تفسير سورة محمد

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة محمد من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مدنية وهي ثمان وثلاثون آية.

سورة محمد صلّى الله عليه وسلّم
مدنية وهي ثمان وثلاثون آية.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة محمد (٤٧): الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣)
قوله عز وجل: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ يعني أبطلها ولم يتقبلها منهم. وأراد بالأعمال: ما كانوا يفعلون من أعمال البر في إطعام الطعام، وصلة الأرحام وفك العاني وهو الأسير، وإجارة المستجير، ونحو ذلك. وقال بعضهم: أول هذه السورة متعلق بآخر سورة الأحقاف المتقدمة كأن قائلا قال:
كيف يهلك القوم الفاسقون ولهم أعمال صالحة كإطعام الطعام ونحوه من الأعمال والله لا يضيع لعامل عمله ولو كان مثقال ذرة من خير فأخبر بأن الفاسقين هم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم يعني أبطلها لأنها لم تكن لله ولا بأمره إنما فعلوها من عند أنفسهم ليقال عنهم ذلك فلهذا السبب أبطلها الله تعالى وقال الضحاك:
أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وجعل الدائرة عليهم. قال بعضهم: المراد بقوله، الَّذِينَ كَفَرُوا هم الذين كانوا يطعمون الجيش يوم بدر وهم رؤوس كفار قريش منهم أبو جهل، والحارث بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وغيرهم. وقيل: هم جميع كفار قريش وقيل هم كفار أهل الكتاب وقيل هو عام فيدخل فيه كل كافر وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يعني ومنعوا غيرهم عن الدخول في دين الله وهو الإسلام أو منعوا أنفسهم من الدخول في الإسلام أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ يعني أبطلها لأنها كانت لغير الله ومنه قوله تعالى: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قال ابن عباس الذين كفروا مشركو قريش، والذين آمنوا هم الأنصار وقيل مؤمنو أهل الكتاب وقيل هو عام فيدخل فيه كل مؤمن آمن بالله ورسوله وهذا هو الأولى ليشمل جميع المؤمنين وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ يعني القرآن الذي أنزله الله على محمد وإنما ذكره بلفظ الاختصاص مع ما يجب من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الله تعظيما لشأن القرآن الكريم وتنبيها على أنه لا يتم الإيمان إلا به وأكد ذلك بقوله: وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وقيل: معناه أن دين محمد صلّى الله عليه وسلّم هو الحق لأنه ناسخ للأديان كلها ولا يرد عليه نسخ وقال سفيان الثوري في قوله آمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ يعني لم يخالفوه في شيء كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ يعني ستر بأيمانهم وعملهم الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم وتوبتهم منها فغفر لهم بذلك ما كان منهم وَأَصْلَحَ بالَهُمْ يعني حالهم وشأنهم وأمرهم بالتوفيق في أمور الدين والتسليط على أمور الدنيا بما أعطاهم من النصر على أعدائهم. وقيل أصلح بالهم يعني قلوبهم لأن القلب إذا
﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ قال ابن عباس الذين كفروا مشركو قريش، والذين آمنوا هم الأنصار وقيل مؤمنو أهل الكتاب وقيل هو عام فيدخل فيه كل مؤمن آمن بالله ورسوله وهذا هو الأولى ليشمل جميع المؤمنين ﴿ وآمنوا بما نزل على محمد ﴾ يعني القرآن الذي أنزله الله على محمد وإنما ذكره بلفظ الاختصاص مع ما يجب من الإيمان بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعظيماً لشأن القرآن الكريم وتنبيهاً على أنه لا يتم الإيمان إلا به وأكد ذلك بقوله :﴿ وهو الحق من ربهم ﴾ وقيل : معناه أن دين محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق لأنه ناسخ للأديان كلها ولا يرد عليه نسخ وقال سفيان الثوري في قوله ﴿ وآمنوا بما نزل على محمد ﴾ يعني لم يخالفوه في شيء ﴿ كفر عنهم سيئاتهم ﴾ يعني ستر بأيمانهم وعملهم الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم وتوبتهم منها فغفر لهم بذلك ما كان منهم ﴿ وأصلح بالهم ﴾ يعني حالهم وشأنهم وأمرهم بالتوفيق في أمور الدين والتسليط على أمور الدنيا بما أعطاهم من النصر على أعدائهم. وقيل أصلح بالهم يعني قلوبهم لأن القلب إذا صلح صلح سائر الجسد وقال ابن عباس عصمهم أيام حياتهم يعني أن هذا الإصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتى لا يعصوا.
﴿ ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ﴾ يعني الشيطان ﴿ وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم ﴾ يعني القرآن ومعنى الآية ذلك الأمر وهو إضلال أعمال الكفار وتكفير سيئات المؤمنين كائن بسبب إتباع الكفار الباطل وإتباع المؤمنين الحق من ربهم ﴿ كذلك يضرب الله للناس أمثالهم ﴾ الضمير في أمثالهم راجع إلى الناس على أنه تعالى يضرب للناس أمثال أنفسهم أو أنه راجع إلى الفريقين على معنى أنه تعالى ضرب أمثال الفريقين للناس ليعتبروا بها قال الزجاج كذلك يضرب الله أمثال حسنات المؤمنين وأمثال أعمال الكافرين للناس.
صلح صلح سائر الجسد وقال ابن عباس عصمهم أيام حياتهم يعني أن هذا الإصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتى لا يعصوا ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ يعني الشيطان وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ يعني القرآن ومعنى الآية ذلك الأمر وهو إضلال أعمال الكفار وتكفير سيئات المؤمنين كائن بسبب إتباع الكفار الباطل وإتباع المؤمنين الحق من ربهم كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ الضمير في أمثالهم راجع إلى الناس على أنه تعالى يضرب للناس أمثال أنفسهم أو أنه راجع إلى الفريقين على معنى أنه تعالى ضرب أمثال الفريقين للناس ليعتبروا بها قال الزجاج كذلك يضرب الله أمثال حسنات المؤمنين وأمثال أعمال الكافرين للناس.
[سورة محمد (٤٧): آية ٤]
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤)
قوله تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا من اللقاء وهو الحرب فَضَرْبَ الرِّقابِ يعني: فاضربوا رقابهم ضربا. وضرب الرقاب، عبارة عن القتل، إلا أن المراد ضرب الرقاب فقط دون سائر الأعضاء وإنما خص الرقاب بالضرب، لأن قتل الإنسان أشنع ما يكون بضرب رقبته فلذلك خصت بالذكر في الأمر بالقتل ولأن الرأس من أشرف أعضاء البدن فإذا أبين عن بدنه كان أسرع إلى الموت والهلاك بخلاف غيره من الأعضاء حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ يعني بالغنم في القتل وقهرتموهم مأخوذ من الشيء الثخين الغليظ. والمعنى: إذا اثقلتموهم بالقتل والجراح ومنعتموهم النهوض والحركة فَشُدُّوا الْوَثاقَ يعني في الأسرى والمعنى فأسروهم وشدوا وثاقهم حتى لا يفلتوا منكم والوثاق اسم لما يوثق به أي يشد به فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً يعني بعد الأسر إما أن تمنوا عليهم منا بإطلاقهم من غير عوض وإما أن تفادوهم فداء.
(فصل: في حكم الآية) اختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال قوم هي منسوخة بقوله فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ وبقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وهذا قول قتادة والضحاك والسدي وابن جريج وإليه ذهب الأوزاعي وأصحاب الرأي قالوا لا يجوز لمن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء بل إما القتل أو الاسترقاق أيهما رأى الإمام. ونقل صاحب الكشاف عن مجاهد قال ليس اليوم من ولا فداء إنما هو الإسلام أو ضرب العنق ويجوز أن يكون المراد أن يمن عليهم بترك القتل ويسترقوا أو يمن عليهم فيخلوا لقبول الجزية إن كانوا من أهل الذمة ويراد بالفداء أن يفادى بأسراهم أسرى المسلمين فقد رواه الطحاوي مذهبا عن أبي حنيفة والمشهور عنه أنه لا يرى فداءهم لا بمال ولا بغيره خيفة أن يعودوا حربا للمسلمين وذهب أكثر العلماء إلى أن الآية محكمة والإمام بالخيار في الرجال البالغين من الكفار إذا أسروا بين أن يقتلهم أو يسترقهم أو يمن عليهم فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال أو بأسارى المسلمين وإليه ذهب ابن عمر وبه قال الحسن وعطاء وأكثر الصحابة والعلماء وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. قال ابن عباس: لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله عز وجل في الأسارى فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً وهذا القول هو الصحيح ولأنه به عمل النبي صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء بعده (ق) عن أبي هريرة قال: «بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه في سارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا كان من الغد قال: ما عندك يا ثمامة؟ قال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى إذا كان من الغد قال: ما عندك يا
ثمامة قال: عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أطلقوا ثمامة. فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال:
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والله ما كان على الأرض أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي. والله ما كان من دين أبغض من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ قال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» لفظ مسلم بطوله واختصره البخاري عن عمران بن حصين قال «أسر أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلا من بني عقيل فأوثقوه وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففداه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالرجلين للذين أسرتهما ثقيف» أخرجه الشافعي في مسنده وأخرجه مسلم وأبو داود بلفظ أطول من هذا.
وقوله تعالى: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها يعني أثقالها وأحمالها والمراد أهل الحرب يعني حتى يضعوا أسلحتهم ويمسكوا عن القتال وأصل الوزر: ما يحمله الإنسان فسمى الأسلحة وزرا لأنها تحمل. وقيل: الحرب هم المحاربون مثل الشرب والركب. وقيل: الأوزار الآثام. ومعناه: حتى يضع المحاربون أوزارهم بأن يتوبوا من كفرهم فيؤمنوا بالله ورسوله. وقيل: معناه حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا. ومعنى الآية: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام ويكون الدين كله لله فلا يكون بعده جهاد ولا قتال وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام وجاء في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر متى الدجال» هكذا ذكره البغوي بغير سند قال الكلبي معناه حتى يسلموا أو يسالموا. قال الفراء: حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم ذلِكَ يعني الذي ذكر وبين من حكم الكفار وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ يعني ولو شاء الله لأهلكهم بغير قتال وكفاكم أمرهم وَلكِنْ يعني ولكن أمركم بالقتال لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ يعني فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب ومن قتل من الكافرين إلى العذاب وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني الشهداء وقرئ قاتلوا وهم المجاهدون في سبيل الله فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ يعني فلن يبطلها بأن يوفيهم ثواب أعمالهم التي عملوها لله تعالى قال قتادة ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في يوم أحد وقد فشت في المسلمين الجراحات والقتل.
[سورة محمد (٤٧): الآيات ٥ الى ٧]
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧)
سَيَهْدِيهِمْ يعني أيام حياتهم في الدنيا إلى أرشد الأمور في الآخرة إلى الدرجات العلي وَيُصْلِحُ بالَهُمْ ويرضي أعمالهم ويقبلها وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ يبين لهم منازلهم في الجنة حتى اهتدوا إلى مساكنهم لا يخطئونها ولا يستدلون عليها كأنهم ساكنوها منذ خلقوا فيكون المؤمن أهدى إلى درجته ومنزله وزوجته وخدمه منه إلى منزله وأهله في الدنيا هذا قول أكثر المفسرين. ونقل عن ابن عباس عرفها لهم طيبها لهم من العرف وهو الريح الطيبة وطعام معرف أي مطيب.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يعني تنصروا دين الله ورسوله وقيل: تنصروا أولياء الله وحزبه يَنْصُرْكُمْ يعني على عدوكم وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ يعني عند القتال وعلى الصراط.
﴿ ويدخلهم الجنة عرفها لهم ﴾ يبين لهم منازلهم في الجنة حتى اهتدوا إلى مساكنهم لا يخطئونها ولا يستدلون عليها كأنهم ساكنوها منذ خلقوا فيكون المؤمن أهدى إلى درجته ومنزله وزوجته وخدمه منه إلى منزله وأهله في الدنيا هذا قول أكثر المفسرين. ونقل عن ابن عباس عرفها لهم طيبها لهم من العرف وهو الريح الطيبة وطعام معرف أي مطيب.
قوله عز وجل :﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ﴾ يعني تنصروا دين الله ورسوله وقيل : تنصروا أولياء الله وحزبه ﴿ ينصركم ﴾ يعني على عدوكم ﴿ ويثبت أقدامكم ﴾ يعني عند القتال وعلى الصراط.

[سورة محمد (٤٧): الآيات ٨ الى ١٤]

وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ قال ابن عباس: يعني بعدا لهم. وقال أبو العالية: سقوطا لهم وقال الضحاك:
خيبة لهم. وقال ابن زيد: شقاء لهم. وقيل: التعس في الدنيا العثرة وفي الآخرة التردي في النار. يقال للعاثر:
تعسا إذا دعوا عليه ولم يريدوا قيامه وضده لعا إذا دعوا له وأرادوا قيامه وفي هذا إشارة جليلة وهي أنه تعالى لما قال في حق المؤمنين وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ، يعني في الحرب والقتال، كان من الجائز أن يتوهم متوهم أن الكافر أيضا يصبر ويثبت قدمه في الحرب والقتال فأخبر الله تعالى أن لكم الثبات أيها المؤمنون ولهم العثار والزوال والهلاك وقال في حق المؤمنين بصيغة الوعد لأن الله تعالى لا يجب عليه شيء وقال في حق الكفار بصيغة الدعاء عليهم وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ يعني أبطل أعمالهم لأنها كانت في طاعة الشيطان ذلِكَ يعني التعس والإضلال بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ يعني القرآن الذي فيه النور والهدى وإنما كرهوه لأن فيه الأحكام والتكاليف الشاقة على النفس لأنهم كانوا قد ألفوا الإهمال وإطلاق العنان في الشهوات والملاذ فشق عليهم ذلك والأخذ بالجد والاجتهاد في طاعة الله فلهذا السبب كرهوا ما أنزل الله فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ يعني فأبطل أعمالهم التي عملوها في غير طاعة الله ولأن الشرك محبط للعمل.
ثم خوف الكفار فقال تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني من الأمم الماضية والقرون الخالية الكافرة دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يقال: دمره الله. يعني أهلكه، ودمر عليه إذا أهلك ما يختص به والمعنى أهلك الله عليهم ما يختص بهم من أنفسهم وأموالهم وأولادهم وَلِلْكافِرِينَ يعني بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أَمْثالُها يعني إن لم يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبما جاءهم به من عند الله وهذا التضعيف إنما يكون في الآخرة ذلِكَ يعني الإهلاك والهوان بِأَنَّ أي بسبب أن اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا يعني هو ناصرهم ووليهم ومتولي أمورهم وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ يعني لا ناصر لهم وسبب ذلك أن الكفار لما عبدوا الأصنام وهي جماد لا تضر ولا تنفع ولا تنصر من عبدها فلا جرم ولا ناصر لهم والفرق بين قوله: «وأن الكافرين لا مولى لهم وبين قوله ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الحق أن المولى هنا بمعنى الناصر والمولى هناك بمعنى الرب والمالك والله تعالى رب كل أحد من الناس ومالكهم فبان الفرق بين الآيتين ولما ذكر الله تعالى حال المؤمنين والكافرين في الدنيا ذكر حالهم في الآخرة فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يعني هذا لهم في الآخرة وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ يعني في الدنيا بشهواتها ولذاتها وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ يعني ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم وهم مع ذلك لاهون ساهون عما يراد بهم في غد ولهذا شبههم بالأنعام لأن الأنعام لا عقل لها ولا تمييز وكذلك الكافر لا عقل له ولا تمييز لأنه لو كان له عقل ما عبد ما يضره ولا ينفعه. قيل: المؤمن في الدنيا يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع وإنما وصف الكافر بالتمتع في الدنيا لأنها جنته وهي سجن المؤمن بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من النعيم العظيم الدائم وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ يعني مقام الكفار في الآخرة. والثواء: المقام في المكان مع الاستقرار فيه، فالنار مثوى الكافرين ومستقرهم.
قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ يعني أخرجك أهلها. والمراد بالقرية: مكة. قال ابن عباس: كم من رجال هي أشد قوة من أهل مكة أهلكهم الله يدل عليه قوله أَهْلَكْناهُمْ
﴿ ذلك ﴾ يعني التعس والإضلال ﴿ بأنهم كرهوا ما أنزل الله ﴾ يعني القرآن الذي فيه النور والهدى وإنما كرهوه لأن فيه الأحكام والتكاليف الشاقة على النفس لأنهم كانوا قد ألفوا الإهمال وإطلاق العنان في الشهوات والملاذ فشق عليهم ذلك والأخذ بالجد والاجتهاد في طاعة الله فلهذا السبب كرهوا ما أنزل الله ﴿ فأحبط أعمالهم ﴾ يعني فأبطل أعمالهم التي عملوها في غير طاعة الله ولأن الشرك محبط للعمل.
خوف الكفار فقال تعالى :﴿ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ﴾ يعني من الأمم الماضية والقرون الخالية الكافرة ﴿ دمر الله عليهم ﴾ يقال : دمره الله. يعني أهلكه، ودمر عليه إذا أهلك ما يختص به والمعنى أهلك الله عليهم ما يختص بهم من أنفسهم وأموالهم وأولادهم ﴿ وللكافرين ﴾ يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم ﴿ أمثالها ﴾ يعني إن لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاءهم به من عند الله وهذا التضعيف إنما يكون في الآخرة.
﴿ ذلك ﴾ يعني الإهلاك والهوان ﴿ بأن ﴾ أي بسبب أن ﴿ الله مولى الذين آمنوا ﴾ يعني هو ناصرهم ووليهم ومتولي أمورهم ﴿ وأن الكافرين لا مولى لهم ﴾ يعني لا ناصر لهم وسبب ذلك أن الكفار لما عبدوا الأصنام وهي جماد لا تضر ولا تنفع ولا تنصر من عبدها فلا جرم ولا ناصر لهم والفرق بين قوله :﴿ وأن الكافرين لا مولى لهم ﴾ وبين قوله ﴿ ثم ردوا إلى الله مولاهم ﴾ الحق أن المولى هنا بمعنى الناصر والمولى هناك بمعنى الرب والمالك والله تعالى رب كل أحد من الناس ومالكهم فبان الفرق بين الآيتين.
ولما ذكر الله تعالى حال المؤمنين والكافرين في الدنيا ذكر حالهم في الآخرة فقال تعالى :﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ يعني هذا لهم في الآخرة ﴿ والذين كفروا يتمتعون ﴾ يعني في الدنيا بشهواتها ولذاتها ﴿ ويأكلون كما تأكل الأنعام ﴾ يعني ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم وهم مع ذلك لاهون ساهون عما يراد بهم في غد ولهذا شبههم بالأنعام لأن الأنعام لا عقل لها ولا تمييز وكذلك الكافر لا عقل له ولا تمييز لأنه لو كان له عقل ما عبد ما يضره ولا ينفعه. قيل : المؤمن في الدنيا يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع وإنما وصف الكافر بالتمتع في الدنيا لأنها جنته وهي سجن المؤمن بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من النعيم العظيم الدائم ﴿ والنار مثوى لهم ﴾ يعني مقام الكفار في الآخرة. والثواء : المقام في المكان مع الاستقرار فيه، فالنار مثوى الكافرين ومستقرهم.
قوله تعالى :﴿ وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك ﴾ يعني أخرجك أهلها. والمراد بالقرية : مكة. قال ابن عباس : كم من رجال هي أشد قوة من أهل مكة أهلكهم الله يدل عليه قوله ﴿ أهلكناهم ﴾ ولم يقل أهلكناها ﴿ فلا ناصر لهم ﴾ يعني فلا مانع يمنعهم من العذاب والهلاك الذي حل بهم قال ابن عباس :" لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار التفت إلى مكة وقال :" أنتِ أحب بلاد الله تعالى إلى الله وأحب بلاد الله إليّ ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك ".
فأنزل الله هذه الآية ﴿ أفمن كان على بينة من ربه ﴾ يعني على يقين من دينه وهو محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه ﴿ كمن زين له سوء عمله ﴾ وهو الكافر أبو جهل ومن معه من المشركين ﴿ واتبعوا أهواءهم ﴾ يعني في عبادة الأوثان.
ولم يقل أهلكناها فَلا ناصِرَ لَهُمْ يعني فلا مانع يمنعهم من العذاب والهلاك الذي حل بهم قال ابن عباس: لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الغار التفت إلى مكة وقال: أنت أحب بلاد الله تعالى إلى الله وأحب بلاد الله إليّ ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك، فأنزل الله هذه الآية أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ يعني على يقين من دينه وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنون معه كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وهو الكافر أبو جهل ومن معه من المشركين وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ يعني في عبادة الأوثان.
[سورة محمد (٤٧): الآيات ١٥ الى ١٧]
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧)
قوله عز وجل: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ لما بين الله عز وجل حال الفريقين في الاهتداء والضلال بيّن في هذه الآية ما أعد لكل واحد من الفريقين فبين أولا ما أعد للمؤمنين المتقين فقال تعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ يعني صفة الجنة. قال سيبويه: المثل هو الوصف فمعناه وصف الجن وذلك لا يقتضي مشبها به.
وقيل: الممثل به محذوف غير مذكور والمعنى مثل الجنة التي وعد المتقون مثل عجيب وشيء عظيم وقيل:
الممثل به مذكور وهو قوله: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ فِيها يعني الجنة التي وعد المتقون أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ يعني غير متغير ولا منتن. يقال: أسن الماء وأجن إذا تغير طعمه وريحه وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ يعني كما تتغير ألبان الدنيا فلا يعود حامضا ولا قارصا ولا ما يكره من الطعوم وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ يعني ليس فيها حموضة ولا عفوصة ولا مرارة ولم تدنسها الأرجل بالدوس ولا الأيدي بالعصر وليس من شرابها ذهاب عقل ولا صداع ولا خمار بل هي لمجرد الالتذاذ فقط وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى يعني ليس فيه شمع كعسل الدنيا ولم يخرج من بطون النحل حتى يموت فيه بعض نحله بل هو خالص صاف من جميع شوائب عسل الدنيا.
عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (م) عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة» قال الشيح محيي الدين النووي في شرح مسلم:
سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون فأما سيحان جيحان المذكوران في الحديث اللذان هما من أنهار الجنة فهما في بلاد الأرمن فسيحان نهر أردنة وجيحان نهر المصيصة وهما نهران عظيمان جدا أكبرهما جيحان هذا هو الصواب في موضعهما ثم ذكر كلاما بعد هذا طويلا. ثم قال: فأما كون هذه الأنهار من ماء الجنة، ففيه تأويلان الثاني، وهو الصحيح، أنها على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة. فالجنة مخلوقة موجودة اليوم هذا مذهب أهل السنة. وقال كعب الأحبار: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة، ونهر الفرات نهر لبنهم، ونهر مصر نهر خمرهم، ونهر سيحان نهر عسلهم، وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر هكذا نقله البغوي عنه.
وقوله تعالى: وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ في ذكر الثمرات بعد المشروب إشارة إلى أن مأكول أهل الجنة للذة لا الحاجة فلهذا ذكر الثمار بعد المشروب لأنها للتفكه واللذة وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ فإن قلت: المؤمن المتقي لا يدخل الجنة إلا بعد المغفرة، فكيف يكون له فيها المغفرة.
قلت ليس بلازم أن يكون المعنى ولهم مغفرة فيها لأن الواو لا تقتضي الترتيب فيكون المعنى ولهم فيها من
قوله تعالى :﴿ ومنهم ﴾ يعني ومن هؤلاء الكفار ﴿ من يستمع إليك ﴾ وهم المنافقون يستمعون قولك فلا يعونه ولا يفهمونه تهاوناً به وتغافلاً عنه ﴿ حتى إذا خرجوا من عندك ﴾ يعني أن هؤلاء المنافقين الذين كانوا عندك يا محمد يستمعون كلامك فإذا خرجوا من عندك ﴿ قالوا ﴾ يعني المنافقين ﴿ للذين أوتوا العلم ﴾ يعني من الصحابة ﴿ ماذا قال آنفاً ﴾ يعني ما الذي قال محمد الآن وهو من الائتناف. يقال : ائتنفت الأمر أي ابتدأته قال مقاتل : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاء ماذا قال محمد صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس وقد سئلت فيمن سئل ﴿ أولئك ﴾ يعني المنافقين ﴿ الذين طبع الله على قلوبهم ﴾ يعني فلم يؤمنوا ولم ينتفعوا بما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ واتبعوا أهواءهم ﴾ يعني في الكفر والنفاق والمعنى أنهم لما تركوا إتباع الحق أماتَ الله قلوبهم فلم تفهم ولم تعقل فعند ذلك اتبعوا أهواءهم في الباطل ﴿ والذين اهتدوا ﴾ يعني المؤمنين لما بين الله أن المنافق يسمع ولا ينتفع بل هو مصر على متابعة الهوى بين حال المؤمن المهتدي الذي ينتفع بما يستمع.
فقال تعالى :﴿ والذين اهتدوا ﴾ يعني بهداية الله إياهم إلى الإيمان ﴿ زادهم هدى ﴾ يعني أنهم كلما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما جاء به عن الله عز وجل آمنوا بما سمعوا منه وصدقوه فيزيدهم ذلك هدى مع هدايتهم وإيماناً مع إيمانهم ﴿ وآتاهم تقواهم ﴾ يعني وفقهم للعمل بما أمرهم به وهو التقوى. وقال سعيد بن جبير : آتاهم ثواب تقواهم، وقيل : آتاهم نفس تقواهم، بمعنى أنه تعالى بيَّن لهم التقوى.
كل الثمرات ولهم مغفرة قبل دخولهم إليها، وجواب آخر وهو أن المعنى ولهم مغفرة فيها برفع التكاليف عنهم فيما يأكلون ويشربون بخلاف الدنيا فإن مأكولها يترتب عليه حساب وعقاب ونعيم الجنة لا حساب عليه ولا عقاب فيه قوله تعالى: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ يعني من هو في هذا النعيم المقيم الدائم كمن هو خالد في النار يتجرع من حميمها وهو قوله وَسُقُوا ماءً حَمِيماً يعني شديد الحر قد استعرت عليه جهنم منذ خلقت، إذا دنا منهم شوى وجوههم، ووقعت فروة رؤوسهم فإذا شربوه فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ يعني فخرجت من أدبارهم والأمعاء جمع معي وهو جميع ما في البطن من الحوايا.
وقال الزجاج: قوله كمن هو خالد في النار راجع إلى ما تقدم كأنه تعالى قال: أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم.
عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد» كما كان أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب حسن صحيح.
عن أبي أمامة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «في قوله يسقى من ماء صديد يتجرعه قال: يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا دنا منه وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره. قال الله تعالى: ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ ويقول: وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب.
قوله تعالى: وَمِنْهُمْ يعني ومن هؤلاء الكفار مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وهم المنافقون يستمعون قولك فلا يعونه ولا يفهمونه تهاونا به وتغافلا عنه حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ يعني أن هؤلاء المنافقين الذين كانوا عندك يا محمد يستمعون كلامك فإذا خرجوا من عندك قالُوا يعني المنافقين لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعني من الصحابة ماذا قالَ آنِفاً يعني ما الذي قال محمد الآن وهو من الائتناف. يقال: ائتنفت الأمر أي ابتدأته قال مقاتل:
وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يخطب ويعيب المنافقين، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاء ماذا قال محمد صلّى الله عليه وسلّم قال ابن عباس وقد سئلت فيمن سئل أُولئِكَ يعني المنافقين الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ يعني فلم يؤمنوا ولم ينتفعوا بما سمعوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ يعني في الكفر والنفاق والمعنى أنهم لما تركوا إتباع الحق أمات الله قلوبهم فلم تفهم ولم تعقل فعند ذلك اتبعوا أهواءهم في الباطل وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا يعني المؤمنين لما بين الله أن المنافق يسمع ولا ينتفع بل هو مصر على متابعة الهوى بين حال المؤمن المهتدي الذي ينتفع بما يستمع فقال تعالى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا يعني بهداية الله إياهم إلى الإيمان زادَهُمْ هُدىً يعني أنهم كلما سمعوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مما جاء به عن الله عز وجل آمنوا بما سمعوا منه وصدقوه فيزيدهم ذلك هدى مع هدايتهم وإيمانا مع إيمانهم وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ يعني وفقهم للعمل بما أمرهم به وهو التقوى. وقال سعيد بن جبير: آتاهم ثواب تقواهم، وقيل: آتاهم نفس تقواهم، بمعنى أنه تعالى بيّن لهم التقوى.
[سورة محمد (٤٧): الآيات ١٨ الى ١٩]
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)
قوله عز وجل: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً يعني الكافرين والمنافقين الذين قعدوا عن الإيمان فلم يؤمنوا فالساعة بغتة تفجؤهم وهم على كفرهم ونفاقهم ففيه وعيد وتهديد والمعنى لا ينظرون إلى الساعة والساعة آتية لا محالة وسميت القيامة ساعة لسرعة قيامها.
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بادروا بالأعمال سبعا فهل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو
144
مرضا مفسدا أو هرما مقيدا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن. وقوله تعالى: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها أي أماراتها وعلاماتها واحدها شرط.
ولما كان قيام الساعة أمرا مستبطأ في النفوس وقد قال الله تعالى: فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فكأن قائلا قال متى يكون قيام الساعة فقال تعالى: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها قال المفسرون: من أشراط الساعة انشقاق القمر وبعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (ق). عن سهل بن سعد قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال بإصبعه هكذا الوسطى والتي تلي الإبهام وقال: بعثت أنا والساعة كهاتين وفي رواية قال بعثت أنا والساعة كهاتين ويشير بإصبعيه يمدهما» (ق) عن أنس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بعثت أنا والساعة كهاتين كفضل أحدهما على الأخرى وضم السبابة والوسطى وفي رواية قال بعثت في نفس الساعة فسبقتها كفضل هذه على الأخرى» قيل معنى الحديث أن المراد أن ما بين مبعثه صلّى الله عليه وسلّم وقيام الساعة شيء يسير كما بين الإصبعين في الطول وقيل هو إشارة إلى قرب المجاورة (ق) عن أنس قال عند قرب وفاته ألا أحدثكم حديثا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يحدثكم به أحد غيري سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «لا تقوم الساعة أو قال من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل ويشرب الخمر ويفشو الزنى ويذهب الرجال ويبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم. وفي رواية ويظهر الزنى ويقل الرجال ويكثر النساء» (ق) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن من أشراط الساعة أن يتقارب الزمان وينقص العلم وتظهر الفتن ويبقى الشح ويكثر الهرج قالوا وما الهرج قال القتل وفي رواية: يرفع العلم ويثبت الجهل أو قال ويظهر الجهل» (خ) عن أبي هريرة قال: «بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حديثه فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم: بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال أين السائل عن الساعة قال: ها أنا ذا يا رسول الله قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال وكيف إضاعتها؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».
وقوله تعالى: فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ يعني فمن أين لهم التذكر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة بغتة. وقيل: معناه كيف يكون حالهم إذا جاءتهم الساعة فلا تنفعهم الذكرى ولا تقبل منهم التوبة ولا يحتسب بالإيمان في ذلك الوقت فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
وأورد على هذا أنه صلّى الله عليه وسلّم كان عالما بالله وأنه لا إله إلا هو فما فائدة هذا الأمر.
وأجيب عنه بأن معناه: دم على ما أنت عليه من العلم. فهو كقول القائل للجالس: اجلس أي دم على ما أنت عليه من الجلوس أو يكون معناه ازدد علما إلى علمك. وقيل: إن هذا الخطاب وإن كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فالمراد به غيره من أمته. قال أبو العالية وسفيان بن عيينة: هذا متصل بما قبله. معناه: إذا جاءتهم فاعلم أنه لا ملجأ ولا منجى ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله الذي لا إله إلا هو. وقيل: معناه فاعلم أنه لا إله إلا الله وأن جميع الممالك تبطل عند قيامها فلا ملك ولا حكم لأحد إلا الله الذي لا إله إلا هو وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ أمر الله عز وجل نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالاستغفار مع أنه مغفور له ليستنّ به أمته وليقتدوا به في ذلك (م) عن الأغر المزني أغر مزينة قال:
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر في اليوم مائة مرة وفي رواية قال: توبوا إلى ربكم فو الله إني لأتوب إلى ربي عز وجل مائة مرة في اليوم» (خ) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة وفي رواية أكثر من سبعين مرة» قوله: إنه ليغان على قلبي الغين التغطية والستر أي يلبس على قلبي ويغطي وسبب ذلك ما أطلعه عليه من أحوال أمته بعده فأحزنه ذلك حتى كان يستغفر لهم. وقيل: إنه لما كان يشغله النظر في أمور المسلمين ومصالحهم حتى يرد أنه قد شغل بذلك وإن كان من أعظم طاعة وأشرف عبادة عن أرفع مقام مما هو فيه وهو التفرد بربه عز وجل وصفاء وقته معه وخلوص
145
﴿ فاعلم أنه لا إله إلا الله ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وأورد على هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان عالماً بالله وأنه لا إله إلا هو فما فائدة هذا الأمر. وأجيب عنه بأن معناه : دُمْ على ما أنت عليه من العلم. فهو كقول القائل للجالس : اجلس أي دم على ما أنت عليه من الجلوس أو يكون معناه ازدد علماً إلى علمك. وقيل : إن هذا الخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمراد به غيره من أمته. قال أبو العالية وسفيان بن عيينة : هذا متصل بما قبله. معناه : إذا جاءتهم فاعلم أنه لا ملجأ ولا منجى ولا مفزع عند قيامها إلا إلى الله الذي لا إله إلا هو. وقيل : معناه فاعلم أنه لا إله إلا الله وأن جميع الممالك تبطل عند قيامها فلا ملك ولا حكم لأحد إلا الله الذي لا إله إلا هو ﴿ واستغفر لذنبك ﴾ أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار مع أنه مغفور له ليستنَّ به أمته وليقتدوا به في ذلك ( م ) عن الأغر المزني أغر مزينة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر في اليوم مائة مرة وفي رواية قال : توبوا إلى ربكم فوالله إني لأتوب إلى ربي عز وجل مائة مرة في اليوم » ( خ ) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة وفي رواية أكثر من سبعين مرة » قوله : إنه ليغان على قلبي الغين التغطية والستر أي يلبس على قلبي ويغطي وسبب ذلك ما أطلعه عليه من أحوال أمته بعده فأحزنه ذلك حتى كان يستغفر لهم. وقيل : إنه لما كان يشغله النظر في أمور المسلمين ومصالحهم حتى يرد أنه قد شغل بذلك وإن كان من أعظم طاعة وأشرف عبادة عن أرفع مقام مما هو فيه وهو التفرد بربه عز وجل وصفاء وقته معه وخلوص همه من كل شيء سواه فلهذا السبب كان صلى الله عليه وسلم يستغفر الله فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين وقيل : هو مأخوذ من الغين وهو الغيم الرقيق الذي يغشى السماء فكان هذا الشغل والهم يغشى قلبه صلى الله عليه وسلم ويغطيه عن غيره فكان يستغفر الله منه وقيل هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه صلى الله عليه وسلم وكأن سبب استغفاره لها إظهار العبودية والافتقار إلى الله تعالى.
وحكى الشيخ محيي الدين النووي عن القاضي عياض، أن المراد به الفترات والغفلات من الذكر الذي كان شأنه صلى الله عليه وسلم الدوام عليه فإذا فتر وغفل عد ذلك ذنباً واستغفر منه وحكى الوجوه المتقدمة عنه. وعن غيره. وقال الحارث المحاسبي : خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام وإجلال وإن كانوا آمنين من عذاب الله تعالى. وقيل : يحتمل أن هذا الغبن حالة حسنة وإعظام يغشى القلب ويكون استغفاره شكراً كما قال : أفلا أكون عبداً شكوراً. وقيل في معنى الآية : استغفر لذنبك أي لذنوب أهل بيتك ﴿ وللمؤمنين والمؤمنات ﴾ يعني من غير أهل بيته وهذا إكرام من الله عز وجل لهذه الأمة حيث أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم ﴿ والله يعلم متقلبكم ومثواكم ﴾ قال ابن عباس والضحاك : متقلبكم يعني متصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ومثواكم يعني مصيركم إلى الجنة أو إلى النار وقيل : متقلبكم في أشغالكم بالنهار ومثواكم بالليل إلى مضاجعكم وقيل : متقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وبطونهن ومثواكم في الدنيا وفي القبور والمعنى أنه تعالى عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها وإن دق وخفي.
همه من كل شيء سواه فلهذا السبب كان صلّى الله عليه وسلّم يستغفر الله فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين. وقيل: هو مأخوذ من الغين وهو الغيم الرقيق الذي يغشى السماء فكان هذا الشغل والهم يغشى قلبه صلّى الله عليه وسلّم ويغطيه عن غيره فكان يستغفر الله منه وقيل هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه صلّى الله عليه وسلّم وكأن سبب استغفاره لها إظهار العبودية والافتقار إلى الله تعالى.
وحكى الشيخ محيي الدين النووي عن القاضي عياض، أن المراد به الفترات والغفلات من الذكر الذي كان شأنه صلّى الله عليه وسلّم الدوام عليه فإذا فتر وغفل عد ذلك ذنبا واستغفر منه وحكى الوجوه المتقدمة عنه. وعن غيره. وقال الحارث المحاسبي: خوف الأنبياء والملائكة خوف إعظام وإجلال وإن كانوا آمنين من عذاب الله تعالى. وقيل:
يحتمل أن هذا الغبن حالة حسنة وإعظام يغشى القلب ويكون استغفاره شكرا كما قال: أفلا أكون عبدا شكورا.
وقيل في معنى الآية: استغفر لذنبك أي لذنوب أهل بيتك وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يعني من غير أهل بيته وهذا إكرام من الله عز وجل لهذه الأمة حيث أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ قال ابن عباس والضحاك: متقلبكم يعني متصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ومثواكم يعني مصيركم إلى الجنة أو إلى النار وقيل: متقلبكم في أشغالكم بالنهار ومثواكم بالليل إلى مضاجعكم وقيل:
متقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات وبطونهن ومثواكم في الدنيا وفي القبور والمعنى أنه تعالى عالم بجميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها وإن دق وخفي.
[سورة محمد (٤٧): الآيات ٢٠ الى ٢٢]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢)
قوله تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ وذلك أن المؤمنين كانوا حراصا على الجهاد في سبيل الله فقالوا: فهلا أنزلت سورة تأمرنا بالجهاد؟ لكي نجاهد فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ قال مجاهد: كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني نفاقا وهم المنافقون يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ يعني شزرا وكراهية منهم للجهاد وجبنا عن لقاء العدو نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ يعني كما ينظر الشاخص بصره عند معاينة الموت فَأَوْلى لَهُمْ فيه وعيد وتهديد وهو معنى قولهم في التهديد وليك وقاربك ما تكره وتم الكلام عند هذا.
ثم ابتدأ بقوله طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فعلى هذا هو مبتدأ محذوف الخبر تقديره طاعة وقول معروف أمثل لهم وأولى بهم.
والمعنى: لو أطاعوا وقالوا قولا معروفا كان أمثل وأحسن. وقيل: هو متصل بما قبله واللام في لهم بمعنى الباء مجازة فأولى بهم طاعة الله وطاعة رسوله وقول معروف بالإجابة والمعنى لو أطاعوا وأجابوا لكانت الطاعة والإجابة أولى بهم وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء عنه فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فيه حذف تقديره فإذا عزم صاحب الأمر وقيل: هو على أصله ومجازه كقولنا: جاء الأمر ودنا الوقت وهذا أمر متوقع. ومعنى الآية: فإذا عزم الأمر خالف المنافقون وكذبوا فيما وعدوا به فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ يعني الصدق وقيل: معناه لو صدقوا الله في إظهار الإيمان والطاعة لكان ذلك خيرا لهم فَهَلْ عَسَيْتُمْ أي فلعلكم إِنْ تَوَلَّيْتُمْ يعني أعرضتم
ثم ابتدأ بقوله ﴿ طاعة وقول معروف ﴾ فعلى هذا هو مبتدأ محذوف الخبر تقديره طاعة وقول معروف أمثل لهم وأولى بهم.
والمعنى : لو أطاعوا وقالوا قولاً معروفاً كان أمثل وأحسن. وقيل : هو متصل بما قبله واللام في لهم بمعنى الباء مجازة فأولى بهم طاعة الله وطاعة رسوله وقول معروف بالإجابة والمعنى لو أطاعوا وأجابوا لكانت الطاعة والإجابة أولى بهم وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء عنه ﴿ فإذا عزم الأمر ﴾ فيه حذف تقديره فإذا عزم صاحب الأمر وقيل : هو على أصله ومجازه كقولنا : جاء الأمر ودنا الوقت وهذا أمر متوقع. ومعنى الآية : فإذا عزم الأمر خالف المنافقون وكذبوا فيما وعدوا به ﴿ فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم ﴾ يعني الصدق وقيل : معناه لو صدقوا الله في إظهار الإيمان والطاعة لكان ذلك خيراً لهم.
﴿ فهل عسيتم ﴾ أي فلعلكم ﴿ إن توليتم ﴾ يعني أعرضتم عن سماع القرآن وفارقتم أحكامه ﴿ أن تفسدوا في الأرض ﴾ يعني تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الفساد في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدم وترجعوا إلى الفرقة بعد ما جمعكم الله بالإسلام ﴿ وتقطعوا أرحامكم ﴾ قال قتادة كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام وقطعوا الأرحام وعصوا الرحمن ؟ ( ق ) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الرحم شجنة من الرحمن فقال الله تعالى من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته » وفي رواية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال : مَهْ فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم :﴿ فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ﴾ الشجنة : القرابة المشتبكة كاشتباك العروق. والحقو. مشد الإزار من الإنسان وقد يطلق على الإزار، ولما جعل الرحم شجنة من الرحمن، استعار لها الاستمساك به والأخذ كما يستمسك القريب من قريبه والنسيب من نسيبه. ومعنى صلة الرحم : مبرة الأقارب والإحسان إليهم وقطع الرحم ضد صلتها والعائذ اللائذ المستجير قال القاضي عياض : الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني وليست بجسم وإنما هي قرابة ونسب يجمعه رحم والده فيتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الاتصال رحماً. والمعاني لا يتأتى منها القيام ولا الكلام فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك والمراد تعظيم شأنها وفضيلة واصلها وعظيم إثم قاطعها ولهذا سمي العقوق قطعاً كأنه قطع ذلك السبب المتصل قال : ويجوز أن يكون المراد قيام ملك من الملائكة تعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله عز وجل هذا كلام القاضي عياض في معنى هذا الحديث والله أعلم وقيل في الآية في قوله ﴿ إن توليتم ﴾ هو من الولاية يعني ﴿ فهل عسيتم ﴾ إن توليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض، يعني بالظلم، وتقطعوا أرحامكم، ومعنى الاستفهام في قوله : فهل عسيتم للتقرير المذكور والمعنى هل يتوقع منكم الإفساد.
فإن قلت : عسى طمع وترج وتوقع وذلك على الله محال لأنه تعالى عالم بكل شيء فما معناه.
قلت : قال بعضهم معناه : يفعل بكم فعل المترجي المبتلي. وقال بعضهم معناه كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك. وقال الزمخشري : معناه أنه لما عهد منكم إحقاء بأن يقول لكم كل من ذاقكم وعرف تمريضكم ورخاوة عقدكم في الإيمان يا هؤلاء ما ترون هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم تناحراً على الملك وتهالكاً على الدنيا.
عن سماع القرآن وفارقتم أحكامه أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ يعني تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الفساد في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدم وترجعوا إلى الفرقة بعد ما جمعكم الله بالإسلام وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ قال قتادة كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام وقطعوا الأرحام وعصوا الرّحمن؟
(ق) عن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «إن الرّحمن شجنة من الرّحمن فقال الله تعالى من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته». وفي رواية قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرّحم فأخذت بحقو الرّحمن فقال: مه فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك لك ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اقرءوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها الشجنة: القرابة المشتبكة كاشتباك العروق. والحقو. مشد الإزار من الإنسان وقد يطلق على الإزار، ولما جعل الرحم شجنة من الرّحمن، استعار لها الاستمساك به والأخذ كما يستمسك القريب من قريبه والنسيب من نسيبه. ومعنى صلة الرحم: مبرة الأقارب والإحسان إليهم وقطع الرحم ضد صلتها والعائذ اللائذ المستجير قال القاضي عياض: الرحم التي توصل وتقطع وتبر إنما هي معنى من المعاني وليست بجسم وإنما هي قرابة ونسب يجمعه رحم والده فيتصل بعضه ببعض فسمي ذلك الاتصال رحما. والمعاني لا يتأتى منها القيام ولا الكلام فيكون ذكر قيامها هنا وتعلقها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك والمراد تعظيم شأنها وفضيلة وأصلها وعظيم إثم قاطعها ولهذا سمي العقوق قطعا كأنه قطع ذلك السبب المتصل قال:
ويجوز أن يكون المراد قيام ملك من الملائكة تعلق بالعرش وتكلم على لسانها بهذا بأمر الله عز وجل هذا كلام القاضي عياض في معنى هذا الحديث والله أعلم وقيل في الآية في قوله إِنْ تَوَلَّيْتُمْ هو من الولاية يعني فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن توليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض، يعني بالظلم، وتقطعوا أرحامكم، ومعنى الاستفهام في قوله: فهل عسيتم للتقرير المذكور والمعنى هل يتوقع منكم الإفساد.
فإن قلت: عسى طمع وترج وتوقع وذلك على الله محال لأنه تعالى عالم بكل شيء فما معناه.
قلت: قال بعضهم معناه: يفعل بكم فعل المترجي المبتلي. وقال بعضهم معناه كل من ينظر إليهم يتوقع منهم ذلك. وقال الزمخشري: معناه أنه لما عهد منكم إحقاء بأن يقول لكم كل من ذاقكم وعرف تمريضكم ورخاوة عقدكم في الإيمان يا هؤلاء ما ترون هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم تناحرا على الملك وتهالكا على الدنيا.
[سورة محمد (٤٧): الآيات ٢٣ الى ٢٦]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦)
أُولئِكَ إشارة إلى من إذا تولى أفسد في الأرض وقطع الأرحام الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ يعني أبعدهم من رحمته وطردهم عن جنته فَأَصَمَّهُمْ يعني عن سماع الحق وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ يعني عن طريق الهدى وذلك أنهم لما سمعوا القرآن فلم يفهموه ولم يؤمنوا به وأبصروا طريق الحق فلم يسلكوه ولم يتبعوه، فكانوا بمنزلة الصم العمى، وإن كان لهم أسماع وأبصار في الظاهر أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يعني يتكفرون فيه وفي مواعظه وزواجره وأصل التدبر التفكر في عاقبة الشيء وما يؤول إليه أمره. وتدبر القرآن لا يكون إلا مع حضور القلب وجمع الهم وقت تلاوته ويشترط فيه تقليل الغذاء من الحلال الصرف وخلوص النية أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها
147
يعني بل على قلوب أقفالها وجعل القفل مثلا لكل مانع للإنسان من تعاطي فعل الطاعة. يقال: فلان مقفل عن كذا، بمعنى ممنوع منه.
فإن قلت: إذا كان الله تعالى قد أصمهم وأعمى أبصارهم وأقفل على قلوبهم وهو بمعنى الختم فكيف يمكنهم تدبر القرآن مع هذه الموانع الشديدة.
قلت: تكليف ما لا يطاق جائز عندنا، لأن الله أمر بالإيمان لمن سبق في علمه أنه لا يؤمن فكذلك هنا والله يفعل ما يريد لا اعتراض لأحد عليه. وقيل: إن قوله أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ المراد به التأسي. وقيل: إن هذه الآية محققة للآية المتقدمة وذلك أن الله تعالى لما قال: أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ فكان قوله أفلا يتدبرون القرآن كالتهييج لهم على ترك ما هم فيه من الكفر الذي استحقوا بسببه اللعنة أو كالتبكيت لهم على إصرارهم على الكفر والله أعلم بمراده.
وروى البغوي بإسناد الثعلبي، عن عروة بن الزبير قالا: «تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شاب من أهل اليمن: بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به» هذا حديث مرسل وعروة بن الزبير تابعي من كبار التابعين وأجلهم لم يدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه ولد سنة اثنتين وعشرين وقيل غير ذلك.
قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ يعني رجعوا القهقهرى كفارا مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى يعني من بعد ما وضح لهم طريق الهداية. قال قتادة: هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم من بعد ما عرفوه ووجدوا نعته في كتابهم. وقال ابن عباس والضحاك والسدي: هم المنافقون آمنوا أولا ثم كفروا ثانيا الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ يعني زين لهم القبيح حتى رأوه حسنا وَأَمْلى لَهُمْ قرئ بضم الألف وكسر اللام وفتح الياء على ما لم يسم فاعله يعني أمهلوا ومد لهم في العمر وقرئ وأملى لهم بفتح الألف واللام بمعنى وأملى لهم الشيطان بأن مد لهم في الأمل.
فإن قلت: الإملاء والإمهال لا يكونان إلا من الله لأنه الفاعل المطلق وليس للشيطان فعل قط على مذهب أهل السنة، فما معنى هذه القراءة.
قلت إن المسول والمملي هو الله تعالى في الحقيقة وليس للشيطان فعل إنما أسند إليه ذلك من حيث إن الله تعالى قدر ذلك على يده ولسانه فالشيطان يمنيهم ويزين لهم القبيح ويقول لهم في آجالكم فسحة فتمتعوا بدنياكم ورئاستكم إلى آخر العمر ذلِكَ إشارة إلى التسويل والإملاء بِأَنَّهُمْ يعني بأن أهل الكتاب أو المنافقين قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ وهم المشركون سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ يعني من التعاون على عداوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وترك الجهاد معه والقعود عنه وكانوا يقولون ذلك سرا فأخبر الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم خبرهم ثم قال: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ يعني أنه تعالى لا تخفى عليه خافية من أمرهم.
148
﴿ أفلا يتدبرون القرآن ﴾ يعني يتفكرون فيه وفي مواعظه وزواجره وأصل التدبر التفكر في عاقبة الشيء وما يؤول إليه أمره. وتدبر القرآن لا يكون إلا مع حضور القلب وجمع الهم وقت تلاوته ويشترط فيه تقليل الغذاء من الحلال الصرف وخلوص النية ﴿ أم على قلوب أقفالها ﴾ يعني بل على قلوب أقفالها وجعل القفل مثلاً لكل مانع للإنسان من تعاطي فعل الطاعة. يقال : فلان مقفل عن كذا، بمعنى ممنوع منه.
فإن قلت : إذا كان الله تعالى قد أصمهم وأعمى أبصارهم وأقفل على قلوبهم وهو بمعنى الختم فكيف يمكنهم تدبر القرآن مع هذه الموانع الشديدة.
قلت : تكليف ما لا يطاق جائز عندنا، لأن الله أمر بالإيمان لمن سبق في علمه أنه لا يؤمن فكذلك هنا والله يفعل ما يريد لا اعتراض لأحد عليه. وقيل : إن قوله ﴿ أفلا يتدبرون القرآن ﴾ المراد به التأسي. وقيل : إن هذه الآية محققة للآية المتقدمة وذلك أن الله تعالى لما قال :﴿ أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ﴾ فكان قوله أفلا يتدبرون القرآن كالتهييج لهم على ترك ما هم فيه من الكفر الذي استحقوا بسببه اللعنة أو كالتبكيت لهم على إصرارهم على الكفر والله أعلم بمراده.
وروى البغوي بإسناد الثعلبي، عن عروة بن الزبير قالا :«تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شاب من أهل اليمن : بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به » هذا حديث مرسل وعروة بن الزبير تابعي من كبار التابعين وأجلهم لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ولد سنة اثنتين وعشرين وقيل غير ذلك.
قوله عز وجل :﴿ إن الذين ارتدوا على أدبارهم ﴾ يعني رجعوا القهقرى كفاراً ﴿ من بعد ما تبين لهم الهدى ﴾ يعني من بعد ما وضح لهم طريق الهداية. قال قتادة : هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم من بعد ما عرفوه ووجدوا نعته في كتابهم. وقال ابن عباس والضحاك والسدي : هم المنافقون آمنوا أولاً ثم كفروا ثانياً ﴿ الشيطان سول لهم ﴾ يعني زين لهم القبيح حتى رأوه حسناً ﴿ وأملى لهم ﴾ قرئ بضم الألف وكسر اللام وفتح الياء على ما لم يسم فاعله يعني أمهلوا ومد لهم في العمر وقرئ وأملى لهم بفتح الألف واللام بمعنى وأملى لهم الشيطان بأن مد لهم في الأمل.
فإن قلت : الإملاء والإمهال لا يكونان إلا من الله لأنه الفاعل المطلق وليس للشيطان فعل قط على مذهب أهل السنة، فما معنى هذه القراءة.
قلت إن المسول والمملي هو الله تعالى في الحقيقة وليس للشيطان فعل إنما أسند إليه ذلك من حيث إن الله تعالى قدر ذلك على يده ولسانه فالشيطان يمنيهم ويزين لهم القبيح ويقول لهم في آجالكم فسحة فتمتعوا بدنياكم ورياستكم إلى آخر العمر.
﴿ ذلك ﴾ إشارة إلى التسويل والإملاء ﴿ بأنهم ﴾ يعني بأن أهل الكتاب أو المنافقين ﴿ قالوا للذين كرهوا ما نزل الله ﴾ وهم المشركون ﴿ سنطيعكم في بعض الأمر ﴾ يعني من التعاون على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم وترك الجهاد معه والقعود عنه وكانوا يقولون ذلك سراً فأخبر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم خبرهم ثم قال :﴿ والله يعلم إسرارهم ﴾ يعني أنه تعالى لا تخفى عليه خافية من أمرهم.

[سورة محمد (٤٧): الآيات ٢٧ الى ٣٢]

فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢)
فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يعني فكيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ذلِكَ يعني ذلك الضرب بِأَنَّهُمُ يعني بسبب أنهم اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ يعني ترك الجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال ابن عباس: بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ يعني كرهوا ما فيه رضوان الله عز وجل وهو الإيمان والطاعة والجهاد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ التي عملوها من أعمال البر لأنها لم تكن لله ولا بأمره أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك ونفاق وهم المنافقون أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ يعني يظهر أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى يعرف المؤمنون نفاقهم واحدها ضغن وهو الحقد الشديد. وقال ابن عباس: حسدهم وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ لما قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ فكأن قائلا قال لم لم يخرج أضغانهم ويظهرها فأخبر تعالى أنه إنما أخر ذلك لمحض المشيئة لا لخوف منهم فقال تعالى: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ لا مانع لنا من ذلك. والإراءة بمعنى التعريف والعمل. وقوله: فَلَعَرَفْتَهُمْ لزيادة فائدة وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزم منه المعرفة الحقيقية كما يقال: عرفته فلم يعرف فكان المعنى هنا عرفناكهم تعريفا تعرفهم به ففيه إشارة إلى قوة ذلك التعريف الذي لا يقع معه اشتباه وقوله بِسِيماهُمْ يعني بعلامتهم أي نجعل لك علامة تعرفهم بها. قال أنس: ما خفي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين وكان يعرفهم بسيماهم وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ يعني في معنى القول وفحواه ومقصده وللحن معنيان صواب وخطأ صرف الكلام وإزالته عن التصريح إلى المعنى والتعريض وهذا محمود من حيث البلاغة ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فلعل بعضكم ألحن بحجته من بعض» وإليه قصد بقوله وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وأما اللحن المذموم فظاهر وهو صرف الكلام عن الصواب إلى الخطأ بإزالة الإعراب أو التصحيف. ومعنى الآية: وإنك يا محمد لتعرفن المنافقين فيما يعرضون به من القول من تهجين أمرك وأمر المسلمين وتقبيحه والاستهزاء به فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا عرفه بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد باطنه ونفاقه ثم قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ يعني أعمال جميع عباده فيجازي كلّا على قدر عمله.
قوله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ يعني ولنعاملنكم معاملة المختبر فإن الله تعالى عالم بجميع الأشياء قبل كونها ووجودها حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ يعني إنا نأمركم بالجهاد حتى يظهر المجاهد ويتبين من يبادر منكم ويصبر عليه من غيره لأن المراد من قوله: حتى نعلم، أي علم الوجود والظهور وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ يعني نظهرها ونكشفها ليتبين من يأتي القتال ولا يصبر على الجهاد إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ يعني خالفوه فيما أمرهم به من الجهاد وغيره مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى يعني من بعد ما ظهر لهم أدلة الهدى وصدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يعني إنما يضرون أنفسهم بذلك والله تعالى منزه عن ذلك وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ يعني وسيبطل أعمالهم فلا يرون لها ثوابا في الآخرة لأنها لم تكن لله تعالى قال ابن عباس:
هم المطعمون يوم بدر.
﴿ ذلك ﴾ يعني ذلك الضرب ﴿ بأنهم ﴾ يعني بسبب أنهم ﴿ اتبعوا ما أسخط الله ﴾ يعني ترك الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس : بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وكرهوا رضوانه ﴾ يعني كرهوا ما فيه رضوان الله عز وجل وهو الإيمان والطاعة والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ فأحبط أعمالهم ﴾ التي عملوها من أعمال البر لأنها لم تكن لله ولا بأمره.
﴿ أم حسب الذين في قلوبهم مرض ﴾ أي شك ونفاق وهم المنافقون ﴿ أن لن يخرج الله أضغانهم ﴾ يعني يظهر أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى يعرف المؤمنون نفاقهم واحدها ضغن وهو الحقد الشديد. وقال ابن عباس : حسدهم.
﴿ ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ﴾ لما قال تعالى :﴿ أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ﴾ فكأن قائلاً قال لمَ لمْ يخرج أضغانهم ويظهرها فأخبر تعالى أنه إنما أخر ذلك لمحض المشيئة لا لخوف منهم فقال تعالى :﴿ ولو نشاء لأريناكهم ﴾ لا مانع لنا من ذلك. والإراءة بمعنى التعريف والعمل. وقوله :﴿ فلعرفتهم ﴾ لزيادة فائدة وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزم منه المعرفة الحقيقية كما يقال : عرفته فلم يعرف فكان المعنى هنا عرفناكهم تعريفاً تعرفهم به ففيه إشارة إلى قوة ذلك التعريف الذي لا يقع معه اشتباه وقوله ﴿ بسيماهم ﴾ يعني بعلامتهم أي نجعل لك علامة تعرفهم بها. قال أنس : ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين وكان يعرفهم بسيماهم ﴿ ولتعرفنهم في لحن القول ﴾ يعني في معنى القول وفحواه ومقصده وللحن معنيان صواب وخطأ صرف الكلام وإزالته عن التصريح إلى المعنى والتعريض وهذا محمود من حيث البلاغة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم :«فلعل بعضكم ألحن بحجته من بعض » وإليه قصد بقوله ﴿ ولتعرفنهم في لحن القول ﴾ وأما اللحن المذموم فظاهر وهو صرف الكلام عن الصواب إلى الخطأ بإزالة الإعراب أو التصحيف. ومعنى الآية : وإنك يا محمد لتعرفن المنافقين فيما يعرضون به من القول من تهجين أمرك وأمر المسلمين وتقبيحه والاستهزاء به فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد باطنه ونفاقه ثم قال الله تعالى :﴿ والله يعلم أعمالكم ﴾ يعني أعمال جميع عباده فيجازي كلاًّ على قدر عمله.
قوله تعالى ﴿ ولنبلونكم ﴾ يعني ولنعاملنكم معاملة المختبر فإن الله تعالى عالم بجميع الأشياء قبل كونها ووجودها ﴿ حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ﴾ يعني إنا نأمركم بالجهاد حتى يظهر المجاهد ويتبين من يبادر منكم ويصبر عليه من غيره لأن المراد من قوله : حتى نعلم، أي علم الوجود والظهور ﴿ ونبلوا أخباركم ﴾ يعني نظهرها ونكشفها ليتبين من يأتي القتال ولا يصبر على الجهاد.
﴿ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول ﴾ يعني خالفوه فيما أمرهم به من الجهاد وغيره ﴿ من بعد ما تبين لهم الهدى ﴾ يعني من بعد ما ظهر لهم أدلة على الهدى وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿ لن يضروا الله شيئاً ﴾ يعني إنما يضرون أنفسهم بذلك والله تعالى منزه عن ذلك ﴿ وسيحبط أعمالهم ﴾ يعني وسيبطل أعمالهم فلا يرون لها ثواباً في الآخرة لأنها لم تكن لله تعالى قال ابن عباس : هم المطعمون يوم بدر.

[سورة محمد (٤٧): الآيات ٣٣ الى ٣٧]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧)
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لما ذكر الله عز وجل الكفار بسبب مشاقتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر الله المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ قال عطاء: يعني بالشرك والنفاق والمنى. داوموا على ما أنتم عليه من الإيمان والطاعة ولا تشركوا فتبطل أعمالكم.
وقيل: لا تبطلوا أعمالكم بترك طاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما أبطل أهل الكتاب أعمالهم بتكذيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعصيانه. وقال الكلبي: لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والسمعة لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم. وقال الحسن: لا تبطلوا أعمالكم بالمعاصي والكبائر. قال أبو العالية: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرون أنه لا يضرهم مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل فنزلت هذه الآية فخافوا من الكبائر بعد أن نحبط أعمالهم واستدل بهذه الآية من يرى إحباط الطاعات بالمعاصي ولا حجة لهم فيها وذلك لأن الله تعالى يقول:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وقال تعالى: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً فالله تعالى أعدل وأكرم من أن يبطل طاعات سنين كثيرة بمعصية واحدة وروى ابن عمر أنه قال: كنا نرى أنه لا شيء من حسناتنا إلا مقبولا حتى نزل وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ فقلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا. فقلنا: الكبائر والفواحش حتى نزل إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فكففنا عن ذلك القول وكنا نخاف على من أصاب الكبيرة ونرجو لمن لم يصبها واستدل بهذه الآية من لا يرى إبطال النوافل حتى لو دخل في صلاة تطوع أو صوم تطوع لا يجوز له إبطال ذلك العمل والخروج منه ولا دليل لهم في الآية ولا حجة لأن السنة مبينة للكتاب «وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أصبح صائما فلما رجع إلى البيت وجد حيسا فقال لعائشة قربيه فلقد أصبحت صائما فأكل» وهذا معنى الحديث وليس بلفظه وفي الصحيحين أيضا أن سلمان زار أبا الدرداء فصنع له طعاما فلما قربه إليه قال. كل فإني صائم قال لست بآكل حتى تأكل فأكل معه وقال مقاتل في معنى الآية لا تمنوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتبطل أعمالكم نزلت في بني أسد وسنذكر القصة في تفسير سورة الحجرات إن شاء الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ قيل نزلت في أهل القليب وهم أبو جهل وأصحابه الذين قتلوا ببدر وألقوا في قليب بدر وحكمها عام في كل كافر مات على كفره فالله لا يغفر له لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فَلا تَهِنُوا الخطاب فيه لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم هو عام لجميع المسلمين يعني فلا تضعفوا أيها المؤمنون وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ يعني ولا تدعوا الكفار إلى الصلح أبدا منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ يعني وأنتم الغالبون لهم والعالون عليهم. أخبر الله تعالى أن الأمر للمسلمين والنصرة والغلبة لهم عليهم وإن غلبوا المسلمين في بعض الأوقات وَاللَّهُ مَعَكُمْ يعني بالنصر والمعونة ومن كان الله معه فهو العالي الغالب وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ يعني لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم. وقال ابن عباس وغيره: لن يظلمكم أعمالكم الصالحة بل يؤتيكم أجورها ثم حض على الآخرة بذم الدنيا فقال تعالى: إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ أي باطل وغرور يعني كيف تمنعكم الدنيا عن طلب الآخرة وقد علمتم أن الدنيا كلها لعب ولهو إلا ما كان منها في عبادة لله عز وجل وطاعته واللعب ما يشغل الإنسان وليس فيه منفعة في الحال ولا في المآل ثم إذا استعمله الإنسان ولم يشغله عن غيره ولم ينسه أشغله المهمة فهو اللعب وإن أشغله عن مهمات نفسه فهو اللهو وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ يعني يؤتكم جزاء أعمالكم في الآخرة وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ يعني أن الله تعالى لا يسأل من العباد أموالهم لإيتاء الأجر عليهم، بل يأمرهم بالإيمان والتقوى والطاعة ليثيبهم عليها الجنة. وقيل: معناه ولا يسألكم محمد صلّى الله عليه وسلّم أموالكم وقيل: معناه لا يسألكم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم أموالكم
﴿ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ﴾ قيل نزلت في أهل القليب وهم أبو جهل وأصحابه الذين قتلوا ببدر وألقوا في قليب بدر وحكمها عام في كل كافر مات على كفره فالله لا يغفر له لقوله تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾.
﴿ فلا تهنوا ﴾ الخطاب فيه لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم هو عام لجميع المسلمين يعني فلا تضعفوا أيها المؤمنون ﴿ وتدعوا إلى السلم ﴾ يعني ولا تدعوا الكفار إلى الصلح أبداً منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا ﴿ وأنتم الأعلون ﴾ يعني وأنتم الغالبون لهم والعالون عليهم. أخبر الله تعالى أن الأمر للمسلمين والنصرة والغلبة لهم عليهم وإن غلبوا المسلمين في بعض الأوقات ﴿ والله معكم ﴾ يعني بالنصر والمعونة ومن كان الله معه فهو العالي الغالب ﴿ ولن يتركم أعمالكم ﴾ يعني لن ينقصكم شيئاً من ثواب أعمالكم. وقال ابن عباس وغيره : لن يظلمكم أعمالكم الصالحة بل يؤتيكم أجورها ثم حض على الآخرة بذم الدنيا.
حض على الآخرة بذم الدنيا فقال تعالى :﴿ إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ﴾ أي باطل وغرور يعني كيف تمنعكم الدنيا عن طلب الآخرة وقد علمتم أن الدنيا كلها لعب ولهو إلا ما كان منها في عبادة لله عز وجل وطاعته واللعب ما يشغل الإنسان وليس فيه منفعة في الحال ولا في المآل ثم إذا استعمله الإنسان ولم يشغله عن غيره ولم ينسه أشغله المهمة فهو اللعب وإن أشغله عن مهمات نفسه فهو اللهو ﴿ وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ﴾ يعني يؤتكم جزاء أعمالكم في الآخرة ﴿ ولا يسألكم أموالكم ﴾ يعني أن الله تعالى لا يسأل من العباد أموالهم لإيتاء الأجر عليهم، بل يأمرهم بالإيمان والتقوى والطاعة ليثيبهم عليها الجنة. وقيل : معناه ولا يسألكم محمد صلى الله عليه وسلم أموالكم وقيل : معناه لا يسألكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أموالكم كلها في الصدقات إنما يسألكم غيضاً من فيض وهو ربع العشر من أموالكم وهو زكاة أموالكم ثم ترد عليكم ليس لله ورسوله فيها حاجة إنما فرضها الله تعالى في أموال الأغنياء وردها على الفقراء فطيبوا بإخراج الزكاة أنفسكم. وإلى هذا القول ذهب سفيان بن عيينة.
﴿ إن يسألكموها ﴾ الضمير عائد إلى الأموال ﴿ فيحفكم ﴾ يعني يجهدكم ويطلبها كلها والإحفاء المبالغة في المسألة وبلوغ الغاية في كل شيء. يقال : أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئاً من الإلحاح ﴿ تبخلوا ﴾ يعني بالمال فلا تعطوه ﴿ ويخرج أضغانكم ﴾ يعني بغضكم وعداوتكم لشدة محبتكم للأموال قال قتادة علم الله أن الإحفاء بمسألة الأموال مخرج للأضغان.
كلها في الصدقات إنما يسألكم غيضا من فيض وهو ربع العشر من أموالكم وهو زكاة أموالكم ثم ترد عليكم ليس لله ورسوله فيها حاجة إنما فرضها الله تعالى في أموال الأغنياء وردها على الفقراء فطيبوا بإخراج الزكاة أنفسكم.
وإلى هذا القول ذهب سفيان بن عيينة ويدل عليه سياق الآية وهو قوله تعالى: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها الضمير عائد إلى الأموال فَيُحْفِكُمْ يعني يجهدكم ويطلبها كلها والإحفاء المبالغة في المسألة وبلوغ الغاية في كل شيء. يقال:
أحفاه في المسألة إذا لم يترك شيئا من الإلحاح تَبْخَلُوا يعني بالمال فلا تعطوه وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ يعني بغضكم وعداوتكم لشدة محبتكم للأموال قال قتادة علم الله أن الإحفاء بمسألة الأموال مخرج للأضغان.
[سورة محمد (٤٧): آية ٣٨]
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ يعني أنتم يا هؤلاء المخاطبون الموصفون ثم استأنف وصفهم فقال تعالى: تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قيل أراد به النفقة في الجهاد والغزو وقيل المراد به إخراج الزكاة وجميع وجوه البر والكل في سبيل الله فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ يعني بما فرض عليه إخراجه من الزكاة أو ندب إلى إنفاقه في وجوه البر وَمَنْ يَبْخَلْ يعني بالصدقة وأداء الفريضة فلا يتعداه ضر بخله وهو قوله تعالى: فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ أي على نفسه وَاللَّهُ الْغَنِيُّ يعني عن صدقاتكم وطاعتكم لأنه الغني المطلق الذي له ملك السموات والأرض وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ يعني إليه وإلى ما عنده من الخيرات والثواب في الدنيا والآخرة وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يعني عن طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وعن القيام بما أمركم به وألزمكم إياه يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ يعني يكونون أطوع لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم منكم. قال الكلبي: هم كندة والنخع من عرب اليمن. وقال الحسن: هم العجم. وقال عكرمة:
هم فارس والروم.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ قالوا ومن يستبدل بنا قال فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على منكب سلمان ثم قال هذا وأصحابه» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وفي إسناده مقال وله رواية أخرى عن أبي هريرة قال: «قال ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا رسول الله من هؤلاء الذين ذكر الله عز وجل إن تولينا استبدلوا منا ثم لا يكونوا أمثالنا قال وكان سلمان بجنب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخذ سلمان فقال هذا وأصحابه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس» ولهذا الحديث طرق في الصحيح ترد في سورة الجمعة إن شاء الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.
Icon