تفسير سورة الإسراء

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الإسراء : سورة بني إسرائيل، مكية كلها إلا هذه الآيات، فإنهن مدنيات، وهي قوله تعالى :﴿ وقل رب أدخلني مدخل صدق... ﴾ [ آية : ٨٠ ] الآية.
وقوله تعالى :﴿ إن الذين أوتوا العلم من قبله... ﴾ إلى قوله :﴿... خشوعا ﴾ [ آية : ١٠٧-١٠٩ ].
وقوله تعالى :﴿ إن ربك أحاط بالناس... ﴾ [ آية : ٦٠ ] الآية.
وقوله تعالى :﴿ وإن كادوا ليفتنونك... ﴾ [ آية : ٧٣ ] الآية.
وقوله تعالى :﴿ ولولا أن ثبتناك... ﴾ [ آية : ٧٥، ٧٤ ] الآيتين.
وقوله تعالى :﴿ وإن كادوا ليستفزونك من الأرض... ﴾ [ آية : ٧٦ ] الآية.
عددها : مائة وإحدى عشرة آية كوفية.

﴿ سُبْحَانَ ﴾، يعني عجب.
﴿ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ ﴾، في رجب، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ﴾، يعني بيت المقدس، قبل الهجرة بسنة، وفرضت عليه الصلوات الخمس تلك الليلة، وعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنهار: نهر من لبن، ونهر من عسل، ونهر من خمر، فلم يشرب النبي صلى الله عليه وسلم الخمر، فقال جبريل: أما إن الله حرمها على أمتك.
﴿ ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾، يعني بالبركة الماء، والشجر، والخير.
﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ ﴾، فكان مما رأى من الآيات البراق، والرجال، والملائكة، وصلى بالنبيين تلك.
﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ ﴾ [آية: ١].
وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح بمكة ليلة أسري به من مكة، فقال لأم هانئ ابنة أبي طالب، وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي: " لقد رأيت الليلة عجباً "، قالت: وما ذلك بأبي أنت وأمي؟ قال: " لقد صليت في مصلاي هذا صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما في بيت المقدس "، فقالت: وكيف فعلت؟ قال: " أتاني جبريل، عليه السلام، وقد أخذت مضجعي من الفراش قبل أن أنام، وأخذ بيدي وأخرجني من الباب وميكائيل، عليه السلام، بالباب ومعه دابة، فوق الحمار ودون البغل، ووجهها كوجه الإنسان، وخدها كخد الفرس، وعرفها كعرف الفرس، بلقاء، سيلاء، مضطربة الخلق، لها جناحان، ذنبها كذنب البقر، وحافرها كأظلاف البقر، خطوها عند منتهى بصرها، كان سليمان بن داود، عليه السلام، يغدو عليها مسيرة شهر، فحملاني عليها، ثم أخذ يزفان بي حتى أتيت بيت المقدس، ومثل لي النبيون، فصليت بهم، ورأيت ورأيت ". فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم فيخرج، أخذت أم هانىء بحبرته، قالت: أين تخرج؟ قال: " أخرج إلى قريش، فأخبرهم بالذي رأيت "، فقالت: لا تفعل، فوالله ليجترأن عليك المكذب، وليمترين فيك المصدق، قال: " وإن كذبوني لأخرجن "، ونزع يدها من حبرته، فخرج إلى المسجد، فإذا فيه شيوخ من شيوخ قريش جلوس في الحجر، فقام عليهم فقال: " ألا أحدثكم بالعجب؟ "، قالوا: أخبرنا، فإن أمرك كله عجب، قال: " لقد صليت في هذا الوادي صلاة العشاء، وصلاة الفجر، وصليت فيما بينهما ببيت المقدس، ومثل لى النبيون، فصليت بهم وكلمت بعضهم "، فصدقه المؤمنون، وكذبه المشركون. فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: ما ثكلتني يدي على هذا الكذاب ألا لن أكون ذلك اليوم جزعاً، فآخذك بيدي أخذاً، تخبرنا أنك صليت ببيت المقدس، ورجعتك من ليلتك، ونحن لا نبلغه إلاّ في أربعين ليلة بعد شق الأنفس، أشهد أنك كذاب ساحر، فبينما هم كذلك، إذ جاء أبو بكر الصديق، رضوان الله عليه، فقالت قريش: يا أبا بكر، ألا تسمع ما يقول صاحبك، يزعم أنه صلى العشاء الآخرة والفجر بمكة، وصلى فيما بينهما ببيت المقدس، قال أبو بكر الصديق، رضى الله عنه: إن كان قال ذلك، فقد صدق. وقال أبو بكر، رضي الله عنه، للنبى صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمي، حدثني عن باب بيت المقدس، وعن البيت، وعن سواريه، وعن الصخرة، وعن هذا كله، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم، فالتزمه أبو بكر، فقال: أشهد أنك صادق، فسمى يومئذ الصديق، اسمه: عتيق بن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن مرة، فقال المسلمون: يا رسول الله، كيف رأيت الأنبياء، عليهم السلام؟ قال:" رأيت عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم رجلاً أبيض، فوق الربعة، ودون الطويل، ظاهر الدم، عريض الصدر، جعد الرأس، يعلوه صهوبة، أشبه الناس بعروة بن معتب الثقفى "." ورأيت موسى، عليه السلام، رجلاً طويلاً، آدم شديد الأدمة، ضرب اللحم، سبط الشعر أشعر كأنه من رجال أزد شنوءة، لو لبس قميصين لرؤى شعره منهما، ورأيت إبراهيم، عليه السلام، أشبه الناس بى خَلقاً وخُلقاً، فبدأني بالسلام والمصافحة والترحم، ورأيت الدجال، رجلاً جسيماً، لحيماً، آدم، جعد الرأس، كث اللحية، ممسوح العين، أحلى الجبهة براق الثنايا، مكتوب بين عينيه كافر، شبيه بفطن بن عبد العزى "." ورأيت عمرو بن ربيعة بن يحيى بن قمعة بن خندف الخزاعى، والحارث بن كعب بن عمرو، وعليهما وفرة يجران قصبهما في النار "، يعني أمعاءهما، قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: ولم؟ قال: " لأنهما أول من سيبا السائبة، واتخذا البحيرة والوصيلة والحام، وأول من سميا اللات والعزى، وأمرا بعبادتهما، وغيرا دين الحنيفية ملة إبراهيم، عليه السلام، ونصبا الأوثان حول الكعبة، فأما عمرو بن ربيعة، فهو رجل قصير، أشبه الناس به هذا، يعني أكثم بن الجون الخزاعى "، فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني شبهه؟ قال: " لا "، أنت مؤمن وهو كافر ". فقال رجل من كفار قريش للمطعم بن عدى: عجلت على ابن أخيك، ثم قال كهيئة المستهزئ: رويدك يا محمد حتى نسألك عن عيرنا، هل رأيتها في الطريق؟ قال: " نعم "، قال: فأين رأيتها؟ قال: " رأيت عير بنى فلان بالروحاء نزولاً، قد ضلت لهم ناقة، وهم في طلبها، فمررت على رجالهم وليس بها أحد منهم، فوجدت في إناء لهم ماء، فشربت منه وتوضأت، فاسألوهم إذا أتوكم، هل كان ذلك؟ "، قالوا: هذه آية. قال: " ومررت على عير بني فلان، في وادي كذا وكذا، في ساعة كذا وكذا من الليل، ومعي جبريل وميكائيل، عليهما السلام، فنفرت منا إبلهم، فوقعت ناقة حمراء فانكسرت، فهم يجبرونها، فاسألوهم إذا أتوكم، هل كان ذلك؟ "، قالوا: نعم، هذه آية، قال رجل منهم: فأين تركت عيرنا؟ قال: " تركتها بالتنعيم قبيل "، قال: فإن كنت صادقاً، فهي قادمة الأن، قال: " نعم "، قال: فأخبرنا بعدتها وأحمالها وما فيها، قال: " كنت عن ذلك مشغولاً، غير أن برنساً كان لهم على البعير الذي يقدم الركب، فسقط البرنس، فرجع حبشي من القوم فأصابه، فوضعه على آخر الركب، فاسألوهم إذا أتوكم هل كان ذلك ". فبينا هو صلى الله عليه وسلم يحدثهم، إذ مثل الله عز وجل له كل شىء حتى نظر إلى عدتها وأحمالها ومن فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أين السائل آنفاً عن إبله، فإن عدتها وأحمالها ومن فيها كذا وكذا، ويقدمها جمل أورق، وهى قادمة الآن "، فانطلقوا يسعون، فإذا هي منحدرة من عتبة التنعيم، وإذا هي وأحمالها وعدتها وما فيها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: لقد صدق الوليد بن المغيرة، إن هذا لساحر مبين، وما يجرى محمد صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا متى تقدم عيرنا، وما حالها وأحمالها ومن فيها، فكفوا بعض الأذى سنة.
قال سبحانه: ﴿ وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ ﴾، يقول: أعطينا موسى التوراة.
﴿ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى ﴾، يعني التوراة هدى.
﴿ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ من الضلالة.
﴿ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً ﴾ [آية: ٢]، يعني ولياً، فيها تقديم. يا ﴿ ذُرِّيَّةَ ﴾ آدم.
﴿ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ﴾ في السفينة، ألا تتخذوا من دوني وكيلاً، يعني الأهل، يعني ولياً، ثم أثنى على نوح بن لملك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ﴾ [آية: ٣]، فكان من شكره أنه كان يذكر الله عز وجل حين يأكل ويشرب، ويحمد الله تعالى حين يفرغ، ويذكر الله سبحانه حين يقوم ويقعد، ويذكر الله جل ثناؤه حين يستجد الثوب الجديد، وحين يخلق، ويذكر الله عز وجل حين يدخل ويخرج، وينام ويستيقظ، ويذكر الله جل ثناؤه بكل خطوة يخطوها، وبكل عمل يعمله، فسماه الله عز وجل عبداً شكوراً.
قال سبحانه: ﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ ﴾، يقول: وعهدنا إليهم في التوراة.
﴿ لَتُفْسِدُنَّ ﴾، لتهلكن ﴿ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ﴾، فكان بين الهلاكين مائتا سنة وعشر سنين.
﴿ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً ﴾ [آية: ٤]، يقول: ولتقهرن قهراً شديداً حتى تذلوا، وذلك بمعصيتهم الله عز وجل. فذلك قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا ﴾، يعني وقت أول الهلاكين.
﴿ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾، بختنصر المجوسى ملك بابل وأصحابه.
﴿ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ ﴾، يعني فقتل الناس في الأزقة، وسبى ذراريهم، وخرب بيت المقدس، وألقى فيه الجيف، وحرق التوراة، ورجع بالسبي إلى بابل، فذلك قوله سبحانه: ﴿ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً ﴾ [آية: ٥]، يعني وعداً كائناً لا بد منه، فكانوا ببابل سبعين سنة. ثم إن الله عز وجل استنقذهم على يد كروس بن مزدك الفارس، فردهم إلى بيت المقدس، فذلك قوله عز وجل: ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾، حتى كثروا، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ﴾ [آية: ٦]، يعني أكثر رجالاً منكم قبل ذلك، فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين، فيهم أنبياء. ثم قال سبحانه: ﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ ﴾ العلم لله بعد هذه المرة.
﴿ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ ﴾ فلا تهلكوا.
﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾، يعني وإن عصيتم فعلى أنفسكم، فعادا إلى المعاصي الثانية، فسلط الله عليهم أيضاً انطباخوس بن سيس الرومي ملك أرض نينوى، فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ ﴾، يعني وقت آخر الهلاكين.
﴿ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ ﴾، يعني ليقبح وجوهكم، فقتلهم وسبى ذراريهم، وخرب بيت المقدس، وألقى فيه الجيف، وقتل علماءهم، وحرق التوراة، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ ﴾، يعني بيت المقدس، انطياخوس بن سيس ومن معه بيت المقدس.
﴿ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾، يقول: كما دخله بختنصر المجوسي وأصحابه قبل ذلك، قال سبحانه: ﴿ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً ﴾ [آية: ٧]، يقول عز وجل: وليدمروا ما علوا، يقول: ما ظهروا عليه تدميراً، كقوله سبحانه في الفرقان:﴿ وَكَلا تَبَّرْنَا تَتْبِيراً ﴾[الفرقان: ٣٩]، يعني وكلا دمرنا تدميراً. ثم قال: ﴿ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ﴾، فلا يسلط عليكم القتل والسبي، ثم إن الله عز وجل استنقذهم على يدي المقياس، فردهم إلى بيت المقدس فعمروه، ورد الله عز وجل إليهم ألفتهم، وبعث فيهم أنبياء، ثم قال لهم: ﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾، يقول: وإن عدتم إلى المعاصى عدنا عليكم بأشد مما أصابكم، يعني من القتل والسبي، فعادوا إلى الكفر، وقتلوا يحيى بن زكريا، فسلط الله عيلهم ططس بن استاتوس الرومي، ويقال: اصطفابوس، فقتل على دم يحيى بن زكريا مائة ألف وثمانين ألفاً من اليهود، فهم الذين قتلوا الرقيب على عيسى الذى كان شبه لهم، وسبى ذراريهم، وأحرق التوراة، وخرب بيت المقدس، وألقى فيه الجيف، وذبح فيه الخنازير، فلم يزل خراباً حتى جاء الإسلام، فعمره المسلمون.
﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً ﴾ [آية: ٨]، يعني محبساً لا يخرجون منها أبداً، كقوله عز وجل:﴿ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ ﴾[البقرة: ٢٧٣]، يعني حبسوا في سبيل الله.
﴿ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي ﴾، يعني يدعو.
﴿ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾، يعني أصوب.
﴿ وَيُبَشِّرُ ﴾ القرآن.
﴿ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾، يعني المصدقين.
﴿ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ من الأعمال بما فيه من الثواب، فذلك قوله سبحانه: ﴿ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ﴾ [آية: ٩]، يعني جزاء عظيماً في الآخرة.﴿ وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾، يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
﴿ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [آية: ١٠]، يعني عذاباً وجيعاً.﴿ وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ ﴾ على نفسه، يعني النضر بن الحارث، حين قال:﴿ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[الأنفال: ٣٢].
﴿ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ ﴾، كدعائه بالخير لنفسه.
﴿ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾ [آية: ١١]، يعني آدم، عليه السلام، حين نفخ فيه الروح من قبل رأسه، فلما بلغت الروح وسطه عجل، فأراد أن يجلس قبل أن تتم الروح وتبلغ إلى قدميه، فقال الله عز وجل: ﴿ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾، وكذلك النضر يستعجل بالدعاء على نفسه كعجلة آدم، عليه السلام، في خلق نفسه، إذا أراد أن يجلس قبل أن يتم دخول الروح فيه، فتبلغ الروح إلى قدميه، فعجلة الناس كلهم ورثوها عن أبيهم آدم، عليه السلام، فذلك قوله سبحانه: ﴿ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾.
﴿ وَجَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ ﴾، يعني علامتين مضيئتين، فكان ضوء القمر مثل ضوء الشمس، فلم يعرف الليل من النهار، يقول الله تعالى: ﴿ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلْلَّيْلِ ﴾، يعني علامة القمر، فالمحو السواد الذي في وسط القمر، فمحى من القمر تسعة وستين جزءاً، واحد من سبعين جزءاً من الشمس، فعرف الليل من النهار.
﴿ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ﴾، يعني علامة ﴿ ٱلنَّهَارِ ﴾، وهي الشمس.
﴿ مُبْصِرَةً ﴾، يعني أقررنا ضوءها فيها.
﴿ لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾، يعني رزقاً.
﴿ وَلِتَعْلَمُواْ ﴾ بها ﴿ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ﴾ [آية: ١٢]، يعني بيناه تبياناً.
﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ ﴾، يعني عمله الذي عمل، خيراً كان أو شراً، فهو ﴿ فِي عُنُقِهِ ﴾ لا يفارقه حتى يحاسب عليه.
﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ﴾ [آية: ١٣]، وذلك أن ابن آدم إذا ما طويت صحيفته التي فيها عمله، فإذا كان يوم القيامة، نشر كتابه، فدفع إليه منشوراً. ثم يقال له: ﴿ ٱقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾ [آية: ١٤]، يعني شهيداً، فلا شاهد عليك أفضل من نفسك، وذلك حين قالوا:﴿ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾[الأنعام: ٢٣]، ختم الله على ألسنتهم، ثم أمر الجوارح، فشهدت عليه بشركه وتكذيبه، وذلك قوله سبحانه: ﴿ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾، وذلك قوله عز وجل:﴿ بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾[القيامة: ١٤]، يعني جوارحهم حين شهدت عليهم أنفسهم، وألسنتهم، وأيديهم، وأرجلهم.﴿ مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ ﴾ الخير.
﴿ وَمَن ضَلَّ ﴾ عن الهدى.
﴿ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾، أي على نفسه، يقول: فعلى نفسه إثم ضلالته.
﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾، يقول: لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى.
﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ ﴾ في الدنيا أحداً.
﴿ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾ [آية: ١٥]، لينذرهم بالعذاب في الدنيا بأنه نازل بهم، كقوله سبحانه.
﴿ وَمَا أَهْلَكْنَا ﴾ في الدنيا ﴿ مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ ﴾ [الشعراء: ١٠٨].
﴿ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً ﴾ بالعذاب في الدنيا.
﴿ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ﴾، يقوله: أكثرنا جبابرتها فبطروا في المعيشة.
﴿ فَفَسَقُواْ فِيهَا ﴾، يقول: فعصوا في القرية.
﴿ فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ ﴾، يعني فوجب عليهم الذي سبق لهم في علم الله عز وجل: ﴿ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾ [آية: ١٦]، يقول: فأهلكناها بالعذاب هلاكاً. يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال سبحانه: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا ﴾ بالعذاب في الدنيا.
﴿ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ ﴾، يقول: كفار مكة.
﴿ خَبِيرَاً بَصِيراً ﴾ [آية: ١٧]، يقول الله عز وجل: فلا أحد أخبر بذنوب العباد من الله عز وجل، يعني كفار مكة.﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ﴾ في الدنيا.
﴿ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا ﴾، يعني في الدنيا.
﴿ مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ﴾، من المال.
﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ ﴾، يقول: ثم نصيره إلى جهنم.
﴿ يَصْلاهَا مَذْمُوماً ﴾، عند الله.
﴿ مَّدْحُوراً ﴾ [آية: ١٨]، يعني مطروداً في النار، نزلت في ثلاثة نفر من ثقيف، فى: فرقد بن يمامة، وأبي فاطمة بن البحتري، وصفوان، وفلان، وفلان.﴿ وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ ﴾ من الأبرار بعمله الحسن، وهو مؤمن، يعني بالدار الآخرة.
﴿ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا ﴾، يقول: عمل للآخرة عملها.
﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾، يعني مصدق بتوحيد الله عز وجل.
﴿ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً ﴾ [آية: ١٩]، فشكر الله عز وجل سعيهم، فجزاهم بعملهم الجنة، نزلت في بلال المؤذن وغيره. ثم قال سبحانه: ﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ ﴾ البر والفاجر، يعني هؤلاء النفر من المسلمين، وهؤلاء النفر من ثقيف.
﴿ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ ﴾، يعني رزق ربك.
﴿ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ ﴾، يعني رزق ربك.
﴿ مَحْظُوراً ﴾ [آية: ٢٠]، يعني ممسكاً، يعني ممنوعاً.﴿ ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾، يعني الفجار، يعني من كفار ثقيف على بعض في الرزق في الدنيا، يعني الأبرار بلال بن رباح ومن معه.
﴿ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ ﴾ في الآخرة، يعني أعظم فضائل.
﴿ وَأَكْبَرُ ﴾، يعني وأعظم.
﴿ تَفْضِيلاً ﴾ [آية: ٢١] من فضائل الدنيا، فلما صار هؤلاء إلى الآخرة، أعطى هؤلاء المؤمنون بلال ومن معه، أعطوا في الآخرة فضلاً كبيراً أكثر مما أعطى الفجار في الدنيا، يعني ثقيفاً.﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تضف مع الله إلهاً، وذلك حين دعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملة آبائه.
﴿ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً ﴾، ملوماً تلام عند الناس.
﴿ مَّخْذُولاً ﴾ [آية: ٢٢] في عذاب الله تعالى.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن مسعود، أنه كان في المصحف: ووصى ربك، فالتزق الواو بالصاد، فقال: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ ﴾، يعني وعهد ربك.
﴿ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾، يعني ألا توحدوا غيره.
﴿ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾ براً بهما.
﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ ﴾، يعني أبويه، يعني سعد بن أبي وقاص.
﴿ أَحَدُهُمَا ﴾، يعني أحد الأبوين.
﴿ أَوْ كِلاَهُمَا ﴾، فبرهما.
﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ ﴾، يعني الكلام الرديء، أن تقول: اللهم أرحنى منهما، أو تغلظ عليهما في القول عند كبرهما، ومعالجتك إياهما وعند ميط القذر عنهما.
﴿ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ﴾ عند المعالجة، يعني تغلظ لهما القول.
﴿ وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ﴾ [آية: ٢٣]، يعني حسناً ليناً.﴿ وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ ﴾، يقول: تلين جناحك لهما رحمة بهما ﴿ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا ﴾ عندما تعالج منهما.
﴿ كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [آية: ٢٤]، يعني كما عالجا ذلك منى صغيراً، فالطف بهما، واعصهما في الشرك، فإنه ليس معصيتك إياهما في الشرك قطيعة لهما، ثم نسخت: ﴿ كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾، ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ ﴾[التوبة: ١١٣].
قال تعالى: ﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ﴾، يقول: هو أعلم بما في نفوسكم منكم من البر للوالدين عند كبرهما، فذلك قوله تعالى: ﴿ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ ﴾، يعني محتسبين مما تعالجون منهما أو لا تحتسبون.
﴿ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً ﴾ [آية: ٢٥]، يعني المتراجعين من الذنوب إلى طاعة الوالدين غفوراً.﴿ وَآتِ ﴾، يعني فأعط.
﴿ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ﴾، يعني صلته، ثم قال تعالى: ﴿ وَٱلْمِسْكِينَ ﴾، يعني السائل، فتصدق عليه.
﴿ وَ ﴾ حق ﴿ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ أن تحسن إليه، وهو الضيف نازل عليه، قوله سبحانه: ﴿ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ﴾ [آية: ٢٦]، يعني المنفقين في غير الحق. ثم قال: ﴿ إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ ﴾، يعني المنفقين، يعني كفار مكة، في غير حق.
﴿ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ ﴾ في المعاصي.
﴿ وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ ﴾، يعني إبليس وحده.
﴿ لِرَبِّهِ كَفُوراً ﴾ [آية: ٢٧]، يعني عاص. ثم رجع إلى المسكين وابن السبيل، فقال: ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ﴾، نزلت في خباب، وبلال، ومهجع، وعمار، ونحوهم من الفقراء، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجد ما يعطيهم فيعرض عنهم فيسكت، ثم قال عز وجل: ﴿ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا ﴾، يعني انتظار رزق من ربك.
﴿ فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً ﴾ [آية: ٢٨]، يقول: اردد عليهم معروفاً، يعني العدة الحسنة أنه سيكون فأعطيكم.
علمهم كيف يعمل في النفقة، فقال سبحانه: ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ ﴾، يقول: ولا تمسك يدك من البخل عن النفقة في الحق.
﴿ وَلاَ تَبْسُطْهَا ﴾، يعني في العطية.
﴿ كُلَّ ٱلْبَسْطِ ﴾، فلا تبقى عندك، فإن سئلت لم تجد ما تعطيهم كقوله:﴿ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ ﴾[المائدة: ٦٤].
﴿ فَتَقْعُدَ مَلُوماً ﴾ يلومك الناس.
﴿ مَّحْسُوراً ﴾ [آية: ٢٩]، يعني منقطعاً بك، كقوله سبحانه في تبارك الملك:﴿ وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾[الملك: ٤]، يعني منقطع به.﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ ﴾، يعني يوسع الرزق.
﴿ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ﴾، يعني ويقتر على من يشاء.
﴿ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً ﴾، بأمر الرزق بالسعة والتقتير.
﴿ بَصِيراً ﴾ [آية: ٣٠] به.
﴿ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ ﴾، يعني دفن البنات وهن أحياء.
﴿ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ ﴾، يعني مخافة للفقر.
﴿ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً ﴾، يعني إثماً.
﴿ كَبِيراً ﴾ [آية: ٣١].
قوله سبحانه: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ﴾، يعني معصية.
﴿ وَسَآءَ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٣٢]، يعني المسلك، لم يكن يومئذ في الزنا حد، حتى نزل الحد بالمدينة في سورة النور.﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ ﴾ قتلها، يعني باغياً.
﴿ إِلاَّ بِٱلحَقِّ ﴾ الذي يقتل فيقتل به.
﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ ﴾، يعني ولي المقتول.
﴿ سُلْطَاناً ﴾، يعني مسلطاً على القتلى إن شاء قبله، وإن شاء عفا عنه، وإن شاء أخذ الدية، ثم قال لولي المقتول: ﴿ فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ﴾ [آية: ٣٣] من أمر الله عز وجل في كتابه، جعل الأمر إليه، ولا تقتلن غير القاتل، فإن من قتل غير القاتل، فقد أسرف؛ لقوله سبحانه: ﴿ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً ﴾.
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾، إلا لتنمي ماله بالأرباح، نسختها:﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾[البقرة: ٢٢٠].
﴿ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾، يعني ثماني عشرة سنة.
﴿ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ ﴾ فيما بينكم وبين الناس.
﴿ إِنَّ ٱلْعَهْدَ ﴾ إذا نقض.
﴿ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ [آية: ٣٤]، يقول: الله سائلكم عنه في الآخرة.
﴿ وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ﴾، يعني بالميزان بلغة الروم.
﴿ ٱلْمُسْتَقِيمِ ذٰلِكَ ﴾ الوفاء.
﴿ خَيْرٌ ﴾ من النقصان.
﴿ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [آية: ٣٥]، يعني وخير عاقبة في الآخرة.﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾، يقول: ولا ترم بالشرك، فإنه ليس لك به علم أن لي شريكاً، ثم حذرهم.
﴿ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ ﴾، يعني القلب.
﴿ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ [آية: ٣٦]، يعني عن الشرك مسئولاً في الآخرة.﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً ﴾، يعني بالعظمة، والخيلاء، والكبرياء.
﴿ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ ﴾ إذا مشيت بالخيلاء والكبرياء.
﴿ وَلَن تَبْلُغَ ﴾ رأسك.
﴿ ٱلْجِبَالَ طُولاً ﴾ [آية: ٣٧] إذا تكبرت.﴿ كُلُّ ذٰلِكَ ﴾، يعني كل ما أمر الله عز وجل به، ونهى عنه في هؤلاء الآيات.
﴿ كَانَ سَيِّئُهُ ﴾، يعني ترك ما أمر الله عز وجل به، ونهى عنه في هؤلاء الآيات، أي وركوب ما نهى عنه، كان ﴿ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ﴾ [آية: ٣٨].
﴿ ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ ﴾، أي ذلك الذي أمر الله به ونهى عنه في هؤلاء الآيات.
﴿ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ ﴾ التي أوحاها إليك يا محمد، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾، فإن فعلت.
﴿ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً ﴾، تلوم نفسك يومئذ.
﴿ مَّدْحُوراً ﴾ [آية: ٣٩]، يعني مطروداً في النار، كقوله سبحانه:﴿ وَيُقْذِفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً ﴾[الصافات: ٨، ٩]، يعني طرداً. قل يا محمد لكفار مكة: ﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ ﴾، نزلت هذه الآية بعد قوله:﴿ قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ ﴾[الإسراء: ٤٢]، يعني مشركي العرب حين قالوا: الملائكة بنات الرحمن.
﴿ وَٱتَّخَذَ ﴾ لنفسه ﴿ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً ﴾، يعني البنات.
﴿ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً ﴾ [آية: ٤٠] حين تقولون: إن الملائكة بنات الله عز وجل.
﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ ﴾ في أمور شتى.
﴿ لِيَذَّكَّرُواْ ﴾ فيعتبروا.
﴿ وَمَا يَزِيدُهُمْ ﴾ القرآن.
﴿ إِلاَّ نُفُوراً ﴾ [آية: ٤١]، يعني إلا تباعداً عن الإيمان بالقرآن، كقوله تعالى:﴿ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ﴾[الملك: ٢١]، يعني تباعداً.﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ ﴾، حين يزعمون أن الملائكة بنات الرحمن، فيعبدونهم ليشفعوا لهم عند الله عز وجل في الآخرة.
﴿ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٤٢]، ليغلبوه ويقهروه، كفعل ملوك الأرض بعضهم ببعض، يلتمس بعضهم أن يقهر صاحبه ويعلوه. ثم قال: ﴿ سُبْحَانَهُ ﴾ نزه نفسه تعالى عن قول البهتان، فقال: ﴿ وَتَعَالَىٰ ﴾، يعني وارتفع.
﴿ عَمَّا يَقُولُونَ ﴾ من البهتان.
﴿ عُلُوّاً كَبِيراً ﴾ [آية: ٤٣]، نظيرها في المؤمنين.
عظم نفسه جل جلاله، فقال سبحانه: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ ﴾، يعني تذكره.
﴿ ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ ﴾، يعني وما من شىء.
﴿ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ﴾، يقول: إلا يذكر الله بأمره، يعني من نبت، إذا كان في معدنه.
﴿ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ [الزمر: ٧٥]، كقوله سبحانه:﴿ وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ﴾[الرعد: ١٣]، يعني بأمره، من نبت، أو دابة، أو خلق.
﴿ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾، يقول: ولكن لا تسمعون ذكرهم لله عز وجل: ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً ﴾ عنهم، يعني عن شركهم.
﴿ غَفُوراً ﴾ [آية: ٤٤]، يعني ذو تجاوز عن قولهم، لقوله: ﴿ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ ﴾ كما يزعمون.
﴿ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً ﴾، بأن الملائكة بنات الله، حين لا يعجل عليهم بالعقوبة.
﴿ غَفُوراً ﴾ في تأخير العذاب عنهم إلى المدة، مثلها في سورة الملائكة، قوله سبحانه:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ ﴾[فاطر: ٤١] آخر الآية.
﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً ﴾، يعني ذو تجاوز عن شركهم.
﴿ غفوراً ﴾ في تأخير العذاب عنهم إلى المدة.﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ ﴾ في الصلاة أو غير الصلاة.
﴿ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ ﴾، يعني لا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
﴿ حِجَاباً مَّسْتُوراً ﴾ [آية: ٤٥]، نزلت في أبي لهب وامرأته، وأبي البحتري، وزمعة اسمه عمرو بن الأسود، وسهيل، وحويطب، كلهم من قريش، يعني بالحجاب المستور.
قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾، يعني الغطاء على القلوب.
﴿ أَن يَفْقَهُوهُ ﴾، لئلا يفقهوا القرآن.
﴿ وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً ﴾، يعني ثقلاً لئلا يسمعوا القرآن.
﴿ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْآنِ وَحْدَهُ ﴾، فقلت: لا إله إلا الله.
﴿ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً ﴾ [آية: ٤٦]، يعني أعرضوا عن التوحيد ونفروا عنه كراهية التوحيد، وذلك حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلوا على أبي طالب وهم الملأ، فقال" قولوا: لا إله إلا الله، تملكون بها العرب وتدين لكم العجم "﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ﴾ يا محمد وأنت تقرأ القرآن.
﴿ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ ﴾، فبين نجواهم في سورة الأنبياء:﴿ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾، يعني فيما بينهم،﴿ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾[الأنبياء: ٣]، فذلك قوله سبحانه: ﴿ إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾، يعني الوليد بن المغيرة وأصحابه.
﴿ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ﴾ [آية: ٤٧]، يعني بالمسحور المغلوب على عقله، نظيرها في الفرقان:﴿ وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ﴾[الفرقان: ٨].
﴿ ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ ﴾، يعني كيف وصفوا لك الأنبياء حين قالوا: إنك ساحر.
﴿ فَضَلُّواْ ﴾ عن الهدى.
﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ ﴾، يعني فلا يجدون.
﴿ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٤٨]، يعني لا يقدرون على مخرج مما قالوا لك بأنك ساحر.﴿ وَقَالُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً ﴾، يعني تراباً.
﴿ أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ بعد الموت.
﴿ خَلْقاً جَدِيداً ﴾ [آية: ٤٩]، يعني البعث. و ﴿ قُلْ ﴾ لهم يا محمد: ﴿ كُونُواْ حِجَارَةً ﴾ في القوة.
﴿ أَوْ حَدِيداً ﴾ [آية: ٥٠] في الشدة، فسوف يميتكم ثم يبعثكم، ثم تحيون من الموت.﴿ أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ﴾، يعني مما يعظم في قلوبكم، قل لو كنتم أنتم الموت لأمتكم ثم بعثتكم في الآخرة.
﴿ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ﴾، يعني من يبعثنا أحياء من بعد الموت.
﴿ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾، يعني خلقكم أول مرة في الدنيا ولم تكونوا شيئاً، فهو الذي يبعثكم في الآخرة.
﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ ﴾، يعني يهزون إليك.
﴿ رُؤُوسَهُمْ ﴾ استهزاء وتكذيباً بالبعث.
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ﴾، يعنون البعث.
﴿ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ ﴾ البعث ﴿ قَرِيباً ﴾ [آية: ٥١].
ثم أخبر عنهم، فقال سبحانه: ﴿ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ﴾ من قبوركم في الآخرة ﴿ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ﴾، يعني تجيبون الداعى بأمره.
﴿ وَتَظُنُّونَ ﴾، يعني وتحسبون ﴿ إِن ﴾، يعني ما ﴿ لَّبِثْتُمْ ﴾ في القبور.
﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [آية: ٥٢]، وذلك أن إسرافيل قائم على صخرة بيت المقدس يدعو أهل القبور في قرن، فيقول: أيتها اللحوم المتفرقة وأيتها العروق المتقطعة، وأيتها الشعور المتفرقة، اخرجوا إلى فصل القضاء لتنفخ فيكم أرواحكم، وتجازون بأعمالكم، فيخرجون، ويديم المنادي الصوت، فيخرجون من قبورهم، ويسمعون الصوت، فيسعون إليه، فذلك قوله سبحانه:﴿ فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾[يس: ٥٣].
﴿ وَقُل لِّعِبَادِي ﴾، يعني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.
﴿ يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾، ليرد خيراً على من شتمه، وذلك أن رجلاً من كفار مكة شتمه، فهم به عمر، رضي الله عنه، فأمره الله عز وجل بالصفح والمغفرة، نظيرها في الجاثية:﴿ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ... ﴾[الجاثية: ١٤] إلى آخر الآية.
﴿ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾، يعني يغري بينهم.
﴿ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً ﴾ [آية: ٥٣].
﴿ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ﴾ من غيره.
﴿ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ ﴾، فيتوب عليكم.
﴿ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ﴾، فيميتكم على الكفر نظيرها في الأحزاب،﴿ لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ ﴾[الأحزاب: ٧٣].
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ﴾ [آية: ٥٤]، يعني مسيطراً عليهم.﴿ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾، منهم من كلم الله، ومنهم من اتخذه الله خليلاً، ومنهم من سخر الله له الطير، والجبال، ومنهم من أعطي ملكاً عظيماً، ومنهم من يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ومنهم من رفعه الله عز وجل إلى السماء، فكل واحد منهم فضل بأمر لم يعطه غيره، فهذا تفضيل بعضهم على بعض، ثم قال سبحانه: ﴿ وَآتَيْنَا ﴾، يعني وأعطينا ﴿ دَاوُودَ زَبُوراً ﴾ [آية: ٥٥]، مائة وخمسين سورة، ليس فيها حكم، ولا حد، ولا فريضة، ولا حلال، ولا حرام، وإنما هو ثناء على الله عز وجل، وتمجيد وتحميد.
﴿ قُلِ ﴾ لكفار مكة: ﴿ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم ﴾ أنهم آلهة ﴿ مِّن دُونِهِ ﴾، من دون الله يعني الملائكة، فليكشفوا الضر عنكم، يعني الجوع سبع سنين إذا نزل بكم، ثم أخبر عن الملائكة الذين عبدوهم، فقال سبحانه: ﴿ فَلاَ يَمْلِكُونَ ﴾، يعني لا يقدرون على ﴿ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ ﴾، يعني الجوع الذي أصابهم بمكة سبع سنين حتى أكلوا الميتة، والكلاب، والجيف، فيرفعونه عنكم.
﴿ وَلاَ تَحْوِيلاً ﴾ [آية: ٥٦]، يقول: ولا تقدر الملائكة على تحويل هذا الضر عنكم إلى غيره، فكيف تعبدونهم، مثلها في سورة سبأ:﴿ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ ﴾[سبأ: ٢٢]، يعني أصغر النمل التي لا تكاد أن ترى من الصغر، وهى النملة الحمراء. ثم قال يعظهم: ﴿ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ ﴾، يقول: أولئك الملائكة الذين تعدونهم.
﴿ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ ﴾، يعني الزلفة، وهي القربة بطاعتهم.
﴿ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ إلى الله درجة، مثل قوله سبحانه:﴿ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ ﴾[المائدة: ٣٥]، يعني القربة إلى الله عز وجل.
﴿ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ ﴾، يعني جنته، نظيرها في البقرة:﴿ أُوْلۤـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ ٱللَّهِ ﴾[البقرة: ٢١٨]، يعني جنة الله عز وجل: ﴿ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾، يعني الملائكة.
﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ﴾ [آية: ٥٧]، يقول: يحذره الخائفون له، فابتغوا إليه الزلفة كما تبتغى الملائكة وخافوا أنتم عذابه كما يخافون، وارجوا أنتم رحمته كما يرجون: فـ ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ﴾.
﴿ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ ﴾، يقول: وما من قرية طالحة أو صالحة.
﴿ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً ﴾، فأما الصالحة، فهلاكها بالموت، وأما الطالحة، فيأخذها العذاب في الدنيا.
﴿ كَانَ ذٰلِك ﴾، يعني هلاك الصالحة بالموت، وعذاب الطالحة في الدنيا.
﴿ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً ﴾ [آية: ٥٨]، يعني في أم الكتاب مكتوباً، يعني اللوح المحفوظ، فتموت أو ينزل بها ذلك.
﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ ﴾ مع محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، والحارث بن هشام بن المغيرة المخزوميين، سألا النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم الله الآيات كما فعل بالقرون الأولى، وسؤالهما النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالا في هذه السورة: ﴿ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً... ﴾ إلى آخر الآيات، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ ﴾ إلى قومك كماسألوا.
﴿ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ ﴾، يعني الأمم الخالية، فعذبتهم، ولو جئتهم بآية فردوها وكذبوا بها أهلكناهم، كما فعلنا بالقرون الأولى، فلذلك أخرنا الآيات عنهم، ثم قال سبحانه: ﴿ وَآتَيْنَا ﴾، يعني وأعطينا ﴿ ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً ﴾، يعني معاينة يبصرونها.
﴿ فَظَلَمُواْ بِهَا ﴾، يعني فجحدوا بها أنها ليست من الله عز وجل، ثم عقروها، ثم قال عز وجل: ﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً ﴾ [آية: ٥٩] للناس، فإن لم يؤمنوا بها عذبوا في الدنيا.﴿ وَإِذْ ﴾، يعني وقد ﴿ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ ﴾، يعني حين أحاط علمه بأهل مكة أن يفتحها على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ﴾، يعني الإسراء ليلة أسري به إلى بيت المقدس، فكانت لأهل مكة فتنة، ثم قال سبحانه: ﴿ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ ﴾، يعني شجرة الزقوم، ثم قال سبحانه: ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ ﴾ بها، يعني بالنار والزقوم.
﴿ فَمَا يَزِيدُهُمْ ﴾ التخويف.
﴿ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً ﴾ [آية: ٦٠]، يعني شديداً، وقال أيضاً في الصافات لقولهم الزقوم التمر والزبد:﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ ﴾[الصافات: ٦٤، ٦٥]، ولا يشبه طلع النخل. وذلك أن الله عز وجل ذكر شجرة الزقوم في القرآن، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، إن محمداً يخوفكم بشجرة الزقوم، ألستم تعلمون أن النار تحرق الشجر، ومحمد يزعم أن النار تنبت الشجرة، فهل تدرون ما الزقوم؟ فقال عبد الله بن الزبعرى السهمى: إن الزقوم بلسان بربر: التمر والزبد، قال أبو الجهل: يا جارية، ابغنا تمراً، فجاءته، فقال لقريش وهم حوله: تزقموا من هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً ﴾، يعني شديداً.
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ ﴾، منهم إبليس.
﴿ فَسَجَدُواْ ﴾ ثم استثنى، فقال: ﴿ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ﴾ [آية: ٦١] وأنا خلقتني من نار، يقول ذلك تكبراً. ثم ﴿ قَالَ ﴾ إبليس لربه عز وجل: ﴿ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ ﴾، يعني فضلته عليَّ بالسجود، يعني آدم، أنا ناري وهو طيني.
﴿ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ ﴾، يقول: لئن متعتنى ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ﴾، يعني لأحتوين ﴿ ذُرِّيَّتَهُ ﴾ ذرية آدم.
﴿ إَلاَّ قَلِيلاً ﴾ [آية: ٦٢] حتى يطيعوني، يعني بالقليل الذي أراد الله عز وجل، فقال:﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾[الحجر: ٤٢]، يعني ملكاً. ثم ﴿ قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ ﴾ على دينك، يعني من ذرية آدم.
﴿ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ ﴾ بأعمالكم الخبيثة.
﴿ جَزَاءً ﴾، يعني الكفر جزاء.
﴿ مَّوْفُوراً ﴾ [آية: ٦٣]، يعني وافراً لا يفتر عنهم من عذابها شىء. ثم قال سبحانه: ﴿ وَٱسْتَفْزِزْ ﴾، يقول: واستزل ﴿ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾، يعني بدعائك.
﴿ وَأَجْلِبْ ﴾، يعني واستعن ﴿ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ ﴾، يعني كل راكب يسير في معصيته.
﴿ وَرَجِلِكَ ﴾، يعني كل راجل يمشي في معصية الله عز وجل من الجن والإنس من يطيعك منهم.
﴿ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ ﴾، يقول: زين لهم في الأموال، يعني كل مال حرام، وما حرموا من الحرث والأنعام.
﴿ وَٱلأَوْلادِ ﴾.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إن الزنا، والغضب، والأولاد، يعني كل ولد من حرام، فهذا كله من طاعة إبليس وشركته. ثم قال سبحانه: ﴿ وَعِدْهُمْ ﴾، يعني ومنيهم الغرور ألا بعث.
﴿ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾ [آية: ٦٤]، يعني باطلاً الذي ليس بشيء.
﴿ إِنَّ عِبَادِي ﴾ المخلصين.
﴿ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ ملك في الكفر والشرك أن تضلهم عن الهدى.
﴿ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً ﴾ [آية: ٦٥]، يعني حرزاً ومانعاً، فلا أحد أمنع من الله عز وجل، فلا يخلص إليهم إبليس.﴿ رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ ﴾، يعني يسوق لكم.
﴿ ٱلْفُلْكَ فِي ٱلْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ﴾ الرزق.
﴿ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ﴾ [آية: ٦٦].
﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ ﴾، يقول: إذا أصابكم ﴿ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ ﴾، يعني بطل، مثل قوله عز وجل:﴿ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾[محمد: ١]، يعني أبطل، من تدعون من الآلهة، يعني تعبدون فلا تدعونهم إنما تدعون الله عز وجل، فذلك قوله سبحانه: ﴿ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾، يعني نفسه عز وجل.
﴿ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ ﴾ الرب جل جلاله من البحر.
﴿ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ﴾ عن الدعاء في الرخاء، فلا تدعون الله عز وجل.
﴿ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً ﴾ [آية: ٦٧] للنعم حين أنجاه الله تعالى من أهوال البحر إلى البر، فلم يعبده. ثم خوفهم، فقال سبحانه: ﴿ أَفَأَمِنْتُمْ ﴾ إذا أخرجتم من البحر إلى الساحل.
﴿ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ ﴾، يعني ناحية من البر.
﴿ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ ﴾ في البر ﴿ حَاصِباً ﴾، يعني الحجارة.
﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً ﴾ [آية: ٦٨]، يقول: ثم لا تجدوا مانعاً يمنعكم من الله عز وجل. ثم قال سبحانه: ﴿ أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ ﴾، في البحر.
﴿ تَارَةً أُخْرَىٰ ﴾، يعني مرة أخرى، نظيرها في طه:﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ﴾[طه: ٥٥].
﴿ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً ﴾، يعني عاصفاً.
﴿ مِّنَ ٱلرِّيحِ ﴾، وهي الشدة.
﴿ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ﴾ النعم حين أنجاكم من الغرق، ونقضتم العهد وأنتم في البر.
﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً ﴾ [آية: ٦٩]، يقول: لا تجدوا علينا به تبعة مما أصبناكم به من العذاب.
ثم ذكرهم النعم، فقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾، يقول: فضلناهم على غيرهم من الحيوان غير الملائكة حين أكلوا وشربوا بأيديهم، وسائر الطير والدواب يأكلون بأفواههم، ثم قال عز وجل: ﴿ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ ﴾ على الرطب، يعني الدواب.
﴿ وَ ﴾ حملناهم في ﴿ وَٱلْبَحْرِ ﴾، على اليابس، يعني السفن.
﴿ وَرَزَقْنَاهُمْ ﴾ من غير رزق الدواب ﴿ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا ﴾ من الحيوان.
﴿ تَفْضِيلاً ﴾ [آية: ٧٠]، يعني بالتفضيل أكلهم بأيديهم.﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾، يعني كل أمة بكتابهم الذى عملوا في الدنيا من الخير والشر، مثل قوله عز وجل في يس:﴿ وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴾[يس: ١٢]، وهو اللوح المحفوظ.
﴿ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ ﴾ الذي عملوه في الدنيا.
﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾ [آية: ٧١]، يعني بالفتيل القشر الذى يكون في شق النواة.﴿ وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ ﴾ النعم ﴿ أَعْمَىٰ ﴾، يعني الكافر، عمي عنها وهو معاينها، فلم يعرف أنها من الله عز وجل، فيشكو ربها، فيعرفه فيوحده تبارك وتعالى: ﴿ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ ﴾، يقول: فهو عما غاب عنه من أمر الآخرة من البعث والحساب والجنة والنار أعمى.
﴿ وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٧٢]، يعني وأخطأ طريقاً.
﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ ﴾، يعني ثقيفاً، يقول: وقد كادوا أن يفتنوك، يعني قد هموا أن يصدوك.
﴿ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾، كقوله سبحانه في المائدة:﴿ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ ﴾[المائدة: ٤٩]، يعني يصدوك،﴿ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ﴾[المائدة: ٤٩]،" وذلك أن ثقيفاً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحن إخوانك، وأصهارك، وجيرانك، ونحن خير أهل نجد لك سلماً، وأضره عليك حرباً، فإن نسلم تسلم نجد كلها، وإن نحاربك يحاربك من وراءنا، فأعطنا الذي نريد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وما تريدون؟ " قالوا: نسلم على ألا تجش، ولا نعش، ولا نحني، يقولون: على ألا نصلي، ولا نكسر أصنامنا بأيدينا، وكل رباً لنا على الناس فهو لنا، وكل رباً للناس فهو عنا موضوع، ومن وجدناه في وادي وج يقطع شجرها انتزعنا عنه ثيابه، وضربنا ظهره وبطنه، وحرمته كحرمة مكة، وصيده وطيره وشجره، وتستعمل على بني مالك رجلاً، وعلى الأحلاف رجلاً، وأن تمتعنا باللات والعزى سنة ولا نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها؛ ليعرف الناس كرامتنا عليك وفضلنا عليهم. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما قولكم: لا تجشى، ولا نعشى، والربا، فلكم، وأما قولكم: لا نحنى، فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود "، قالوا: نفعل ذلك، وإن كان علينا فيه دناءة، " وأما قولكم: لا نكسر أصنامنا بأيدينا، فإنا سنأمر من يكسرها غيركم "، ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تمتعنا باللات سنة، فأعرض عنهم، وجعل يكره أن يقول: لا، فيأبون الإسلام، فقالت ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كان بك ملامة العرب في كسر أصنامهم وترك أصنامنا، فقل لهم: إن ربي أمرني أن أقر اللات بأرضهم سنة. فقال عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، عند ذلك: أحرقتم قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر اللات، أحرق الله أكبادكم، لا، ولا ونعمة، غير أن الله عز وجل لا يدع الشرك في أرض يعبد الله تعالى فيها، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس، وإما أن تلحقوا بأرضكم "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ ﴾، يقول: وإن كادوا ليصدونك.
﴿ عَنِ ٱلَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾ ﴿ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾، يقول سبحانه: لتقول علينا غيره ما لم نقل؛ لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: قل إن الله أمرني أن أقرها.
﴿ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ﴾ [آية: ٧٣]، يعني محباً، نظيرها في الفرقان:﴿ فُلاَناً خَلِيلاً ﴾[الفرقان: ٢٨]، يعني محباً، لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه إذاً لأحبوك.﴿ وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ ﴾ يا محمد بالسكوت، فأمرت بكسر الآلهة، إذاً لركنت إلى المعصية.
﴿ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ ﴾، يقول: لقد هممت سويعة أن تميل.
﴿ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ﴾ [آية: ٧٤]، يعني أمراً يسيراً، يقول: لقد هممت سويعة، كقوله:﴿ فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ ﴾[الذاريات: ٣٩]، يعني بميله أمراً يسيراً. يقول: لقد هممت سويعة أن تميل إليهم، ولو أطعتهم فيما سألوك.
﴿ إِذاً لأذَقْنَاكَ ﴾ العذاب في الدنيا والآخرة، فذلك قوله سبحانه: ﴿ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ﴾، يقول سبحانه: إذاً لأذقناك ضعف العذاب في الدنيا في حياتك، وفى مماتك بعد.
﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ﴾ [آية: ٧٥]، يعني مانعاً يمنعك منا.
﴿ وَإِن ﴾، يعني وقد ﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ ﴾، يعني ليستزلونك ﴿ مِنَ ٱلأَرْضِ ﴾، يعني أرض المدينة، نزلت في حيي بن أخطب واليهود، وذلك أنهم كرهوا قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وحسدوه، وقالوا: يا محمد، إنك لتعلم أن هذه الأرض ليست بأرض الأنبياء، إنما أرض الأنبياء والرسل أرض المحشر أرض الشام، ومتى رأيت الله بعث الأنبياء في أرض تهامة، فإن كنت نبياً، فاخرج إليها، فإنما يمنعك منها مخافة أن يغلبك الروم، فإن كنت نبياً، فسيمنعك الله كما منع الأنبياء قبلك، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم متوجهاً إلى الشام، فعسكر على رأس ثلاثة أميال بذي الحليفة لتنضم إليه أصحابه، فأتاه جبريل، عليه السلام، بهذه الآية: ﴿ وَإِن وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْض ﴾ ﴿ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [آية: ٧٦]، يقول سبحانه: لو فعلوا ذلك لم ينظروا من بعدك إلا يسيراً حتى يعذبوا في الدنيا. فرجع النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ﴾، يقول الله سبحانه: كذلك سنة الله عز وجل في أهل المعاصي، يعني الأمم الخالية إن كذبوا رسلهم أن يعذبوا.
﴿ وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ﴾ [آية: ٧٧]، إن قوله حق في أمر العذاب، يقول: السنة واحدة فيما مضى وفيما بقي.
﴿ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ ﴾، يعني إذا زالت الشمس عن بطن السماء، يعني عند صلاة الأولى والعصر.
﴿ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلْلَّيْلِ ﴾، يعني ظلمة الليل إذا ذهب الشفق، يعني صلاة المغرب والعشاء.
﴿ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ ﴾، يعني قرآن صلاة الغداة.
﴿ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ﴾ [آية: ٧٨]، تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، جمع صلاة الخمس في هذه الآية كلها. ثم قال عز وجل: ﴿ وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ ﴾، بعد المغفرة؛ لأنه الله عز وجل قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما كان من عمل فهو نافلة، مثل قوله سبحانه:﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ﴾، حين سأل الولد،﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾[الأنبياء: ٧٢]، يعني فضلاً على مسألته.
﴿ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ﴾ [آية: ٧٩]، يعني مقام الشفاعة في أصحاب الأعراف يحمده الخلق كلهم، والعسى من الله عز وجل واجب. فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له جبريل، عليه السلام: ﴿ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي ﴾ المدينة.
﴿ مُدْخَلَ صِدْقٍ ﴾، يعني آمناً على رغم أنف اليهود.
﴿ وَأَخْرِجْنِي ﴾ من المدينة إلى مكة.
﴿ مُخْرَجَ صِدْقٍ ﴾، يعني آمناً على رغم أنف كفار مكة ظاهراً عليهم.
﴿ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ ﴾، يعني من عندك.
﴿ سُلْطَاناً نَّصِيراً ﴾ [آية: ٨٠]، يعني النصر على أهل مكة، ففعل الله تعالى ذلك به، فافتتحها. فلما افتتحها رأى ثلاثمائة وستين صنماً حول الكعبة، وأساف ونائلة أحدهما عند الركن، والآخر عند الحجر الأسود، وفي يدي النبي صلى الله عليه وسلم قضيب، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب رءوسهم، ويقول: ﴿ وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ ﴾، يعني الإسلام.
﴿ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ ﴾، يعني وذهب عبادة الشيطان، يعني الأوثان.
﴿ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ ﴾، يعني إن عبادة الشيطان، يعني عبادة الأصنام.
﴿ كَانَ زَهُوقاً ﴾ [آية: ٨١]، يعني ذاهباً، مثل قوله سبحانه:﴿ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾[الأنبياء: ١٨]، يعني ذاهب.﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ ﴾ للقلوب، يعني بياناً للحلال والحرام.
﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ من العذاب لمن آمن بالقرآن، قوله سبحانه: ﴿ وَرَحْمَةٌ ﴾ ﴿ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ﴾ القرآن ﴿ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ﴾ [آية: ٨٢]، يعني خسراناً.
﴿ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ ﴾، يعني الكافر بالخير، يعني الرزق.
﴿ أَعْرَضَ ﴾ عن الدعاء.
﴿ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ﴾، يقول: وتباعد بجانبه.
﴿ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ ﴾، يعني وإذا أصابه الفقر.
﴿ كَانَ يَئُوساً ﴾ [آية: ٨٣]، يعني آيساً من الخير.﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ ﴾، المحسن والمسىء على شاكلته، على جديلته التي هو عليها.
﴿ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً ﴾ [آية: ٨٤].
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ ﴾، نزلت في أبي جهل وأصحابه.
﴿ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾، وهو ملك عظيم على صورة إنسان أعظم من كل مخلوق غير العرض، فهو حافظ على الملائكة، وجهه كوجه الإنسان، ثم قال سبحانه: ﴿ وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [آية: ٨٥]، عند كثيراً عندكم، وذلك" أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن في التوراة علم كل شىء، وقال الله تبارك وتعالى للنبى صلى الله عليه وسلم: قل لليهود: ﴿ وَمَآ أُوتِيتُم مِّن ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾، عندي كثيراً عندكم، وعلم التوراة عندكم كثير. فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: من قال هذا؟ فوالله ما قاله لك إلا عدو لنا، يعنون جبريل، عليه السلام، ثم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: خاصة لنا إنا لم نؤت من العلم إلا قليلاً؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بل الناس كلها عامة "، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ولا أنت ولا أصحابك؟ فقال: " نعم " فقالوا: كيف تجمع بين هاتين؟ تزعم أنك أوتيت الحكمة، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وتزعم أنك لم تؤت من العلم إلا قليلاً "، فنزلت:﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ... ﴾[لقمان: ٢٧] إلى آخر الآية، ونزلت:﴿ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً... ﴾[الكهف: ١٠٩] إلى آخر الآية. ثم قال سبحانه: ﴿ وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ من القرآن، وذلك حين دعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى دين آبائه.
﴿ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً ﴾ [آية: ٨٦]، يعني مانعاً يمنعك منا. فاستثنى عز وجل: ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾، يعني القرآن كان رحمة من ربك اختصك بها.
﴿ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً ﴾ [آية: ٨٧]، يعني عظيماً حين اختصك بذلك.
﴿ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ ﴾، وذلك أن الله عز وجل أنزل في سورة هود:﴿ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مَّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ ﴾[هود: ١٣]، فلم يطيعوا ذلك، فقال الله تبارك وتعالى لهم في سورة يونس:﴿ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ ﴾[يونس: ٣٨] واحدة مثله، فلم يطيقوا ذلك، وأخبر الله تبارك وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ ﴾، فعان بعضهم بعضاً.
﴿ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾، يقول: لا يقدرون على أن يأتوا بمثله.
﴿ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾ [آية: ٨٨]، يعني معيناً.﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ ﴾، يعني ضربنا ﴿ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ﴾، يعني من كل شبه في أمور شتى.
﴿ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ﴾ [آية: ٨٩]، يعني إلا كفراً بالقرآن.﴿ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً ﴾ [آية: ٩٠]، يعني من أرض مكة ينبوعاً، يعني عيناً تجرى،" وذلك أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: سير لنا الجبال، أو ابعث لنا الموتى فنكلمهم، أو سخر لنا الريح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا أطيق ذلك "، فقال عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي، وهو ابن عم أبي جهل، والحارث بن هشام، وهما ابنا عم، فقالا: يا محمد، إن كنت لست فاعلاً لقومك شيئاً مما سألوك، فأرنا كرامتك على الله بأمر تعرفه، فجر لبنى أبيك ينبوعاً بمكة مكان زمزم، فقد شق علينا الميح "﴿ أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ ﴾، يعني بستاناً.
﴿ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً ﴾ [آية: ٩١]، يقول: تجري العيون في وسط النخيل، والأعناب، والشجر.﴿ أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً ﴾ [آية: ٩٢].
﴿ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ ﴾، يعني من ذهب، فإن لم تستطع شيئاً من هذا، فأسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، يعني جانباً من السماء، كما زعمت في سورة سبأ:﴿ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً ﴾[سبأ: ٩]، يعني جانباً،﴿ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾[سبأ: ٩].
ثم قال: والذي يحلف به عبد الله، لا أصدقك ولا أؤمن بك حتى تسند سلماً، فترقى فيها إلى السماء، وأنا أنظر إليك، فتأتي بكتاب من عند الله عز وجل بأنك رسوله، أو يأمرنا باتباعك، وتجىء الملائكة يشهدون أن الله كتبه، ثم قال: والله ما أدري إن فعلت ذلك أؤمن بك أم لا، فذلك قوله سبحانه: ﴿ أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ ﴾، معاينة، فيخبرنا أنك نبي رسول، أو تأتي بالملائكة قبيلاً، يعني كفيلاً، يشهدون بأنك رسول الله عز وجل. فذلك قوله: ﴿ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا ﴾، يعني من السماء.
﴿ كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ ﴾ من الله عز وجل بأنك رسوله خاصة، فأنزل الله تعالى.
﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة ﴿ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً ﴾ [آية: ٩٣]، نزه نفسه جل جلاله عن تكذيبهم إياه لقولهم لم يبعث محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً، يقول: ما أنا إلا رسول من البشر.﴿ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ ﴾، يعني رءوس كفار مكة.
﴿ أَن يُؤْمِنُوۤاْ ﴾، يعني أن يصدقوا بالقرآن.
﴿ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ ﴾، يعني البيان، وهو القرآن؛ لأن القرآن هدى من الضلالة.
﴿ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً ﴾ [آية: ٩٤]، نزلت في المستهزئين والمطعمين ببدر. فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ ﴾، يعني مقيمين بها، مثل قوله سبحانه في النساء:﴿ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ ﴾[النساء: ١٠٣]، يقول: فإذا أقمتم﴿ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ ﴾[النساء: ١٠٣].
﴿ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً ﴾ [آية: ٩٥].
﴿ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾، يقول: فلا أحد أفضل من الله شاهداً بأني رسول الله إليكم.
﴿ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾ [آية: ٩٦]، حين اختص محمداً صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
﴿ وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ ﴾ لدينه.
﴿ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ ﴾ عن دينه.
﴿ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ ﴾، يعني أصحاباً من دون الله يهدونهم إلى الإسلام من الضلالة.
﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ بعد الحساب.
﴿ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ﴾، " قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف يمشون على وجوههم؟ قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " من أمشاهم على أقدامهم؟ "، قالوا: الله أمشاهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن الذي أمشاهم على أقدامهم هو الذى يمشيهم على وجوههم "ثم قال سبحانه: ﴿ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً ﴾، وذلك إذا قيل لهم:﴿ قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ﴾[المؤمنون: ١٠٨]، فصاروا فيهاعمياً لا يبصرون أبداً، وصماً لا يسمعون أبداً، ثم قال: ﴿ مَّأْوَاهُمْ ﴾، يعني مصيرهم.
﴿ جَهَنَّمُ ﴾، قوله سبحانه: ﴿ كُلَّمَا خَبَتْ ﴾، وذلك إذا أكلتهم النار، فلم يبق منهم غير العظام، وصاروا فحماً، سكنت النار، هو الخبت.
﴿ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ﴾ [آية: ٩٧]، وذلك أن النار إذا أكلتهم بدلوا جلوداً غيرها جدداً في النار، فتسعر عليهم، فذلك قوله سبحانه: ﴿ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ﴾، يعني وقوداً، فهذا أمرهم أبداً. و ﴿ ذَلِكَ ﴾ العذاب والنار.
﴿ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا ﴾، يعني بآيات القرآن.
﴿ وَقَالُواْ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً ﴾، يعني تراباً.
﴿ أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ﴾ [آية: ٩٨]، يعنون البعث سيرة الخلق الأول، منهم أبي بن خلف، وأبو الأشدين، يقول الله: ليعتبروا.
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ ﴾، يقول: أو لم يعلموا.
﴿ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ﴾، يعني مثل خلقهم في الآخرة، يقول: لأنهم مقرون بأن الله خلقهم في الآخرة، يقول: لأنهم مقرون بأن الله خلقهم،﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ﴾[لقمان: ٢٥]، ولا يقدرون أن يقولوا غير ذلك، وهم مع ذلك يعبدون غير الله عز وجل كما خلقهم في الدنيا. فخلق السموات والأرض أعظم وأكبر من خلق الإنسان؛ لأنهم مقرون بأن الله خلقهم وخلق السماوات والأرض.
﴿ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً ﴾ مسمى يبعثون فيه.
﴿ لاَّ رَيْبَ فِيهِ ﴾، يعني لا شك فيه في البعث أنه كائن.
﴿ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُوراً ﴾ [آية: ٩٩]، يعني إلا كفراً بالبعث، يعني مشركي مكة.﴿ قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ﴾، يعني مفاتيح الرزق، يعني مقاليد السموات، يقول: لو كان الرزق بأيديكم وكنتم تقسمونه.
﴿ إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ ﴾، لأمسكتموه مخافة الفقر والفاقة.
﴿ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ ﴾ يعني الكافر.
﴿ قَتُوراً ﴾ [آية: ١٠٠]، يعني بخيلاً ممسكاً عن نفسه.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا ﴾، يعني أعطينا ﴿ مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾، يعني واضحات: اليد، والعصا بالأرض المقدسة، وسبع آيات بأرض مصر: الطوفان، والجراد، والقمل والضفادع، والدم، والسنين، ، والطمس على الدنانير والدراهم، أولها العصا، وآخرها الطمس.
﴿ فَٱسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ عن ذلك.
﴿ إِذْ جَآءَهُمْ ﴾ موسى بالهدى.
﴿ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ ﴾، يقول: إنى لأحسبك.
﴿ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً ﴾ [آية: ١٠١]، يعني مغلوباً على عقله.
﴿ قَالَ ﴾ موسى لفرعون.
﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ ﴾ يا فرعون.
﴿ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ هؤلاء الآيات التسع.
﴿ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ ﴾، يعني تبصرة وتذكرة، ولن يقدر أحد على أن يأتي أحد بآية واحدة مثل هذه.
﴿ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ ﴾، يعني لأحسبك.
﴿ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً ﴾ [آية: ١٠٢]، يعني ملعوناً، اسمه: فيطوس.﴿ فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ ٱلأَرْضِ ﴾، يعني أن يخرجهم من أرض مصر، مثل قوله سبحانه:﴿ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا ﴾[الإسراء: ٧٦]، يعني أرض المدينة.
﴿ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً ﴾ [آية: ١٠٣] من الجنود.
﴿ وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ ﴾، يعني من بعد فرعون.
﴿ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾، وهم سبعون ألفاً من وراء نهر الصين معهم التوراة: ﴿ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ ﴾، وذلك من بعد موسى، ومن بعد يوشع بن نون.
﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ ﴾، يعني ميقات الآخرة، يعني يوم القيامة.
﴿ جِئْنَا بِكُمْ ﴾ وبقوم موسى.
﴿ لَفِيفاً ﴾ [آية: ١٠٤]، يعني جميعاً. فهم وراء الصين فساروا من بيت المقدس في سنة ونصف سنة، ستة آلاف فرسخ، وبينهم وبين الناس نهر من رمل يجري، اسمه: أردف، يجمد كل سبت، وذلك أن بني إسرائيل قتلوا الأنبياء، وعبدوا الأوثان، فقال المؤمنون منهم: اللهم فرّق بيننا وبينهم، فضرب الله عز وجل سرباً في الأرض من بيت المقدس إلى وراء الصين، فجعلوا يسيرون فيه، يفتح أمامهم ويسد خلفهم، وجعل لهم عموداً من النار، فأنزل الله عز وجل في الأعراف:﴿ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾[الأعراف: ١٥٩].
فلما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، أتاهم فعلمهم الأذان، والصلاة، وسوراً من القرآن، فأسلموا، فهم القوم المؤمنون، ليست لهم ذنوب، وهم يجامعون نساءهم بالليل، وأتاهم جبريل، عليه السلام، مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسلموا عليه قبل أن يسلم عليهم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لولا الخطايا التي في أمتك لصافحتهم الملائكة.﴿ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ ﴾، لما كذب كفار مكة، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ ﴾، من اللوح المحفوظ، يعني القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ ﴾ به جبريل، عليه السلام، لم ينزله باطلاً لغير شىء.
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً ﴾ بالجنة.
﴿ وَنَذِيراً ﴾ [آية: ١٠٥] من النار.﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ ﴾، يعني قطعناه، يعني فرقناه بين أوله وآخره، عشرون سنة تترى، لم ننزله جملة واحدة، مثلها في الفرقان:﴿ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً ﴾[الفرقان: ٣٢].
﴿ لِـ ﴾ كي ﴿ تَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ ﴾، يعني على ترتيل للحفظة.
﴿ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ﴾ [آية: ١٠٦] في ترسل آيات، ثم بعد آيات، يعني القرآن.
﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ آمِنُواْ بِهِ ﴾، يعني القرآن.
﴿ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ ﴾، يقول: صدقوا بالقرآن أو لا تصدقوا به.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾ بالتوراة ﴿ مِن قَبْلِهِ ﴾، يعني من قبل هذا القرآن.
﴿ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾، يعني القرآن، يعني عبد الله بن سلام وأصحابه.
﴿ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ ﴾، يعني يقعون لوجوههم.
﴿ سُجَّداً ﴾ [آية: ١٠٧].
﴿ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ ﴾، الذي أنزله، يعني القرآن أنه من الله عز وجل.
﴿ إِن كَانَ ﴾، يعني لقد كان.
﴿ وَعْدُ رَبِّنَا ﴾ في التوراة.
﴿ لَمَفْعُولاً ﴾ [آية: ١٠٨] أنه منزله على محمد صلى الله عليه وسلم، فكان فاعلاً.﴿ وَيَخِرُّونَ ﴾، يعني ويقعون.
﴿ لِلأَذْقَانِ ﴾ لوجوههم سجداً.
﴿ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ﴾ [آية: ١٠٩]، يقول: يزيدهم القرآن تواضعاً، لما في القرآن من الوعد والوعيد.
﴿ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ ﴾، وذلك أن رجلاً من المسلمين دعا الله عز وجل، ودعا الرحمن في صلاته، فقال أبو جهل بن هشام: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً، فما بال هذا يدعو ربين اثنين أولستم تعلمون أن الله اسم، والرحمن اسم، قالوا: بلى، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ ﴾.
" فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الرجل، فقال: " يا فلان، ادع الله، أو ادع الرحمن، ورغم آناف المشركين ".
﴿ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ ﴾، يقول: فأيهما تدعو.
﴿ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾، يعني الأسماء الحسنى التي في آخر الحشر، وسائر ما في القرآن.
﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ﴾، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بمكة يصلي إلى جانب دار أبي سفيان عند الصفا، فجهر بالقرآن في صلاة الغداة، فقال أبو جهل: لم تفتري على الله، فإذا سمع ذلك منه خفض صوته، فلا يسمع أصحابه القرآن، فقال أبو جهل: ألم تروا يا معشر قريش ما فعلت بابن أبي كبشة حتى خفض صوته، فأنزل الله تعالى ذكره: ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ﴾، يعني بقراءتك في صلاتك، فيسمع المشركون فيوءذوك.
﴿ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾، يقول: ولا تسر بها، يعني بالقرآن، فلا يسمع أصحابك.
﴿ وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً ﴾ [آية: ١١٠]، يعني مسلكاً، يعني بين الخفض والرفع.﴿ وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾، وذلك أن اليهود قالوا: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقالت العرب: إن لله عز وجل شريكاً من الملائكة، فأكذبهم الله عز وجل فيها، فنزه نفسه تبارك وتعالى مما قالوا، فأنزل الله جل جلاله: ﴿ وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾، الذي علمك هذه الآية.
﴿ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ﴾، عزيراً وعيسى.
﴿ وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ ﴾ من الملائكة.
﴿ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ ﴾، يعني صاحباً ينتصر به.
﴿ مَّنَ ٱلذُّلِّ ﴾، كما يلتمس الناس النصر، إن فاجأهم أمر يكرهونه.
﴿ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ﴾ [آية: ١١١]، يقول: وعظمه يا محمد تعظيماً، فإنه من قال: إن لله عز وجل ولداً، أو شريكاً، لم يعظمه، يقول: نزهه عن هذه الخصال التي قالت النصارى، واليهود، والعرب.
Icon