تفسير سورة الإسراء

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ الْإِسْرَاءِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَالَ تَعَالَى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)).
قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى (سُبْحَانَ) فِي قِصَّةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْبَقَرَةِ.
وَ (لَيْلًا) : ظَرْفٌ لِأَسْرَى، وَتَنْكِيرُهُ يَدُلُّ عَلَى قِصَرِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ الْإِسْرَاءُ وَالرُّجُوعُ فِيهِ. (حَوْلَهُ) : ظَرْفٌ لَبَارَكْنَا. وَقِيلَ: مَفْعُولٌ بِهِ ; أَيْ طَيَّبْنَا، أَوْ نَمَّيْنَا. (لِنُرِيَهُ) : بِالنُّونِ ; لِأَنَّ قَبْلَهُ إِخْبَارًا عَنِ الْمُتَكَلِّمِ ; وَبِالْيَاءِ، لِأَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ عَلَى الْغَيْبَةِ، وَكَذَلِكَ خَاتِمَةُ الْآيَةِ بِالْغَيْبَةِ، وَخَتَمَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَ فِي وَسَطِهَا إِلَى الْإِخْبَارِ عَنِ النَّفْسِ ; فَقَالَ: بَارَكْنَا، وَمِنْ آيَاتِنَا. وَالْهَاءُ فِي (إِنَّهُ) لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ: لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ إِنَّهُ السَّمِيعُ لِكَلَامِنَا الْبَصِيرُ لِذَاتِنَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَّا تَتَّخِذُوا) : يُقْرَأُ بِالْيَاءِ عَلَى الْغَيْبَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: جَعَلْنَاهُ هُدًى لِئَلَّا يَتَّخِذُوا أَوْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لِئَلَّا يَتَّخِذُوا. وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: أَنَّ «أَنْ» بِمَعْنَى أَيْ، وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ «أَنْ» زَائِدَةٌ ; أَيْ قُلْنَا: لَا تَتَّخِذُوا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ «لَا» زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مَخَافَةَ أَنْ تَتَّخِذُوا ; وَقَدْ رَجَعَ فِي هَذَا مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ. وَ «تَتَّخِذُوا» هُنَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ: أَحَدُهُمَا: «وَكِيلًا» وَفِي الثَّانِي وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: «ذَرِّيَّةَ» وَالتَّقْدِيرُ: لَا تَتَّخِذُوا ذَرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا وَكِيلًا ; أَيْ رَبًّا أَوْ مُفَوَّضًا إِلَيْهِ. وَ «مِنْ دُونِي» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ وَكِيلٍ، أَوْ مَعْمُولًا لَهُ، أَوْ مُتَعَلِّقًا بِتَتَّخِذُوا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الْمَفْعُولُ الثَّانِي «مِنْ دُونِي». وَفِي ذَرِّيَّةٍ عَلَى هَذَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: هُوَ مُنَادًى، وَالثَّانِي: هُوَ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَعْنِي. وَالثَّالِثُ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ وَكِيلٍ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقُرِئَ شَاذًّا بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ ذَرِّيَّةٌ، أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «يَتَّخِذُوا» عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالْيَاءِ ; لِأَنَّهُمْ غَيْبٌ.
وَ (مِنْ) بِمَعْنَى الَّذِي، أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَتُفْسِدُنَّ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ السِّينِ مِنْ أَفْسَدَ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ ; أَيِ الْأَدْيَانَ، أَوِ الْخَلْقَ. وَيُقْرَأُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ ; أَيْ وَيُفْسِدُكُمْ غَيْرُكُمْ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ السِّينِ ; أَيْ تَفْسُدُ أُمُورُكُمْ. (مَرَّتَيْنِ) : مَصْدَرٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهِ. (
وَعْدُ أُولَاهُمَا) : أَيْ مَوْعُودُ أُولَى الْمَرَّتَيْنِ ; أَيْ مَا وُعِدُوا بِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى.
(عِبَادًا لَنَا) : بِالْأَلِفِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. وَيُقْرَأُ عَبِيدًا، وَهُوَ جَمْعٌ قَلِيلٌ، وَلَمْ يَأْتِ مِنْهُ إِلَّا أَلْفَاظٌ يَسِيرَةٌ.
(فَجَاسُوا) : بِالْجِيمِ، وَيُقْرَأُ بِالْحَاءِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. (وَخِلَالَ) : ظَرْفٌ لَهُ. وَيُقْرَأُ: خَلَلَ الدِّيَارِ - بِغَيْرِ أَلِفٍ، قِيلَ: هُوَ وَاحِدٌ، وَالْجَمْعُ خِلَالٌ، مِثْلَ جَبَلٍ وَجِبَالٍ. (وَكَانَ) : اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الْمَصْدَرِ ; أَيْ وَكَانَ الْجَوْسُ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْكَرَّةَ) : هِيَ مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ، يُقَالُ: كَرَّ كَرَّا وَكَرَّةً.
وَ (عَلَيْهِمْ) : يَتَعَلَّقُ بِرَدَدْنَا. وَقِيلَ: بِالْكَرَّةِ ; لِأَنَّهُ يُقَالُ: كَرَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مِنَ الْكَرَّةِ.
(نَفِيرًا) : تَمْيِيزٌ ; وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ; أَيْ مَنْ يَنْفِرُ مَعَكُمْ، وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَمَاعَةِ.
وَقِيلَ: هُوَ جَمْعُ نَفْرٍ، مِثْلَ عَبْدٍ وَعَبِيدٍ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) : قِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى ; كَقَوْلِهِ: (وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [الْبَقَرَةِ: ٢٨٦].
وَقِيلَ: هِيَ عَلَى بَابِهَا ; وَهُوَ الصَّحِيحُ ; لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَالْعَامِلُ مُخْتَصٌّ بِجَزَاءِ عَمَلِهِ حَسَنِهِ وَسَيِّئِهِ.
(وَعْدُ الْآخِرَةِ) : أَيِ الْكَرَّةُ الْآخِرَةُ.
(لِيَسُوءُوا) : بِالْيَاءِ وَضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ ; أَيْ لِيَسُوءُوا الْعِبَادَ، أَوِ النَّفِيرَ.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ بِغَيْرِ وَاوٍ ; أَيْ لِيَسُوءَ الْبَعْثُ، أَوِ الْمَبْعُوثُ، أَوِ اللَّهُ. وَيُقْرَأُ بِالنُّونِ كَذَلِكَ. وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ السِّينِ وَيَاءٍ بَعْدَهَا وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ ; أَيْ لِيُقَبِّحَ وُجُوهَكُمْ.
(مَا عَلَوْا) : مَنْصُوبٌ بِـ «يُتَبِّرُوا» أَيْ وَلِيُهْلِكُوا عُلُوَّهُمْ وَمَا عَلَوْهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا.
قَالَ تَعَالَى: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَصِيرًا) : أَيْ حَاصِرًا ; وَلَمْ يُؤَنِّثْهُ ; لِأَنَّ فَعِيلًا هُنَا بِمَعْنَى فَاعِلٍ.
وَقِيلَ: التَّذْكِيرُ عَلَى مَعْنَى الْجِنْسِ. وَقِيلَ: ذُكِّرَ لِأَنَّ تَأْنِيثَ جَهَنَّمَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنَّ لَهُمْ) : أَيْ بِأَنَّ لَهُمْ.
وَ (أَنَّ الَّذِينَ) : مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ ; أَيْ يُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَمْرَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (دُعَاءَهُ) : أَيْ يَدْعُو بِالشَّرِّ دُعَاءً مِثْلَ دُعَائِهِ بِالْخَيْرِ، وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ. وَالتَّقْدِيرُ: يَطْلُبُ الشَّرَّ ; فَالْبَاءُ لِلْحَالِ ; وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى السَّبَبِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (١٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (آيَتَيْنِ) : قِيلَ: التَّقْدِيرُ: ذَوِي آيَتَيْنِ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: «آيَةَ اللَّيْلِ»، وَ «آيَةَ النَّهَارِ».
وَقِيلَ: لَا حَذْفَ فِيهِ ; فَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَلَامَتَانِ، وَلَهُمَا دَلَالَةٌ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ ; فَلِذَلِكَ أَضَافَ فِي مَوْضِعٍ، وَوَصَفَ فِي مَوْضِعٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكُلَّ شَيْءٍ) : مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ; لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى اسْمٍ قَدْ عَمِلَ فِيهِ الْفِعْلُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ الْأَوْلَى رَفْعُهُ. وَمِثْلُهُ: وَ (كُلَّ إِنْسَانٍ).
قَالَ تَعَالَى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نُخْرِجُ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ النُّونُ، وَيُقْرَأُ بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ، وَبِيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ مَضْمُومَةٍ.
وَ (كِتَابًا) : حَالٌ عَلَى هَذَا ; أَيْ وَنُخْرِجُ طَائِرَهُ، أَوْ عَمَلَهُ مَكْتُوبًا.
وَ (يَلْقَاهُ) : صِفَةٌ لِلْكِتَابِ وَ (مَنْشُورًا) : حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنُوبِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِلْكِتَابِ.
قَالَ تَعَالَى: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (١٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (اقْرَأْ) : أَيْ يُقَالُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (١٦٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمَرْنَا) : يُقْرَأُ بِالْقَصْرِ وَالتَّخْفِيفِ ; أَيْ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَةِ. وَقِيلَ: كَثَّرْنَا نِعَمَهُمْ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْقِرَاءَةِ بِالْمَدِّ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالْقَصْرِ ; أَيْ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاءَ. وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْمَمْدُودَةِ ; لِأَنَّهُ تَارَةً يُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ، وَتَارَةً بِالتَّضْعِيفِ ; وَاللَّازِمُ مِنْهُ: أَمِرَ الْقَوْمُ ; أَيْ كَثُرُوا.
وَ (أَمَرْنَا) : جَوَابُ إِذَا. وَقِيلَ: الْجُمْلَةُ نَصْبٌ نَعْتًا لِقَرْيَةٍ، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (١٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا) :«كَمْ» هُنَا خَبَرٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَهْلَكْنَا.
(مِنَ الْقُرُونِ) : وَقَدْ ذُكِرَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ: كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ) [الْبَقَرَةِ: ٢١١].
قَالَ تَعَالَى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ كَانَ) :«مَنْ» مُبْتَدَأٌ، وَهِيَ شَرْطٌ. وَ «عَجَّلْنَا» جَوَابُهُ.
(لِمَنْ نُرِيدُ) : هُوَ بَدَلٌ مِنْ «لَهُ» بِإِعَادَةِ الْجَارِّ.
(يَصْلَاهَا) : حَالٌ مِنْ جَهَنَّمَ، أَوْ مِنَ الْهَاءِ فِي لَهُ.
وَ (مَذْمُومًا) : حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فِي يَصْلَى.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَعْيَهَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى: عَمِلَ عَمَلَهَا.
وَ «لَهَا» : مِنْ أَجْلِهَا. وَأَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا.
قَالَ تَعَالَى: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلًّا) : هُوَ مَنْصُوبٌ بِـ «نُمِدُّ» وَالتَّقْدِيرُ: كُلَّ فَرِيقٍ.
وَ (هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ) : بَدَلٌ مِنْ كُلٍّ. وَ «مِنْ» مُتَعَلِّقَةٌ بِـ «نُمِدُّ».
وَالْعَطَاءُ: اسْمٌ لِلْمُعْطَى.
قَالَ تَعَالَى: (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَيْفَ) : مَنْصُوبٌ بِـ «فَضَّلْنَا» عَلَى الْحَالِ، أَوْ عَلَى الظَّرْفِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَّا تَعْبُدُوا) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «أَنْ» بِمَعْنَى أَيْ ; وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِمَعْنَى قَضَى، «وَلَا» : نَهْيٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ; أَيْ أَلْزَمَ رَبُّكَ عِبَادَتَهُ، وَ «لَا» زَائِدَةٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «قَضَى» بِمَعْنَى أَمَرَ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْبَقَرَةِ.
(إِمَّا يَبْلُغَنَّ) : إِنْ شَرْطِيَّةٌ، وَمَا زَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وَيَبْلُغَنَّ هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءُ: «فَلَا تَقُلْ».
وَيُقْرَأُ «يَبْلُغَانِ» وَالْأَلِفُ فَاعِلٌ.
وَ (أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا) : بَدَلٌ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: هُوَ تَوْكِيدٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَرْفُوعًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ إِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ; وَفَائِدَتُهُ التَّوْكِيدُ أَيْضًا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَلِفُ حَرْفًا لِلتَّثْنِيَةِ، وَالْفَاعِلُ أَحَدُهُمَا.
(أُفٍّ) : اسْمٌ لِلْفِعْلِ، وَمَعْنَاهُ التَّضَجُّرُ وَالْكَرَاهِيَةُ. وَالْمَعْنَى: لَا تَقُلْ لَهُمَا: كُفَّا، أَوِ اتْرُكَا.
وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِلْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ ; أَيْ كَرِهْتُ، أَوْ ضَجِرْتُ مِنْ مُدَارَاتِكُمَا.
فَمَنْ كَسَرَ بنَاه عَلَى الْأَصْلِ، وَمَنْ فَتَحَ طَلَبَ التَّخْفِيفَ، مِثْلَ رُبَ، وَمَنْ ضَمَّ أَتْبَعَ، وَمَنْ نَوَّنَ أَرَادَ التَّنْكِيرَ، وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ، وَمَنْ خَفَّفَ الْفَاءَ حَذَفَ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ تَخْفِيفًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَنَاحَ الذُّلِّ) : بِالضَّمِّ، وَهُوَ ضِدُّ الْعِزِّ، وَبِالْكَسْرِ - وَهُوَ الِانْقِيَادُ - ضِدَّ الصُّعُوبَةِ.
(مِنَ الرَّحْمَةِ) : أَيْ مِنْ أَجْلِ رِفْقِكَ بِهِمَا، فَمِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِاخْفِضْ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ جَنَاحٍ.
(كَمَا) : نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ رَحْمَةً مِثْلَ رَحْمَتِهِمَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ) : مَفْعُولٌ لَهُ، أَوْ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
(تَرْجُوهَا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِلرَّحْمَةِ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ.
وَ (مِنْ رَبِّكَ) : يَتَعَلَّقُ بِتَرْجُوهَا ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِرَحْمَةٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (٢٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلَّ الْبَسْطِ) : مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إِلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (٣١) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَطَأً) : يُقْرَأُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَالْهَمْزِ، وَهُوَ مَصْدَرُ خَطِئَ، مِثْلَ عَلِمَ عِلْمًا.
وَبِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ ; وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: مَصْدَرٌ، مِثْلَ شَبِعَ شِبَعًا، إِلَّا أَنَّهُ أَبْدَلَ الْهَمْزَةَ أَلِفًا فِي الْمَصْدَرِ، وَيَاءً فِي الْفِعْلِ لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ أَلْقَى حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ عَلَى الطَّاءِ فَانْفَتَحَتْ، وَحَذَفَ الْهَمْزَةَ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ خَفَّفَ الْهَمْزَةَ بِأَنْ قَلَبَهَا أَلِفًا عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ فَانْفَتَحَتِ الطَّاءُ.
وَيُقْرَأُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِالْهَمْزَةِ مِثْلَ عِنَبٍ.
وَيُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَالْهَمْزِ مِثْلَ «نَصَبٍ» وَهُوَ كَثِيرٌ. وَيُقْرَأُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ مِثْلَ: قَامَ قِيَامًا.
(الزِّنَا) الْأَكْثَرُ الْقَصْرُ، وَالْمَدُّ لُغَةٌ. وَقَدْ قُرِئَ بِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرُ زَانَى، مِثْلَ قَاتَلَ قِتَالًا ; لِأَنَّهُ يَقَعُ مِنِ اثْنَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (٣٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَا يُسْرِفْ) : الْجُمْهُورُ عَلَى التَّسْكِينِ ; لِأَنَّهُ نَهْيٌ.
وَقُرِئَ بِضَم الْفَاء على الْخَبَر وَمَعْنَاهُ النَّهْي
وَيُقْرَأُ بِالْيَاءِ، وَالْفَاعِلُ ضَمِيرُ الْوَلِيِّ. وَبِالتَّاءِ: أَيْ لَا تُسْرِفْ أَيُّهَا الْمُقْتَصُّ، أَوِ الْمُبْتَدِئُ بِالْقَتْلِ ; أَيْ لَا تُسْرِفْ بِتَعَاطِي الْقَتْلِ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: يُقَالُ لَهُ: لَا تُسْرِفْ.
(إِنَّهُ) : فِي الْهَاءِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْوَلِيِّ. وَالثَّانِي: إِلَى الْمَقْتُولِ. وَالثَّالِثُ: إِلَى الدَّمِ. وَالرَّابِعُ: إِلَى الْقَتْلِ.
وَالْخَامِسُ: إِلَى الْحَقِّ.
وَالسَّادِسُ: إِلَى الْقَاتِلِ ; أَيْ إِذَا قُتِلَ سَقَطَ عَنْهُ عِقَابُ الْقَتْلِ فِي الْآخِرَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (٣٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَقْدِيرُهُ: إِنَّ ذَا الْعَهْدِ ; أَيْ كَانَ مَسْئُولًا بِعَهْدِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْعَهْدِ، وَنُسِبَ السُّؤَالُ إِلَيْهِ مَجَازًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ) [التَّكْوِيرِ: ٨]. قَالَ تَعَالَى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِالْقِسْطَاسِ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِهَا ; وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَ (تَأْوِيلًا) : بِمَعْنَى مَآلًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَقْفُ) : الْمَاضِي مِنْهُ: قَفَا، إِذَا تَتَبَّعَ. وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ مِثْلَ تَقُمْ ; وَمَاضِيهِ قَافَ يَقُوفُ، إِذَا تَتَبَّعَ أَيْضًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (٣٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَرَحًا) : بِكَسْرِ الرَّاءِ حَالٌ، وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَوْ مَفْعُولٌ لَهُ..
(تَخْرِقَ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، لُغَتَانِ.
(طُولًا) : مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَمْيِيزًا، وَمَفْعُولًا لَهُ، وَمَصْدَرًا مِنْ مَعْنَى «تَبْلُغَ».
قَالَ تَعَالَى: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (٣٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَيِّئُهُ) : يُقْرَأُ بِالتَّأْنِيثِ وَالنَّصْبِ ; أَيْ كُلُّ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمَنَاهِي. وَذَكَرَ «مَكْرُوهًا» عَلَى لَفْظِ كُلٍّ ; أَوْ لِأَنَّ التَّأْنِيثَ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ.
وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ وَالْإِضَافَةِ ; أَيْ سَيِّئُ مَا ذُكِرَ.
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (٣٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الْحِكْمَةِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِأَوْحَى ; وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْعَائِدِ [٧٤] الْمَحْذُوفِ، وَأَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ «مَا أَوْحَى».
قَالَ تَعَالَى: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (٤٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَصْفَاكُمْ) : الْأَلِفُ مُبْدَلَةٌ مِنْ وَاوٍ ; لِأَنَّهُ مِنَ الصَّفْوَةِ.
(إِنَاثًا) : مَفْعُولٌ أَوَّلُ لِاتَّخَذَ. وَالثَّانِي مَحْذُوفٌ ; أَيْ أَوْلَادًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اتَّخَذَ مُتَعَدِّيًا إِلَى وَاحِدٍ، مِثْلَ. (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) [الْبَقَرَةِ: ١١٦]
وَ
(مِنَ الْمَلَائِكَةِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا ; وَأَنْ يَتَعَلَّقَ بِاتَّخَذَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (٤١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا) : الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ صَرَّفْنَا الْمَوَاعِظَ، وَنَحْوَهَا.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (٤٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمَا يَقُولُونَ) : الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ; أَيْ كَوْنًا كَقَوْلِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عُلُوًّا) : فِي مَوْضِعِ تَعَالِيًا ; لِأَنَّهُ مَصْدَرُ قَوْلِهِ: «تَعَالَى»، وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مَصْدَرٌ مَوْقِعَ آخَرَ مِنْ مَعْنَاهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَسْتُورًا) : أَيْ مَحْجُوبًا بِحِجَابٍ آخَرَ فَوْقَهُ.
وَقِيلَ: هُوَ مَسْتُورٌ بِمَعْنَى سَاتِرٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (٤٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ يَفْقَهُوهُ) : أَيْ مَخَافَةَ أَنْ يَفْقَهُوهُ أَوْ كَرَاهَةَ....
(نُفُورًا) : جَمْعُ نَافِرٍ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا كَالْقُعُودِ ; فَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ حَالًا، وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ مَصْدَرًا لِوَلَّوْا ; لِأَنَّهُ بِمَعْنَى نَفَرُوا.
قَالَ تَعَالَى: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨) وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَسْتَمِعُونَ بِهِ) : قِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ. وَقِيلَ: هِيَ عَلَى بَابِهَا ; أَيْ يَسْتَمِعُونَ بِقُلُوبِهِمْ، أَمْ بِظَاهِرِ أَسْمَاعِهِمْ: وَ «إِذْ» ظَرْفٌ لِيَسْتَمِعُونَ الْأُولَى.
وَالنَّجْوَى: مَصْدَرٌ، أَيْ ذَوِي نَجْوَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ نَجِيٍّ، كَقَتِيلٍ وَقَتْلَى.
(إِذْ يَقُولُ) : بَدَلٌ مِنْ «إِذْ» الْأُولَى. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: اذْكُرْ إِذْ يَقُولُ.
وَالتَّاءُ فِي الرُّفَاتِ أَصْلٌ. وَالْعَامِلُ فِي «إِذْ» مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَبْعُوثُونَ، لَا نَفْسُ «مَبْعُوثُونَ» ; لِأَنَّ مَا بَعْدَ «أَنْ» لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا.
وَ (خَلْقًا) : حَالٌ، وَهُوَ بِمَعْنَى مَخْلُوقٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا ; أَيْ بُعِثْنَا بَعْثًا جَدِيدًا.
قَالَ تَعَالَى: (أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (٥١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ) : أَيْ يُعِيدُكُمُ الَّذِي فَطَرَكُمْ ; وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِحْيَاءِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ يُعِيدُكُمْ.
وَ (أَنْ يَكُونَ) : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِعَسَى، وَاسْمُهَا مُضْمَرٌ فِيهَا ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِعَسَى، وَلَا ضَمِيرَ فِيهَا.
قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (٥٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ) : هُوَ ظَرْفٌ لِيَكُونَ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِاسْمِ كَانَ، وَإِنْ كَانَ ضَمِيرَ الْمَصْدَرِ ; لِأَنَّ الضَّمِيرَ لَا يَعْمَلُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْبَعْثِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى الْكَلَامِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: اذْكُرْ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ.
(بِحَمْدِهِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; أَيْ فَتَسْتَجِيبُونَ حَامِدِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْبَاءُ بِيَدْعُوكُمْ.
وَ (تَظُنُّونَ) : أَيْ وَأَنْتُمْ تَظُنُّونَ، فَالْجُمْلَةُ حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (٥٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَقُولُوا) : قَدْ ذُكِرَ فِي إِبْرَاهِيمَ.
(يَنْزَغُ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِهَا ; وَهُمَا لُغَتَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (٥٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (زَبُورًا) : يُقْرَأُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي النِّسَاءِ ; وَفِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَمٌ ; يُقَالُ: زَبُورٌ، وَالزَّبُورُ، كَمَا يُقَالُ: عَبَّاسٌ وَالْعَبَّاسُ.
وَالثَّانِي: هُوَ نَكِرَةٌ ; أَيْ كِتَابًا مِنْ جُمْلَةِ الْكُتُبِ.
قَالَ تَعَالَى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (٥٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَيُّهُمْ) : مُبْتَدَأٌ، وَأَقْرَبُ خَبَرُهُ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ ; وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِيَدْعُونَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيُّهُمْ بِمَعْنَى الَّذِي، وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَدْعُونَ، وَالتَّقْدِيرُ: الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ، وَفِيهَا كَلَامٌ طَوِيلٌ يُذْكَرُ فِي «مَرْيَمَ».
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٥٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ نُرْسِلَ) : أَيْ مِنْ أَنْ نُرْسِلَ، فَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَوْ جَرٍّ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ نَظَائِرَهُ.
(أَنْ كَذَّبَ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعِ فَاعِلٍ «مَنَعَنَا» وَفِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ، تَقْدِيرُهُ: إِلَّا إِهْلَاكُ التَّكْذِيبِ، وَكَانَتْ عَادَةُ اللَّهِ إِهْلَاكَ مَنْ كَذَّبَ بِالْآيَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَلَمْ يُرِدْ إِهْلَاكَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ لِعِلْمِهِ بِإِيمَانِ بَعْضِهِمْ وَإِيمَانِ مَنْ يُولَدُ مِنْهُمْ. (
مُبْصِرَةً) : أَيْ ذَاتَ إِبْصَارٍ ; أَيْ يُسْتَبْصَرُ بِهَا.
وَقِيلَ: مُبْصِرَةً: دَالَّةً ; كَمَا يُقَالُ: لِلدَّلِيلِ: مُرْشِدٌ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالصَّادِ ; أَيْ تَبْصِرَةً.
(تَخْوِيفًا) : مَفْعُولٌ لَهُ، أَوْ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (٦٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْنَا) : أَيِ اذْكُرْ.
وَ (الشَّجَرَةَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى الرُّؤْيَا ; وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا جَعَلْنَا الشَّجَرَةَ إِلَّا فِتْنَةً.
وَقُرِئَ شَاذًّا بِالرَّفْعِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ فِتْنَةٌ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ «فِي الْقُرْآنِ». قَالَ تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (٦١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (طِينًا) : هُوَ حَالٌ مِنْ «مَنْ»، أَوْ مِنَ الْعَائِدِ الْمَحْذُوفِ ; فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ: اسْجُدْ، وَعَلَى الثَّانِي: «خَلَقْتَ».
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: مِنْ طِينٍ، فَلَمَّا حُذِفَ الْحَرْفُ، نُصِبَ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتِنِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (٦٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَذَا) : هُوَ مَنْصُوبٌ بِأَرَأَيْتَ.
وَ «الَّذِي» : نَعْتٌ لَهُ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: تَفْضِيلُهُ أَوْ تَكْرِيمُهُ ; وَقَدْ ذُكِرَ الْكَلَامُ فِي (أَرَأَيْتَكَ) فِي الْأَنْعَامِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (٦٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَزَاءً) : مَصْدَرٌ ; أَيْ تُجْزَوْنَ جَزَاءً.
وَقِيلَ: هُوَ حَالٌ مُوَّطِئَةٌ. وَقِيلَ: هُوَ تَمْيِيزٌ.
(مَنِ اسْتَطَعْتَ) :«مَنْ» اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِاسْتَطَعْتَ ; أَيْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمُ اسْتِفْزَازَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي.
(وَرَجِلِكَ) : يُقْرَأُ بِسُكُونِ الْجِيمِ، وَهُمُ الرَّجَّالَةُ. وَيُقْرَأُ بِكَسْرِهَا، وَهُوَ فَعِلٌ مِنْ رَجِلَ يَرْجَلُ، إِذَا صَارَ رَاجِلًا.
وَيُقْرَأُ «وَرِجَالِكَ» ; أَيْ بِفُرْسَانِكَ وَرِجَالِكَ.
(وَمَا يَعِدُهُمُ) : رُجُوعٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٦٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (رَبُّكُمْ) : مُبْتَدَأٌ، وَ «الَّذِي» وَصِلَتُهُ: الْخَبَرُ.
وَقِيلَ: هُوَ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ: (الَّذِي فَطَرَكُمْ) [الْإِسْرَاءِ: ٥١]، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ ; وَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَهُمَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (٦٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا إِيَّاهُ) : اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ. وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ خَارِجٌ عَلَى أَصْلِ الْبَابِ.
قَالَ تَعَالَى: (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ يَخْسِفَ) : يُقْرَأُ بِالنُّونِ وَالْيَاءِ، وَكَذَلِكَ نُرْسِلَ وَنُعِيدَكُمْ وَنُغْرِقَكُمْ.
(بِكُمْ) : حَالٌ مِنْ «جَانِبِ الْبَرِّ» أَيْ نَخْسِفَ جَانِبَ الْبَرِّ وَأَنْتُمْ.
وَقِيلَ: الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِنَخْسِفَ ; أَيْ بِسَبَبِكُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (٦٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِهِ تَبِيعًا) : يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْبَاءُ بِتَبِيعٍ، وَبِتَجِدُوا، وَأَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ «تَبِيعًا».
قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَ نَدْعُوا) : فِيهِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: هُوَ ظَرْفٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا» تَقْدِيرُهُ: لَا يُظْلَمُونَ يَوْمَ نَدْعُو.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ ظَرْفٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (مَتَى هُوَ) :[الْإِسْرَاءِ: ٥١] وَالثَّالِثُ: هُوَ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: (فَتَسْتَجِيبُونَ) [الْإِسْرَاءِ: ٥٢] وَالرَّابِعُ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ «يَدْعُوكُمْ». وَالْخَامِسُ: هُوَ مَفْعُولٌ ; أَيِ اذْكُرُوا يَوْمَ نَدْعُو.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَوَاوٍ بَعْدَ الْعَيْنِ، وَرَفْعِ كُلٍّ ; وَفِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ يُدْعَى، فَفَخَّمَ الْأَلِفَ فَقَلَبَهَا وَاوًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ يُدْعَوْنَ، وَحَذَفَ النُّونَ. وَ «كُلُّ» بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ.
(بِإِمَامِهِمْ) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِنَدْعُو ; أَيْ نَقُولُ يَا أَتْبَاعَ مُوسَى، وَيَا أَتْبَاعَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. أَوْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ. وَالثَّانِي: هِيَ حَالٌ تَقْدِيرُهُ: مُخْتَلِطِينَ بِنَبِيِّهِمْ، أَوْ مُؤَاخَذِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٧٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَعْمَى) : الْأُولَى بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: كَذَلِكَ ; أَيْ مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا عَمِيًّا عَنْ حُجَّتِهِ، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي: هِيَ أَفْعَلُ الَّتِي تَقْتَضِي «مِنْ» وَلِذَلِكَ قَالَ: «وَأَضَلُّ». وَأَمَالَ أَبُو عَمْرٍو الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الثَّانِيَةَ تَقْتَضِي «مِنْ» فَكَأَنَّ الْأَلِفَ وَسْطَ الْكَلِمَةِ تُمَثِّلُ أَعْمَالَهُمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (٧٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَرْكَنُ) : بِفَتْحِ الْكَافِ، وَمَاضِيهِ بِكَسْرِهَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مَفْتُوحَةٌ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَذَلِكَ مِنْ تَدَاخُلِ اللُّغَتَيْنِ ; إِنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: رَكِنَ يَرْكَنُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: رَكَنَ يَرْكُنُ، فَيَفْتَحُ الْمَاضِيَ وَيَضُمُّ الْمُسْتَقْبَلَ، فَسَمِعَ مَنْ لُغَتُهُ فَتْحُ الْمَاضِي فَتْحَ الْمُسْتَقْبَلِ مِمَّنْ هُوَ لُغَتُهُ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا دَعَا قَائِلُ هَذَا إِلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ عَنْهُمْ: فَعَلَ يَفْعَلُ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِيهِمَا فِي غَيْرِ حُرُوفِ الْحَلْقِ إِلَّا أَبَى يَأْبَى ; وَقَدْ قُرِئَ بِضَمِّ الْكَافِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (٧٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَلْبَثُونَ) : الْمَشْهُورُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالتَّخْفِيفِ وَإِثْبَاتِ النُّونِ عَلَى إِلْغَاءِ إِذَنْ ; لِأَنَّ الْوَاوَ الْعَاطِفَةَ تُصَيِّرُ الْجُمْلَةَ مُخْتَلِفَةً بِمَا قَبْلَهَا ; فَيَكُونُ «إِذَنْ» حَشْوًا.
وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَالتَّشْدِيدِ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.
وَفِي بَعْضِ الْمَصَاحِفِ بِغَيْرِ نُونٍ عَلَى إِعْمَالِ إِذَنْ، وَلَا يُكْتَرَثُ بِالْوَاوِ ; فَإِنَّهَا قَدْ تَأْتِي مُسْتَأْنَفَةً.
(خِلَافَكَ)، وَخَلْفَكَ: لُغَتَانِ بِمَعْنًى. وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا.
(إِلَّا قَلِيلًا) : أَيْ زَمَنًا قَلِيلًا.
قَالَ تَعَالَى: (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (٧٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا) : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ; أَيْ سَنَنَّا بِكَ سُنَّةَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ ; أَيِ اتَّبِعْ سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) [الْأَنْعَامِ: ٩٠].
قَالَ تَعَالَى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (٧٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) : حَالٌ مِنَ الصَّلَاةِ ; أَيْ مَمْدُودَةً.
وَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِأَقِمْ ; فَهِيَ لِانْتِهَاءِ غَايَةِ الْإِقَامَةِ.
(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الصَّلَاةِ ; أَيْ وَأَقِمْ صَلَاةَ الْفَجْرِ. وَالثَّانِي: هُوَ عَلَى الْإِغْرَاءِ ; أَيْ عَلَيْكَ قُرْآنَ الْفَجْرِ، أَوِ الْزَمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَافِلَةً لَكَ) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى تَهَجُّدًا ; أَيَّ تَنَفَّلْ تَنَفُّلًا، وَفَاعِلُهُ هُنَا مَصْدَرٌ كَالْعَافِيَةِ.
وَالثَّانِي: هُوَ حَالٌ ; أَيْ صَلَاةَ نَافِلَةٍ.
(مَقَامًا) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ حَالٌ، تَقْدِيرُهُ: ذَا مَقَامٍ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، تَقْدِيرُهُ: أَنْ يَبْعَثَكَ فَتَقُومَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الْقُرْآنِ) :«مِنْ» لِبَيَانِ الْجِنْسِ ; أَيْ كُلُّهُ هُدًى مِنَ الضَّلَالِ.
وَقِيلَ: هِيَ لِلتَّبْعِيضِ ; أَيْ مِنْهُ مَا يُشْفِي مِنَ الْمَرَضِ. وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ: «وَرَحْمَةً» بِالنَّصْبِ، عَطْفًا عَلَى «مَا».
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (٨٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَنَأَى) : يُقْرَأُ بِأَلِفٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ ; أَيْ بَعُدَ عَنِ الطَّاعَةِ.
وَيُقْرَأُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْأَلِفِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مَقْلُوبُ نَأَى. وَالثَّانِي: هُوَ بِمَعْنَى نَهَضَ ; أَيِ ارْتَفَعَ عَنْ قَبُولِ الطَّاعَةِ، أَوْ نَهَضَ فِي الْمَعْصِيَةِ وَالْكِبْرِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (٨٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَهْدَى سَبِيلًا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلَ، مِنْ هَدَى غَيْرَهُ. وَأَنْ يَكُونَ مِنِ اهْتَدَى، عَلَى حَذْفِ الزَّوَائِدِ، أَوْ مِنْ: هَدَى بِمَعْنَى اهْتَدَى ; فَيَكُونُ لَازِمًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الْعِلْمِ) : مُتَعَلِّقٌ بِأُوتِيتُمْ، وَلَا يَكُونُ حَالًا مِنْ قَلِيلٍ ; لِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ عَلَى «إِلَّا».
قَالَ تَعَالَى: (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (٨٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا رَحْمَةً) : هُوَ مَفْعُولٌ لَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: حَفِظْنَاهُ عَلَيْكَ لِلرَّحْمَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، تَقْدِيرُهُ: لَكِنْ رَحِمْنَاكَ رَحْمَةً.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَأْتُونَ) لَيْسَ بِجَوَابِ الشَّرْطِ ; لَكِنْ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّامُ الْمُوَّطِئَةُ فِي قَوْلِهِ: «لَئِنِ اجْتَمَعَتِ».
وَقِيلَ: هُوَ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَلَمْ يَجْزِمْهُ لِأَنَّ فِعْلَ الشَّرْطِ مَاضٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَتَّى تَفْجُرَ) : يُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّكْثِيرِ. وَبِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَالتَّخْفِيفِ.
وَالْيَاءُ
فِي
«يَنْبُوعًا
»
زَائِدَةٌ ; لِأَنَّهُ مِنْ نَبَعَ، فَهُوَ مِثْلَ يَعْبُوبٍ مِنْ عَبَّ.
قَالَ تَعَالَى: (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كِسَفًا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ السِّينِ، وَهُوَ جَمْعُ كِسْفَةٍ، مِثْلَ قِرْبَةٍ وَقِرَبٍ. وَبِسُكُونِهَا وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مُخَفَّفٌ مِنَ الْمَفْتُوحَةِ، أَوْ مِثْلَ سِدْرَةٍ وَسِدْرٍ. وَالثَّانِي: هُوَ وَاحِدٌ عَلَى فِعْلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَانْتِصَابُهُ عَلَى الْحَالِ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَمْ يُؤَنِّثْهُ لِأَنَّ تَأْنِيثَ السَّمَاءِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ ; أَوْ لِأَنَّ السَّمَاءَ بِمَعْنَى السَّقْفِ. وَالْكَافُ فِي (كَمَا) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ إِسْقَاطًا مِثْلَ مَزْعُومِكَ. وَ (قَبِيلًا) : حَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ مِنَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ. (نَقْرَؤُهُ) : صِفَةٌ لِكِتَابٍ، أَوْ حَالٌ مِنَ الْمَجْرُورِ. (قُلْ) : عَلَى الْأَمْرِ، وَقَالَ عَلَى الْحِكَايَةِ عَنْهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ يُؤْمِنُوا) : مَفْعُولُ مَنَعَ. وَ «أَنْ قَالُوا» فَاعِلُهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (٩٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَمْشُونَ) : صِفَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ.
وَ (مُطْمَئِنِّينَ) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (٩٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَلَى وُجُوهِهِمْ) : حَالٌ. «وَعُمْيًا» حَالٌ أُخْرَى ; إِمَّا بَدَلٌ مِنَ الْأُولَى، وَإِمَّا حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الْجَارِّ. (مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مُقَدَّرَةً. (كُلَّمَا خَبَتْ...) : الْجُمْلَةُ إِلَى آخَرِ الْآيَةِ حَالٌ مِنْ جَهَنَّمَ، وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى الْمَأْوَى. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنَفَةً.
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٩٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذَلِكَ) : مُبْتَدَأٌ. وَ «جَزَاؤُهُمْ» خَبَرُهُ، وَ «بِأَنَّهُمْ» يَتَعَلَّقُ بِجَزَاءٍ. وَقِيلَ: «ذَلِكَ» خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيِ الْأَمْرُ ذَلِكَ. وَ «جَزَاؤُهُمْ» مُبْتَدَأٌ، وَبِأَنَّهُمُ الْخَبَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «جَزَاؤُهُمْ» بَدَلًا أَوْ بَيَانًا، وَ «بِأَنَّهُمْ» خَبَرُ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (١٠٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَوْ أَنْتُمْ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ; وَلَيْسَ بِمُبْتَدَأٍ ; لِأَنَّ «لَوْ» تَقْتَضِي الْفِعْلَ كَمَا تَقْتَضِيهِ «إِنْ» الشَّرْطِيَّةُ، وَالتَّقْدِيرُ: لَوْ تَمْلِكُونَ، فَلَمَّا حُذِفَ
الْفِعْلُ صَارَ الضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ مُنْفَصِلًا. وَ «تَمْلِكُونَ» الظَّاهِرَةُ: تَفْسِيرٌ لِلْمَحْذُوفِ.
(لَأَمْسَكْتُمْ) : مَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ أَمْسَكْتُمُ الْأَمْوَالَ. وَقِيلَ: هُوَ لَازِمٌ بِمَعْنَى بَخِلْتُمْ.
(خَشْيَةَ) : مَفْعُولٌ لَهُ، أَوْ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (١٠١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَيِّنَاتٍ) : صِفَةٌ لِآيَاتٍ، أَوْ لِتِسْعٍ.
(إِذْ جَاءَهُمْ) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ بِاسْأَلْ عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى اذْكُرْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: اذْكُرْ إِذْ جَاءَهُمْ، وَهِيَ غَيْرُ مَا قُدِّرَتْ بِهِ اسْأَلْ.
وَالثَّانِي: هُوَ ظَرْفٌ، وَفِي الْعَامِلِ فِيهِ أَوْجُهٌ ; أَحَدُهَا: آتَيْنَا، وَالثَّانِي: قُلْنَا مُضْمَرَةٌ ; أَيْ فَقُلْنَا لَهُ سَلْ. وَالثَّالِثُ: قُلْ. تَقْدِيرُهُ: قُلْ لِخَصْمِكَ: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ; وَالْمُرَادُ بِهِ فِرْعَوْنُ ; أَيْ قُلْ يَا مُوسَى ; وَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: إِذْ جِئْتَهُمْ ; فَرَجَعَ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (١٠٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَقَدْ عَلِمْتَ) : بِالْفَتْحِ عَلَى الْخِطَابِ ; أَيْ عَلِمْتَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّكَ عَانَدْتَ، وَبِالضَّمِّ ; أَيْ أَنَا غَيْرُ شَاكٍّ فِيمَا جِئْتَ بِهِ.
(بَصَائِرَ) : حَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَجَاءَتْ بَعْدَ إِلَّا، وَهِيَ حَالٌ مِمَّا قَبْلَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي هُودٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ) [هُودٍ: ٢٧].
قَالَ تَعَالَى: (وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (١٠٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَفِيفًا) : حَالٌ بِمَعْنَى جَمِيعًا.
وَقِيلَ: هُوَ مَصْدَرٌ كَالنَّذِيرِ وَالنَّكِيرِ ; أَيْ مُجْتَمِعِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (١٠٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ) : أَيْ وَبِسَبَبِ إِقَامَةِ الْحَقِّ ; فَتَكُونُ الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةً بِأَنْزَلْنَا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا ; أَيْ أَنْزَلْنَاهُ وَمَعَهُ الْحَقُّ، أَوْ فِيهِ الْحَقُّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ ; أَيْ أَنْزَلْنَاهُ وَمَعَنَا الْحَقُّ.
وَ (بِالْحَقِّ نَزَلَ) : فِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ دُونَ الثَّالِثِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَمِيرٌ لِغَيْرِ الْقُرْآنِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (١٠٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقُرْآنًا) : أَيْ وَآتَيْنَاكَ قُرْآنًا، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ) :[الْإِسْرَاءِ: ١٠٥] فَعَلَى هَذَا «فَرَقْنَاهُ» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْوَصْفِ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَفَرَقْنَا قُرْآنًا ; وَفَرَقْنَاهُ تَفْسِيرٌ لَا مَوْضِعَ لَهُ، وَفَرَّقْنَا ; أَيْ فِي أَزْمِنَةٍ ; وَبِالتَّخْفِيفِ ; أَيْ شَرَحْنَاهُ.
(عَلَى مُكْثٍ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; أَيْ مُتَمَكِّثًا. وَالْمُكْثُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ: لُغَتَانِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى: كَسْرُ الْمِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِلْأَذْقَانِ) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ; أَحَدُهَا: هِيَ حَالٌ، تَقْدِيرُهُ: سَاجِدِينَ لِلْأَذْقَانِ.
وَالثَّانِي: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِيَخِرُّونَ، وَاللَّامُ عَلَى بَابِهَا ; أَيْ مُذَلُّونَ لِلْأَذْقَانِ. وَالثَّالِثُ: هِيَ بِمَعْنَى «عَلَى» فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «يَبْكُونَ»، وَ «يَبْكُونَ» حَالٌ.
وَفَاعِلُ (يَزِيدُهُمْ) : الْقُرْآنُ، أَوِ الْمَتْلُوُّ، أَوِ الْبُكَاءُ، أَوِ السُّجُودُ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَيًّا مَا) : أَيًّا مَنْصُوبٌ بِـ «تَدْعُوا». وَتَدْعُوا مَجْزُومٌ بِـ «أَيًّا» وَهِيَ شَرْطٌ فَأَمَّا «مَا» فَزَائِدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ. وَقِيلَ: هِيَ شَرْطِيَّةٌ، كُرِّرَتْ لَمَّا اخْتَلَفَ اللَّفْظَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (١١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الذُّلِّ) : أَيْ مِنْ أَجْلِ الذُّلِّ.
Icon