فيها ثلاث آيات
ﰡ
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا :
رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا من الْمُشْرِكِينَ شَتَمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَهَمَّ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ. وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ.
المسألة الثَّانِيَةُ : فِي إعْرَابِهَا :
اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَوَابَ هَذَا الْأَمْرِ، وَجَاءَ ظَاهِرُهُ هَاهُنَا جَوَابًا مَجْزُومًا، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ : قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا [ اغْفِرُوا ] يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ.
المسألة الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ﴾ :
يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الرَّجَاءِ الْمُطْلَقِ، عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَيَّامُ عِبَارَةً عَنْ النِّعَمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْخَوْفِ، وَيُعَبَّرُ بِالْأَيَّامِ عَنْ النِّقَمِ، وَبِالْكُلِّ يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ.
المسألة الرَّابِعَةُ : هَذَا من الْمَغْفِرَةِ وَشَبَهُهُ من الصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ مَنْسُوخٌ بِآيَاتِ الْقِتَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي من عُلُومِ الْقُرْآنِ.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ :
المسألة الْأُولَى : الشَّرِيعَةُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّرِيقِ إلَى الْمَاءِ، ضُرِبَتْ مَثَلًا لِلطَّرِيقِ إلَى الْحَقِّ لِمَا فِيهَا من عُذُوبَةِ الْمَوْرِدِ، وَسَلَامَةِ الْمَصْدَرِ، وَحُسْنِهِ.
المسألة الثَّانِيَةُ : فِي الْمُرَادِ بِهَا من وُجُوهِ الْحَقِّ. وَفِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْأَمْرَ الدِّينُ.
الثَّانِي : أَنَّهُ السُّنَّةُ.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ الْفَرَائِضُ.
الرَّابِعُ : النِّيَّةُ.
وَهَذِهِ كَلِمَةٌ أَرْسَلَهَا مَنْ لَمْ يَتَفَطَّنْ لِلْحَقَائِقِ، وَالْأَمْرُ يَرِدُ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَيَيْنِ :
أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى الشَّأْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ﴾. وَالثَّانِي أَنَّهُ أَحَدُ أَقْسَامِ الْكَلَامِ الَّذِي يُقَابِلُهُ النَّهْيُ، وَكِلَاهُمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا هَاهُنَا، وَتَقْدِيرُهُ ثُمَّ جَعَلْنَاك عَلَى طَرِيقَةٍ من الدِّينِ، وَهِيَ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ من الْمُشْرِكِينَ ﴾.
وَلَا خِلَافَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُغَايِرْ بَيْنَ الشَّرَائِعِ فِي التَّوْحِيدِ وَالْمَكَارِمِ وَالْمَصَالِحِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنَهَا فِي الْفُرُوعِ بِحَسْبِ مَا عَلِمَهُ سُبْحَانَهُ.
المسألة الثَّالِثَةُ : ظَنَّ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شَرْعَ من قَبْلِنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَفْرَدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِشَرِيعَةٍ ؛ وَلَا نُنْكِرُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَّتَهُ مُنْفَرِدَانِ بِشَرِيعَةٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ من شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ وَالْعِظَةِ، هَلْ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ أَمْ لَا ؟ وَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِ ذَلِكَ، لِمَا بَيَّنَّاهُ من الْأَدِلَّةِ وَقَدَّمْنَاهَا هُنَا وَفِي مَوْضِعِهِ من الْبَيَانِ.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : قَوْلُهُ :﴿ اجْتَرَحُوا ﴾ مَعْنَاهُ افْتَعَلُوا من الْجُرْحِ ؛ وَضَرَبَ تَأْثِيرَ الْجُرْحِ فِي الْبَدَنِ كَتَأْثِيرِ السَّيِّئَاتِ فِي الدِّينِ مَثَلًا، وَهُوَ من بَدِيعِ الْأَمْثَالِ.
المسألة الثَّانِيَةُ : قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾ فَإِنَّهَا عَلَى مَسَاقِهَا ؛ فَلَا وَجْهَ لِإِعَادَتِهَا.