تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب النكت والعيون
المعروف بـالماوردي
.
لمؤلفه
الماوردي
.
المتوفي سنة 450 هـ
ﰡ
قوله تعالى :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ﴾ أما قوله ﴿ سبحان ﴾ ففيه تأويلان :
أحدهما : تنزيه الله تعالى من السوء، وقيل بل نزه نفسه أن يكون لغيره في إسراء عبده تأثير.
الثاني : معناه برأه الله تعالى من السوء، وقد قال الشاعر :
وهو ذكر تعظيم لله لا يصلح لغيره، وإنما ذكره الشاعر على طريق النادر، وهو من السبح في التعظيم وهو الجري فيه إلى أبعد الغايات. وذكر أبان بن ثعلبة أنها كلمة بالنبطية « شبهانك ». وقد ذكر الكلبي ومقاتل : إن ﴿ سبحان ﴾ في هذا الموضع بمعنى عجب، وتقدير الآية : عجب من الذي أسرى بعبده ليلاً، وقد وافق على هذا التأويل سيبويه وقطرب، وجعل البيت شاهداً عليه، وأن معناه عجبٌ من علقمة الفاخر. ووجه هذا التأويل أنه إذا كان مشاهدة العجب سبباً للتسبيح صار التسبيح تعجباً فقيل عجب، ومثله قول بشار :
وقد جاء التسبيح في الكلام على أربعة أوجه :
أحدها : أن يستعمل في موضع الصلاة، من ذلك قوله تعالى :﴿ فلولا أنه كان من المسبِّحينَ ﴾ [ الصافات : ١٤٣ ] أي من المصلين.
الثاني : أن يستعمل في الاستثناء، كما قال بعضهم في قوله تعالى :﴿ ألم أقل لكم لولا تسبحون ﴾ [ القلم : ٢٨ ] أي لولا تستثنون.
الثالث : النور، للخبر المروي عن رسول الله ﷺ أنه قال « لأحرقت سبحات وجهه » أي نور وجهه.
الرابع : التنزيه، روي عن النبي ﷺ أنه سئل عن التسبيح فقال :« تنزيه الله تعالى عن السوء
». وقوله تعالى :﴿ أسرى بعبده ﴾ أي بنبيه محمد ﷺ، والسُّرى : سير الليل، قال الشاعر :
وقوله ﴿ من المسجد الحرام ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني من الحرم، والحرم كله مسجد. وكان ﷺ حين أُسرى به نائماً في بيت أم هانىء بنت أبي طالب، روى ذلك أبو صالح عن أم هانىء.
الثاني : أنه أسرى به من المسجد، وفيه كان حين أسري به روى ذلك أنس بن مالك. ثم اختلفوا في كيفية إسرائه على قولين :
أحدهما : أنه أسريَ بجسمه وروحه، روى ذلك ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان.
واختلف قائلو ذلك هل دخل بيت المقدس وصلى فيه أم لا، فروى أبو هريرة أنه صلى فيه بالأنبياء، ثم عرج به إلى السماء، ثم رجع به الى المسجد الحرام فصلى فيه صلاة الصبح من صبيحة ليلته.
وروى حذيفة بن اليمان أنه لم يدخل بيت المقدس ولم يُصلّ فيه ولا نزل عن البراق حتى عرج به، ثم عاد إلى ملكه.
أحدهما : تنزيه الله تعالى من السوء، وقيل بل نزه نفسه أن يكون لغيره في إسراء عبده تأثير.
الثاني : معناه برأه الله تعالى من السوء، وقد قال الشاعر :
أقول لمّا جاءني فَخْرُه | سبحان مِنْ علقمةَ الفاخِر |
تلقي بتسبيحةٍ مِنْ حيثما انصرفت | وتستفزُّ حشا الرائي بإرعاد |
أحدها : أن يستعمل في موضع الصلاة، من ذلك قوله تعالى :﴿ فلولا أنه كان من المسبِّحينَ ﴾ [ الصافات : ١٤٣ ] أي من المصلين.
الثاني : أن يستعمل في الاستثناء، كما قال بعضهم في قوله تعالى :﴿ ألم أقل لكم لولا تسبحون ﴾ [ القلم : ٢٨ ] أي لولا تستثنون.
الثالث : النور، للخبر المروي عن رسول الله ﷺ أنه قال « لأحرقت سبحات وجهه » أي نور وجهه.
الرابع : التنزيه، روي عن النبي ﷺ أنه سئل عن التسبيح فقال :« تنزيه الله تعالى عن السوء
». وقوله تعالى :﴿ أسرى بعبده ﴾ أي بنبيه محمد ﷺ، والسُّرى : سير الليل، قال الشاعر :
وليلة ذا ندًى سَرَيت | ولم يلتني مِنْ سُراها ليت |
أحدهما : يعني من الحرم، والحرم كله مسجد. وكان ﷺ حين أُسرى به نائماً في بيت أم هانىء بنت أبي طالب، روى ذلك أبو صالح عن أم هانىء.
الثاني : أنه أسرى به من المسجد، وفيه كان حين أسري به روى ذلك أنس بن مالك. ثم اختلفوا في كيفية إسرائه على قولين :
أحدهما : أنه أسريَ بجسمه وروحه، روى ذلك ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو هريرة وحذيفة بن اليمان.
واختلف قائلو ذلك هل دخل بيت المقدس وصلى فيه أم لا، فروى أبو هريرة أنه صلى فيه بالأنبياء، ثم عرج به إلى السماء، ثم رجع به الى المسجد الحرام فصلى فيه صلاة الصبح من صبيحة ليلته.
وروى حذيفة بن اليمان أنه لم يدخل بيت المقدس ولم يُصلّ فيه ولا نزل عن البراق حتى عرج به، ثم عاد إلى ملكه.
405
والقول الثاني : أن النبي صلى الله عليه السلام أسري بروحه ولم يسر بجسمه، روى ذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما فُقِدَ جَسَدُ رسول الله ﷺ، ولكن الله أسرى بروحه.
وروي عن معاوية قال : كانت رؤيا من الله تعالى صادقة، وكان الحسن يتأول قوله تعالى ﴿ وما جَعَلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنةً للناس ﴾ [ الإسراء : ٦٠ ] أنها في المعراج، لأن المشركين كذبوا ذلك وجعلوا يسألونه عن بيت المقدس وما رأى في طريقه فوصفه لهم، ثم ذكر لهم أنه رأى في طريقه قعباً مغطى مملوءاً ماء، فشرب الماء ثم غطاه كما كان، ثم ذكر لهم صفة إبل كانت لهم في طريق الشام تحمل متاعاً، وأنها تقدُم يوم كذا مع طلوع الشمس، يقدمها جمل أورق؛ فخرجوا في ذلك اليوم يستقبلونها، فقال قائل منهم : هذه والله الشمس قد أشرقت ولم تأت، وقال آخر : هذه والله العير يقدُمها جمل أورق كما قال محمد. وفي هذا دليل على صحة القول الأول أنه أسرى بجسمه وروحه.
وقوله تعالى :﴿ إلى المسجد الأقصى ﴾ يعني بيت المقدس، وهو مسجد سليمان بن داود عليهما السلام وسمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام.
ثم قال تعالى :﴿ الذي باركنا حوله ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني بالثمار ومجاري الأنهار.
الثاني : بمن جعل حوله من الأنبياء والصالحين ولهذا جعله مقدساً. وروى معاذ بن جبل عن النبي ﷺ أنه قال « يقول الله تعالى : يا شام أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي
». ﴿ لنريه من آياتنا ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الآيات التي أراه في هذا المسرى أن أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة، وهي مسيرة شهر.
الثاني : أنه أراه في هذا المسرى آيات.
وفيها قولان :
أحدهما : ما أراه من العجائب التي فيها اعتبار.
الثاني : من أري من الأنبياء حتى وصفهم واحداً واحداً.
﴿ إنه هو السميع البصير ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه وصف نفسه في هذه الحال بالسميع والبصير، وإن كانتا من صفاته اللازمة لذاته في الأحوال كلها لأنه حفظ رسوله عند إسرائه في ظلمة الليل فلا يضر ألا يبصر فيها، وسمع دعاءه فأجابه إلى ما سأل، فلهذين وصف الله نفسه بالسميع البصير.
الثاني : أن قومه كذبوه عن آخرهم بإسرائه، فقال : السميع يعني لما يقولونه من تصديق أو تكذيب، البصير لما يفعله من الإسراء والمعراج.
وروي عن معاوية قال : كانت رؤيا من الله تعالى صادقة، وكان الحسن يتأول قوله تعالى ﴿ وما جَعَلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنةً للناس ﴾ [ الإسراء : ٦٠ ] أنها في المعراج، لأن المشركين كذبوا ذلك وجعلوا يسألونه عن بيت المقدس وما رأى في طريقه فوصفه لهم، ثم ذكر لهم أنه رأى في طريقه قعباً مغطى مملوءاً ماء، فشرب الماء ثم غطاه كما كان، ثم ذكر لهم صفة إبل كانت لهم في طريق الشام تحمل متاعاً، وأنها تقدُم يوم كذا مع طلوع الشمس، يقدمها جمل أورق؛ فخرجوا في ذلك اليوم يستقبلونها، فقال قائل منهم : هذه والله الشمس قد أشرقت ولم تأت، وقال آخر : هذه والله العير يقدُمها جمل أورق كما قال محمد. وفي هذا دليل على صحة القول الأول أنه أسرى بجسمه وروحه.
وقوله تعالى :﴿ إلى المسجد الأقصى ﴾ يعني بيت المقدس، وهو مسجد سليمان بن داود عليهما السلام وسمي الأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام.
ثم قال تعالى :﴿ الذي باركنا حوله ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني بالثمار ومجاري الأنهار.
الثاني : بمن جعل حوله من الأنبياء والصالحين ولهذا جعله مقدساً. وروى معاذ بن جبل عن النبي ﷺ أنه قال « يقول الله تعالى : يا شام أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي
». ﴿ لنريه من آياتنا ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الآيات التي أراه في هذا المسرى أن أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة، وهي مسيرة شهر.
الثاني : أنه أراه في هذا المسرى آيات.
وفيها قولان :
أحدهما : ما أراه من العجائب التي فيها اعتبار.
الثاني : من أري من الأنبياء حتى وصفهم واحداً واحداً.
﴿ إنه هو السميع البصير ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه وصف نفسه في هذه الحال بالسميع والبصير، وإن كانتا من صفاته اللازمة لذاته في الأحوال كلها لأنه حفظ رسوله عند إسرائه في ظلمة الليل فلا يضر ألا يبصر فيها، وسمع دعاءه فأجابه إلى ما سأل، فلهذين وصف الله نفسه بالسميع البصير.
الثاني : أن قومه كذبوه عن آخرهم بإسرائه، فقال : السميع يعني لما يقولونه من تصديق أو تكذيب، البصير لما يفعله من الإسراء والمعراج.
406
قوله تعالى :﴿ وآتينا موسى الكتاب ﴾ يعني التوراة.
﴿ وجعلناه هدًى لبني إسرائيل ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن موسى هدى لبني إسرائيل.
الثاني : أن الكتاب هدى لبني إسرائيل.
﴿ ألاّ تتخذوا من دوني وكيلاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : شريكاً، قاله مجاهد.
الثاني : يعني ربّاً يتوكلون عليه في أمورهم، قاله الكلبي.
الثالث : كفيلاً بأمورهم، حكاه الفراء.
قوله تعالى :﴿ ذرية من حملنا مع نوح ﴾ يعني موسى وقومه من بني إسرائيل ذرية من حملهم الله تعالى مع نوح في السفينة وقت الطوفان.
﴿ إنّه كان عبداً شكوراً ﴾ يعني نوحاً، وفيه قولان :
أحدهما : أنه سماه شكوراً لأنه كان يحمد الله تعالى على طعامه، قاله سلمان.
الثاني : أنه كان يستجد ثوباً إلا حمد الله تعالى عند لباسه، قاله قتادة.
ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن نوحاً كان عبداً شكوراً فجعل الله تعالى موسى من ذريته.
الثاني : أن موسى كان عبداً شكوراً إذ جعله تعالى من ذرية نوح.
﴿ وجعلناه هدًى لبني إسرائيل ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أن موسى هدى لبني إسرائيل.
الثاني : أن الكتاب هدى لبني إسرائيل.
﴿ ألاّ تتخذوا من دوني وكيلاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : شريكاً، قاله مجاهد.
الثاني : يعني ربّاً يتوكلون عليه في أمورهم، قاله الكلبي.
الثالث : كفيلاً بأمورهم، حكاه الفراء.
قوله تعالى :﴿ ذرية من حملنا مع نوح ﴾ يعني موسى وقومه من بني إسرائيل ذرية من حملهم الله تعالى مع نوح في السفينة وقت الطوفان.
﴿ إنّه كان عبداً شكوراً ﴾ يعني نوحاً، وفيه قولان :
أحدهما : أنه سماه شكوراً لأنه كان يحمد الله تعالى على طعامه، قاله سلمان.
الثاني : أنه كان يستجد ثوباً إلا حمد الله تعالى عند لباسه، قاله قتادة.
ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن نوحاً كان عبداً شكوراً فجعل الله تعالى موسى من ذريته.
الثاني : أن موسى كان عبداً شكوراً إذ جعله تعالى من ذرية نوح.
قوله تعالى :﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ﴾.
معنى قضينا ها هنا : أخبرنا.
ويحتمل وجهاً ثانياً : أن معناه حكمنا، قاله قتادة.
ومعنى قوله :﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل ﴾ أي قضينا عليهم.
﴿ لتفسدن في الأرض مرتين ﴾ الفاسد الذي فعلوه قتلهم للناس ظلماً وتغلبهم على أموالهم قهراً، وإخراب ديارهم بغياً. وفيمن قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان :
أحدهما : أنه زكريا قاله ابن عباس.
الثاني : أنه شعياً، قاله ابن إسحاق، وأن زكريا مات حتف أنفه.
أما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني فيحيى بن زكريا في قول الجميع قال مقاتل : وإن كان بينهما مائتا سنة وعشر.
﴿ فإذا جاء وعْد أولاهما ﴾ يعني أولى المرتين من فسادهم.
﴿ بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ ﴾ في قوله بعثنا وجهان :
أحدهما : خلينا بينكم وبينهم خذلاناً لكم بظلمكم، قاله الحسن.
الثاني : أمرنا بقتالكم انتقاماً منكم.
وفي المبعوث عليهم في هذه المرة الأولى خمسة أقاويل :
أحدها : جالوت وكان ملكهم طالوت إلى أن قتله داود عليه السلام، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : أنه بختنصر، وهو قول سعيد بن المسيب.
الثالث : أنه سنحاريب، قاله سعيد بن جبير.
الرابع : أنهم العمالقة وكانوا كفاراً، قاله الحسن.
الخامس : أنهم كانوا قوماً من أهل فارس يتجسسون أخبارهم، وهو قول مجاهد.
﴿... فجاسوا خلال الديار ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يعني مشوا وترددوا بين الدور والمساكن، قال ابن عباس وهو أبلغ في القهر.
الثاني : معناه فداسوا خلال الديار، ومنه قول الشاعر :
إِلَيْكَ جُسْتُ اللَّيْلَ بِالمَطِيِّ... الثالث : معناه فقتولهم بين الدور والمساكن، ومنه قول حسان بن ثابت :
الرابع : معناه فتشوا وطلبوا خلال الديار، قاله أبو عبيدة.
الخامس : معناه نزلوا خلال الديار، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر :
قوله تعالى :﴿ ثم رددنا لكم الكرة عليهم ﴾ يعني الظفر بهم، وفي كيفية ذلك ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن بني إسرائيل غزوا ملك بابل واستنقذوا ما فيه يديه من الأسرى والأموال. الثاني : أن ملك بابل أطلق من في يده من الأسرى، وردّ ما في يده من الأموال.
الثالث : أنه كان بقتل جالوت حين قتله داود.
﴿ وأمددناكم بأموالٍ وبنين ﴾ بتجديد النعمة عليهم.
﴿ وجعلناكم أكثر نفيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أكثر عزاً وجاهاً منهم.
الثاني : أكثر عدداً، وكثرة العدد تنفر عدوهم منهم، قال تُبع بن بكر :
قال قتادة : فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين، وبعث فيهم أنبياء.
قوله تعالى :﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ﴾ لأن الجزاء بالثواب يعود إليها، فصار ذلك إحساناً لها.
﴿ وإن أسأتُم فلها ﴾ أي فإليها ترجع الإساءة لما يتوجه إليها من العقاب، فرغَّب في الإحسان وحذر من الإساءة.
ثم قال تعالى :﴿ فإذا جاءَ وعْدُ الآخرة ليسوءُوا وجُوهكم ﴾ يعني وعد المقابلة على فسادهم في المرة الثانية. وفيمن جاءهم فيها قولان : أحدهما : بختنصّر، قاله مجاهد.
معنى قضينا ها هنا : أخبرنا.
ويحتمل وجهاً ثانياً : أن معناه حكمنا، قاله قتادة.
ومعنى قوله :﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل ﴾ أي قضينا عليهم.
﴿ لتفسدن في الأرض مرتين ﴾ الفاسد الذي فعلوه قتلهم للناس ظلماً وتغلبهم على أموالهم قهراً، وإخراب ديارهم بغياً. وفيمن قتلوه من الأنبياء في الفساد الأول قولان :
أحدهما : أنه زكريا قاله ابن عباس.
الثاني : أنه شعياً، قاله ابن إسحاق، وأن زكريا مات حتف أنفه.
أما المقتول من الأنبياء في الفساد الثاني فيحيى بن زكريا في قول الجميع قال مقاتل : وإن كان بينهما مائتا سنة وعشر.
﴿ فإذا جاء وعْد أولاهما ﴾ يعني أولى المرتين من فسادهم.
﴿ بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأسٍ شديدٍ ﴾ في قوله بعثنا وجهان :
أحدهما : خلينا بينكم وبينهم خذلاناً لكم بظلمكم، قاله الحسن.
الثاني : أمرنا بقتالكم انتقاماً منكم.
وفي المبعوث عليهم في هذه المرة الأولى خمسة أقاويل :
أحدها : جالوت وكان ملكهم طالوت إلى أن قتله داود عليه السلام، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني : أنه بختنصر، وهو قول سعيد بن المسيب.
الثالث : أنه سنحاريب، قاله سعيد بن جبير.
الرابع : أنهم العمالقة وكانوا كفاراً، قاله الحسن.
الخامس : أنهم كانوا قوماً من أهل فارس يتجسسون أخبارهم، وهو قول مجاهد.
﴿... فجاسوا خلال الديار ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يعني مشوا وترددوا بين الدور والمساكن، قال ابن عباس وهو أبلغ في القهر.
الثاني : معناه فداسوا خلال الديار، ومنه قول الشاعر :
إِلَيْكَ جُسْتُ اللَّيْلَ بِالمَطِيِّ... الثالث : معناه فقتولهم بين الدور والمساكن، ومنه قول حسان بن ثابت :
ومِنَّا الَّذِي لاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّدٍ | فَجَاس بهِ الأَعْدَاءَ عَرْضَ العَسَاكر |
الخامس : معناه نزلوا خلال الديار، قاله قطرب، ومنه قول الشاعر :
فَجُسنا ديارهم عَنْوَةً | وأبنا بساداتهم موثَقينا |
أحدها : أن بني إسرائيل غزوا ملك بابل واستنقذوا ما فيه يديه من الأسرى والأموال. الثاني : أن ملك بابل أطلق من في يده من الأسرى، وردّ ما في يده من الأموال.
الثالث : أنه كان بقتل جالوت حين قتله داود.
﴿ وأمددناكم بأموالٍ وبنين ﴾ بتجديد النعمة عليهم.
﴿ وجعلناكم أكثر نفيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أكثر عزاً وجاهاً منهم.
الثاني : أكثر عدداً، وكثرة العدد تنفر عدوهم منهم، قال تُبع بن بكر :
فأكرِم بقحْطَانَ مِن وَالِدٍ | وحِمْيَرَ أَكْرِم بقَوْمٍ نَفِيراً |
قوله تعالى :﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ﴾ لأن الجزاء بالثواب يعود إليها، فصار ذلك إحساناً لها.
﴿ وإن أسأتُم فلها ﴾ أي فإليها ترجع الإساءة لما يتوجه إليها من العقاب، فرغَّب في الإحسان وحذر من الإساءة.
ثم قال تعالى :﴿ فإذا جاءَ وعْدُ الآخرة ليسوءُوا وجُوهكم ﴾ يعني وعد المقابلة على فسادهم في المرة الثانية. وفيمن جاءهم فيها قولان : أحدهما : بختنصّر، قاله مجاهد.
408
الثاني : أنه انطياخوس الرومي ملك أرض نينوى، وهو قول مقاتل، وقيل إنه قتل منهم مائة ألف وثمانين ألفاً، وحرق التوراة وأخرب بيت المقدس، ولم يزل على خرابه حتى بناه المسلمون.
﴿ وليدخلوا المسجد كما دَخلوه أوّل مرّة ﴾ يعني بيت المقدس.
﴿ وليتبروا ما علوا تتبيراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه الهلاك والدمار.
الثاني : أنه الهدم والإخراب، قاله قطرب، ومنه قول لبيد :
قوله تعالى :﴿ عسى ربُّكم أن يرحمكم ﴾ يعني مما حل بكم من الانتقام منكم.
﴿ وإن عدتم عدنا ﴾ فيه تأويلان : أحدهما : إن عدتم إلى الإساءة عدنا إلى الانتقام، فعادوا. قال ابن عباس وقتادة : فبعث الله عليهم المؤمنين يذلونهم بالجزية والمحاربة إلى يوم القيامة.
الثاني : إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى القبول، قاله بعض الصالحين.
﴿ وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني فراشاً ومهاداً، قاله الحسن : مأخوذ من الحصير المفترش.
الثاني : حبساً يحبسون فيه، قاله قتادة، مأخوذ من الحصر وهو الحبس. والعرب تسمي الملك حصيراً لأنه بالحجاب محصور، قال لبيد :
﴿ وليدخلوا المسجد كما دَخلوه أوّل مرّة ﴾ يعني بيت المقدس.
﴿ وليتبروا ما علوا تتبيراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : أنه الهلاك والدمار.
الثاني : أنه الهدم والإخراب، قاله قطرب، ومنه قول لبيد :
وما النَّاسُ إلا عَامِلان فَعَامِلٌ | يُتَبِّرُ مَا يَبْنِي وَآخَرُ رَافِعٌ |
﴿ وإن عدتم عدنا ﴾ فيه تأويلان : أحدهما : إن عدتم إلى الإساءة عدنا إلى الانتقام، فعادوا. قال ابن عباس وقتادة : فبعث الله عليهم المؤمنين يذلونهم بالجزية والمحاربة إلى يوم القيامة.
الثاني : إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى القبول، قاله بعض الصالحين.
﴿ وجعلنا جهنم للكافرين حصيراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني فراشاً ومهاداً، قاله الحسن : مأخوذ من الحصير المفترش.
الثاني : حبساً يحبسون فيه، قاله قتادة، مأخوذ من الحصر وهو الحبس. والعرب تسمي الملك حصيراً لأنه بالحجاب محصور، قال لبيد :