تفسير سورة سبأ

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم .
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

إلَّا آية:﴿ وَيَرَى ٱلَّذِينَ ﴾[سبأ: ٦] لمَّا أخبر عن تعذيب المنافقين وتكريم المؤمنين في القيامة، بيَّن أنه يستحقُّ الحمد على ذلك، وبين قدرته عليه، وهددَّ منكريه بقوله.
﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾: خلقا ونعمة ﴿ وَلَهُ ﴾: عطفَ على له ﴿ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلآخِرَةِ ﴾: لأنما فيها منه أيضًا، وقدم الصلة هنا لأن النعم الدنيوية قدر تكون بواسطة من يستحق الحمد لها ظاهرا ﴿ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ﴾: في فعله ﴿ ٱلْخَبِيرُ ﴾: بخلقه ﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ ﴾: يدخل ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: كالغيث وغيره ﴿ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ﴾: كالزرع وغيره ﴿ وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾: من الأقضية كالرزق وغيره ﴿ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ﴾: كالأعمال ﴿ وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ ﴾: للمقصرن ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ ﴾: القيامة ﴿ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾: الساعة ﴿ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ ﴾: جرا صفة، ورفعا مبتدأ خبره ﴿ لاَ يَعْزُبُ ﴾: لا يغيب ﴿ عَنْهُ مِثْقَالُ ﴾: مقدار ﴿ ذَرَّةٍ ﴾: نملة صغيرة ﴿ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾: اللوح ﴿ لِّيَجْزِيَ ﴾: متعلق لتأتينكم ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾: الجنة كما مر ﴿ وَٱلَّذِينَ سَعَوْا فِيۤ ﴾: إبطال ﴿ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ﴾: مقدر عجزنا ﴿ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ ﴾: سيء العذاب ﴿ أَلِيمٌ ﴾: مؤلم ﴿ وَيَرَى ﴾: يعلم ﴿ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾: الصحابة وتبعهم ﴿ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ﴾: القرآن ﴿ هُوَ ٱلْحَقَّ وَيَهْدِيۤ ﴾: القرآن ﴿ إِلَىٰ صِرَاطِ ﴾: دين الله ﴿ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ * وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: تعجبا بعد إنكار الساعة لبعضهم ﴿ هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ ﴾: هو محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ يُنَبِّئُكُمْ ﴾: بأعجوبة ﴿ إِذَا مُزِّقْتُمْ ﴾: بليتم ﴿ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾: تمزيق فصرتم ترابا ﴿ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾: فيه ﴿ أَم بِهِ جِنَّةٌ ﴾: جنون يوهمه ذلك والافتراء أخص من الكذب فلم يثبت واسطة بينه وبين الصدق ﴿ بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ فِي ٱلْعَذَابِ ﴾: فيهما ﴿ وَٱلضَّلاَلِ ٱلْبَعِيدِ ﴾: عن الصواب في الدنيا، والإسناد مجازي ﴿ أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ ﴾: كما خسفنا بمن كان قبلهم ﴿ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً ﴾: قطعا ﴿ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾: كيوم الظلة ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾: المرئي ﴿ لآيَةً ﴾: دالة ﴿ لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾: راجع إلى ربه ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً ﴾: بجمع النبوة والملك وغيره قائلين ﴿ يٰجِبَالُ أَوِّبِي ﴾: رَجّعي ﴿ مَعَهُ ﴾: التسبيح أو النوحة على الذنب ﴿ وَٱلطَّيْرَ ﴾: أي: معه، فكانا يسبحان معه بحيث يفهمه السامعون ﴿ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ ﴾: كالشمع بإلانته أو قوته بلا نار ومطرقة قائلين: ﴿ أَنِ ٱعْمَلْ ﴾: دروعا ﴿ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ ﴾: في نسجها بحيث تتناسب حلقها، وهو اول من صنعها، ولم يكن درعه مسمرا ﴿ وَٱعْمَلُواْ ﴾: يا داود وآله ﴿ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾: فاجازيكم ﴿ وَ ﴾: سخرنا ﴿ لِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا ﴾: سيرها غدوة ﴿ شَهْرٌ ﴾: مسيرته ﴿ وَرَوَاحُهَا ﴾: سيرها من زوال إلى الغروب ﴿ شَهْرٌ ﴾: مسيرته ﴿ وَأَسَلْنَا ﴾: أذبنا ﴿ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ لَهُ ﴾: النحاس، فأجريت ثلاثة أيام بلياليهن، أو باليمن، وقيل: وراء أندلس، وبني منه قصرا بلا باب حبس فيه المردة ﴿ وَ ﴾: سخرنا له ﴿ مِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ ﴾: بأمر ﴿ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ ﴾: يعدل ﴿ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا ﴾: الذي هو طاعته ﴿ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ ﴾: تدركه صاعقة تحرقه، أو عذاب الآخرة ﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ ﴾: أبنية مرتفعة ﴿ وَتَمَاثِيلَ ﴾: صور الملائكة والأنبياء على هيئة عباداتهم فيقتدي الناس بهم، وكان يومئذ مباحا ﴿ وَجِفَانٍ ﴾: صحون ﴿ كَٱلْجَوَابِ ﴾: جمع جابيه حوض كبير، كان يأكل من صحن واحد ألف ﴿ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ﴾: كالجبال، قلنا: ﴿ ٱعْمَلُوۤاْ ﴾: لنايا ﴿ آلَ دَاوُودَ شُكْراً ﴾: لنا بطاعتنا بالقلب واللسان والجوارح ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ ﴾: المتوقر على أدائه بالثلاثة، إذ هو نعمة تستدعي شكرا آخر
﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ﴾: على سليمان ﴿ ٱلْمَوْتَ ﴾: وعمره ثلاث وخمسون سنة ﴿ مَا دَلَّهُمْ ﴾: أي: الجن ﴿ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ ﴾: مصدر أرضيت بالبناء للمفعول أي: أكلتها الأرض، وهي الأرضة ﴿ تَأْكُلُ ﴾: من ﴿ مِنسَأَتَهُ ﴾: عصاه، وَمفضولا طرف عصاه، إذ سأل الله تعالى ان يعمى موته على الجن ليتموا عمارة بيت المقدس الذي ابتدأه داود في موضع فسطاط موسى، ويبطل دعواهم علم الغيب، فدخل محرابا من قواقير واتكأ على عصاه ومات والجن يحسبونه قائما حيا ويعلمون له حتى أكلت الأرضية عصاه، فخر فعرفوا موته فوضعوا أرضيه على عصاه فأكلت يوما وليلة فحسبوا عليه وعرفوا أنه مات منذ سنة، كذا عن المفسرين، وضعف هذا [عقْلًا] ظاهر والله تعالى أعلم، روي أن الجن يأتون الأرضة بالماء والطين في أي: موضع هي، شكرا لها ﴿ فَلَمَّا خَرَّ ﴾: سليمان ميتا ﴿ تَبَيَّنَتِ ﴾: علمت ﴿ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ * لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ ﴾: قبيلة كانوا بعد عيسى ﴿ فِي مَسْكَنِهِمْ ﴾: باليمن اسمها " مَأْرب " بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام ﴿ آيَةٌ ﴾: دالة على كمال قدرتنا هي ﴿ جَنَّتَانِ ﴾: بستانان أي: لكل واحد منهم جنة ﴿ عَن يَمِينٍ ﴾: يمين مسكنه ﴿ وَ ﴾: جنة عن ﴿ شِمَالٍ ﴾: منه، قيل: لهم: قالا أو حالا ﴿ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ ﴾: بلدتكم ﴿ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ﴾: من رديء حتى حشرات الأرض ونحو القمل ﴿ وَ ﴾: ربكم ﴿ رَبٌّ غَفُورٌ ﴾: لمن شكر ﴿ فَأَعْرَضُواْ ﴾: عن شكره إلى عبادة الشمس وغيرها ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ ﴾: أي: الصعب أو هو نوع من الفار نقب سدهم أو سيل واديهم الممسوك، جمع عرمة، ما يمسك الماء، وهو الذي بنته بلقيس بينهم وبين ما ملأ بين الجبلين، وكان يخرج الماء من ثقبه قدر حاجتهم فأغرق جناتهم وأموالهم ﴿ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ﴾: هذا من المشاكلة للتهكم ﴿ ذَوَاتَيْ ﴾: تثبية ذات، برد الواو الأصلية ﴿ أُكُلٍ ﴾: ثمر ﴿ خَمْطٍ ﴾: مر فيه حموضة ﴿ وَأَثْلٍ ﴾: طرفاء ﴿ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴾: قلله لنفع ثمرته ﴿ ذَٰلِكَ ﴾: التبديل ﴿ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ ﴾: بكفرهم ﴿ وَهَلْ نُجَٰزِيۤ ﴾: بمثله ﴿ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ * وَجَعَلْنَا ﴾: قبل كسر سدهم ﴿ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾: قرى الشام ﴿ قُرًى ظَاهِرَةً ﴾: متواصلة ﴿ وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ ﴾: مبيتهم في قرية، ومقيلهم في قرية قائلين لهم قالا أو حالا ﴿ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُواْ ﴾: بطرا للنعمة ﴿ رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾: وبلفظ الخبر شكوى من البعد كفرانا ﴿ وَظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ ﴾: بالبطر ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾: ضرب مثل لمن بعدهم ﴿ وَمَزَّقْنَاهُمْ ﴾: فرقناهم في أطراف الأرض ﴿ كُلَّ مُمَزَّقٍ ﴾: فلحق كل قبيلة منهم ببلدة ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ ﴾: عن المعاصي ﴿ شَكُورٍ ﴾: على النعم ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ ﴾: حقق ﴿ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾: في قوله:﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ ﴾[النساء: ١١٩] إلى آخره، ونصبه مع تخفيف صدق بنزع الخافض ﴿ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: هم الصالحون ﴿ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾: تسلط ﴿ إِلاَّ ﴾: لولا تحليته ابتلاء ﴿ لِنَعْلَمَ ﴾: علم ظهور ﴿ مَن يُؤْمِنُ بِٱلآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾: محافظ ﴿ قُلِ ﴾: للمشركين ﴿ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ ﴾: ألوهيتهم ﴿ مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾: لإعانتكم ﴿ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾: من خير وشر ﴿ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ ﴾: شركه ﴿ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ ﴾: عون في الخلق ﴿ وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ ﴾: لأحد ﴿ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾: فيتربص المشفعون أوهم والشافعين فزعين خوفا ﴿ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ ﴾: أزيل الفزع ﴿ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ ﴾: بعضهم لبعض ﴿ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ﴾: في جوابه قال القول ﴿ ٱلْحَقَّ ﴾: وهو الإذن فيها ﴿ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ ﴾: فلا يتكلم إلا بإذنه ﴿ قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ ﴾: فإنهم لا يجحدونه ﴿ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ ﴾: الموحدون أو المشركون ﴿ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾: هذا كقولك للكاذب: إن أحدنا الكاذب، وهذا أبلغ من التصريح لوضوحه، واختلاف الحرفين لعلو المهتدين وانحباس الضال في الظلمات ﴿ قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾: اسناد الجرم إلى نفسه فقط، أدخل في الإنصاف ﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ﴾: بالحشر ﴿ ثُمَّ يَفْتَحُ ﴾: يحكم ﴿ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ ﴾: فيجازي كلا بعمله ﴿ وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ * قُلْ أَرُونِيَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ ﴾: بأي صفة ألحقتموهم به ﴿ كَلاَّ ﴾: ردعهم عن الإشراك ﴿ بَلْ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحْكِيمُ ﴾: فأين هؤلاء الأذلاء منه ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً ﴾: جامعا ﴿ لِّلنَّاسِ ﴾: في الإبلاغ، والتاء للمبالغة أو عامة ﴿ بَشِيراً ﴾: للمؤمنين ﴿ وَنَذِيراً ﴾: للكافرين ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ ﴾: إنكارا ﴿ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ ﴾: الموعود ﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ ﴾: الإضافة بيانية ﴿ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ ﴾: عليه وهو القيامة ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: أي: قالوا ﴿ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾: من الكتب الدالة على البعث ﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ ﴾: بالكفر ﴿ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾: في القيامة ﴿ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ ﴾: في التلاوم، لرأيت عجباً ﴿ يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ ﴾: الأتباع ﴿ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ ﴾: المتبوعين: ﴿ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ ﴾: المتبوعون ﴿ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ ﴾: باختيار الضلالة ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ﴾: كم في ﴿ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ ﴾: سبب ضلالنا ﴿ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّواْ ﴾: أظهروا أو أضمروا ﴿ ٱلنَّدَامَةَ ﴾: كلهم ﴿ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ ﴾: مخافة التعيير ﴿ وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: أي: أعناقهم ﴿ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ﴾: علَى ﴿ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ ﴾: متنعموها ﴿ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُواْ ﴾: المترفون ﴿ نَحْنُ أَكْثَـرُ ﴾: منكم ﴿ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾: كذلك ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ ﴾: لا لرضا ﴿ وَيَقْدِرُ ﴾: يضيق لمن يشاء لا لسخط ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾: فيحسبون التنعم شرفاً
﴿ وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي ﴾: بالخصلة التي ﴿ تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ ﴾: قربة ﴿ إِلاَّ ﴾: استثناء ﴿ مَنْ ﴾: كم ﴿ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾: فإن نفقته خير وولد الصالح يقربانه ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ ﴾: من الحسنات من عشر إلى سبعمائة إلى أكثر ﴿ وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ ﴾: من الجنة ﴿ آمِنُونَ ﴾: من المكاره ﴿ وَٱلَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِيۤ ﴾: إبطال ﴿ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ﴾: مقدرين عجزنا ﴿ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ﴾: لمن يشاء، كما مر في الروم ﴿ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ ﴾: لوجهه ﴿ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾: يعوضه عاجلا أو آجلا ﴿ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ ﴾: لأنه يرزق بلا عوض وغرض ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ﴾: الكفرة ﴿ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ ﴾: توبيخا لهم ﴿ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ ﴾: تنزيها لك عن الشريك ﴿ أَنتَ وَلِيُّنَا ﴾: نواليك فقط ﴿ مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ ﴾: بإطاعتهم ﴿ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ ﴾: مصدقون فيما يقولون لهم ﴿ فَٱلْيَوْمَ لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ ﴾: المعبدون ﴿ لِبَعْضٍ ﴾: العابدين ﴿ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾: الكفرة ﴿ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ﴾: القرآنية ﴿ بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَا ﴾: الذي يقرؤهُ ﴿ إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ وَقَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى ﴾: على الله تعالى ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ ﴾: القرآن ﴿ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ ﴾: ما ﴿ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾: ظاهر سحريته لاعجازه وتأثيره في النفوس ﴿ وَمَآ آتَيْنَاهُمْ ﴾: أي: قريشا ﴿ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا ﴾: كاليهود ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ ﴾: فبأي شبهة يكذبونك؟ ﴿ وَكَذَّبَ ﴾: الكفار ﴿ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ ﴾: هؤلاء ﴿ مِعْشَارَ ﴾: عشر ﴿ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ ﴾: من المال والعمر والقوة ﴿ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾: إنكاري عليهم بتدميرهم، وكذب الأول للتكثير أو مطلق والثاني للتكذيب أو مقيد فلا تكرار ﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ﴾: من الخصائل ﴿ أَن تَقُومُواْ ﴾: تتبصروا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم خالصا ﴿ لِلَّهِ ﴾: بلا تقليد ومراء ﴿ مَثْنَىٰ ﴾: في المناظرة ﴿ وَفُرَادَىٰ ﴾: في التفكير، فإن الازدحام بشوش الخاطر ﴿ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا ﴾: أي: شيء ﴿ بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ ﴾: جنون ﴿ إِنْ ﴾: أي: ما ﴿ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ ﴾: قدام ﴿ عَذَابٍ شَدِيدٍ * قُلْ مَا ﴾: أي: شيء ﴿ سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ ﴾: على الرسالة ﴿ فَهُوَ لَكُمْ ﴾: لا أطمع ﴿ إِنْ ﴾: أي: ما ﴿ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾: فيعلم صدقي ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ ﴾: يلقيه إلى رسله هو ﴿ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ * قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ ﴾: الإسلام ﴿ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾: كناية عن زهوقه، أو لا تُنْشيء آلهتكم شيئًا، ولا تعيده ﴿ قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي ﴾: وباله عليها ﴿ وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي ﴾: اهتديت ﴿ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ﴾: يدرك أقوالنا وأفعالنا ﴿ وَلَوْ تَرَىٰ ﴾: الكفار ﴿ إِذْ فَزِعُواْ ﴾: في البعث لرأيت فظيعا ﴿ فَلاَ فَوْتَ ﴾: لهم منا ﴿ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ﴾: من قبورهم، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه في خسف البيداء ﴿ وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ ﴾: أي: بمحمد الدال عليه صاحبكم ﴿ وَأَنَّىٰ ﴾: من أين ﴿ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ ﴾: تناول الإيمان سهلا ﴿ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾: أي: الاخرة ومحلّه الدنيا ﴿ وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ ﴾: في الدنيا ﴿ وَيَقْذِفُونَ ﴾: يرمون ﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾: أي: رمي من يرمي إلى ما غاب عنه ﴿ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾: لا يمكن لحوقه وهي رميهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالسحر والكهانة ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم ﴾: أشباههم الكفرة ﴿ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ ﴾: موقع في الريبة، أو ذي ريب نحو شعر شاعر.
Icon