تفسير سورة يونس

إعراب القرآن و بيانه
تفسير سورة سورة يونس من كتاب إعراب القرآن وبيانه المعروف بـإعراب القرآن و بيانه .
لمؤلفه محيي الدين الدرويش . المتوفي سنة 1403 هـ

(١٠) سورة يونس مكية وآياتها تسع ومائة
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ (٢) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤)
اللغة:
(الر) : تقدم القول فيها مفصلا فجدد به عهدا.
200
(الآية) : العلامة التي تنبىء عن مقطع الكلام من جهة مخصوصة.
(الْحَكِيمِ) : هاهنا بمعنى المحكم فعيل بمعنى مفعل قال الأعشى:
وغريبة تأتي الملوك حكيمة... قد قلتها ليقال: من ذا قالها؟
وقيل الحكيم بمعنى الحاكم ودليله قوله تعالى «ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه» وسيأتي القول في باب الفوائد عن الحكمة وشيوعها في القرآن.
(قَدَمَ صِدْقٍ) : القدم بفتحتين الشيء الذي تقدمه أمامك ليكون لك عدة حتى تقدم عليه وقال أبو عبيدة والكسائي: كل سابق خير أو شر فهو عند العرب قدم وهو مؤنث، يقال قدم حسنة، قال حسان ابن ثابت:
لنا القدم العليا إليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع
وقال ذو الرمة:
لكم قدم لا ينكر الناس أنها مع الحسب العادي طمت على البحر
وسيأتي في باب البلاغة المزيد من بحثها.
(القسط) العدل وهي بكسر القاف ومنه القسط أي النصيب، والقسط بفتح القاف الجور، والسين اعوجاج في الرجلين.
(الحميم) : الماء الذي أسخن بالنار أشد اسخان، قال المرقش الأصغر:
201
الإعراب:
(الر، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) الر تقدم إعرابها في سورة البقرة فجدد به عهدا وتلك مبتدأ وآيات الكتاب خبر والحكيم صفة للكتاب. (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) الهمزة للاستفهام الإنكاري المشوب بالتعجب وكان فعل ماض ناقص وللناس جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه تقدم على الصفة وعجبا خبر كان مقدم وأن أوحينا مصدر في محل رفع اسم كان والى رجل جار ومجرور متعلقان بأوحينا ومنهم صفة لرجل. (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) أن مفسرة وهي الواقعة بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه أو مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة أنذر الناس مقول قول محذوف هو في محل رفع خبر إن على معنى أن الشأن قولنا أنذر الناس.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وبشر معطوف على أنذر والذين مفعول به وجملة آمنوا صلة وأن حرف مشبه بالفعل وهي وما في حيزها نصب بنزع الخافض أي بأن، ولهم خبرها المقدم وقدم صدق اسمها المؤخر وعند ربهم الظرف متعلق بمحذوف صفة لقدم صدق. (قالَ الْكافِرُونَ: إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) الجملة مستأنفة كأنه قيل: ماذا صنعوا بعد التعجب، وقال الكافرون فعل وفاعل وإن واسمها وخبرها واللام المزحلقة ومبين صفة لساحر والجملة مقول القول (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) إن واسمها وخبرها والذي صفة لله وجملة خلق السموات والأرض صلة وفي ستة أيام متعلقان بخلق. (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ثم حرف عطف وتراخ واستوى عطف على خلق وعلى العرش جار ومجرور متعلقان باستوى وجملة يدبر الأمر خبر ثان لإن ويجوز أن تكون حالية ويجوز
202
أن تكون مستأنفة لا محل لها من الإعراب. (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) ما نافية حجازية ومن زائدة وشفيع مجرور لفظا اسم ما محلا وإلا أداة حصر ومن بعد إذنه متعلقان بمحذوف خبر. (ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ذلكم مبتدأ والله بدل وربكم خبر ذلكم والفاء الفصيحة واعبدوه فعل أمر وفاعل ومفعول به والهمزة للاستفهام الانكاري المراد به الحث على التفكر والتذكر والفاء عاطفة على محذوف ولا نافية وتذكرون فعل مضارع أصله تتذكرون. (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) إليه خبر مقدم ومرجعكم مبتدأ مؤخر وجميعا نصب على الحال (وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا) وعد الله منصوب على المصدر لأن قوله إليه مرجعكم معناه الوعد بالرجوع وحقا منصوب على المصدرية والتقدير حق ذلك حقا. (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ان واسمها وجملة يبدأ خبرها والخلق مفعول به ثم يعيده عطف على يبدأ الخلق والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل وجود الخلق ومرجعهم إليه (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ) اللام للتعليل ويجزي مضارع منصوب بأن مضمرة والذين مفعول يجزي وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا وبالقسط جار ومجرور متعلقان بيجزي أي بسبب قسطهم وعدلهم ويجوز أن يكون حالا إما من الفاعل وإما من المفعول أي يجزيهم ملتبسا بالقسط أي عادلا أو ملتبسين به. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) والذين مبتدأ وجملة كفروا صلة ولهم خبر مقدم وشراب مبتدأ مؤخر ومن حميم صفة لشراب وعذاب عطف على شراب وجملة لهم شراب خبر الذين وأليم صفة لعذاب وبما الباء حرف جر سببية وما مصدرية وكانوا كان واسمها وجملة يكفرون خبرها أي بسبب كفرهم والجار والمجرور صفة ثانية لعذاب ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، أي ذلك بسبب كفرهم.
203
البلاغة:
١- المجاز المرسل في قوله: «أن لهم قدم صدق» فقد أطلق لفظ القدم على السعي والسبق لأنهما لا يحصلان إلا بالقدم فسمى المسبب باسم السبب كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد فالعلاقة هنا السببية وقد تقدم بحثه، ونزيد هنا ان المجاز لا يكون مطردا فلا يصح أن يقال قدم سوء، وهذه خاصة عجيبة من خصائص المجاز يكاد الحكم فيها مرده الى الذوق.
٢- المناسبة اللفظية بين حميم وأليم والمناسبة ضربان: مناسبة في المعاني ومناسبة في الألفاظ وقد مر ذكر المناسبة المعنوية في الأنعام، أما هنا فالمناسبة لفظية وهي عبارة عن الإتيان بلفظات متزنات مقفاة وغير مقفاة فهو تام وناقص وقد وقعت الناقصة في الكلام الفصيح أكثر لأن التقفية غير لازمة فيها.
الفوائد:
١- الحكمة في القرآن:
شاعت لفظة الحكمة في القرآن ووصف القرآن بالحكيم وقد مر معنا الكثير من ذلك وسيمر أكثر منه، وسنجد لفظ الكتاب مقترنا بلفظ الحكمة معطوفة عليه. قال تعالى «وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة» ويرى الأستاذ مصطفى عبد الرزاق في أبحاثه عن الفلسفة الاسلامية «إن من الممكن أن تكون كلمة «حكمة» في اللغة العربية مرادفة لكلمة «فلسفة» اليونانية، وتتبّع هذه الكلمة يهدينا الى أصل
204
التفكير الممتاز عند العرب، وقد وجدت الكلمة في الجاهلية والشواهد عليها كثيرة جدا ومعنى الحكمة في القرآن، في أكثر الأحيان، سنة النبي ولا خلاف في تقرير هذا المعنى، وقال اللغويون الحكمة والحكم من مادة واحدة، ويرى بعض المستشرقين أن الكلمة عبرية ومعناها في هذا اللسان: القضاء أي الحكم أيضا، والحكمة في معناها العام تدل على السّداد وإتقان الرأي والفعل قال تعالى: «ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا»، وهذا القول من الوجاهة الى حد كبير وقد سبق الامام الشافعي الى تقرير شيء من ذلك فقال: «إن المقصود بالحكمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم».
٢- إضافة الموصوف الى الصفة وبالعكس: الأصل أن لا يضاف موصوف الى صفته كرجل فاضل ولا تضاف صفة لموصوفها كفاضل رجل وما ورد من ذلك يؤول كقوله تعالى «قدم صدق» ومسجد الجامع وصلاة الأولى وحب الحصيد وحبة الحمقاء وتأويله أن يقدر موصوف أضيف إليه المضاف المذكور والتقدير في هذه الأمثلة قدم سعي صدق، ومسجد المكان الجامع، وصلاة الساعة الأولى، وحبة البقلة الحمقاء، وإنما وصفوها بالحمق لأنها تنبت في مجاري السيول فيمر السيل بها فيقطعها فتطؤها الأقدام، ومن أمثلة اضافة الصفة الى موصوفها قولهم جرد قطيفة بفتح الجيم وسكون الراء وفتح القاف وكسر الطاء، وسحق عمامة بفتح السين وسكون الحاء وكسر العين وتأويله أن يقدر موصوف أيضا ويقدر إضافة الصفة الى جنسها ويجر جنسها بمن لأن الاضافة بمعنى من أي شيء جرد من نفس القطيفة وشيء سحق من جنس العمامة فشيء موصوف وجردا وسحق صفته والصفة فيهما مضافة الى جنسها معنى.
205
٣- ابن هشام وتعليق «للناس» : وأجاز ابن هشام أن يتعلق قوله «للناس» بكان في بحثه المتعلق بالتعليق بالفعل الناقص قال:
«هل يتعلقان بالفعل الناقص؟ من زعم أنه لا يدل على الحدث منع من ذلك وهم المبرد فالفارسي فابن جني فالجرجاني فابن برهان ثم الشلوبين، والصحيح أنها كلها دالة عليه إلا ليس» أي ف «كان» تدل على حدث وهو كون مطلق والمقيد له خبرها فمعنى كان زيد:
حصل زيد، وقولك قائما أفاد أن المراد حصول قيام زيد وتدل أيضا على زمن خاص وهو الزمن الماضي وأما خبرها وهو قائم فيدل على زمن مطلق فيقيد ويعين بالزمن في كان أو يكون فتحصل ان «كان» تدل على حدث مطلق يقيد بالخبر والخبر يدل على زمن مطلق يقيد بالزمن المستفاد من كان فتعاوضا وأما بقية الأفعال ك «صار» الدالة على الانتقال و «أصبح» الدالة على الدخول في الصباح إلخ فدلالتها على حدث لا يدل عليه الخبر في غاية الظهور وقد استدل على بطلان القول بأنها لا تدل على الحدث بأمور منها: أن الأصل في الفعل الدلالة على الحدث والزمان إذ الدال على الحدث وحده مصدر وعلى الزمان وحده اسم زمان ولا يخرج الفعل عن أصله إلا بدليل، ومنها: أن الأفعال المتساوية في الزمان إنما تمتاز بالأحداث فإذا زال ما به الافتراق وبقي ما به التساوي فلا فرق بين كان زيد غنيا وصار زيد غنيا والفرق حاصل فبطل ما يوجب خلافه، ومنها: أنه لو كان معناها الزمن لجاز أن ينعقد جملة تامة من بعضها ومن اسم معنى كما ينعقد منه ومن اسم زمان ثم قال ابن هشام:
«واستدل لمثبتي ذلك التعلق بقوله تعالى: «أكان للناس عجبا أن أوحينا» فإن اللام لا تتعلق بعجبا لأنه مصدر مؤخر ولا بأوحينا
206
لفساد المعنى ولأنه صلة لأن، ويجوز أيضا أن تكون متعلقة بمحذوف هو حال من عجبا على حد قوله:
لمية موحشا طلل... يلوح كأنه خلل
وعبارة ابن يعيش: «فقوله للناس متعلق بكان وذلك انه لا يخلو إما أن يكون متعلقا بعجبا أو بأوحينا أو بكان فلا يجوز أن يتعلق بعجبا نفسها لأنه مصدر ومعموله من صلته فلا يتقدم عليه ولا يكون صفة لعجبا على أنه يتعلق بمحذوف لتقدمه عليه والصفة لا تتقدم على الموصوف ولا يجوز أن يتعلق بأوحينا لأنه في صلته ولا يجوز تقديمه عليه وإذا بطل تعلقه بما ذكرنا تعين أن يكون متعلقا بكان نفسها تعلق الظرف بالفعل».
ولا أدري كيف منع ابن يعيش تقديم الصفة على الموصوف وقد أجمع النحاة على أنها إذا تقدمت عليه أعربت حالا وأنشدوا البيت الآنف الذكر.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥ الى ٦]
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (٦)
207
اللغة:
(الضياء) : يجوز أن يكون جمع ضوء كسوط وسياط وحوض وحياض ويجوز أن يكون مصدر ضاء يضوء ضياء وضوءا مثل عاذ يعوذ عياذا وعوذا وعلى أي الوجهين فالمضاف محذوف وتقديره جعل الشمس ذات ضياء والقمر ذا نور ويكون جعل الضياء والنور لكثرة ذلك فيهما وقد تقدم في سورة البقرة الفرق الدقيق بين الضوء والنور فارجع إليه.
الإعراب:
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) هو مبتدأ والذي خبره وجملة جعل صلة وإن كان الجعل بمعنى التصيير كانت الشمس مفعولا أولا وضياء مفعولا ثانيا وان كان الجعل بمعنى الخلق كانت الشمس مفعولا به وضياء حال والقمر نورا عطف عليهما. (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) وقدره فعل وفاعل مستتر ومفعول به ومنازل أي في منازل فهو منصوب على الظرفية ويجوز أن يكون التقدير ذا منازل، وقدّر على هذا متعدية الى مفعولين لأن معناه جعل وصيّر فيكون مفعولا ثانيا ويجوز أن يكون قدّر متعديا الى واحد بمعنى خلق وهو الهاء ومنازل حال أي متنقلا وارتأى أبو البقاء وجها طريفا لا يخلو من وجاهة وهو أن يكون الضمير منصوبا بنزع الخافض فحذف حرف الجر أي قدر له منازل ومنازل مفعول به واللام للتعليل وتعلموا منصوب بأن مضمرة وعدد مفعول به والسنين مضاف إليه والحساب معطوف على عدد، سئل أبو عمرو عن الحساب أننصبه
208
أم نجره فقال: ومن يدري عدد الحساب ومعنى جوابه أنه سئل هل نعطفه على عدد فنصبه أم على السنين فنجره؟ فكأنه قال: لا يمكن جره إذ يقتضي ذلك أن يعلم عدد الحساب، ولا يقدر أحد أن يعلم عدده. (ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ما نافية وخلق الله ذلك فعل وفاعل ومفعول به وإلا أداة حصر وبالحق حال فالاستثناء المفرغ من أعم الأحوال أي ما خلق ذلك إلا ملتبسا بالحق والحكمة البالغة ولم يخلقه عبثا وجملة يفصل الآيات حال أيضا والآيات مفعول به ولقوم متعلقان بيفصل وجملة يعلمون صفة لقوم.
(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) الجملة مستأنفة لتعليل تعاقب الليل والنهار وتفاوتهما بالزيادة والنقصان وإن حرف مشبه بالفعل وفي اختلاف خبر مقدم لإن وما اسم موصول معطوف على اختلاف ويجوز أن تكون مصدرية والمصدر معطوفا على اختلاف، وفي السموات والأرض جار ومجرور متعلقان بخلق ولآيات اللام المزحلقة وآيات اسم إن المؤخر ولقوم متعلقان بصفة لآيات وجملة يتقون صفة لقوم.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧ الى ١٠]
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠)
209
اللغة:
(الرجاء) : له معنيان صالحان في هذه الآية فالأول الخوف ومنه قول الشاعر:
في كل يوم لها مقطّرة فيها كباء معد وحميم
إذ لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوب عواسل
والثاني الطمع ومنه قول الشاعر:
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا
فالمعنى على الأول: لا يخافون عقابا وعلى الثاني: لا يطمعون في ثواب وقيل المراد بالرجاء هنا التوقع فيدخل تحته الخوف والطمع.
الإعراب:
(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) ان واسمها وجملة لا يرجون صلة ولقاءنا مفعول به. (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) عطف على لا يرجون لقاءنا فهو داخل في حكم الصلة ويحتمل أن تكون الواو للحال وقد مقدرة وكذلك يقال في واطمأنوا بها. (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) والذين عطف على الذين المتقدمة فيكون قسما مباينا للذين لا يرجون وقد أخبر عن الصنفين فيما يأتي وهم مبتدأ وعن آياتنا جار ومجرور متعلقان بغافلون وغالفون خبر هم والجملة صلة
210
الموصول. (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أولئك مبتدأ ومأواهم مبتدأ ثان والنار خبر الثاني والثاني وخبره خبر أولئك وأولئك وخبره خبر إن وبما كانوا يكسبون تقدم في إعراب بما كانوا يكفرون.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) إن واسمها وجملة آمنوا صلة وعملوا عطف على آمنوا والصالحات مفعول وجملة يهديهم ربهم خبر إن. (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) الجملة خبر ثان لإن أو حال من مفعول يهديهم أو مستأنفة وفي جنات النعيم خبر ثالث أو حال ثانية أو متعلقان بتجري. (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) دعواهم مبتدأ وفيها جار ومجرور متعلقان بدعواهم أو بمحذوف حال وسبحانك مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة المؤلفة منه خبر دعواهم والمعنى أن دعاءهم هو هذا اللفظ فالخبر هو نفس المبتدأ واللهم منادى مفرد علم والميم المشددة عوض عن حرف النداء وتحيتهم مبتدأ وفيها متعلقان بتحيتهم أو بمحذوف حال وسلام خبر تحيتهم والمصدر يعني التحية مضاف لمفعوله والفاعل مستتر أي تحية الله لهم أو تحية الملائكة إياهم أو مضاف لفاعله أي ويحيي بعضهم بعضا. (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الواو عاطفة وآخر مبتدأ ودعواهم مضاف إليه وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن والحمد مبتدأ ولله خبر ورب العالمين صفة أو بدل من الله وجملة الحمد لله خبر ان.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١١ الى ١٢]
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)
211
الإعراب:
(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لتصوير حالة الناس وتجسيد ما انطوى عليه كيانهم من مطاوعة لنوازع النفس التي تغضب وتتبرم بسواها فتبدر منها في حالات الأزمات النفسية أدعية يتمنون فيها الموت لأولادهم وذويهم ولكن الله يتجاوز عن الاستجابة لأنه لو استجاب لكل ما يصدر عنهم لفرغ من هلاكهم، ولو حرف شرط للامتناع ويعجل فعل مضارع والله فاعل وللناس جار ومجرور متعلقان بيعجل والشر مفعول به واستعجالهم مفعول مطلق وبالخير متعلقان بالمصدر الذي هو استعجالهم، اللام واقعة في جواب لو وقضي فعل ماض بالبناء للمجهول وإليهم متعلقان بقضي وأجلهم نائب فاعل، والمعنى لفرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة وسيرد في باب البلاغة المزيد من النكت الرائعة في هذا التعبير الرشيق وهذا هو المشهور في الاعراب على أن سيبويه أعرب استعجالهم حالا وان التقدير عنده استعجالا مثل استعجالهم ثم حذف الموصوف وهو استعجال وأقيمت صفته مقامه وهي مثل فبقي ولو يعجل مثل استعجالهم ثم حذف المضاف
212
وأقيم المضاف اليه مقامه فأعرب حالا من ذلك المصدر المقدر، والأول أسهل كما سيأتي ويجوز أيضا أن يعرب منصوبا بنزع الخافض على إسقاط كاف التشبيه والتقدير كاستعجالهم (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) الفاء عاطفة ونذر عطف على مفهوم النفي لأن لو يعجل متضمن معنى النفي للتعجيل كأنه قيل ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم فنذر، والفاعل مستتر تقديره نحن والذين مفعول به وجملة لا يرجون لقاءنا صلة وفي طغيانهم جار ومجرور متعلقان بيعمهون وجملة يعمهون حال أي مترددين في عماهم متخبطين في دجنات آثامهم. (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ) الواو للاستئناف والجملة استئنافية مسوقة لتقرير ضعف الإنسان ونهاية عجزه، وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة مس مضاف إليها والإنسان مفعول به والضر فاعل. (دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً) جملة دعانا لا محل لها لأنها جواب إذا ولجنبه في محل نصب حال من فاعل دعانا بدليل ما عطف عليه من الحالين الآتيين أو حرف عطف وقاعدا معطوف على محل لجنبه وكذلك أو قائما ومعنى هذه الأحوال أن المضرور لا يزال لاهجا بالدعاء لا يفتر عنها في مطلق الأحوال كلها سواء أكان منبطحا عاجزا عن النهوض أو كان قاعدا متخاذلا لا يقدر على القيام أو كان قائما لا يطيق المشي. (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ) الفاء عاطفة ولما حينية أو رابطة وكشفنا فعل وفاعل وعنه متعلقان بكشفنا وجملة مر لا محل لها لأنها جواب لما وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة لم يدعنا خبرها والى ضر جار ومجرور متعلقان بيدعنا وجملة مسه صفة لضر. (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) كذلك مفعول مطلق أي مثل ذلك التزيين وزين
213
بالبناء للمجهول وللمسرفين جار ومجرور متعلقان بزين وما موصول نائب فاعل وجملة كانوا صلة والواو اسم كان وجملة يعملون خبر كان.
البلاغة:
١- التنكيت في قوله تعالى «ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير» فقد كان سياق الكلام يقضي أن يأتي بالمصدر المناسب لفعله وهو التعجيل ولكنه عدل الى الاستعجال وهو مصدر لاستعجال لنكتة تدق على الافهام وتكاد تذهل عنها الخواطر إذ لا يكاد وضع المصدر مؤكدا ومقارنا لغير فعله في الكتاب العزيز يخلو من نكتة وقصارى ما يقوله النحاة في ذلك أنه أجرى المصدر على الفعل مقدرا عدم الزيادة وإذا تسوّر القارئ الفطن بفكر مراقي البيان علم أن وراء الجنوح الى هذا المصدر بدلا عن المصدر الملائم للفعل سرا إذ وضع الاستعجال موضع التعجيل إيذانا وإشعارا بسرعة اجابته لهم واسعافه بطلبتهم حتى كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم ومثل ذلك قوله «والله أنبتكم من الأرض نباتا» في التنبيه على حتمية نفوذ القدرة في المقدور وسرعة إمضاء الحكم وسيأتي في حينه.
٢- التقسيم أو صحة الأقسام وهو عبارة عن استيفاء المتكلم جميع أقسام المعنى الذي هو آخذ فيه بحيث لا يغادر منه شيئا وقوله:
«دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما» استوفى جميع الهيئات التي يكون عليها الإنسان وقد تردد التقسيم في آل عمران فارجع اليه.
214

[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٣ الى ١٧]

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧)
اللغة
: (الْقُرُونَ) : جمع قرن بفتح القاف، وهو أهل كل عصر، سموا بذلك لمقارنة بعضهم لبعض ومنه قرن الكبش لمقارنته آخر بإزائه والقرن بكسر القاف هو المقام لقرينه في الشدة ويؤخذ من المعاجم أيضا أن القرن بفتح القاف هو مائة سنة وأمة بعد أمة والوقت المطلق من الزمان والقرون الخالية الأمة المتقدمة على التي بعدها.
215
(خَلائِفَ) : جمع خليفة وهو من يخلف غيره ويقوم مقامه والإمام الذي ليس فوقه إمام وهو مذكر فيقال هذا خليفة آخر وربما أنث مراعاة للفظ فيقال خليفة أخرى ويجمع على خلفاء وخلائف والعدد مع الجمع الأول مذكر فيقال ثلاثة خلفاء ومع الثاني يجوز أن يكون مذكرا ومؤنثا فيقال ثلاثة وثلاث خلائف.
(القرآن) : هناك خمسة أقوال في لفظ القرآن نلخصها بما يلي:
١- ما ذهب اليه الشافعي من أنه ليس مهموزا ولا مشتقا بل وضع علما على الكلام المنزل.
٢- ما نقل عن الأشعري وغيره من أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء إذا ضممته اليه ثم جعل علما على اللفظ المنزل وسسي بذلك لقران السور والآيات والحروف فيه بعضها ببعض.
٣- ذهب الفراء الى أنه مشتق من القرائن لأن الآيات فيه يصدق بعضها بعضا وجعل علما على اللفظ المنزل لذلك وهو على هذين غير مهموز أيضا كالذي قبلهما ونونه أصلية.
٤- قال الزجاج: هو وصف على وزن فعلان وهو مهموز مشتق من القرء بمعنى الجمع ومنه قرأت الماء في الحوض إذا جمعته وسمي الكلام المنزل على النبي المرسل به قرآنا لأنه جمع السور أو جمع ثمرات الكتب السابقة.
٥- ما ذهب اليه اللحياني وجماعة من أنه مصدر مهموز بوزن الغفران سمي به المقروء من تسمية المفعول بالمصدر.
216
وينقل السيوطي في الإتقان عن الجاحظ أن الله سمى كتابه اسما مخالفا لما سمى العرب كلامهم، سمى جملة قرآنا كما سمى العرب جملة كلامهم ديوانا وسمى بعضه سورة كقصيدة، وسمى بعض السورة آية كالبيت وسمى آخر السورة الفاصلة كالقافية.
أما دائرة المعارف الاسلامية فتبدأ بحثها في ماده قرآن بذكر اختلاف المسلمين في نطق واشتقاق ومعنى كلمة قرآن فبعضهم يقول القرآن بغير همز ويذهب الى أنها كلمة وضعت كما وضعت كلمة توراة وإنجيل وهو كما ترى قول الشافعي، ثم تمضي الدائرة في ذكر بقية الأقوال الخمسة الآنفة الذكر وتضيف إليها قولا سادسا وهو ما ذهب اليه شفالي، ولهاوزن من أن الكلمة عبرية أو سريانية ومعناها ما يقرأ، وتجنح دائرة المعارف مع هذين العالمين، الى رأيهما الذي يقول بأن قرأ بمعنى تلا ليست كلمة عربية النسب ولكنها دخيلة على اللغة.
هذا وسيرد المزيد من هذا البحث الطريف في مواقع أخرى يتبين فيها أرجع الأقوال.
الإعراب:
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الواو استئنافية واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وأهلكنا القرون فعل وفاعل ومفعول ومن قبلكم جار ومجرور متعلقان بأهلكنا ولا يجوز أن يكون حالا من القرون لأنه ظرف زمان فلا يقع حالا عن الجثة كما لا يقع خبرا لها وقد تقدم بحثه. (لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) لما حينية متعلّقة بأهلكنا أو رابطة وظلموا فعل وفاعل وجاءتهم الواو واو الحال
217
بإضمار قد وقد تقدم بحث واو الحال وقيل الواو للعطف على ظلموا ولعل الأول أولى، وجاءتهم رسلهم فعل ومفعول به وفاعل وبالبينات متعلق بجاءتهم. (وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) عطف على ظلموا واللام في ليؤمنوا للجحود ويؤمنوا منصوب بأن مضمرة وهي مع مدخولها خبر كانوا، وكذلك في محل نصب صفة لمصدر محذوف ونجزي القوم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به والمجرمين صفة للقوم. (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ) ثم حرف عطف وجعلناكم عطف على أهلكنا وخلائف مفعول به ثان وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لخلائف ومن بعدهم متعلقان بجعلناكم. (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) اللام للتعليل وننظر منصوب بأن مضمرة بعدها وكيف اسم استفهام في محل نصب مفعول به لتعملون أي لننظر أي عمل تعملونه، لا لننظر لأن لها الصدارة فلا يعمل فيها ما قبلها، ولا يبعد أن تكون في محل نصب على الحال أي على أي حالة تعملون الأعمال اللائقة بالاستخلاف.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة تتلى مضاف إليها وتتلى فعل مضارع بالبناء للمجهول وعليهم متعلقان بتتلى وآياتنا نائب فاعل وبينات حال.
(قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) الجملة لا محل لها لأنها جواب إذا والذين فاعل وجملة لا يرجون صلة ولقاءنا مفعول يرجون وجملة ائت مقول القول وبقرآن متعلقان بائت وغير صفة لقرآن وهذا مضاف لغير وأو حرف عطف وبدله عطف على ائت.
(قُلْ: ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) ما نافية ويكون فعل مضارع ناقص ولي خبرها المقدم وأن وما في حيزها اسمها المؤخر ويجوز أن تكون تامة والمصدر فاعل ومن تلقاء نفسي متعلقان بأبدله
218
ونفسي مضافة لتلقاء وقد تقدم القول في التلقاء. (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) إن نافية وأتبع فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنا وإلا أداة حصر وما مفعول به وجملة يوحى إلي صلة. (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) إن واسمها وجملة أخاف خبرها وإن شرطية وعصيت فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والتاء فاعل ربي مفعول به وعذاب مفعول به لأخاف ويوم مضاف اليه وعظيم صفة. (قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) لو شرطية وشاء الله فعل وفاعل وجملة ما تلوته عليكم جواب لو وعليكم جار ومجرور متعلقان بتلوته، ولا الواو عاطفة ولا نافية وأدراكم فعل ماض وفاعله مستتر والكاف مفعول به وبه متعلقان بأدراكم. (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) الفاء تعليلية وقد حرف تحقيق ولبثت فعل وفاعل وفيكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال وعمرا ظرف زمان متعلق بلبثت ومن قبله متعلقان بلبثت أفلا الهمزة للاستفهام الانكاري والفاء عاطفة على مقدر ولا نافية وتعقلون معطوف على المقدر. (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) الفاء عاطفة ومن اسم استفهام للنفي مبتدأ وأظلم خبره وممن متعلقان بأظلم وجملة افترى صلة الموصول وعلى الله متعلقان بافترى وكذبا مفعول به، وأو حرف عطف وكذب عطف على افترى وبآياته متعلقان بكذب، والمعنى: لا أحد أظلم ممن افتري على الله الكذب، وزيادة كذبا مع أن الافتراء لا يكون الا كذبا لبيان أن هذا مع كونه افتراء على الله هو كذب في نفسه فربما يكون الافتراء كذبا في الاسناد فقط كما إذا أسند ذنب زيد الى عمرو.
(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) الجملة تعليل لكونه لا أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته، وان واسمها وجملة لا يفلح خبرها والمجرمون فاعل.
219

[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٨ الى ٢٠]

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠)
الإعراب:
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة لحكاية جناية أخرى من جناياتهم ويعبدون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل ومن دون الله متعلقان بمحذوف حال من فاعل يعبدون أي متجاوزين الله لا بمعنى ترك الله بالكلية بل بمعنى عدم الاكتفاء بها وضم عبادة الأوثان إليها للشفاعة والتقرب وما موصول مفعول به وهي راجعة الى الأصنام ولكنه راعى لفظها فأفرد في قوله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وراعى معناها في قوله هؤلاء شفعاؤنا فجمع، وجملة لا يضرهم صلة الموصول ولا ينفعهم عطف. وقيل ما موصوفة. (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ) الواو
220
عاطفة ويقولون معطوف على يعبدون وهؤلاء مبتدأ وشفعاؤنا خبر وعند الله ظرف متعلق بمحذوف حال. (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) قل فعل أمر وجملة أتنبئون مقول القول والمقصود بالأمر التبكيت والهمزة للاستفهام الانكاري كأنه يؤنبهم وينكر عليهم أن يخبره بما لا يعلم لها وجودا في السموات والأرض وهو الشفيع ولو أنه كان ثمة شفيع لعلمه. وربما الباء حرف جر وما موصولة أو نكرة موصوفة وعلى كلا التقديرين العائد محذوف أي يعلمه والجار والمجرور متعلقان بتنبئون وفي السموات حال من العائد المحذوف في يعلم وجملة لا يعلم صلة ما. (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) سبحانه تقدم أنه مفعول مطلق لفعل محذوف وتعالى فعل ماض وعما يشركون متعلقان بتعالى وما موصولة أو مصدرية.
(وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لبيان أن الفطرة والتشريع تتطلب وحدة البشر ولكنهم نزوعا منهم الى أهواء النفس ومتطلباتها اختلفوا وقد أفاض المفسرون في كيفية ذلك والرجوع اليه في المطولات. وما نافية وكان الناس كان واسمها وإلا أداة حصر وأمة خبر كان وواحدة صفة فاختلفوا عطف على المعنى أي كان الناس جميعا على الحق فاختلفوا. (وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الواو عاطفة ولولا حرف امتناع لوجود وكلمة مبتدأ محذوف الخبر وجملة سبقت صفة لكلمة ومن ربك متعلقان بسبقت ولقضي اللام جواب لولا وجملة قضي لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ونائب الفاعل مستتر تقديره الأمر وبينهم متعلقان بقضي أي لفصل بينهم ولميز المحق من المبطل ولكن كلمته سبقت بالتأخير لتكون هذه الدار دار تكليف وتلك دار ثواب أو عقاب وفيما متعلقان بقضي أيضا وفيه متعلقان بيختلفون
221
وجملة يختلفون صلة الموصول. (وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) الواو عاطفة ويقولون فعل مضارع وفاعل ولولا حرف تحضيض وأنزل فعل ماض مبني للمجهول وعليه متعلقان بأنزل وآية نائب فاعل ومن ربه صفة لآية. وأتى بالمضارع لاستحضار صورة ما قالوه.
(فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) الفاء واقعة في جواب لولا وإنما كافة ومكفوفة والغيب مبتدأ ولله خبر فانتظروا الفاء الفصيحة وانتظروا فعل أمر وفاعل واني ان واسمها ومن المنتظرين خبرها ومعكم ظرف متعلق بالمنتظرين.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢١ الى ٢٣]
وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)
222
اللغة:
(الْفُلْكِ) : السفن وسميت فلكا لدورانها في الماء وأصله الدور ومنه فلكة المغزل، وتفلّك ثدي الجارية إذا استدار والفلك يكون جمعا وواحد وهو هنا جمع.
(رِيحٌ) : في المصباح: الريح الهواء المسخر بين السماء والأرض وأصلها الواو لكن قلبت لانكسار ما قبلها والجمع أرواح ورياح وبعضهم يقول أرياح بالياء على لفظ الواحد وغلّطه أبو حاتم. والريح مؤنثة على الأكثر فيقال هي الريح وقد تذكر على معنى الهواء فيقال هو الريح نقله أبو زيد، وقال ابن الأنباري: الريح مؤنثة لا علامة فيها وكذلك سائر أسمائها إلا الإعصار فهو مذكر وراح اليوم يروح روحا من باب قال وفي لغة من باب خاف إذا اشتدت ريحه فهو رائح.
(عاصِفٌ) : عصفت الريح فهي عاصف وعاصفة قال:
حتى إذا عصفت ريح مزعزعة فيها قطار ورعد صوته زجل
ويقال أعصفت الريح فهي معصفة ومعصف والجمع معاصف ومعاصيف.
الإعراب:
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي
223
آياتِنا)
الواو استئنافية وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه وجملة أذقنا في محل جر بالاضافة إليها وجوابها في إذا الثانية الفجائية وانما جعلت جوابا لكونها بمعنى المفاجأة كأنه قال وإذا رحمناهم من بعد ضراء فاجئوا وقوع المكروه منهم وسارعوا اليه وقد يقدم القول في إذا الفجائية وهل هي حرف أم ظرف زمان أم ظرف مكان، ورحمة مفعول به ثان ومن بعد صفة لرحمة وضراء مضافة ترجمة وجملة مستهم صفة لضراء وإذا الفجائية ولهم خبر مقدم ومكر مبتدأ مؤخر وفي آياتنا صفة لمكر. (قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً) الله مبتدأ وأسرع خبر ومكرا تمييز. (إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) ان واسمها وجملة يكتبون خبرها وما موصول مفعول به وجملة تمكرون صلة والجملة تعليلية لسرعة مكره تعالى وتعجيله العقوبة. (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) جملة مستأنفة مسوقة لبيان جريمة أخرى من جرائمهم قائمة على اختلاف ما يعتريهم من تقلب بالنسبة لما يصيبهم من سراء وضراء، وهو مبتدأ والذي خبره وجملة يسيركم صلة والكاف مفعول به وفي البر والبحر جار ومجرور متعلقان بيسيركم. (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها) حتى حرف غاية وجر وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة كنتم مضافة إليها والتاء اسم كان وفي الفلك خبرها وجرين عطف على كنتم على طريق الالتفات كما سيأتي في باب البلاغة والنون للنسوة فاعل جرين وبهم جار ومجرور متعلقان بجرين وبريح طيبة حال أي مسوقين وطيبة صفة وفرحوا بها عطف على وجرين ويجوز أن تكون جملة حالية من الضمير بهم وقد مضمرة.
(جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) جملة جاءتها لا محل لها لأنها جواب إذا وريح فاعل جاءتها وعاصف صفة وجاءهم الموج عطف على جاءتها ومن كل مكان متعلقان بجاءهم أو بمحذوف
224
حال من الموج أي منحدرا. (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) عطف على جاءهم وان وما في حيزها سدت مسد مفعولي ظنوا وجملة أحيط بهم خبر أنهم ويلاحظ القارئ أنه جعل الشرط أمورا ثلاثة وهي الكون في الفلك والجري بهم بريح طيبة والفرح بها وجعل الجواب أمورا ثلاثة أيضا وهي مجيء الريح العاصف ومجيء الموج وظنهم الإحاطة بهم.
(دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) جملة دعوا الله بدل من ظنوا بدل اشتمال لما بينهما من الملابسة والتلازم ذلك لأن دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك فهو ملتبس به، أو استئنافية مبنية على سؤال يخطر للذهن وهو فماذا صنعوا فقيل دعوا الله، ودعوا الله فعل وفاعل ومفعول ومخلصين حال وله جار ومجرور متعلقان بمخلصين والدين مفعول به (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) اللام موطئة للقسم وان شرطية ونجيتنا فعل وفاعل ومفعول به وهي فعل الشرط ومن هذه متعلقان بأنجيتنا والاشارة للاهوال وما وقعوا فيه من مشارفه الهلاك في البحر ولنكونن جوابه وجواب الشرط محذوف لتقدم القسم، والقسم وجوابه في محل نصب بقول مقدر وذلك القول المقدر في محل نصب حال والتقدير: دعوا الله قائلين لئن أنجيتنا من هذه الأهوال لنكونن من الشاكرين. (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الفاء عاطفة ولما حينية أو رابطة وأنجاهم فعل وفاعل مستتر ومفعول به وإذا فجائية وهم مبتدأ وجملة يبغون خبرهم وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بيبغون وبغير الحق حال. (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) إنما كافة ومكفوفة وبغيكم مبتدأ وعلى أنفسكم خبر. (مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) قرأ حفص وابن اسحق والمفضل بنصب متاع على المفعولية المطلقة بفعل محذوف أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا أو على أنه مفعول به لفعل محذوف أي تبتغون متاع الحياة الدنيا وقرأ الباقون بالرفع على أنه
225
خبر لمبتدأ محذوف أي هو متاع الحياة الدنيا وقيل غير ذلك والأرجح ما ذكرناه. (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ثم حرف عطف وتراخ وإلينا خبر مقدم ومرجعكم مبتدأ مؤخر فننبئكم الفاء عاطفة وننبئكم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وربما كنتم تعملون متعلقان بننبئكم وجملة كنتم صلة ما وجملة تعملون خبر كنتم.
البلاغة:
في هذه الآيات ضروب متعددة من البلاغة تقدم ذكر بعضها واحتاج بعضها الآخر الى مزيد من البسط ومن أهم فنونها:
١- الالتفات من الخطاب الى الغيبة ثم العودة الى الغيبة وذلك في قوله تعالى «هو الذي يسيركم في البر والبحر» الى آخر الآية وقد تقدم القول في الالتفات ونوضحه هنا فنقول: لما كان قوله هو الذي يسيركم خطابا ينطوي على الامتنان واظهار نعمة المخاطبين ولما كان المسيرون في البر والبحر مؤمنين وكفارا والخطاب شامل لهم جميعا حسن خطابهم بذلك ليستديم الصالح الشكر ولعل الطالح يتذكر هذه النعمة فيتهيأ قلبه لتذكر وشكر مسديها ولما كان في آخر الآية ما يقتضي أنهم إذا نجوا بغوا في الأرض عدل عن خطابهم بذلك الى الغيبة لئلا يخاطب المؤمنين بما لا يليق صدوره منهم وهو البغي بغير الحق هذا من جهة ومن جهة ثانية ذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها كالمخبر لهم ويستدعي منهم الإنكار عليهم والتقبيح لما اقترفوه، ففي الالتفات فائدتان وهما المبالغة والمقت والتبعيد، قال الرازي «الانتقال من مقام الخطاب الى مقام الغيبة في هذا المقام دليل المقت والتبعيد كما أن عكس ذلك في قوله إياك نعبد دليل الرضا والتقريب».
226
٢- المجاز المرسل: في قوله «بغيكم على أنفسكم» لأن البغي لا يقع على الأنفس وانما هو الوبال ولما كان البغي هو سببه، ذكره على طريق المجاز المرسل والعلاقة السببية.
٣- المشاكلة: أفرد لفظ الريح للمشاكلة لوجهين لأنه في مقابلة قوله سبحانه: جاءتهم ريح عاصف ولأن الرحمة تقتضي هنا وحدة الريح فإن السفينة إنما تسير بريح واحدة ولو اختلفت عليها الرياح هلكت ولذا أكد بوصف الطيبة.
وفي تسمية عقوبة الله سبحانه مكرا فن المشاكلة وقد تقدم بحثها.
٤- الاشارة: وفي قوله: قل الله أسرع مكرا فن الاشارة لأن أفعل التفضيل دلّ على أن مكرهم كان سريعا ولكن مكر الله أسرع منه وإذا الفجائية يستفاد منها السرعة والمعنى أنهم فاجئوا المكر أي أوقعوه على جهة الفجاءة والسرعة.
الفوائد:
في قوله تعالى: «هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم... » فائدة منقطعة النظير ترتبت عليها أحكام فقهية نشير إليها وهي ما ذكره الزمخشري في كشافه قال: «فان قلت: كيف جعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر والتسيير في البحر انما هو بعد الكون في الفلك؟ قلت: لم يجعل الكون في الفلك غاية للتسيير ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد حتى بما في حيزها كأنه قيل يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت وكيت من مجيء الريح
227
العاصف وتراكم الأمواج وظن الهلاك والدعاء بالانجاء» الى آخر هذا الفصل. وقد سبق مثل هذه الآية وفاتنا أن نشير الى هذا السر في حينه وهي قوله تعالى في سورة النساء «وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم» فقد استدل الزمخشري بها لأبي حنيفة في أن الصغير يبتلى قبل البلوغ أن يسلم اليه قدر من المال يمتحن فيه خلافا لما لك فانه لا يرى الابتلاء قبل البلوغ أما الشافعي فله قولان أحدهما يوافق أبا حنيفة والآخر يوافق مالكا، وللأئمة في هذا الصدد مناقشات تخرج عن صدد الكتاب وإنما أشرنا الى مكان الفائدة البيانية والنحوية والرجوع لمعرفة الاحكام الفقهية الى المظان.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٤ الى ٢٥]
إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٥)
228
اللغة:
(الزخرف) : بالضم الذهب وكمال حسن الشيء ومن القول حسنه ومن الأرض ألوان نباتها.
(ازَّيَّنَتْ) : أصله تزينت فأدغمت التاء في الزاي وسكنت الزاي فاجتلبت لها همزة الوصل.
(تَغْنَ) : مضارع غني بالمكان أقام به والمغاني المنازل قال النابغة:
غنيت بذلك إذ هم لك جيرة منها بعطف رسالة وتودّد
وفي القاموس ما يقتضى أن غني يأتي بمعنى كان ووجد كقوله:
غنيت دارنا بتهامة أي كانت بها.
الإعراب:
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) كلام مستأنف مسوق لبيان حال الدنيا وسرعة تقضيها وأنها بعد أن تستهوي الأعين برونقها تحمل أهلها على أن يسفك بعضهم دم بعض ويمتشقوا الحسام فيما بينهم لتعكير صفو السلم الذي يجب أن يسود بينهم وضرب لذلك مثلا من التشبيه المركب. وإنما كافة ومكفوفة ومثل مبتدأ والحياة مضاف اليه والدنيا صفة، كماء: الجار والمجرور خبر مثل أو هي اسم فهي الخبر وجملة أنزلناه صفة لماء ومن السماء متعلقان بأنزلناه.
(فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) الفاء عاطفة
229
واختلط عطف على أنزلناه وبه متعلقان باختلط ونبات الأرض فاعل اختلط ومما يأكل الناس الجار والمجرور حال من نبات الأرض وجملة يأكل الناس صلة والانعام عطف على الناس. (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) حتى حرف غاية وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن متعلق بالجواب وهو أتاها وجملة أخذت مضافة إليها والأرض فاعل وزخرفها مفعول به وازينت عطف على أخذت. (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) وظن عطف أيضا وأهلها فاعل ظن وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي ظن وقادرون خبر أن وعليها جار ومجرور متعلقان بقادرون. (أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً) أتاها جواب إذا والهاء مفعول به وأمرنا فاعل وليلا ظرف متعلق بأتاها وأو حرف عطف ونهارا معطوف على ليلا. (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) الفاء عاطفة وجعلناها فعل وفاعل ومفعول به أول وحصيدا مفعول به ثان وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة لم تغن خبرها وبالأمس جار ومجرور متعلقان بتغن وأراد بالأمس مطلق الزمان الماضي لا خصوص اليوم الذي قبل يومك ولذلك أعربه وأدخل عليه «أل» ولو قال أمس للزم البناء على الكسر والتجرد من أل.
(كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) كذلك جار ومجرور متعلقان بمحذوف مفعول مطلق ونفصل الآيات فعل وفاعل مستتر ومفعول به والجار والمجرور متعلقان بنفصل وجملة يتفكرون صفة لقوم. (وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) والله مبتدأ وجملة يدعو خبر والى دار السلام متعلقان بيدعو وسيأتي الفرق بين الدعاء والأمر في باب الفوائد.
(وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ويهدي عطف على يدعو ومن مفعول به وجملة يشاء صلة والى صراط متعلقان بيهدي ومستقيم صفة.
230
البلاغة:
١- في هذه الآية تشبيه تمثيلي ومركب وهو هنا يحتمل شيئين:
آ- انه شبه الحياة الدنيا بالماء فيما يكون به من الانتفاع ثم الانقطاع.
ب- انه شبهها بالنبات في جفافه وذهابه حطاما بعد ما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه.
٢- وفي قوله «أخذت الأرض زخرفها» استعارة مكنية حيث جعلت الأرض في زينتها بما عليها من أصناف النبات كالعروس التي أخذت من أنواع الزينة والثياب فتزينت بها.
الفوائد:
الفرق بين الدعاء والأمر أن الأول طلب الفعل بما يقع لأجله والداعي الى الفعل خلاف الصارف عنه وهو لا يكون إلا من الأدنى الى الأعلى أما الأمر فهو ترغيب في الفعل وزجر عن تركه وهو يقتضي أن المأمور دون الآمر في الرتبة.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧)
231
اللغة:
(يَرْهَقُ) وجوههم أي يغشاها والرهق الغشيان يقال رهقه يرهقه من باب طرب أي غشيه بسرعة ومنه «لا ترهقني من أمري عسرا» و «فلا يخاف بخسا ولا رهقا» يقال رهقته وأرهقته مثل ردفته وأردفته ففعل وأفعل بمعنى، ومنه أرهقت الصلاة إذا أخرتها حتى غشي وقت الأخرى أي دخل وقال بعضهم الرهق المقاربة ومنه غلام مراهق أي قارب الحلم وقال آخرون: الرهق لحاق الأمر ومنه راهق الغلام إذا لحق بالرجال ورهقه في الحرب أدركه وقال الأزهري:
الرهق اسم من الارهاق وهو أن يحمل الإنسان على ما لا يطيقه ومنه سأرهقه صعودا. وللراء مع الهاء خاصة غريبة فهما لا تفيدان معنى واحدا وانما تفيدان إحداث التأثير وقد أحصيناها فلم تختل هذه القاعدة المطردة، فرهيأ الحمل جعل أحد العدلين أثقل من الآخر، وترهيأت السحابة تمخضت بالمطر، ورهبته خفت منه وفي قلبي منه رهبة وهو رجل مرهوب، عدوه منه مرعوب قالت ليلى:
232
وهو راهب بين الرهبانية وهؤلاء رهبان ورهبة ورهابين ورهابنة قال رجل من الضبّاب:
وقد كان مرهوب السنان وبيّن الل سان ومجذام السّرى غير فاتر
قد أدبر الليل وقضّى أربه وارتفعت في فلكيها الكوكبة
كأنها مصباح دير الرهبة ورماه فأصاب رهابته وهي عظيم في الصدر مطلّ على البطن كأنه طرف لسان الكلب. ومن المجاز أرهب الإبل عن الحوض:
ذادها، وأرهب عنه الناس بأسه ونجدته، قال رجل من جرم:
إنّا إذا الحرب نساقيها المال وجعلت تلقح ثم تحتال
يرهب عنا الناس طعن إيغال شزر كأفواه المزاد الشلشال
أي ننفق عليها المال وهو من فصيح الكلام وانما فصّحه ملح الاستعارة، والرهج الغبار ولا يخفى ما يحدثه من أثر، وأرهج الغبار:
أثاره وأرهجت حوافر الخيل ومن المجاز أرهج فلان نار الفتنة بين القوم، وله بالشر لهج، وله فيه رهج، ورهز وارتهز لأمر كذا تحرك له واهتز ونشط، ونشط من الرهز وهو الحركة في الجماع وغيره ومن أقوالهم: فلان للطمع مرتهز ولفرصه منتهز، ورهص أصلح باحكام وإذا بنيت جدارا فأحكم رهصه وهو عرقه الأسفل ومن المجاز أرهص الشيء أثبته وأسسه، وكان ذلك إرهاصا للنبوة، ورهصه لامه وهو من الرّهصة وتقول فلان ما ذكر عنده أحد إلا غمصه،
233
وقدح في ساقه ورهصه، وفلان أسد رهيص أي لا يبرح مكانه كأنما رهص، والرهط من الثلاثة الى العشرة وأثرهم واضح في اجتماع الشمل، وانتظام العمل، وإحراز النصر قال الوليد بن عقبة أخو عثمان ابن عفان حين قتل وبويع علي بن أبي طالب وأمر بقبض ما في الدار من السلاح وغيره:
بني هاشم إنا وما كان بيننا... كصدع الصّفا لا يرأب الدهر شاعبه
ثلاثة رهط: قاتلان وسالب... سواء علينا قاتلاه وسالبه
ورهف سيفه رقّ حده وسيف رهيف ومرهف الحد ورجل مرهف الجسم دقيقه وقد شحذت علينا لسانك وأرهفته، وفيه رهل أي انتفاخ، وروضه مرهومة ممطورة قال ذو الرمة:
أو نفحة من أعالي حنوة معجت... فيها الصّبا موهنا والروض مرهوم
والرهن معروف وقبض الرّهن والرّهون والرّهان والرّهن واسترهنني فرهنته ضيعتي ومن المجاز فيه: جاءا فرسي رهان أي متساويين وإني لك رهن بكذا أي أنا ضامن له ورجلي رهينة أي مقيدة قال السمهري بن أسد العكلي:
لقد طرقت ليلي ورجلي رهينة... فما راعني في السجن إلا سلامها
234
وفلان رهن بكذا ورهين ورهينة ومرتهن به: مأخوذ به، قال تعالى «كل امرئ بما كسب رهين» و «كل نفس بما كسبت رهينة» والرهو السكون قال تعالى «واترك البحر رهوا» أي ساكنا وعيش راه أي ساكن، ومر باعرابي فالج فقال: سبحان الله رهو بين سنامين، ويقال طلع رهوا ورهوة وهو نحو التل قال ذو الرمة:
يجلّي كما جلّى على رأس رهوة من الطير أقنى ينفض الطلّ أزرق
وجاءت الخيل رهوا أي متتابعة وأتاه بالشيء رهوا سهوا أي عفوا سهلا لا احتباس فيه قال:
يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة ولا الصدور على الاعجاز تتكل
وهذا من عجيب أمر هذه اللغة الشريفة.
(القتر) : والقترة الغبار معه سواد يقال قتر كفرح ونصر وضرب ومنه قول الفرزدق:
متوح برداء الملك يتبعه موج ترى فوقه الرايات والقترا
وفيل القتر: الدخان ومنه غبار القدر وقيل القتر القدر القليل والاقتار في المعيشة ويقال قترت الشيء واقترته أي قللته ومنه «وعلى المقتر قدره».
235
(القطع) : جمع قطعة من الليل فيها ظلمة والقطع بكسر القاف وسكون الطاء الجزء من الليل الذي فيه ظلمة وقد قرىء بهما.
الإعراب:
(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) للذين خبر مقدم وجملة أحسنوا صلة والحسنى مبتدأ مؤخر وزيادة عطف على الحسنى أي ما يزيد على المثوبة. (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) يجوز في الواو أن تكون مستأنفة لتعدد النعميات على المحسنين ويجوز أن تكون عاطفة وجملة يرهق وجوههم معطوفة على الحسنى ولا بد حينئذ من تقدير أن فإن شئت نصبت وان شئت رفعت على حد قول ميسون:
ولبس عباءة وتقر عيني أحب إليّ من لبس الشفوف
ولا نافية ويرهق وجوههم فعل مضارع ومفعول به وقتر فاعل ولا ذلة عطف على قتر (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) أولئك مبتدأ وأصحاب خبر والجنة مضاف اليه، وهم مبتدأ وفيها متعلقان بخالدون وخالدون خبر والجملة حالية. (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها) يجوز أن تكون الواو عاطفة والذين معطوفة نسقا على الذين الأولى أي للذين أحسنوا الحسنى وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها فيتعادل التقسيم وهذا أسهل الوجوه التي ذكرها المعربون والنحاة ويجوز أن تكون الواو استئنافية والذين مبتدأ خبره جزاء سيئة بمثلها وهو قول سهل أيضا لا تكلف فيه وهناك أقوال
236
أضربنا عنها لأنها تكلف لا حاجة اليه. وكسبوا السيئات الجملة من الفعل والفاعل والمفعول به صلة الموصول وجزاء مبتدأ ثان وسيئة مضاف اليه وبمثلها خبر جزاء أي مقدر بمثلها. (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) قيل هذه الجملة عطف على كسبوا وفيه ضعف من وجهين أولهما أن المستقبل لا يعطف على الماضي وثانيهما أنه فصل بينهما بجملة مطولة، وقيل الواو حالية وجملة ترهقهم ذلة حالية ولا يخفى ما فيه من تكلف، وقيل الواو معترضة والجملة اعتراضية، ولكن الاعتراض غير وارد هنا لأنه بصدد تعداد أحوال عذابهم، ونرى أن تكون الواو مستأنفة والجملة استئنافية، كأنما هو يعدد أصناف العذاب لهم تهويلا، وكذلك قوله: (ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ) ما نافية أو حجازية ولهم خبر مقدم ومن الله جار ومجرور متعلقان بعاصم ومن زائدة وعاصم مبتدأ مؤخر أو اسم ما مؤخر عند من يجيز تقدم خبرها. (كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) وهذه جملة مستأنفة استوفت المصائر الثلاثة لهم وهي الجزاء المعادل والذلة التي رهقتهم وغشيان وجوههم قطعا من الليل، وكأنما كافة ومكفوفة وأغشيت فعل ماض مبني للمجهول ووجوههم نائب فاعل وقطعا مفعول به ثان ومن الليل صفة لقطع ومظلما صفة ثانية لقطعا بكسر القاف وسكون الطاء. وعلى قراءة قطعا يشكل أن تكون مظلما صفة فتعرب حالا من الليل والعامل فيه إما أغشيت من قبل من أن الليل صفة لقوله قطعا فكان افضاؤه الى الموصوف كإفضائه الى الصفة وإما أن يكون معنى الفعل في قوله من الليل. (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وهذه جملة مستأنفة رابعة تتم فيها المصائر المحتومة لهم، وأولئك مبتدأ وأصحاب النار خبر وهم فيها خالدون جملة اسمية حالية منهم.
237
الفوائد:
قول ابن هشام في «والذين كسبوا» :
قال ابن هشام في هذه الآية: جملة «وترهقهم ذلة» معطوفة على «كسبوا السيئات» فهي من الصلة وما بينهما اعتراض بيّن به قدر جزائهم وجملة «ما لهم من الله من عاصم» خبر قاله ابن عصفور وهو بعيد لأن الظاهر أن «ترهقهم» لم يؤت به لتعريف «الذين» فيعطف على صلته بل جيء به للاعلام بما يصيبهم جزاء على كسبهم السيئات ثم انه ليس بمتعين لجواز أن يكون الخبر «جزاء سيئة بمثلها» فلا يكون في الآية اعتراض ويجوز أن يكون الخبر جملة النفي كما ذكر وما قبلها جملتان معترضتان وأن يكون الخبر «كأنما أغشيت» فالاعتراض بثلاث جمل أو «أولئك أصحاب النار» فالاعتراض بأربع جمل ويحتمل وهو الأظهر ان «الذين» ليس مبتدأ بل معطوف على «الذين» الأولى أي «للذين أحسنوا الحسنى وزيادة» وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، فمثلها هنا في مقابلة الزيادة هناك ونظيرها في المعنى قوله تعالى «من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون» وفي اللفظ قولهم في الدار زيد والحجرة عمرو وذلك من العطف على معمولي عاملين مختلفين عند الأخفش وعلى إضمار الجار عند سيبويه والمحققين، ومما يرجح هذا الوجه أن الظاهر أن الباء في «بمثلها» متعلقة بالجزاء فإذا كان «جزاء سيئة» مبتدأ احتيج الى تقدير الخبر أي واقع، قاله أبو البقاء أو «لهم» قاله الخوفي وهو أحسن لإغنائه عن تقدير رابط بين هذه الجملة ومبتدئها وهو الذين وعلى ما اخترناه يكون «جزاء»
238
عطفا على «الحسنى» فلا يحتاج الى تقدير آخر، وأما قول أبي الحسن وكيسان أن «بمثلها» هو الخبر وأن الباء زيدت في الخبر كما زيدت في المبتدأ في «بحسبك درهم» فمردود عند الجمهور، وقد يؤنس قولهما بقوله «وجزاء سيئة سيئة».
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٢٨ الى ٣٠]
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ (٢٨) فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (٢٩) هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠)
اللغة:
(زيلنا) : فرقنا.
(تَبْلُوا) تختبر.
الإعراب:
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً) الظرف متعلق بمحذوف مفهوم من الآية السابقة أي نفعل ذلك كله يوم نحشرهم، وجملة نحشرهم مضاف إليها
239
وجميعا نصب على الحال (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) ثم حرف عطف وتراخ ونقول معطوف على متعلق الظرف أي نفعل ذلك كله ثم نقول أو معطوف على نحشرها وللذين متعلقان بنقول وجملة أشركوا صلة ومكانكم اسم فعل أمر معناه الزموا وسيأتي بحثها في باب الفوائد، وأنتم ضمير منفصل في محل رفع تأكيد للضمير في مكانكم، وشركاؤكم عطف عليه (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) الفاء استئنافية وزيلنا فعل وفاعل وبينهم ظرف متعلق بزيلنا وقال شركاؤهم فعل وفاعل وما نافية وكنتم كان واسمها وإيانا ضمير منفصل مفعول مقدم لتعبدون وجملة تعبدون نصب خبر كنتم. (فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) الفاء استئنافية وكفى فعل ماض والباء حرف جر زائد والله فاعل محلا، وشهيدا: قال الزجاج منصوب على التمييز إن شئت وإن شئت على الحال فإن كان الاسم جامدا فالنصب على التمييز كقول بشار:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلا أن تعدّ معايبه
(إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ) إن مخففة من الثقيلة وليست نافية كما قال أحد الأئمة وهي مهملة كما تقدم وكنا كان واسمها وعن عبادتكم متعلقان بغافلين واللام الفارقة وهي التي أبعدت إن النافية، وغافلين خبر كنا. (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) هنالك اسم إشارة في محل نصب على الظرفية المكانية وهو متعلق بتبلو واللام للعبد والكاف للخطاب وتبلو كل نفس فعل مضارع وفاعل وما اسم موصول مفعول به وجملة أسلفت صلة. (وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) الواو عاطفة
240
وردوا فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل والى الله جار ومجرور متعلقان بردوا ومولاهم صفة أو بدل من الله والحق صفة لأنهم كانوا يتولون ما ليس لربوبيته حقيقة. (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) وضل الواو عاطفة وضل معطوف على ردوا وعنهم متعلقان بضل وما اسم موصول فاعل وكانوا كان واسمها وجملة كانوا يفترون صلة وجملة يفترون خبر كانوا.
الفوائد:
(مَكانَكُمْ) كلمة جرت مجرى الوعيد والعرب تتوعد فتقول مكانك وانتظرني والصحيح عند المحققين أن مكانك ودونك من أسماء الأفعال ونقول أن أسماء الأفعال قسمان مرتجلة ومنقولة فالمرتجلة هي ما وضعت من أول أمرها أسماء أفعال وهي ثلاثة أقسام: اسم فعل ماض كهيهات، واسم فعل مضارع كأف، واسم فعل أمر كآمين، وقد تقدمت الاشارة الى ذلك. والمنقولة هي ما استعملت في غير اسم الفعل ثم نقلت اليه والنقل يكون:
١- إما عن جار ومجرور مثل: عليك نفسك أي الزمها وإليك عني أي تنح.
٢- وإما عن ظرف مثل: دونك الكتاب أي خذه ومكانك وقد تقدمت.
٣- وإما عن مصدر مثل: رويد أخاك أي أمهله وبله الشر أي دعه واتركه.
٤- وإما عن تنبيه مثل: ها الكتاب أي خذه و «هاؤم اقرءوا كتابيه».
241
٥- وإما معدولة كنزال وحذار.
تنبيهات:
١- الكاف التي تلحق اسم الفعل المنقول تتصرف بحسب المخاطب إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا وهي حرف خطاب لا محل لها من الإعراب لأنها بمثابة جزء من الكلمة لا إعراب له.
٢- اسم الفعل المنقول والمعدول لا يأتي إلا للأمر ولا يأتي لغيره بعكس المرتجل كما تقدم.
٣- المرتجل والمنقول سماعيان لا يقاس عليهما.
٤- المعدول قياسي وهو بني على وزن فعال من كل فعل ثلاثي مجرد تام متصرف.
وسيأتي مزيد منه في أثناء هذا الكتاب.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣١ الى ٣٣]
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣١) فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢) كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣)
242
الإعراب:
(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) من اسم استفهام مبتدأ وجملة يرزقكم خبر ومن السماء جار ومجرور متعلقان بيرزقكم والأرض معطوفة. (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) أم حرف عطف وهي منقطعة لأنها ليست مسبوقة بهمزة الاستفهام ولا بالتسوية ومن اسم استفهام مبتدأ وجملة يملك خبر والسمع مفعول به والابصار عطف على السمع. (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) عطف أيضا وما بعده عطف. (فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ) الفاء استئنافية ويقولون فعل وفاعل والله خبر لمبتدأ محذوف أي هو الله أو مبتدأ والخبر محذوف والتقدير يفعل هذه الأشياء كلها والجملة مقول القول. (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) الفاء الفصيحة وقل فعل أمر والهمزة للاستفهام والفاء حرف عطف ولا نافية وتتقون فعل مضارع وفاعل. (فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ) الفاء عاطفة وذلكم مبتدأ والله خبر وربكم بدل من الله أو صفة والحق صفة لربكم ويجوز أن يعرب الله مبتدأ ثانيا وربكم خبره والجملة خبر اسم الاشارة. (فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) الفاء عاطفة وماذا تقدم أن فيها وجهين الأول أن تكون كلها اسما واحدا لتركبهما وغلب الاستفهام على اسم الاشارة وصار معنى الاستفهام هنا النفي ولذلك أتى بعده بإلا وهو في محل رفع مبتدأ والثاني أن يكون ذا موصولا خبرا لما الاستفهامية وبعد ظرف متعلق بمحذوف حال وإلا أداة حصر والضلال بدل من ذا والاستفهام بمعنى النفي أيضا، والفاء عاطفة وأنى اسم استفهام بمعنى كيف في محل نصب حال من فاعل تصرفون وتصرفون بالبناء للمجهول فعل مضارع ونائب فاعل (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا
243
أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)
الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف والاشارة بذلك الى المصدر المفهوم أي مثل صرفهم عن الحق بعد الإقرار به في قوله «فسيقولون الله» أو الاشارة الى الحق، وحقت كلمة ربك فعل وفاعل وعلى الذين جار ومجرور متعلقان بحقت وجملة فسقوا صلة وأن وما في حيزها بدل من كلمة ربك أي حقيق عليهم أنهم لا يؤمنون وجملة لا يؤمنون خبر ان.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣٤ الى ٣٦]
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦)
الإعراب:
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) هل حرف استفهام ومن شركائهم خبر مقدم ومن موصول مبتدأ مؤخر وجملة يبدأ الخلق صلة وثم حرف عطف على يبدأ. (قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) الله مبتدأ وجملة يبدأ الخلق خبره والجملة الاسمية مقول القول ثم يعيده عطف على يبدأ والفاء عاطفة وأنى اسم
244
استفهام بمعنى كيف في محل نصب على الحال وتؤفكون فعل مضارع بالبناء للمجهول والواو نائب فاعل. (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) احتجاج آخر على ما ذكر ومن شركائكم خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر ويهدي فعل مضارع يتعدى الى اثنين ثانيهما إما باللام أو بإلى وقد يحذف حرف الجر تخفيفا وقد جمع في هذه الآية بين التعديتين بحرف الجر فعدى الأول والثالث بإلى وعدى الثاني باللام وحذف المفعول به الاول من الأفعال الثلاثة والتقدير هل من شركائكم من يهدي غيره الى الحق قل الله يهدي من يشاء للحق أفمن يهدي غيره الى الحق؟ وسيأتي السر في مخالفة حروف الجر في باب البلاغة.
(قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ) تقدم اعراب نظيرها. (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) الهمزة للاستفهام الانكاري وهو ثامن سؤال لم يذكر جوابه وهو هنا الله ومن مبتدأ وأحق خبره وأن حرف مصدري ونصب ويتبع بالبناء للمجهول والمصدر المؤول مضاف لأحق بعد نصبه بنزع الخافض أي أحق بالاتباع. (أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) أم عاطفة ومن مبتدأ وجملة لا يهدي صلة وإلا أداة حصر وأن وما في حيزها نصب بنزع الخافض والجار والمجرور في محل نصب حال فالاستثناء مفرّغ من أعم الأحوال أي لا يهدي أو يهتدي في حال من الأحوال إلا في حال اهدائه أي إهداء الآخرين إياه والخبر محذوف تقديره أحق ولك أن تنسق من على الاولى فلا تحتاج الى الخبر. (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) الفاء استئنافية وما استفهامية مبتدأ ولكم خبره أي فأي شيء ثبت لكم في اتخاذ هؤلاء العاجزين عن هداية أنفسهم فكيف تحكمون بالباطل وتجعلون لله أندادا وشركاء؟ (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) كلام مستأنف مسوق لبيان السر في عدم اكتناههم الحق وفهمهم لمضمون البرهان وما نافية ويتبع أكثرهم فعل وفاعل وإلا أداة حصر
245
وظنا مفعول به. (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) كلام مستأنف مسوق لبيان العلة في إخفاقهم في الفهم وعدم الاكتناه، وإن واسمها وجملة لا يغني خبرها ومن الحق حال مقدمة وشيئا مفعول مطلق أي شيئا من الإغناء أو مفعول به بتضمين يغني معنى يدفع. (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) ان واسمها وخبرها وبما متعلقان بعليم وجملة يفعلون لا محل لها لأنها صلة ما سواء كانت موصولة أو مصدرية.
البلاغة:
مخالفة حروف الجر:
وهذا باب تقدمت الاشارة اليه في الأنفال وهو ينطوي على السر في مخالفة حروف الجر وأكثر الناس يضعون هذه الحروف في غير مواضعها ويجهلون الدقائق الكامنة في وضعها حيث وضعت وهنا عدى فعل هدى الى الحق بإلى مرتين وفي الثلاثة عداه باللام، والنحاة يغفلون عن هذا السر ويقولون إن ما يصح جره بإلى يجوز جره باللام التي تفيد الغاية مثلها ولا عكس فلا يقال في قلت له: قلت اليه، ويقولون الماء في الكأس لأن في للظرفية ويجيزون التعدي بالباء لأنها تخلفها في الظرفية ولا يجوز أن يقال في مررت به: مررت فيه، إذا تقرر هذا نقول، والله أعلم، ان هناك سرا وراء الصورة فالهداية لمّا أسندت إليهم وجبت تعديتها بإلى التي تفيد البعد كأنها ضمنا بعيدة عنهم ولكنها لما أسندت الى الله تعالى وجب تعديتها باللام التي تفيد القرب كأنها من خصائصه وحده وملك يمينه وهو المنفرد بها على وجه الديمومة والكمال وستأتي نماذج من هذه المخالفة السامية.
246

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٣٧ الى ٤٠]

وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠)
الإعراب:
(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ) الواو استئنافية وما نافية وكان واسمها والقرآن بدل من هذا وان وما في حيزها خبر كان أي افتراء. (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) الواو عاطفة ولكن مخففة مهملة وتصديق معطوف على افتراء المؤولة ووقعت لكن أحسن موقع لأنها بين نقيضين وهما الكذب والصدق ولهذا لا حاجة الى الاوجه التي تكلفها بعض الأئمة وهي سائغة ومقبولة ولكن ما أوردناه أولى بالتقديم والذي مضاف لتصديق وبين ظرف متعلق بمحذوف صلة
247
الموصول ويديه مضاف لبين بمعنى أمامه. (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) وتفصيل عطف على تصديق ولا نافية للجنس وريب اسمها مبني على الفتح وفيه خبر لا ومن رب العالمين حال وجملة لا ريب فيه معترضة وهو الظاهر بين تفصيل ومن رب العالمين والتقدير ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب كائنا من رب العالمين وجنح الزمخشري الى جعل لا ريب فيه حالا داخلا في حيز الاستدراك كأنه قيل ولكن كان تصديقا وتفصيلا منتفيا عنه الريب كائنا من رب العالمين ولك أن تعلق من رب العالمين بتفصيلا ويكون لا ريب فيه اعتراضا.
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أم عاطفة منقطعة فهي بمعنى بل حتى لقد وردت قراءة شاذة بها فهي للاضراب الانتقالي، والهمزة للاستفهام الانكاري للواقع واستبعاده ويجوز أن تكون متصلة وحينئذ فلا بد من حذف جملة ليصح التعادل والتقدير أيقرون به أم يقولون افتراه وجملة افتراه مقول القول. (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) الفاء الفصيحة أي قل تبكيتا لهم إن كان الأمر كما تقولون فأتوا وأتوا فعل أمر وفاعل وبسورة جار ومجرور متعلقان بأئتوا ومثله صفة. (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وادعوا عطف على فأتوا والواو فاعل ومن اسم موصول مفعول به وجملة استطعتم صلة ومن دون الله حال وإن شرطية وكنتم فعل الشرط والتاء اسم كان وصادقين خبر كان وجواب الشرط محذوف أي فأتوا وادعوا. (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) بل حرف إضراب وعطف وكذبوا فعل وفاعل وبما متعلقان بكذبوا وجملة لم يحيطوا صلة ما والواو للحال ويجوز أن تكون عاطفة أي بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه وبما لم يأتهم تأويله، أو هذه الجملة في محل نصب على الحال أي كذبوا به حال كونهم لم يفهموا ما كذبوا به ولا بلغة عقولهم، ولما حرف جازم ويأتهم مضارع مجزوم بلما والهاء
248
مفعول به وتأويله فاعل يأتهم ويجوز أن تكون الواو للعطف والجملة معطوفة على لم يحيطوا فتكون داخلة في حكم الصلة ولمجيء «ما» سر ستقف عليه في باب البلاغة. (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) الكاف نعت لمصدر محذوف أي كذلك التكذيب كذبوا رسلهم، وكذب الذين فعل وفاعل ومن قبلهم صلة الذين، فانظر: الفاء عاطفة على محذوف أي فأهلكنا فانظر وكيف اسم استفهام في موضع نصب على أنه خبر كان ولا يصح أن يعمل فيه الفعل فانظر لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه وعاقبة اسمها والظالمين مضاف اليه. (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) ومنهم خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وجملة يؤمن به صلة وجملة ومنهم من لا يؤمن عطف على الجملة السابقة وربك مبتدأ وأعلم خبر وبالمفسدين جار ومجرور متعلقان بأعلم.
البلاغة:
ل «لما» في قوله تعالى «بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله» سر عجيب أفاد الكلام معنى لم يكن ليتأتى لولا دخولها لأنها تفيد التوقع بعد نفي الإحاطة بعلمه فقد أفادت الأمور التالية:
١- انهم كذبوا على البديهة قبل أن يتدبروه ويكتنهوا مطاويه.
٢- الإصرار على التقليد الأعمى ومساوقة آبائهم الذين طبعوا على اللجاج والسفسطة وإنكار الحق رغم ظهوره ونصاعته.
٣- ان التكذيب قبل الإحاطة بالعلم ربما يوهم لهم عذرا فجاءت كلمة «لما» حاسمة مشعرة بأنهم قد أحاطوا بعلمه قطعا لحججهم وتحقيقا لشقائهم.
249

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤١ الى ٤٤]

وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)
الإعراب:
(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) الواو عاطفة وإن شرطية وكذبوك فعل وفاعل ومفعول به وهو في محل جزم فعل الشرط، فقل الفاء رابطة لأن ما بعدها جملة طلبية وقل فعل أمر ولي خبر مقدم وعملي مبتدأ مؤخر ولكم عملكم عطف وجملة لي عملي في محل نصب مقول القول. (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ) أنتم مبتدأ وبريئون خبر ومما متعلقان ببريئون وجملة أعمل صلة الموصول. (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) عطف على ما تقدم والاعراب ظاهر. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) الواو عاطفة ومنهم خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر ويستمعون صفة لمن إذا كانت نكرة موصوفة أي ناس يستمعون وصلة إذا كانت موصولة وأعاد الضمير جمعا مراعاة لمعنى من والأكثر مراعاة لفظه كقوله «ومنهم من ينظر إليك» وقد تقدمت الاشارة الى ذلك مرارا وإليك
250
متعلقان بيسمعون. (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ) الهمزة للاستفهام الانكاري والفاء عاطفة للتعقيب وفيه الوجهان المشهوران من اعتبار الحذف للمعطوف عليه أو اعتبار التقديم والتأخير وقد تقدمت الاشارة إليهما والواو عاطفة ولو وصلته وكانوا كان واسمها وجملة لا يعقلون خبرها. قال الزجاج: معنا ولو كانوا جهالا بالاضافة الى الصمم وإذا اجتمع سلب السمع والعقل فقد تم الأمر وفقد الإنسان كل خصائص انسانية. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) عطف على سابقتها ومثيلتها ولكنه حمل الضمير هنا على لفظ من والفرق بين الموضعين أن الغالب على المستمعين أن يكونوا جماعة والغالب على الناظر أن يكون مفردا. (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) عطف على ما تقدم والمعنى ولو انضم الى عدم البصر عدم البصيرة وجواب لو في الجملتين محذوف لدلالة قوله أفأنت تسمع الصم وقوله أفأنت تهدي العمي وكل منهما معطوف على جملة مقدرة مقابلة لها وكلتاهما في موضع الحال من مفعول الفعل السابق أي أفأنت تسمع الصم لو كانوا يعقلون ولو كانوا لا يعقلون، أفأنت تهدي العمي لو كانوا يبصرون ولو كانوا لا يبصرون أي لا تسمعهم ولا تهديهم على كل حال وسيأتي المزيد من هذا التشبيه في باب البلاغة. (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) إن حرف مشبه بالفعل والله اسمها وجملة لا يظلم خبرها والناس مفعول به وشيئا مفعول مطلق أي شيئا من الظلم ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا ليظلم بمعنى لا ينقص الناس شيئا من أعمالهم.
(وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) الواو حالية ولكن حرف استدراك ونصب والناس اسمها وأنفسهم مفعول مقدم ليظلمون وجملة يظلمون خبر لكن.
251
البلاغة:
١- الاستعارة التمثيلية:
في قوله تعالى «ومنهم من يستمعون إليك» الى آخر الآية استعارة تمثيلية وقدم تقدم القول ان الاستعارة التمثيلية هي تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة فقد شبههم في عدم الاهتداء بالصم والعمي بل هم أعظم فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ولأن الأصم العاقل ربما استعان بالفراسة على الاستدلال والأعمى الذي له في قلبه بصيرة وقد يحدس ويتظنّن وقد جاء المشبه به مركبا لأن المشبه مركب أيضا ولو أنه لجأ الى التشبيه لضؤل الأثر الفني ولم تكن له تلك القيمة التي نلاحظها في الاستعارة لان الاستعارة وان تكن مبنية على المشاهدة إلا أن تركيبها يحملنا على تناسي التشبيه ويدعونا لتخيل صورة جديدة وهي من ناحية اللفظ- كما ترى في الآية- تترك التعبير الثنائي أي المشبه والمشبه به وتستعمل التعبير الآحادي الذي يدعي أن ليس هناك إلا شيء واحد نتحدث عنه ويبقى للابتكار أثره في عقد الاستعارة الموفقة وفي هذا المضمار تتجلى عبقرية الفنانين والمبدعين.
هذا وقد رمق أبو الطيب سماء هذه البلاغة بقوله:
وإذا خفيت على الغبي فعاذر أن لا تراني مقلة عمياء
يريد أنه إذا خفي مكانه على الغبي وهو الجاهل الذي لا يعرف شيئا ولم يعرف قدري ولم يقر بفضلي فأنا أعذره لأن الجاهل كالأعمى،
252
والمقلة العمياء إن لم تر فهي في عذر لعماها وكذلك الجاهل الذي يجهلني ويجهل قدري ومن قبل المتنبي قيل:
وقد بهرت فما أخفى على أحد إلا على أكمه لا يعرف القمرا
٢- التهذيب:
وفي هذه الآيات المتقدمة فن بديعي يقال له فن التهذيب وقد أطال فيه علماء هذا الفن ويمكن تلخيصه بأنه وصف يعم كل كلام منتخل وهو ترداد النظر في الكلام بعد عمله، وإمعان الفكر في تهذيبه وتنقيحه نظما كان أو نثرا، وكشف ما يشكل من عويص معانيه وغريب إعرابه وطرح ما يتجافى عن مواطن الرقة من لفظ قاس وكلمة نابية جافية وقد عبر عنه أبو تمام في وصيته للبحتري، نقل عن أبي عبادة قال: «كنت في حداثتي أروم الشعر وأرجع فيه الى طبع سليم ولم أكن وقفت له على تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام وانقطعت اليه فكان أول ما قال لي: يا أبا عبيدة تخير الأوقات وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم، واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر ولا تعمل نظما ولا نثرا عند الملل فإن الكثير منه قليل والخواطر ينابيع إذا رفقت بها جمت، وإذا عنفت عليها نزحت، وترنم بالشعر وقت عمله فإنه يعين عليه وقد يتخيل الشاعر الشعر الجيد فيمكنه مرة ولا يمكنه أخرى وإياك وتعقيد المعاني واجعل المعنى الشريف في اللفظ اللطيف لئلا يتلف أحدهما الآخر ومتى عصى الشعر اتركه ومتى طاوعك عاوده وروّح الخاطر إذا كلّ واعمل في أحب المعاني إليك وفي كل ما يوافقه طبعك فالنفوس تعطي على الرغبة ولا تعطي على الإكراه واعمل الأبيات
253
متفرقة على ما يجود به الخاطر ثم انظمها في الآخر وحصل المبدأ والمقطع والمخرج فهو أصعب ما في القصيدة وميّز بفكرك محطّ الرسالة ومصبّ القصيدة فإنه أسهل عليك وانظمها أولا وهذبها آخرا».
التهذيب في الآية:
أما الآية التي نحن بصدد البحث فيها، فهي قوله تعالى «ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون، ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون» فإن لقائل أن يقول: ما فائدة الفاصلتين وقد أغنى عنهما ما قبلهما؟ فيقال في الكلام تقديم وتأخير إذا علم سقط معه السؤال وهو أن يقال: «ومنهم من ينظر إليك ولو كانوا لا يبصرون أفأنت تهدي العمي» والاخرى كذلك، ويرد على ذلك قول من يقول: فما الداعي الى وضع الكلام على التقديم والتأخير الذي هو أحد أسباب التعقيد؟ قلت: الداعي اليه توخي الإتيان بمقاطع الكلام متماثلة مع ما قبلها ومع ما بعدها من الفواصل فإن قبلها: «وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون». وبعدها «إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم كانوا يظلمون» ومعظم فواصل السورة على هذه الزنة والتقفية.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧)
254
الإعراب:
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) الظرف متعلق بيتعارفون على أصح الأقوال وجملة يحشرهم مضاف إليها وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة لم يلبثوا خبر كأن وجملة كأن لم يلبثوا جملة حالية من الهاء في يحشرهم وإلا أداة حصر وساعة ظرف متعلق بيلبثوا ومن النهار صفة لساعة. (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) الجملة حالية من الواو في يلبثوا فتكون حالا متداخلة أو من الضمير في يحشرهم فتكون حالا مترادفة، وبينهم ظرف متعلق بيتعارفون والمعنى بعد هذا الإعراب إن الخلق يعرف بعضهم بعضا في ذلك الوقت كما كانوا في الدنيا وكأنهم لم يمكثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا العذاب ويتبرأ بعضهم من بعض، وهناك أعاريب أخرى يضيق عن استيعابها المجال وما أوردناه أقربها. (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) قد حرف تحقيق وخسر الذين فعل وفاعل وجملة كذبوا صلة وبلقاء الله جار ومجرور متعلقان بكذبوا وجملة قد خسر مستأنفة والواو عاطفة وما نافية وكان واسمها ومهتدين خبرها وهي معطوفة على قد خسر أو على صلة الذين لأن من كذب بالله غير مهتد. (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) إن شرطية وما زائدة ونرينك فعل مضارع مبني على الفتح في محل جزم فعل
255
الشرط والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن والكاف مفعول به وبعض مفعول ثان والذي مضاف اليه وجملة نعدهم صلة وأو حرف عطف ونتوفينك عطف على نرينك. (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) الفاء رابطة وإلينا خبر مقدم ومرجعهم مبتدأ مؤخر والجملة جواب الشرط ثم حرف عطف لا للترتيب الزماني بل لترتيب الأخبار والله مبتدأ وشهيد خبر وعلى ما يفعلون متعلقان بشهيد وجملة يفعلون صلة. (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) لكل خبر مقدم وأمة مضاف لكل ورسول مبتدأ مؤخر (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الفاء عاطفة على صفة رسول أي يبعث إليهم فإذا، وإذا ظرف مستقبل وجملة جاء رسولهم مضاف إليها وجملة قضي لا محل لها وبينهم ظرف متعلق بقضي وبالقسط حال من فاعل قضى وهم الواو حرف عطف أو حالية وهم مبتدأ وجملة لا يظلمون خبر.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٨ الى ٥٢]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلاَّ ما شاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢)
256
الإعراب:
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الواو استئنافية ويقولون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل ومتى استفهام عن الزمان متعلق بمحذوف خبر مقدم وهذا مبتدأ مؤخر والوعد بدل وهذا التعبير بمثابة استبعاد لما وعدوه من عذاب وان شرطية وكنتم فعل الشرط والتاء اسم كان وصادقين خبرها والجواب محذوف أي فمتى هذا الوعد؟ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ) جملة لا أملك مقول القول ولنفسي متعلقان بأملك وضرا مفعول به ولا نفعا عطف على ضرا وإلا أداة استثناء أو حصر لوجود النفي وما اسم موصول مستثنى قيل الاستثناء متصل وقيل منقطع وإذا كانت «إلا» حصرا فما بدل من ضرا ونفعا وجملة شاء الله صلة. (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) تتمة مقول القول ولكل خبر مقدم وأمة مضاف اليه وأجل مبتدأ مؤخر. (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) إذا ظرف مستقبل وجملة جاء مضاف إليها وأجلهم فاعل جاء والفاء رابطة ولا نافية وجملة يستأخرون لا محل لها لأنها جواب إذا وساعة ظرف متعلق بيستأخرون ولا يستقدمون عطف على فلا يستأخرون. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً) قل فعل أمر وفاعله أنت أي محمد وجملة أرأيتم مقول القول وقد تقدم الكلام في سورة الأنعام على أرأيتم وقلنا هناك أن العرب تضمن أرأيت معنى أخبرني وانها تتعدى إذ ذاك الى مفعولين وان المفعول الثاني يكون غالبا جملة استفهام ينعقد منها
257
مع ما قبلها مبتدأ وخبر تقول العرب أرأيت زيد ما صنع والمعنى أخبرني عن زيد ما صنع، إذا ذكرت هذا فأرأيتم هنا المفعول الاول لها محذوف ولا يصح أن تقع جملة الشرط موقعه والمسألة من باب التنازع تنازع أرأيتم وإن أتاكم في قوله عذابه وإعمال الثاني هو المختار فلما أعمل حذف من الاول والمعنى قل لهم يا محمد أخبروني عن عذاب الله إن أتاكم أي شيء تستعجلون منه وليس شيء من العذاب يستعجله عاقل لأن العذاب كله مرّ المذاق سيء المغبة موجب للنفور منه، وإن شرطية وأتاكم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والجواب جملة الاستفهام على تقدير الفاء في الجملة الاسمية وبياتا منصوب على الظرف متعلق بأتاكم، أو نهارا عطف عليه. (ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) ما يجوز أن يكون في موضع رفع وذلك إذا كان ذا بمعنى الذي والمعنى ما الذي يستعجل منه المجرمون فيكون ما مبتدأ والذي خبره ويجوز أن يكون في موضع نصب وذلك إذا جعلت ما وذا اسما واحدا والمعنى أي شيء يستعجل منه المجرمون فيكون مفعول يستعجل والمجرمون فاعل يستعجل. (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) أتم الهمزة للاستفهام الانكاري وثم حرف عطف وإذا ظرف مستقبل وما زائدة وجملة وقع في محل جر بالاضافة إليها وجملة آمنتم به صلة والظرف متعلق بآمنتم وآلآن الهمزة للاستفهام الانكاري والآن ظرف متعلق بمحذوف يفهم من سياق الكلام تقديره آلآن به تؤمنون والواو حالية وقد حرف تحقيق وكنتم كان واسمها وبه جار ومجرور متعلقان بتستعجلون وجملة تستعجلون خبر كنتم. (ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ثم حرف عطف وقيل فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر وللذين متعلقان بقيل وجملة ظلموا صلة وجملة ذوقوا مقول القول وعذاب
258
مفعول به والخلد مضاف اليه وهل حرف استفهام وتجزون فعل مضارع ونائب فاعل وإلا أداة حصر وبما متعلقان بتجزون وجملة كنتم صلة وجملة تكسبون خبر كنتم.
البلاغة:
في قوله: بياتا ونهارا، وضرا ونفعا طباق تكرر فسمي مقابلة، واستعارة مكنية في قوله ذوقوا عذاب الخلد وقد تقدمت الاشارة الى ذلك كله.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٣ الى ٥٦]
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٥٤) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦)
اللغة:
(الاستنباء) : طلب النبأ الذي هو الخبر.
259
(الافتداء) إيقاع الشيء بدل غيره لدفع المكروه به يقال فداه يفديه فدية وفداء وافتداه وفاداه مفاداة، وافتدي يجوز أن يكون متعريا وأن يكون لازما فإذا كان مطاوعا لمتعدّ كان لازما تقول فديته فافتدى وإن لم يكن مطاوعا يكون بمعنى فدى فيتعدى لواحد والفعل هنا يحتمل الوجهين فإن جعلناه متعديا فمفعوله محذوف تقديره لافتدت به نفسها.
(أَسَرُّوا النَّدامَةَ) : قيل أسر من الأضداد يستعمل بمعنى أظهر ويستعمل بمعنى أخفى وهو المشهور في اللغة وهو في الآية يحتمل الوجهين.
الإعراب:
(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي) ويستنبئونك فعل مضارع وفاعل ومفعول به وأحق: الهمزة للاستفهام الانكاري المشوب بالاستهزاء وحق خبر مقدم وهو مبتدأ مؤخر والجملة في محل نصب مفعول به لستنبئونك وقيل الجملة في محل نصب بيقولون وتكون يستنبئونك متعدية لواحد وأصل استنبأ أن يتعدى الى مفعولين أحدهما ب «عن» تقول استنبأت زيدا عن عمرو أي طلبت منه أن ينبئني عن عمرو. وقل فعل أمر وإي حرف جواب وسترد أحرف الجواب في باب الفوائد وربي الواو للقسم وربي مجرور بواو القسم والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف. (إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) إن واسمها واللام المزحلقة والواو حرف عطف على جواب القسم أو استئنافية مسوقة لبيان عدم خلوصهم من عذاب الله بوجه من الوجوه وما حجازية وأنتم اسمها والباء حرف جر زائد ومعجزين خبرها في
260
محل نصب محلا ومجرور بالياء الزائدة لفظا. (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ) الواو استئنافية ولو شرطية امتناعية على ما هو الكثير فيها وأن حرف مشبه بالفعل ولكل خبر أن المقدم ونفس مضاف اليه وجملة ظلمت صفة لنفس وما اسم موصول في محل نصب اسم أن وأن وما في حيزها فاعل لفعل محذوف أي لو ثبت ذلك، وفي الأرض صلة ما واللام واقعة في جواب لو وافتدت به جملة فعلية لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم. (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) الواو عاطفة وأسروا الندامة فعل وفاعل ومفعول به ولما رابطة أو حينية وجملة رأوا مضاف إليها أو صلة والواو فاعل والعذاب مفعول به والمعنى أنهم بهتوا وشدهوا لرؤيتهم ما لم يكن يدور لهم بخلد أو يخطر لهم على بال فانطووا على مضض وحاذروا بوحة المتجلد ولم يملكوا سوى إسرار الندم والحسرة في القلوب وقيل أسروا الندامة أظهروها من قولهم أسر الشيء وأشره إذا أظهره قال هذا أبو عبيدة والجبائي وأنكر الأزهري أن يكون بمعنى الإظهار وقال إنه غلط محض لأن ما يكون بمعنى الإظهار يكون بالشين المثلثة. (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) يجوز أن يكون الكلام مستأنفا وأن يكون معطوفا، وقضي فعل ماض بالبناء للمجهول ونائب الفاعل مستتر وبينهم ظرف متعلق بقضي وبالقسط حال وهم الواو عاطفة وجملة لا يظلمون خبر. (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ألا كلمة تستعمل في التنبيه ويفتتح بها الكلام فتسمى استفتاحية وأصلها لا، دخل عليها حرف الاستفهام تقريرا وتذكيرا فصارت تنبيها وكسرت إن بعد ألا لأن ألا يستأنف ما بعدها لينبه بها على معنى الابتداء ولذلك يقع بعدها الأمر والدعاء كقول امرئ القيس:
261
ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي
ولله خبر إن المقدم وما اسمها المؤخر وفي السموات والأرض صلة (أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) ألا تأكيد لألا الأولى وقد صدرت الجملتان بحرفي التنبيه للدلالة على التحقيق والتسجيل لمضمونهما وإن واسمها وحق خبرها. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الواو حالية أو استئنافية ولكن واسمها وجملة لا يعلمون خبرها. (هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) هو مبتدأ وجملة يحيي خبر وجملة يميت عطف واليه جار ومجرور متعلقان بترجعون.
الفوائد:
حروف الجواب:
حروف الإيجاب أو الجواب أو التصديق هي: نعم وبلى وأجل وجير وإي وإن، وقد تقدم القول في بعضها ونتكلم هنا عن إي وإن فأما إي فحرف إيجاب لا يستعمل إلا في القسم قال الله تعالى «قل إي وربي لتبعثن» وهمزتها مكسورة والياء فيها ساكنة قال الزمخشري:
«وسمعتهم يقولون إيو فيصلونه بواو القسم ولا ينطقون به وحده» وقال غيره: «ومنه قول الناس في الجواب إي والله وقولهم «إيوه» فالواو للقسم والهاء مأخوذة من الله» فقول العامة «إيوه» صحيح لا غبار عليه.
حروف التنبيه:
هي: ها وألا وأما، ومعنى هذه الحروف تنبيه المخاطب الى
262
ما تحدثه به فإذا قلت هذا عبد الله منطلقا فالتقدير انظر اليه منطلقا أو انتبه عليه منطلقا فأنت تنبه المخاطب لعبد الله حال انطلاقه وقال النابغة:
ها إنّ تا عذره إن لم تكن نفعت فإن صاحبها قد تاه في البلد
فأدخل ها التي للتنبيه على إن والعذر والمعذرة والعذرى واحد والعذرة بالكسر كالركبة والجلسة بمعنى الحالة قال آخر:
تقبّل عذرتي وحبا بدهم يصمّ حنينها سمع المنادي
وأكثر ما تدخل ها على أسماء الاشارة والضمائر كقولك هذا وهذه وهأنذا وها أنت ذا وها هي ذه وما أشبه ذلك وإنما كثر التنبيه في هذه الأسماء المبهمة لتحريك النفس على طلب بعينه إذ لم تكن علامة تعريف في لفظه والفرق بين ألا وأما أن أما للحال وألا للاستقبال فتقول أما ان زيدا عاقل تريد أنه عاقل على الحقيقة لا على المجاز فأما قول الهذلي:
أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمره الأمر
فأدخل أما على حرف القسم كأنه ينبه المخاطب على استماع قسمه وتحقيق المقسم عليه وقد يحذفون الألف عن أما فيقولون أم والله وفي كلام هجرس بن كليب «أم وسيفي وزريه، ورمحي ونصليه، وفرسي وأذنيه، لا يدع الرجل قاتل أبيه وهو ينظر اليه».
263

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٥٧ الى ٦١]

يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠) وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦١)
الإعراب:
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) قد حرف تحقيق وجاءتكم موعظة فعل ومفعول به وفاعل ومن ربكم صفة لموعظة وتكون من للتبعيض، أو متعلقة بجاءتكم فتكون للابتداء. (وَشِفاءٌ لِما فِي
264
الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)
وشفاء عطف على موعظة وشفاء هو في الأصل مصدر جعل وصفا للمبالغة أو هو اسم لما يشفى به ويتداوى، ولما في الصدور يجوز أن يكون صفة لشفاء فيتعلق بمحذوف وان تكون اللام زائدة في المفعول به وفي الصدور صلة ما، وهدى ورحمة معطوفان أيضا وللمؤمنين صفة. (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) الباء متعلقة بمحذوف وأصل الكلام ليفرحوا بفضل الله وبرحمته فبذلك ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لإفادة الحصر ثم أدخلت الفاء لإفادة معنى السببية فصار بفضل الله وبرحمته فليفرحوا ثم قال فبذلك فليفرحوا للتأكيد والتقرير ثم حذف الفعل الأول لدلالة الثاني عليه والفاء الأولى جزائية والثانية للسببية ثم قالوا الفاء الداخلة على بذلك زائدة وبذلك بدل من بفضل والأولى أن تكون عاطفة وبذلك عطف على بفضل الله وذلك أصح من جعلها زائدة أما الفاء الداخلة على فليفرحوا فهي الفصيحة لأنها داخلة لمعنى الشرط كأنه قيل إن فرحوا بشيء فليخصوها بالفرح فانه ليس ثمة ما هو أدعى الى الفرح وأثلج للصدور منهما وهو مبتدأ وخير خبر ومما متعلقان بخير ويجمعون صلة ما. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) أرأيتم تقدم القول انها بمعنى أخبروني وما أنزل الله: ما اسم موصول مفعول لأرأيتم أو لأنزل وجملة أنزل صلة والعائد محذوف أي أنزله الله ويجوز أن تكون ما استفهامية في محل نصب بأنزل وهي حينئذ معلقة لأرأيتم عن العمل ويجوز أن تكون استفهامية في محل رفع بالابتداء وجملة آلله أذن لكم خبر ولكم متعلقان بأنزل ومن رزق حال.
(فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) فجعلتم عطف على أنزل وجعلتم فعل وفاعل ومنه متعلقان بجعلتم وحراما مفعول جعلتم وحلالا عطف، آلله الهمزة للاستفهام الانكاري والله
265
مبتدأ وجملة أذن خبره ولكم متعلقان بأذن، أم منقطعة بمعنى بل أو متصلة أي آلله أذن لكم أم تكذبون عليه ولعل اتصالها أظهر وعلى الله جار ومجرور متعلقان بيفترون. (وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الواو عاطفة وما استفهامية مبتدأ وظن خبرها والذين مضاف اليه وجملة يفترون صلة وعلى الله متعلقان بيفترون والكذب مفعول به ويوم القيامة ظرف متعلق بالظن والمعنى أي شيء ظن المفترين في ذلك اليوم أنه صانع بهم فمفعولا الظن سدت مسدهما أن المقدرة وما بعدها. (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) إن واسمها واللام المزحلقة وذو فضل خبرها وعلى الناس متعلقان بفضل ولكن الواو حالية أو استئنافية ولكن واسمها وجملة لا يشكرون خبرها. (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) الواو عاطفة وما نافية وتكون فعل مضارع ناقص واسمها مستتر أي أنت، وفي شأن خبر تكون، وما: الواو عاطفة وما نافية تتلو فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنت ومنه متعلقان بتتلو والضمير يعود الى القرآن أو الى الشأن فتكون من تعليلية أي من أجل الشأن الذي كنت مسترسلا فيه ومن زائدة وقرآن مفعول به محلا أي وما تتلون من التنزيل من قرآن لأن كل جزء منه قرآن والإضمار قبل الذكر تفخيم.
(وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) ولا تعملون عطف على ما تقدم ومن حرف جر زائد وعمل مفعول به محلا أو مفعول مطلق وإلا أداة حصر وكنا كان واسمها وعليكم متعلقان بقوله شهودا أي شاهدين وشهودا خبر كنا، وشهود جمع شاهد وكذلك إشهاد، وإذ ظرف لما مضى متعلق بشهودا وجملة تفيضون مضافة للظرف وفيه متعلقان بتفيضون. (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) الواو حرف عطف وما نافية وعن ربك
266
جار ومجرور متعلقان بيعزب ومن حرف جر زائد ومثقال ذرة فاعل يعزب محلا وفي الأرض حال من مثقال ذرة أو صفة ولا في السماء عطف. (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير ما تقدم ولا نافية للجنس وأصغر اسمها ومن ذلك متعلقان بأصغر ولا أكبر عطف على ولا أصغر وإلا أداة حصر وفي كتاب مبين خبر لا ومبين صفة لكتاب.
وعبارة ابن هشام في المغني: «وأما قوله تعالى: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر» فظاهر الأمر جواز كون أصغر وأكبر معطوفين على لفظ مثقال أو على محله وجوز كون لا مع الفتح تبرئة ومع الرفع مهملة أو عاملة عمل ليس ويقوي العطف انه لم يقرأ في سورة سبأ في قوله سبحانه وتعالى: «عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة» الآية إلا بالرفع لما لم يوجد الخفض في لفظ مثقال ولكن يشكل عليه ثبوت العزوب عند ثبوت الكتاب كما انك إذا قلت ما مررت برجل إلا في الدار كان إخبارا بثبوت مرورك برجل في الدار وإذا امتنع هذا تعين ان الوقف على السماء وان وما بعدها مستأنف وإذا ثبت ذلك في سورة يونس قلنا به في سورة سبأ وان الوقف على الأرض وانه انما لم يجيء فيه الفتح اتباعا للنقل وجوز بعضهم العطف فيهما على أن لا يكون معنى يعزب يخفى بل يخرج الى الوجود.
البلاغة:
في قوله تعالى: «وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء» تقديم الأرض في الذكر على السماء ومن حقها التأخير
267
لأن الأرض جزء من السماء وما فيها من أفلاك ونجوم سوابح وهو جزء ضئيل جدا من حقه التأخير ولكنه جنح الى تقديمه لأنه في معرض حديثه عن الأرض وذكر شهادته على شئون أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم ومعايشهم ووصل ذلك بقوله وما يعزب، لاءم بينهما ليلي المعنى المعنى فإن قيل قد جاء تقديم الأرض على السماء في الذكر في مواضع كثيرة من القرآن قلنا: إذا جاءت مقدمة في الذكر فلا بد لذلك من سبب اقتضاه وإن خفي ذلك السبب وقد يستنبطه بعض الباحثين دون بعض وسيأتي من غرائب التقديم والتأخير ما يدهش العقول في مواضعه من هذا الكتاب.
الفوائد:
في قوله تعالى «إلا في كتاب مبين» إشكال واضح، إذ ما حقيقة هذا الاستثناء؟ وهل هو متصل أو منقطع؟ إن في جعله متصلا إشكالا لأنه يصير المعنى إلا في كتاب فيعزب وهو فاسد فالأولى جعله منقطعا وإلا بمعنى لكن والمعنى لا يعزب عن ربك شيء لكن جميع الأشياء في كتاب وقد حاول الفخر الرازي جعله متصلا بعبارة طويلة محصلها أنه جعله استثناء مفرغا من أعم الأحوال فقال وهو حال من أصغر وأكبر وهو في قوة المتصل ولا يقال فيه متصل ولا منقطع.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٢ الى ٦٥]
أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤) وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥)
268
اللغة:
(الولي) ضد العدو فهو المحب ومحبة العباد لله طاعتهم له ومحبته لهم إكرامه إياهم وعلى الأولى يكون فعيل بمعنى فاعل وعلى الثاني بمعنى مفعول فهو مشترك بينهما، هذا وقد تقصينا جميع التراكيب في الكلمات التي فاؤها وعينها ولامها واو ولاما وياء، فرأيناها تنحصر في الدلالة على معنى القرب والدنو يقال وليه وليا: دنامنه وأوليته إياه: أدنيته منه وكل مما يليك وجلست مما يليه وسقط الوليّ وهو المطر الذي يلي الوسمي وقد وليت الأرض وهي موليّة وولي الأمر وتوّلاه وهو وليه ومولاه وهو وليّ اليتيم ووليّ القتيل وهم أولياؤه وولي ولاية، وهو والي البلد وهم ولاته، ورحم الله ولاة العدل، واستولى عليه وهذا مولاي: ابن عمي، وهم مواليّ، ومولاي: سيدي وعبدي، ومولى بيّن الولاية سيد ناصر وهو أولى به ووالاه موالاة، ووالى بين الشيئين وهما على الولاء وتقول العرب: وال غنمك من غنمي أي اعزالها وميزها وإذا كانت الغنم ضأنا ومعزى قيل والها قال ذو الرمة:
يوالي إذا اصطكّ الخصوم أمامه وجوه القضايا من وجوه المظالم
وولاه ركنه «فولّ وجهك شطر المسجد الحرام» وتوليته:
جعلته وليا «ومن يتولهم منكم فإنه منهم» وتولاك الله بحفظه ووضع الوليّة على الراحلة وهي البرذعة قال أبو زبيد:
269
كالبلايا رؤسها في الولايا ما نحات السّموم حرّ الخدود
وولّى عني وتولى و «أولى لك» ويل لك، واستولى على الغاية وهذا من الغريب بمكان.
الإعراب:
(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ألا حرف تنبيه يستفتح بها الكلام مركبة من الهمزة ولا النافية مغيرة عن معناها الأول إلى التنبيه، وإن أولياء الله إن واسمها ولا نافية خوف مبتدأ وساغ الابتداء به لنفيه وعليهم خبر ولا الواو حرف عطف ولا نافية وهم مبتدأ وجملة يحزنون خبر.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) الذين آمنوا يحتمل موضعه ثلاثة أوجه متساوية الأرجحية الأول النصب على أنه صفة أولياء الله والثاني الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هم الذين آمنوا والثالث الرفع على الابتداء والخبر جملة لهم البشرى الآتية، وجملة آمنوا صلة وكانوا يتقون عطف على الصلة وجملة يتقون خبر كانوا.
َهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)
لهم خبر مقدم والبشرى مبتدأ مؤخر وفي الحياة متعلق بمحذوف حال من البشرى والعامل في الحال الاستقرار في لهم والدنيا صفة للحياة وجملة لهم البشرى إما مستأنفة وإن جعلت الذين مبتدأ كانت في محل رفع خبر.
َ فِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ)
وفي الآخرة عطف على في الحياة الدنيا ولا نافية للجنس وتبديل اسمها ولكلمات الله خبر لا.
270
لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
ذلك مبتدأ وهو مبتدأ ثان والفوز خبر هو والجملة خبر ذلك والعظيم صفة الفوز والجملتان معترضتان (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الواو حرف عطف ولا ناهية ويحزنك فعل مضارع مجزوم بلا والكاف مفعول به وقولهم فاعل وإن واسمها وكسرت همزتها لأن الجملة مستأنفة بمعنى التعليل لعزة الله ولا يجوز أن تكون كسرت لأنها وقعت بعد القول لأنه يصير حكاية عنهم وان النبي ﷺ تحزّن لذلك وهذا كفر ولله خبر إن وجميعا حال من العزة ويجوز أن يكون توكيدا ولم يؤنث بالتاء لأن فعيلا يستوي فيه المذكر والمؤنث وهو مبتدأ والسميع خبره الأول والعليم خبره الثاني.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٦ الى ٦٧]
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧)
اللغة:
(يَخْرُصُونَ) أصل معنى الخرص الحزر أي التخمين والتقدير ويستعمل بمعنى الكذب لغلبته في مثله وفي المصباح: خرصت النخل خرصا من باب قتل حزرت ثمره والاسم الخرص بالكسر وخرص الكافر خرصا كذب فهو خارص وخرّاص.
271
الإعراب:
(أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) ألا حرف تنبيه وقد تقدمت الاشارة إليه وإن حرف مشبّه بالفعل ولله خبرها المقدم ومن اسمها المؤخر وخص العقلاء بالذكر تضخيما لأنهم إذا كانوا له وداخلين في ملكه فما وراءهم مما لا يعقل أولى أن لا يكون له ندا وشريكا وفي السموات صلة من ومن في الأرض عطف على من في السموات.
(وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكاءَ) ما نافية ويتبع الذين فعل مضارع وفاعل وجملة يدعون صلة ومن دون الله حال من شركاء لتقدمه عليه وشركاء مفعول به ليتبع ومفعول يدعون محذوف لفهم المعنى والتقدير وما يتبع الذين من دون الله آلهة شركاء أي وما يتبعون حقيقة الشركاء وان كانوا يسمّونها شركاء لأن شركة الله في الربوبية محال إن يتبعون إلا ظنهم أنهم شركاء، ويجوز أن تكون ما استفهامية وتكون حينئذ منصوبة بما بعدها أي ما يتبع والى هذا الإعراب جنح أبو البقاء ويجوز أن تكون ما موصولة معطوفة على من كأنه يقول والله ما يتبعه الذين يدعون من دون الله شركاء أي وله شركاؤهم ويجوز أن تكون ما الموصولة هذه في محل رفع بالابتداء والخبر محذوف تقديره والذي يتبعه المشركون باطل فهذه أربعة أوجه أوردناها لتقاربها في الأرجحية وإن كان الأول أسهلها.
(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) إن نافية ويتبعون فعل وفاعل وإلا أداة حصر والظن مفعول به وإن نافية أيضا وهم مبتدأ وإلا أداة حصر وجملة يخرصون خبرهم.
272
(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) هو مبتدأ والذي خبر وجملة جعل صلة الموصول ثم الجعل إن كان بمعنى الإبداع والخلق نصب مفعولا واحدا وان كان بمعنى التصيير نصب مفعولين وعلى كل لكم متعلق بجعل والليل مفعول به لتسكنوا اللام للتعليل وتسكنوا منصوب بأن مضمرة والجار والمجرور إما مفعول لاجله أو مفعول به ثان وفيه متعلق بتسكنوا والنهار عطف على الليل ومبصرا إما حال وإما مفعول به ثان كما تقدم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) إن حرف مشبه بالفعل وفي ذلك خبر مقدم لإن واللام المزحلقة وآيات اسم ان المؤخر ولقوم صفة لآيات وجملة يسمعون صفة القوم.
البلاغة:
في قوله «والنهار مبصرا» مجاز عقلي فان إسناد الابصار الى النهار غير حقيقي وقد تقدم أن المجاز العقلي هو اسناد الفعل أو شبهه إلى غير ما هو له على حد قول أبي تمام:
تكاد عطاياه يجنّ جنونها إذا لم يعوذها بنغمة طالب
ويجوز أن يجري على أنه استعاره مكنية إذا قصد التشبيه، ومنه قول جرير:
273

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٦٨ الى ٧٠]

قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)
الإعراب:
(قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ) قالوا فعل وفاعل واتخذ الله ولدا فعل وفاعل ومفعول به والجملة مقول القول وسبحانه مفعول مطلق الفعل محذوف.
(هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) هو مبتدأ والغني خبره وله خبر مقدم وما مبتدأ مؤخر وفي السموات صلة وما في الأرض عطف على ما في السموات.
(إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) إن نافية وعندكم ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم ومن حرف جر زائد وسلطان مبتدأ مؤخر مرفوع محلا مجرور لفظا وبهذا صفة لسلطان (أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) الهمزة للاستفهام الانكاري وتقولون فعل مضارع وفاعل وعلى الله متعلق بتقولون وما مفعول به وجملة لا تعلمون صلة.
(قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) قل فعل أمر وفاعله أنت وإن الذين إن واسمها وجملة يفترون صلة الذين وعلى الله متعلق بيفترون والكذب مفعول به وجملة لا يفلحون خبر إن.
(مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) متاع خبر لمبتدأ محذوف أي ذاك أو هو وفي الدنيا صفة ويجوز أن يكون متاع مبتدأ وخبره محذوف والتقدير لهم متاع وساغ الابتداء به لوصفه وثم حرف عطف وتراخ وإلينا خبر مقدم ومرجعهم مبتدأ مؤخر ثم حرف عطف أيضا ونذيقهم فعل وفاعل مستتر ومفعول به أول والعذاب مفعول به ثان والشديد صفة وبما الباء حرف جر للسببية وما مصدرية أي بسبب كونهم كافرون والجار والمجرور متعلقان بنذيقهم.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧١ الى ٧٣]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)
اللغة:
(فَأَجْمِعُوا) يقال أجمع الأمر وأزمعه إذا نواه وعزم عليه قال
275
المؤرج: أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه وقال أبو الهيثم أجمع أمره إذا جعله جمعا بعد ما كان متفرقا (الغمة) ضيق الأمر من غمة إذا ستره ومنها قوله (صلى الله عليه وسلم) :«ولا غمة في فرائض الله» وغم الهلال إذا حال من دونه غيم يحجب رؤيته.
الإعراب:
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) واتل فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وفاعله أنت وعليهم متعلقان باتل ونبأ مفعول به ونوح مضاف اليه وإذ ظرف لما مضى من الزمن في محل نصب بدل من نبأ بدل اشتمال أو متعلق به، ولا معنى لقول أبي البقاء انه حال من نبأ كما لا يجوز تعليقه بالفعل وهو اتل لفساد المعنى لأن أتل مستقبل والظرف ماض وجملة قال لقومه مضافة للظرف (يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ) يا حرف نداء وقوم منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة وقد تقدم بحثه وان شرطية وكان فعل الشرط واسمها ضمير الشأن المحذوف وجملة كبر عليكم مقامي خبرها والمراد بتكبير المقام تعاظم الشقة، والمقام بالفتح المنزلة والمكانة قال تعالى: «ولمن خاف مقام ربه جنتان» والمقام بالضم الاقامة والقيام على الدعوة خلال مدة اللبث لأنه مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وتذكيري عطف على مقامي وبآيات الله متعلقان بتذكيري فعلى الله الفاء رابطة والجار والمجرور متعلقان بتوكلت.
(فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) الفاء الفصيحة وأجمعوا فعل أمر والواو فاعل وأمركم مفعول به لأنه يتعدى بنفسه وبالحرف كما
276
تقدم في باب اللغة وشركاءكم الواو للمعية وشركاءكم مفعول معه نص على ذلك سيبويه وأنشد:
فكونوا أنتم وبني أبيكم... مكان الكليتين من الطحال
وقال النحاس: في نصب الشركاء على قراءة الجمهور ثلاثة أوجه:
الأول: بمعنى وادعوا شركاءكم قاله الكسائي والفراء أي ادعوهم لنصرتكم فهو على هذا منصوب بفعل مضمر.
الثاني: وقال محمد بن يزيد المبرد هو معطوف على المعنى كما قال الشاعر:
يا ليت زوجك في الوغى... متقلدا سيفا ورمحا
والرمح لا يتقلد به لكنه محمول كالسيف.
الثالث: وقال الزجاج: المعنى مع شركائكم فالواو على هذا واو مع وأما على قراءة أجمعوا بهمزة وصل فالعطف ظاهر أي أجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم وأما توجيه قراءة الرفع فعلى عطف الشركاء على الضمير المرفوع في أجمعوا وحسن هذا العطف مع عدم التأكيد بمنفصل كما هو المعتبر في ذلك.
(ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) ثم حرف عطف وتراخ ولا ناهية ويكن مجزومة بلا وأمركم اسم يكن ويكن حال لأنه كان صفة في الأصل وتقدمت وغمة خبر يكن (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) ثم حرف عطف كما تقدم واقضوا فعل أمر وفاعل وإلي متعلق به ولا: الواو
277
عاطفة ولا ناهية وتنظرون أصله تنظرونني مجزوم بلا حذفت النون للجازم وحذفت ياء المتكلم للفواصل أي لا تمهلوني.
(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) الفاء استئنافية وإن شرطية وتوليتم فعل وفاعل في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة وما نافية وسألتكم فعل وفاعل ومن زائدة وأجر مفعول به محلا.
(إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) إن نافية وأجري مبتدأ وإلا أداة حصر وعلى الله خبر، وأمرت: الواو عاطفة وأمرت فعل ماض مبني للمجهول والتاء نائب فاعل، وأن أكون: أن وما في حيزها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض أي بأن أكون.
(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ) الفاء عاطفة على ما تقدم وكذبوه فعل وفاعل ومفعول به، فنجيناه عطف على كذبوه ومن اسم موصول معطوف على الهاء والظرف متعلق بمحذوف هو الصلة أي استقروا معه في السفينة وفي الفلك جار ومجرور متعلقان بنجيناه أو في الاستقرار الذي هو الصلة أي والذين استقروا معه في الفلك وجعلناهم خلائف فعل وفاعل ومفعولاه. (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وأغرقنا عطف على نجيناه ونا فاعل والذين مفعول به وجملة كذبوا بآياتنا صلة وبآياتنا متعلقان بكذبوا. (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) الفاء استئنافية وانظر فعل أمر وفاعله مستتر وكيف اسم استفهام خبر كان مقدم وعاقبة اسمها والمنذرين مضاف اليه.
البلاغة:
١- المجاز العقلي في قوله تعالى «كبر عليكم مقامي» فقد أسند الكبر الى المقام والمقام هو كناية عن النفس لأن المكان من لوازمه.
278
٢- الاستعارة المكنية في قوله تعالى «ثم اقضوا إلي» أي نفذوا ذلك الأمر أو أدوا الى ذلك الأمر، شبه الأمر المحذوف بالدين ثم حذف المشبه به وأخذ شيئا من خصائصه وهو القضاء يقال قضى فلان دينه أي أداه.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٤ الى ٧٨]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨)
الإعراب:
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ) عطف على قصة نوح، وبعثنا وفاعل ومن بعده حال ورسلا مفعول به والى قومهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة. (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا
279
لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ)
الفاء عاطفة وجاءوهم فعل وفاعل ومفعول به وبالبينات متعلقان بجاءوهم والفاء عاطفة وما نافية وكان واسمها واللام لام الجحود ويؤمنوا منصوب بأن مضمرة بعدها واللام ومدخولها خبر كان وبما متعلقان بيؤمنوا وجملة كذبوا صلة وبه متعلقان بكذبوا ومن قبل حال وبنيت قبل على الضم لانقطاعها عن الاضافة لفظا لا معنى. (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) الكاف في محل نصب صفة لمصدر محذوف أي مثل ذلك الطبع نطبع وعلى قلوب المعتدين جار ومجرور متعلقان بنطبع. (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا) عطف قصة على قصة أيضا من باب عطف الخاص على العام، ومن بعدهم حال وموسى مفعول به لبعثنا وهارون معطوف على موسى والى فرعون متعلقان ببعثنا وملئه عطف على فرعون وبآياتنا متعلقان بمحذوف حال أي ملتبسين بآياتنا التسع التي سيصرّح بها في سورة «الإسراء» وهي قوله تعالى: «ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات» وقد تقدم منها ثمانية في سورة «الأعراف» اثنتان في قوله «فألقى موسى عصاه» وقوله: «ونزع يده» وواحدة في قوله «ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين» وخمسة في قوله «فأرسلنا عليهم الطوفان» وستأتي التاسعة في هذه السورة في قوله «ربنا اطمس على أموالهم» أي امسخها حجارة كما سيأتي في حينه.
(فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) الفاء عاطفة واستكبروا فعل وفاعل وكانوا كان واسمها وقوما خبرها ومجرمين صفة. (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) الفاء عاطفة ولما حينية أو رابطة وجملة جاءهم مضافة أو لا محل لها والحقّ فاعل ومن عندنا متعلقان بجاءهم. (قالُوا: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) جملة قالوا لا محل وإن واسمها واللام المزحلقة وسحر خبر إن ومبين صفة. (قالَ مُوسى: أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ)
280
قال موسى فعل وفاعل والهمزة للاستفهام وتقولون فعل مضارع وفاعل وللحق جار ومجرور متعلقان بتقولون ولما حينية وجملة جاءكم مضافة، أسحر الهمزة للاستفهام الانكاري التوبيخي وسحر خبر مقدم وهذا مبتدأ مؤخر والجملة مقول القول ولا الواو للحال ولا نافية ويفلح الساحرون فعل مضارع وفاعل والجملة حالية. (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) قالوا فعل وفاعل والهمزة للاستفهام البياني الذي يستفرغ فيه المكابر المعاند حججه المتهافتة ليبرر إصرار على اللجاج والمواربة والعناد وجملة أجئتنا مقول القول وهو فعل وفاعل ومفعول به ولتلفتنا اللام للتعليل وتلفت فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وعما متعلقان بتلفتنا وجملة وجدنا صلة وعليه متعلقان بمحذوف حال تقديره عاكفين وآباءنا مفعول به. (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) الواو عاطفة وتكون فعل مضارع ناقص ولكما خبرها المقدم والكبرياء اسمها المؤخر وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أي ممتدة والكبرياء مصدر على وزن فعلياء ومعناها العظمة وقيل الملك لأن الملوك موصوفون بالكبر ولذلك قيل للملك الجبار، قال بشار بن برد:
لقد لمتنا يا أم غالب في السّرى ونمت وما ليل المطيّ بنائم
إذا الملك الجبار صعّر خده مشينا إليه بالسيوف نعاتبه
ووصفوا بالصيد والشوس ولذلك وصف ابن الرقيات مصعبا في قوله:
ملكه ملك رأفة ليس فيه جبروت منه ولا كبرياء
ينفي ما عليه الملوك من ذلك.
281
(وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) الواو عاطفة وما حجازية ونحن اسمها وبمؤمنين الباء زائدة ومؤمنين خبر ما محلا.
الفوائد:
قال ابن هشام في صدد حديثه عن حذف المفعول: «ومن غريبه حذف المقول وبقاء القول نحو: قال موسى: أتقولون للحق لما جاءكم، أي هو سحر بدليل أسحر هذا».
وهذا القول فيه شيء كثير من الغموض وقد تعقبه الدسوقي فقال: «ما ذكره المصنف أحد أوجه ذكرها في الكشاف وعبارته: فإن قلت: هم قطعوا بقولهم: إن هذا لسحر مبين على أنه سحر فكيف قيل لهم أتقولون أسحر هذا؟ قلت فيه أوجه أن يكون معنى قوله أتقولون للحق: أتعيبونه وتطعنون فيه وكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه، من قولهم فلان يخاف القالة وبين الناس تقاول إذا قال بعضهم لبعض ما يسوءه ونحو القول الذكر في قوله: سمعنا فتى يذكرهم ثم قال: أسحر هذا فأنكر ما قالوه في عيبه والطعن عليه وان يحذف مفعول أتقولون وهو ما دل عليه قولهم إن هذا لسحر مبين كأنه قيل: أتقولون ما تقولون يعني قولهم أن هذا لسحر مبين ثم قيل أسحر هذا وان يكون جملة قوله أسحر هذا ولا يفلح الساحرون حكاية لكلامهم كأنهم قالوا أجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح» انتهى ما قاله الزمخشري وقد تصرف به الدسوقي تصرفا مخلا ولهذا آثرنا نقل ما قاله الزمخشري بنصه من الكشاف ومع ذلك لا يخلو من غموض، وإيضاحه: ان القول على الوجه الاول وقع كناية عن العيب فلا يتقاضى مفعولا وفي الثاني على انه يطلب مفعولا والذي نراه أن سؤال ابن هشام غير وارد واعتراض الزمخشري وتكلفه الاجابة عنه
282
غير وارد أيضا ولهذا ضربنا صفحا في الاعراب عن هذا كله وأحسن من الجميع عبارة أبي السعود وهي: «قال موسى: أي قال جملا ثلاثا الأولى أتقولون للحق لما جاءكم والثانية أسحر هذا والثلاثة ولا يفلح الساحرون وقوله للحق أي في شأنه ولأجله وقوله: لما جاءكم أي حين مجيئه إياكم من أول الأمر من غير تأمل وتدبّر هذا مما ينافي القول المذكور وقوله: انه لسحر هذا مقول القول فحذف لدلالة ما قبله عليه واشارة الى انه لا يتفوه به وقوله: أسحر هذا مبتدأ وخبر وهو استفهام إنكار مستأنف من جهته عليه السلام تكذيبا لقولهم وتوبيخا إثر توبيخ وتجهيلا بعد تجهيل وقوله ولا يفلح الساحرون جملة حالية من ضمير المخاطبين والرابط هو الواو بلا ضمير كما في قول من قال: «جاء الشتاء ولست أملك عدة» أي أتقولون للحق إنه لسحر والحال انه لا يفلح فاعله أي لا يظفر بمطلوب ولا ينجو من مكروه فكيف يمكن صدوره عن مثلي من المؤيدين من العزيز الحكيم».
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٩ الى ٨٢]
وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)
الإعراب:
(وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) الواو عاطفة لتتساوق
فصول القصة وقال فرعون فعل وفاعل وائتوني فعل أمر وفاعل ومفعول به وبكل متعلقان بائتوني وساحر مضاف اليه وعليم صفة. (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) الفاء عاطفة على محذوف أي فأتوا بالسحرة، وجملة قال لهم موسى لا محل لها وألقوا فعل أمر وفاعل وما اسم موصول مفعول به وأنتم مبتدأ وملقون خبر والجملة الاسمية صلة الموصول وجملة ألقوا مقول القول. (فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) ما اسم موصول مبتدأ وجملة جئتم به صلة والسحر خبر وفي قراءة آلسحر بهمزتين همزة استفهام وهمزة أل فتكون ما استفهامية في محل رفع مبتدأ وجئتم به الخبر والتقدير أي شيء جئتم به كأنه استفهام انكار وتقليل لما جاءوا به والسحر بدل من اسم الاستفهام لذلك أعيدت معه أداته أو يكون السحر خبرا لمبتدأ محذوف أي أهو السحر (إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) إن واسمها وجملة سيبطله خبرها وإن واسمها وجملة لا يصلح خبرها وإن الثانية للتعليل وعمل المفسدين مفعول به. (وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) الواو عاطفة ويحق الله فعل وفاعل والحق مفعول به وبكلماته متعلقان بيحق ولو الواو حالية ولو وصلية وكره المجرمون فعل وفاعل.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٣ الى ٨٦]
فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦)
284
الإعراب:
(فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) الفاء عاطفة على محذوف يفهم من السياق ومما فصّل في مواضع أخر أي فألقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون وما نافية وآمن فعل ماض ولموسى متعلق به وإلا أداة حصر وذرية فاعل ومن قومه صفة. (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) على بمعنى مع وهي مع مجرورها في محل نصب على الحال، ومن فرعون جار ومجرور متعلقان بخوف وملئهم عطف على فرعون وانما أعاد الضمير اليه جمعا لأنه بمعنى آل فرعون كما يقال ربيعة ومضر، أو لأنه ذو أصحاب يأتمرون بأمره، وأن يفتنهم أن وما في حيزها بدل اشتمال من فرعون أي على خوف من فتنة فرعون أو مفعول لأجله بعد حذف اللام. (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) الواو اعتراضية وهذه الجملة والتي بعدها اعتراض تذييلي وان واسمها واللام المزحلقة وعال خبر ان مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بعال وانه الواو اعتراضية أيضا وان واسمها واللام المزحلقة ومن المسرفين خبر إن. (وَقالَ مُوسى: يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يا قوم يا حرف نداء وقوم منادى مضاف لياء المتكلم وقد تقدم حكمه ونزيد هنا أن حذف الياء أقوى من إثباتها لقوة النداء على التغيير وإن شرطية وكنتم في محل جزم فعل الشرط والتاء اسم كان
285
وجملة آمنتم خبر كنتم وبالله جار ومجرور متعلقان بآمنتم، فعليه:
الفاء رابطة لجواب الشرط وعليه متعلقان بتوكلوا وتوكلوا فعل أمر وفاعل وإن شرطية وكنتم مسلمين كان واسمها وخبرها وجواب الشرط محذوف وكرر الجملة توكيدا وسيأتي في باب الفوائد تحقيق تعليق الحكم بشرطين. (فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا) الفاء للعطف وقالوا فعل وفاعل وعلى الله جار ومجرور متعلقان بتوكلنا وتوكلنا فعل وفاعل (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ربنا منادى مضاف وحرف النداء محذوف ولا ناهية وتجعلنا فعل مضارع مجزوم بلا ونا مفعول به أول وفتنة مفعول به ثان وللقوم صفة والظالمين صفة لقوم. (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) الواو عاطفة ونج فعل أمر مبني على حذف حرف العلة ونا مفعول به وبرحمتك متعلقان بمحذوف حال ومن القوم متعلقان بنجنا والكافرين صفة لقوم.
الفوائد:
متى لم يترتب الشرطان في الوجود فالشرط الثاني شرط في الأول ولذلك لم يجب تقديمه على الاول وقد بنى الفقهاء على ذلك حكما طريفا وهو أن يقول الرجل لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا فمجموع قوله إن دخلت الدار فأنت طالق مشروط بقوله:
إن كلمت زيدا والمشروط متأخر عن الشرط وذلك يقتضي أن يكون المتأخر في اللفظ متقدما في المعنى وأن يكون المتقدم في اللفظ متأخرا في المعنى فكأنه يقول لامرأته حالما كلمت زيدا إن دخلت الدار فأنت طالق فلو حصل هذا المعلق قبل إن كلمت زيدا لم يقع الطلاق وفي الآية التي نحن بصددها قوله: إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين، يقتضي أن يكون كونهم مسلمين شرطا لأن يصيروا مخاطبين
286
بقوله إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا فكأنه تعالى يقول للمسلم حال إسلامه إن كنت من المؤمنين بالله فعلى الله توكل والأمر كذلك لان الإسلام عبارة عن الاستسلام وهو الانقياد لتكاليف الله وترك التمرد والايمان عبارة عن معرفة القلب بأن واجب الوجود لذاته واحد وما سواه محدث تحت تدبيره وقهره فاذا حصلت هاتان الحالتان فعند ذلك يفوض العبد جميع أموره الى الله تعالى ويحصل في القلب نور التوكل على الله.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٧ الى ٨٩]
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩)
اللغة:
(تَبَوَّءا) : تبوّأ المكان: اتخذه مباءة كقولك توطنه إذا اتخذه
287
وطنا وبوأت له بيتا أي اتخذته وقال أبو علي: إن تبوأ فعل يتعدى الى مفعولين.
(اطْمِسْ) : الطمس: إزالة أثر الشيء بالمحو وطمست الريح آثار الديار والطمس تغير الى الدثور والدروس قال كعب بن زهير:
من كل نضّاخة الذّفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مجهول
الإعراب:
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) الواو استئنافية وأوحينا فعل وفاعل والى موسى جار ومجرور متعلقان بأوحينا وأخيه عطف على موسى وأن يجوز أن تكون مفسرة لأنه قد تقدمها ما هو بمعنى القول دون حروفه وهو الإيحاء ويجوز أن تكون مصدرية على بابها وهي مع مدخولها في موضع نصب مفعول أوحينا أي أوحينا إليهما التبوّء ولقومكما متعلقان بتبوءا وباعتبارها مفعولا ثانيا وبمصر حال وبيوتا مفعول تبوأا وجوز أبو البقاء أن يتعلق بتبوءا. (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) واجعلوا عطف على تبوأا وبيوتكم مفعول اجعلوا الاول وقبلة مفعول اجعلوا الثاني وأقيموا الصلاة عطف وهو فعل أمر وفاعل ومفعول به وبشر المؤمنين عطف أيضا وسيأتي في باب البلاغة سر تنويع الخطاب. (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قال موسى فعل وفاعل وربنا منادى مضاف حذف منه حرف النداء وإن وسمها وجملة آتيت خبر إن وفرعون مفعول به وملأه عطف على فرعون وزينة مفعول
288
به ثان وأموالا عطف على زينة وفي الحياة الدنيا صفة لزينة (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) ربنا منادى مضاف وأعيد للتوكيد واللام لام الصيرورة والعاقبة أي آتيتهم النعم المذكورة ليشكروها ويتبعوا سبيلك فكان عاقبة أمرهم أنهم كفروها وضلوا عن سبيلك ويجوز أن تكون لام العلة والمعنى أنك آتيتهم ما آتيتهم على سبيل الاستدراج فكان الإيتاء لهذه العلة وقال الحسن البصري: هي لام الدعاء عليهم بأن يبقوا على ما هم عليه من الضلال، وعن سبيلك جار ومجرور متعلقان بيضلوا (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) اطمس فعل أمر وفاعله أنت وعلى قلوبهم جار ومجرور متعلقان باطمس واشدد على قلوبهم عطف على اطمس على أموالهم. (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) يحتمل يؤمنوا النصب والجزم فالنصب بأن مضمرة بعد فاء السببية العاطفة أو العطف على قوله ليضلوا فلا يؤمنوا واختاره المبرد وعلى هذا يكون قوله: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم اعتراضا، والجزم على وجه الدعاء عليهم على أن لا التي بسميها النحاة ناهية وهي بالنسبة الى الله تعالى لام الدعاء ومثله بيت الأعشى.
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغم
وحتى حرف غاية وجر ويروا مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والواو فاعل والعذاب مفعول به والأليم صفة. (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) جملة قد أجيبت مقول القول ودعوتكما نائب فاعل.
(فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الفاء الفصيحة واستقيما فعل أمر والالف فاعل ولا تتبعان الواو عاطفة ولا ناهية وتتبعان فعل
289
مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون وألف الاثنين فاعل والنون المشددة هي نون التوكيد الثقيلة وكسرت لوقوعها بعد ألف الاثنين وقرأ حفص تتبعان بتخفيف النون مكسورة مع تشديد التاء فتحتمل أن تكون لا للنفي وأن تكون للنهي فإن كانت للنفي كانت النون نون رفع والجملة اسمية أي وأنتما لا تتبعان أو انه خبر محض مستأنف لا تعلق له بما بعده، وإن كانت للنهي كانت النون للتوكيد وهي الخفيفة، وسبيل مفعول به والذين مضاف اليه وجملة لا يعلمون صلة.
البلاغة:
التنويع في الخطاب، فقد نوع سبحانه في خطابهم فثنى أولا ثم جمع ثم وحد آخرا والسر في ذلك أن موسى وهارون خوطبا بأن يتبوأا لقومهما بيوتا ويختاراها للعبادة ثم سيق الخطاب عاما لهما ولقومهما باتخاذ المساجد للصلاة فيها لأن ذلك واجب على الجمهور ثم خص آخرا موسى بالبشارة التي هي الغرض الاسمى تعظيما لها وللمبشر بها.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٠ الى ٩٢]
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢)
290
اللغة:
(وَجاوَزْنا) : هو من جاوز المكان إذا تخطاه وخلفه وراءه.
(فَأَتْبَعَهُمْ) : في المختار تبعه من باب طرب وسلم إذا مشى خلفه أو مرّ به فمضى معه وكذا اتّبعه وهو افتعل وأتبعه على أفعل إذا كان قد سبقه فلحقه. وقال الأخفش: تبعه وأتبعه مثل ردفه وأردفه وحكى أبو عبيدة عن الكسائي: أنه قال: إذا أريد بهم انه اتبعهم خيرا أو شرا قالوا بقطع الهمزة وإذا أريد به أنه اقتدى بهم واتبع أثرهم قالوا بتشديد التاء ووصل الهمزة.
(بَغْياً) : البغي: طلب الاستعلاء بغير الحق.
(عَدْواً) : في الصحاح للجوهري: عدا عدوا وعدوّا وعداء، وفي القاموس والتاج وعدوانا وعدوانا وعدوى عليه ظلمه ويقال:
«ما عدا مما بدا» أي ما الذي صرفك عني بعد ما بدا منك.
(نُنَجِّيكَ) : من النجوة وهي الأرض التي لا يعلوها السيل وأصلها من الارتفاع.
الإعراب:
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة
291
مسوقة لبيان ما آل اليه أمر فرعون وقومه، وجاوزنا فعل وفاعل وببني إسرائيل متعلقان بجاوزنا والباء للتعدية أي جعلناهم مجاوزين البحر والبحر مفعول به. (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) فأتبعهم الفاء عاطفة وأتبعهم فعل ومفعول به وفرعون فاعل وجنوده عطف على فرعون وبغيا مفعول لأجله وعدوا معطوف عليه ويجوز أن يكونا مصدرين في موضع الحال أي باغين معتدين. (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) حتى حرف غاية لاتباعه وإذا ظرف مستقبل وأدركه الغرق فعل ومفعول به وفاعل والجملة في محل جر بالاضافة وجملة قال لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وجملة آمنت مقول القول وأن وما في حيزها في موضع نصب بنزع الخافض والجار والمجرور صلة آمنت ولا إله إلا الذي تقدم القول فيها مشبعا وجملة آمنت صلة الذي وبه متعلقان بآمنت وبنوا إسرائيل فاعل آمنت وأنا الواو عاطفة وأنا مبتدأ ومن المسلمين خبر (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) آلآن الهمزة للاستفهام والآن ظرف متعلق بمحذوف وتقديره آلآن آمنت، وقد الواو للحال وقد حرف تحقيق وعصيت فعل وفاعل وقبل ظرف مبني على الضم لانقطاعه عن الاضافة لفظا لا معنى وكنت من المفسدين عطف على عصيت وكنت كان واسمها ومن المفسدين خبرها. (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) الفاء استئنافية واليوم ظرف متعلق بننجيك وببدنك حال من الكاف أي مصاحبا لبدنك وسيأتي مزيد بحث عنها في باب البلاغة ولتكون اللام للتعليل وتكون منصوب بأن مضمرة واسم تكون مستتر تقديره أنت وآية خبرها ولمن خلفك حال والظرف متعلق بالاستقرار الذي هو صلة الموصول. (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) الواو اعتراضية والجملة اعتراض تذييلي
292
جيء به عقب الحكاية وان واسمها ومن الناس صفة لكثيرا وعن آياتنا متعلقان بغافلون واللام المزحلقة وغافلون خبر إن.
البلاغة:
في الآية تورية إذا فسر البدن بالدرع أما إذا فسر بالجسم فيكون المعنى ننجيك في الحال التي لا روح فيك وانما أنت بدن أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شيء أما تفسير البدن بالدرع فيدل عليه قول عمرو بن معدي كرب:
أعاذل شكتي بدني وسيفي وكل مقلّص سلس القياد
وكانت لفرعون درع من ذهب يعرف بها، وعندئذ صح في البدن التورية وهي ان البدن في القريب الظاهر بمعنى الجسم وفي البعيد الخفي بمعنى الدرع ومراده البعيد الخفي فان نجاة فرعون أي خروجه من البحر بعد الغرق بدرعه أعجب آية من خروجه مجردا والتورية في القرآن قليلة وسترد مواضعها في حينها ونتحدث عنها هنا باختصار فنقول:
تعريف التورية: التورية هي أن يذكر المتكلم لفظا مفردا له معنيان: قريب ظاهر غير مراد وبعيد خفي هو المراد. وتنقسم الى أربعة أقسام:
١- التورية المجردة وسميت بذلك لتحردها من اللوازم وهي قسمان أيضا:
آ- المجردة التي ذكر معها لازم المورّى به وهو المعنى القريب ولازم المورّى عنه وهو المعنى البعيد كقول مجير الدين بن تميم:
293
وليلة بتّ أسقى في غياهبها... راحا تسلّ شبابي من يد الهرم
ما زلت أشربها حتى نظرت الى... غزالة الصبح ترعى رجس الظلم
فالصبح من لوازم الغزالة الشمسية والرعي من لوازم الغزالة الوحشية.
ب- المجردة التي لم يذكر معها لازم من لوازم المورّى به ولا لازم من لوازم المورّى عنه كقول بعضهم في سنة كان فيها شهر كانون معتدلا فأزهرت الأرض:
كأن نيسان أهدى من ملابسه... لشهر كانون أنواعا من الحلل
أو الغزالة من طول المدى خرفت... فما تفرق بين الجدي والحمل
فالتورية هنا مجردة إذ لم يذكر الشاعر شيئا من لوازم المورى به أو لوازم المورى عنه.
٢- التورية المرشحة: وهي التي ذكر فيها لازم من لوازم المورى به كقول القائل:
يا سيدا حاز لطفا... له البرايا عبيد
أنت الحسين ولكن... جفاك فينا يزيد
فإن ذكر الحسين لازم لكون يزيد اسما علما بعد احتماله للفعل المضارع الذي هو معناه المقصود المورّى عنه ولابن خطيب داريا في حمص:
294
مدينة حمص كعبة الحسن أصبحت... يطوف بها دان ويسعى بها قاصي
له حلة من نبتها سندسية... تعلق في أذيال أستارها العاصي
فإن ذكر التعلق بأذيال الكعبة هنا على سبيل الاستعارة ترشيح للعاصي من العصيان كما سبق، وقد رد بعضهم على ابن خطيب داريا فقال:
مدينة حمص لم تكن قط كعبة... يطوف بها دان ويسعى بها قاصي
ولكنها للهو والقصف حانة... ألم تنظروها كيف جاورها العاصي
٣- التورية المبينة: هي التي ذكر فيها لازم من لوازم المورى عنه ومن أمثلتها ما يحكى أن نقيب الأشراف ببغداد كان يهوى غلاما اسمه صدقة أخذه ابن المنير الطرابلسي يوما وأضافه وجلسوا في طبقة وإذا بالشريف أتى إليهم مستخفيا وقال لهم:
يا من هم في الطبقة... هل عندكم من شفقة؟
قد جاءكم متيّم... يطلب منكم «صدقه»
فأجابه ابن المنير في الحال:
يا من أتانا سرقه... بمهجة محترقة
جدّك يا ذا لم يجز... أخذك منا «صدقه»
295
فخجل وذهب عنهما والشاهد في قول الشريف «متيم» يرشح المعنى المورى عنه في صدقة وهو اسم محبوبه والمعنى الثاني ظاهر وهو الصلة للفقراء.
٤- التورية المهيئة: وهي التي لا يتهيأ معها في الكلام تورية إلا باللفظ قبله أو الذي بعده كقول الدماميني:
يا عذولي في مغن مطرب حرّك الأوتار لما سفرا
لم تهز العطف منه طربا عند ما تسمع منه وترا
فإن لفظة تسمع هيأت قوله «وترا» للتورية بالرؤية وهو المعنى البعيد وأما المعنى القريب فأحد الأوتار للطنبور.
الفوائد:
(الآن) ظرف زمان للوقت الذي أنت فيه مبني على الفتح ويجوز أن يدخله من حروف الجر من والى وحتى ومذ ومنذ مبنيا معهن على الفتح ويكون في موضع الجر.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٣ الى ٩٧]
وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧)
296
اللغة:
(مُبَوَّأَ صِدْقٍ) اسم مكان أي مكان صدق والمعنى وأنزلناهم منزلا محمودا ويجوز أن يكون مصدرا.
(الامتراء) طلب الشك مع ظهور الدليل وهو من مرى الضرع وهو مسحه ليدرّ.
الإعراب:
(وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لبيان النعم التي أفاضها الله على بني إسرائيل بعد انجائهم واللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وبوأنا فعل وفاعل وبني إسرائيل مفعول به ومبوأ صدق مفعول به ثان لبوأ أو مفعول مطلق إن كانت مبوأ مصدرا (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) ورزقناهم عطف على بوأنا وهو فعل وفاعل ومفعول به ومن الطيبات متعلقان برزقناهم، فما: الفاء عاطفة وما نافية واختلفوا
297
فعل وفاعل وحتى حرف غاية وجر وجاءهم العلم فعل ومفعول به وفاعل والمراد بالاختلاف ما تعاورهم من شكوك بعد مجيء الرسول محمد ﷺ وتضافر معجزاته (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) إن واسمها وجملة يقضي خبرها وبينهم متعلقان بيقضي ويوم القيامة ظرف متعلق بيقضي أيضا وفيما متعلقان بمحذوف حال أي فاصلا فيما، وجملة كانوا صلة ما وكان والواو اسمها وفيه متعلقان بيختلفون وجملة يختلفون خبر كانوا (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) الفاء استئنافية وإن شرطية وكنت كان واسمها والفعل في محل جزم فعل الشرط وفي شك خبرها ومما متعلقان بمحذوف صفة لشك وجملة أنزلنا إليك صلة ما (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) الفاء رابطة واسأل فعل أمر وفاعله أنت والذين مفعول به وجملة يقرءون الكتاب صلة ومن قبلك حال (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) اللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق وجاءك الحق فعل ومفعول به وفاعل ومن ربك متعلقان بجاءك والفاء عاطفة ولا ناهية وتكونن مجزوم بلا محلا لأنه مبني واسمها مستتر تقديره أنت ومن الممترين خبرها (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ) تقدم اعرابها (فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) الفاء سببية وتكون مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية ومن الخاسرين خبرها وسيأتي في باب الفوائد ما قاله العلماء في هذه الآية (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) إن واسمها وجملة حقت صلة وعليهم متعلقان بحقت وكلمة فاعل وربك مضاف لكلمة وجملة لا يؤمنون خبر إن (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) الواو حالية ولو شرطية وجاءتهم كل آية فاعل وحتى غاية النفي ويروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والواو فاعل والعذاب مفعول به والرؤية
298
عينية ولذلك نصبت مفعولا واحدا فقط والأليم صفة وجواب لو محذوف أي فلا ينفعهم ايمانهم حينئذ كما لم ينفع فرعون.
الفوائد:
قال الزجاج: إن هذه الآية قد كثر سؤال الناس عنها وخوضهم فيها وفي السورة ما يدل على بيانها فان الله سبحانه يخاطب النبي وذلك الخطاب شامل للخلق فالمعنى فان كنتم في شك فاسألوا، والدليل عليه قوله في آخر السورة: «يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم» الآية فأعلم الله سبحانه أن نبيه ليس في شك ومثل هذه قوله «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء» فقال طلقتم والخطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) وحده قال أبو عمرو ومحمد بن عبد الواحد الزاهد: سمعت الإمامين ثعلبا والمبرد يقولان: معنى فإن كنت في شك أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك.
وقال الفراء: إن الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وان لم يشك وعلم الله أنه غير شاك ولكن الكلام خرج مخرج التقرير والإفهام كما يقول الابن لأبيه، إن كنت والدي فتعطف علي أو لولده إن كنت ابني فأطعني يريد بذلك المبالغة وربما خرجوا في المبالغة الى ما يستحيل كقولهم: بكت السماء لموت فلان أي لو كانت السماء تبكي على ميت لبكت عليه وكذلك يكون هاهنا المعنى لو كنت ممن يشك فشككت فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك.
وقال الزمخشري: إن أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم
299
فأراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن وحجة نبوة محمد عليه السلام ويبالغ في ذلك فقال: فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا- وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن يسارع الى حلها واماطتها اما بالرجوع الى قوانين الدين وأدلّته وإما بمقادحة العلماء المنبّهين إلى الحق- فسل علماء أهل الكتاب.
وقال أبو حيان: «والذي أقوله: أنّ إن الشرطية تقتضي تعليق شيء على شيء ولا تستلزم تحتيم وقوعه وإمكانه بل قد يكون ذلك في المستحيل عقلا كقوله تعالى: «قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين» ومستحيل أن يكون له ولد فكذلك هذا مستحيل أن يكون في شك وفي المستحيل عادة كقوله: «فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية» أي فافعل، لكن وقوع «إن» للتعليق على المستحيل قليل وهذه الآية من ذلك ولما خفي هذا الوجه على أكثر الناس اختلفوا في تخريج هذه الآية».
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٨ الى ١٠٠]
فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (١٠٠)
300
الإعراب:
(فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) الفاء استئنافية ولولا تحضيضيّة وهذا التحضيض فيه معنى التوبيخ والنفي وقد تقدمت الاشارة الى حروف التحضيض، وكانت قرية فعل وفاعل لأن كان هنا تامة وجملة آمنت صفة لقرية (فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) الفاء عاطفة ونفعها معطوف على الصفة عطف المسبب على السبب وإيمانها فاعل نفعها والجملة قد تقوم مقام الصفة للنكرة وإلا قوم يونس استثناء متصل واقع على المعنى لا على ظاهر اللفظ فكأنه قال: هلّا آمن أهل قرية والجميع مشتركون في العقاب وقوم يونس مستثنى من الجميع ومثل هذا الاستثناء قوله تعالى: «فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم» وقال الزجاج إلا قوم يونس استثناء منقطع وتقديره لكن قوم يونس لما آمنوا ومثله قول النابغة:
وقفت فيها أصيلا كي اسائلها عيّت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأيا ما أبيّنها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
ويونس مضاف اليه ممنوع من الصّرف للعلمية والعجمية (لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) لما حينية أو رابطة وآمنوا فعل وفاعل وجملة كشفنا لا محل لها وعنهم متعلقان بكشفنا وعذاب الخزي مفعول به وفي الحياة متعلقان بمحذوف حال والدنيا صفة ومتعناهم عطف على كشفنا وإلى حين متعلقان بمتعناهم (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) الواو استئنافية ولو شرطية وشاء ربك فعل وفاعل لآمن وللام واقعة في جواب لو وجملة
301
آمن لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ومن فاعل آمن وفي الأرض صلة من وكلهم توكيد لمن وجميعا نصب على الحال من «من» (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الهمزة للاستفهام والفاء عاطفة وأنت مبتدأ والجملة بعده خبر وقد مر معنا أن الهمزة مقدمة على العاطف أو ثم جملة محذوفة، وحتى حرف تعليل وجر ويكونوا منصوب بأن مضمرة بعد حتى ومؤمنين خبر يكونوا (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) الواو عاطفة وما نافية وكان فعل ماض ناقص ولنفس خبرها المقدم وأن المصدرية وما في حيزّها اسمها المؤخر وإلا أداة حصر وبإذن الله متعلقان بتؤمن (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) ويجعل معطوفة على مقدر كأنه قيل فيأذن لبعضهم في الايمان ويجعل، ويجعل مضارع والرجس مفعوله وعلى الذين متعلقان بيجعل وجملة لا يعقلون صلة.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٠١ الى ١٠٣]
قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (١٠١) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣)
302
اللغة:
(النظر) : طلب الشيء من جهة الفكر كما يطلب إدراكه بالعين والمعنى تأملوا تأمل اعتبار.
(النُّذُرُ) : جمع نذير وهو صاحب النذارة.
الإعراب:
(قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قل فعل أمر وجملة انظروا مقول القول وماذا يحتمل أن تكون ما استفهامية مبتدأ وذا اسم موصول خبر وتكون الجملة في محل نصب لتعليق العامل وهو انظروا عنها بالاستفهام ويحتمل أن تكون ماذا بتمامها استفهاما في محل رفع مبتدأ وفي السموات خبره وعلى الأول يكون الجار والمجرور متعلقين بمحذوف هو الصلة للموصول أي ما الذي استقر في السموات والأرض. (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) هذه الجملة إما حالية من الواو في انظروا كأنه قيل انظروا والحال أن النظر لا ينفعكم، وإما معترضة وما نافية أو استفهامية في محل نصب على أنها مفعول مطلق لتغني أي: أي غناء تغني، والآيات فاعل والنذر عطف على الآيات وعن قوم جار ومجرور متعلقان بتغني وجملة لا يؤمنون صفة لقوم. (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) الفاء استئنافية وهل حرف استفهام وينتظرون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل وإلا أداة حصر ومثل مفعول ينتظرون وأيام مضاف اليه والذين مضاف لأيام وجملة خلوا صلة ومن قبلهم متعلقان بخلوا أو بمحذوف حال. (قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) قل فعل
303
أمر والفاء الفصيحة وانتظروا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وإن واسمها ومن المنتظرين خبرها والظرف متعلق بمحذوف حال.
(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) ثم حرف عطف للترتيب والتراخي وننجي فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره نحن والجملة عطف على كلام محذوف تقديره نهلك الأمم ثم ننحي رسلنا على حكاية الأحوال الماضية ورسلنا مفعول به والذين عطف على رسلنا وجملة آمنوا صلة. (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) الكاف في محل نصب صفة لمصدر محذوف أي إنجاء مثل ذلك الانجاء فهي مفعول مطلق والعامل فيه ننجي المؤمنين ولك أن تجعل الكاف في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف وقدّروه بقولهم الأمر كذلك، وحقا نصب على المصدر أي يحق حقا ويجوز أن يعرب نصبا على الحال وإن كان لفظه لفظ المصدر وأورد جامع العلوم الضرير النحوي وجها طريفا وهو أن ينصب على البدلية من كذلك وعلينا متعلقان بحقا وننجي فعل مضارع والمؤمنين مفعول به.
البلاغة:
التشبيه التمثيلي في قوله كذلك ننجي إلخ فقد شبه نجاة من بقي من المؤمنين بنجاة من مضى في أنه واجب لهم وحق على الله. ووجه الشبه استحقاق كل منهم بالنجاة.
304

[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٩]

قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨)
وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩)
الإعراب:
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) قل فعل أمر ويا أيها الناس تقدم إعرابها كثيرا وإن شرطية وكنتم فعل الشرط وهي كان واسمها وفي شك خبرها ومن ديني صفة لشك. (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الفاء رابطة لجواب الشرط ولا نافية وأعبد فعل مضارع فاعله أنا والذين مفعول أعبد وجملة تعبدون صلة ومن دون الله حال. (وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) الواو عاطفة ولكن حرف استدراك لا عمل لها وأعبد فعل مضارع وفاعله أنا ولفظ الجلالة مفعوله والذي صفة وجملة يتوفاكم صلة. (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
305
الواو عاطفة وأمرت فعل ماض مبني للمجهول والتاء نائب فاعل وأن وما في حيزها في موضع نصب بنزع الخافض أي بأن أكون والجار والمجرور متعلقان بأمرت واسم أكون مستتر تقديره أنا ومن المؤمنين خبر أكون. (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) الواو عاطفة وأن وما في حيزها عطف على ما قبلها كأنه قيل: وقيل لي وأقم، ولكن يشكل اعراب المصدر لأن عطفه على أن أكون فيه إشكال لامتناع عطف الإنشاء على الخبر ولكن سيبويه سوغ أن توصل أن بالأمر والنهي وشبه ذلك بقولهم أنت الذي تفعل على الخطاب لأن الغرض وصلها بما تكون معه بمعنى المصدر، والأمر والنهي دالان على المصدر دلالة غيرهما من الأفعال. وقد لخص البيضاوي ما أفاض فيه سيبويه قال: «وان أقم عطف على أن أكون غير أن صلة أن محكية بصيغة الأمر ولا ضير في ذلك لأن مناط جواز وصلها بصيغ كل الأفعال دلالتها على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والطلبية ووجوب كون الصلة خبرية في الموصول الاسمي إنما هو للتوصل الى وصف المعارف بالجمل وهي لا توصف إلا بالجمل الخبرية وليس الموصول الحر في كذلك» وهو تلخيص لما قاله الزمخشري أيضا وجرى عليه أبو السعود أما غيرهما فاختار أن «أن» المصدرية وما في حيزها في محل رفع بفعل مقدر أي: وقيل لي، ولا نرى هذا الرأي. أما السمين شهاب الدين الحلبي فقال ما نصه: «قوله وأن أقم يجوز أن يكون على إضمار فعل أي وأوحي إليّ أن أقم ثم لك في أن وجهان أحدهما أن تكون تفسيرية لتلك الجملة المقدّرة وفيه نظر لأن المفسر لا يجوز حذفه والثاني أن تكون مصدرية فتكون هي وما في حيزها في محل رفع بذلك الفعل المقدر.
306
وأقم فعل أمر ووجهك مفعول به وللدين متعلقان بأقم وحنيفا حال من الدين أو من الوجه. (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الواو عاطفة ولا ناهية وتكونن فعل مضارع مبني لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم بلا واسم تكونن مستتر تقديره أنت ومن المشركين خبرها.
(وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) الواو عاطفة ولا ناهية وتدع مضارع مجزوم بلا والفاعل أنت ومن دون الله حال وما موصول مفعول به وجملة لا ينفعك صلة وجملة ولا يضرك عطف على لا ينفعك.
(فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) الفاء عاطفة وان شرطية وفعلت في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة وان واسمها واذن حرف جواب وجزاء مهمل ومن الظالمين خبر إن. (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) الواو عاطفة وان شرطية ويمسسك فعل الشرط والكاف مفعول به والله فاعل وبضر جار ومجرور متعلقان بيمسسك والفاء رابطة ولا نافية للجنس وكاشف اسمها مبني على الفتح وله متعلقان بكاشف والخبر محذوف ويجوز أن يكون له هو الخبر أي كائن له وإلا أداة حصر وهو بدل من الخبر المحذوف على ما تقدم في «لا إله إلا الله».
(وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) الواو عاطفة وان شرطية ويردك فعل الشرط مجزوم والكاف مفعول به وبخير متعلقان بيردك والفاء رابطة ولا نافية للجنس وراد اسمها ولفضله متعلقان براد والخبر محذوف ويجوز أن يكون الجار والمجرور هو الخبر كما تقدم. (يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) جملة يصيب استئنافية والفاعل هو وبه جار ومجرور متعلقان بيصيب ومن مفعول يصيب وجملة يشاء صلة ومن عباده حال، وهو الواو استئنافية وهو مبتدأ والغفور خبر أول والرحيم خبر ثان. (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) قد جاءكم الحق فعل ومفعول به وفاعل ومن ربكم متعلقان بجاءكم.
307
(فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) الفاء الفصيحة ومن شرطية أو موصولية مبتدأ واهتدى فعل الشرط والجملة صلة الموصول والفاء رابطة وانما كافة ومكفوفة ويهتدي فعل مضارع والفاعل هو ولنفسه متعلقان بيهتدي. (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) تقدم اعراب مماثلتها.
(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) الواو استئنافية وما نافية حجازية وأنا اسمها وعليكم متعلقان بوكيل ووكيل خبر ما الحجازية محلا. (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) الواو استئنافية لاستبعاد عطف الإنشاء على الخبر واتبع فعل أمر وفاعله أنت وما مفعول به وجملة يوحى صلة وإليك متعلقان بيوحى. (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) واصبر فعل أمر معطوف على اتبع وحتى حرف غاية وجر ويحكم الله منصوب بأن مضمرة بعد حتى والله فاعله وهو الواو استئنافية وهو مبتدأ وخير الحاكمين خبره.
308
Icon