تفسير سورة الأحزاب

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه إلكيا الهراسي . المتوفي سنة 504 هـ

قوله تعالى :﴿ الّلائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمّهَاتِكُم ﴾، الآية :[ ٤ ] : أبان الله تعالى أنها لا تصير أمه بمجرد قوله، وألزمه تحريماً غايته الكفارة.
وقوله تعالى :﴿ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُم أَبْنَاءَكُم ﴾، الآية :[ ٤ ]. قيل : نزلت في زيد بن حارثة، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد تبناه، فكان يقال له : زيد بن محمد، وهذا يدل على نسخ السنة بالقرآن، لأن الحكم الأول ثابت بغير القرآن ونسخه بالقرآن.
قوله تعالى :﴿ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ﴾، الآية :[ ٤ ] : يعني أنه لا حكم له، وإنما هو قول لا معنى له ولا حقيقة.
قوله تعالى :﴿ ادْعُوهُم لآبَائِهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْد اللهِ فإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُم فَإخْوَانُكُم في الدِّينِ وَمَواليكُم ﴾، الآية :[ ٥ ] : فيه إباحة إطلاق الأخوة، وحظر إطلاق اسم الأبوة من غير جهة النسب.
قوله تعالى :﴿ ولَيْسَ عَلَيْكُم جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ ﴾، الآية :[ ٥ ] :
قال قتادة : معناه أنك لو دعيت رجلاً لغير أبيه، وأنت ترى أنه أبوه، ليس عليك بأس.
وسمع عمر رجلاً يقول : اللهم اغفر لي خطاياي، فقال استغفر الله في العمد، فأما في الخطأ فقد تجوز عنك. وكان يقول : ما أخاف عليكم الخطأ، وإنما أخاف عليكم العمد.
قوله تعالى :﴿ إلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيَائِكُم مَعْرُوفاً ﴾، الآية :[ ٦ ] : أنزلت في جواز وصية المسلم لليهودي والنصراني. وعن الحسن قال : أن تصلوا أرحامكم.
قوله تعالى :﴿ النّبِي أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم ﴾، الآية :[ ٦ ] : معناه ما قاله عليه الصلاة والسلام :" أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وأيما رجل مات وترك دنيا فإلي، وإن ترك مالاً فهو لورثته ".
وقيل في معنى :﴿ النّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ ﴾، أنه أحق أن يختار ما دعاه النبي عليه الصلاة والسلام إليه من غيره، وما تدعوه أنفسهم١ إليه، وهو أحق بأن يحكم على الإنسان في نفسه، لوجوب طاعته المقرونة بطاعة الله عز وجل.
قوله تعالى :﴿ وأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُم ﴾، الآية :[ ٦ ] : يحتمل أن يكون بمعنى الإجلال والتعظيم، والثاني : في تحريمه نكاحهن، وليس لأنهن كالأمهات في القضايا كلها، ولا يجعلن أخوات للنساء، ولا إرث لهن منا ولا محرمية.
١ - كذا بالأصل، والأولى نفسه..
قوله تعالى :﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة ﴾، الآية :[ ٢١ ] : يحتج به بعض الناس في وجوب التأسي بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا النّبِي قُل لأزْوَاجِكَ إنْ كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزِينَتَهَا ﴾، الآية :[ ٢٨ ] :
ظاهر الآية التخيير بين الدنيا والآخرة والله ورسوله، وليس فيه ذكر الطلاق. وقد قال قوم : إنه كناية عن التخيير للطلاق على شرائطه، ولذلك قالت عائشة لما سئلت عن الرجل يخير امرأته قالت : خيرنا رسول الله وكان طلاقاً. وفي بعض الأخبار : ما خيرناه فلم يعد طلاقاً.
ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التخيير المأمور به، وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : أنا ذاكر لك أمراً فلا عليك أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك، فقالت : إني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
ومعلوم أنه لم يرد الاستئمار في اختيار الدنيا على الآخرة، فثبت أن الاستئمار إنما وقع في الفرقة وفي النكاح.
واعلم أن اختيارهن الدنيا وزينتها وإرادتهن الطلاق، لا يجوز أن يكون صريحاً في الطلاق، ولا كناية، وإنما ذلك إرادة المفارقة، فكان القياس أن الزوج يطلقها إن شاء، غير أن الطلاق لا بد أن يكون مستحقاً واجباً، إذ لو لم يكن مستحقاً واجباً ما كان للتخير معنى، فإذا تبين أن ذلك طريق خلاصهن، فوجوب الفراق لا محالة يقتضي بتخييره، فإن النكاح صار مستحق الرفع وهذا بين١.
١ - انظر محاسن التأويل..
قوله تعالى :﴿ يَا نِسَاءَ النّبِيِّ مَنْ يَأتِ مِنكُنَّ بَفَاحِشةٍ مُبَيّنَةٍ ﴾، الآية :[ ٣٠ ] :
فيه وجهان، أحدهما : أن تضعيف عذابهن لتضاعف نعم الله تعالى عليهن، ولذلك قال :﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى في بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ والحِكْمَةَ ﴾، الآية :[ ٣٤ ]، وهذا لا نقطع به، فإن مصاحبة الرسول عليه الصلاة والسلام، يجوز أن تكون سبباً في تخفيف العقوبة عنهن والتجاوز عن سيئاتهن، فالحق هو الوجه الثاني، وهو عظم الضرر في جرأتهن بإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت العقوبة على قدر عظم الجريمة في إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى :﴿ إنَّ الّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ١.
١ - سورة الأحزاب، آية ٥٧..
قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ ﴾، الآية :[ ٣٢ ] : يريد تلييناً للقول يطمع أهل الريب. وفيه دليل على أن الأحسن بالمرأة أن لا ترفع صوتها بحيث يسمعها الرجال.
قوله تعالى :﴿ وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ ﴾، الآية :[ ٣٣ ] : قيل لسودة بنت زمعة : لم لا تخرجين كما تخرج أخواتك ؟ فقالت : والله لقد حججت واعتمرت، ثم أمرني الله تعالى أن أقر في بيتي، فوالله ما أخرج من بيتي، فما خرجت حتى أخرجوا جنازتها.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِليَةِ الأُولَى ﴾، الآية :[ ٣٣ ] : أي المشي على تكسر وتغنج وإظهار المحاسن للرجال.
قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم ﴾، الآية :[ ٣٦ ] : وذلك يدل على أن أوامر الله تعالى ورسوله على الوجوب.
وقال الله تعالى بعد ذلك :﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ﴾، وذلك يؤكد ما تقدم.
قوله تعالى :﴿ فَلَمّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنيِنَ حَرَجٌ ﴾، الآية :[ ٣٧ ] : دلت الآية على أحكام عدة منها :
الإبانة عن علة الحكم في إباحة ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام، وأن ذلك قد اقتضى إباحته للمؤمنين، فدل ذلك على إثبات القياس في الأحكام، واعتبار المعاني في إيجابها.
والثاني : أن النبوة من جهة النبي عليه الصلاة والسلام لا تمنع جواز النكاح.
والثالث : أن الأمة مساوية للنبي عليه الصلاة والسلام في الحكم، إلا ما خصه الله تعالى، أخبر أنه أجاز ذلك للنبي ليكون المؤمنون مساوين له فيه.
قوله تعالى :﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرةً وأَصِيلاً ﴾، الآية :[ ٤٢ ] : يعني صلاة الصبح والعصر.
قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِناتِ ثُم طَلّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ﴾، الآية :[ ٤٩ ] : يدل على أن لا طلاق قبل النكاح، فإنه رُتِّب عليه بكلمة ثم.
قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا النّبِيُّ إنّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾، الآية :[ ٥٠ ] :
فيه دليل على إباحة الأزواج لرسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقاً، وتخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا مهر أو بلفظ الهبة، إلا أن التعري عن المهر أظهر من لفظ الهبة، لأنه فسوق على قوله :﴿ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾، وذلك المهر، ثم قال :﴿ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعكَ ﴾.
قوله تعالى :﴿ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوي إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ ﴾، الآية :[ ٥١ ] :
قال أبو رزين : في هذه الآية المرجئات : ميمونة وصفية وسودة وجويرية وأم حبيبة، وكانت عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب سواء في القسم، وكان صلى الله عليه وسلم يسوي بينهن.
وقد قيل : ما أرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة منهن، ولكن وهب نسوة منهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصصهن، فظاهر الآية يقتضي تخيير النبي عليه الصلاة والسلام في إرجاء من شاء منهن وإيواء من شاء منهن، وليس يمتنع أن يختار إيواء الجميع إلا سودة، فإنها رضيت بأن تجعل يومها لعائشة.
وقوله تعالى :﴿ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾، الآية :[ ٥١ ] :
يعني إيواء من أرجأ منهن. وفيه دليل على أن القسم لم يكن واجباً على النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه كان مخيراً في القسم لمن شاء منهن وترك من شاء.
قوله تعالى :﴿ لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ ﴾، الآية :[ ٥٢ ] :
قال مجاهد، من بعد ما سمى له من مسلمة ولا يهودية ولا نصرانية ولا كافرة. وقال ناس : له أن يشتري اليهودية والنصرانية، فهو معنى قوله ﴿ إلاّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾.
ولا شك أن ظاهر الآية يقتضي تحريم سائر النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سوى من كن عنده حتى حل له النساء، وهذا يوجب نسخ الآية، وليس في القرآن ما يوجب نسخها فهي منسوخة بالسنة. . ويحتج به على جواز نسخ القرآن بالسنة.
قوله تعالى :﴿ لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النّبِيَّ إلاّ أنْ يُؤْذَنَ لَكُمُ إلَى طَعَامٍ ﴾، الآية :[ ٥٣ ] :
كان ذلك بعد نزول الحجاب، ودل عليه قوله تعالى :﴿ وإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعَاً فاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾.
قوله تعالى :﴿ لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ في آبَائِهِنَّ ولاَ أَبْنَائِهِنَّ ﴾، الآية :[ ٥٥ ] :
فيه بيان زوال حكم الحجاب في حق ذوي الأرحام، وعنى بما ملكت أيمانهن الإماء.
قوله تعالى :﴿ يَا أَيُهَا النّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ ونِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ﴾، الآية :[ ٥٩ ] :
الجلباب : الرداء، فأمرهن بتغطية وجوهن ورؤوسهن، ولم يوجب على الإماء ذلك.
قوله تعالى :﴿ لئِن لَم يَنْتَهِ المُنَافِقُونَ والّذِينَ في قُلُوبِهِم مَرَضٌ ﴾، الآية :[ ٦٠ ] : فيه دليل على تحريم الإيذاء بالإرجاف.
Icon