ﰡ
عليك ايها المتوجه نحو الحق ان تأتى وتتصف بصوالح الأعمال وتزيد عليها حسب إخلاصك فيها وخشوعك في إتيانها وتجتنب عن فواسدها لترى احسن الجزاء فلك ان تجعل مضمون هذه الآية نصب عينك في عموم احوالك وأعمالك لتكون على ذكر تام وفطنة كاملة مما يترتب على أعمالك من الجزاء. جعلنا الله من زمرة المتذكرين الممتثلين لمقتضى هذه الآية الكريمة بمنه وجوده
[سورة العاديات]
فاتحة سورة العاديات
لا يخفى على المستلشقين من نفحات الحق المستروحين بنسمات النفثات الرحمانية المهبة من قبل اليمن اللاهوتى بإرسال الفيض الرحموتى ان النيل والوصول الى تلك المنازل البهية والمقامات العلية انما هو بعد رفض شواغل الناسوت ورفع موانع بوادي الإمكان وقطع آماله المتسعة وأمانيه المتسلسلة وذلك لا يتيسر الا بجذب الحق وتأييده واجتهاد العبد وبذل جهده ووسعه لذلك اقسم سبحانه بما اقسم من النفوس القدسية المتشوقة وقرن مع القسم ما قرن من كفران الإنسان نعم الحق وخسرانه فيها باشتغاله بما لا يعنيه من لوازم الحجب الناسوتية فقال بعد التيمن بِسْمِ اللَّهِ المدبر لأمور الإنسان حتى أوصله الى مرتبة اليقين والعرفان الرَّحْمنِ عليه بخلقه على صورته ليليق لخلافته الرَّحِيمِ له يربيه ويهديه الى حيث يوصله الى بحر وحدته
[الآيات]
وَالْعادِياتِ اقسم سبحانه بالنفوس القدسية الزكية عن مطلق الرذائل الانسية وشبهها في سرعة العدو والجري بالخيول الجياد فكأنها تعدو للمجاوزة عن مضائق بقعة الإمكان ومحابس نشأة الناسوت نحو فضاء الوجوب ومتنزهات عالم اللاهوت شوقا إليها وتحننا نحوها لذلك كلما قطعت عقبة من تلك العقبات الناسوتية تضبح ضَبْحاً والضبح هو صوت أنفاس الفرس عند العدو وتلك النفوس ايضا تضبح حينئذ تشوقا الى مقعد الوجوب وتنفسا عن كروب الإمكان واحزان الهيولى والأركان
فَالْمُورِياتِ قَدْحاً اى النفوس المتحننة المسرعة المستعجلة نحو الموطن الأصلي بالميل الجبلي سيما بعد الجذب الإلهي المورى بحوافر مراكب الشوق المسرعة عند عدوها على أحجار الطبائع وجنادل الهيولى والأركان نار المحبة والمودة والغرام المفرط من شدة تشوقها وتلذذها الى النيل والوصول واستنشاقها من نسائم روائح الحضور والقبول
فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً اى النفوس التي تغير في المبادرة والمسابقة نحو عالم اللاهوت وتجتهد وتسعى لان تصل اليه قبل كل واحدة من النفوس المبادرة المتوجهة إليها الساعية نحوها
فَأَثَرْنَ بِهِ وهيجن وحركن في تلك الأوقات التي وصلن فيها اليه نَقْعاً غبارا وصياحا لتكون علامة دالة على قربهن ووصولهن
فَوَسَطْنَ بِهِ اى دخلن وتوسطن بذلك الوقت جَمْعاً من سكان عالم اللاهوت المطلقين عن جميع القيود الناسوتية وبالجملة بحق هذه المقسمات العظام
إِنَّ الْإِنْسانَ المجبول على الكفران والنسيان لِرَبِّهِ الذي رباه بأنواع الكرم والإحسان لَكَنُودٌ كفور متبالغ في الكفران والطغيان
وَإِنَّهُ اى الإنسان نفسه عَلى ذلِكَ اى على كفوريته وكنوديته لَشَهِيدٌ لظهور آثار الكفران والطغيان عليه دائما وصدور انواع البغي والعدوان عنه مستمرا وبالجملة هو نفسه شاهد على كفره وكفرانه وشركه بالله وطغيانه الى حيث يلوح اثر عصيانه عليه ساعة فساعة
وَإِنَّهُ من شدة بغيه وعدوانه وغفلته عن الله وعن إحسانه لِحُبِّ الْخَيْرِ اى المال والجاه والثروة