مدنية
وآياتها ثمان وسبعون
كلماتها١٢٩١ ؛ حروفها : ٥١٧٥
ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ { ١ ) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ { ٢ ) ﴾
﴿ اتقوا ربكم ﴾ احذروا سخط مولاكم وخالقكم، وأدوا فرائضه، واتركوا محارمه.
﴿ زلزلة ﴾ شدة الحركة والاضطراب.
ينادي الله تعالى الناس أن يجتنبوا كل ما يؤثم من فعل وترك، ويدخل فيه الإيمان بكل ما يجب الإيمان به دخولا أوليا ؛ ومعلوم أن التقوى هي المنجاة من الأهوال، كما وعد ربنا ذو الجلال :﴿ وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ) ؛ { إن زلزلة الساعة شيء عظيم ﴾ إن الاضطراب والحركة الشديدة التي تكون عند مجيء القيامة شيء بالغ الهول.
﴿ يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾
﴿ تذهل ﴾ تنسى وتشغل محزونة.
﴿ تضع كل ذات حمل حملها ﴾ تلقي جنينها لغير تمام.
الهاء في ﴿ ترونها ﴾ عائدة عند الجمهور على الزلزلة، ويقوي هذا قوله عز وجل :﴿ تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ﴾ والرضاع والحمل إنما هو في الدنيا..... وفائدة ذكر الرسول ذلك اليوم التحريض على التأهب له والاستعداد بالعمل الصالح .
أورد البخاري عند تفسير الآية حديث بعث النار، عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك ربنا وسعديك فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل ألف أراه قال تسعمائة وتسعة وتسعون حينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد ﴿ وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ﴾ ".
وعن الحسن قال : تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها لغير تمام ؛ يقول ابن كثير : والزلزال هو ما يحصل للنفوس من الرعب والفزع، كما قال تعالى :{ هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) ؛.... من شدة الأمر الذي قد صاروا فيه قد دهشت عقولهم، وغابت أذهانهم فمن رآهم حسب أنهم سكارى.. اه.
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ { ٣ ) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ { ٤ ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ { ٥ ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { ٦ ) وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ { ٧ ) ﴾.
﴿ يجادل ﴾ يخاصم ويقارع بما يعده حجة. ﴿ مريد ﴾ متمرد، متجرد للفساد، عاق.
بعد ترسيخ اليقين بالآخرة كأنما سيقت هذه الآيات الحكيمة لبيان حال الشاكين في وقوعها، وذكر البرهان على قدرة الله العظيم على الإتيان بها ؛ أراد أن يحتج على منكري البعث، فقدم لذلك مقدمة تشمل أهل الجدال كلهم... ومعنى ﴿ في الله ﴾ : في شأن الله وفيما يجوز وما لا يجوز... ويفهم من قوله ﴿ بغير علم ﴾ أن المعارف كلها ليست ضرورية وأن المذموم من الجدال هو هذا القسم، وأما الجدال الصادر عن العلم والتحقيق فمحمود مأمور به في قوله :﴿ .. وجادلهم بالتي هي أحسن.. )، { ويتبع كل شيطان مريد ﴾ ويطاوع كل غاو مفسد، عات عن الاستجابة للحق، عاق لأمانات الخالق سبحانه وأمانات الخلق، فهو مقيم على الجحود والكفور [ يخاصم في الله فيزعم أن الله غير قادر على إحياء من قد بلي وصار ترابا ﴿ بغير علم ﴾ يعلمه، بل ويجهل منه بما يقول، ويتبع في قيله ذلك وجداله في الله بغير علم كل شيطان مريد ].
﴿ كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ﴾ قال مجاهد ما حاصله : كتب على الشيطان كتابة قدرية أنه من قلده واتبعه ؛ أي : شأن الشيطان أن من تابعه فإنه يضيعه في الدنيا فلا يسلك طريق الرشد والفلاح، ﴿ ويهديه إلى عذاب السعير ﴾ ويقوده في الآخرة إلى عذاب حار مزعج ؛ وطرائق الشيطان من الإنس أو الجان لا تفضي أبدا إلا إلى الذل والهلاك والخسران ؛ وإنما يكون العياذ منهم بصدق اليقين، وإخلاص العبودية، لتحقق لنا البشرى القرآنية :﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان.. ). { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. إنما سلطانه على الذين يتولونه.. ) ؛ ثم بينت الآية الكريمة الخامسة من هذه السورة أن الريب في مجيء الساعة والبعث يبطله تدبر النشأة وأطوار الحمل، فإن القادر على البدء يبقى أبدا على الإعادة أقدر { .... وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) ؛ { فإنا خلقناكم من تراب ﴾ فتحققوا أنا بدأنا خلق أبيكم آدم من تراب الأرض وطينها، فأصلكم معاشر البشر من هذا التراب، وعنصر متواضع جامد كهذا يتخلق منه أكرم الخلائق برهان على عظمة الخلاق سبحانه وقدرته وحكمته ؛ ﴿ ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ﴾ [ وهذا احتجاج من الله على الذي أخبر عنه من الناس أنه يجادل في الله بغير علم اتباعا للشيطان المريد، وتنبيه له على موضع خطأ قيله وإنكار ما أنكر من قدرة ربه ؛ قال : يا أيها الناس إن كنتم في شك من قدرتنا على بعثكم من قبوركم بعد مماتكم وبلائكم استعظاما منكم لذلك فإن في ابتدائنا خلق أبيكم آدم صلى الله عليه وسلم من تراب، ثم إنشائناكم من نطفة آدم ثم تصريفناكم أحوالا حالا بعد حال من نطفة إلى علقة ثم من علقة إلى مضغة لكم معتبرا ومتعظا تعتبرون به فتعلمون أن من قدر على ذلك فغير متعذر عليه إعادتكم بعد فنائكم كما كنتم أحياء قبل الفناء، ... عن قتادة في قول الله :﴿ مخلقة وغير مخلقة ﴾ قال تامة وغير تامة... جعلنا المضغة منها المخلقة التامة ومنها السقط غير التام لنبين لكم قدرتنا على ما نشاء ونعرفكم ابتداءنا خلقكم... ﴿ ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ﴾ : يقول تعالى ذكره : من كنا كتبنا له بقاء وحياة إلى أمد وغاية فإنا نقره في رحم أمه إلى وقته الذي جعلنا له أن يمكث في رحمها فلا تسقطه ولا يخرج منها حتى يبلغ أجله، فإذا بلغ وقت خروجه من رحمها أذنا له بالخروج منها فيخرج ] ؛ ﴿ ثم نخرجكم طفلا لتبلغوا أشدكم ﴾ ثم بعد تمام حملكم في الأرحام تولدون أطفالا لا تعلمون شيئا ولا تقدرون على شيء، ﴿ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة.. ) ؛ ثم لتصلوا إلى كمال عقولكم ونهاية قواكم ؛ { ومنكم من يتوفى ﴾ في حال شبابه وقوته ؛ ﴿ ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ﴾ اللام في ﴿ لكيلا ﴾ هي لام العاقبة ؛ أي : منكم من نطيل في عمره فينكس في خلقه، كما قال تعالى :﴿ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا.. ) فإذا طعن في المشيب ردا إلى أسوأ العمر وأرداه. فيخرف، وتوشك العلوم أن تنفلت من ذاكرته ورأسه، { وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾ ذكر دلالة أقوى على البعث فقال في الأول :﴿ فإنا خلقناكم.. ﴾ فخاطب جمعا، وقال في الثاني :﴿ وترى الأرض هامدة ﴾ فخاطب واحدا، فانفصل اللفظ عن اللفظ، ولكن المعنى متصل من حيث الاحتجاج على منكري البعث ؛ ﴿ هامدة ﴾ يابسة لا تنبت شيئا جافة ذات تراب، هالكة ميتة، فينزل المولى بقدرته الغيث على تلك الأرض الجرداء، فيكون هذا الماء سببا في حياتها وحركتها، وارتفاعها وزيادتها، وتنبت بإذن الله من كل صنف ولون من النبات عشبه وزرعه وشجره ما هو حسن يبهج كل من رآه. ﴿ ذلك بأن الله هو الحق ﴾ قال الزجاج :﴿ ذلك ﴾ في محل رفع، أي الأمر ما وصف لكم وبين، ﴿ بأن ﴾ أي لأن الله هو الحق، قال : ويجوز أن يكون ﴿ ذلك ﴾ نصبا، أي : فعل الله ذلك بأنه هو الحق. فنبه سبحانه وتعالى بهذا على أن كل ما سواه وإن كان موجودا حقا فإنه حقيقة له من نفسه، لأنه مسخر مصرف، والحق الحقيقي : هو الموجود المطلق الغني المطلق، وأن وجود كل ذي وجود عن وجوب وجوده.. والحق الموجود الثابت الذي لا يتغير ولا يزول، وهو الله تعالى ؛ وقيل : ذو الحق على عباده ؛ ﴿ وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير. وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ﴾ هكذا تعرض البرهان لأطوار خلق الإنسان ؛ ثم لما يتوقف عليه نماؤه وبقاؤه إلى حين انقضاء أجله ؛ ثم إلى بعثه لينال جزاء ما كان من سعيه وعمله ؛ فلا تشكوا في ذلك ولا تمتروا فيه.
﴿ ريب ﴾ شك. ﴿ خلقناكم من تراب ﴾ خلقنا آدم وهو أصل البشر من تراب. ﴿ ثم من نطفة ﴾ ثم خلقنا ذريته من نطفة من ماء قليل من مني. ﴿ علقة ﴾ الدم العالق، أي على هيئة دودة صغيرة. ﴿ مضغة ﴾ قطعة لحم قدر ما يمضغ ملأ الفم. ﴿ مخلقة ﴾ تامة الخلقة. ﴿ نقر ﴾ نسكن. ﴿ الأرحام ﴾ واحدها رحم، وهو مكان الولد في جوف المرأة. ﴿ أجل مسمى ﴾ وقت نعلمه. ﴿ طفلا ﴾ أي أطفالا. ﴿ أرذل العمر ﴾ أسوؤه وأهونه. ﴿ هامدة ﴾ دارسة يابسة جف ترابها. ﴿ اهتزت ﴾ تحركت. ﴿ وربت ﴾ علت وزادت.
﴿ زوج ﴾ لون وصنف ﴿ بهيج ﴾ حسن، يبهج.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤:﴿ كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ﴾ قال مجاهد ما حاصله : كتب على الشيطان كتابة قدرية أنه من قلده واتبعه ؛ أي : شأن الشيطان أن من تابعه فإنه يضيعه في الدنيا فلا يسلك طريق الرشد والفلاح، ﴿ ويهديه إلى عذاب السعير ﴾ ويقوده في الآخرة إلى عذاب حار مزعج ؛ وطرائق الشيطان من الإنس أو الجان لا تفضي أبدا إلا إلى الذل والهلاك والخسران ؛ وإنما يكون العياذ منهم بصدق اليقين، وإخلاص العبودية، لتحقق لنا البشرى القرآنية :﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان.. ). { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. إنما سلطانه على الذين يتولونه.. ) ؛ ثم بينت الآية الكريمة الخامسة من هذه السورة أن الريب في مجيء الساعة والبعث يبطله تدبر النشأة وأطوار الحمل، فإن القادر على البدء يبقى أبدا على الإعادة أقدر {.... وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) ؛ { فإنا خلقناكم من تراب ﴾ فتحققوا أنا بدأنا خلق أبيكم آدم من تراب الأرض وطينها، فأصلكم معاشر البشر من هذا التراب، وعنصر متواضع جامد كهذا يتخلق منه أكرم الخلائق برهان على عظمة الخلاق سبحانه وقدرته وحكمته ؛ ﴿ ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ﴾ [ وهذا احتجاج من الله على الذي أخبر عنه من الناس أنه يجادل في الله بغير علم اتباعا للشيطان المريد، وتنبيه له على موضع خطأ قيله وإنكار ما أنكر من قدرة ربه ؛ قال : يا أيها الناس إن كنتم في شك من قدرتنا على بعثكم من قبوركم بعد مماتكم وبلائكم استعظاما منكم لذلك فإن في ابتدائنا خلق أبيكم آدم صلى الله عليه وسلم من تراب، ثم إنشائناكم من نطفة آدم ثم تصريفناكم أحوالا حالا بعد حال من نطفة إلى علقة ثم من علقة إلى مضغة لكم معتبرا ومتعظا تعتبرون به فتعلمون أن من قدر على ذلك فغير متعذر عليه إعادتكم بعد فنائكم كما كنتم أحياء قبل الفناء،... عن قتادة في قول الله :﴿ مخلقة وغير مخلقة ﴾ قال تامة وغير تامة... جعلنا المضغة منها المخلقة التامة ومنها السقط غير التام لنبين لكم قدرتنا على ما نشاء ونعرفكم ابتداءنا خلقكم... ﴿ ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ﴾ : يقول تعالى ذكره : من كنا كتبنا له بقاء وحياة إلى أمد وغاية فإنا نقره في رحم أمه إلى وقته الذي جعلنا له أن يمكث في رحمها فلا تسقطه ولا يخرج منها حتى يبلغ أجله، فإذا بلغ وقت خروجه من رحمها أذنا له بالخروج منها فيخرج ] ؛ ﴿ ثم نخرجكم طفلا لتبلغوا أشدكم ﴾ ثم بعد تمام حملكم في الأرحام تولدون أطفالا لا تعلمون شيئا ولا تقدرون على شيء، ﴿ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة.. ) ؛ ثم لتصلوا إلى كمال عقولكم ونهاية قواكم ؛ { ومنكم من يتوفى ﴾ في حال شبابه وقوته ؛ ﴿ ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ﴾ اللام في ﴿ لكيلا ﴾ هي لام العاقبة ؛ أي : منكم من نطيل في عمره فينكس في خلقه، كما قال تعالى :﴿ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا.. ) فإذا طعن في المشيب ردا إلى أسوأ العمر وأرداه. فيخرف، وتوشك العلوم أن تنفلت من ذاكرته ورأسه، { وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾ ذكر دلالة أقوى على البعث فقال في الأول :﴿ فإنا خلقناكم.. ﴾ فخاطب جمعا، وقال في الثاني :﴿ وترى الأرض هامدة ﴾ فخاطب واحدا، فانفصل اللفظ عن اللفظ، ولكن المعنى متصل من حيث الاحتجاج على منكري البعث ؛ ﴿ هامدة ﴾ يابسة لا تنبت شيئا جافة ذات تراب، هالكة ميتة، فينزل المولى بقدرته الغيث على تلك الأرض الجرداء، فيكون هذا الماء سببا في حياتها وحركتها، وارتفاعها وزيادتها، وتنبت بإذن الله من كل صنف ولون من النبات عشبه وزرعه وشجره ما هو حسن يبهج كل من رآه. ﴿ ذلك بأن الله هو الحق ﴾ قال الزجاج :﴿ ذلك ﴾ في محل رفع، أي الأمر ما وصف لكم وبين، ﴿ بأن ﴾ أي لأن الله هو الحق، قال : ويجوز أن يكون ﴿ ذلك ﴾ نصبا، أي : فعل الله ذلك بأنه هو الحق. فنبه سبحانه وتعالى بهذا على أن كل ما سواه وإن كان موجودا حقا فإنه حقيقة له من نفسه، لأنه مسخر مصرف، والحق الحقيقي : هو الموجود المطلق الغني المطلق، وأن وجود كل ذي وجود عن وجوب وجوده.. والحق الموجود الثابت الذي لا يتغير ولا يزول، وهو الله تعالى ؛ وقيل : ذو الحق على عباده ؛ ﴿ وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير. وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ﴾ هكذا تعرض البرهان لأطوار خلق الإنسان ؛ ثم لما يتوقف عليه نماؤه وبقاؤه إلى حين انقضاء أجله ؛ ثم إلى بعثه لينال جزاء ما كان من سعيه وعمله ؛ فلا تشكوا في ذلك ولا تمتروا فيه.
﴿ يبعث ﴾ يعيد إليهم الحياة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤:﴿ كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ﴾ قال مجاهد ما حاصله : كتب على الشيطان كتابة قدرية أنه من قلده واتبعه ؛ أي : شأن الشيطان أن من تابعه فإنه يضيعه في الدنيا فلا يسلك طريق الرشد والفلاح، ﴿ ويهديه إلى عذاب السعير ﴾ ويقوده في الآخرة إلى عذاب حار مزعج ؛ وطرائق الشيطان من الإنس أو الجان لا تفضي أبدا إلا إلى الذل والهلاك والخسران ؛ وإنما يكون العياذ منهم بصدق اليقين، وإخلاص العبودية، لتحقق لنا البشرى القرآنية :﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان.. ). { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. إنما سلطانه على الذين يتولونه.. ) ؛ ثم بينت الآية الكريمة الخامسة من هذه السورة أن الريب في مجيء الساعة والبعث يبطله تدبر النشأة وأطوار الحمل، فإن القادر على البدء يبقى أبدا على الإعادة أقدر {.... وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ) ؛ { فإنا خلقناكم من تراب ﴾ فتحققوا أنا بدأنا خلق أبيكم آدم من تراب الأرض وطينها، فأصلكم معاشر البشر من هذا التراب، وعنصر متواضع جامد كهذا يتخلق منه أكرم الخلائق برهان على عظمة الخلاق سبحانه وقدرته وحكمته ؛ ﴿ ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ﴾ [ وهذا احتجاج من الله على الذي أخبر عنه من الناس أنه يجادل في الله بغير علم اتباعا للشيطان المريد، وتنبيه له على موضع خطأ قيله وإنكار ما أنكر من قدرة ربه ؛ قال : يا أيها الناس إن كنتم في شك من قدرتنا على بعثكم من قبوركم بعد مماتكم وبلائكم استعظاما منكم لذلك فإن في ابتدائنا خلق أبيكم آدم صلى الله عليه وسلم من تراب، ثم إنشائناكم من نطفة آدم ثم تصريفناكم أحوالا حالا بعد حال من نطفة إلى علقة ثم من علقة إلى مضغة لكم معتبرا ومتعظا تعتبرون به فتعلمون أن من قدر على ذلك فغير متعذر عليه إعادتكم بعد فنائكم كما كنتم أحياء قبل الفناء،... عن قتادة في قول الله :﴿ مخلقة وغير مخلقة ﴾ قال تامة وغير تامة... جعلنا المضغة منها المخلقة التامة ومنها السقط غير التام لنبين لكم قدرتنا على ما نشاء ونعرفكم ابتداءنا خلقكم... ﴿ ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ﴾ : يقول تعالى ذكره : من كنا كتبنا له بقاء وحياة إلى أمد وغاية فإنا نقره في رحم أمه إلى وقته الذي جعلنا له أن يمكث في رحمها فلا تسقطه ولا يخرج منها حتى يبلغ أجله، فإذا بلغ وقت خروجه من رحمها أذنا له بالخروج منها فيخرج ] ؛ ﴿ ثم نخرجكم طفلا لتبلغوا أشدكم ﴾ ثم بعد تمام حملكم في الأرحام تولدون أطفالا لا تعلمون شيئا ولا تقدرون على شيء، ﴿ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة.. ) ؛ ثم لتصلوا إلى كمال عقولكم ونهاية قواكم ؛ { ومنكم من يتوفى ﴾ في حال شبابه وقوته ؛ ﴿ ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ﴾ اللام في ﴿ لكيلا ﴾ هي لام العاقبة ؛ أي : منكم من نطيل في عمره فينكس في خلقه، كما قال تعالى :﴿ الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا.. ) فإذا طعن في المشيب ردا إلى أسوأ العمر وأرداه. فيخرف، وتوشك العلوم أن تنفلت من ذاكرته ورأسه، { وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ﴾ ذكر دلالة أقوى على البعث فقال في الأول :﴿ فإنا خلقناكم.. ﴾ فخاطب جمعا، وقال في الثاني :﴿ وترى الأرض هامدة ﴾ فخاطب واحدا، فانفصل اللفظ عن اللفظ، ولكن المعنى متصل من حيث الاحتجاج على منكري البعث ؛ ﴿ هامدة ﴾ يابسة لا تنبت شيئا جافة ذات تراب، هالكة ميتة، فينزل المولى بقدرته الغيث على تلك الأرض الجرداء، فيكون هذا الماء سببا في حياتها وحركتها، وارتفاعها وزيادتها، وتنبت بإذن الله من كل صنف ولون من النبات عشبه وزرعه وشجره ما هو حسن يبهج كل من رآه. ﴿ ذلك بأن الله هو الحق ﴾ قال الزجاج :﴿ ذلك ﴾ في محل رفع، أي الأمر ما وصف لكم وبين، ﴿ بأن ﴾ أي لأن الله هو الحق، قال : ويجوز أن يكون ﴿ ذلك ﴾ نصبا، أي : فعل الله ذلك بأنه هو الحق. فنبه سبحانه وتعالى بهذا على أن كل ما سواه وإن كان موجودا حقا فإنه حقيقة له من نفسه، لأنه مسخر مصرف، والحق الحقيقي : هو الموجود المطلق الغني المطلق، وأن وجود كل ذي وجود عن وجوب وجوده.. والحق الموجود الثابت الذي لا يتغير ولا يزول، وهو الله تعالى ؛ وقيل : ذو الحق على عباده ؛ ﴿ وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير. وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ﴾ هكذا تعرض البرهان لأطوار خلق الإنسان ؛ ثم لما يتوقف عليه نماؤه وبقاؤه إلى حين انقضاء أجله ؛ ثم إلى بعثه لينال جزاء ما كان من سعيه وعمله ؛ فلا تشكوا في ذلك ولا تمتروا فيه.
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ { ٨ ) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ { ٩ ) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ { ١٠ ) ﴾.
﴿ بغير علم ﴾ بجهل وحسبان وتقليد وهوى.
﴿ ولا هدى ﴾ ولا بيان ولا برهان.
﴿ ولا كتاب منير ﴾ وبغير كتاب من الله ينير الحجة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفريق من الناس يماري في جلال الله تعالى ووحدانيته وقدرته، وناره وجنته، ويقول هذا الإفك من غير أن تكون له مقدمة ضرورية تشهد لباطله، بل بجهل وحسبان، وتقليد وهوى ؛ وليس عنده من بيان أو برهان، ولا يستطيع النظر الصحيح، ولا الاستدلال على ما يفتريه ؛ وما جاء من ربنا من كتاب ولا وحي ينير الحجة، وذلك هو السلطان والدليل السمعي ؛ [ فكأنه قيل : هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان، ومن الناس مع ذلك من يجادل إلى آخره.. وفي الكشف أن الأظهر في النظم والأوفق للمقام كون هذه الآية في المقلدين ـ بفتح اللام ـ وتلك في المقلدين بكسر اللام ] ؛ ﴿ ثاني عطفه ﴾ لا وليا جنبه، قال الجوهري : عطفا الرجل جانباه، من لدن رأسه إلى وركه ؛ قال ابن زيد : لاويا ورأسه معرضا موليا، لا يريد أن يسمع ما قيل له، وقرأ :﴿ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ) ؛ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا.. ) ؛ { ليضل عن سبيل الله ﴾ يماري بالباطل ليرد الناس عن الهدى إذ تبين لهم، أو ليثبت الهلكى على الغي والكفر والردى.
﴿ له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ﴾ جزاء الممارين في الحق الصادين عن البر والرشد أن يهينهم الله تعالى في العاجل بالهزيمة والقتل والأسر، وشتات الأمر ؛ وفي الآجل يخلدون في حر جهنم ولفحها ؛ ثم يحسرون، فينادي كل أفاك أثيم : ذلك الذي تجرعت من هوان في الأولى وخسران في العقبى بما سعيت في التكفير والإغواء والظلم، وبسبب ما عملت من فساد مجرم ﴿ ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾ ـ وإسناده إلى يديه لما أن الاكتساب عادة يكون بالأيدي.. ومرجع ذلك في الآخرة إلى تقريع الكفرة وتبكيتهم بأنه لا سبب للعذاب إلا من قبلهم، كأنه قيل : إن ذلك العذاب إنما نشأ من ذنوبكم التي اكتسبتموها لا من شيء آخر ـ
﴿ عطفه ﴾ جانبه. ﴿ ليضل ﴾ ليصد. ﴿ سبيل الله ﴾ طريقه ودينه الذي ارتضاه.
﴿ خزي ﴾ مهانة وذل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفريق من الناس يماري في جلال الله تعالى ووحدانيته وقدرته، وناره وجنته، ويقول هذا الإفك من غير أن تكون له مقدمة ضرورية تشهد لباطله، بل بجهل وحسبان، وتقليد وهوى ؛ وليس عنده من بيان أو برهان، ولا يستطيع النظر الصحيح، ولا الاستدلال على ما يفتريه ؛ وما جاء من ربنا من كتاب ولا وحي ينير الحجة، وذلك هو السلطان والدليل السمعي ؛ [ فكأنه قيل : هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان، ومن الناس مع ذلك من يجادل إلى آخره.. وفي الكشف أن الأظهر في النظم والأوفق للمقام كون هذه الآية في المقلدين ـ بفتح اللام ـ وتلك في المقلدين بكسر اللام ] ؛ ﴿ ثاني عطفه ﴾ لا وليا جنبه، قال الجوهري : عطفا الرجل جانباه، من لدن رأسه إلى وركه ؛ قال ابن زيد : لاويا ورأسه معرضا موليا، لا يريد أن يسمع ما قيل له، وقرأ :﴿ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ) ؛ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا.. ) ؛ { ليضل عن سبيل الله ﴾ يماري بالباطل ليرد الناس عن الهدى إذ تبين لهم، أو ليثبت الهلكى على الغي والكفر والردى.
﴿ له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ﴾ جزاء الممارين في الحق الصادين عن البر والرشد أن يهينهم الله تعالى في العاجل بالهزيمة والقتل والأسر، وشتات الأمر ؛ وفي الآجل يخلدون في حر جهنم ولفحها ؛ ثم يحسرون، فينادي كل أفاك أثيم : ذلك الذي تجرعت من هوان في الأولى وخسران في العقبى بما سعيت في التكفير والإغواء والظلم، وبسبب ما عملت من فساد مجرم ﴿ ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾ ـ وإسناده إلى يديه لما أن الاكتساب عادة يكون بالأيدي.. ومرجع ذلك في الآخرة إلى تقريع الكفرة وتبكيتهم بأنه لا سبب للعذاب إلا من قبلهم، كأنه قيل : إن ذلك العذاب إنما نشأ من ذنوبكم التي اكتسبتموها لا من شيء آخر ـ
﴿ قدمت ﴾ اكتسبت في الدنيا وعملت.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:وفريق من الناس يماري في جلال الله تعالى ووحدانيته وقدرته، وناره وجنته، ويقول هذا الإفك من غير أن تكون له مقدمة ضرورية تشهد لباطله، بل بجهل وحسبان، وتقليد وهوى ؛ وليس عنده من بيان أو برهان، ولا يستطيع النظر الصحيح، ولا الاستدلال على ما يفتريه ؛ وما جاء من ربنا من كتاب ولا وحي ينير الحجة، وذلك هو السلطان والدليل السمعي ؛ [ فكأنه قيل : هذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان، ومن الناس مع ذلك من يجادل إلى آخره.. وفي الكشف أن الأظهر في النظم والأوفق للمقام كون هذه الآية في المقلدين ـ بفتح اللام ـ وتلك في المقلدين بكسر اللام ] ؛ ﴿ ثاني عطفه ﴾ لا وليا جنبه، قال الجوهري : عطفا الرجل جانباه، من لدن رأسه إلى وركه ؛ قال ابن زيد : لاويا ورأسه معرضا موليا، لا يريد أن يسمع ما قيل له، وقرأ :﴿ وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ) ؛ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا.. ) ؛ { ليضل عن سبيل الله ﴾ يماري بالباطل ليرد الناس عن الهدى إذ تبين لهم، أو ليثبت الهلكى على الغي والكفر والردى.
﴿ له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ﴾ جزاء الممارين في الحق الصادين عن البر والرشد أن يهينهم الله تعالى في العاجل بالهزيمة والقتل والأسر، وشتات الأمر ؛ وفي الآجل يخلدون في حر جهنم ولفحها ؛ ثم يحسرون، فينادي كل أفاك أثيم : ذلك الذي تجرعت من هوان في الأولى وخسران في العقبى بما سعيت في التكفير والإغواء والظلم، وبسبب ما عملت من فساد مجرم ﴿ ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ﴾ ـ وإسناده إلى يديه لما أن الاكتساب عادة يكون بالأيدي.. ومرجع ذلك في الآخرة إلى تقريع الكفرة وتبكيتهم بأنه لا سبب للعذاب إلا من قبلهم، كأنه قيل : إن ذلك العذاب إنما نشأ من ذنوبكم التي اكتسبتموها لا من شيء آخر ـ
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ { ١١ ) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ { ١٢ ) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ { ١٣ ) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ { ١٤ ) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ { ١٥ ) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ { ١٦ ) ﴾.
﴿ حرف ﴾ طرف.. ﴿ فتنة ﴾ بلاء. ﴿ انقلب على وجهه ﴾ ارتد كافرا.
﴿ خسر ﴾ غبن وهلك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآيات الثلاث : الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة بينت جانبا من شقاق أهل النفاق الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ؛ فهم يتعبدون كائنين على طرف من الدين لا ثبات لهم فيه ـ كالذي يكون في طرف الجيش فإن أحس بظفر وإلا فر.. والمراد من الخير الخير الدنيوي كالرخاء والعافية والولد، إن أصابه ما يشتهي.. ثبت على ما كان عليه ظاهرا، لا أنه اطمأن به اطمئنان المؤمنين.. ﴿ وإن أصابته فتنة ﴾ أي شيء يفتن به من مكروه يعتريه في نفسه أو أهله أو ماله ﴿ انقلب على وجهه ﴾... ارتد ورجع عن دينه إلى الكفر ـ، في الصحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان الرجل يقدم المدينة فإذا ولدت امرأته غلاما، ونتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء ؛ ﴿ خسر الدنيا والآخرة ﴾ وهذا المفتون الراجع إلى الكفر البواح ضل وهلك بترديه في النفاق والردة [ أما خسران الدنيا بعد أن أصابه ما أصاب ففقدان العزة والكرامة، والغنيمة، وأهلية الشهادة، والإمامة والقضاء، وكون عرضه وماله ودمه مصونة ؛ وأما الآخرة فحرمان الثواب وحصول العقاب أبد الآباد، ولا خسران أبين من هذا، نعوذ بالله منه ]
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الآيات الثلاث : الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة بينت جانبا من شقاق أهل النفاق الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ؛ فهم يتعبدون كائنين على طرف من الدين لا ثبات لهم فيه ـ كالذي يكون في طرف الجيش فإن أحس بظفر وإلا فر.. والمراد من الخير الخير الدنيوي كالرخاء والعافية والولد، إن أصابه ما يشتهي.. ثبت على ما كان عليه ظاهرا، لا أنه اطمأن به اطمئنان المؤمنين.. ﴿ وإن أصابته فتنة ﴾ أي شيء يفتن به من مكروه يعتريه في نفسه أو أهله أو ماله ﴿ انقلب على وجهه ﴾... ارتد ورجع عن دينه إلى الكفر ـ، في الصحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان الرجل يقدم المدينة فإذا ولدت امرأته غلاما، ونتجت خيله قال : هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء ؛ ﴿ خسر الدنيا والآخرة ﴾ وهذا المفتون الراجع إلى الكفر البواح ضل وهلك بترديه في النفاق والردة [ أما خسران الدنيا بعد أن أصابه ما أصاب ففقدان العزة والكرامة، والغنيمة، وأهلية الشهادة، والإمامة والقضاء، وكون عرضه وماله ودمه مصونة ؛ وأما الآخرة فحرمان الثواب وحصول العقاب أبد الآباد، ولا خسران أبين من هذا، نعوذ بالله منه ]
﴿ المولى ﴾ الذي يعبدونه من دون الله.
﴿ العشير ﴾ الخليط المعاشر والصاحب.
﴿ يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد. يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير ﴾
هذا الذي هجر الصراط المستقيم، وعاد إلى ضلاله القديم، وإنما يعبد متجاوزا ربه، ويؤله معبودات لا تسمع، وإذا سمعت فهي لا تملك أن تضر أو تنفع، وذلك الضياع المبعد في الخسران والهلكة ؛ بل دعاؤه إياها يورده النكال والخبال، ويفوت عليه ثواب الدنيا وحسن المآل، فما أقبح هذه المولاة، وما أتعسه بمصاحبة ما اتخذ من دون الله.
مما يقول الطبري : لا تضره إن لم يعبدها ولا تنفعه في الآخرة إن عبدها.. ارتداده ذلك داعيا من دون الله هذه الآلهة هو الأخذ على غير استقامة، والذهاب عن دين الله ذهابا بعيدا ؛ وحكى عن محمد بن يزيد قال : في الكلام حذف ؛ والمعنى : يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه إلها ؛ ونقل القشيري عن الزجاج :﴿ يدعوا ﴾ بمعنى : يقول، و﴿ من ﴾ مبتدأ، ﴿ ضره ﴾ مبتدأ ثان، و﴿ أقرب ﴾ خبره، والجملة صلة ﴿ من ﴾ ؛ وخبر ﴿ من ﴾ ؛ محذوف، والتقدير : يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه.
﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾
بعد بيان حال الجاحدين وحال الشياطين، وحال المذبذبين، وما إليه يصيرون، بين ما أعد الشكور الغفور للمؤمنين يوم يبعثون، فمنازلهم مساكن طيبة، في بساتين نضرة، تجري من تحت أشجارها الأنهار ؛ ﴿ إن الله يفعل ما يريد ﴾ ؛ يثيب من يشاء ويعذب من يشاء ؛ فللمؤمنين الجنة بحكم وعده الصدق، وبفضله ؛ وللكافرين النار بما سبق من عدله، لا أن فعل الرب معلل بفعل العبيد
﴿ من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع ﴾
﴿ بسبب ﴾ بحبل
قال أبو جعفر النحاس : من أحسن ما قيل فيها : أن المعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه، فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء، ثم ليقطع النصر إن تهيأ له، ﴿ فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ﴾ هل كيده وحيلته تلك تذهب ما يغيظه من نصر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ !.
﴿ وكذلك أنزلناه ﴾ أنزلنا ملائكة الوحي بهذا الذكر الحكيم ﴿ آيات بينات ﴾ توضح آياته سبل الهداية، وتقيم الحجة على الجاحدين والمشركين وأهل الغواية ؛ ﴿ وأن الله يهدي من يريد ﴾ وكذلك أن المولى سبحانه هو الهادي لا هادي سواه ؛ نقل عن بعضهم : يهدي به الذين يعلم منهم الإيمان، أو يثبت الذين آمنوا ويزيدهم هدى، وإلى هذين الوجهين أشار الحسن بقوله : إن الله يهدي من قبل لا من لم يقبل اه ؛ واختار الطبري نحو هذا فقال : إن الله يوفق للصواب ولسبيل الحق من أراد أنزل هذا القرآن آيات بينات، ف﴿ أن ﴾ في موضع نصب. اه
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ { ١٧ ) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ { ١٨ ) ﴾.
﴿ الذين هادوا ﴾ اليهود المنتسبون إلى ملة موسى عليه السلام. ﴿ الصابئين ﴾ القوم الذين يعبدون النجوم، والذين يعبدون الملائكة.
﴿ النصارى ﴾ المنتسبون إلى ملة عيسى عليه السلام.
﴿ المجوس ﴾ عبدة النار والثانوية الذين يدعون للعالم أصلين : نور وظلمة.
﴿ الذين أشركوا ﴾ الذين ادعوا أن لله تعالى شركاء، وعبدوا من دونه الأصنام ونحوها.
﴿ يفصل ﴾ يقضي ويحكم، أو يصير هؤلاء إلى مستقر غير مستقر أولئك.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:- إن الفضل بين هؤلاء المنافقين الذين يعبدون الله على حرف، والذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام، والذين هادوا وهم اليهود، والصابئين والنصارى، والمجوس الذين عظموا النار وخدموها، وبين الذين آمنوا بالله ورسله إلى الله، وسيفصل بينهم يوم القيامة بعدل من القضاء، وفصله بينهم : إدخاله النار الأحزاب كلهم، والجنة المؤمنين به وبرسله.. إن الله على كل شيء من أعمال هؤلاء الأصناف الذين ذكرهم الله جل ثناؤه وغير ذلك من الأشياء كلها شهيد لا يخفى عنه شيء من ذلك ـnote text-primary mx-٢" href="#foonote-١">١ ؛ قال قتادة : الصابئون : قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويقرءون الزبور، والمجوس : يعبدون الشمس والقمر والنيران، والذين أشركوا يعبدون الأوثان ؛ والأديان ستة : خمسة للشيطان، وواحد للرحمن ؛ -ayah text-primary">﴿ ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ﴾ في مفردات الراغب : السجود في الأصل : التطامن والتذلل، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله تعالى وعبادته، وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد، وذلك ضربان : سجود بتسخير يكون للإنسان وغيره من الحيوانات والنباتات، وسجود باختيار يكون للإنسان وبه يستحق الثواب، وخص في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة وما جرى مجراه من سجود التلاوة وسجود الشكر. اهـ ؛ ألم تعلم ـ إذ الرؤية ها هنا بصيرية علمية، وليست بصرية ـ والخطاب لكل من هو أهل لأن يخاطب ؛ ألم تعلم أن الله يخضع لسلطانه وتدبيره كل من في السماوات وكل من في الأرض ؛ و-ayah text-primary">﴿ من ﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وإنما أفرد الشمس والقمر والنجوم والحجر والشجر والبهائم مع أنها مندرجة فيما تقدم :-ayah text-primary">﴿ من في السماوات ومن في الأرض ﴾ لشهرتها، أو لأنها عبدت من دون الله تعالى ؛ ورفع -ayah text-primary">﴿ كثير من الناس ﴾ بفعل مضمر يدل عليه المذكور، أي : ويسجد له كثير من الناس سجود الطاعة المعروف ؛ -ayah text-primary">﴿ وكثير حق عليه العذاب ﴾ وكثير آخرون تأبوا عن السجود لله وعبادته فتقرر لهم استحقاق العذاب ؛ ومن يستكبر يذله الله فلا يجد من يسعده إذ قد أشقاه وأتعسه وأخزاه استكباره عن الخضوع لمولاه ؛ إن الله يفعل في خلقه ما يشاء من إهانة من أراد إهانته وإكرام من أراد إكرامه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:- إن الفضل بين هؤلاء المنافقين الذين يعبدون الله على حرف، والذين أشركوا بالله فعبدوا الأوثان والأصنام، والذين هادوا وهم اليهود، والصابئين والنصارى، والمجوس الذين عظموا النار وخدموها، وبين الذين آمنوا بالله ورسله إلى الله، وسيفصل بينهم يوم القيامة بعدل من القضاء، وفصله بينهم : إدخاله النار الأحزاب كلهم، والجنة المؤمنين به وبرسله.. إن الله على كل شيء من أعمال هؤلاء الأصناف الذين ذكرهم الله جل ثناؤه وغير ذلك من الأشياء كلها شهيد لا يخفى عنه شيء من ذلك ـnote text-primary mx-٢" href="#foonote-١">١ ؛ قال قتادة : الصابئون : قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويقرءون الزبور، والمجوس : يعبدون الشمس والقمر والنيران، والذين أشركوا يعبدون الأوثان ؛ والأديان ستة : خمسة للشيطان، وواحد للرحمن ؛ -ayah text-primary">﴿ ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ﴾ في مفردات الراغب : السجود في الأصل : التطامن والتذلل، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله تعالى وعبادته، وهو عام في الإنسان والحيوان والجماد، وذلك ضربان : سجود بتسخير يكون للإنسان وغيره من الحيوانات والنباتات، وسجود باختيار يكون للإنسان وبه يستحق الثواب، وخص في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة وما جرى مجراه من سجود التلاوة وسجود الشكر. اهـ ؛ ألم تعلم ـ إذ الرؤية ها هنا بصيرية علمية، وليست بصرية ـ والخطاب لكل من هو أهل لأن يخاطب ؛ ألم تعلم أن الله يخضع لسلطانه وتدبيره كل من في السماوات وكل من في الأرض ؛ و-ayah text-primary">﴿ من ﴾ تعم العقلاء وغيرهم، وإنما أفرد الشمس والقمر والنجوم والحجر والشجر والبهائم مع أنها مندرجة فيما تقدم :-ayah text-primary">﴿ من في السماوات ومن في الأرض ﴾ لشهرتها، أو لأنها عبدت من دون الله تعالى ؛ ورفع -ayah text-primary">﴿ كثير من الناس ﴾ بفعل مضمر يدل عليه المذكور، أي : ويسجد له كثير من الناس سجود الطاعة المعروف ؛ -ayah text-primary">﴿ وكثير حق عليه العذاب ﴾ وكثير آخرون تأبوا عن السجود لله وعبادته فتقرر لهم استحقاق العذاب ؛ ومن يستكبر يذله الله فلا يجد من يسعده إذ قد أشقاه وأتعسه وأخزاه استكباره عن الخضوع لمولاه ؛ إن الله يفعل في خلقه ما يشاء من إهانة من أراد إهانته وإكرام من أراد إكرامه.
﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ { ١٩ ) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ { ٢٠ ) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ { ٢١ ) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ { ٢٢ ) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ { ٢٣ ) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ { ٢٤ ) ﴾.
﴿ اختصموا في ربهم ﴾ خاصم بعضهم بعضا في دين الله تعالى.
﴿ الحميم ﴾ الماء الحار.
في صحيح مسلم أن أبا ذر كان يقسم قسما : إن ﴿ هذان خصمان اختصموا في ربهم ﴾ إنها نزلت في الذين برزوا يوم بدر : حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد ابن عتبة ؛ وفي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إني لأول من يجثوا للخصومة بين يدي الله يوم القيامة ؛ يريد قصته في مبارزته هو وصاحباه ؛ وقال عكرمة : المراد بالخصمين الجنة والنار ؛ اختصمتا فقالت النار : خلقني لعقوبته ؛ وقالت الجنة : خلقني لرحمته ؛ أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتجت الجنة والنار فقالت هذه يدخلني الجبارون والمتكبرون وقالت هذه يدخلني الضعفاء والمساكين فقال الله تعالى لهذه أنت عذابي أعذب بك من أشاء وقال لهذه أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ولكل واحدة منكما ملؤها " ﴿ فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ﴾، والفعل جاء بصيغة الماضي لأنه كالواقع المحقق، فكأن المعنى : تقطع لهم ثياب من نار المعنى أن النار قد أحاطت بهم كإحاطة الثياب المقطوعة إذا لبسوها عليهم ؛ فصارت من هذا الوجه ثيابا لأنها بالإحاطة كالثياب ؛ مثل :﴿ وجعلنا الليل لباسا ) ؛ { يصب من فوق رءوسهم الحميم ﴾ أي الماء الحار المغلى بنار جهنم.
﴿ يصهر به ما في بطونهم والجلود ﴾
﴿ يصهر ﴾ يذاب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:يذاب بالحميم أجوافهم، وتشوى جلودهم ؛ ﴿ ولهم مقامع من حديد ﴾ مطارق يضربون بها ويدفعون ؛ ﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ﴾ ؛ نقل عن الفضيل بن عياض : والله ما طمعوا في الخروج، إن الأرجل لمقيدة وإن الأيدي لموثقة، ولكن يدفعهم لهبها وتردهم مقامعها ؛ فمن خلص منهم إلى شفيرها أعادتهم الملائكة فيها بالمقامع، ﴿ وذوقوا عذاب الحريق ﴾ ويقولون لهم : ذوقوا العذاب المحرق، أي : أدركوه والزموه ؛ وفي ذلك من التحسير ما فيه ؛ نسأل الله الوقاية من سخطه وعذابه ؛ ﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ لما ذكر مصير أحد الخصمين وهو الجاحد المارد الكافر، ذكر حال الخصم الثاني وهو المؤمن الصالح الشاكر ؛ ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾ وحلية المؤمنين في الجنة تكون من ﴿ أساور ﴾ والأساور جمع أسورة، وأسورة واحدة سوار ؛ قال المفسرون : لما كانت تلبس في الدنيا الأساور والتيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة ؛ ويحلون لؤلؤا ؛ ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ ثياب السعداء المؤمنين في الجنة حرير ؛ مما نقل الألوسي : لم يقل ويلبسون فيها حريرا للإيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غني عن البيان، إذ لا يمكن عراؤهم عنه، وإنما المحتاج إلى البيان أن لباسهم ماذا ؟ بخلاف التحلية فإنها ليست من لوازمهم الضرورية، فلذا جعل بيانها مقصودا بالذات، ولعل هذا هو السر في تقديم بيان التحلية على بيان حال اللباس اهـ ؛ ﴿ وهدوا إلى الطيب من القول ﴾ والفائزون المنعمون هداهم ربهم إلى الكلم الطيب، والقول الكريم النافع، ففي الدنيا يتلون كتاب الله تعالى، ويذكرون ربهم ويهللون ويسبحون، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الرشد ؛ وفي الآخرة يثنون على البر الرحيم سبحانه، ويقولون ﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده.. ) {.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. ) ؛ { وهدوا إلى صراط الحميد ﴾ وهدوا في أولاهم إلى طريق الله المستقيم، ودينه المرتضى ؛ وفي الآخرة هدوا إلى الطريق المحمودة الموصلة إلى الجنة، وهدوا إلى ما يحب الله تعالى من أخوة في الجنة [ ولا يبعد أن يقال : إن الهداية في الجملتين في الآخرة بعد دخول الجنة وإن الإضافة هنا بيانية وإن المراد بالقول الطيب : القول الذي تستلذه النفوس الواقع في محاورة أهل الجنة بعضهم لبعض ؛ والصراط الحميد : ما يسلكه أهل الجنة في معاملة بعضهم بعضا من الأفعال، التي يحمدون عليها، أو بما هو أعم من ذلك، فحاصل الجملة الأولى وصف أهل الجنة بحسن الأقوال، وحاصل الثانية وصفهم بحسن الأفعال، أو بما هو أعم منها ومن الأقوال ؛ وكأنه تعالى بعد أن ذكر حسن مسكنهم وحليهم ولباسهم ذيل ذلك بحسن معاملة بعضهم بعضا في الأقوال والأفعال إيماء إلى أن ما هم فيه لا يخرجهم إلى خشونة المقال ورداءة الأفعال المشينتين لحسن ما هم فيه والمنغصتين للذة الاجتماع ؛ ووجه التقديم والتأخير على هذا غير خفي على الفطن ؛ والذي أختاره أن القول الطيب قولهم بعد دخول الجنة :{.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) لقوله تعالى في سورة فاطر بعد قوله سبحانه :{.. يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير. وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. ) ؛.. والقرآن يفسر بعضه بعضا ؛ وأن المراد بالصراط الحميد ما يعم الأقوال والأفعال الجارية بين أهل الجنة مما يحمد سلوكه في المعاشرة والاجتماع في هاتيك البقاع.. ]
﴿ مقامع ﴾ مطارق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:يذاب بالحميم أجوافهم، وتشوى جلودهم ؛ ﴿ ولهم مقامع من حديد ﴾ مطارق يضربون بها ويدفعون ؛ ﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ﴾ ؛ نقل عن الفضيل بن عياض : والله ما طمعوا في الخروج، إن الأرجل لمقيدة وإن الأيدي لموثقة، ولكن يدفعهم لهبها وتردهم مقامعها ؛ فمن خلص منهم إلى شفيرها أعادتهم الملائكة فيها بالمقامع، ﴿ وذوقوا عذاب الحريق ﴾ ويقولون لهم : ذوقوا العذاب المحرق، أي : أدركوه والزموه ؛ وفي ذلك من التحسير ما فيه ؛ نسأل الله الوقاية من سخطه وعذابه ؛ ﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ لما ذكر مصير أحد الخصمين وهو الجاحد المارد الكافر، ذكر حال الخصم الثاني وهو المؤمن الصالح الشاكر ؛ ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾ وحلية المؤمنين في الجنة تكون من ﴿ أساور ﴾ والأساور جمع أسورة، وأسورة واحدة سوار ؛ قال المفسرون : لما كانت تلبس في الدنيا الأساور والتيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة ؛ ويحلون لؤلؤا ؛ ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ ثياب السعداء المؤمنين في الجنة حرير ؛ مما نقل الألوسي : لم يقل ويلبسون فيها حريرا للإيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غني عن البيان، إذ لا يمكن عراؤهم عنه، وإنما المحتاج إلى البيان أن لباسهم ماذا ؟ بخلاف التحلية فإنها ليست من لوازمهم الضرورية، فلذا جعل بيانها مقصودا بالذات، ولعل هذا هو السر في تقديم بيان التحلية على بيان حال اللباس اهـ ؛ ﴿ وهدوا إلى الطيب من القول ﴾ والفائزون المنعمون هداهم ربهم إلى الكلم الطيب، والقول الكريم النافع، ففي الدنيا يتلون كتاب الله تعالى، ويذكرون ربهم ويهللون ويسبحون، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الرشد ؛ وفي الآخرة يثنون على البر الرحيم سبحانه، ويقولون ﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده.. ) {.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. ) ؛ { وهدوا إلى صراط الحميد ﴾ وهدوا في أولاهم إلى طريق الله المستقيم، ودينه المرتضى ؛ وفي الآخرة هدوا إلى الطريق المحمودة الموصلة إلى الجنة، وهدوا إلى ما يحب الله تعالى من أخوة في الجنة [ ولا يبعد أن يقال : إن الهداية في الجملتين في الآخرة بعد دخول الجنة وإن الإضافة هنا بيانية وإن المراد بالقول الطيب : القول الذي تستلذه النفوس الواقع في محاورة أهل الجنة بعضهم لبعض ؛ والصراط الحميد : ما يسلكه أهل الجنة في معاملة بعضهم بعضا من الأفعال، التي يحمدون عليها، أو بما هو أعم من ذلك، فحاصل الجملة الأولى وصف أهل الجنة بحسن الأقوال، وحاصل الثانية وصفهم بحسن الأفعال، أو بما هو أعم منها ومن الأقوال ؛ وكأنه تعالى بعد أن ذكر حسن مسكنهم وحليهم ولباسهم ذيل ذلك بحسن معاملة بعضهم بعضا في الأقوال والأفعال إيماء إلى أن ما هم فيه لا يخرجهم إلى خشونة المقال ورداءة الأفعال المشينتين لحسن ما هم فيه والمنغصتين للذة الاجتماع ؛ ووجه التقديم والتأخير على هذا غير خفي على الفطن ؛ والذي أختاره أن القول الطيب قولهم بعد دخول الجنة :{.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) لقوله تعالى في سورة فاطر بعد قوله سبحانه :{.. يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير. وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. ) ؛.. والقرآن يفسر بعضه بعضا ؛ وأن المراد بالصراط الحميد ما يعم الأقوال والأفعال الجارية بين أهل الجنة مما يحمد سلوكه في المعاشرة والاجتماع في هاتيك البقاع.. ]
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:يذاب بالحميم أجوافهم، وتشوى جلودهم ؛ ﴿ ولهم مقامع من حديد ﴾ مطارق يضربون بها ويدفعون ؛ ﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ﴾ ؛ نقل عن الفضيل بن عياض : والله ما طمعوا في الخروج، إن الأرجل لمقيدة وإن الأيدي لموثقة، ولكن يدفعهم لهبها وتردهم مقامعها ؛ فمن خلص منهم إلى شفيرها أعادتهم الملائكة فيها بالمقامع، ﴿ وذوقوا عذاب الحريق ﴾ ويقولون لهم : ذوقوا العذاب المحرق، أي : أدركوه والزموه ؛ وفي ذلك من التحسير ما فيه ؛ نسأل الله الوقاية من سخطه وعذابه ؛ ﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ لما ذكر مصير أحد الخصمين وهو الجاحد المارد الكافر، ذكر حال الخصم الثاني وهو المؤمن الصالح الشاكر ؛ ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾ وحلية المؤمنين في الجنة تكون من ﴿ أساور ﴾ والأساور جمع أسورة، وأسورة واحدة سوار ؛ قال المفسرون : لما كانت تلبس في الدنيا الأساور والتيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة ؛ ويحلون لؤلؤا ؛ ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ ثياب السعداء المؤمنين في الجنة حرير ؛ مما نقل الألوسي : لم يقل ويلبسون فيها حريرا للإيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غني عن البيان، إذ لا يمكن عراؤهم عنه، وإنما المحتاج إلى البيان أن لباسهم ماذا ؟ بخلاف التحلية فإنها ليست من لوازمهم الضرورية، فلذا جعل بيانها مقصودا بالذات، ولعل هذا هو السر في تقديم بيان التحلية على بيان حال اللباس اهـ ؛ ﴿ وهدوا إلى الطيب من القول ﴾ والفائزون المنعمون هداهم ربهم إلى الكلم الطيب، والقول الكريم النافع، ففي الدنيا يتلون كتاب الله تعالى، ويذكرون ربهم ويهللون ويسبحون، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الرشد ؛ وفي الآخرة يثنون على البر الرحيم سبحانه، ويقولون ﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده.. ) {.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. ) ؛ { وهدوا إلى صراط الحميد ﴾ وهدوا في أولاهم إلى طريق الله المستقيم، ودينه المرتضى ؛ وفي الآخرة هدوا إلى الطريق المحمودة الموصلة إلى الجنة، وهدوا إلى ما يحب الله تعالى من أخوة في الجنة [ ولا يبعد أن يقال : إن الهداية في الجملتين في الآخرة بعد دخول الجنة وإن الإضافة هنا بيانية وإن المراد بالقول الطيب : القول الذي تستلذه النفوس الواقع في محاورة أهل الجنة بعضهم لبعض ؛ والصراط الحميد : ما يسلكه أهل الجنة في معاملة بعضهم بعضا من الأفعال، التي يحمدون عليها، أو بما هو أعم من ذلك، فحاصل الجملة الأولى وصف أهل الجنة بحسن الأقوال، وحاصل الثانية وصفهم بحسن الأفعال، أو بما هو أعم منها ومن الأقوال ؛ وكأنه تعالى بعد أن ذكر حسن مسكنهم وحليهم ولباسهم ذيل ذلك بحسن معاملة بعضهم بعضا في الأقوال والأفعال إيماء إلى أن ما هم فيه لا يخرجهم إلى خشونة المقال ورداءة الأفعال المشينتين لحسن ما هم فيه والمنغصتين للذة الاجتماع ؛ ووجه التقديم والتأخير على هذا غير خفي على الفطن ؛ والذي أختاره أن القول الطيب قولهم بعد دخول الجنة :{.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) لقوله تعالى في سورة فاطر بعد قوله سبحانه :{.. يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير. وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. ) ؛.. والقرآن يفسر بعضه بعضا ؛ وأن المراد بالصراط الحميد ما يعم الأقوال والأفعال الجارية بين أهل الجنة مما يحمد سلوكه في المعاشرة والاجتماع في هاتيك البقاع.. ]
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:يذاب بالحميم أجوافهم، وتشوى جلودهم ؛ ﴿ ولهم مقامع من حديد ﴾ مطارق يضربون بها ويدفعون ؛ ﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ﴾ ؛ نقل عن الفضيل بن عياض : والله ما طمعوا في الخروج، إن الأرجل لمقيدة وإن الأيدي لموثقة، ولكن يدفعهم لهبها وتردهم مقامعها ؛ فمن خلص منهم إلى شفيرها أعادتهم الملائكة فيها بالمقامع، ﴿ وذوقوا عذاب الحريق ﴾ ويقولون لهم : ذوقوا العذاب المحرق، أي : أدركوه والزموه ؛ وفي ذلك من التحسير ما فيه ؛ نسأل الله الوقاية من سخطه وعذابه ؛ ﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ لما ذكر مصير أحد الخصمين وهو الجاحد المارد الكافر، ذكر حال الخصم الثاني وهو المؤمن الصالح الشاكر ؛ ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾ وحلية المؤمنين في الجنة تكون من ﴿ أساور ﴾ والأساور جمع أسورة، وأسورة واحدة سوار ؛ قال المفسرون : لما كانت تلبس في الدنيا الأساور والتيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة ؛ ويحلون لؤلؤا ؛ ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ ثياب السعداء المؤمنين في الجنة حرير ؛ مما نقل الألوسي : لم يقل ويلبسون فيها حريرا للإيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غني عن البيان، إذ لا يمكن عراؤهم عنه، وإنما المحتاج إلى البيان أن لباسهم ماذا ؟ بخلاف التحلية فإنها ليست من لوازمهم الضرورية، فلذا جعل بيانها مقصودا بالذات، ولعل هذا هو السر في تقديم بيان التحلية على بيان حال اللباس اهـ ؛ ﴿ وهدوا إلى الطيب من القول ﴾ والفائزون المنعمون هداهم ربهم إلى الكلم الطيب، والقول الكريم النافع، ففي الدنيا يتلون كتاب الله تعالى، ويذكرون ربهم ويهللون ويسبحون، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الرشد ؛ وفي الآخرة يثنون على البر الرحيم سبحانه، ويقولون ﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده.. ) {.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. ) ؛ { وهدوا إلى صراط الحميد ﴾ وهدوا في أولاهم إلى طريق الله المستقيم، ودينه المرتضى ؛ وفي الآخرة هدوا إلى الطريق المحمودة الموصلة إلى الجنة، وهدوا إلى ما يحب الله تعالى من أخوة في الجنة [ ولا يبعد أن يقال : إن الهداية في الجملتين في الآخرة بعد دخول الجنة وإن الإضافة هنا بيانية وإن المراد بالقول الطيب : القول الذي تستلذه النفوس الواقع في محاورة أهل الجنة بعضهم لبعض ؛ والصراط الحميد : ما يسلكه أهل الجنة في معاملة بعضهم بعضا من الأفعال، التي يحمدون عليها، أو بما هو أعم من ذلك، فحاصل الجملة الأولى وصف أهل الجنة بحسن الأقوال، وحاصل الثانية وصفهم بحسن الأفعال، أو بما هو أعم منها ومن الأقوال ؛ وكأنه تعالى بعد أن ذكر حسن مسكنهم وحليهم ولباسهم ذيل ذلك بحسن معاملة بعضهم بعضا في الأقوال والأفعال إيماء إلى أن ما هم فيه لا يخرجهم إلى خشونة المقال ورداءة الأفعال المشينتين لحسن ما هم فيه والمنغصتين للذة الاجتماع ؛ ووجه التقديم والتأخير على هذا غير خفي على الفطن ؛ والذي أختاره أن القول الطيب قولهم بعد دخول الجنة :{.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) لقوله تعالى في سورة فاطر بعد قوله سبحانه :{.. يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير. وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. ) ؛.. والقرآن يفسر بعضه بعضا ؛ وأن المراد بالصراط الحميد ما يعم الأقوال والأفعال الجارية بين أهل الجنة مما يحمد سلوكه في المعاشرة والاجتماع في هاتيك البقاع.. ]
﴿ صراط ﴾ طريق.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:يذاب بالحميم أجوافهم، وتشوى جلودهم ؛ ﴿ ولهم مقامع من حديد ﴾ مطارق يضربون بها ويدفعون ؛ ﴿ كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ﴾ ؛ نقل عن الفضيل بن عياض : والله ما طمعوا في الخروج، إن الأرجل لمقيدة وإن الأيدي لموثقة، ولكن يدفعهم لهبها وتردهم مقامعها ؛ فمن خلص منهم إلى شفيرها أعادتهم الملائكة فيها بالمقامع، ﴿ وذوقوا عذاب الحريق ﴾ ويقولون لهم : ذوقوا العذاب المحرق، أي : أدركوه والزموه ؛ وفي ذلك من التحسير ما فيه ؛ نسأل الله الوقاية من سخطه وعذابه ؛ ﴿ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ لما ذكر مصير أحد الخصمين وهو الجاحد المارد الكافر، ذكر حال الخصم الثاني وهو المؤمن الصالح الشاكر ؛ ﴿ يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ﴾ وحلية المؤمنين في الجنة تكون من ﴿ أساور ﴾ والأساور جمع أسورة، وأسورة واحدة سوار ؛ قال المفسرون : لما كانت تلبس في الدنيا الأساور والتيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة ؛ ويحلون لؤلؤا ؛ ﴿ ولباسهم فيها حرير ﴾ ثياب السعداء المؤمنين في الجنة حرير ؛ مما نقل الألوسي : لم يقل ويلبسون فيها حريرا للإيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غني عن البيان، إذ لا يمكن عراؤهم عنه، وإنما المحتاج إلى البيان أن لباسهم ماذا ؟ بخلاف التحلية فإنها ليست من لوازمهم الضرورية، فلذا جعل بيانها مقصودا بالذات، ولعل هذا هو السر في تقديم بيان التحلية على بيان حال اللباس اهـ ؛ ﴿ وهدوا إلى الطيب من القول ﴾ والفائزون المنعمون هداهم ربهم إلى الكلم الطيب، والقول الكريم النافع، ففي الدنيا يتلون كتاب الله تعالى، ويذكرون ربهم ويهللون ويسبحون، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الرشد ؛ وفي الآخرة يثنون على البر الرحيم سبحانه، ويقولون ﴿ الحمد لله الذي صدقنا وعده.. ) {.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. ) ؛ { وهدوا إلى صراط الحميد ﴾ وهدوا في أولاهم إلى طريق الله المستقيم، ودينه المرتضى ؛ وفي الآخرة هدوا إلى الطريق المحمودة الموصلة إلى الجنة، وهدوا إلى ما يحب الله تعالى من أخوة في الجنة [ ولا يبعد أن يقال : إن الهداية في الجملتين في الآخرة بعد دخول الجنة وإن الإضافة هنا بيانية وإن المراد بالقول الطيب : القول الذي تستلذه النفوس الواقع في محاورة أهل الجنة بعضهم لبعض ؛ والصراط الحميد : ما يسلكه أهل الجنة في معاملة بعضهم بعضا من الأفعال، التي يحمدون عليها، أو بما هو أعم من ذلك، فحاصل الجملة الأولى وصف أهل الجنة بحسن الأقوال، وحاصل الثانية وصفهم بحسن الأفعال، أو بما هو أعم منها ومن الأقوال ؛ وكأنه تعالى بعد أن ذكر حسن مسكنهم وحليهم ولباسهم ذيل ذلك بحسن معاملة بعضهم بعضا في الأقوال والأفعال إيماء إلى أن ما هم فيه لا يخرجهم إلى خشونة المقال ورداءة الأفعال المشينتين لحسن ما هم فيه والمنغصتين للذة الاجتماع ؛ ووجه التقديم والتأخير على هذا غير خفي على الفطن ؛ والذي أختاره أن القول الطيب قولهم بعد دخول الجنة :{.. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور. الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) لقوله تعالى في سورة فاطر بعد قوله سبحانه :{.. يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير. وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.. ) ؛.. والقرآن يفسر بعضه بعضا ؛ وأن المراد بالصراط الحميد ما يعم الأقوال والأفعال الجارية بين أهل الجنة مما يحمد سلوكه في المعاشرة والاجتماع في هاتيك البقاع.. ]
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ { ٢٥ ) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ { ٢٦ ) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ { ٢٧ ) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ { ٢٨ ) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ { ٢٩ ) ﴾
﴿ ويصدون ﴾ ويمنعون. ﴿ العاكف فيه والباد ﴾ المقيم حوله، والقادم إليه.
﴿ بإلحاد بظلم ﴾ بميل إلى البغي، وعزم على الجور.
توعد الله تعالى الكافرين الصادين عن دين الله، المانعين الناس بيت الله أن يدخلوه، بأن يذيقهم عذابا موجعا، وقد أراد الله تعالى أن لا يمنع عن هذا البيت من أراده من المقيمين حوله أو القادمين إليه من الآفاق، ومن يمل في الحرم عن الحق إلى الباطل فإن الله تعالى معذب هذا الملحد المائل ؛ عن ابن مسعود وعكرمة وغيرهما : من أراد سيئة في مكة ولم يعملها يحاسب ؛ وقال الخفاجي : الوعيد على الإرادة المقارنة للفعل لا مجرد الإرادة، لكن في التعبير بها إشارة إلى مضاعفة السيئات هناك، والإرادة المصممة مما يؤاخذ عليها أيضا، وإن قيل إنها ليست كبيرة.
﴿ وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ﴾
﴿ بوأنا ﴾ أرشدنا وسلمنا وأرينا. ﴿ البيت ﴾ الكعبة. ﴿ الطائفين ﴾ المتعبدين بالدوران حول الكعبة ﴿ والقائمين والركع السجود ﴾ المصلين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:واذكر وقت جعلنا مكان البيت مباءة لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، أرشدناه إليه وأريناه إياه، وأمرناه أن يجعله من أول يوم خالصا لوجه الله يتعبد حول الكعبة للواحد الفرد الصمد دون سواه ؛ ﴿ وطهر بيتي للطائفين ﴾ ؛ ونظف البيت من الأقذار والأوثان، حتى لا يدور حول الكعبة طائف إلا وقد تطهر من القذى والأصنام، وطاف في اللغة تعني فيما تعني : المشي مستديرا حول الشيء، وفي الشرع : الطواف : هو الدوران حول الكعبة جاعلا إياها عن يساره بكيفية وشروط مخصوصة منها الطهارة وستر العورة إلى غير ذلك ؛ ﴿ والقائمين والركع السجود ﴾ ونزه البيت الحرام أن يصلى فيه لصنم ؛ ـ والقائمون : هم المصلون، وذكر الله تعالى من أركان الصلاة أعظمها، وهو القيام والركوع والسجود ـ. ﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ﴾ الأذان : الإعلام ؛ والأمر لإبراهيم عليه السلام ؛ ﴿ يأتوك ﴾ يجيئوا إلى الكعبة التي بنيت ﴿ رجالا ﴾ جمع راجل وهو الماشي على رجليه، أي راجلين ؛ ﴿ وعلى كل ضامر ﴾ أو راكبين على كل بعير مهزول أضناه السفر ؛ ﴿ يأتين ﴾ هذه الإبل المهازيل والأبعرة الضوامر يجئن ويقبلن من كل ناحية بعيدة ومن كل طريق طويلة ؛ ﴿ ليشهدوا منافع لهم ﴾ دعوتنا إياهم لحج البيت لكي يحضروا منافع تجر لهم الخير الكثير، ونقل عن مجاهد وعطاء : ما يرضي الله تعالى من أمر الدنيا والآخرة ؛ واختار ابن العربي هذا التفسير فإنه يجمع النسك والتجارة والمغفرة، ومنفعة الدنيا والآخرة ؛﴿ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ﴾ ـ والمراد بذكر الله : ذكر التسمية عند الذبح والنحر ؛ مثل قولك : باسم الله والله أكبر، اللهم منك ولك، ومثل قولك عند الذبح :{ إن صلاتي ونسكي.. ) الآية ؛ وكان الكفار يذبحون على أسماء أصنامهم، فبين الرب أن الواجب الذبح على اسم الله،... واختلف العلماء في وقت الذبح يوم النحر ؛ فقال مالك رضي الله عنه : بعد صلاة الإمام وذبحه.. وراعى أبو حنيفة الفراغ من الصلاة دون ذبح ؛ والشافعي دخول وقت الصلاة ومقدار ما توقع فيه مع الخطبتين فاعتبر الوقت دون الصلاة... وقال أحمد : إذا انصرف الإمام فاذبح... وأصح هذه الأقوال قول مالك ؛ لحديث جابر بن عبد الله قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة ؛ فتقدم رجال ونحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أخرجه مسلم... واختلفوا كم أيام النحر ؟ فقال مالك : ثلاثة : يوم النحر ويومان بعده ؛... وقال الشافعي : أربعة، يوم النحر وثلاثة بعده... وعن الحسن البصري.. ثلاث روايات إحداها كما قال مالك، والثانية كما قال الشافعي، والثالثة إلى آخر يوم من ذي الحجة ؛ فإذا أهل هلال المحرم فلا أضحى ـ.
﴿ فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ﴾ ندبنا الله تعالى إلى أن نأكل من لحوم هدينا وأضاحينا وأن نطعم منها المحتاج ؛ وجائز أن يكون ﴿ الفقير ﴾ من صفة البائس، أي : الذي ناله البؤس وشدة الفقر، وقد يقال بائس لمن نزلت به نازلة وإن لم يكن فقيرا.
﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾ أي ليقضوا بعد نحر الضحايا والهدايا ما بقي عليهم من أمر الحج ؛ كالحلق ورمي الجمار وإزالة شعت ونحوه.. وهذا عند الخروج من الإحرام ﴿ وليوفوا نذورهم ﴾ هذا أمر بوفاء النذر مطلقا إلا ما كان معصية ؛ ﴿ وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾ وهذا الطواف الذي بعد النحر ركن من أركان الحج وهو المسمى : طواف الإفاضة لأنه يكون بعد الإفاضة من عرفات، ومما قال إسماعيل ابن اسحق : فهذا هو الطواف المفترض في كتاب الله عز وجل، وهو الذي يحل به الحاج من إحرامه كله. اهـ ؛ وجائز أن يكون :﴿ وليطوفوا ﴾ فيه إشارة إلى ما يحب مولانا سبحانه من حشد الناس لتلك العبادة فإن [ طواف الناس ] في اللغة تعني : ملؤوا الأرض كالطوفان ؛ ﴿ بالبيت العتيق ﴾ بهذه الكعبة التي هي أول بيت وضع للناس.
﴿ رجالا ﴾ ماشين على أرجلهم. ﴿ ضامر ﴾ بعير مهزول أضناه السفر. ﴿ فج ﴾ ناحية وطريق. ﴿ عميق ﴾ بعيد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:واذكر وقت جعلنا مكان البيت مباءة لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، أرشدناه إليه وأريناه إياه، وأمرناه أن يجعله من أول يوم خالصا لوجه الله يتعبد حول الكعبة للواحد الفرد الصمد دون سواه ؛ ﴿ وطهر بيتي للطائفين ﴾ ؛ ونظف البيت من الأقذار والأوثان، حتى لا يدور حول الكعبة طائف إلا وقد تطهر من القذى والأصنام، وطاف في اللغة تعني فيما تعني : المشي مستديرا حول الشيء، وفي الشرع : الطواف : هو الدوران حول الكعبة جاعلا إياها عن يساره بكيفية وشروط مخصوصة منها الطهارة وستر العورة إلى غير ذلك ؛ ﴿ والقائمين والركع السجود ﴾ ونزه البيت الحرام أن يصلى فيه لصنم ؛ ـ والقائمون : هم المصلون، وذكر الله تعالى من أركان الصلاة أعظمها، وهو القيام والركوع والسجود ـ. ﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ﴾ الأذان : الإعلام ؛ والأمر لإبراهيم عليه السلام ؛ ﴿ يأتوك ﴾ يجيئوا إلى الكعبة التي بنيت ﴿ رجالا ﴾ جمع راجل وهو الماشي على رجليه، أي راجلين ؛ ﴿ وعلى كل ضامر ﴾ أو راكبين على كل بعير مهزول أضناه السفر ؛ ﴿ يأتين ﴾ هذه الإبل المهازيل والأبعرة الضوامر يجئن ويقبلن من كل ناحية بعيدة ومن كل طريق طويلة ؛ ﴿ ليشهدوا منافع لهم ﴾ دعوتنا إياهم لحج البيت لكي يحضروا منافع تجر لهم الخير الكثير، ونقل عن مجاهد وعطاء : ما يرضي الله تعالى من أمر الدنيا والآخرة ؛ واختار ابن العربي هذا التفسير فإنه يجمع النسك والتجارة والمغفرة، ومنفعة الدنيا والآخرة ؛﴿ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ﴾ ـ والمراد بذكر الله : ذكر التسمية عند الذبح والنحر ؛ مثل قولك : باسم الله والله أكبر، اللهم منك ولك، ومثل قولك عند الذبح :{ إن صلاتي ونسكي.. ) الآية ؛ وكان الكفار يذبحون على أسماء أصنامهم، فبين الرب أن الواجب الذبح على اسم الله،... واختلف العلماء في وقت الذبح يوم النحر ؛ فقال مالك رضي الله عنه : بعد صلاة الإمام وذبحه.. وراعى أبو حنيفة الفراغ من الصلاة دون ذبح ؛ والشافعي دخول وقت الصلاة ومقدار ما توقع فيه مع الخطبتين فاعتبر الوقت دون الصلاة... وقال أحمد : إذا انصرف الإمام فاذبح... وأصح هذه الأقوال قول مالك ؛ لحديث جابر بن عبد الله قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة ؛ فتقدم رجال ونحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أخرجه مسلم... واختلفوا كم أيام النحر ؟ فقال مالك : ثلاثة : يوم النحر ويومان بعده ؛... وقال الشافعي : أربعة، يوم النحر وثلاثة بعده... وعن الحسن البصري.. ثلاث روايات إحداها كما قال مالك، والثانية كما قال الشافعي، والثالثة إلى آخر يوم من ذي الحجة ؛ فإذا أهل هلال المحرم فلا أضحى ـ.
﴿ فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ﴾ ندبنا الله تعالى إلى أن نأكل من لحوم هدينا وأضاحينا وأن نطعم منها المحتاج ؛ وجائز أن يكون ﴿ الفقير ﴾ من صفة البائس، أي : الذي ناله البؤس وشدة الفقر، وقد يقال بائس لمن نزلت به نازلة وإن لم يكن فقيرا.
﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾ أي ليقضوا بعد نحر الضحايا والهدايا ما بقي عليهم من أمر الحج ؛ كالحلق ورمي الجمار وإزالة شعت ونحوه.. وهذا عند الخروج من الإحرام ﴿ وليوفوا نذورهم ﴾ هذا أمر بوفاء النذر مطلقا إلا ما كان معصية ؛ ﴿ وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾ وهذا الطواف الذي بعد النحر ركن من أركان الحج وهو المسمى : طواف الإفاضة لأنه يكون بعد الإفاضة من عرفات، ومما قال إسماعيل ابن اسحق : فهذا هو الطواف المفترض في كتاب الله عز وجل، وهو الذي يحل به الحاج من إحرامه كله. اهـ ؛ وجائز أن يكون :﴿ وليطوفوا ﴾ فيه إشارة إلى ما يحب مولانا سبحانه من حشد الناس لتلك العبادة فإن [ طواف الناس ] في اللغة تعني : ملؤوا الأرض كالطوفان ؛ ﴿ بالبيت العتيق ﴾ بهذه الكعبة التي هي أول بيت وضع للناس.
﴿ بهيمة الأنعام ﴾ الإبل والبقر والغنم.
﴿ البائس ﴾ الذي ناله الاحتياج وشدة الفقر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:واذكر وقت جعلنا مكان البيت مباءة لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، أرشدناه إليه وأريناه إياه، وأمرناه أن يجعله من أول يوم خالصا لوجه الله يتعبد حول الكعبة للواحد الفرد الصمد دون سواه ؛ ﴿ وطهر بيتي للطائفين ﴾ ؛ ونظف البيت من الأقذار والأوثان، حتى لا يدور حول الكعبة طائف إلا وقد تطهر من القذى والأصنام، وطاف في اللغة تعني فيما تعني : المشي مستديرا حول الشيء، وفي الشرع : الطواف : هو الدوران حول الكعبة جاعلا إياها عن يساره بكيفية وشروط مخصوصة منها الطهارة وستر العورة إلى غير ذلك ؛ ﴿ والقائمين والركع السجود ﴾ ونزه البيت الحرام أن يصلى فيه لصنم ؛ ـ والقائمون : هم المصلون، وذكر الله تعالى من أركان الصلاة أعظمها، وهو القيام والركوع والسجود ـ. ﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ﴾ الأذان : الإعلام ؛ والأمر لإبراهيم عليه السلام ؛ ﴿ يأتوك ﴾ يجيئوا إلى الكعبة التي بنيت ﴿ رجالا ﴾ جمع راجل وهو الماشي على رجليه، أي راجلين ؛ ﴿ وعلى كل ضامر ﴾ أو راكبين على كل بعير مهزول أضناه السفر ؛ ﴿ يأتين ﴾ هذه الإبل المهازيل والأبعرة الضوامر يجئن ويقبلن من كل ناحية بعيدة ومن كل طريق طويلة ؛ ﴿ ليشهدوا منافع لهم ﴾ دعوتنا إياهم لحج البيت لكي يحضروا منافع تجر لهم الخير الكثير، ونقل عن مجاهد وعطاء : ما يرضي الله تعالى من أمر الدنيا والآخرة ؛ واختار ابن العربي هذا التفسير فإنه يجمع النسك والتجارة والمغفرة، ومنفعة الدنيا والآخرة ؛﴿ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ﴾ ـ والمراد بذكر الله : ذكر التسمية عند الذبح والنحر ؛ مثل قولك : باسم الله والله أكبر، اللهم منك ولك، ومثل قولك عند الذبح :{ إن صلاتي ونسكي.. ) الآية ؛ وكان الكفار يذبحون على أسماء أصنامهم، فبين الرب أن الواجب الذبح على اسم الله،... واختلف العلماء في وقت الذبح يوم النحر ؛ فقال مالك رضي الله عنه : بعد صلاة الإمام وذبحه.. وراعى أبو حنيفة الفراغ من الصلاة دون ذبح ؛ والشافعي دخول وقت الصلاة ومقدار ما توقع فيه مع الخطبتين فاعتبر الوقت دون الصلاة... وقال أحمد : إذا انصرف الإمام فاذبح... وأصح هذه الأقوال قول مالك ؛ لحديث جابر بن عبد الله قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة ؛ فتقدم رجال ونحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أخرجه مسلم... واختلفوا كم أيام النحر ؟ فقال مالك : ثلاثة : يوم النحر ويومان بعده ؛... وقال الشافعي : أربعة، يوم النحر وثلاثة بعده... وعن الحسن البصري.. ثلاث روايات إحداها كما قال مالك، والثانية كما قال الشافعي، والثالثة إلى آخر يوم من ذي الحجة ؛ فإذا أهل هلال المحرم فلا أضحى ـ.
﴿ فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ﴾ ندبنا الله تعالى إلى أن نأكل من لحوم هدينا وأضاحينا وأن نطعم منها المحتاج ؛ وجائز أن يكون ﴿ الفقير ﴾ من صفة البائس، أي : الذي ناله البؤس وشدة الفقر، وقد يقال بائس لمن نزلت به نازلة وإن لم يكن فقيرا.
﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾ أي ليقضوا بعد نحر الضحايا والهدايا ما بقي عليهم من أمر الحج ؛ كالحلق ورمي الجمار وإزالة شعت ونحوه.. وهذا عند الخروج من الإحرام ﴿ وليوفوا نذورهم ﴾ هذا أمر بوفاء النذر مطلقا إلا ما كان معصية ؛ ﴿ وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾ وهذا الطواف الذي بعد النحر ركن من أركان الحج وهو المسمى : طواف الإفاضة لأنه يكون بعد الإفاضة من عرفات، ومما قال إسماعيل ابن اسحق : فهذا هو الطواف المفترض في كتاب الله عز وجل، وهو الذي يحل به الحاج من إحرامه كله. اهـ ؛ وجائز أن يكون :﴿ وليطوفوا ﴾ فيه إشارة إلى ما يحب مولانا سبحانه من حشد الناس لتلك العبادة فإن [ طواف الناس ] في اللغة تعني : ملؤوا الأرض كالطوفان ؛ ﴿ بالبيت العتيق ﴾ بهذه الكعبة التي هي أول بيت وضع للناس.
﴿ تفثهم ﴾ تحللهم من إحرامهم. ﴿ العتيق ﴾ القديم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:واذكر وقت جعلنا مكان البيت مباءة لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، أرشدناه إليه وأريناه إياه، وأمرناه أن يجعله من أول يوم خالصا لوجه الله يتعبد حول الكعبة للواحد الفرد الصمد دون سواه ؛ ﴿ وطهر بيتي للطائفين ﴾ ؛ ونظف البيت من الأقذار والأوثان، حتى لا يدور حول الكعبة طائف إلا وقد تطهر من القذى والأصنام، وطاف في اللغة تعني فيما تعني : المشي مستديرا حول الشيء، وفي الشرع : الطواف : هو الدوران حول الكعبة جاعلا إياها عن يساره بكيفية وشروط مخصوصة منها الطهارة وستر العورة إلى غير ذلك ؛ ﴿ والقائمين والركع السجود ﴾ ونزه البيت الحرام أن يصلى فيه لصنم ؛ ـ والقائمون : هم المصلون، وذكر الله تعالى من أركان الصلاة أعظمها، وهو القيام والركوع والسجود ـ. ﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ﴾ الأذان : الإعلام ؛ والأمر لإبراهيم عليه السلام ؛ ﴿ يأتوك ﴾ يجيئوا إلى الكعبة التي بنيت ﴿ رجالا ﴾ جمع راجل وهو الماشي على رجليه، أي راجلين ؛ ﴿ وعلى كل ضامر ﴾ أو راكبين على كل بعير مهزول أضناه السفر ؛ ﴿ يأتين ﴾ هذه الإبل المهازيل والأبعرة الضوامر يجئن ويقبلن من كل ناحية بعيدة ومن كل طريق طويلة ؛ ﴿ ليشهدوا منافع لهم ﴾ دعوتنا إياهم لحج البيت لكي يحضروا منافع تجر لهم الخير الكثير، ونقل عن مجاهد وعطاء : ما يرضي الله تعالى من أمر الدنيا والآخرة ؛ واختار ابن العربي هذا التفسير فإنه يجمع النسك والتجارة والمغفرة، ومنفعة الدنيا والآخرة ؛﴿ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ﴾ ـ والمراد بذكر الله : ذكر التسمية عند الذبح والنحر ؛ مثل قولك : باسم الله والله أكبر، اللهم منك ولك، ومثل قولك عند الذبح :{ إن صلاتي ونسكي.. ) الآية ؛ وكان الكفار يذبحون على أسماء أصنامهم، فبين الرب أن الواجب الذبح على اسم الله،... واختلف العلماء في وقت الذبح يوم النحر ؛ فقال مالك رضي الله عنه : بعد صلاة الإمام وذبحه.. وراعى أبو حنيفة الفراغ من الصلاة دون ذبح ؛ والشافعي دخول وقت الصلاة ومقدار ما توقع فيه مع الخطبتين فاعتبر الوقت دون الصلاة... وقال أحمد : إذا انصرف الإمام فاذبح... وأصح هذه الأقوال قول مالك ؛ لحديث جابر بن عبد الله قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة ؛ فتقدم رجال ونحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أخرجه مسلم... واختلفوا كم أيام النحر ؟ فقال مالك : ثلاثة : يوم النحر ويومان بعده ؛... وقال الشافعي : أربعة، يوم النحر وثلاثة بعده... وعن الحسن البصري.. ثلاث روايات إحداها كما قال مالك، والثانية كما قال الشافعي، والثالثة إلى آخر يوم من ذي الحجة ؛ فإذا أهل هلال المحرم فلا أضحى ـ.
﴿ فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ﴾ ندبنا الله تعالى إلى أن نأكل من لحوم هدينا وأضاحينا وأن نطعم منها المحتاج ؛ وجائز أن يكون ﴿ الفقير ﴾ من صفة البائس، أي : الذي ناله البؤس وشدة الفقر، وقد يقال بائس لمن نزلت به نازلة وإن لم يكن فقيرا.
﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾ أي ليقضوا بعد نحر الضحايا والهدايا ما بقي عليهم من أمر الحج ؛ كالحلق ورمي الجمار وإزالة شعت ونحوه.. وهذا عند الخروج من الإحرام ﴿ وليوفوا نذورهم ﴾ هذا أمر بوفاء النذر مطلقا إلا ما كان معصية ؛ ﴿ وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾ وهذا الطواف الذي بعد النحر ركن من أركان الحج وهو المسمى : طواف الإفاضة لأنه يكون بعد الإفاضة من عرفات، ومما قال إسماعيل ابن اسحق : فهذا هو الطواف المفترض في كتاب الله عز وجل، وهو الذي يحل به الحاج من إحرامه كله. اهـ ؛ وجائز أن يكون :﴿ وليطوفوا ﴾ فيه إشارة إلى ما يحب مولانا سبحانه من حشد الناس لتلك العبادة فإن [ طواف الناس ] في اللغة تعني : ملؤوا الأرض كالطوفان ؛ ﴿ بالبيت العتيق ﴾ بهذه الكعبة التي هي أول بيت وضع للناس.
﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ { ٣٠ ) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ { ٣١ ) ﴾.
امتثلوا ذلك الذي شرعت لكم، وأمرت بأدائه، ومن يعظم أوامر الله ويحرص على إتمام العبادة والمناسك فهو خير ثوابا لمن أتم ووفى، وأجره عند الكريم الشكور الذي يقبل القليل، ويهب عليه الأجر الجزيل والثواب الجميل ؛ ﴿ وأحلت لكم الأنعام ﴾ أحلت لكم لحوم الأنعام وهي ثمانية : الإبل والبقر والضأن والمعز، الذكور من هذه الأربعة والإناث منها ﴿ إلا ما يتلى عليكم ﴾ لكن ما يتلى عليكم في كتاب الله من المحرمات فلا يحل لكم تناول لحمه ؛ ولقد بين الكتاب العزيز ما حرم حتى من هذه الثمانية، وذلك كالميتة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب ؛ ﴿ فاجتنبوا الرجس من الأوثان ﴾ فلا تقربوا قذرا، ولا تعبدوا وثنا ؛ ﴿ من ﴾ قيل : إنها لبيان الجنس، فيقع نهيه عن رجس الأوثان فقط، ويبقى سائر الأرجاس نهيها في غير هذا الموضع ؛ وقيل :﴿ من ﴾ لابتداء الغاية، نهاهم عن الرجس عاما ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم، إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس ؛ الرجس : الشيء القذر ؛ والوثن : التمثال من خشب أو حديد أو ذهب أو فضة ونحوها، وكانت العرب تنصبها وتعبدها، والنصارى تنصب الصليب وتعبده وتعظمه فهو كالتمثال أيضا ؛ وقال عدي بن حاتم : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال : " ألق هذا الوثن عنك " أي الصليب ؛.... وقيل وصفها بالرجس، والرجس النجس في نجسة حكما ؛ وليست النجاسة وصفا ذاتيا للأعيان وإنما هي وصف شرعي من أحكام الإيمان، فلا تزال إلا بالإيمان كما لا تجوز الطهارة إلا بالماء... ؛ ﴿ واجتنبوا قول الزور ﴾.. والزور : الباطل والكذب، .. وكل ما عدا الحق فهو كذب وباطل وزور، وفي الخبر أنه عليه السلام قام خطيبا فقال : " عدلت شهادة الزور الشرك بالله ".. يعني أنها جمعت مع عبادة الأوثان في النهي عنها .
﴿ حنفاء لله غير مشركين به ﴾ مستقيمين ومسلمين إلى المولى المعبود بحق، أو مائلين عن سبل العوج إلى سبيل الله وصراطه المستقيم ؛ غير متخذين لله أندادا أو زاعمين له شركاء ؛ ﴿ ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ﴾ ولعل هذا من ضرب المثل لهلاك المشرك وأنه كالذي سقط من مرتفع شاهق فمزقته جوارح الطير ونهشته، أو طرحت به العاصفة في مهوى عميق، ودرك غائر بعيد.
﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ { ٣٢ ) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ { ٣٣ ) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ { ٣٤ ) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ { ٣٥ ) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ { ٣٦ ) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ { ٣٧ ) ﴾
﴿ شعائر ﴾ أوامر ؛ والبدن الهدايا، لأنها تشعر أي تعلم وتدمى بشعيرة أي حديدة.
أي اتبعوا ذلك ؛ أو ذلك أمر الله﴿ ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ﴾ ومن يعظم أوامر الله تعالى وعباداته ومناسكه ومنها : البدن الهدايا [ وتعظيمها : استسمانها فإن تعظيمها من فعل ذوي القلوب التقية. ﴿ من ﴾ في ذلك للتبعيض، وما يقتضيه السياق من تعظيم أمر التعظيم يفهم من جعله بعض تقوى القلوب، بناء على أن تقييد التقوى بالقلوب للإشارة إلى أن التقوى قسمان : تقوى القلوب والمراد بها التقوى الحقيقية الصادقة التي يتصف بها المؤمن الصادق، وتقوى الأعضاء والمراد بها التقوى الصورية. ].
﴿ لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ﴾
﴿ منافع ﴾ درها ونسلها وركوبها وصوفها. ﴿ إلى أجل مسمى ﴾ إلى حين تنحر. ﴿ محلها ﴾ ظرف وجوب نحرها.
لكم في البدن والهدايا منافع : من درها ونسلها وصوفها وركوب ظهرها إلى وقت نحرها، ثم وجوب نحرها حين وصولها إلى بيت الله وفي حرمه الآمن بشرائطه الشرعية.
﴿ ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ﴾
﴿ منسكا ﴾ ذبحا، ومناسك موضع الذبح أو العبادة.
﴿ المخبتين ﴾ المطمئنين المتواضعين المجتهدين في العبادة.
فسره مجاهد بالذبح وإراقة الدماء على وجه التقرب إليه تعالى، فجعله مصدرا وحمل المنسك على عبادة خاصة، والنسك في الأصل بمعنى العبادة مطلقا، وشاع في أعمال الحج. لكن قول المولى سبحانه :﴿ ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ﴾ يرجح ما ذهب إليه مجاهد في تفسير ما يراد بالمنسك، ومعلوم أن الذكر إنما يكون ذكرا عند مواطأة القلب للسان، فإن ذبحوا وسموا الله عند الذبح شاكرين لما أنعم به عليهم فقد تنسكوا، واستمسكوا بمناسك الله التي شرعها ؛ ﴿ فإلهكم إله واحد فله أسلموا ﴾ فأخلصوا له تعالى الذكر خاصة، واجعلوه لوجهه سالما خالصا لا تشوبوه بإشراك ؛ ﴿ فله أسلموا ﴾ معناه : لحقه ولوجهه وإنعامه آمنوا وأسلموا، ويحتمل أن يريد الاستسلام ؛ أي له أطيعوا وانقادوا ؛ ﴿ وبشر المخبتين ﴾ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبشر المتواضعين الخاشعين المتعبدين بجزيل الثواب.
﴿ الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ﴾
﴿ وجلت ﴾ خافت.
وأهل البشرى موصوفون بالخشية من الله تبارك وتعالى، فقلوبهم في إشفاق من هيبة الملك المتعال، وأثنى المولى على المؤمنين الخاشعين بصبرهم على كل ما يصيبهم، من تكاليف قد تشق، ونوائب قد تنزل، فالصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، وبحسب الصابرين أن المولى سبحانه يرحمهم ويصلي عليهم، مصداقا لوعده الحق :﴿ .. وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة.. ) ؛ الحسنات تضاعف أجورها إلى سبعين ضعفا أو إلى سبعمائة أما الصبر فإن جزاءه فوق أن يعد أو يحصر :{ .. إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ؛ { والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ﴾ فأهل الإخبات تخف عليهم الطاعات، وتحبب إليهم العبادات، يداومون عليها ويسارعون فيها بأبدانهم وأموالهم، يحافظون على الصلوات، ويبذلون في القربات.
﴿ والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ﴾
﴿ البدن ﴾ الإبل، ﴿ صواف ﴾ قائمات معقولة إحدى أيديهن. ﴿ وجبت ﴾ سقطت. ﴿ القانع ﴾ الراضي بما عنده وبما أعطي من غير مسألة. ﴿ المعتر ﴾ المعترض للسؤال.
البدن : الإبل التي تنحر بمكة، وسميت بذلك لعظم بدنها ؛ ﴿ لكم فيها خير ﴾ نفع في الدنيا وأجر في الآخرة ؛ ﴿ فاذكروا اسم الله عليها صواف ﴾ أي اذبحوها وسموا الله عند ذبحها حالة كونها صافة أي قائمة وقد عقلت واحدة من يديها ؛ ﴿ فإذا وجبت جنوبها ﴾ فإذا ذبحتموها وسقطت لجنبها وعلى شقها فهيئوها وأعدوها، ﴿ فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ﴾ كلوا منها وأطعموا الفقير المتعفف، وكذا المتعرض للسؤال ؛ ﴿ كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون ﴾ مثل ذلك التسخير ذللناها لكم مع كمال عظمها ونهاية قوتها... ولولا تسخير الله تعالى لم تطق ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش التي هي أصغر منها جرما وأقل قوة.. لتشكروا إنعامنا عليكم بالتقرب والإخلاص .
﴿ لن ينال الله لحموها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ﴾ ما يريد ربنا القدوس من عباده رزقا فهو الرزاق، ولا يبتغي منهم طعاما فهو سبحانه يطعم ولا يطعم، ولا ينظر إلى الصور التي كان يفعل المشركون من تلطيخ الكعبة بدماء الذبائح، وتشريح اللحم ونصبه حولها ؛ ﴿ ولكنه يناله التقوى منكم ﴾ فربنا جل علاه يرفع العمل الصالح ؛ وفي الحديث الصحيح : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وإلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " ؛ فلن يصيب رضا الله أصحاب اللحوم والدماء المهراقة بمجرد الذبح والتصدق، إنما يحب الله مع ذلك أن يكون القربان حلالا مجزيا. ثم صرف فيما أمر سبحانه ؛ والنيل لا يتعلق بالبارئ تعالى، ولكنه عبر عنه تعبيرا مجازيا عن القبول، ... ابن عيسى : لن يقبل لحومها ولا دماءها، ولكن يصل إليه التقوى منكم ؛ أي ما أريد به وجهه، فذلك الذي يقبله ويرفع إليه، ويسمعه ويثيب عليه... ﴿ كذلك سخرها لكم ﴾ من سبحانه علينا بتذليلها وتمكيننا من تصريفها وهي أعظم منا أبدانا وأقوى منا أعضاء، ذلك ليعلم العبد أن الأمور ليست على ما يظهر إلى العبد من التدبير، وإنما هي بحسب ما يريدها العزيز القدير، فيغلب الصغير الكبير، ليعلم الخلق أن الغالب هو الله القهار فوق عباده، ....... ﴿ لتكبروا الله على ما هداكم ﴾ شرع سبحانه ذكر اسمه عليها في الآية قبلها فقال عز من قائل :﴿ فاذكروا اسم الله عليها ﴾ وذكر هنا التكبير.. وفي الصحيح عن أنس قال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ؛ قال : ورأيته يذبحهما بيده... وسمى وكبر... ذهب الجمهور إلى قول المضحي : اللهم تقبل مني ؛ جائز ؛ وكره ذلك أبو حنيفة ؛ والحجة عليه ما رواه الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، وفيه : ثم قال : " باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد " ثم ضحى به.. ؛ ﴿ وبشر المحسنين ﴾ بشرى للمحسنين بطيب المآب وحسن الثواب، جاءتنا من الكريم الوهاب، وبلغها من أنزل عليه الكتاب، صلى عليه ربنا وسلم ؛ ولقد علمنا أن الإحسان أن نعبد الله تعالى كأننا نراه، فإن لم نكن نراه فإنه يرانا، ويسمع سرنا ونجوانا، فبشرى لمن صدق بالحسنى، وأعطى ابتغاء وجه ربه الأعلى، وأتم ما أمر به على خير ما يحب المولى ويرضى.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ { ٣٨ ) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ { ٣٩ ) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ { ٤٠ ) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ { ٤١ ) ﴾.
﴿ خوّان ﴾ كثير الخيانة مضيع للأمانة، ناقض للعهد.
﴿ كفور ﴾ شديد الجحود والنكران والكفران لجلال الله وفضله.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ حين فرغ من تعداد بعض مناسك الحج ومنافعها، وكان الكلام قد انجر إلى ذكر الكفار وصدهم عن المسجد الحرام، أتبعه بيان ما يزيل ذلك الصد، ويمكن من الحج وزيارة البيت ـ، ﴿ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ﴾ الله الملك الحق المبين يحفظ المؤمنين من تبييت أعداء الدين ؛ ﴿ إن الله لا يحب كل خوان كفور ﴾ قال مقاتل : أقروا بالصانع وعبدوا غيره، فأي خيانة أعظم من هذا ؟ ! [ وقيل : المعنى : يدفع عن المؤمنين بأن يديم توفيقهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، فلا تقدر الكفار على إمالتهم عن دينهم ؛ وإن جرى إكراههم فيعصمهم حتى لا يرتدوا بقلوبهم ؛ وقيل : يدفع عن المؤمنين بإعلائهم بالحجة ؛ ثم قتل كافر مؤمنا نادر، وإن فيدفع الله عن ذلك المؤمن بأن يقبضه إلى رحمته ؛ ﴿ أذن للذين يقاتلون ﴾... أي يدفع عنهم غوائل الكفار بأن يبيح لهم القتال.. ] ؛ قال ابن العربي : قال علماؤنا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحل له الدماء ؛ إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل.. لإقامة حجة الله تعالى عليهم، ووفاء بوعده الذي امتن به بفضله في قوله :﴿... وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ؛ فاستمر الناس في الطغيان، وما استدلوا بواضح البرهان، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم، ونفوهم عن بلادهم ؛ فمنهم من فر إلى أرض الحبشة ؛ ومنهم من خرج إلى المدينة ؛ ومنهم من صبر على الأذى ؛ فلما عتت قريش على الله تعالى وردوا أمره وكذبوا نبيه عليه السلام، وعذبوا من آمن به ووحده وعبده، وصدق نبيه عليه السلام واعتصم بدينه، أذن الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم ؛ وأنزل :{ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ـ إلى قوله الأمور ﴾ ؛ [ والمأذون فيه القتال بدليل قوله ﴿ للذين يقاتلون ﴾ فكأن التقدير : أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا من قاتلهم... ﴿ بأنهم ظلموا ﴾ أي بسبب كونهم مظلومين ؛ وهي أول مرة آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية ] ؛ ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : قوله :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ أي : هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته، كما قال :{.. ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ) ؛ وقال تعالى :{ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) ؛ وقال :{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) ؛ وقال :{ ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) ؛... ولهذا قال ابن عباس في قوله :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ وقد فعل، وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددا، فلو أمر المسلمون وهو أقل بقتال الباقين لشق عليهم، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا نيفا وثمانين قالوا : يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي، يعنون أهل منى، نقتلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني لم أومر بهذا "، فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وهموا بقتله وشردوا أصحابه، ولما استقروا بالمدينة وصارت لهم دار إسلام، ومعقلا يلجأون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك.. قال ابن عباس : أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق يعني محمدا وأصحابه، ﴿ إلا أن يقولوا ربنا الله ﴾ أي ما كان لهم إساءة ولا ذنب إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له، كما قال تعالى :{.. يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم.. ) ؛ وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود :{ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) ؛ ﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ عدة كاملة بإعلاء هذا الدين وإظهار أهله، كما قال سبحانه :﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم.. ) ؛ ثم وصف الموعودين بالنصر، فقال جل ثناؤه :{ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ﴾ الذين أخرجهم أعدائي من ديارهم بقولهم ربنا الله، فما يحق لهم أن يطردوهم، ولكن لقولهم ربنا الله دون سواه طردوهم ؛ ﴿ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ﴾، والصوامع : معابد النصارى ؛ والبيع كنائس اليهود أو النصارى ؛ والصلوات : الكنائس ؛ والمساجد أماكن صلاة المسلمين ؛ ـ أخبر أنه لولا دفعه ـ الناس بعضهم ببعض لهدم ما ذكر ؛ ومن دفعه ـ تعالى ذكره ـ بعضهم ببعض : كفه المشركين بالمسلمين عن ذلك ؛ ومنه كفه ببعضهم التظالم كالسلطان الذي كف به رعيته عن التظالم بينهم...... وذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض، لولا ذلك لتظالموا فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيعهم وما سمى جل ثناؤه ؛ ولم يضع الله تعالى دلالة في عقل على أنه عنى من ذلك بعضا دون بعض ولا جاء بأن ذلك خبر يجب التسليم له ؛ فذلك على الظاهر والعموم على ما قد بينته قبل، لعموم ظاهر ذلك جميع ما ذكرنا ـ ؛ وذهب خصيف إلى أن القصد بهذه الأسماء تقسيم متعبدات الأمم ؛ فالصوامع للرهبان، والبيع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين ؛ قال ابن عطية : والأظهر أنها قصد بها المبالغة في ذكر المتعبدات ؛ وهذه الأسماء تشترك الأمم في مسمياتها، إلا البيعة فإنها مختصة بالنصارى في لغة العرب ؛ ومعاني هذه الأسماء هي في الأمم التي لها كتاب على قديم الدهر ؛ ولم يذكر في هذه الآية المجوس ولا أهل الإشراك ؛ لأن هؤلاء ليس لهم ما يجب حمايته...
وقال النحاس :﴿ يذكر فيها اسم الله ﴾ الذي يجب في كلام العرب على حقيقة النظر أن يكون :﴿ يذكر فيها اسم الله ﴾ عائدا على المساجد لا على غيرها ؛ لأن الضمير يليها، ويجوز أن يعود على ﴿ صوامع ﴾ وما بعدها ؛ ويكون المعنى وقت شرائعهم وإقامتهم الحق ؛ [ فإن قيل : لم قدمت المساجد أهل الذمة ومصلياتهم على مساجد المسلمين ؟ قيل : لأنها أقدم بناء ؛ وقيل : لقربها من الهدم وقرب المساجد من الذكر، كما أخبر السابق في قوله :﴿.. فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات.. ) { ولينصرن الله من ينصره ﴾ من ينصر دين الله تعالى ورسوله، فإن له وعدا من الله الحق مقسما عليه مؤكدا أن ينصره مولانا القادر على ما يشاء، العزيز، الجليل، والممتنع الذي لا يرام، يغلب ولا يغلب ] ؛ ومن أوصاف الذين أقسم الملك الكبير المتعال أن ينصرهم أنهم إذا وطنهم ربهم وأظهرهم، ونصرهم على عدوهم، وأيدهم بالسلطنة ونفاذ أمرهم، فإنهم يقيمون فرائض الدين من صلاة وزكاة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لا يلهيهم عن ذلك ما فتح عليهم من أمر الدنيا، ولا يطغيهم ما مكنوا فيه ؛ ﴿ ولله عاقبة الأمور ﴾ مرجعها مصيرها إلى حكمه وتقديره، وقد أراد تمكين أهل هذا الدين في كل حين فيقع لا محالة
﴿ أذن ﴾ أبيح وأحل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ حين فرغ من تعداد بعض مناسك الحج ومنافعها، وكان الكلام قد انجر إلى ذكر الكفار وصدهم عن المسجد الحرام، أتبعه بيان ما يزيل ذلك الصد، ويمكن من الحج وزيارة البيت ـ، ﴿ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ﴾ الله الملك الحق المبين يحفظ المؤمنين من تبييت أعداء الدين ؛ ﴿ إن الله لا يحب كل خوان كفور ﴾ قال مقاتل : أقروا بالصانع وعبدوا غيره، فأي خيانة أعظم من هذا ؟ ! [ وقيل : المعنى : يدفع عن المؤمنين بأن يديم توفيقهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، فلا تقدر الكفار على إمالتهم عن دينهم ؛ وإن جرى إكراههم فيعصمهم حتى لا يرتدوا بقلوبهم ؛ وقيل : يدفع عن المؤمنين بإعلائهم بالحجة ؛ ثم قتل كافر مؤمنا نادر، وإن فيدفع الله عن ذلك المؤمن بأن يقبضه إلى رحمته ؛ ﴿ أذن للذين يقاتلون ﴾... أي يدفع عنهم غوائل الكفار بأن يبيح لهم القتال.. ] ؛ قال ابن العربي : قال علماؤنا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحل له الدماء ؛ إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل.. لإقامة حجة الله تعالى عليهم، ووفاء بوعده الذي امتن به بفضله في قوله :﴿... وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ؛ فاستمر الناس في الطغيان، وما استدلوا بواضح البرهان، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم، ونفوهم عن بلادهم ؛ فمنهم من فر إلى أرض الحبشة ؛ ومنهم من خرج إلى المدينة ؛ ومنهم من صبر على الأذى ؛ فلما عتت قريش على الله تعالى وردوا أمره وكذبوا نبيه عليه السلام، وعذبوا من آمن به ووحده وعبده، وصدق نبيه عليه السلام واعتصم بدينه، أذن الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم ؛ وأنزل :{ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ـ إلى قوله الأمور ﴾ ؛ [ والمأذون فيه القتال بدليل قوله ﴿ للذين يقاتلون ﴾ فكأن التقدير : أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا من قاتلهم... ﴿ بأنهم ظلموا ﴾ أي بسبب كونهم مظلومين ؛ وهي أول مرة آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية ] ؛ ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : قوله :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ أي : هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته، كما قال :{.. ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ) ؛ وقال تعالى :{ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) ؛ وقال :{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) ؛ وقال :{ ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) ؛... ولهذا قال ابن عباس في قوله :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ وقد فعل، وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددا، فلو أمر المسلمون وهو أقل بقتال الباقين لشق عليهم، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا نيفا وثمانين قالوا : يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي، يعنون أهل منى، نقتلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني لم أومر بهذا "، فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وهموا بقتله وشردوا أصحابه، ولما استقروا بالمدينة وصارت لهم دار إسلام، ومعقلا يلجأون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك.. قال ابن عباس : أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق يعني محمدا وأصحابه، ﴿ إلا أن يقولوا ربنا الله ﴾ أي ما كان لهم إساءة ولا ذنب إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له، كما قال تعالى :{.. يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم.. ) ؛ وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود :{ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) ؛ ﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ عدة كاملة بإعلاء هذا الدين وإظهار أهله، كما قال سبحانه :﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم.. ) ؛ ثم وصف الموعودين بالنصر، فقال جل ثناؤه :{ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ﴾ الذين أخرجهم أعدائي من ديارهم بقولهم ربنا الله، فما يحق لهم أن يطردوهم، ولكن لقولهم ربنا الله دون سواه طردوهم ؛ ﴿ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ﴾، والصوامع : معابد النصارى ؛ والبيع كنائس اليهود أو النصارى ؛ والصلوات : الكنائس ؛ والمساجد أماكن صلاة المسلمين ؛ ـ أخبر أنه لولا دفعه ـ الناس بعضهم ببعض لهدم ما ذكر ؛ ومن دفعه ـ تعالى ذكره ـ بعضهم ببعض : كفه المشركين بالمسلمين عن ذلك ؛ ومنه كفه ببعضهم التظالم كالسلطان الذي كف به رعيته عن التظالم بينهم...... وذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض، لولا ذلك لتظالموا فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيعهم وما سمى جل ثناؤه ؛ ولم يضع الله تعالى دلالة في عقل على أنه عنى من ذلك بعضا دون بعض ولا جاء بأن ذلك خبر يجب التسليم له ؛ فذلك على الظاهر والعموم على ما قد بينته قبل، لعموم ظاهر ذلك جميع ما ذكرنا ـ ؛ وذهب خصيف إلى أن القصد بهذه الأسماء تقسيم متعبدات الأمم ؛ فالصوامع للرهبان، والبيع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين ؛ قال ابن عطية : والأظهر أنها قصد بها المبالغة في ذكر المتعبدات ؛ وهذه الأسماء تشترك الأمم في مسمياتها، إلا البيعة فإنها مختصة بالنصارى في لغة العرب ؛ ومعاني هذه الأسماء هي في الأمم التي لها كتاب على قديم الدهر ؛ ولم يذكر في هذه الآية المجوس ولا أهل الإشراك ؛ لأن هؤلاء ليس لهم ما يجب حمايته...
وقال النحاس :﴿ يذكر فيها اسم الله ﴾ الذي يجب في كلام العرب على حقيقة النظر أن يكون :﴿ يذكر فيها اسم الله ﴾ عائدا على المساجد لا على غيرها ؛ لأن الضمير يليها، ويجوز أن يعود على ﴿ صوامع ﴾ وما بعدها ؛ ويكون المعنى وقت شرائعهم وإقامتهم الحق ؛ [ فإن قيل : لم قدمت المساجد أهل الذمة ومصلياتهم على مساجد المسلمين ؟ قيل : لأنها أقدم بناء ؛ وقيل : لقربها من الهدم وقرب المساجد من الذكر، كما أخبر السابق في قوله :﴿.. فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات.. ) { ولينصرن الله من ينصره ﴾ من ينصر دين الله تعالى ورسوله، فإن له وعدا من الله الحق مقسما عليه مؤكدا أن ينصره مولانا القادر على ما يشاء، العزيز، الجليل، والممتنع الذي لا يرام، يغلب ولا يغلب ] ؛ ومن أوصاف الذين أقسم الملك الكبير المتعال أن ينصرهم أنهم إذا وطنهم ربهم وأظهرهم، ونصرهم على عدوهم، وأيدهم بالسلطنة ونفاذ أمرهم، فإنهم يقيمون فرائض الدين من صلاة وزكاة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لا يلهيهم عن ذلك ما فتح عليهم من أمر الدنيا، ولا يطغيهم ما مكنوا فيه ؛ ﴿ ولله عاقبة الأمور ﴾ مرجعها مصيرها إلى حكمه وتقديره، وقد أراد تمكين أهل هذا الدين في كل حين فيقع لا محالة
. ﴿ صوامع ﴾ معابد النصارى.
﴿ بيع ﴾ كنائس اليهود أو النصارى. ﴿ صلوات ﴾ كنائس.
﴿ مساجد ﴾ أماكن صلاة المسلمين. ﴿ ينصره ﴾ ينصر دينه ورسوله
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ حين فرغ من تعداد بعض مناسك الحج ومنافعها، وكان الكلام قد انجر إلى ذكر الكفار وصدهم عن المسجد الحرام، أتبعه بيان ما يزيل ذلك الصد، ويمكن من الحج وزيارة البيت ـ، ﴿ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ﴾ الله الملك الحق المبين يحفظ المؤمنين من تبييت أعداء الدين ؛ ﴿ إن الله لا يحب كل خوان كفور ﴾ قال مقاتل : أقروا بالصانع وعبدوا غيره، فأي خيانة أعظم من هذا ؟ ! [ وقيل : المعنى : يدفع عن المؤمنين بأن يديم توفيقهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، فلا تقدر الكفار على إمالتهم عن دينهم ؛ وإن جرى إكراههم فيعصمهم حتى لا يرتدوا بقلوبهم ؛ وقيل : يدفع عن المؤمنين بإعلائهم بالحجة ؛ ثم قتل كافر مؤمنا نادر، وإن فيدفع الله عن ذلك المؤمن بأن يقبضه إلى رحمته ؛ ﴿ أذن للذين يقاتلون ﴾... أي يدفع عنهم غوائل الكفار بأن يبيح لهم القتال.. ] ؛ قال ابن العربي : قال علماؤنا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحل له الدماء ؛ إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل.. لإقامة حجة الله تعالى عليهم، ووفاء بوعده الذي امتن به بفضله في قوله :﴿... وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ؛ فاستمر الناس في الطغيان، وما استدلوا بواضح البرهان، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم، ونفوهم عن بلادهم ؛ فمنهم من فر إلى أرض الحبشة ؛ ومنهم من خرج إلى المدينة ؛ ومنهم من صبر على الأذى ؛ فلما عتت قريش على الله تعالى وردوا أمره وكذبوا نبيه عليه السلام، وعذبوا من آمن به ووحده وعبده، وصدق نبيه عليه السلام واعتصم بدينه، أذن الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم ؛ وأنزل :{ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ـ إلى قوله الأمور ﴾ ؛ [ والمأذون فيه القتال بدليل قوله ﴿ للذين يقاتلون ﴾ فكأن التقدير : أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا من قاتلهم... ﴿ بأنهم ظلموا ﴾ أي بسبب كونهم مظلومين ؛ وهي أول مرة آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية ] ؛ ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : قوله :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ أي : هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته، كما قال :{.. ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ) ؛ وقال تعالى :{ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) ؛ وقال :{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) ؛ وقال :{ ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) ؛... ولهذا قال ابن عباس في قوله :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ وقد فعل، وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددا، فلو أمر المسلمون وهو أقل بقتال الباقين لشق عليهم، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا نيفا وثمانين قالوا : يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي، يعنون أهل منى، نقتلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني لم أومر بهذا "، فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وهموا بقتله وشردوا أصحابه، ولما استقروا بالمدينة وصارت لهم دار إسلام، ومعقلا يلجأون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك.. قال ابن عباس : أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق يعني محمدا وأصحابه، ﴿ إلا أن يقولوا ربنا الله ﴾ أي ما كان لهم إساءة ولا ذنب إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له، كما قال تعالى :{.. يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم.. ) ؛ وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود :{ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) ؛ ﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ عدة كاملة بإعلاء هذا الدين وإظهار أهله، كما قال سبحانه :﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم.. ) ؛ ثم وصف الموعودين بالنصر، فقال جل ثناؤه :{ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ﴾ الذين أخرجهم أعدائي من ديارهم بقولهم ربنا الله، فما يحق لهم أن يطردوهم، ولكن لقولهم ربنا الله دون سواه طردوهم ؛ ﴿ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ﴾، والصوامع : معابد النصارى ؛ والبيع كنائس اليهود أو النصارى ؛ والصلوات : الكنائس ؛ والمساجد أماكن صلاة المسلمين ؛ ـ أخبر أنه لولا دفعه ـ الناس بعضهم ببعض لهدم ما ذكر ؛ ومن دفعه ـ تعالى ذكره ـ بعضهم ببعض : كفه المشركين بالمسلمين عن ذلك ؛ ومنه كفه ببعضهم التظالم كالسلطان الذي كف به رعيته عن التظالم بينهم...... وذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض، لولا ذلك لتظالموا فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيعهم وما سمى جل ثناؤه ؛ ولم يضع الله تعالى دلالة في عقل على أنه عنى من ذلك بعضا دون بعض ولا جاء بأن ذلك خبر يجب التسليم له ؛ فذلك على الظاهر والعموم على ما قد بينته قبل، لعموم ظاهر ذلك جميع ما ذكرنا ـ ؛ وذهب خصيف إلى أن القصد بهذه الأسماء تقسيم متعبدات الأمم ؛ فالصوامع للرهبان، والبيع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين ؛ قال ابن عطية : والأظهر أنها قصد بها المبالغة في ذكر المتعبدات ؛ وهذه الأسماء تشترك الأمم في مسمياتها، إلا البيعة فإنها مختصة بالنصارى في لغة العرب ؛ ومعاني هذه الأسماء هي في الأمم التي لها كتاب على قديم الدهر ؛ ولم يذكر في هذه الآية المجوس ولا أهل الإشراك ؛ لأن هؤلاء ليس لهم ما يجب حمايته...
وقال النحاس :﴿ يذكر فيها اسم الله ﴾ الذي يجب في كلام العرب على حقيقة النظر أن يكون :﴿ يذكر فيها اسم الله ﴾ عائدا على المساجد لا على غيرها ؛ لأن الضمير يليها، ويجوز أن يعود على ﴿ صوامع ﴾ وما بعدها ؛ ويكون المعنى وقت شرائعهم وإقامتهم الحق ؛ [ فإن قيل : لم قدمت المساجد أهل الذمة ومصلياتهم على مساجد المسلمين ؟ قيل : لأنها أقدم بناء ؛ وقيل : لقربها من الهدم وقرب المساجد من الذكر، كما أخبر السابق في قوله :﴿.. فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات.. ) { ولينصرن الله من ينصره ﴾ من ينصر دين الله تعالى ورسوله، فإن له وعدا من الله الحق مقسما عليه مؤكدا أن ينصره مولانا القادر على ما يشاء، العزيز، الجليل، والممتنع الذي لا يرام، يغلب ولا يغلب ] ؛ ومن أوصاف الذين أقسم الملك الكبير المتعال أن ينصرهم أنهم إذا وطنهم ربهم وأظهرهم، ونصرهم على عدوهم، وأيدهم بالسلطنة ونفاذ أمرهم، فإنهم يقيمون فرائض الدين من صلاة وزكاة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لا يلهيهم عن ذلك ما فتح عليهم من أمر الدنيا، ولا يطغيهم ما مكنوا فيه ؛ ﴿ ولله عاقبة الأمور ﴾ مرجعها مصيرها إلى حكمه وتقديره، وقد أراد تمكين أهل هذا الدين في كل حين فيقع لا محالة
﴿ مكناهم ﴾ وطناهم ونصرناهم وأظهرناهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ـ حين فرغ من تعداد بعض مناسك الحج ومنافعها، وكان الكلام قد انجر إلى ذكر الكفار وصدهم عن المسجد الحرام، أتبعه بيان ما يزيل ذلك الصد، ويمكن من الحج وزيارة البيت ـ، ﴿ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ﴾ الله الملك الحق المبين يحفظ المؤمنين من تبييت أعداء الدين ؛ ﴿ إن الله لا يحب كل خوان كفور ﴾ قال مقاتل : أقروا بالصانع وعبدوا غيره، فأي خيانة أعظم من هذا ؟ ! [ وقيل : المعنى : يدفع عن المؤمنين بأن يديم توفيقهم حتى يتمكن الإيمان من قلوبهم، فلا تقدر الكفار على إمالتهم عن دينهم ؛ وإن جرى إكراههم فيعصمهم حتى لا يرتدوا بقلوبهم ؛ وقيل : يدفع عن المؤمنين بإعلائهم بالحجة ؛ ثم قتل كافر مؤمنا نادر، وإن فيدفع الله عن ذلك المؤمن بأن يقبضه إلى رحمته ؛ ﴿ أذن للذين يقاتلون ﴾... أي يدفع عنهم غوائل الكفار بأن يبيح لهم القتال.. ] ؛ قال ابن العربي : قال علماؤنا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحل له الدماء ؛ إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل.. لإقامة حجة الله تعالى عليهم، ووفاء بوعده الذي امتن به بفضله في قوله :﴿... وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ؛ فاستمر الناس في الطغيان، وما استدلوا بواضح البرهان، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم، ونفوهم عن بلادهم ؛ فمنهم من فر إلى أرض الحبشة ؛ ومنهم من خرج إلى المدينة ؛ ومنهم من صبر على الأذى ؛ فلما عتت قريش على الله تعالى وردوا أمره وكذبوا نبيه عليه السلام، وعذبوا من آمن به ووحده وعبده، وصدق نبيه عليه السلام واعتصم بدينه، أذن الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم ؛ وأنزل :{ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ـ إلى قوله الأمور ﴾ ؛ [ والمأذون فيه القتال بدليل قوله ﴿ للذين يقاتلون ﴾ فكأن التقدير : أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا من قاتلهم... ﴿ بأنهم ظلموا ﴾ أي بسبب كونهم مظلومين ؛ وهي أول مرة آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية ] ؛ ومما جاء في تفسير القرآن العظيم : قوله :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ أي : هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكن هو يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته، كما قال :{.. ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ) ؛ وقال تعالى :{ قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) ؛ وقال :{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) ؛ وقال :{ ولنبلوكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) ؛... ولهذا قال ابن عباس في قوله :﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ وقد فعل، وإنما شرع تعالى الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددا، فلو أمر المسلمون وهو أقل بقتال الباقين لشق عليهم، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا نيفا وثمانين قالوا : يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي، يعنون أهل منى، نقتلهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إني لم أومر بهذا "، فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وهموا بقتله وشردوا أصحابه، ولما استقروا بالمدينة وصارت لهم دار إسلام، ومعقلا يلجأون إليه، شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك.. قال ابن عباس : أخرجوا من مكة إلى المدينة بغير حق يعني محمدا وأصحابه، ﴿ إلا أن يقولوا ربنا الله ﴾ أي ما كان لهم إساءة ولا ذنب إلا أنهم وحدوا الله وعبدوه لا شريك له، كما قال تعالى :{.. يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم.. ) ؛ وقال تعالى في قصة أصحاب الأخدود :{ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) ؛ ﴿ وإن الله على نصرهم لقدير ﴾ عدة كاملة بإعلاء هذا الدين وإظهار أهله، كما قال سبحانه :﴿ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم.. ) ؛ ثم وصف الموعودين بالنصر، فقال جل ثناؤه :{ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ﴾ الذين أخرجهم أعدائي من ديارهم بقولهم ربنا الله، فما يحق لهم أن يطردوهم، ولكن لقولهم ربنا الله دون سواه طردوهم ؛ ﴿ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ﴾، والصوامع : معابد النصارى ؛ والبيع كنائس اليهود أو النصارى ؛ والصلوات : الكنائس ؛ والمساجد أماكن صلاة المسلمين ؛ ـ أخبر أنه لولا دفعه ـ الناس بعضهم ببعض لهدم ما ذكر ؛ ومن دفعه ـ تعالى ذكره ـ بعضهم ببعض : كفه المشركين بالمسلمين عن ذلك ؛ ومنه كفه ببعضهم التظالم كالسلطان الذي كف به رعيته عن التظالم بينهم...... وذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض، لولا ذلك لتظالموا فهدم القاهرون صوامع المقهورين وبيعهم وما سمى جل ثناؤه ؛ ولم يضع الله تعالى دلالة في عقل على أنه عنى من ذلك بعضا دون بعض ولا جاء بأن ذلك خبر يجب التسليم له ؛ فذلك على الظاهر والعموم على ما قد بينته قبل، لعموم ظاهر ذلك جميع ما ذكرنا ـ ؛ وذهب خصيف إلى أن القصد بهذه الأسماء تقسيم متعبدات الأمم ؛ فالصوامع للرهبان، والبيع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين ؛ قال ابن عطية : والأظهر أنها قصد بها المبالغة في ذكر المتعبدات ؛ وهذه الأسماء تشترك الأمم في مسمياتها، إلا البيعة فإنها مختصة بالنصارى في لغة العرب ؛ ومعاني هذه الأسماء هي في الأمم التي لها كتاب على قديم الدهر ؛ ولم يذكر في هذه الآية المجوس ولا أهل الإشراك ؛ لأن هؤلاء ليس لهم ما يجب حمايته...
وقال النحاس :﴿ يذكر فيها اسم الله ﴾ الذي يجب في كلام العرب على حقيقة النظر أن يكون :﴿ يذكر فيها اسم الله ﴾ عائدا على المساجد لا على غيرها ؛ لأن الضمير يليها، ويجوز أن يعود على ﴿ صوامع ﴾ وما بعدها ؛ ويكون المعنى وقت شرائعهم وإقامتهم الحق ؛ [ فإن قيل : لم قدمت المساجد أهل الذمة ومصلياتهم على مساجد المسلمين ؟ قيل : لأنها أقدم بناء ؛ وقيل : لقربها من الهدم وقرب المساجد من الذكر، كما أخبر السابق في قوله :﴿.. فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات.. ) { ولينصرن الله من ينصره ﴾ من ينصر دين الله تعالى ورسوله، فإن له وعدا من الله الحق مقسما عليه مؤكدا أن ينصره مولانا القادر على ما يشاء، العزيز، الجليل، والممتنع الذي لا يرام، يغلب ولا يغلب ] ؛ ومن أوصاف الذين أقسم الملك الكبير المتعال أن ينصرهم أنهم إذا وطنهم ربهم وأظهرهم، ونصرهم على عدوهم، وأيدهم بالسلطنة ونفاذ أمرهم، فإنهم يقيمون فرائض الدين من صلاة وزكاة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لا يلهيهم عن ذلك ما فتح عليهم من أمر الدنيا، ولا يطغيهم ما مكنوا فيه ؛ ﴿ ولله عاقبة الأمور ﴾ مرجعها مصيرها إلى حكمه وتقديره، وقد أراد تمكين أهل هذا الدين في كل حين فيقع لا محالة
﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ { ٤٢ ) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ { ٤٣ ) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ { ٤٤ ) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ { ٤٥ ) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ { ٤٦ ) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ { ٤٧ ) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ { ٤٨ ) ﴾
﴿ عاد ﴾ قوم هود عليه السلام. ﴿ ثمود ﴾ قوم صالح عليه السلام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في هذه الآيات الكريمات ما يثبت الله تعالى به فؤاد النبي الأمين، ومن اتبعه من المؤمنين، على منهاج الحق والدين القويم، فإنه مهما جحد الجاحدون، وصد الجبارون المتكبرون، فقد سبقهم في هذا البغي والعتو كثيرون، فأمهلهم القوي العزيز، وكلما جاء حين البطشة بأمة من تلك الأمم الفاجرة الكافرة أهلكها القهار، وأحل بديارها البوار، فكيف نكست أحوالهم فانقلبوا بعد ما مكنوا فيه إلى هوان وذلة ودمار ؛ وكثير من القرى التي كذبت رسلي، فحلمت عليهم ليتذكروا من يتذكر، ثم لما جاء أجلهم خربت ديارهم، وغورت ماءهم، وهدمت قصورهم ؛ أفعموا فلم يمشوا في نواحي وجهات الأرض ويعتبروا بآثار الأمم التي سادت ثم بادت، وملكت ثم هلكت، أم أن عيون الأبصار مفتوحة، وعيون البصيرة والاعتبار مغلقة، فإن عمى البصائر هو العمى الذي يردي، مصداقا لوعد المولى الحق :{ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) ؛ ولو لم تطمس بصائرهم لكان في مشاهدتهم لأثار من دمروا أبلغ معتبر ومزدجر أن يصيبهم ما أصاب الفجار قبلهم ؛ يقول الحق جل علاه :{ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) ؛ ولو كانوا يزدجرون، لما استعجلوا نزول العذاب استبعادا لحصوله ووقوعه ونزوله، كالذين رموا رسول الله إليهم بالسفاهة والذب وقالوا ما حكاه القرآن الحكيم :{... فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ فوقع عليهم من ربهم الرجس والغضب، وقطع الله دابر هؤلاء المكذبين من قوم هود ـ عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء أزكى صلاة وأفضل تسليم ـ ومن بعدهم قوم صالح عليه السلام، إذ جاءهم بالناقة آية على صدقه في دعوى الرسالة وناداهم وقال :{.. يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ) ؛ لكنهم استحبوا العمى على الهدى، واستعجلوا البطشة الكبرى :{ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين. فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) ؛ ومن قبلهما قوم نوح عليه السلام إذ حلم عليهم وصبر على تكذيبهم وأذاهم ألف سنة إلا خمسين عاما فما ازدادوا من الحق والرشد إلا فرارا ؛ وتلطف في ترغيبهم وترهيبهم فمكروا مكرا كبارا ؛ ومضوا يتواصون بالكفران والفجور والطغيان، وضاقوا بأول أولي العزم من الرسل عليه الصلاة السلام، وتحدوه أن ينزل بهم ما توعدهم الله من بأس فاستعجلوا بما يقطع دابرهم :{ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ وأكابر المجرمين من المشركين أكثروا طلب حلول العذاب الذي أنذروه على لسان خاتم النبيين، واستبعدوا أن يحل بهم بلاء في الدنيا أو في يوم الدين، ولقد حكى عنهم في ست سور مباركات هذا الاستخفاف بقول لم يتبدل :{ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) ؛ كما دعا شقي من أشقيائهم وكانوا على آثاره مقتدين، فكأنهم جميعا كانوا لذلك راجين :{ وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ).
﴿ ولن يخلف الله وعده ﴾ فإنه سبحانه يحقق ما وعد، وهو على ذلك وعلى كل شيء قدير ؛ ﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ ومهما أذقناهم من العذاب فإن العذاب الذي ينتظرهم يوم يقوم الناس لرب العالمين أشد وأبقى، واليوم الواحد من أيام خزيهم وحسراتهم وآلامهم في دركات دار ندامتهم وحريقهم لهو في ثقله وطول بلائه كألف سنة من سني الدنيا
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في هذه الآيات الكريمات ما يثبت الله تعالى به فؤاد النبي الأمين، ومن اتبعه من المؤمنين، على منهاج الحق والدين القويم، فإنه مهما جحد الجاحدون، وصد الجبارون المتكبرون، فقد سبقهم في هذا البغي والعتو كثيرون، فأمهلهم القوي العزيز، وكلما جاء حين البطشة بأمة من تلك الأمم الفاجرة الكافرة أهلكها القهار، وأحل بديارها البوار، فكيف نكست أحوالهم فانقلبوا بعد ما مكنوا فيه إلى هوان وذلة ودمار ؛ وكثير من القرى التي كذبت رسلي، فحلمت عليهم ليتذكروا من يتذكر، ثم لما جاء أجلهم خربت ديارهم، وغورت ماءهم، وهدمت قصورهم ؛ أفعموا فلم يمشوا في نواحي وجهات الأرض ويعتبروا بآثار الأمم التي سادت ثم بادت، وملكت ثم هلكت، أم أن عيون الأبصار مفتوحة، وعيون البصيرة والاعتبار مغلقة، فإن عمى البصائر هو العمى الذي يردي، مصداقا لوعد المولى الحق :{ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) ؛ ولو لم تطمس بصائرهم لكان في مشاهدتهم لأثار من دمروا أبلغ معتبر ومزدجر أن يصيبهم ما أصاب الفجار قبلهم ؛ يقول الحق جل علاه :{ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) ؛ ولو كانوا يزدجرون، لما استعجلوا نزول العذاب استبعادا لحصوله ووقوعه ونزوله، كالذين رموا رسول الله إليهم بالسفاهة والذب وقالوا ما حكاه القرآن الحكيم :{... فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ فوقع عليهم من ربهم الرجس والغضب، وقطع الله دابر هؤلاء المكذبين من قوم هود ـ عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء أزكى صلاة وأفضل تسليم ـ ومن بعدهم قوم صالح عليه السلام، إذ جاءهم بالناقة آية على صدقه في دعوى الرسالة وناداهم وقال :{.. يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ) ؛ لكنهم استحبوا العمى على الهدى، واستعجلوا البطشة الكبرى :{ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين. فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) ؛ ومن قبلهما قوم نوح عليه السلام إذ حلم عليهم وصبر على تكذيبهم وأذاهم ألف سنة إلا خمسين عاما فما ازدادوا من الحق والرشد إلا فرارا ؛ وتلطف في ترغيبهم وترهيبهم فمكروا مكرا كبارا ؛ ومضوا يتواصون بالكفران والفجور والطغيان، وضاقوا بأول أولي العزم من الرسل عليه الصلاة السلام، وتحدوه أن ينزل بهم ما توعدهم الله من بأس فاستعجلوا بما يقطع دابرهم :{ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ وأكابر المجرمين من المشركين أكثروا طلب حلول العذاب الذي أنذروه على لسان خاتم النبيين، واستبعدوا أن يحل بهم بلاء في الدنيا أو في يوم الدين، ولقد حكى عنهم في ست سور مباركات هذا الاستخفاف بقول لم يتبدل :{ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) ؛ كما دعا شقي من أشقيائهم وكانوا على آثاره مقتدين، فكأنهم جميعا كانوا لذلك راجين :{ وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ).
﴿ ولن يخلف الله وعده ﴾ فإنه سبحانه يحقق ما وعد، وهو على ذلك وعلى كل شيء قدير ؛ ﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ ومهما أذقناهم من العذاب فإن العذاب الذي ينتظرهم يوم يقوم الناس لرب العالمين أشد وأبقى، واليوم الواحد من أيام خزيهم وحسراتهم وآلامهم في دركات دار ندامتهم وحريقهم لهو في ثقله وطول بلائه كألف سنة من سني الدنيا
﴿ أصحاب مدين ﴾ قوم شعيب عليه السلام.
﴿ أمليت ﴾ أخرت عنهم العقاب. ﴿ أخذتهم ﴾ عاقبتهم وأهلكتهم.
﴿ نكير ﴾ إنكاري عليهم، وتغييري ما كانوا فيه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في هذه الآيات الكريمات ما يثبت الله تعالى به فؤاد النبي الأمين، ومن اتبعه من المؤمنين، على منهاج الحق والدين القويم، فإنه مهما جحد الجاحدون، وصد الجبارون المتكبرون، فقد سبقهم في هذا البغي والعتو كثيرون، فأمهلهم القوي العزيز، وكلما جاء حين البطشة بأمة من تلك الأمم الفاجرة الكافرة أهلكها القهار، وأحل بديارها البوار، فكيف نكست أحوالهم فانقلبوا بعد ما مكنوا فيه إلى هوان وذلة ودمار ؛ وكثير من القرى التي كذبت رسلي، فحلمت عليهم ليتذكروا من يتذكر، ثم لما جاء أجلهم خربت ديارهم، وغورت ماءهم، وهدمت قصورهم ؛ أفعموا فلم يمشوا في نواحي وجهات الأرض ويعتبروا بآثار الأمم التي سادت ثم بادت، وملكت ثم هلكت، أم أن عيون الأبصار مفتوحة، وعيون البصيرة والاعتبار مغلقة، فإن عمى البصائر هو العمى الذي يردي، مصداقا لوعد المولى الحق :{ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) ؛ ولو لم تطمس بصائرهم لكان في مشاهدتهم لأثار من دمروا أبلغ معتبر ومزدجر أن يصيبهم ما أصاب الفجار قبلهم ؛ يقول الحق جل علاه :{ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) ؛ ولو كانوا يزدجرون، لما استعجلوا نزول العذاب استبعادا لحصوله ووقوعه ونزوله، كالذين رموا رسول الله إليهم بالسفاهة والذب وقالوا ما حكاه القرآن الحكيم :{... فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ فوقع عليهم من ربهم الرجس والغضب، وقطع الله دابر هؤلاء المكذبين من قوم هود ـ عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء أزكى صلاة وأفضل تسليم ـ ومن بعدهم قوم صالح عليه السلام، إذ جاءهم بالناقة آية على صدقه في دعوى الرسالة وناداهم وقال :{.. يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ) ؛ لكنهم استحبوا العمى على الهدى، واستعجلوا البطشة الكبرى :{ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين. فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) ؛ ومن قبلهما قوم نوح عليه السلام إذ حلم عليهم وصبر على تكذيبهم وأذاهم ألف سنة إلا خمسين عاما فما ازدادوا من الحق والرشد إلا فرارا ؛ وتلطف في ترغيبهم وترهيبهم فمكروا مكرا كبارا ؛ ومضوا يتواصون بالكفران والفجور والطغيان، وضاقوا بأول أولي العزم من الرسل عليه الصلاة السلام، وتحدوه أن ينزل بهم ما توعدهم الله من بأس فاستعجلوا بما يقطع دابرهم :{ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ وأكابر المجرمين من المشركين أكثروا طلب حلول العذاب الذي أنذروه على لسان خاتم النبيين، واستبعدوا أن يحل بهم بلاء في الدنيا أو في يوم الدين، ولقد حكى عنهم في ست سور مباركات هذا الاستخفاف بقول لم يتبدل :{ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) ؛ كما دعا شقي من أشقيائهم وكانوا على آثاره مقتدين، فكأنهم جميعا كانوا لذلك راجين :{ وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ).
﴿ ولن يخلف الله وعده ﴾ فإنه سبحانه يحقق ما وعد، وهو على ذلك وعلى كل شيء قدير ؛ ﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ ومهما أذقناهم من العذاب فإن العذاب الذي ينتظرهم يوم يقوم الناس لرب العالمين أشد وأبقى، واليوم الواحد من أيام خزيهم وحسراتهم وآلامهم في دركات دار ندامتهم وحريقهم لهو في ثقله وطول بلائه كألف سنة من سني الدنيا
﴿ فكأين ﴾ فكثير.
﴿ خاوية ﴾ ساقطة، أو خالية. ﴿ عروشها ﴾ سقوفها. ﴿ معطلة ﴾ متروكة.
﴿ مشيد ﴾ رفيع طويل، أو حصين، أو معمول بالجص والبلاط.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في هذه الآيات الكريمات ما يثبت الله تعالى به فؤاد النبي الأمين، ومن اتبعه من المؤمنين، على منهاج الحق والدين القويم، فإنه مهما جحد الجاحدون، وصد الجبارون المتكبرون، فقد سبقهم في هذا البغي والعتو كثيرون، فأمهلهم القوي العزيز، وكلما جاء حين البطشة بأمة من تلك الأمم الفاجرة الكافرة أهلكها القهار، وأحل بديارها البوار، فكيف نكست أحوالهم فانقلبوا بعد ما مكنوا فيه إلى هوان وذلة ودمار ؛ وكثير من القرى التي كذبت رسلي، فحلمت عليهم ليتذكروا من يتذكر، ثم لما جاء أجلهم خربت ديارهم، وغورت ماءهم، وهدمت قصورهم ؛ أفعموا فلم يمشوا في نواحي وجهات الأرض ويعتبروا بآثار الأمم التي سادت ثم بادت، وملكت ثم هلكت، أم أن عيون الأبصار مفتوحة، وعيون البصيرة والاعتبار مغلقة، فإن عمى البصائر هو العمى الذي يردي، مصداقا لوعد المولى الحق :{ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) ؛ ولو لم تطمس بصائرهم لكان في مشاهدتهم لأثار من دمروا أبلغ معتبر ومزدجر أن يصيبهم ما أصاب الفجار قبلهم ؛ يقول الحق جل علاه :{ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) ؛ ولو كانوا يزدجرون، لما استعجلوا نزول العذاب استبعادا لحصوله ووقوعه ونزوله، كالذين رموا رسول الله إليهم بالسفاهة والذب وقالوا ما حكاه القرآن الحكيم :{... فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ فوقع عليهم من ربهم الرجس والغضب، وقطع الله دابر هؤلاء المكذبين من قوم هود ـ عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء أزكى صلاة وأفضل تسليم ـ ومن بعدهم قوم صالح عليه السلام، إذ جاءهم بالناقة آية على صدقه في دعوى الرسالة وناداهم وقال :{.. يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ) ؛ لكنهم استحبوا العمى على الهدى، واستعجلوا البطشة الكبرى :{ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين. فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) ؛ ومن قبلهما قوم نوح عليه السلام إذ حلم عليهم وصبر على تكذيبهم وأذاهم ألف سنة إلا خمسين عاما فما ازدادوا من الحق والرشد إلا فرارا ؛ وتلطف في ترغيبهم وترهيبهم فمكروا مكرا كبارا ؛ ومضوا يتواصون بالكفران والفجور والطغيان، وضاقوا بأول أولي العزم من الرسل عليه الصلاة السلام، وتحدوه أن ينزل بهم ما توعدهم الله من بأس فاستعجلوا بما يقطع دابرهم :{ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ وأكابر المجرمين من المشركين أكثروا طلب حلول العذاب الذي أنذروه على لسان خاتم النبيين، واستبعدوا أن يحل بهم بلاء في الدنيا أو في يوم الدين، ولقد حكى عنهم في ست سور مباركات هذا الاستخفاف بقول لم يتبدل :{ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) ؛ كما دعا شقي من أشقيائهم وكانوا على آثاره مقتدين، فكأنهم جميعا كانوا لذلك راجين :{ وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ).
﴿ ولن يخلف الله وعده ﴾ فإنه سبحانه يحقق ما وعد، وهو على ذلك وعلى كل شيء قدير ؛ ﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ ومهما أذقناهم من العذاب فإن العذاب الذي ينتظرهم يوم يقوم الناس لرب العالمين أشد وأبقى، واليوم الواحد من أيام خزيهم وحسراتهم وآلامهم في دركات دار ندامتهم وحريقهم لهو في ثقله وطول بلائه كألف سنة من سني الدنيا
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في هذه الآيات الكريمات ما يثبت الله تعالى به فؤاد النبي الأمين، ومن اتبعه من المؤمنين، على منهاج الحق والدين القويم، فإنه مهما جحد الجاحدون، وصد الجبارون المتكبرون، فقد سبقهم في هذا البغي والعتو كثيرون، فأمهلهم القوي العزيز، وكلما جاء حين البطشة بأمة من تلك الأمم الفاجرة الكافرة أهلكها القهار، وأحل بديارها البوار، فكيف نكست أحوالهم فانقلبوا بعد ما مكنوا فيه إلى هوان وذلة ودمار ؛ وكثير من القرى التي كذبت رسلي، فحلمت عليهم ليتذكروا من يتذكر، ثم لما جاء أجلهم خربت ديارهم، وغورت ماءهم، وهدمت قصورهم ؛ أفعموا فلم يمشوا في نواحي وجهات الأرض ويعتبروا بآثار الأمم التي سادت ثم بادت، وملكت ثم هلكت، أم أن عيون الأبصار مفتوحة، وعيون البصيرة والاعتبار مغلقة، فإن عمى البصائر هو العمى الذي يردي، مصداقا لوعد المولى الحق :{ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) ؛ ولو لم تطمس بصائرهم لكان في مشاهدتهم لأثار من دمروا أبلغ معتبر ومزدجر أن يصيبهم ما أصاب الفجار قبلهم ؛ يقول الحق جل علاه :{ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) ؛ ولو كانوا يزدجرون، لما استعجلوا نزول العذاب استبعادا لحصوله ووقوعه ونزوله، كالذين رموا رسول الله إليهم بالسفاهة والذب وقالوا ما حكاه القرآن الحكيم :{... فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ فوقع عليهم من ربهم الرجس والغضب، وقطع الله دابر هؤلاء المكذبين من قوم هود ـ عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء أزكى صلاة وأفضل تسليم ـ ومن بعدهم قوم صالح عليه السلام، إذ جاءهم بالناقة آية على صدقه في دعوى الرسالة وناداهم وقال :{.. يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ) ؛ لكنهم استحبوا العمى على الهدى، واستعجلوا البطشة الكبرى :{ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين. فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) ؛ ومن قبلهما قوم نوح عليه السلام إذ حلم عليهم وصبر على تكذيبهم وأذاهم ألف سنة إلا خمسين عاما فما ازدادوا من الحق والرشد إلا فرارا ؛ وتلطف في ترغيبهم وترهيبهم فمكروا مكرا كبارا ؛ ومضوا يتواصون بالكفران والفجور والطغيان، وضاقوا بأول أولي العزم من الرسل عليه الصلاة السلام، وتحدوه أن ينزل بهم ما توعدهم الله من بأس فاستعجلوا بما يقطع دابرهم :{ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ وأكابر المجرمين من المشركين أكثروا طلب حلول العذاب الذي أنذروه على لسان خاتم النبيين، واستبعدوا أن يحل بهم بلاء في الدنيا أو في يوم الدين، ولقد حكى عنهم في ست سور مباركات هذا الاستخفاف بقول لم يتبدل :{ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) ؛ كما دعا شقي من أشقيائهم وكانوا على آثاره مقتدين، فكأنهم جميعا كانوا لذلك راجين :{ وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ).
﴿ ولن يخلف الله وعده ﴾ فإنه سبحانه يحقق ما وعد، وهو على ذلك وعلى كل شيء قدير ؛ ﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ ومهما أذقناهم من العذاب فإن العذاب الذي ينتظرهم يوم يقوم الناس لرب العالمين أشد وأبقى، واليوم الواحد من أيام خزيهم وحسراتهم وآلامهم في دركات دار ندامتهم وحريقهم لهو في ثقله وطول بلائه كألف سنة من سني الدنيا
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:في هذه الآيات الكريمات ما يثبت الله تعالى به فؤاد النبي الأمين، ومن اتبعه من المؤمنين، على منهاج الحق والدين القويم، فإنه مهما جحد الجاحدون، وصد الجبارون المتكبرون، فقد سبقهم في هذا البغي والعتو كثيرون، فأمهلهم القوي العزيز، وكلما جاء حين البطشة بأمة من تلك الأمم الفاجرة الكافرة أهلكها القهار، وأحل بديارها البوار، فكيف نكست أحوالهم فانقلبوا بعد ما مكنوا فيه إلى هوان وذلة ودمار ؛ وكثير من القرى التي كذبت رسلي، فحلمت عليهم ليتذكروا من يتذكر، ثم لما جاء أجلهم خربت ديارهم، وغورت ماءهم، وهدمت قصورهم ؛ أفعموا فلم يمشوا في نواحي وجهات الأرض ويعتبروا بآثار الأمم التي سادت ثم بادت، وملكت ثم هلكت، أم أن عيون الأبصار مفتوحة، وعيون البصيرة والاعتبار مغلقة، فإن عمى البصائر هو العمى الذي يردي، مصداقا لوعد المولى الحق :{ ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) ؛ ولو لم تطمس بصائرهم لكان في مشاهدتهم لأثار من دمروا أبلغ معتبر ومزدجر أن يصيبهم ما أصاب الفجار قبلهم ؛ يقول الحق جل علاه :{ أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) ؛ ولو كانوا يزدجرون، لما استعجلوا نزول العذاب استبعادا لحصوله ووقوعه ونزوله، كالذين رموا رسول الله إليهم بالسفاهة والذب وقالوا ما حكاه القرآن الحكيم :{... فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ فوقع عليهم من ربهم الرجس والغضب، وقطع الله دابر هؤلاء المكذبين من قوم هود ـ عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء أزكى صلاة وأفضل تسليم ـ ومن بعدهم قوم صالح عليه السلام، إذ جاءهم بالناقة آية على صدقه في دعوى الرسالة وناداهم وقال :{.. يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ) ؛ لكنهم استحبوا العمى على الهدى، واستعجلوا البطشة الكبرى :{ فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين. فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) ؛ ومن قبلهما قوم نوح عليه السلام إذ حلم عليهم وصبر على تكذيبهم وأذاهم ألف سنة إلا خمسين عاما فما ازدادوا من الحق والرشد إلا فرارا ؛ وتلطف في ترغيبهم وترهيبهم فمكروا مكرا كبارا ؛ ومضوا يتواصون بالكفران والفجور والطغيان، وضاقوا بأول أولي العزم من الرسل عليه الصلاة السلام، وتحدوه أن ينزل بهم ما توعدهم الله من بأس فاستعجلوا بما يقطع دابرهم :{ قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ وأكابر المجرمين من المشركين أكثروا طلب حلول العذاب الذي أنذروه على لسان خاتم النبيين، واستبعدوا أن يحل بهم بلاء في الدنيا أو في يوم الدين، ولقد حكى عنهم في ست سور مباركات هذا الاستخفاف بقول لم يتبدل :{ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) ؛ كما دعا شقي من أشقيائهم وكانوا على آثاره مقتدين، فكأنهم جميعا كانوا لذلك راجين :{ وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ).
﴿ ولن يخلف الله وعده ﴾ فإنه سبحانه يحقق ما وعد، وهو على ذلك وعلى كل شيء قدير ؛ ﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ ومهما أذقناهم من العذاب فإن العذاب الذي ينتظرهم يوم يقوم الناس لرب العالمين أشد وأبقى، واليوم الواحد من أيام خزيهم وحسراتهم وآلامهم في دركات دار ندامتهم وحريقهم لهو في ثقله وطول بلائه كألف سنة من سني الدنيا
﴿ وكأي من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ﴾
﴿ المصير ﴾ المرجع والمآب.
وكثير هم أهل القرى التي عتت عن أمر ربها ورسله، وكانوا أشد قوة من قريتك التي أخرجتك، وكانوا أكثر من مشركي قريش أموالا وأولادا، ومع استحلالهم الحرمات وتكذيبهم الرسل والرسالات، أمهلت كل قوم من أولئك الأقوام الفجرة الظلام، حتى إذا جاء وقت إحلال بأسي بهم أهلكتهم فإني عزيز ذو انتقام، ومردهم بعد ذلك إلي فأصليهم حر السعير وسوء المستقر والمقام.
مما يقول صاحب جامع البيان أبو جعفر بن جرير الطبري " وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون بالله على ما أتيتهم به من الحق والبرهان وما تعدهم من العذاب على كفرهم بالله، فذلك سنة إخوانهم من الأمم الخالية.. ومنهاجهم من قبلهم فلا يصدنك ذلك، فإن العذاب المهين من ورائهم، ونصري إياك وأتباعك عليهم آتيهم من وراء ذلك، كما أتى عذابي أسلافهم من الأمم الذين من قبلهم، بعد الإمهال إلى بلوغ الآجال... ﴿ فكيف كان نكير ﴾ يقول : فانظر يا محمد كيف كان تغييري ما كان بهم من نعمة، وتنكيري لهم عما كنت عليه من الإحسان إليهم ؟ ! ؛ ألم أبدلهم بالكثرة قلة ؟ ! وبالحياة موتا وهلاكا ؟ ! وبالعمارة خرابا ؟ يقول : فكذلك فعلي بمكذبيك من قريش وإن أمليت لهم إلى آجالهم فإني منجزك وعدي فيهم كما أنجزت غيرك من رسلي وعدي في أممهم.. فكأين من قرية أهلكناها ومن بئر عطلناها بإفناء أهلها، وإهلاك وارديها، فاندفنت وتعطلت فلا واردة لها ولا شاربة منها، ومن قصر مشيد رفيع بالصخور والجص قد خلا من سكانه بما أذقنا أهله من عذابنا بسوء فعالهم، فبادوا وبقيت قصورهم المشيدة خالية منهم... أفلم يسيروا هؤلاء المكذبون بآيات الله والجاحدون قدرته في البلاد فينظروا إلى مصارع ضربائهم من مكذبي رسل الله الذين خلوا من قبل... فينيبوا من عتوهم وكفرهم ويكون لهم إذا تدبروا ذلك واعتبروا به وأنابوا إلى الحق ﴿ قلوب يعقلون بها ﴾ حجج الله على خلقه وقدرته على ما بينا ؛ ﴿ أو آذان يسمعون بها ﴾.. تصغي لسماع الحق فتعي ذلك وتميز بينه وبين الباطل.. ﴿ ولن يخلف الله وعده ﴾ الذي وعدك فيهم من إحلال عذابه ونقمته بهم في عاجل الدنيا، ففعل ذلك ووفى لهم بما وعدهم، فقتلهم يوم بدر... عني بقوله :﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ نفي العجلة عن نفسه، ووصفها بالأناة والانتظار... ﴿ وكأين من قرية أمليت لها ﴾.. أمهلتهم وأخرت عذابهم وهم بالله مشركون، ولأمره مخالفون... ثم أخذتها بالعذاب فعذبتها في الدنيا بإحلال عقوبتنا بهم... وإلى مصيرهم أيضا بعد هلاكهم، فيلقون من العذاب حينئذ مالا انقطاع له اه.
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ { ٤٩ ) فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ { ٥٠ ) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ { ٥١ ) ﴾
﴿ نذير ﴾ مخوف من مصير من فسق وكفر. ﴿ مبين ﴾ موضح ومظهر.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:سنة الله تعالى أن يبعث في كل أمة من يخوفها ويحذرها مصير فسق وكفر ﴿.. وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) ؛ والرسل لا يملكون من أمر الناس إلا أن يبلغوهم، ويبينوا لهم ما جاءهم من ربهم ؛ ولعل مناسبة الآية لما قبلها أنهم حين يتحدون الرسول أن ينزل بهم العذاب الموعود إنما يطالبونه بشيء لا يملكه، والذي يملك إنزال العذاب بهم إنما هو الله تعالى وعده ؛ وكذلك نوح عليه السلام على قومه ! إذ قالوا :{.. يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؛ فأجابهم بما نطقت به الآية الكريمة :{ قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ) ؛ وكذلك ها هنا. أمر خاتم النبيين عليه الصلوات والتسليم أن يقول للمتعنتين الداعين بالشر المستعجلين : لست إلا منذرا، مبينا وموضحا، ومحذرا مخوفا، ـ من غير أن يكون لي دخل في إتيان ما تستعجلون،... وأما وجه ذكر المؤمنين وثوابهم في قوله تعالى :{ فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم ﴾ فالزيادة في إغاظة المشركين، فهو بحسب المآل إنذار ؛ ويجوز أن يقال : إن قوله سبحانه :﴿ فالذين آمنوا.. ﴾ الآية، تفصيل لمن نجع فيه الإنذار من الناس المشركين، ومن بقي منهم على كفره.. فمن آمن ورجع عما هو عليه فله كذا، ومن داوم على كفره واستمر على ما هو عليه فله كذا... والمراد بالرزق الكريم هنا الجنة.. وكذلك في جميع القرآن.. ؛ ومعنى الكريم ـ في صفات غير الآدميين ـ : الفائق
﴿ مغفرة ﴾ صفح عن الزلات وستر للسيئات. ﴿ ورزق كريم ﴾ عطاء واسع.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٩:مدنية
وآياتها ثمان وسبعون
كلماتها١٢٩١ ؛ حروفها : ٥١٧٥
﴿ والذين سعوا في آياتنا ﴾
﴿ سعوا في آياتنا ﴾ بذلوا الجهد في إبطالها. ﴿ معاجزين ﴾ مسابقين للمؤمنين.
أي بذلوا الجهد في إبطالها، فسموه تارة سحرا، وتارة شعرا، وتارة أساطير الأولين ؛ وأصل السعي : الإسراع في المشي، ويطلق على الإصلاح والإفساد، يقال : سعى في أمر فلان إذا أصلحه أو أفسده بسعيه فيه ؛ ﴿ معاجزين ﴾ أي مسابقين المؤمنين ؛ والمراد بمسابقتهم : مشاقتهم لهم ومعارضتهم، فكلما طلبوا إظهار الحق طلب هؤلاء إبطاله.. ﴿ أولئك ﴾ الموصوفون بما ذكر ﴿ أصحاب الجحيم ﴾ أي ملازموا النار الشديدة التأجج، وقيل : هو اسم دركة من دركات النار
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ { ٥٢ ) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ { ٥٣ ) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { ٥٤ ) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ { ٥٥ ) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ { ٥٦ ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ { ٥٧ ) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ { ٥٨ ) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ { ٥٩ ) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ { ٦٠ ) ﴾
﴿ رسول ﴾ إنسان رجل أوحى الله تعالى إليه بشرع يعمل به ويبلغه للناس.
﴿ نبي ﴾ إنسان رجل أوحى الله تعالى إليه بشرع يعمل به.
﴿ تمنى ﴾ قال، أو : حدث ؛ أو : قرأ وتلا.
﴿ فينسخ ﴾ فيزيل ويمحي ويبطل.
يذكر الله تعالى بسنته في من قد أرسل قبل خاتم النبيين، وسنته سبحانه لا تتبدل ولا تتحول، بل تمضي على سننها إلى يوم الدين، فما أرسل المولى سبحانه من رسول ولا نبي إلا وحاله أنه إذا قرأ شيئا من الآيات ألقى الشيطان الشبه والتخيلات فيما يقرؤه على أوليائه ليجادلوه بالباطل، ويردوا ما جاء به، كما قال تعالى :﴿ .. وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم.. ) ؛ وقال سبحانه :{ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.. ) : وهذا كقولهم عند سماع قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم :{ .. حرم عليكم الميتة.. ). إنه يحل ذبيحة نفسه ويحرم ذبح الله تعالى، وقولهم على ما في بعض الروايات عند سماع قراءته عليه الصلاة والسلام :{ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم.. ﴾ إن عيسى عبد من دون الله تعالى، والملائكة - عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى ﴿ فينسخ الله ما يلقي الشيطان ﴾ أي فيبطل ما يلقيه من تلك الشبه ويذهب به بتوفيق النبي صلى الله عليه وسلم لرده، أو بإنزال ما يرده ؛ ﴿ ثم يحكم الله آياته ﴾ يأتي بها محكمة مثبتة لا تقبل الرد بوجه من الوجوه، و﴿ ثم ﴾ للتراخي الرتبي فإن الإحكام أعلا رتبة من النسخ ؛ وصيغة المضارع في الفعلين للدلالة على الاستمرار التجددي.. ؛ ﴿ والله عليم ﴾ مبالغ في العلم بكل ما من شأنه أن يعلم، ومن جملته ما يصدر من الشيطان وأوليائه ﴿ حكيم ﴾ في كل ما يفعل، ومن جملته تمكين الشيطان من إلقاء الشبه، وأوليائه من المجادلة بها، وإبداؤه تعالى ردها .
﴿ ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ﴾
﴿ شقاق بعيد ﴾ مخالفة تامة، وعداوة شديدة.
﴿ فتنة ﴾ عذابا ؛ أو : بلاء واختبارا.
وربنا القوي القدير لا يعجزه أن يحول بين الشيطان الإنسي أو الجني وبين السعي في آيات الله وبذل الجهد في إبطالها، كما قال سبحانه ﴿ .. ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ) ؛ لكنه جلت حكمته جعل ذلك ابتلاء واختبارا، كما بين جل ثناؤه في آية كريمة :{ ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ) ؛ وبذلك كانوا يتواصون ويقولون ما حكاه الكتاب المجيد :{ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) ؛ والمفتونون بتلك الشبه إما أن يكونوا منافقين، { في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا.. ) ؛ أي شك ونفاق، وهو المناسب.. وتخصيص المرض بالقلب مؤيد له لعدم إظهار كفرهم.. { والقاسية قلوبهم ﴾ أي الكفار المجاهرين... ورجح ما قاله ابن عطية بأن أمر التعليل عليه أظهر، أي : فينسخ الله تعالى ما يلقيه الشيطان ويرده ليجعله بسبب الرد وظهور فساد التمسك به عذابا للمنافقين، أي سببا لعذابهم حيث استرسلوا معه مع ظهور فساده.. ؛ وهذا على أن معنى :﴿ فتنة ﴾ عذابا ؛ ﴿ وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ﴾ وإن المتجاوزين الحد، منافقين أو مجاهرين بالكفر لفي مخالفة عن الحق تامة، وعداوة للمهتدين شديدة ؛ { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ).
﴿ فتخبت ﴾ فتخضع وتنقاد.
﴿ وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك ﴾ وضمير ﴿ أنه ﴾ لتمكين الشيطان من الإلقاء، أي : وليعلم أن ذلك التمكين هو الحق المتضمن للحكمة البالغة ، ﴿ فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم ﴾ فيثبتوا على الإيمان، ويزدادوا إيمانا فتخضع لمنهاج الله تعالى وتنقاد قلوبهم ؛ ﴿ وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ﴾ وإن المعبود بحق جل ذكره وتبارك اسمه لمثبت الذين آمنوا على الطريق الموصلة إلى رضاه، وسعادة المؤمن في أولاه وأخراه، وإنها لسبيل قويمة لا زيغ فيها ولا عوج.
﴿ ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم ﴾
﴿ مرية ﴾ شك. ﴿ الساعة ﴾ القيامة.
﴿ بغتة ﴾ فجأة. ﴿ يوم عقيم ﴾ منفرد عن سائر الأيام لا مثل له ولا يوم بعده.
قال ابن زيد :﴿ منه ﴾ أي : مما ألقى الشيطان ؛ فيكون المعنى : وسيبقى أهل الشك والريب وقسوة القلب من الكافرين مخدوعين بوساوس وشبهات الشياطين، حتى تفجأهم القيامة وهم في طغيانهم يعمهون، وفي ريبهم يترددون ؛ ويوم الحساب والجزاء الذي لا ليل له لا ينصرون، بل هم في عذاب جهنم خالدون ؛ كأن كل يوم يلد ما بعده من الأيام، فما لا يوم بعده يكون عقيما، والمراد به الساعة بمعنى يوم القيامة أيضا، كأنه قيل : أو يأتيهم عذابها، فوضع ذلك موضع ضميرها لمزيد التهويل والتخويف ؛ و﴿ أو ﴾ في محلها لتغاير الساعة وعذابها، وهي لمنع الخلو ؛ وكأن المراد المبالغة في استمرارهم على المرية-.
﴿ الملك يومئذ لله يحكم بينهم ﴾ يوم تقوم الساعة، ويشاهد عذابها وكربها لا يملك أحد شيئا، وحتى ما كان من الملك الصوري في الدنيا ينقطع، وليس لأحد تصرف في أمر من الأمور لا صورة ولا معنى، وإنما ينفرد بالملك والسلطان والقهر والحكم والاستيلاء الله وحده لا شريك له :﴿ .. لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ) ؛ فيقضي الله تعالى ويفصل، ويحكم لا معقب لحكمه، ويأمر بمجازاة كل بما عمل، { فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم ﴾ فأما أهل التصديق واليقين، والذين استقاموا على منهاج رب العامين، وقدموا أعمال البر والطاعة والخير، فأولئك في غرفات الجنة آمنون، وفي النعيم والرضوان خالدون.
﴿ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ﴾ ومن لم يؤمن بالله ورسوله وبكل ما يجب الإيمان به بل شك ولم يستيقن، وجحد ولم يذعن، وكذب بالقرآن والبرهان كفرت قلوبهم بالحق وجحدته وكذبوا به وخالفوا الرسل، واستكبروا عن اتباعهم، ﴿ فأولئك لهم عذاب مهين ﴾ أي مقابل استكبارهم وإبائهم عن الحق، كقوله تعالى :{ .. إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) أي صاغرين .
﴿ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وإن الله لهو خير الرازقين. ليدخلنهم مدخلا يرضونه ﴾
﴿ رزقا حسنا ﴾ في البرزخ، أو بعد البعث.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ومن يحتمل الأذى من أجل الوصول إلى مرضاة الله تعالى ونصرة دينه، ولا تقعده عن حماية دعوة الحق، ونشر لواء الهداية أموال ولا أوطان، ولا أهل ولا خلان، ثم قتل فمات شهيدا، أو فارق الحياة من غير قتال، فإن المولى الشكور الغفور يعظم أجره، ويعلي درجته وقدره، ويغدق عليه فضلا كثيرا، ويلقى نضرة وسرورا، وجنة وحريرا ؛ ﴿ وإن الله لعليم حليم ﴾ أحاط علمه سبحانه بمن أخلص الهجرة والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا ؛ ويحلم جل ذكره ويصفح عن سيئة يكون قد ألم بها ؛ وحديث أم حرام في الصحيح ؛ وفيه نام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عند خالته أم حرام بنت ملحان فاستيقظ وهو يضحك فقالت ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال :" ناس من أمتي يعرضون علي يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة " قالت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال :" أنت منهم " ثم نام صلى الله عليه وسلم فاستيقظ وهو يضحك : فقالت ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال :" ناس من أمتي يعرضون علي يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة " قالت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني من الأولين ؛ قال :" أنت من الأولين " ؛ ومعلوم أن أم حرام رضي الله عنها خرجت مع المجاهدين في البحر حتى دخلوا وهي معهم جزيرة قبرص، فصرعت عن دابتها فماتت ولم تقتل، فعلم أن الميت في سبيل الله والمقتول في سبيل الله كلاهما شهيد ؛ هذا وقد بقي مسجد في قبرص يحمل اسمها رضي الله عنها
﴿ مدخلا يرضونه ﴾ درجات في الجنة ترضيهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ومن يحتمل الأذى من أجل الوصول إلى مرضاة الله تعالى ونصرة دينه، ولا تقعده عن حماية دعوة الحق، ونشر لواء الهداية أموال ولا أوطان، ولا أهل ولا خلان، ثم قتل فمات شهيدا، أو فارق الحياة من غير قتال، فإن المولى الشكور الغفور يعظم أجره، ويعلي درجته وقدره، ويغدق عليه فضلا كثيرا، ويلقى نضرة وسرورا، وجنة وحريرا ؛ ﴿ وإن الله لعليم حليم ﴾ أحاط علمه سبحانه بمن أخلص الهجرة والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا ؛ ويحلم جل ذكره ويصفح عن سيئة يكون قد ألم بها ؛ وحديث أم حرام في الصحيح ؛ وفيه نام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عند خالته أم حرام بنت ملحان فاستيقظ وهو يضحك فقالت ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال :" ناس من أمتي يعرضون علي يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة " قالت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، قال :" أنت منهم " ثم نام صلى الله عليه وسلم فاستيقظ وهو يضحك : فقالت ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال :" ناس من أمتي يعرضون علي يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة " قالت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني من الأولين ؛ قال :" أنت من الأولين " ؛ ومعلوم أن أم حرام رضي الله عنها خرجت مع المجاهدين في البحر حتى دخلوا وهي معهم جزيرة قبرص، فصرعت عن دابتها فماتت ولم تقتل، فعلم أن الميت في سبيل الله والمقتول في سبيل الله كلاهما شهيد ؛ هذا وقد بقي مسجد في قبرص يحمل اسمها رضي الله عنها
﴿ ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ﴾
بين أنه مع إكرامه لهم في الآخرة لا يدع نصرهم في الدنيا.. فقال :﴿ ذلك ﴾ قال الزجاج : أي الأمر ما قصصنا عليكم من إنجاز الوعد.. ؛ ﴿ ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله ﴾ والذي يدفع عن نفسه وعمن وعما شرع له أن يدفع عنه، ويجازي الجاني بمثل ما جنى به عليه، أذن له من الله تعالى أن يدافع فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، سمى الابتداء باسم الجزاء للطباق والملابسة من حيث إن ذلك سبب وهذا مسبب عنه ؛ ﴿ ثم بغي عليه ﴾ أي ثم كان المجازي مبغيا عليه، أي مظلوما، ومعنى ﴿ ثم ﴾ تفاوت الرتبة، لأن كونه مبدوءا بالقتال معه نوع ظلم، كما قيل : البادئ أظلم، وهو موجب لنصرته ظاهرا، إلا أن كونه في نفس الأمر مظلوما هو السبب الأصلي في النصرة [ يقول تعالى ذكره : إن الله لذو عفو وصفح لمن انتصر ممن ظلمه من بعد ما ظلمه الظالم بحق، غفور لما فعل ببادئه بالظلم مثل الذي فعل به، غير معاقبه عليه ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ربنا خير الناصرين، وولي المتقين، لا يفوته ولا يعجزه أن يخذل الباغين، لأنه سبحانه قادر على تغليب بعض المخلوقات على بعض، ويدخل ما ينقص من ساعات الليل في ساعات النهار، ويدخل ما انتقص من ساعات النهار في ساعات الليل ؛ وفعل ذلك أيضا بأنه وعى سمعه كل ما يقولون لا يخفى عليه منه شيء، وأنه جل ذكره وتبارك اسمه يرى كل شيء، ومنه ما يعملونه، لا يغيب عن بصره مرئي ولا عمل ؛ ﴿ ذلك ﴾ ـ أي الوصف بخلق الملوين وبالإحاطة بما يجري فيهما بسبب أن الحقيقة منحصرة في ذاته، وأن وجود غيره ولاسيما الأوثان موسوم بالبطلان.. ويعلم مما ذكر أنه لا شيء أعلى منه شأنا وأكبر سلطانا ؛.....
ثم ذكر أنواعا أخر من دلائل قدرته ونعمته فقال :﴿ ألم تر ﴾ قيل : هي رؤية البصر لأن نزول الماء من جهة السماء أو اخضرار النبات من المبصرات ؛ وقيل : بمعنى العلم، لأن الرؤية إذا لم يقترن بها العلم لم يعتد بها ؛ وفي قوله :﴿ فتصبح ﴾ دون أن يقول : فأصبحت مناسبا لـ﴿ أنزل ﴾ إشارة إلى بقاء أثر المطر زمانا طويلا....
ولا يبعد أن تكون هذه الآية إشارة إلى دليل الإعادة كما في أول السورة ؛ وهذا قول أبي مسلم ﴿ إن الله لطيف خبير ﴾ قال الكلبي : لطيف في أفعاله خبير بأعمال خلقه ؛ وقال مقاتل :﴿ لطيف ﴾ باستخراج النبت ؛ ﴿ خبير ﴾ بكيفية خلقه ؛ وقال ابن عباس :﴿ لطيف ﴾ بأرزاق عباده ﴿ خبير ﴾ بما في قلوبهم من القنوط... ثم بين أن كل ما في السماوات والأرض مِلكه ومُلكه لا يمتنع شيء من تصرفاته وهو غني عن كل ذلك، وإنما خلقها لحاجة المكلفين إليها، ومنها ومن جملتها المطر والنبات خلقها رحمة للحيوانات وإنعاما عليها، وإذا كان إنعامه خاليا عن عرض عائد إليه كان مستحقا للحمد، بل هو حميد في ذاته وإن لم يحمده الحامدون ؛ من جملة نعم الله تعالى على عباده تسخير الأرضيات وتذليلها لهم فلا أصلب من الحديد والحجر، ولا أشد نكاية من النار، وقد سخرها للإنسان، وسخر لهم الأنعام أيضا ينتفعون بها بالأكل والركوب والحمل عليها... وسخر لهم الدواب وغيرها، وسخر لهم الفلك حال كونها جارية بأمره، وهو تهيئة الأسباب المعاونة ودفع الأشياء المضادة لسهولة جريها، ولا ريب أن الانتفاع بالأرضيات لا يتأتى إلا بعد الأمن من وقوع السماء على الأرض، فمنّ الله تعالى.. بأن حفظها كيلا تقع.. وذلك بمحض الاقتدار،... وفي قوله :﴿ إلا بإذنه ﴾ إشارة إلى أن الأفلاك ستنخرق وتنشق فتقع على الأرض ؛... ثم ذكر الإنسان، مبدأه ومعاده فقال :﴿ وهو الذي أحياكم ﴾ ؛ نظيره قوله :﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم.. )ـ ؛ أحيانا الله تعالى بعد موات، ونفخ فيمن شاء أن يحييه الروح ؛ ثم يميت الحي الذي لا يموت ـ يميت كل مخلوق عند انقضاء أجله الذي قدره سبحانه له، ثم يحيي الموتى يوم البعث ؛ { إن الإنسان لكفور ﴾ جنس الإنسان مبالغ في الجحود والكفران، لآلاء وجلال ووحدانية الملك الديان ؛ وهذا وصف لبعض أفراد البشر ؛ ﴿ لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه ﴾ هو كقول المولى تبارك اسمه :﴿.. لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا.. ) ؛ وكقوله جل وعز :{ لكم دينكم ولي دين ) ؛ { فلا ينازعنك في الأمر ﴾ النهي للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد أمته، أي :.. لا يغالبنكم في أمر ملتكم فيزيلوكم عنها، فمن يزحزح عن صراط الإسلام السوي، ويميل إلى غير سبيل المؤمنين فليس من الله في شيء، ولقد جاء الذي ها هنا مؤكدا بنون التوكيد الثقيلة، بينما وصف القرآن أولياء الشيطان المفتونين عن الرشد المرتدين عن الحق بأنهم خسروا الدنيا والآخرة بسبب مطاوعتهم لأعداء الدين في شيء من ضلالهم المبين ؛ جاء في التحذير والتنفير قول الله العلي الكبير :{ إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم. ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم. فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم )
﴿ وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم. وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون ﴾ إلى مثل هذا نودي النبي صلى الله عليه وسلم ونودي كل فرد من أمته :{ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم.. ) ؛ وجاء القول الحق من الله الحق :{.. لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير. والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد. الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان.. ) ؛ وهكذا فالهدى القرآني السوي يحملنا أمانة الدعوة إلى الله جل ذكره، مع اليقين بأنها أقوم سبيل، ويعهد إلينا بترك الانشغال بمراء السفهاء والجهال، مع إنذارهم ساعة الحساب والسؤال، ثم الجزاء الذي يخلد المبطل في سوء المآل وعذاب النكال ؛ وسنن الكتاب المجيد أن يمسكنا بالدعوة إلى الرشد، دون أن يعوقنا لغو أو تثبيط أهل الكيد ؛ كما قال ربنا تبارك اسمه { ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك.. )
﴿ يولج ﴾ يدخل، ويزيد في هذا بمقدار ما ينقص من ذاك.
مدنية
وآياتها ثمان وسبعون
كلماتها١٢٩١ ؛ حروفها : ٥١٧٥
﴿ من السماء ﴾ من جهة السماء. ﴿ ماء ﴾ مطرا.
﴿ لطيف ﴾ يوصل للخلق منافعهم برفق ويسر
مدنية
وآياتها ثمان وسبعون
كلماتها١٢٩١ ؛ حروفها : ٥١٧٥
﴿ الغني ﴾ الذي لا يفتقر إلى شيء أصلا.
﴿ الحميد ﴾ المحمود من الخلق قالا، أو حالا.
مدنية
وآياتها ثمان وسبعون
كلماتها١٢٩١ ؛ حروفها : ٥١٧٥
﴿ سخر ﴾ ذلل ويسر.
﴿ الفلك ﴾ السفن. ﴿ بإذنه ﴾ بمشيئته.
مدنية
وآياتها ثمان وسبعون
كلماتها١٢٩١ ؛ حروفها : ٥١٧٥
﴿ أحياكم ﴾ أول ما نفخت فيكم الروح.
﴿ يميتكم ﴾ يقبض أرواحكم عند مجيء آجالكم. ﴿ يحييكم ﴾ عند البعث.
مدنية
وآياتها ثمان وسبعون
كلماتها١٢٩١ ؛ حروفها : ٥١٧٥
﴿ منسكا ﴾ شرعة. ﴿ ناسكوه ﴾ متعبدون به. ﴿ ينازعنك ﴾ يزيلنك عما أنت عليه.
﴿ مستقيم ﴾ مستو معتدل.
مدنية
وآياتها ثمان وسبعون
كلماتها١٢٩١ ؛ حروفها : ٥١٧٥
مدنية
وآياتها ثمان وسبعون
كلماتها١٢٩١ ؛ حروفها : ٥١٧٥
﴿ الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ﴾ ؛ مما ذكر أبو عبد الله القرطبي : نازعوه، فكيف يقال :﴿ فلا ينازعنك ﴾ ؟ الجواب : أن المعنى : فلا تنازعهم أنت ؛ أمره الله تعالى بالإعراض عن مماراتهم صيانة له عن الاشتغال بتعنتهم ؛ ولا جواب لصاحب العناد ؛ ﴿ الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ﴾ في خلافكم آياتي، فتعرفون حينئذ الحق من الباطل ؛.... في هذه الآية أدب حسن علمه الله عباده في الرد على من جادل تعنتا ومراء ألا يجاب ولا يناظر ويدفع بهذا القول الذي علمه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم. ا ه.
﴿ ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ﴾
﴿ كتاب ﴾ اللوح المحفوظ، أو صحائف الأعمال.
خطاب لكل عالم، أو للرسول صلى الله عليه وسلم [ والاستفهام للتقرير ] والمراد تقوية قلبه، وإلا فالرسالة لا تكون إلا بعد العلم بكونه تعالى عالما بكل المعلومات، وإلا اشتبه عليه الصادق بالكاذب ؛ ﴿ إن ذلك ﴾ الذي ذكر وهو ما في السماء والأرض ﴿ في كتاب ﴾... أراد به الحفظ والضبط والجمهور على أنه حقيقة، وقد كتبه في اللوح قبل حدوثه ، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء " ؛ ﴿ على الله يسير ﴾ كتب ما يكون من شأن الخلق الشامل لكل ما سيجري في ملكوت السماء والأرض، ومنه ما سيقول المكلفون وما يعملون، وما توسوس به أنفسهم وما يسرونه أو به يجهرون، ذلك الأمر وكل أمر على الله تعالى القوي هين لا يعجزه ولا يؤوده ؛ هذا تصوير لضده، وهو صعوبة مثل ذلك على غيره ؛ وإلا فلا مدخل لليسر والصعوبة في كمال قدرته .
﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ { ٧١ ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ { ٧٢ ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ { ٧٣ ) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ { ٧٤ ) اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ { ٧٥ ) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ { ٧٦ ) ﴾.
﴿ سلطانا ﴾ دليلا وبرهانا، وحجة ووحيا.
ويعبد المجادلون بغير الحق، الممارون بالباطل من المشركين يعبدون متجاوزين الله تعالى ما لم يشهد به علم، ولا تنزل به وحي، فلا دليل عليه ولا برهان يعبدون من دون الله ما لا دليل من جهة السمع ولا من جهة العقل على جواز عبادته، وتقديم الدليل السمعي لأن الاستناد في أكثر العبادات إليه، مع أن التمسك به في هذا المقام أرجى في الخلاص إن حصل لوم من التمسك بالدليل العقلي ؛...... وقال العلامة الطيبي : في اختصاص الدليل السمعي بالسلطان والتنزيل، ومقابله بالعلم، دليل واضح على أن الدليل السمعي هو الحجة القاطعة، وله القهر والغلبة، وعند ظهوره تضمحل الآراء وتتلاشى الأقيسة، ومن عكس ضل الطريق، وحرم التوفيق ؛... وذكر الفاضل الرومي بعد بحث أن الحق أنه يفيد اليقين في العقليات أيضا، وأما أنه مقدم على الدليل العقلي فالذي عليه علماؤنا خلافه، وأنه متى عارض الدليل العقلي الدليل السمعي وجب تأويل الدليل السمعي إلى ما لا يعارضه الدليل العقلي.. ﴿ وما للظالمين ﴾ أي : وما لهم ؛ إلا أنه عدل إلى الظاهر تسجيلا عليهم بالظلم مع تعليل الحكم به... والمراد نفي أن يكون بسبب ظلمهم من يساعدهم في الدنيا بنصرة مذهبهم وتقرير رأيهم ودفع ما يخالفه، وفي الآخرة بدفع العذاب عنهم .
﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا ﴾
﴿ تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ﴾ ترى في وجوههم العبوس وعلامات الغيظ. ﴿ يسطون ﴾ يبطشون.
عباد الأوثان، وأهل الكفر والطغيان إذا سمعوا آيات الله الواضحات المبينات للحق والرشد وسبل السعادة الموصلة إلى الرضوان والجنات، زادوا بسماعها نفورا عن الإيمان والهدى، مصداقا لما أنبأنا به الخلاق العليم :﴿ .. ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) ؛ { وإنه لحسرة على الكافرين ) ؛ { .. والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى.. ) ؛ فإذا قرئت عليهم كلمات الله تعالى وكلها صدق وعدل ظهر الغيظ والعبوس على وجوههم، وأوشك الحقد أن يحملهم على البطش بمن يقرأ كتاب العزيز سبحانه، وقد حملهم على البطش فعلا بكثير ممن قرأوا من هذا الذكر الحكيم ؛ وقاربوا بل آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبسطوا إليه أيديهم وألسنتهم بالسوء حين قرأ عليهم القرآن ؛ يقول مولانا جل وعز :{ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ) ؛ { قل ﴾ على وجه الوعيد والتقريع ﴿ أفأنبئكم ﴾ أي :... أتسمعون فأخبركم ﴿ بشر من ذلكم ﴾ الذي فيكم من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم، أو : مما أصابكم من الضجر بسبب ما تلي عليكم ؟ ! ﴿ النار ﴾ أي : هو أو هي النار ؛ على أنه خبر مبتدأ محذوف... وقيل : هو مبتدأ خبره قوله تعالى ﴿ وعدها الله الذين كفروا ﴾.. وجوز أن يكون خبرا بعد خبر... ﴿ وبئس المصير ﴾ النار.
﴿ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ﴾
﴿ ذبابا ﴾ اسم واحد للذكر والأنثى من الهوام المعروفة. ﴿ لا يستنقذوه ﴾ لا يستخلصوه.
[ ضرب للأصنام مثلا... بلفظ الماضي لأنه معلوم من قبل لكل ذي عقل ؛ والمثل بمعنى : المثل، استعاروه لجملة من الكلام مستغربة مستفصحة، متلقاة بالرضا والقبول، أهل للتسيير والإرسال، وذلك أنهم جعلوا مضربها مثلا لموردها، ثم استعاروا هذا المستعار للقصة أو الحالة أو الصفة المستغربة لتماثلهما في الغرابة، وهذا هو الذي قصد في الآية ﴿ فاستمعوا له ﴾ أي : تدبروه وحق له ذلك فإن السماع المجرد لا نفع له... ﴿ ولو اجتمعوا له ﴾ نصب على الحال كأنه قيل : مستحيل أن يخلقوا الذباب مشروطا عليهم اجتماعهم جميعا، فكيف لو انفردوا ؟ وأقول : الظاهر أن ﴿ لو ﴾ هذه للمبالغة، وجوابه محذوف لدلالة ما تقدم عليه، تقديره : ولو اجتمعوا لخلق الذباب لن يخلقوه أيضا... ثم زاد لعجزهم وضعفهم تأكيدا بقوله :﴿ وإن يسلبهم الذباب ﴾ الآية ؛ بمعنى : اترك أمر الخلق والإيجاد وتكلم فيما هو أسهل من ذلك ؛ إن هذا الحيوان الضعيف الذي لا قدرة لهم على خلقه لو سلب منهم شيئا لم يقدروا أيضا على استخلاص ذلك الشيء منه... ثم عجب من ضعف الأصنام والذباب بقوله :﴿ ضعف الطالب والمطلوب ﴾ فالصنم كالطالب من حيث إنه يطلب خلق الذباب أو يطلب استنقاذ ما سلبه منه ].
﴿ ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز ﴾
﴿ إن الله لقوي عزيز ﴾ إن المعبود بحق الذي لا إله إلا هو لقادر غالب.
قال الحسن والفراء : ما عظموه سبحانه حق تعظيمه. اه. ولو عظموه ما اتخذوا شركاء لا يعقلون شيئا ولا يهتدون، ولا يخلقون شيئا وهم يخلقون، ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون، وإنما رب العزة والجلال، والعظمة والكبرياء، هو الخالق البارئ المصور القادر الغالب.
﴿ الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير. يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الأمور ﴾
﴿ يصطفي ﴾ يختار.
ربنا المعبود بحق لا إله سواه يختار من الملائكة من يرسلهم بالوحي إلى أنبيائه ومن شاء من خلقه ؛ ويختار من الناس رسلا مبشرين ومنذرين، وهو سبحانه قد وسع سمعه ووعى كل شيء، ويرى جل علاه كل موجود، ومن هذه الموجودات أولياء الحق وأعداؤه، وهو بهؤلاء وبكل شيء خبير.
﴿ ما بين أيديهم ﴾ ما قدموا. ﴿ ما خلفهم ﴾ ما تركوا.
﴿ يعلم ما بين أيديهم ﴾ عن الحسن : أول أعمالهم ﴿ وما خلفهم ﴾ وآخر أعمالهم يعني المكلفين ﴿ وإلى الله ﴾ لا إلى غيره ﴿ ترجع الأمور ﴾ تنتهي إليه المصائر، وترد إليه الخلائق، فيجازي كلا حسبما علم من أعماله ؛ وفي كل ذلك زجر عن الإقدام على المعصية، وبعث على الجد في الطاعة .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { ٧٧ ) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ { ٧٨ ) ﴾
عهد الله تعالى إلى المؤمنين أن يحافظوا على الصلاة ويتموها، وسمى الصلاة باسم بعض أركانها لفضل هذين الركنين، والركوع لغة الانحناء، وشرعا : أن يحني المصلي صلبه ويمد ظهره وعنقه ويفتح أصابع يديه ويقبض على ركبتيه ثم ليطمئن راكعا ؛ مما روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم : وكان إذا ركع لم يشخص رأسه أي يرفعها ولم يصوبه يعني يخفضها ولكن بين ذلك ؛ والسجود لغة : السقوط ؛ وشرعا : وضع المصلي جبهته وكفيه وركبتيه وأصابه قدميه على الأرض، ومن تمام تمكين الأنف من الأرض، وتنحية اليدين عن الجنبين ووضع الكفين حذو المنكبين، ورفع المرفقين بالنسبة للرجل ؛ وبعد الأمر بالركوع والسجود ويراد بهما الصلاة أمر سبحانه بأن نعبده دون سواه، فهذا أعم من الصلاة، ثم أمرنا أن نفعل الخير الذي هو مرضاة لله الحق، مع ما فيه من الشفقة على الخلق، فمن وفى بهذا العهد فيرجى أن يكون من الفائزين الرابحين.
﴿ اجتباكم ﴾ اختاركم. ﴿ جاهدوا في الله ﴾ جاهدوا من أجل نصرة دين الله. ﴿ حرج ﴾ ضيق ومشقة. ﴿ تفلحون ﴾ تربحون وتفوزون. ﴿ واعتصموا ﴾ ثقوا واعتضدوا واستعينوا وتأيدوا. ﴿ مولاكم ﴾ حافظكم.
﴿ وجاهدوا في الله حق جهاده ﴾ جاهدوا من أجل نصرة دين الله، أو قاتلوا وليس في نيتكم إلا إعلاء كلمة الله، واصدقوه في حملتكم على الكافرين، ولا تتولوا مدبرين ﴿ هو اجتباكم ﴾ الله العلي العظيم الذي يختص برحمته وفضله من يشاء هو الذي اختاركم أيتها الأمة الخاتمة وكرمكم وشرفكم على سائر الأمم، وخصكم بصفوة الرسل وخاتم النبيين، وبالإسلام الذي هيمن على كل شرع سبقه، ولا ينسخه دين، ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ } لم يشرع لكم في هذه الملة المرتضاة ما فيه عنت أو مشقة، وإنما أراد سبحانه بكم اليسر ولم يرد بكم العسر ؛ في صحيحي البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن : " بشرا ولا تنفروا ويسرا ولا تعسرا " ؛ وفي البخاري وغيره عن النبي صلوات ربنا عليه وسلامه قال : " أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة " ؛ ﴿ ملة أبيكم إبراهيم ﴾ قدر ابن جرير محذوفا، فيكون التقدير : ما جعل عليكم في الدين من ضيق بل وسعة عليكم كملة أبيكمإبراهيم ؛ فكأن ﴿ ملة ﴾ منصوب بنزع الخافض ؛ ﴿ هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ﴾ يمكن أن يكون المعنى : الله الذي اجتباكم ولم يجعل عليكم في تكاليف دينكم ما لا تطيقون هو الذي سماكم بالمسلمين، في الكتب المتقدمة وفي هذا القرآن العزيز ؛ وعلى هذا الرأي مجاهدوغيره.
﴿ ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ﴾ - أي : إنما جعلناكم هكذا أمة وسطا، عدولا خيارا، مشهودا بعدالتكم عند جميع الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس، لأن جميع الأمم معترفة يومئذ بسيادتها وفضلها على كل أمة سواها، فلهذا تقبل شهادتهم عليهم يوم القيامة، في أن الرسل بلغتهم رسالة ربهم، والرسول يشهد على هذه الأمة أنه بلغها.. .
﴿ فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ﴾ إذ خصكم بهذا الفضل وتلك الخيرية، فاعبدوه بما يصلكم بعروته الوثقى جل علاه، وتقربوا إليه بالفريضة التي فيها الشفقة على خلق الله ؛ قال قتادة : أعطيت هذه الأمة ما لم يعطه إلا نبي : كان يقال للنبي : اذهب فليس عليك حرج، وقال الله :﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ وكان يقال للنبي : أنت شهيد على قومك، وقال الله :﴿ لتكونوا شهداء على الناس ﴾ وكان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم : سل تعطه، وقال الله :{ .. ادعوني استجب لكم.. ).
﴿ واعتصموا بالله هو مولاكم ﴾ اعتصموا بحجج الله تعالى وآياته القرآنية، ودلائل قدرته الآفاقية والأنفسية ؛ وآمنوا بربكم وتقربوا إليه بما علمكم من طاعاته، وتوكلوا عليه في أموركم ؛ فإنه يتولى المستيقنين المقيمي الصلاة المؤتين الزكاة المجاهدين في سبيل الله ما وسعهم الجهاد، المعتصمين بحبل ربنا المتين ؛ قال ابن عباس : سلوا الله العصمة عن كل المحرمات.
﴿ فنعم المولى ونعم النصير ﴾ ربنا أكرم ولي، { وهو يتولى الصالحين )
؛ فاجعلوه عصمة لكم مما تحذرون، لوذوا بخير ناصر لمن استيقن واتقى، وخير معين له على من بغاه بسوء، فالله ولي المتقين، والمتفضل بتأييد أهل الصدق الصالحين، مصداقا لوعده في الكتاب الحكيم :{ وكان حقا علينا نصر المؤمنين ).