تفسير سورة الإسراء

تفسير النسائي
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب تفسير النسائي .
لمؤلفه النسائي . المتوفي سنة 303 هـ

٣٠٠- أنا محمد بن بشار، نا يحيى، قال: نا سفيان، قال: حدثني عاصم عن زر، عن حُذيفة، قال: ﴿ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ﴾ [الإسراء: ١] قال: لم يُصلِّ فيه، ولو صلى فيه لكُتب عليكم، كما كُتب عليكم الصلاة في الكعبة. ٣٠١- أنا علي بن حُجر، نا على بن مُسهر، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كنت أقرأ على أبي القرآن في السِّكَّة، فإذا قرأت السَّجدة؛ سجد، قلت له: يا أبتِ تسجد في الطريق؟ قال: إني سمعت أبا ذرٍّ يقول:" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أوَّل مسجد وُضِعَ في الأرض، فقال/: " المسجد الحرام ". قلت ثم أيٌّ؟ قال: " المسجد الأقصى ". قلت: كم بينهما؟ قال: " أربعون عاماً، والأرض لك مسجد، فحيث ما أدركت صلاة فصل ". ٣٠٢- أنا قتيبة بن سعيد، نا الليث، عن عُقيل، عن الزُّهري، عن أبي سَلَمة، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لمَّا كذَّبتني قُريش، قمت في الحِجر، فجلَّى الله لي بيت المقدس، فطفقت أُخبرهم عن آياته، وأنا أنظر إليه ". ٣٠٣- أنا أبو داود سُليمان بن سيف، قال: نا أبو النُّعمان، نا ثابت، قال: نا هلال، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أُسرِيَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم جاء من ليلته، فحدثهم بمسيره، وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم، فقال ناس: نحن لا، نُصدق محمداً، فارتدوا كفَّاراً، فضرب الله أعناقهم مع أبي جهل. ٣٠٤- انا محمد بن رافع، نا حُجين بن المُثَنى، نا عبد العزيز - وهو الماجِشُون، عن ابن الفَضل، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقد رأيتني في الحِجْر، وقريش تسألني عن مَسْرَاي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم آتها، فكُرِبْتُ كرباً ما كُرْبتُ مثله قط، فرفعه الله لي عزَّ وجل: أنظُرُ إليه، فما سألوني عن شيء إلا أتيتُهُم به ". ٣٠٥- أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، في حديثه: عن مُعتمر بن سليمان، قال سمعت عَوفا، عن زُرارة، عن ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لما كان ليلة أُسْري بي ثم أصبحت بمكة، قال: قطعت بأمري، وعرفت أن الناس مكذبيَّ، قال: فقعدتُ مُعتزلا حزينا، فمرًَّ بي عدو الله أبو جهل - فجاء حتى جلس إليه، فقال له - كالمُستهزيء: هل كان من شيء؟ قال: " نعم "، قال: ما هو؟ قال: " إني أُسريَ بي الليلة " قال: إلى أين؟ قال: " إلى بيت المقدس "، قال: ثم أصبحت بين أَظْهُرنا؟، قال: " نعم "، قال: فلم يُرِه أنه يكذِبُه مخافة أن يجحد الحديث إن دعا له قومه، قال: إن دعوت إليك / قومك، أتحدثهم؟ قال: " نعم "، قال أبو جهل: معشر بني كعب بن لؤي: هلُمّ، فتنفَّضت المجالس، فجاءوا حتى جلسوا إليهما، قال: حدَّث قومك ما حدَّثتني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني أُسري بي الليلة " قالوا: إلى أين؟ قال: " إلى بيت المقدس " قال: قالوا: ثم أصبحت بين أظْهَرِنا؟ قال: " نعم " قال: فمن بين مُصدِّق، ومن بين واضعٍ يده على رأسه مستعجبا للكذب قال: وفي القوم من سافر إلى ذلك البلد، ورأى المسجد، قال: قالوا: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذهبت أنعتُ لهم، فمازلتُ أنعت حتى التبس عليَّ بعض النعت، قال: فجيء بالمسجد، حتى وُضِع، قال: فنعتُّ المسجد وأنا أنظر إليه " قال: وقد كان مع هذا حديث، فنسيته أيضاً، قال القوم: أما النَّعت، فقد أصاب ".
قوله تعالى: ﴿ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ﴾ [٣]٣٠٦- أنا يعقوب بن إبراهيم، نا: يحيى بن سعيد، أنا أبو حيان، قال: حدثني أبو زُرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، قال:" أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بلحْمٍ، فرُفع إليه الذِّراع وكانت تعجبه فنهش منها ثم قال: " أنا سيِّدُ الناس يوم القيامة، هل تدرون لم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الدَّاعي ويُنفذُهم البصر وتدْنُو الشمس فيبلغ الناس من الغمِّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحملون، فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبُوكم آدم فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لنا إلى ربك؛ ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم آدم عليه السلام -/: إنَّ ربي غَضِبَ اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله. وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته. نفسي نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسمَّاك الله عبداً شكوراً. فاشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم نوح: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وأنه كان لي دعوة على قومي. نفسي نفسي، نفسي نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض. فاشفع لنا إلى ربك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول إبراهيم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله ولن يغضب بعده مثله. نفسي نفسي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت فضَّلك الله برسالته وكلامه على الناس. اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم موسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى. أنت روح الله وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه وكلَّمت الناس في المهد. اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر له ذنباً - نفسي نفسي، نفسي نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين. فيأتون فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله خاتم الأنبياء، غفر الله لك ما تقدم منه وما تأخر،/ اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فأقوم فآتي تحت العرش فأقع ساجداً إلى ربي. ويفتح الله علىَّ ويُلْهمني من محامِدِه وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي. فيقال: يا محمد ارفع رأسك. سَلْ تُعطَه. اشْفَع تُشفَّع. فأرفَعُ رأسي فأقول: ربِّ أمتي، أمتي يا ربِّ، أمتي يا ربِّ. فيُقال: يا محمد أَدْخِل من أُمَّتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن. وهم شُركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب. والذي نفسي بيده ما بين مصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبُصرى ".
قوله تعالى: ﴿ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً ﴾ [ ٥٦]٣٠٧- أرنا محمد بن منصور، نا سفيان، نا سليمان، عن إبراهيم، عن أبي مَعمر، عن عبد الله قال: كان نفرٌ من الإنس يعبدون الجن، فأسلم الجن وثبت الإنس على عبادتهم، فأنز الله عز وجل: ﴿ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ ﴾ [٥٧].
٣٠٨- أرنا محمد بن العلاء، نا ابن إدريس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله ﴿ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ ﴾ [٥٧] قال: كان قوم من الإنس يعبدون قوما من الجن فأسلموا، وبقي الذين كانوا يعبدونهم على عبادتهم، فقال: ﴿ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ ﴾.
قوله تعالى: ﴿ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ ﴾ [٥٧]٣٠٩- أنا عمرو بن علي، نا يحيى، قال: نا سفيان، قال: ناني سليمان، عن إبراهيم، عن أبي مَعمر، عن عبد الله في قوله: ﴿ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ ﴾ قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجنِّ فأسلم الجنُّ، وتمسك هؤلاء بدينهم.
قوله تعالى: ﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا / ٱلأَوَّلُونَ ﴾ [٥٩]٣١٠- أنا زكريا بن يحيى، نا إسحاق، نا جرير، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، قال:" سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصَّفا ذهبا وأن يُنحي عنهم الجبال فيزدَرعوا، قال الله عز وجل: " إن شئت آتيناهم ما سألوا فإن كفروا أُهلِكوا كما أُهْلك مَنْ قبلهم، وإن شئت نستأْني بهم لعلنا ننتجُ منهم " فقال: " [لا] بل أستأْني بهم " فأنزل الله هذه الآية: ﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً ﴾ ".
قوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ ﴾ [٦٠]٣١١- أنا محمد بن العلاء، نا ابن إدريس، نا الحسن بن عُبيد الله، عن أبي الضُّحى، عن ابن عباس، في ﴿ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ ﴾ قال: حين أُسرِيَ به. قال: ﴿ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ ﴾ قال: هي شجرة الزَّقوم. ٣١٢- أخبرنا محمد بن منصور، نا سفيان، عن عمرو، سمع عكرمة يحدِّث، عن ابن عباس، في قوله: ﴿ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ ﴾ قال: هي شجرة الزَّقوم. ﴿ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ ﴾ قال: رُؤْيا عين رآها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسرِيَ به.
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ﴾ [٧٨]٣١٣- أنا عُبيد بن أسباط بن محمد، نا أبي، نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ﴿ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ﴾ قال:" يشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار ".
قوله تعالى: ﴿ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ﴾ [٧٩]٣١٤- أنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد، [ثنا شعبة] عن أبي إسحاق، سمعه يقول: سمعت صِلة بن زُفر يقول: سمعت حذيفة يقول:" يُجمع الناس في صعيد ولا تكلَّمُ نفس، فأول مدعو محمد صلى الله عليه وسلم/، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك والمهدي من هديت. وعبدك وابن عبدك. وبك وإليك. ولا ملجأ ولا منجَى منك إلا إليك تباركت وتعاليت ". فهذا قوله: ﴿ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ﴾.
٣١٥- أنا العباس بن عبد الله بن العباس، قال: حدثنا سعيد بن منصور المكِّي، نا أبو الأحوص، عن آدم بن علي، قال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الناس يصيرون يوم القيامة جُثا، كلُّ أمة تتبع نبيها، يقولون: أي فلان، اشفع لنا "حتى تنتهي الشفاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله تبارك وتعالى المقام المحمود. ٣١٦- أنا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن سلمة بن كُهيل، قال، سمعت أبا الزَّعراء، قال: [عن] عبد الله [في قصة ذكرها، قال:] أول شافع يوم القيامة [جبرائيل عليه السلام] روح القدس، ثم إبراهيم [خليل الرحمن] عليه السلام، [ثم موسى أو عيسى - قال أبو الزَّعراء: لا أدري أيهما.
قوله تعالى: ﴿ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ ﴾ [٨١]٣١٧- أنا عبيد الله بن سعيد، نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد الله، قال:" دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم [مكة] وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعن بعود في يده، ويقول: ﴿ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾، و ﴿ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ [سبأ: ٤٩] ". ٣١٨- أنا أحمد بن سليمان، نا زيد بن الحُباب، نا سليمان بن المغيرة قال: وحدثني سلام بن مسكين بن ربيعة النمري، عن ثابت البُناني، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، قال: وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان ومعنا أبو هريرة - وذلك في شهر رمضان - فكان أبو هريرة يدعو كثيراً/ إلى رحلِهِ، فقلت لأهلي: اجعلوا لنا طعاما ففعلوا، فلقيت ابا هريرة بالعشيِّ فقلت: الدعوة عندي الليلة، فقال: لقد سبقتني إليها، فقلت: أجل، قال: فجاءنا، فقال: يا معشر الأنصار، ألا أعلمكم بحديث من حديثكم؟ قال:" لما فتح رسول الله صل الله عليه وسلم مكة استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم الزُّبير بن العوَّام على إحدى المُجنَّبتين، وخالد بن الوليد على الأخرى، قال: فبَصُر بي رسول الله صلى اله عليه وسلم في كَبكبة فهتف بي، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: " اهتف لي بالأنصار " فهتفت بهم، فطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم كأنهم كانوا على ميعاد، قال: " يا معشر الأنصار، إن قريشاً قد جمعوا لنا، فإذا لقيتموهم فاحصدوهم حصداً، حتى تُوافوني بالصَّفا. الصَّفا ميعادكم " قال أبو هريرة: فما لقينا منهم أحداً إلا فعلنا به كذا وكذا، وجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله أبَحتَ خضراء قُريش، لا قريش بعد اليوم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أغلق بابه فو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن " ولجأت صناديد قريش وعظماؤها إلى الكعبة - يعني: دخلوا فيها - قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طاف بالبيت فجعل يمر بتلك الأصنام فيطعنها بسية القوس ويقول: ﴿ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾ حتى إذا فرغ وصلى جاء فأخذ بعضادتي الباب، ثم قال: " يا معشر قريش، ما تقولون؟ " قالوا: نقول ابنُ أخٍ وابن عمِّ رحيمٌ كريمٌ، ثم عاد عليهم القول، قالوا: مثل ذلك. قال: " فإني أقول كما قال أخي يوسف: ﴿ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: ٩٢] " فخرجوا، فبايعوه على الإسلام، ثم أتى الصَّفا لميعاد/ الأنصار، فقام على الصَّفا على مكان يرى البيت منه، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر نصره إياه، فقالت الأنصار - وهم أسفل منه: أمَّا الرجل فقد أدركته رأفةٌ لقرابته، ورغبته في عشيرته. فجاءه الوحي بذلك. قال أبو هريرة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه الوحي لم يستطع أحد منا يرفع طرفه إليه حتى ينقضي الوحي عنه. فلما قُضيَ الوحي قال: " هيه يا معشر الأنصار، قلتم أما الرجل فأدركته رأفة بقرابته، ورغبةٌ في عشيرته، والله إني لرسول الله، لقد هاجرت إلى الله ثم إليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم " قال أبو هريرة: فرأيت الشيوخ يبكون حتى بل الدموع لِحَاهم، ثم قالوا: معذرة إلى الله ورسوله. والله ما قلنا الذي قلنا لاَضَنّاً بالله وبرسوله. قال: " فإن الله قد صدقكم ورسوله، وقبل قولكم " ".
قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ ﴾ [٨٥]٣١٩- أنا علي بن خَشرم، أنا عيسى، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال:" كُنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حَرث بالمدينة، وهو يتوكأ على عَسيب، فمرّ بنفر من اليهود، فقال بعضهم: لو سألتموه؟ وقال بعضهم: لا تسألوه فيُسمعكم ما تكرهون. فقاموا إليه، فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن الروح، فقام ساعةً ورفع رأسه فعَرَفنا أنَّه يُوحَى إليه، حتى صعد الوحي، ثم قال: ﴿ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ ".
قوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ﴾ [١١٠]٣٢٠- أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، نا هُشيم، أنا أبو بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس في قوله عز وجل: ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُخْتفٍ بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه/ رفع صوته بالقراءة، فإذا سمع المشركون سبُّوا القرآن ومن أنزله، ومن جاء به، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ﴾ أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبُّوا القرآن.
﴿ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ أصحابك فلا يسمعون ﴿ وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً ﴾.
٣٢١- أنا هارون بن إسحاق، نا عَبدة، عن هشام، عن أبيه. وأنا شعيب بن يوسف، قال: نا يحيى، عن هشام بن عُروة قال: أخبرني أبي، عن عائشة، في قوله جل وعز ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾: نزلت في الدعاء.
Icon