تفسير سورة سورة العصر من كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير
.
لمؤلفه
الشربيني
.
المتوفي سنة 977 هـ
مكية، وروي عن ابن عباس وعبادة أنها مدنية، وهي ثلاث آيات، وأربع عشرة كلمة، وثمانية وستون حرفاً.
﴿ بسم الله ﴾ الذي كل شيء هالك إلا وجهه ﴿ الرحمن ﴾ الذي عمّ الوجود بإنعامه، فليس شيء شبهه ﴿ الرحيم ﴾ الذي أعز أولياءه، فكانوا للدّهر غرّة، ولأهله جبهة.
﴿ بسم الله ﴾ الذي كل شيء هالك إلا وجهه ﴿ الرحمن ﴾ الذي عمّ الوجود بإنعامه، فليس شيء شبهه ﴿ الرحيم ﴾ الذي أعز أولياءه، فكانوا للدّهر غرّة، ولأهله جبهة.
ﰡ
ﭑ
ﰀ
وقوله تعالى :﴿ والعصر ﴾ قسم، واختلف في المراد به. فقال ابن عباس : والدهر أقسم به لأنّ فيه عبرة للناظر بتصرّف الأحوال وتبدلها، وما فيها من الدلالة على الصانع. وقيل : معناه ورب العصر، ومرّ الكلام في أمثاله. وقال ابن كيسان : أراد بالعصر الليل والنهار، يقال لهما : العصران، وقال الحسن : بعد زوال الشمس إلى غروبها، وقال قتادة : آخر ساعة من ساعات النهار. وقال مقاتل : أقسم بصلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى، وهذا أشبه، قال صلى الله عليه وسلم :«من فاتته الصلاة الوسطى فكأنما وتر أهله وماله »، ولأنّ التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار، واشتغالهم بعشائهم.
ونقل ابن عادل عن مالك أنّ من حلف أن لا يكلم الرجل عصراً لم يكلمه سنة. قال ابن العربيّ : إنما حمل مالك يمين الحالف على السنة ؛ لأنه أكثر ما قيل فيه. ونقل عن الشافعي : يبرّ بساعة، إلا أن تكون له نية.
ونقل ابن عادل عن مالك أنّ من حلف أن لا يكلم الرجل عصراً لم يكلمه سنة. قال ابن العربيّ : إنما حمل مالك يمين الحالف على السنة ؛ لأنه أكثر ما قيل فيه. ونقل عن الشافعي : يبرّ بساعة، إلا أن تكون له نية.
وجواب القسم ﴿ إن الإنسان ﴾ أي : الجنس ﴿ لفي خسر ﴾ أي : نقص بحسب مساعيهم في أهوائهم، وصرف أعمارهم في إغراضهم، لما لهم بالطبع من الميل إلى الحاضر، والإعراض عن الغائب، والاغترار بالفاني.
تنبيه : تنكير ( خسر ) يحتمل التهويل والتحقير، فإن حمل على الأوّل -وهو الظاهر- كان المعنى أنّ الإنسان لفي خسر عظيم، لا يعلم كنهه إلا الله تعالى ؛ لأنّ الذنب يعظم إمّا لعظم من في حقه الذنب، أو لأنه وقع في مقابلة النعم العظيمة، فلذلك كان الذنب في غاية العظم، وإن حمل على الثاني كان المعنى : إن خسران الإنسان دون خسران الشيطان.
تنبيه : تنكير ( خسر ) يحتمل التهويل والتحقير، فإن حمل على الأوّل -وهو الظاهر- كان المعنى أنّ الإنسان لفي خسر عظيم، لا يعلم كنهه إلا الله تعالى ؛ لأنّ الذنب يعظم إمّا لعظم من في حقه الذنب، أو لأنه وقع في مقابلة النعم العظيمة، فلذلك كان الذنب في غاية العظم، وإن حمل على الثاني كان المعنى : إن خسران الإنسان دون خسران الشيطان.
ولما كان الحكم على الجنس حكماً على الكلّ ؛ لأنهم ليس لهم من ذواتهم إلا ذلك، وكان فيهم من خلصه الله تعالى مما طبع عليه الإنسان، وحفظه عن الميل، استثناهم بقوله عز من قائل :﴿ إلا الذين آمنوا ﴾ أي : أوجدوا الإيمان، وهو التصديق بما علم بالضرورة مجيء النبيّ صلى الله عليه وسلم به من توحيده سبحانه، والتصديق بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. ﴿ وعملوا ﴾ أي : تصديقاً لما أقرّوا به من الإيمان ﴿ الصالحات ﴾ أي : هذا الجنس من إيقاع الأوامر واجتناب النواهي، واشتروا الآخرة بالدنيا، فلم يلههم التكاثر، ففازوا بالحياة الأبدية والسعادة السرمدية، فلم يلحقهم شيء من الخسران.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : المراد بالإنسان الكافر، وقال في رواية الضحاك : يريد به جماعة من المشركين : الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب. وقيل : لفي خسر غبن، وقال الأخفش : لفي هلكة، وقال الفراء : لفي عقوبة. وقال ابن زيد : لفي شرّ. وروى ابن عوف عن إبراهيم قال : أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وأهرم لفي ضعف ونقص وتراجع، إلا المؤمنين فإنه يكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم، ونظيره قوله تعالى :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ٤ ثم رددناه أسفل سافلين ٥ إلا الذين آمنوا ﴾ [ التين : ٤ ٦ ].
ولما كان الإنسان بعد كماله في نفسه بالأعمال لا ينتفي عنه مطلق الخسر إلا بتكميل غيره، وحينئذ كان وارثاً ؛ لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا للتكميل، قال تعالى مخصصاً لما دخل في الأعمال الصالحة منبهاً على عظمه :﴿ وتواصوا ﴾ أي : أوصى بعضهم بعضاً بلسان الحال والمقال ﴿ بالحق ﴾ أي : الأمر الثابت، وهو كل ما حكم الشرع بصحته، ولا يسوغ إنكاره، وهو الخير كله من توحيد الله تعالى وطاعته، واتباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، ﴿ وتواصوا ﴾ أيضاً ﴿ بالصبر ﴾ عن المعاصي وعلى الطاعات، وعلى ما يبتلي الله به عباده من الأمراض وغيرها.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : المراد بالإنسان الكافر، وقال في رواية الضحاك : يريد به جماعة من المشركين : الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب. وقيل : لفي خسر غبن، وقال الأخفش : لفي هلكة، وقال الفراء : لفي عقوبة. وقال ابن زيد : لفي شرّ. وروى ابن عوف عن إبراهيم قال : أراد أن الإنسان إذا عمر في الدنيا وأهرم لفي ضعف ونقص وتراجع، إلا المؤمنين فإنه يكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم، ونظيره قوله تعالى :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ٤ ثم رددناه أسفل سافلين ٥ إلا الذين آمنوا ﴾ [ التين : ٤ ٦ ].
ولما كان الإنسان بعد كماله في نفسه بالأعمال لا ينتفي عنه مطلق الخسر إلا بتكميل غيره، وحينئذ كان وارثاً ؛ لأنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا للتكميل، قال تعالى مخصصاً لما دخل في الأعمال الصالحة منبهاً على عظمه :﴿ وتواصوا ﴾ أي : أوصى بعضهم بعضاً بلسان الحال والمقال ﴿ بالحق ﴾ أي : الأمر الثابت، وهو كل ما حكم الشرع بصحته، ولا يسوغ إنكاره، وهو الخير كله من توحيد الله تعالى وطاعته، واتباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، ﴿ وتواصوا ﴾ أيضاً ﴿ بالصبر ﴾ عن المعاصي وعلى الطاعات، وعلى ما يبتلي الله به عباده من الأمراض وغيرها.