منهاج من قبلهم، فلا يصدنك ذلك فإن العذاب من ورائهم، ونصري إياك وأتباعك آت لا محالة، كما أتى عذابي على أسلافهم من الأمم من قبلهم بعد الإمهال، فقد أمهلت أهل الكفر من هذه الأمم فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب ثم أحللت بهم عقابي بعدئذ، فانظر أيها الرسول كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة، وتنكري لهم عما كانت عليه من الإحسان إليهم، ألم أبدلهم بالكثرة قلة، وبالحياة موتا وهلاكا، وبالعمارة خرابا، فكذلك سأفعل بمكذبيك من قريش وإن أمليت لهم إلى آجالهم، فإني منجزك وعدي فيهم كما أنجزت غيرك من رسلي وعدي في أممهم فأهلكتهم وأنجيت رسلي من بين أظهرهم.
ونحو الآية قوله :﴿ وكذلك أخذ ربك إذا أخد القرى وهي ظالمة غن أخذه أليم شديد ﴾[ هود ١٠٢ ]. ***


تفسير المفردات :
أمليت : أي أمهلت. أخذتهم : أي أهلكتهم. فكيف : استفهام يراد به التعجب، والنكير والإنكار على الشيء : أن تفعل فعلا به يزجر المنكر عليه على ما فعل.
﴿ وإن يكذبونك فقد كذبت قبلهم نوح وعاد وثمود ( ٤٢ ) وقوم إبراهيم وقوم لوط ( ٤٣ ) وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ( ٤٤ ) فكأن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ( ٤٥ ) أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾[ الحج : ٤٢- ٤٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيها سلف أن المشركين أخرجوا المؤمنين من ديارهم بغير حق، وأنه أذن لهم في مقاتلتهم، وضمن لهم النصرة عليهم، أردف هذا تسلية الرسول ( ص ) على ما يرى من قومه، وتصبيره على أذاهم وتكذيبهم إياه، فأبان له أن هذا التكذيب ليس بدعا في الأمم، فكثير منها قد كذبت رسلها فحل بها من البوار ما فيه عبرة لمن اعتبر وتذكر، مما يشهدونه رأي العين في حلهم وترحالهم، وفي غدوهم ورواحهم، فلا تحزن على ما ترى، واصبر فإن العاقبة للمتقين.
تفسير المفردات :
خاوية : ساقطة. وعروشها : أي سقوفها. معطلة : أي عطلت من منافعها. مشيد : أي مبني بالشيد، وهو الجص، الجير.
الإيضاح :
﴿ فكأين من قرية أهلكناها فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ﴾أي فكثير من القرى أهلكناها، إذ كان أهلها يعبدون غير من ينبغي أن يعبد، ويعصون من لا ينبغي أن يعصى فخوت من مكانها وتساقطت على عروشها، أي سقطت حيطانها فوق سقوفها، وكم من بئر عطلناها بإفناء أهلها وهلاك وارديها، فلا واردة لها و لا صادرة منها، و كم من قصر شيد بالصخور و الجص قد خلا من سكانه، بما أذقنا أهله بسوء أفعالهم، فبادوا وبقيت القصور المشيدة خالية منهم، قال قتادة : شيدوه وحصنوه، فهلكوا وتركوه.
﴿ وإن يكذبونك فقد كذبت قبلهم نوح وعاد وثمود ( ٤٢ ) وقوم إبراهيم وقوم لوط ( ٤٣ ) وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ( ٤٤ ) فكأن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ( ٤٥ ) أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾[ الحج : ٤٢- ٤٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن بين سبحانه فيها سلف أن المشركين أخرجوا المؤمنين من ديارهم بغير حق، وأنه أذن لهم في مقاتلتهم، وضمن لهم النصرة عليهم، أردف هذا تسلية الرسول ( ص ) على ما يرى من قومه، وتصبيره على أذاهم وتكذيبهم إياه، فأبان له أن هذا التكذيب ليس بدعا في الأمم، فكثير منها قد كذبت رسلها فحل بها من البوار ما فيه عبرة لمن اعتبر وتذكر، مما يشهدونه رأي العين في حلهم وترحالهم، وفي غدوهم ورواحهم، فلا تحزن على ما ترى، واصبر فإن العاقبة للمتقين.
الإيضاح :
ثم أكد لهم صدق وعيده، وأحالهم على ما يشاهدون بكرة وعشيا فقال :
﴿ أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذن يسمعون بها ﴾أي أفلم يسر هؤلاء المكذبون بآيات الله الجاحدون لقدرته في البلاد فينظروا إلى مصارع ضربائهم من مكذبي رسل الله الذين خلوا من قبلهم كعاد وثمود وقوم لوط وشعيب، ويروا أوطانهم ومساكنهم، ويسمعوا بآذانهم أخبارهم، فيتفكروا ويعتبروا بها، ويعلموا أمرها وأمر أهلها، وكيف نابتهم النوائب، وغالتهم غوائل الدهر ؟ فيكون في ذلك معتبر لهم لو أرادوا، فينيبوا إلى ربهم، ويعقلوا حججه التي بثها في الآفاق.
ثم أظهر اليأس من إيمانهم، لأن القلوب قد عميت، قلا تبصر الدلائل الكونية، ولا البراهين العقلية فقال :
﴿ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ﴾أي إن أبصارهم وإن كانت سالمة لا عمى بها فقد أصابهم عمى القلوب، والعمدة على الثاني لا على الأول، فعمى الأبصار ليس بشيء إذا قيس بعمى القلوب والبصائر.
وفي هذا تهويل أيما تهويل، وفي وصف القلوب بكونها في الصدور فضل توكيد كما جاء في قوله تعالى :﴿ يقولون بأفواههم ﴾[ أل عمران : ١٢٧ ] فقد تعورف أن مكان العمى هو البصر بأن تصاب الحدقة بما يطمس نورها، فحين أريد إثبات ما هو خلاف الأصل بنسبته إلى القلوب ونفيه عن الأبصار احتيج إلى زيادة تعيين وفضل تعريف، ليتقرر أن مكان العمى هو القلوب لا الأبصار، وهذا على سنن قولهم : ليس المضاء للسيف ولكن للسان – الذي بين فكيك – فكأنهم قالوا ما نفينا المضاء عن السيف وأثبتناه للسان فلتة وسهوا، بل تعمدنا ذلك تعمدا.
﴿ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( ٤٧ ) وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها إلي مصير ( ٤٨ ) قل ياأيها الناس إنما أنا لكم ندير مبين ( ٤٩ ) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ( ٥٠ ) والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ﴾[ الحج : ٤٧- ٥١ ].
المعنى الجملي : لما ذكر سبحانه أن المشركين كذبوا رسوله وبالغوا في تكذيبه وسلاه على ذلك بأنك لست ببدع في الرسل، فكثير ممن قبلك منهم قد كذبوا وأوذوا تبتئس بما يفعلون، واصبر على ما تدعو إليه ولا يضيرنك ما يأتون وما يذرون، قفى على ذلك ببيان أنهم لاستهزائهم به وشديد تكذيبهم كانوا يستعجلونه العذاب كما قال تعالى حكاية عنهم :﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم ﴾[ الأنفال : ٣٢ ] ثم أنبهم على إنكار ذلك العذاب وقد سبق وعد الله به فكان لزاما عليهم ألا يستعجلوه، فإنهم لو عرفوا ما ينالهم من آلامه وشدائده ما طلبوا استعجاله، فيوم عند ربك تصيبهم فيه المحن والشدائد كألف سنة لو بقوا وعذبوا في الدنيا، ثم ذكرهم بأن كثيرا من القرى الظالمة أمهلت ولم تعذب، لعلها ترعوي عن غيها ثم أخذت أخذ عزيز مقتدر، وحسابها مدخر ليوم تشخص فيه الأبصار، ثم أبان أن وظيفة الرسول إنما هي الإنذار والتحذير وليس عليهم من حسابهم من شيء، فإن شاء الله عجل لهم العذاب، وإن شاء أخره عنهم، وقد وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمغفرة من الذنوب ودخول دار النعيم، وأوعد الذين يثبطون العزائم عن قبول دعوة الإسلام بدوام العذاب في نار الجحيم.
الإيضاح :
﴿ ويستعجلونك بالعذاب ﴾أي ويستعجلك كفار قريش المكذبون بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر مجيء العذاب الذي تحذرهم منه وتوعدهم إياه، إنكارا منهم لوقوعه، واستهزاء بحلوله.
ثم بين أنه آت لا محالة فقال :
﴿ ولن يخلف الله وعده ﴾أي وكيف ينكرون مجيء ذلك العذاب وقد وعد الله به ؟ وما وعد به كائن لا محالة، وهو كما بمن فبلهم يفعل بهم، لأن ذلك هو نهجه الثابت، وصراطه المستقيم، وسيحل بهم مثل ما حل بغيرهم.
﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾أي وإن قلتم إن العهد قد طال ولم يحل بكم العذاب فأين هو ؟ فإن الله حليم، وألف سنة عندكم كيوم عنده، فهو سينفذ وعده بعد أمد طويل عندكم قريب عنده كما قال :﴿ إنهم يرونه بعيدا ( ٦ ) ونراه قريبا ﴾[ المعارج : ٦- ٧ ]فإذا تأخر عذاب الآخرة أمدا طويلا فلا يكون في ذلك إخلاف للوعد، فعشرون ألف سنة عند ربك كعشرين يوما عندكم.
والخلاصة : إن سنتي لا بد من نفاذها، ولا بد من إهلاك الظالمين ولو بعد حين أمما وأرادا في الدنيا والآخرة أو عذابهم في الآخرة فحسب مع الأكدار في الدنيا وهم لا يشعرون.
﴿ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( ٤٧ ) وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها إلي مصير ( ٤٨ ) قل ياأيها الناس إنما أنا لكم ندير مبين ( ٤٩ ) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ( ٥٠ ) والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ﴾[ الحج : ٤٧- ٥١ ].
المعنى الجملي : لما ذكر سبحانه أن المشركين كذبوا رسوله وبالغوا في تكذيبه وسلاه على ذلك بأنك لست ببدع في الرسل، فكثير ممن قبلك منهم قد كذبوا وأوذوا تبتئس بما يفعلون، واصبر على ما تدعو إليه ولا يضيرنك ما يأتون وما يذرون، قفى على ذلك ببيان أنهم لاستهزائهم به وشديد تكذيبهم كانوا يستعجلونه العذاب كما قال تعالى حكاية عنهم :﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم ﴾[ الأنفال : ٣٢ ] ثم أنبهم على إنكار ذلك العذاب وقد سبق وعد الله به فكان لزاما عليهم ألا يستعجلوه، فإنهم لو عرفوا ما ينالهم من آلامه وشدائده ما طلبوا استعجاله، فيوم عند ربك تصيبهم فيه المحن والشدائد كألف سنة لو بقوا وعذبوا في الدنيا، ثم ذكرهم بأن كثيرا من القرى الظالمة أمهلت ولم تعذب، لعلها ترعوي عن غيها ثم أخذت أخذ عزيز مقتدر، وحسابها مدخر ليوم تشخص فيه الأبصار، ثم أبان أن وظيفة الرسول إنما هي الإنذار والتحذير وليس عليهم من حسابهم من شيء، فإن شاء الله عجل لهم العذاب، وإن شاء أخره عنهم، وقد وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمغفرة من الذنوب ودخول دار النعيم، وأوعد الذين يثبطون العزائم عن قبول دعوة الإسلام بدوام العذاب في نار الجحيم.
الإيضاح :
ثم أكد ما ذكره من عدم إخلاف الوعد وإن طال الأمد فقال :
﴿ وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ﴾أي وكم من قرية أخرت إهلاكها مع استمرارها على ظلمها فاغترت بذلك التأخير، ثم أنزلت بها بأسي وشديد انتقامي، وحسابها بعد مدخر ليوم الحساب حين لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ولا يخفى ما في هذا من شديد الوعيد وعظيم التهديد.
﴿ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( ٤٧ ) وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها إلي مصير ( ٤٨ ) قل ياأيها الناس إنما أنا لكم ندير مبين ( ٤٩ ) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ( ٥٠ ) والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ﴾[ الحج : ٤٧- ٥١ ].
المعنى الجملي : لما ذكر سبحانه أن المشركين كذبوا رسوله وبالغوا في تكذيبه وسلاه على ذلك بأنك لست ببدع في الرسل، فكثير ممن قبلك منهم قد كذبوا وأوذوا تبتئس بما يفعلون، واصبر على ما تدعو إليه ولا يضيرنك ما يأتون وما يذرون، قفى على ذلك ببيان أنهم لاستهزائهم به وشديد تكذيبهم كانوا يستعجلونه العذاب كما قال تعالى حكاية عنهم :﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم ﴾[ الأنفال : ٣٢ ] ثم أنبهم على إنكار ذلك العذاب وقد سبق وعد الله به فكان لزاما عليهم ألا يستعجلوه، فإنهم لو عرفوا ما ينالهم من آلامه وشدائده ما طلبوا استعجاله، فيوم عند ربك تصيبهم فيه المحن والشدائد كألف سنة لو بقوا وعذبوا في الدنيا، ثم ذكرهم بأن كثيرا من القرى الظالمة أمهلت ولم تعذب، لعلها ترعوي عن غيها ثم أخذت أخذ عزيز مقتدر، وحسابها مدخر ليوم تشخص فيه الأبصار، ثم أبان أن وظيفة الرسول إنما هي الإنذار والتحذير وليس عليهم من حسابهم من شيء، فإن شاء الله عجل لهم العذاب، وإن شاء أخره عنهم، وقد وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمغفرة من الذنوب ودخول دار النعيم، وأوعد الذين يثبطون العزائم عن قبول دعوة الإسلام بدوام العذاب في نار الجحيم.
تفسير المفردات :
الإنذار : التخويف.
الإيضاح :
ثم أبان لهم عظيم خطئهم في طلب استعجال العذاب من الرسول بقوله :
﴿ قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ﴾أي قل يا أيها المشركون المستعجلون مجيء العذاب : ليس ذلك إلي، وإنما أرسلني ربي نذيرا لكم بين يدي عذاب شديد، وليس إلي من حسابكم من شيء، بل أمر ذلك إلى الله إن شاء عجل لكم العذاب، وإن شاء أخره عنكم، وإن شاء تاب على من يتوب إليه و ينيب إليه﴿ لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ﴾[ الرعد : ٤١ ]
﴿ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( ٤٧ ) وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها إلي مصير ( ٤٨ ) قل ياأيها الناس إنما أنا لكم ندير مبين ( ٤٩ ) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ( ٥٠ ) والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ﴾[ الحج : ٤٧- ٥١ ].
المعنى الجملي : لما ذكر سبحانه أن المشركين كذبوا رسوله وبالغوا في تكذيبه وسلاه على ذلك بأنك لست ببدع في الرسل، فكثير ممن قبلك منهم قد كذبوا وأوذوا تبتئس بما يفعلون، واصبر على ما تدعو إليه ولا يضيرنك ما يأتون وما يذرون، قفى على ذلك ببيان أنهم لاستهزائهم به وشديد تكذيبهم كانوا يستعجلونه العذاب كما قال تعالى حكاية عنهم :﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم ﴾[ الأنفال : ٣٢ ] ثم أنبهم على إنكار ذلك العذاب وقد سبق وعد الله به فكان لزاما عليهم ألا يستعجلوه، فإنهم لو عرفوا ما ينالهم من آلامه وشدائده ما طلبوا استعجاله، فيوم عند ربك تصيبهم فيه المحن والشدائد كألف سنة لو بقوا وعذبوا في الدنيا، ثم ذكرهم بأن كثيرا من القرى الظالمة أمهلت ولم تعذب، لعلها ترعوي عن غيها ثم أخذت أخذ عزيز مقتدر، وحسابها مدخر ليوم تشخص فيه الأبصار، ثم أبان أن وظيفة الرسول إنما هي الإنذار والتحذير وليس عليهم من حسابهم من شيء، فإن شاء الله عجل لهم العذاب، وإن شاء أخره عنهم، وقد وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمغفرة من الذنوب ودخول دار النعيم، وأوعد الذين يثبطون العزائم عن قبول دعوة الإسلام بدوام العذاب في نار الجحيم.
الإيضاح :
ثم فصل هذا الإنذار بذكر الوعد للمتقين والوعيد للكافرين فقال :
﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ﴾أي فالذين آمنت قلوبهم، وصدقوا إيمانهم بأعمالهم لهم مغفرة لما سلف من سيئاتهم، وثواب عند ربهم على ما قدموا من حسناتهم ولهم رزق كريم في الجنة يفوق وصف الواصفين، ومقال المادحين كما قال تعالى :﴿ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ﴾[ الزخرف : ٧١ ]. وفي الحديث :" فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ".
﴿ ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ( ٤٧ ) وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها إلي مصير ( ٤٨ ) قل ياأيها الناس إنما أنا لكم ندير مبين ( ٤٩ ) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ( ٥٠ ) والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ﴾[ الحج : ٤٧- ٥١ ].
المعنى الجملي : لما ذكر سبحانه أن المشركين كذبوا رسوله وبالغوا في تكذيبه وسلاه على ذلك بأنك لست ببدع في الرسل، فكثير ممن قبلك منهم قد كذبوا وأوذوا تبتئس بما يفعلون، واصبر على ما تدعو إليه ولا يضيرنك ما يأتون وما يذرون، قفى على ذلك ببيان أنهم لاستهزائهم به وشديد تكذيبهم كانوا يستعجلونه العذاب كما قال تعالى حكاية عنهم :﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب أليم ﴾[ الأنفال : ٣٢ ] ثم أنبهم على إنكار ذلك العذاب وقد سبق وعد الله به فكان لزاما عليهم ألا يستعجلوه، فإنهم لو عرفوا ما ينالهم من آلامه وشدائده ما طلبوا استعجاله، فيوم عند ربك تصيبهم فيه المحن والشدائد كألف سنة لو بقوا وعذبوا في الدنيا، ثم ذكرهم بأن كثيرا من القرى الظالمة أمهلت ولم تعذب، لعلها ترعوي عن غيها ثم أخذت أخذ عزيز مقتدر، وحسابها مدخر ليوم تشخص فيه الأبصار، ثم أبان أن وظيفة الرسول إنما هي الإنذار والتحذير وليس عليهم من حسابهم من شيء، فإن شاء الله عجل لهم العذاب، وإن شاء أخره عنهم، وقد وعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالمغفرة من الذنوب ودخول دار النعيم، وأوعد الذين يثبطون العزائم عن قبول دعوة الإسلام بدوام العذاب في نار الجحيم.
تفسير المفردات :
وأصل السعي : الإسراع في المشي، ثم استعمل في الإصلاح والإفساد، يقال سعى في أمر فلان، إذا أصلحه أو أفسده بسعيه فيه. معاجزين : أي مسابقين المؤمنين ومعارضين لهم، فكلما طلبوا إظهار الحق طلب هؤلاء إبطاله، وأصله من قولهم : عاجزه فأعجزه، إذا سابقه فسبقه.
الإيضاح :
﴿ والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم ﴾أي والذين اجتهدوا في رد الدعوة الدين والتكذيب بها وثبطوا الناس عن متابعة النبي ( ص ) ظنا منهم أنهم يعجزوننا وأنهم لا يبعثون، فأولئك هم المقيمون في النار المصاحبون لها لا يخرجون منها.
ونحو الآية قوله :﴿ الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون ﴾ [ النحل : ٨٨ ].
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ( ٥٢ ) ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ( ٥٣ ) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ( ٥٤ ) ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ( ٥٥ ) الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ( ٥٦ ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾[ الحج : ٥٢- ٥٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن قومه قد كذبوه بوسائل شتى من التكذيب، فقالوا تارة إنه ساحر، وأخرى إنه شاعر، وثالثة إنه القرآن أساطير الأولين، ثم سلاه على هذا بأنه ليس بدعا من الرسل، فكثير قبله قد كذبوا، ثم ذكر أن لعظيم استهزائهم به، وتهكمهم بما يبلغهم عن ربه طلبوا منه استعجال العذاب الذي يعدهم به، أردف ذلك بذكر نوع آخر من التكذيب وهو إلقاؤهم الشبه والأوهام فيما يقرؤه على أوليائه من القرآن، ليجادلوه بالباطل ويردوا ما جاء به من الحق ويكون في ذلك فتنة لضعاف الإيمان وللكافرين، وليزداد المؤمنون إيمانا ويقينا بأنه الحق من ربهم فتخبت له قلوبهم، وإن هذه حالهم حتى يموتوا أو يأتيهم عذاب لا يبلغ الوصف كنه حقيقته، وعندئذ يحكم الله بين عباده فيدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويجازي الذين كذبوا بآياته وكانوا في مرية من رسالة رسوله بالعذاب المهين جزاء وفاقا على تدسية أنفسهم وتدنيسها بزائغ العقائد وشيء الأعمال وباطلها.
تفسير المفردات :
الرسول : من جاء بشرع جديد، والنبي يشمل هذا ويشمل من جاء لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهما السلام، والتمني والأمنية : القراءة كما قال تعالى :﴿ ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ﴾[ البقرة : ٧٨ ] أي إلا قراءة، وقال حسان في عثمان حين قتل :
تمنى كتاب الله أول ليلة وأخرها لاقى حمام المقادر
وينسخ : أي يزيل ويبطل. يحكم : أي يجعلها محكمة مثبتة لا تقبل الرد بحال.
الإيضاح :
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ﴾أي وما أرسلنا قبلك رسولا ولا نبيا إلا إذا قرأ، ألقى الشيطان على سامعيه وهو يتلو الوحي الذي أنزل إليه شبهات فيما يقرأ، فيقول قوم إنه سحر، ويقول آخرون إنه نقله الرسول عن بعض الأولين، وهكذا من الأباطيل والترهات التي يتقولونها.
﴿ فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ﴾أي فيزيل سبحانه تلك الخرافات التي علقت ببعض النفوس، بأن يقيض للدين من يدافع عنه ويدفع الشبهات، ثم يجعل آياته محكمة مثبتة لا تقبل الرد بحال.
وخلاصة ذلك : إن الله حين أنزل القرآن وقرأه الرسول ( ص ) قال المشركون فيه ما قالوا، ثم لما استبان الحق وجاءت غزوة بدر ونصر الله المسلمين الذين بشرهم كتابه بالنصر على أعدائهم :﴿ لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ﴾[ الحج ٤٠ ]استتب لهم الأمر ودخل أعداؤهم في دينهم أفواجا ﴿ وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا ﴾[ التوبة : ٤٠ ]. وما مثل هذا إلا مثل النباتات الطفيلية التي تنبت في الأرض بجانب ما يزرع فيها من حنطة وفول وغيرهما مما يحتاج إليه الناس، ولا تزال تتغذى من الأرض وتأخذ غذاء النبات النافع، فلا يهدأ للزارع بال حتى يزيلها ويوفر غذاءها للنبات الذي هو في أشد الحاجة إليه.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فإنك الآن لترى أهل أوروبا يرسلون الجيوش من القساوسة التي تفتح المدارس في بلاد الشرق ويقولون للمسلمين : إن دينهم محشو بالخرافات والأكاذيب ويشككون فيه من تعلموا في تلك المدارس، ويصدق بعض غوغائهم تلك الأباطيل، حتى لقد قالوا إن هذا الدين لا يعيش في ظل العلم، ولا يقبل الأفكار و الآراء الراقية، وهو والعلم عدوان لا يجتمعان، و مما جعل لهم بعض المعذرة فيما يقولون، حال المسلمين من الخمول وسوء الأحوال، وقبيح المعتقدات والأعمال مما جعلهم مضغة في أفواه الأمم المتمدينة :﴿ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ﴾[ الكهف : ٥ ].
وإن الله لينسخ تلك الوساوس، ويزيل هده الأوهام، فقد تصدى كثير من ذوي المعرفة لدحض تلك المفتريات، فقام العالم الحكيم محمد عبده، وألف كتابة " الإسلام والنصرانية " ودفع كثيرا من مطاعن أولئك المبشرين، وقام بعده كثير من أهل الفقه بالدين، فاحتذوا حذوه، وواصلوا الليل بالنهار في دحض تلك الشبه، وإن الله ناصر دينه ولو كره الكافرون.
وهذا و قد دس بعض الزنادقة في تفسير هذه الآية أحاديث مكذوبة لم ترد في كتاب من كتب السنة الصحيحة، وأصول الدين تكذبها، والعقل السليم يرشد إلى بطلانها، وأنها ليست من الحق في شيء، وهي ما تشكك المسلمين في دينهم وتجعلهم في حيرة من أمر الوحي وكلام الرسول، فيجب على العلماء طرحها وراءهم ظهريا، ولا يضيعون الزمن في تأويلها وتخريجها، ولاسيما بعد أن نص الثقات من المحدثين على وضعها وكذبها، لمصادمتها لأصول الدين التي لا تقبل شكا ولا امتراء.
﴿ والله عليكم حكيم ﴾أي والله عليكم بكل شيء ومن ذلك ما يصدر، عن الشيطان وأوليائه، فيجازيهم عليه أشد الجزاء، حكيم في أفعاله، ومن ذلك أن يمكن الشيطان من إلقاء الشبهات ليحاج أولياؤه بها، فيتمكن المؤمنون من ردها ودحض المفتريات التي يتشدقون بها، ويرجع الحق إلى نصابه، فتظهر الحقيقة ناصعة بيضاء من بين تلك الظلمات، فتمحو الظلام الذي كان عالقا بنفوس الذين في قلوبهم مرض، وتضيء آفاق العقول السليمة، وتهديهم إلى طريق الرشاد ؛ وإلى الفريقين أشار بقوله :﴿ ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ﴾.
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ( ٥٢ ) ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ( ٥٣ ) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ( ٥٤ ) ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ( ٥٥ ) الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ( ٥٦ ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾[ الحج : ٥٢- ٥٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن قومه قد كذبوه بوسائل شتى من التكذيب، فقالوا تارة إنه ساحر، وأخرى إنه شاعر، وثالثة إنه القرآن أساطير الأولين، ثم سلاه على هذا بأنه ليس بدعا من الرسل، فكثير قبله قد كذبوا، ثم ذكر أن لعظيم استهزائهم به، وتهكمهم بما يبلغهم عن ربه طلبوا منه استعجال العذاب الذي يعدهم به، أردف ذلك بذكر نوع آخر من التكذيب وهو إلقاؤهم الشبه والأوهام فيما يقرؤه على أوليائه من القرآن، ليجادلوه بالباطل ويردوا ما جاء به من الحق ويكون في ذلك فتنة لضعاف الإيمان وللكافرين، وليزداد المؤمنون إيمانا ويقينا بأنه الحق من ربهم فتخبت له قلوبهم، وإن هذه حالهم حتى يموتوا أو يأتيهم عذاب لا يبلغ الوصف كنه حقيقته، وعندئذ يحكم الله بين عباده فيدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويجازي الذين كذبوا بآياته وكانوا في مرية من رسالة رسوله بالعذاب المهين جزاء وفاقا على تدسية أنفسهم وتدنيسها بزائغ العقائد وشيء الأعمال وباطلها.
تفسير المفردات :
فتنة : أي ابتلاء واختبار. مرض : أي شك ونفاق. القاسية قلوبهم : هم الكفار المجاهرون بالكفر. شقاق بعيد : أي عداوة شديدة.
الإيضاح :
( ١ )﴿ ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ﴾أي ليجعل ما يلقيه الشيطان على قلوب أوليائه فتنة واختبارا للمنافقين الذين في قلوبهم مرض، وللكافرين الذين قست قلوبهم، فلا تلين لقبول الحق، ولا ترعوي عما هي فيه من الغي.
ثم بين مجانفة هذين الفريقين للحق وبعدهما عن الرشد لا إلى غاية فقال :
﴿ إن الظالمين لفي شقاق بعيد ﴾أي وإن هذين الصنفين من الضلال لفي عداوة لأمر الله، وبعد عن الرشاد والسداد، بما لا مطمع لهما معه في النجاة والفوز برضا الله.
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ( ٥٢ ) ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ( ٥٣ ) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ( ٥٤ ) ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ( ٥٥ ) الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ( ٥٦ ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾[ الحج : ٥٢- ٥٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن قومه قد كذبوه بوسائل شتى من التكذيب، فقالوا تارة إنه ساحر، وأخرى إنه شاعر، وثالثة إنه القرآن أساطير الأولين، ثم سلاه على هذا بأنه ليس بدعا من الرسل، فكثير قبله قد كذبوا، ثم ذكر أن لعظيم استهزائهم به، وتهكمهم بما يبلغهم عن ربه طلبوا منه استعجال العذاب الذي يعدهم به، أردف ذلك بذكر نوع آخر من التكذيب وهو إلقاؤهم الشبه والأوهام فيما يقرؤه على أوليائه من القرآن، ليجادلوه بالباطل ويردوا ما جاء به من الحق ويكون في ذلك فتنة لضعاف الإيمان وللكافرين، وليزداد المؤمنون إيمانا ويقينا بأنه الحق من ربهم فتخبت له قلوبهم، وإن هذه حالهم حتى يموتوا أو يأتيهم عذاب لا يبلغ الوصف كنه حقيقته، وعندئذ يحكم الله بين عباده فيدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويجازي الذين كذبوا بآياته وكانوا في مرية من رسالة رسوله بالعذاب المهين جزاء وفاقا على تدسية أنفسهم وتدنيسها بزائغ العقائد وشيء الأعمال وباطلها.
تفسير المفردات :
فتخبت : أي تذل و تخضع.
الإيضاح :
( ٢ )﴿ وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فتؤمنوا به فتخبت له قلوبهم ﴾أي ولكي بعلم أهل العلم بالله أن الذي أنزله الله من آياته التي أحكمها ونسخ ما ألقى الشيطان أنه الحق من ربهم، فيصدقوا به وتخضع له قلوبهم وتذعن للإقرار به نفوسهم، وتعمل بما فيه من عبادات وآداب وأحكام وهي مثلجة الصدر هادئة مطمئنة ببرد اليقين، والسير على نهج سيد المرسلين.
ثم بين حسن مآلهم وفوزهم بسعادة العقبي فقال :
﴿ وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ﴾أي وإن الله لمرشد الذي أمنوا به وصدقوا برسله، وموفقهم إلى الحق الواضح، بنسخ ما ألقى الشيطان في أمنية رسوله حين تلاوة الوحي، وحفظ أصول الدين الصحيحة في نفوسهم، والعمل بها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وخلاصة ذلك : إن الله ليهدي الذين أمنوا إلى تأويل ما تشابه من الدين، وتفصيل ما أجمل منه، بما تقتضيه الأصول المحكمة. فلا تلحقهم حيرة، ولا تعتريهم شبهة، ولا تزلزل أقدامهم ترهات المبطلين.
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ( ٥٢ ) ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ( ٥٣ ) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ( ٥٤ ) ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ( ٥٥ ) الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ( ٥٦ ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾[ الحج : ٥٢- ٥٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن قومه قد كذبوه بوسائل شتى من التكذيب، فقالوا تارة إنه ساحر، وأخرى إنه شاعر، وثالثة إنه القرآن أساطير الأولين، ثم سلاه على هذا بأنه ليس بدعا من الرسل، فكثير قبله قد كذبوا، ثم ذكر أن لعظيم استهزائهم به، وتهكمهم بما يبلغهم عن ربه طلبوا منه استعجال العذاب الذي يعدهم به، أردف ذلك بذكر نوع آخر من التكذيب وهو إلقاؤهم الشبه والأوهام فيما يقرؤه على أوليائه من القرآن، ليجادلوه بالباطل ويردوا ما جاء به من الحق ويكون في ذلك فتنة لضعاف الإيمان وللكافرين، وليزداد المؤمنون إيمانا ويقينا بأنه الحق من ربهم فتخبت له قلوبهم، وإن هذه حالهم حتى يموتوا أو يأتيهم عذاب لا يبلغ الوصف كنه حقيقته، وعندئذ يحكم الله بين عباده فيدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويجازي الذين كذبوا بآياته وكانوا في مرية من رسالة رسوله بالعذاب المهين جزاء وفاقا على تدسية أنفسهم وتدنيسها بزائغ العقائد وشيء الأعمال وباطلها.
تفسير المفردات :
مرية : أي شك. بغتة : أي فجأة. الساعة : الموت. يوم عقيم : أي منفرد عن سائر الأيام لا مثيل له في شدته والمراد به الحرب الضروس.
الإيضاح :
ثم أردف بيان مآل الفريق الأول فقال :
﴿ ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ﴾أي ولا يزال الكافرون في شك مما ألقى الشيطان في قلوبهم حين قراءة القرآن عليهم حتى يأتيهم الموت فجأة وهم في بيوتهم آمنون، أو يشتبكوا مع المؤمنون في قتال يهلك فيه أبطالهم وصناديدهم كما حدث يوم بدر.
وقد جعل هذا اليوم عقيما، لأن المقاتلين يسمون أبناء الحرب، فإذا هم قتلوا وصف هذا اليوم بأنه عقيم.
وخلاصة هذا : إنه لا مطمح في إيمانهم، ولا لزوال المرية من قلوبهم، فهم لا يزالون كذلك حتى يهلكوا.
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ( ٥٢ ) ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ( ٥٣ ) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ( ٥٤ ) ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ( ٥٥ ) الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ( ٥٦ ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾[ الحج : ٥٢- ٥٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن قومه قد كذبوه بوسائل شتى من التكذيب، فقالوا تارة إنه ساحر، وأخرى إنه شاعر، وثالثة إنه القرآن أساطير الأولين، ثم سلاه على هذا بأنه ليس بدعا من الرسل، فكثير قبله قد كذبوا، ثم ذكر أن لعظيم استهزائهم به، وتهكمهم بما يبلغهم عن ربه طلبوا منه استعجال العذاب الذي يعدهم به، أردف ذلك بذكر نوع آخر من التكذيب وهو إلقاؤهم الشبه والأوهام فيما يقرؤه على أوليائه من القرآن، ليجادلوه بالباطل ويردوا ما جاء به من الحق ويكون في ذلك فتنة لضعاف الإيمان وللكافرين، وليزداد المؤمنون إيمانا ويقينا بأنه الحق من ربهم فتخبت له قلوبهم، وإن هذه حالهم حتى يموتوا أو يأتيهم عذاب لا يبلغ الوصف كنه حقيقته، وعندئذ يحكم الله بين عباده فيدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويجازي الذين كذبوا بآياته وكانوا في مرية من رسالة رسوله بالعذاب المهين جزاء وفاقا على تدسية أنفسهم وتدنيسها بزائغ العقائد وشيء الأعمال وباطلها.
تفسير المفردات :
الملك : أي التصرف والسلطان. يحكم بينهم : أي يقضي بين فريقي الكافرين والمؤمنين.
الإيضاح :
وبعد أن بين سبحانه حال الفريقين في الدنيا أرشد إلى حالهم في الآخرة فقال :
﴿ الملك يومئذ لله يحكم بينهم ﴾أي إذا جاء يوم القيامة حكم ربهم بينهم بالحق وجازى كلا منهما بما هو له أهل، وبما أعد نفسه له في الدنيا من عمل صالح زكى به نفسه وطهر روحه، أو عمل سيء دساها به، فرانت على قلبه غشاوة الشكوك والأوهام، و اجتر أم المعاصي والآثام.
ثم فصل هذا الحكم والمحكوم عليهم فقال :
﴿ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ﴾أي فالذين آمنوا بهذا القرآن وبمن أنزله وبمن جاء به، وعمل بما فيه من أوامر ونواه، يثيبهم ربهم جنات النعيم يتمتعون فيها بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، جزاء وفاقا على ما زكوا به أرواحهم، وأخلصوا له في أعمالهم، وراقبوه في السر والعلن، وخافوا عذابه في ذلك اليوم الذي يشيب من هوله الولدان.
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ( ٥٢ ) ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ( ٥٣ ) وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ( ٥٤ ) ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ( ٥٥ ) الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ( ٥٦ ) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾[ الحج : ٥٢- ٥٧ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر في الآيات السالفة أن قومه قد كذبوه بوسائل شتى من التكذيب، فقالوا تارة إنه ساحر، وأخرى إنه شاعر، وثالثة إنه القرآن أساطير الأولين، ثم سلاه على هذا بأنه ليس بدعا من الرسل، فكثير قبله قد كذبوا، ثم ذكر أن لعظيم استهزائهم به، وتهكمهم بما يبلغهم عن ربه طلبوا منه استعجال العذاب الذي يعدهم به، أردف ذلك بذكر نوع آخر من التكذيب وهو إلقاؤهم الشبه والأوهام فيما يقرؤه على أوليائه من القرآن، ليجادلوه بالباطل ويردوا ما جاء به من الحق ويكون في ذلك فتنة لضعاف الإيمان وللكافرين، وليزداد المؤمنون إيمانا ويقينا بأنه الحق من ربهم فتخبت له قلوبهم، وإن هذه حالهم حتى يموتوا أو يأتيهم عذاب لا يبلغ الوصف كنه حقيقته، وعندئذ يحكم الله بين عباده فيدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات النعيم، ويجازي الذين كذبوا بآياته وكانوا في مرية من رسالة رسوله بالعذاب المهين جزاء وفاقا على تدسية أنفسهم وتدنيسها بزائغ العقائد وشيء الأعمال وباطلها.
تفسير المفردات :
مهين : أي مذل جزاء استكبارهم عن الحق.
الإيضاح :
﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين ﴾أي والذين كفروا بالله، وكذبوا رسوله، وجحدوا بآيات كتابه، وقالوا إنما هو إفك افتراه محمد وأعانه عليه قوم آخرون، أولئك لهم عذاب عند ربهم يذلهم ويخزيهم كفاء استكبارهم عن النظر فيها وجحودهم بها عنادا، وقد كان لهم فيها لو تأملوا حق التأمل ما يكون صادا لهم عن غيهم ورادعا عن ضلالهم.
﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهم خير الرازقين ( ٥٨ ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ( ٥٩ ) * ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ( ٦٠ ) ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير ( ٦١ ) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ﴾[ الحج : ٥٨- ٦٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته أن الملك له يوم القيامة، وأنه يحكم بين عباده المؤمنين والكافرين، وأنه يدخل المؤمنين جنات النعيم، أردف ذلك ذكر وعده الكريم للمهاجرين في سبيله بأنه يرزقهم الرزق الحسن ويدخلهم مدخلا يرضونه، ثم ذكر وعده لمن قاتل مبغيا عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن بأنه ينصره وهو قدير على ذلك، إذ من قدر على إدخال الليل في النهار، وإدخال النهار في الليل، بأن يزيد في أحدهما وينقصه من الآخر يقدر على نصره، وهو الثابت الإلهية وحده، إذ لا يصلح لها إلا من كان كامل القدرة كامل العلم، وأن ما سواه باطل لا يقدر على شيء.
أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن سليمان الفارسي قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول :" من مات مرابطا أجري عليه الرزق، وأمن من الفتانين واقرؤوا إن شئتم :{ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ".
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن فضالة بن عبيد الأنصاري أنه كان بموضع فمروا بجنازتين إحداهما قتيل والأخر متوفى، فمال الناس على القتيل، فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا ؟ فقالوا هذا القتيل في سبيل الله، فقال والله لا أبالي من أي حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ﴾الآية.
وروي عن أنس أنه قال : قال رسول الله :" المقتول في سبيل الله والمتوفى في سبيل الله بغير قتل هما في الأجر شريكان ".
الإيضاح :
﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين ﴾أي والذين فارقوا أوطانهم، وتركوا عشائرهم، في رضا الله وطاعته وجهاد أعدائه، ثم قتلوا أو ماتوا وهم كذلك ليثيبنهم الله الثواب الجزيل جزاء ما ناضلوا عن دينه، وأخلصوا في الذود عنه، وإن الله ليعطي من يشاء بغير حساب، ويرزق الخلق كافة بارهم و فاجرهم.
﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهم خير الرازقين ( ٥٨ ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ( ٥٩ ) * ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ( ٦٠ ) ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير ( ٦١ ) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ﴾[ الحج : ٥٨- ٦٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته أن الملك له يوم القيامة، وأنه يحكم بين عباده المؤمنين والكافرين، وأنه يدخل المؤمنين جنات النعيم، أردف ذلك ذكر وعده الكريم للمهاجرين في سبيله بأنه يرزقهم الرزق الحسن ويدخلهم مدخلا يرضونه، ثم ذكر وعده لمن قاتل مبغيا عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن بأنه ينصره وهو قدير على ذلك، إذ من قدر على إدخال الليل في النهار، وإدخال النهار في الليل، بأن يزيد في أحدهما وينقصه من الآخر يقدر على نصره، وهو الثابت الإلهية وحده، إذ لا يصلح لها إلا من كان كامل القدرة كامل العلم، وأن ما سواه باطل لا يقدر على شيء.
أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن سليمان الفارسي قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول :" من مات مرابطا أجري عليه الرزق، وأمن من الفتانين واقرؤوا إن شئتم :{ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ".
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن فضالة بن عبيد الأنصاري أنه كان بموضع فمروا بجنازتين إحداهما قتيل والأخر متوفى، فمال الناس على القتيل، فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا ؟ فقالوا هذا القتيل في سبيل الله، فقال والله لا أبالي من أي حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ﴾الآية.
وروي عن أنس أنه قال : قال رسول الله :" المقتول في سبيل الله والمتوفى في سبيل الله بغير قتل هما في الأجر شريكان ".
الإيضاح :
ثم بين هذا الرزق الحسن بقوله :
﴿ ليدخلنهم مدخلا يرضونه ﴾أي ليدخلن المقتولين في سبيله والموتى مهاجرين في طاعة ربهم وذودا عن دينه جنات النعيم، ويكرمون فيها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما لا ينالهم فيها مكروه، ولا أذى كما قال :﴿ لا يسمعون فيها لغو ولا تأثيما ( ٢٥ ) إلا قليلا سلاما سلاما ﴾[ الواقعة : ٢٥- ٢٦ ].
﴿ و إن الله لعليم حليم ﴾أي وإن الله الذي عمت رحمته، وعظمت نعمته، لعليم بمقاصدهم وأعمالهم وأعمال أعدائهم، حليم فلم يعاجل هؤلاء المكذبين بالعقوبة جزاء تكذيبهم ومقاومتهم دعوة الدين.
﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهم خير الرازقين ( ٥٨ ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ( ٥٩ ) * ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ( ٦٠ ) ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير ( ٦١ ) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ﴾[ الحج : ٥٨- ٦٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته أن الملك له يوم القيامة، وأنه يحكم بين عباده المؤمنين والكافرين، وأنه يدخل المؤمنين جنات النعيم، أردف ذلك ذكر وعده الكريم للمهاجرين في سبيله بأنه يرزقهم الرزق الحسن ويدخلهم مدخلا يرضونه، ثم ذكر وعده لمن قاتل مبغيا عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن بأنه ينصره وهو قدير على ذلك، إذ من قدر على إدخال الليل في النهار، وإدخال النهار في الليل، بأن يزيد في أحدهما وينقصه من الآخر يقدر على نصره، وهو الثابت الإلهية وحده، إذ لا يصلح لها إلا من كان كامل القدرة كامل العلم، وأن ما سواه باطل لا يقدر على شيء.
أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن سليمان الفارسي قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول :" من مات مرابطا أجري عليه الرزق، وأمن من الفتانين واقرؤوا إن شئتم :{ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ".
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن فضالة بن عبيد الأنصاري أنه كان بموضع فمروا بجنازتين إحداهما قتيل والأخر متوفى، فمال الناس على القتيل، فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا ؟ فقالوا هذا القتيل في سبيل الله، فقال والله لا أبالي من أي حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ﴾الآية.
وروي عن أنس أنه قال : قال رسول الله :" المقتول في سبيل الله والمتوفى في سبيل الله بغير قتل هما في الأجر شريكان ".
الإيضاح :
﴿ ذلك ﴾أي ذلك الرزق الحسن والمدخل الكريم لمن قتلوا في سبيل الله أو ماتوا، لهم أيضا النصر في الدنيا على أدعائهم وإلى ذلك أشار بقوله :
﴿ ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ﴾أي وإن من جازى من المؤمنين بمثل ما عوقب به ظلما من المشركين، فقاتلهم كما قاتلوه ثم بغي عليه باضطراره إلى الهجرة ومفارقة الوطن، لينصرنه الله الذي لا يغالب، ولينتقمن له من أعدائه، ولينكلن بهم، ويمكننه منهم، ويجعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
و الخلاصة : إنه تعالى كما يدخلهم مدخلا كريما يعدهم بالنصر على أعدائهم إذا هم قاتلوهم وبغوا عليهم وأخرجوهم من ديارهم.
﴿ إن الله لعفو غفور ﴾أي وإن الله الذي أحاطت قدرته بكل شيء – ليعفو عن المؤمنين، فيعفر لهم ما أمنعوا فيه من الانتقام، وما أعرضوا عنه مما ندبه من العفو بمثل قوله :﴿ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾[ الشورى : ٤٣ ] وقوله :﴿ فمن عفا وأصلح فأجره على الله ﴾[ الشورى : ٤٠ ] وقوله :﴿ وأن تعفوا أقرب للتقوى ﴾[ البقرة : ٢٣٧ ] وهم بفعلهم هذا تركوا ما كان أجدر بهم وأحرى بمثلهم.
والخلاصة : كأنه سبحانه قال : عفوت عن هذه الإساءة وغفرتها لهم لأني أذنت بها.
﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهم خير الرازقين ( ٥٨ ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ( ٥٩ ) * ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ( ٦٠ ) ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير ( ٦١ ) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ﴾[ الحج : ٥٨- ٦٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته أن الملك له يوم القيامة، وأنه يحكم بين عباده المؤمنين والكافرين، وأنه يدخل المؤمنين جنات النعيم، أردف ذلك ذكر وعده الكريم للمهاجرين في سبيله بأنه يرزقهم الرزق الحسن ويدخلهم مدخلا يرضونه، ثم ذكر وعده لمن قاتل مبغيا عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن بأنه ينصره وهو قدير على ذلك، إذ من قدر على إدخال الليل في النهار، وإدخال النهار في الليل، بأن يزيد في أحدهما وينقصه من الآخر يقدر على نصره، وهو الثابت الإلهية وحده، إذ لا يصلح لها إلا من كان كامل القدرة كامل العلم، وأن ما سواه باطل لا يقدر على شيء.
أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن سليمان الفارسي قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول :" من مات مرابطا أجري عليه الرزق، وأمن من الفتانين واقرؤوا إن شئتم :{ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ".
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن فضالة بن عبيد الأنصاري أنه كان بموضع فمروا بجنازتين إحداهما قتيل والأخر متوفى، فمال الناس على القتيل، فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا ؟ فقالوا هذا القتيل في سبيل الله، فقال والله لا أبالي من أي حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ﴾الآية.
وروي عن أنس أنه قال : قال رسول الله :" المقتول في سبيل الله والمتوفى في سبيل الله بغير قتل هما في الأجر شريكان ".
الإيضاح :
ثم قرر نصره لعباده المؤمنين و أكده بقوله :
﴿ ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ﴾أي ذلك النصر الذي أنصره لمن بغي عليه، لأني أنا القادر على ما أشاء، ألا ترونني أدخل ما ينقص من ساعات الليل في ساعات النهار، وأدخل ما ينقص من ساعات النهار في ساعات الليل، وبهذه القدرة التي تفعل ذلك أنصر محمدا وصحبه على الذين قد بغوا عليهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم وآذوهم أشد الأذى على إيمانهم بي وحدي.
﴿ وأن الله سميع بصير ﴾أي وأن الله سميع للأقوال وإن اختلفت في النهار الأصوات بفنون اللغات، بصير بما يعملون لا يغيب عنه شيء ولا يعزب عنه شيء وإن كان مثقال ذرة.
﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهم خير الرازقين ( ٥٨ ) ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ( ٥٩ ) * ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ( ٦٠ ) ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير ( ٦١ ) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ﴾[ الحج : ٥٨- ٦٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر جلت قدرته أن الملك له يوم القيامة، وأنه يحكم بين عباده المؤمنين والكافرين، وأنه يدخل المؤمنين جنات النعيم، أردف ذلك ذكر وعده الكريم للمهاجرين في سبيله بأنه يرزقهم الرزق الحسن ويدخلهم مدخلا يرضونه، ثم ذكر وعده لمن قاتل مبغيا عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن بأنه ينصره وهو قدير على ذلك، إذ من قدر على إدخال الليل في النهار، وإدخال النهار في الليل، بأن يزيد في أحدهما وينقصه من الآخر يقدر على نصره، وهو الثابت الإلهية وحده، إذ لا يصلح لها إلا من كان كامل القدرة كامل العلم، وأن ما سواه باطل لا يقدر على شيء.
أخرج ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن سليمان الفارسي قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول :" من مات مرابطا أجري عليه الرزق، وأمن من الفتانين واقرؤوا إن شئتم :{ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين * ليدخلنهم مدخلا يرضونه وإن الله لعليم حليم ".
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن فضالة بن عبيد الأنصاري أنه كان بموضع فمروا بجنازتين إحداهما قتيل والأخر متوفى، فمال الناس على القتيل، فقال فضالة : ما لي أرى الناس مالوا مع هذا وتركوا هذا ؟ فقالوا هذا القتيل في سبيل الله، فقال والله لا أبالي من أي حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ﴾الآية.
وروي عن أنس أنه قال : قال رسول الله :" المقتول في سبيل الله والمتوفى في سبيل الله بغير قتل هما في الأجر شريكان ".
الإيضاح :
ولما وصف نفسه بما لا يقدر عليه غيره علل ذلك بقوله :
﴿ ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل ﴾أي ذلك الاتصاف بكمال القدرة وكمال العلم بسبب أن الله هو الثابت لذاته، وأنه لا مثيل له ولا شريك، وأن الذي يدعون من دونه من الآلهة باطل لا يقدر على صنع شيء بل هو المصنوع الموجد بعد العدم.
﴿ وأن الله هو العلي الكبير ﴾أي وأن الله فوق كل شيء وكل شيء دونه، وهو الكبير عن أن يكون له شريك، إذ لا شيء أعلى منه شأنا ولا أكبر سلطانا.
وخلاصة ذلك : أفتتركون أيها الجهال عبادة من بيده النفع والضر وهو القادر على كل شيء وكل شيء دونه وهو فوق كل شيء وتعبدون من لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ؟.
﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير ( ٦٣ ) له ما في السموات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد ( ٦٤ ) ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم ( ٦٥ ) وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور ﴾[ الحج : ٦٣- ٦٦ ].
الإيضاح :
بعد أن ذكر سبحانه فبما سلف عظيم قدرته وبالغ حكمته في ولوج الليل في النهار والنهار في الليل، ونبه بذلك على سابغ نعمه على عباده، أردف ذلك بذكر أنواع أخرى من الدلائل على قدرته فقال :
( أ )﴿ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة ﴾أي ألم تبصر أيها الرائي أن الله ينزل من السماء مطرا فيحيي به الأرض فتنبت ضروبا مختلفة من النبات بديعة الألوان والأشكال ذات خضرة سندسية تبهر العين بحسن منظرها وبديع تنسيقها.
ثم ذكر ما هو كالدليل على ذلك فقال :
﴿ إن الله لطيف خبير ﴾أي إنه تعالى لطيف يصل علمه إلى الدقيق والجليل، خبير بمصالح خلقه ومنافعهم.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ﴾[ يونس : ٦١ ].
( ب )﴿ له في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد ﴾أي إن كل ما في السماوات وما في الأرض منقاد له غير ممتنع من التصرف فيه، وهو الغني عن حمد الحامدين، لأنه كامل لذاته، غني عن كل ما عداه، وقد فعل ما فعل إحسانا منه إلى عباده وتفضلا عليهم.
( ج ) ﴿ ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض ﴾أي إنه تعالى سخر ما في ظاهر الأرض وباطنها، لينتفع به الإنسان في مصالحه ومرافقه المختلفة ويصرفه فيما أراد من شؤون معايشه، ولا يزال العلم يهديه إلى غريب الأمور مما لم يكن يخطر على لأسلافه على بال مما لو حدث به السالفون لقالوا إنه ترهات وأباطيل وما صدقه بشر، ولا يزال العلم يولد كل يوم جديدا :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾[ الإسراء : ٨٥ ] ويهتدي العقل إلى ما هو أشبه بالمعجزات، لولا أن سدت أبواب النبوات.
ونحو الأية قوله :﴿ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ﴾[ الجاثية : ١٣ ].
( د )﴿ والفلك تجري في البحر بأمره ﴾أي وسخر لكم السفن تجري في البحار برفق وتؤدة حاملة ما تريدون من نائي الأصقاع، وبعيد المسافات، من سلع وحيوان وأناسي، وبذلك يتم تبادل مرافق الحياة بالأخذ والعطاء.
( ه )﴿ ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ﴾أي و إن الله يمسك أجرام الكواكب من شمس وقمر وكواكب نيرات بنظام الجاذبية، إذ جعل لكل منها مدار خاصا بها لا تعدوه بحال، ولا تزال كذلك ما بقيت الحياة الدنيا، حتى إذا اقتربت الساعة اختل نظامها وانتثرت في الفضاء كما ألمع إلى ذلك سبحانه بقوله :﴿ إذا السماء انفطرت ( ١ ) وإذا الكواكب انتثرت ﴾[ الانفطار : ١- ٢ ] الآية.
ولولا هذا النظام الخاص لاصطدمت الكواكب العظيمة بعضها ببعض، وفسد العالم الأرضي، ولم يعش على ظهر البسيطة إنسان ولا حيوان.
﴿ إن الله بالناس لرؤوف رحيم ﴾أي إنه تعالى رحيم بهم، إذ جعلهم على تلك الشاكلة، ليتسنى لهم البحث عن أسباب معايشهم وأسباب منافعهم، وأوضح لهم مناهج الاستدلال بالآيات التكوينية والتنزيلية على وجوده وبعثة رسله.
( و )﴿ وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ﴾أي وهو الذي أنعم عليكم بهذه النعم، وجعلكم أجساما حية بعد أن كنتم ترابا، ثم يميتكم حين انقضاء آجالكم، ثم يحييكم بالبعث والنشور إلى عالم آخر تلقون فيه حسابكم وجزاءكم من نعيم أو جحيم.
ثم بين طبيعة الإنسان التي فطر عليها فقال :
﴿ إن الإنسان لكفور ﴾أي إن الإنسان لم يوجه همه إلى كل هذه الآلاء التي يتقلب فيها ليل نهار، بل جحدها وجحد خالقها على وضوح أمرها، وعبد غيره، وجعل له الأنداد من الأصنام والأوثان.
ونحو الآية قوله :﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ﴾[ البقرة ٢٨ ] وقوله :﴿ قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ﴾[ الجاثية : ٢٦ ].
﴿ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ( ٦٧ ) وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون ( ٦٨ ) الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ﴾[ الحج : ٦٧-٦٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن قدم عز اسمه ذكر نعمه وأنه رؤوف بعباده رحيم بهم، وأن الإنسان كفور بطبعه، ومن ثم جحد لخالق لهذه النعم أتبعه بزجر معاصريه عليه السلام من أهل الأديان السماوية عن منازعته، بذكر خطئهم فيما تمسكوا به من الشرائع، وبيان أن لكل أمر شريعة خاصة، ثم أمره بالثبات على ما هو عليه من الحق، وأنه لا يضره عناد الجاحدين فالله هو الحكم بينهم وبينه يوم القيامة.
تفسير المفردات :
المنسك : الشريعة والمنهاج. ناسكوه : أي عاملون به. والهدى : الطريق الموصل إلى الحق. مستقيم : أي سوي لا عوج فيه.
الإيضاح :
﴿ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ﴾أي إنا أنزلنا لأهل كل دين من الأديان السماوية شريعة خاصة يعملون بها، ويسيرون على نهجها، لا يتخطونها إلى غيرها، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى منسكها ما في التوراة، والأمة التي من مبعث عيسى إلى مبعث محمد ( ص ) منسكها ما في الإنجيل، وأمة محمد ( ص ) وهم من وجد حين مبعثه إلى يوم القيامة منسكهم ما في القرآن، لأن لكل زمان ما يليق به من الشرائع التي تناسب من فيه في تلك الحقبة.
﴿ فلا ينازعك في الأمر ﴾أي فلا ينبغي لهم أن ينازعك في أمر هذا الدين، فإن تعيينه تعالى لكل أمة شريعة خاصة موجب لطاعة هؤلاء لك وعدم منازعتهم إياك في أمر هذه الشريعة زعما منهم أن شريعتهم هي ما عين لآبائهم من التوراة والإنجيل، فذلك خطأ منهم، فإن ذلك إنما كان شريعة لمن مضى قبل نسخه بالقرآن.
والخلاصة : اثبت أيها الرسول على دينك ثابتا لا يطمعون أن يجذبوك منه ليزيلوك عنه، والمراد بذلك تهييج حميته عليه السلام، وإلهاب غضبه لله ولدينه، ومثل هذا كثير في كتاب الله، وكأنه قد قيل له : تأس بالأنبياء قبلك في متاركة القوم الظالمين، والإمساك عن مجادلتهم بعد اليأس من إيمانهم.
﴿ وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ﴾أي وادع هؤلاء المنازعين إلى توحيد الله وعبادته، إنك لعلى طريق يهدي إلى الحق، وشريعة توصل إلى السعادة.
ونحو الآية قوله :﴿ ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ﴾[ القصص : ٨٧ ].
﴿ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ( ٦٧ ) وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون ( ٦٨ ) الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ﴾[ الحج : ٦٧-٦٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن قدم عز اسمه ذكر نعمه وأنه رؤوف بعباده رحيم بهم، وأن الإنسان كفور بطبعه، ومن ثم جحد لخالق لهذه النعم أتبعه بزجر معاصريه عليه السلام من أهل الأديان السماوية عن منازعته، بذكر خطئهم فيما تمسكوا به من الشرائع، وبيان أن لكل أمر شريعة خاصة، ثم أمره بالثبات على ما هو عليه من الحق، وأنه لا يضره عناد الجاحدين فالله هو الحكم بينهم وبينه يوم القيامة.
الإيضاح :
﴿ وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون ﴾أي وإن جادلك هؤلاء المشركون في نسكك بعد أن ظهر الحق ولزمتهم الحجة فقل لهم على سبيل التهديد والوعيد : الله عليم بما تعملون وبما أعمل، ومجاز كلا بما هو له أهل.
ونحو الآية قوله :﴿ وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ﴾[ يونس : ٤١ ] وقوله :﴿ هو أعلم بما تفيضون فيه كفى شهيدا بيني وبينكم ﴾[ الأحقاف : ٨ ].
﴿ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ( ٦٧ ) وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون ( ٦٨ ) الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ﴾[ الحج : ٦٧-٦٩ ].
المعنى الجملي : بعد أن قدم عز اسمه ذكر نعمه وأنه رؤوف بعباده رحيم بهم، وأن الإنسان كفور بطبعه، ومن ثم جحد لخالق لهذه النعم أتبعه بزجر معاصريه عليه السلام من أهل الأديان السماوية عن منازعته، بذكر خطئهم فيما تمسكوا به من الشرائع، وبيان أن لكل أمر شريعة خاصة، ثم أمره بالثبات على ما هو عليه من الحق، وأنه لا يضره عناد الجاحدين فالله هو الحكم بينهم وبينه يوم القيامة.
الإيضاح :
وبعد أن أمر رسوله ( ص ) بالإعراض عنهم وكان ذلك شديد الوقع على النفس سلاه بأن الله سيجازيهم لا محالة يوم القيامة على ما يقولون و يفعلون فقال :
﴿ الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ﴾أي الله يقضي بين المؤمنين منكم والكافرين يوم القيامة فيما كنتم تختلفون فيه من أمر الدين، فيتبين المحق من المبطل.
ونحو الأية قوله :﴿ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ﴾[ الشورى : ١٥ ] الآية.
وقصارى ما سلف : ادع إلى شريعتك، ولا تخص بالدعاء أمة دون أمة، فكلهم أمتك، وإنك لعلى طريق واضحة الدلالة تصل بمن اتبعها إلى سبيل السعادة، فإن عدلوا عن النظر في الأدلة إلى المراء والتمسك بالعادات، وبما وجدوا عليه الآباء والأجداد، فدعهم في غيهم يعمهون، فقد أنذرت، وما عليك إلا البلاغ، وقل لهم مهددا منذرا : الله يحكم بيننا وبينكم، يوم القيامة، ويتبين المحق منا من المبطل، ويجازي كلا بما يستحق.
﴿ ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ( ٧٠ ) ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير ( ٧١ ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذالكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير ﴾[ الحج : ٧٠- ٧٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه يحكم بين عباده يوم القيامة ويجازي كلا من المسيء والمحسن بما هو له أهل أعقب هذا ببيان أنه العليم بما يستحقه كل منهم، فيقع حكمه بينهم بالعدل، ثم أرشد إلى أنه على وضوح الدلائل وعظيم النعم عليهم عبدوا غيره مما لم يقم الدليل على وجوده، وأنهم مع جهلهم إذا نبهوا إلى الحق، وعرضت عليهم المعجزة، و تلى عليهم الكتاب الكريم ظهر في وجوههم الغيظ والغضب، وهموا أن يبطشوا بمن يذكرهم بآياته، إنكارا منهم لما خوطبوا به، ثم أبان لهم أن ما ينالهم من النار التي يقتحمونها بأفعالهم وأقوالهم أعظم مما ينالهم من الغم والغيظ حين تلاوة هذه الآيات.
الإيضاح :
﴿ ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض ﴾ أي قد علمت أيها الرسول أن علم الله محيط بما في السموات وما في الأرض، لا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وهو حاكم بين حلقه يوم القيامة على علم منه بما عملوه في الدنيا، فمجازي المحسن منهم بإحسانه، والمسيء بإساءته.
ثم أكد علمه بقوله :
﴿ إن ذلك في كتاب ﴾أي إن علمه بذلك في اللوح المحفوظ الذي كتب فيه ربنا قبل أن يخلق ما هو كائن إلى يوم القيامة ؛ ويرى أبو مسلم الأصفهاني أن المراد بالكتاب في مثل هذا الحفظ والضبط الشديد بحيث لا يغيب عنه مثقال ذرة.
ثم زاده تأكيدا بقوله :
﴿ إن ذلك على الله يسير ﴾أي إن علمه تعالى بما في السماء والأرض وكتبه في اللوح المحفوظ والفصل بين عباده يوم القيامة يسير عليه إذ لا يخفى عليه شيء، ولا يتعسر عليه مقدور.
﴿ ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ( ٧٠ ) ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير ( ٧١ ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذالكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير ﴾[ الحج : ٧٠- ٧٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه يحكم بين عباده يوم القيامة ويجازي كلا من المسيء والمحسن بما هو له أهل أعقب هذا ببيان أنه العليم بما يستحقه كل منهم، فيقع حكمه بينهم بالعدل، ثم أرشد إلى أنه على وضوح الدلائل وعظيم النعم عليهم عبدوا غيره مما لم يقم الدليل على وجوده، وأنهم مع جهلهم إذا نبهوا إلى الحق، وعرضت عليهم المعجزة، و تلى عليهم الكتاب الكريم ظهر في وجوههم الغيظ والغضب، وهموا أن يبطشوا بمن يذكرهم بآياته، إنكارا منهم لما خوطبوا به، ثم أبان لهم أن ما ينالهم من النار التي يقتحمونها بأفعالهم وأقوالهم أعظم مما ينالهم من الغم والغيظ حين تلاوة هذه الآيات.
تفسير المفردات :
سلطانا : أي حجة وبرهانا. نصير : أي ناصر و معين.
الإيضاح :
ثم حكى سبحانه بعض أباطيل المشركين وأحوالهم الدالة على سخافة عقولهم فقال :
( أ )﴿ ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم ﴾أي ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه ما لم ينزل بجواز عبادته حجة وبرهانا من السماء في كتاب من كتبه التي أنزلها إلى رسله، وما ليس لهم بجواز عبادته علم من ضرورة العقل، وإنما هو أمر تلقوه عن آبائهم وأسلافهم بغير حجة ولا برهان.
والخلاصة : ويعبدون من دون الله ما لم يقم دليل من الوحي ولا من العقل على صحة عبادته.
ونحو الآية قوله :﴿ ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ﴾[ المؤمنون : ١١٧ ].
﴿ وما للظالمين من نصير ﴾أي وليس للظالمين من ينصرهم يوم القيامة فينقذهم من عذاب الله ويدفع عنهم عقابه إذا أراد ذلك.
﴿ ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ( ٧٠ ) ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظالمين من نصير ( ٧١ ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذالكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير ﴾[ الحج : ٧٠- ٧٢ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر سبحانه أنه يحكم بين عباده يوم القيامة ويجازي كلا من المسيء والمحسن بما هو له أهل أعقب هذا ببيان أنه العليم بما يستحقه كل منهم، فيقع حكمه بينهم بالعدل، ثم أرشد إلى أنه على وضوح الدلائل وعظيم النعم عليهم عبدوا غيره مما لم يقم الدليل على وجوده، وأنهم مع جهلهم إذا نبهوا إلى الحق، وعرضت عليهم المعجزة، و تلى عليهم الكتاب الكريم ظهر في وجوههم الغيظ والغضب، وهموا أن يبطشوا بمن يذكرهم بآياته، إنكارا منهم لما خوطبوا به، ثم أبان لهم أن ما ينالهم من النار التي يقتحمونها بأفعالهم وأقوالهم أعظم مما ينالهم من الغم والغيظ حين تلاوة هذه الآيات.
تفسير المفردات :
يسطون : أي يبطشون بهم من فرط الغيظ.
الإيضاح :
( ب )﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ﴾أي وإذا تتلى على المشركين العابدين من دون الله ما لم ينزل به سلطانا آيات القرآن ذوات الحجج و البينات، بدت على وجوههم أمارات الإنكار بالتجهم والعبوس والبسور ونحو ذلك مما يدل على الغيظ والحفيظة الكامنة في نفوسهم مما يسمعون منها.
ثم بين مقدار ذلك الغيظ ومبلغ أمره فقال :
﴿ يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ﴾أي هم من شدة حنقهم على من يتلونه من المؤمنين يكادون يثبون عليهم ويبطشون بهم ويبسطون أيديهم وألسنتهم بالسوء.
وقصارى ذلك : إنهم قد بلغوا من الجهالة حدا لا ينفع فيه العلاج، ولا تنفع فيه البينات والحجج.
ثم ذكر لهم أن هذا الغيظ الكمين في نفوسهم ليس بشيء إذا قيس بما سيلاقونه من العذاب يوم القيامة فقال :
﴿ قل أفأنبئكم بشر من ذلكم ﴾أي قل لهم : أتسمعون فأخبركم بشر من ذلكم الذي فيكم من الغيظ من التالين للآيات حتى قاربتم أن تسطوا بهم وتمدوا إليهم أيديكم وألسنتكم والسوء ؟
ثم أجاب عن هذا الاستفهام فقال :
﴿ النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير ﴾أي النار وعذابها أشق وأعظم مما تخوفون به أولياء الله المؤمنين في الدنيا، ومما تنالون منهم إن نلتم بإرادتكم واختياركم.
﴿ وبئس المصير ﴾أي وبئس النار موئلا ومقاما لهؤلاء المشركين بالله. ونحو الآية قوله :﴿ إنها ساءت مستقرا ومقاما ﴾[ الفرقان : ٦٦ ].
﴿ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ( ٧٣ ) ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ( ٧٤ ) الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير ( ٧٥ ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور ﴾[ الحج : ٧٣- ٧٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر فيما سلف أنهم يعبدون من دون الله ما لا حجة لهم عليه من الوحي، ولا دليل عليه من العقل، أردف هذا بما يدل على إبطاله ويؤكد جهلهم بمقام الألوهية، وما ينبغي أن يكون لها من إجلال و تعظيم، ثم أعقب ذلك ببيان أنه سبحانه يصطفي من الملائكة والناس لرسالته م يشاء وهو العليم بمن يختار﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالته ﴾[ الأنعام : ١٢٤ ].
روي أن الوليد بن المغيرة قال : أأنزل عليه الذكر من بيننا ؟ فأنزل الله الآية :﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ﴾.
وأخرج الحاكم و صححه عن عكرمة قال : قال رسول الله ( ص ) :" إن الله اصطفى موسى بالكلام وإبراهيم بالخلة ".
تفسير المفردات :
ضرب : أي جعل، والمثل و المثل : الشبه. لا يستنقذوه : أي لا يقدروا على استنقاذه.
الإيضاح :
﴿ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ﴾أي يا أيها الناس جعل المشركون لي أشباها وأندادا وهي الآلهة التي يعبدونها معي، فأنصتوا وتفهموا حال ما ملوهم وجعلوهم لي في عبادتهم إياهم أشباها وأمثالا.
ثم بين حال هؤلاء الأشباه والأمثال فقال :
﴿ إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ﴾أي لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأوثان على أن يخلقوا ذبابة واحدة على صغر حجمها وحقارة شأنها ما قدروا وما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
روي عن أبي هريرة أن النبي ( ص ) قال :" قال الله عز وجل : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة فليخلقوا شعيرة ".
﴿ وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ﴾أي وإن يسلب الذباب الآلهة والأوثان شيئا مما عليها من طيب وما أشبهه لا تستنقذ ذلك منه على ضعفه.
والخلاصة : إنهم عاجزون عن خلق ذباب واحد، بل أعجب من ذلك أنهم عاجزون عن مقاومته والانتصار منه لو سلبهم شيئا مما عليهم من طيب ونحوه.
وفي ذلك إيماء إلى أنهم قد بلغوا غاية الجهالة، وأشركوا بالله القادر على كل شيء آلهتهم من الأصنام والأوثان التي لا تقدر على خلق أحقر المخلوقات وأصغرها وهو الذباب ولو اجتمعت له، ولا تستطيع أن تنتصر منه لو سلبها شيئا.
﴿ ضعف الطالب والمطلوب ﴾أي عجز الطالب وهو الآلهة ان تستنقذ من المطلوب وهو الذباب وما سلبها إياه من الطيب وما أشبهه.
وقصارى هذا : إنه سبحانه وصف هذه الآلهة بما وصف، للدلالة على مهانتها وضعفها، تقريعا منه لعبدتها من مشركي قريش وكأنه قيل لهم : كيف تجعلون لي مثلا في العبادة، وتشركون معي فيها ما لا قدرة له على خلق ذباب، وإن أخذ منه الذباب شيئا لم يقدر أن ينتصر منه، وأنا الخالق لما في السماوات والأرض، المالك لجميع ذلك، المحيي لما أدرت والمميت له ؟ إن فاعل ذلك بالغ غاية الجهل وعظيم السفه.
﴿ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ( ٧٣ ) ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ( ٧٤ ) الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير ( ٧٥ ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور ﴾[ الحج : ٧٣- ٧٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر فيما سلف أنهم يعبدون من دون الله ما لا حجة لهم عليه من الوحي، ولا دليل عليه من العقل، أردف هذا بما يدل على إبطاله ويؤكد جهلهم بمقام الألوهية، وما ينبغي أن يكون لها من إجلال و تعظيم، ثم أعقب ذلك ببيان أنه سبحانه يصطفي من الملائكة والناس لرسالته م يشاء وهو العليم بمن يختار﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالته ﴾[ الأنعام : ١٢٤ ].
روي أن الوليد بن المغيرة قال : أأنزل عليه الذكر من بيننا ؟ فأنزل الله الآية :﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ﴾.
وأخرج الحاكم و صححه عن عكرمة قال : قال رسول الله ( ص ) :" إن الله اصطفى موسى بالكلام وإبراهيم بالخلة ".
تفسير المفردات :
ما قدروا الله : أي ما عظموه. عزيز : أي غالب على جميع الأشياء.
الإيضاح :
ثم زاد هذا الإنكار توكيدا فقال :
﴿ ما قدروا الله حق قدره ﴾أي ما عظموه حق التعظيم، إذ عبدوا معه غيره من هذه الأصنام التي لا تقاوم الذباب لضعفها، ولا تنتصر منه إن سلبها شيئا.
﴿ إن الله لقوي عزيز ﴾أي إنه تعالى قوي لا يتعذر عليه شيء، وبقدرته خلق كل شيء، عزيز لا يغالب، لعظمته وسلطانه، ولا يقدر شيء أن يسلبه من ملكه شيئا، وليس كآلهتكم التي تدعونها من دون الله.
ونحو الآية قوله :﴿ وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ﴾[ الروم : ٢٧ ] وقوله :﴿ إن الله هو الرازق ذو القوة المتين ﴾[ الذاريات : ٥٨ ].
﴿ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ( ٧٣ ) ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ( ٧٤ ) الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير ( ٧٥ ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور ﴾[ الحج : ٧٣- ٧٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر فيما سلف أنهم يعبدون من دون الله ما لا حجة لهم عليه من الوحي، ولا دليل عليه من العقل، أردف هذا بما يدل على إبطاله ويؤكد جهلهم بمقام الألوهية، وما ينبغي أن يكون لها من إجلال و تعظيم، ثم أعقب ذلك ببيان أنه سبحانه يصطفي من الملائكة والناس لرسالته م يشاء وهو العليم بمن يختار﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالته ﴾[ الأنعام : ١٢٤ ].
روي أن الوليد بن المغيرة قال : أأنزل عليه الذكر من بيننا ؟ فأنزل الله الآية :﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ﴾.
وأخرج الحاكم و صححه عن عكرمة قال : قال رسول الله ( ص ) :" إن الله اصطفى موسى بالكلام وإبراهيم بالخلة ".
تفسير المفردات :
يصطفي : أي يختار.
الإيضاح :
وبعد أن ذكر ما يتعلق بالإلهيات ذكر ما يتعلق بالنبوات فقال :
﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ﴾أي الله يختار من الملائكة رسلا يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحي، ويصطفي من الناس رسلا يدعون عباده إلى ما يرضيه، ويبلغوهم ما نزل عليهم من وحيه، إرشادا لهم وتشريعا للأحكام التي فيها سعادتهم في دنياهم وآخرتهم.
﴿ إن الله سميع بصير ﴾أي إنه تعالى سميع لأقوال عباده، بصير بهم فيعلم من يستحق أن يختار منهم لهذه الرسالة.
﴿ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ( ٧٣ ) ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ( ٧٤ ) الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير ( ٧٥ ) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور ﴾[ الحج : ٧٣- ٧٦ ].
المعنى الجملي : بعد أن ذكر فيما سلف أنهم يعبدون من دون الله ما لا حجة لهم عليه من الوحي، ولا دليل عليه من العقل، أردف هذا بما يدل على إبطاله ويؤكد جهلهم بمقام الألوهية، وما ينبغي أن يكون لها من إجلال و تعظيم، ثم أعقب ذلك ببيان أنه سبحانه يصطفي من الملائكة والناس لرسالته م يشاء وهو العليم بمن يختار﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالته ﴾[ الأنعام : ١٢٤ ].
روي أن الوليد بن المغيرة قال : أأنزل عليه الذكر من بيننا ؟ فأنزل الله الآية :﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ﴾.
وأخرج الحاكم و صححه عن عكرمة قال : قال رسول الله ( ص ) :" إن الله اصطفى موسى بالكلام وإبراهيم بالخلة ".
الإيضاح :
﴿ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ﴾أي يعلم ما كان بين أيدي ملائكته ورسله من قبل أن يخلقهم منهم، ويعلم ما هو كائن بعد فنائهم.
وخلاصة ذلك : يعلم مستقبل أحوالهم وماضيها.
﴿ وإلى الله ترجع الأمور ﴾أي وإليه ترجع الأمور يوم القيامة، فلا أمر ولا نهي لأحد سواه، وهو يجازي كلا بما عمل إن خيرا وإن شرا.
﴿ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ( ٧٧ ) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ﴾[ الحج : ٧٧- ٧٨ ].
المعنى الجملي : بعد أن تكلم في الإلهيات ثم في النبوات أتبعهما بالكلام في الشرائع والأحكام.
الإيضاح :
﴿ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ﴾أي يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، اخضعوا لله، وخروا له سجدا، واعبدوه بسائر ما تعبدكم به، وافعلوا الخير الذي أمركم بفعله من صلة الأرحام ومكارم الأخلاق، لتفلحوا وتفوزوا من ربكم بما تؤملون من الثواب والرضوان.
﴿ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ( ٧٧ ) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ﴾[ الحج : ٧٧- ٧٨ ].
المعنى الجملي : بعد أن تكلم في الإلهيات ثم في النبوات أتبعهما بالكلام في الشرائع والأحكام.
تفسير المفردات :
في الله : أي في سبيله. والجهاد كما قال الراغب : هو استفراغ الوسع في مجاهدة العدو، وهو ثلاثة أضرب :
( أ ) مجاهدة العدو الظاهر كالكفار.
( ب ) مجاهدة الشيطان.
( ج ) مجاهدة النفس والهوى، وهذه أعظمها ؛ فقد أخرج البيهقي وغيره عن جابر قال : قدم على رسول الله ( ص ) قوم غزاة فقال :" قدمتم خير مقدم، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ". قيل : وما الجهاد الأكبر ؟ قال :" مجاهدة العبد هواه ".
والمراد بالجهاد هنا ما يشمل الأنواع الثلاثة، كما يؤيده ما روي عن الحسن أنه قرأ الآية وقال :" إن الرجل ليجاهد في الله تعالى وما ضرب بسيف ".
واجتباكم : أي اختاركم. حرج : أي ضيق بتكليفكم ما يشق عليكم. واعتصموا بالله : أي استعينوا وتوكلوا عليه. مولاكم : أي ناصركم.
الإيضاح :
﴿ وجاهدوا في الله حق جهاده ﴾أي و جاهدوا في سبيل الله جهادا حقا خالصا لوجهه لا تخشون فيه لومة لائم.
﴿ هو اجتباكم ﴾أي هو اختاركم من سائر الأمم، وخصكم بأكرم رسول، وأكمل شرع.
﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾أي وما جعل عليكم في الدين الذي تعبدكم به ضيقا لا مخرج لكم منه، بل وسع عليكم وجعل لكم من كل ذنب مخلصا، فرخص لكم في المضايق ؛ فالصلاة وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعا وفي السفر تقصر إلى اثنتين، ويصليها المريض جالسا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، وأباح الفطر حين السفر و حين الإرضاع والحمل والشغل في شاق الأعمال، ولم يوجب علينا الجمعة في المساجد حين السفر أو الخوف من عدو أو سبع أو مطر إلى نحو أولئك، كما فتح لكم باب التوبة وشرع لكم الكفارات في حقوقه ودفع الدية بدل القصاص إذا رضي الولي.
ونحو الآية قوله سبحانه :﴿ فاتقوا الله ما استطعمتم ﴾[ التغابن : ١٦ ] وقوله :﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾[ البقرة : ١٨٥ ] وقوله :﴿ ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ﴾[ البقرة : ٢٨٦ ].
﴿ مله أبيكم إبراهيم ﴾أو وملتكم هي ملة أبيكم إبراهيم الحنيفة السمحة التي لم يعتورها جنف ولا إشراك.
ونحو الآية قوله تعالى :﴿ قل إنني هداني رب إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا ﴾[ الأنعام : ١٦١ ] الآية.
﴿ هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ﴾أي إن الله سماكم يا معشر من آمن بمحمد ( ص ) المسلمين في الكتب المتقدمة وفي هذا الكتاب.
وخلاصة هذا : إنه تعالى ذكر أنه اختارهم من بين سائر الأمم، ثم حثهم على إتباع ما جاءهم به الرسول، لأنه ملة أبيهم إبراهيم، ثم نوه بذكره والثناء عليه في كتب الأنبياء قبله وفي القرآن.
﴿ ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ﴾أي إنما جعلكم هكذا أمة وسطا عدولا مشهودا بعدالتكم بين الأمم، ليكون محمد ( ص ) شهيدا عليكم يوم القيامة بأنه قد بلغكم ما أرسل به إليكم، وتكونوا شهداء على الناس بأن الرسل قد بلغوكم ما أرسلوا به إليهم.
وإنما قبلت شهادتهم على الناس لسائر الأنبياء، لأنهم لم يفرقوا بين أحد منهم وعلموا أخبارهم من كتابهم على لسان نبيهم، ولاعتراف سائر الأمم يومئذ بفضلهم على سواهم، وقد تقدم ذكر هذه في سورة الأنعام عند قوله :﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا ﴾[ البقرة : ١٤٣ ] الآية.
ولما ندبهم لأداء الشهادة على الأمم جميعا طلب منهم دوام عبادته والاعتصام بحبله المتين فقال :
﴿ فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم ﴾ أي فقابلوا هذه النعم العظيمة بالقيام بشكرها، فأدوا حق الله عليكم بطاعته فيما أوجب وترك ما حرم، ومن أهم ذلك إقامة الصلاة التي هي وصلة بينكم وبين ربكم، وإيتاء الزكاة التي هي طهرة أبدانكم، وصلة ما بينكم وبين إخوانكم، واستعينوا بالله في جميع أموركم، وهو ناصركم على من يعاديكم.
ثم علل الاعتصام به بقوله :
﴿ فنعم المولى ونعم النصير ﴾أي إن من تولاه كفاه كل ما أهمه، وإذا نصر أحدا أعلاه على كل من خاصمه، إذ لا ناصر في الحقيقة سواه ولا ولي غيره، فله الحمد وهو رب العالمين.
Icon