تفسير سورة الفتح

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الفتح
مدنية عددها تسع وعشرون آية كوفي

﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ ﴾ يوم الحديبية ﴿ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ [آية: ١] وذلك أن الله تعالى أنزل بمكة على نبيه صلى الله عليه وسلم:﴿ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾[الأحقاف: ٩]، ففرح كفار مكة بذلك، وقالوا: واللات والعزى وما أمره وأمرنا عند إلهه الذي يعبده إلا واحد ولولا أنه ابتدع هذا الأمر من تلقاء نفسه لكان ربه الذي بعثه يخبره بما يفعل به، وبمن اتبعه كما فعل بسليمان بن داود، وبعيسى ابن مريم والحواريين، وكيف أخبرهم بمصيرهم؟ فأما محمد فلا علم له بما يفعل به، ولا بنا إن هذا لهو الضلال، فشق على المسلمين نزول هذه الآية، فقال أبو بكر، وعمر، رضي الله عنهما، للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تخبرنا ما الله فاعل بك؟ فقال:" ما أحدث الله إلى أمر بعد "، فلما قدم المدينة، قال عبدالله بن أبي رأس المنافقين: كيف تتعبون رجلاً لا يدري ما يفعل الله به، ولا بمن تبعه؟ وضحكوامن المؤمنين، وعلم الله ما في قلوب المؤمنين من الحزن، وعلم فرح المشركين من أهل مكة، وفرح المنافقين من أهل المدينة، فأنزل الله تعالى بالمدينة بعدما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ ﴾ يعني قضينا لك ﴿ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ يعني قضاء بيناً، يعني الإسلام.
﴿ لِّيَغْفِرَ ﴾ يعني لكي يغفر ﴿ لَكَ ٱللَّهُ ﴾ الإسلام ﴿ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ ﴾ يعني ما كان في الجاهلية ﴿ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ يعني وبعد النبوة ﴿ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ﴾ [آية: ٢] يعني ديناً مستقيماً.
﴿ وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ ﴾ يقول: ولكي ينصرك الله بالإسلام على عدوك ﴿ نَصْراً عَزِيزاً ﴾ [آية: ٣] يعني منيعاً فلا تذل الذى قضى الله له: المغفرة والغنيمة والإسلام والنصر فنسخت هذه الآية، قوله:﴿ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ﴾[الأحقاف: ٩] فأخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما يفعل به، فنزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع عبدالله بن أبي رأس المنافقين بنزول هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله قد غفر له ذنبه، وأنه يفتح له على عدوه، ويهديه صراطاً مستقيماً، وينصره نصراً عزيزاً، قال لأصحابه: يزعم محمد أن الله قد غفر له ذنبه، وينصره على عدوه، هيهات هيهات لقد بقي له من العدو أكثر وأكثر فأين فارس والروم، وهم أكثر عدواً وأشد بأساً وأعز عزيزاً؟ ولن يظهر عليهم محمد، أيطن محمد أنهم مثل هذه العصابة التي قد نزل بين أظهرهم، وقد غلبهم بكذبه وأباطيله، وقد جعل لنفسه مخرجاً، ولا علم له بما يفعل به، ولا بمن تبعه، إن هذا لهو الخلاف المبين. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم علىأصحابه، فقال:" " لقد نزلت عليّ آية لهى أحب إليَّ مما بين السماء والأرض "، فقرأ عليهم: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِّيَغْفِرَاللهُ لَكَ ﴾ "إلى آخر الآية، فقال أصحابه: هنيئاً مريئاً، يا رسول الله، قد علمنا الآن ما لك عند الله، وما يفعل بك، فما لنا عند الله، وما يفعل بنا فنزلت في سورة الأحزاب:﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً ﴾[الأحزاب: ٤٧].
﴿ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ يعني الطمأنينة ﴿ لِيَزْدَادُوۤاْ ﴾ يعني لكي يزدادوا ﴿ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ يعني تصديقاً مع تصديقهم الذي أمرهم الله به في كتابه فيقروا أن يكتبوا باسمك اللهم، ويقروا بأن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله، وذلك" أنه لم نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية بعثت قريش منهم سهيل بن عمرو القرشي، وحويطب بن عبد العزى، ومكرز بن حفص بن الأحنف على أن يعرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك، على أن تخلي قريش له مكة من العام المقبل ثلاثة أيام، ففعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكتبوا بينهم وبينه كتاباً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي بن أبي طالب، عليه السلام: " اكتب بيننا كتاباً: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم "، فقال سهيل بن عمرو وأصحابه: ما نعرف هذا، ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم. فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألا يقروا بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، عليه السلام: " اكتب ما يقولون "، فكتب باسمك اللهم. ثم قال: " اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة "، فقال سهيل بن عمرو وأصحابه: لقد ظلمناك إن علمنا أنك رسول الله، ونمنعك ونردك عن بيته، ولا نكتب هذا، ولكن اكتب الذى نعرف: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله أهل مكة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا علي، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله، وأنا أشهد أني رسول الله، وأنا محمد بن عبدالله "، فهم المسلمون ألا يقروا أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله، فأنزل الله السكينة، يعني الطمأنية عليهم. فذلك قوله: ﴿ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾، أن يقروا لقريش حتى يكتبوا باسمك اللهم، إلى آخر القصة، وأنزل في قول أهل مكة لا نعرف أنك رسول الله ولو علمنا ذلك لقد ظلمناك حين نمنعك عن بيته﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً ﴾[الفتح: ٢٨] أن محمداً رسول الله، فلا شاهد أفضل منه.﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ [آية: ٤] عليماً بخلقه، حكيماً في أمره.
﴿ لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ﴾ يعني لكي يدخل المؤمنين والمؤمنات بالإسلام ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾ من تحت البساتين ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ لا يموتون ﴿ وَ ﴾ لكي ﴿ وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ يعني يمحو عنهم ذنوبهم ﴿ وَكَانَ ذَلِكَ ﴾ الخير ﴿ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [آية: ٥] فأخبر الله تعالى نبيه بما يفعل بالمؤمنين، فانطلق عبدالله بن أبي رأس المنافقين في نفر معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ما لنا عند الله؟ فنزلت ﴿ بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ يعني وجيعاً.
﴿ وَيُعَذِّبَ ﴾ يعني ولكي يعذب ﴿ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ ﴾ من أهل المدينة عبدالله بن أبي، وأصحابه ﴿ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ﴾ يعني من أهل مكة ﴿ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ ﴾ وكان ظنهم حين قالوا: واللات والعزى ما نحن وهو عند الله إلا بمنزلة واحدة، وأن محمداً لا ينصر فبئس ما ظنوا. يقول الله: ﴿ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً ﴾ [آية: ٦] يعني: وبئس المصير، وأنزل الله تعالى في قول عبدالله بن أبي حين قال: فأين فارس والروم؟
﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ يعني الملائكة ﴿ وَٱلأَرْضِ ﴾ يعني المؤمنين، فهؤلا ء أكثر من فارس والروم ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً ﴾ في ملكه ﴿ حَكِيماً ﴾ [آية: ٧] في أمره، فحكم النصر للنبي صلى الله عليه وسلم وأنزل في قول عبدالله بن أبي﴿ كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ ﴾أى محمد صلى الله عليه وسلم وحده﴿ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾[المجادلة: ٢١] يقول: أقوى وأعز من أهل فارس والروم لقول عبدالله بن أبي هم أشد بأساً وأعز عزيزاً.
﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ ﴾ يا محمد إلى هذه الأمة ﴿ شَاهِداً ﴾ عليها بالرسالة ﴿ وَ ﴾ أرسلناك ﴿ وَمُبَشِّراً ﴾ بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة ﴿ وَنَذِيراً ﴾ [آية: ٨] من النار.
﴿ لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ﴾ يعني لتصدقوا بالله أنه واحد لا شريك له ﴿ وَرَسُولِهِ ﴾ محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ وَتُعَزِّرُوهُ ﴾ يعني تنصروه وتعاونوه على أمره كله ﴿ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ يعني وتعظموا النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [آية: ٩] يعني وتصلوا لله بالغداة والعشي، وتعزروه مثل قوله في الأعراف:﴿ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ ﴾ولما قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم: " إنا نخشى ألا يفي المشركون بشرطهم فعند ذلك تبايعوا على أن يقاتلوا، ولا يفروا يقول: الله رضي عنهم أبيعتهم.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ ﴾ يوم الحديبية تحت الشجرة في الحرم، وهي بيعة الرضوان، كان المسلمون يومئذ ألفاً وأربع مائة رجل، فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقاتلوا ولا يفروا من العدو، فقال: ﴿ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ ﴾ بالوفاء لهم بما وعدهم من الخير ﴿ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ حين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نبايعك على ألا نفر ونقاتل فاعرف لنا ذلك ﴿ فَمَن نَّكَثَ ﴾ بالبيعة ﴿ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ ٱللَّهَ ﴾ من البيعة ﴿ فَسَيُؤْتِيهِ ﴾ في الآخرة ﴿ أَجْراً ﴾ يعني جزاء ﴿ عَظِيماً ﴾ [آية: ١٠] يعني في الجنة نصيباً وافراً.
﴿ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ ﴾ مخافة القتال وهم مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع ﴿ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا ﴾ في التخلف وكانت منازلهم بين مكة والمدينة ﴿ فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ﴾ يعني يتكلمون بألسنتهم ﴿ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ من أمر الاستغفار لا يبالون استغفر لهم النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ﴿ قُلْ ﴾ لهم يا محمد: ﴿ فَمَن يَمْلِكُ ﴾ يعني فمن يقدر ﴿ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً ﴾ نظيرها في الأحزاب ﴿ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً ﴾ يعني الهزيمة ﴿ أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً ﴾ يعني الفتح والنصر، يعني حين يقول: فمن يملك دفع الضر عنكم، أو منع النفع غير الله، بل الله يملك ذلك كله. ثم استأنف ﴿ بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ﴾ [آية: ١١] في تخلفكم وقولكم إن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه كلفوا شيئاً لا يطيقونه، ولا يرجعون أبداً، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بهم فاستنفرهم، فقال بعضهم لبعض: إن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكلة رأس لأهل مكة لا يرجع هو وأصحابه أبداً فأين تذهبون؟ أتقتلون أنفسكم؟ انتظروا حتى تنظروا ما يكون من أمره، فأنزل الله عز وجل لقولهم له قالوا: ﴿ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا ﴾.
﴿ بَلْ ﴾ منعكم من السير أنكم ﴿ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ ﴾ يقول: أن لن يرجع الرسول ﴿ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾ من الحديبية ﴿ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ ﴾ فبئس ما ظنوا ظن السوء حين زين لهم في قلوبهم وأيأسهم أن محمداً وأصحابه لا يرجعون أبداً. نظيرها في الأحزاب:﴿ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ ﴾[الأحزاب: ١٠]، يعني الإياسة من النصير، فقال الله تعالى﴿ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً ﴾[آية: ١٢] يعني هلكى بلغة عمان، مثل قوله:﴿ وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ ﴾[إبراهيم: ٢٨]، أي دار الهلاك، ومثل قوله:﴿ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ﴾[فاطر: ٢٩] لن تهلك.
﴿ وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ ﴾ يعني بصدق بتوحيد الله ﴿ وَرَسُولِهِ ﴾ محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا ﴾ في الآخرة ﴿ لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً ﴾ [آية: ١٣] يعني وقوداً، فعظم نفسه وأخبر أنه غني عن عباده.
فقال: ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً ﴾ لذنوب المؤمنين ﴿ رَّحِيماً ﴾ [آية: ١٤] بهم.
﴿ سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ ﴾ عن الحديبية مخافة القتل ﴿ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ﴾ يعني غنائم خيبر ﴿ ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ﴾ إلى خيبر، وكان الله تعالى وعد نبيه صلى الله عليه وسلم بالحديبية أن يفتح عليه خيبر، ونهاه عن أن يسير معه أحد من المتخلفين، فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية يريد خيبر، قال المخلفون: ذرونا نتبعكم فنصيب معكم من الغنائم، فقال الله تعالى: ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ ﴾ يعني أن يغيروا كلام الله الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ألا يسير معه أحد منهم ﴿ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ ﴾ يعني هكذا ﴿ قَالَ ٱللَّهُ ﴾ بالحديبية ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ خيبر أن لا تتبعونا ﴿ فَسَيَقُولُونَ ﴾ للمؤمنين إن الله لم ينهكم ﴿ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ﴾ بل منعكم الحسد أن نصيب معكم الغنائم. ثم قال: ﴿ بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ النهي من الله ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [آية: ١٥] منهم.
ثم قال: ﴿ قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ ﴾ عن الحديبية مخافة القتل ﴿ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾ يعني أهل اليمامة يعني بني حنيفة، مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفي وقومه، دعاهم أبو بكر، رضي الله عنه، إلى قتال أهل اليمامة، يعني هؤلاء الأحياء الخمسة جهينة، ومزينة، وأشجع، وغفار، وأسلم ﴿ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ ﴾ أبا بكر إذا دعاكم إلى قتالهم ﴿ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً ﴾ في الآخرة، يعني جزاء كريماً في الجنة ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ ﴾ يعني تعرضوا عن قتال أهل اليمامة ﴿ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ ﴾ يعني كما أعرضتم ﴿ مِّن قَبْلُ ﴾ عن قتال الكفار يوم الحديبية ﴿ يُعَذِّبْكُمْ ﴾ الله في الآخرة ﴿ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [آية: ١٦] يعني وجيعاً. حدثنا عبدالله، قال: حدثني أبي، عن الهذيل، قال: قال مقاتل: خلافة أبي بكر، رضي الله عنه، في هذه الآية مؤكدة.
ثم عذر أهل الزمانة، فقال: ﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ في تخلفهم عن الحديبية، يقول: من تخلف عن الحديبية من هؤلاء المعذورين، فمن شاء منهم أن يسير معكم فليسر ﴿ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ في الغزو ﴿ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ ﴾ يعني يعرض عن طاعتهما في التخلف من غير عذر ﴿ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [آية: ١٧] يعني وجيعاً.
﴿ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ ﴾ بالحديبية يقول: رضي ببيعتهم إياك ﴿ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ من الكراهية للبيعة على أن يقاتلوا ولا يفروا في أمر البيعة ﴿ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ ﴾ يعني وأعطاهم ﴿ فَتْحاً قَرِيباً ﴾ [آية: ١٨] يعني مغانم كثيرة.
﴿ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً ﴾ يعني منيعاً ﴿ حَكِيماً ﴾ [آية: ١٩] في أمره فحكم على أهل خيبر القتل والسبي.
ثم قال: ﴿ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا ﴾ مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده إلى يوم القيامة ﴿ فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ ﴾ يعني غنيمة خيبر ﴿ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ ﴾ يعني حلفاء أهل خيبر أسد، وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر، وذلك أن مالك بن عوف النضري، وعيينة بن حصن الفزاري، ومن معهما من أسد وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر، فقذف الله في قلوبهم الرعب، فانصرفوا عنهم، فذلك قوله: ﴿ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ ﴾ يعني أسد وغطفان.﴿ وَلِتَكُونَ ﴾ يعني ولكي تكون هزيمتهم من غير قتال ﴿ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً ﴾ [آية: ٢٠] يعني تزدادون بالإسلام تصديقاً مما ترون من عدة الله في القرآن من الفتح والغنيمة كما قال نظيرها في المدثر:﴿ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِيمَاناً ﴾[المدثر: ٣١]، يعني تصديقاً بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به في خزنة جهنم.
قوله: ﴿ وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا ﴾ يعني قوى فارس والروم وغيرها ﴿ قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ ﴾ علمه ﴿ بِهَا ﴾ أن يفتحها على أيدي المؤمنين ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ من القرى ﴿ قَدِيراً ﴾ [آية: ٢١] على فتحها.
قال: ﴿ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ﴾ منهزمين ﴿ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ﴾ [آية: ٢٢] يعني ولا مانعاً يمنعهم من الهزيمة.
يقول كذلك كان ﴿ سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ﴾ كفار مكة حين هزموا ببدر فهؤلاء بمنزلتهم ﴿ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً ﴾ [آية: ٢٣] يعني تحويلاً.
ثم قال: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم ﴾ يعني كفار مكة يوم الحديبية ﴿ بِبَطْنِ مَكَّةَ ﴾ يوم الحديبية، يعني ببطن أرض مكة كلها والحرم كله مكة ﴿ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ﴾ وقد كانوا خرجوا يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم فهزمهم النبي صلى الله عليه وسلم بالطعن والنبل حتى أدخلتهم بيوت مكة ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً ﴾ [آية: ٢٤].
ثم قال: ﴿ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ يعني كفار مكة ﴿ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ﴾ أن تطوفوا به ﴿ وَ ﴾ صدوا ﴿ وَٱلْهَدْيَ ﴾ في عمرتكم يوم الحديبية ﴿ مَعْكُوفاً ﴾ يعني محبوساً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في عمرته مائة بدنة، ويقال: ستين بدنة، فمنعوه ﴿ أَن يَبْلُغَ ﴾ الهدي ﴿ مَحِلَّهُ ﴾ يعني منحره. ثم قال: ﴿ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ ﴾ أنهم مؤمنون ﴿ أَن تَطَئُوهُمْ ﴾ بالقتل بغير علم تعلمونه منهم ﴿ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ يعني فينالكم من قتلهم عنت فيها تقديم، لأدخلكم من عامكم هذا مكة ﴿ لِّيُدْخِلَ ﴾ لكي يدخل ﴿ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ ﴾ منهم عياش بن أبي ربيعة، وأبو جندل بن سهيل بن عمرو، والوليد بن المغيرة، وسلمة بن هشام بن المغيرة، كلهم من قريش، وعبد الله بن أسد الثقفي. يقول: ﴿ لَوْ تَزَيَّلُواْ ﴾ يقول: لو اعتزل المؤمنون الذين بمكة من كفارهم ﴿ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ ﴾ يعني كفار مكة ﴿ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ [آية: ٢٥] يعني وجيعاً، وهو القتل بالسيف.
قوله: ﴿ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة ﴿ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ﴾ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم عام الحديبية في ذي القعدة معتمراً، ومعه الهدي، فقال كفار مكة: قتل آباءنا وإخواننا، ثم أتانا يدخل علينا في منازلنا ونساءنا، وتقول العرب: إنه دخل على رغم آنافنا، والله لا يدخلها أبداً علينا، فتلك الحمية التي في قلوبهم.﴿ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ ﴾ يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ ﴾ يعني كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله ﴿ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا ﴾ من كفار مكة ﴿ وَ ﴾ كانوا ﴿ وَأَهْلَهَا ﴾ في علم الله عز وجل ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾ [آية: ٢٦] بأنهم كانوا أهل التوحيد في علم الله عز وجل.
قوله: ﴿ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ ﴾ وذلك أن الله عز وجل أرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه وأصحابه حلقوا وقصروا، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا أنهم داخلوه في عامهم ذلك، وقالوا: إن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق، فردهم الله عز وجل عن دخول المسجد الحرام إلى غنيمة خيبر، فقال المنافقون عبدالله بن أبي، وعبد الله بن رسل، ورفاعة بن التابوه: والله، ما حلقنا ولا قصرنا، ولا رأينا المسجد الحرام، فأنزل الله تعالى: ﴿ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ ﴾.
﴿ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ ﴾ يعني العام المقبل ﴿ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ يستثنى على نفسه مثل قوله: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ ويكون ذلك تأديباً للمؤمنين ألا يتركوا الاستثناء، في رد المشيئة إلى الله تعالى ﴿ آمِنِينَ ﴾ من العدو ﴿ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ﴾ من أشعاركم ﴿ لاَ تَخَافُونَ ﴾ عدوكم ﴿ فَعَلِمَ ﴾ الله أنه يفتح عليهم خيبر قبل ذلك فعلم ﴿ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ ﴾ فذلك قوله: ﴿ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ ﴾ يعني قبل ذلك الحلق والتقصير ﴿ فَتْحاً قَرِيباً ﴾ [آية: ٢٧] يعني غنيمة خيبر وفتحها، فلما كان في العام المقبل بعدما رجع من خيبر أدخله الله هو وأصحابه المسجد الحرام، فأقاموا بمكة ثلاثة أيام فحلقوا وقصروا تصديق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ ﴾ محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ بِٱلْهُدَىٰ ﴾ من الضلالة ﴿ وَدِينِ ٱلْحَقِّ ﴾ يعني دين الإسلام لأن كل دين باطل غير الإسلام ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ ﴾ يعني على ملة أهل الأديان كلها، ففعل الله ذلك به حتى قتلوا وأقروا بالخراج، وظهر الإسلام على أهل كل دين﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾[الصف: ٩] يعني العرب. ثم قال: ﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً ﴾ [آية: ٢٨] فلا شاهد أفضل من الله تعالى بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، فلما كتبوا الكتاب يوم الحديبية، وكان كتبه علي بن أبي طالب، عليه السلام، فقال سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى: لا نعرف أنك رسول الله، ولو عرفنا ذلك لقد ظلمناك إذا حين نمنعك عن دخول بيته، فلما أنكروا أنه رسول الله، أنزل الله تعالى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ ﴾ من الضلال ﴿ وَدِينِ ٱلْحَقِّ ﴾ إلى آخر السورة.
ثم قال تعالى للذين أنكروا أنه رسول الله: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ ﴾ من المؤمنين ﴿ أَشِدَّآءُ ﴾ يعني غلظاء ﴿ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ﴾ يقول: متوادين بعضهم لبعض ﴿ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ﴾ يقول: إذا رأيتهم تعرف أنهم أهل ركوع وسجود في الصلوات ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلاً ﴾ يعني رزقاً ﴿ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً ﴾ يعني يطلبون رضي ربهم ﴿ سِيمَاهُمْ ﴾ يعني علامتهم ﴿ فِي وُجُوهِهِمْ ﴾ الهدى والسمت الحسن ﴿ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ﴾ يعني من أثر الصلاة ﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ ﴾ يقول: ذلك الذي ذكر من نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة. ثم ذكر نعتهم في الإنجيل، فقال: ﴿ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ﴾ يعني الحلقة وهو النبت الواحد في أول ما يخرج ﴿ فَآزَرَهُ ﴾ يعني فأغانه أصحابه، يعني الوابلة التي تنبت حول الساق فآزره كما آزر الحلقة والوابلة بعضه بعضاً، فأما شطأه، فهو محمد صلى الله عليه وسلم خرج وحده كما خرج النبت وحده، وأما الوابلة التي تنبت حول الشطأه، فاجتمعت فهم المؤمنون كانوا في قلة كما كان أول الزرع دقيقاً، ثم زاد نبت الرزع فغلظ فآزره ﴿ فَٱسْتَغْلَظَ ﴾ كما آزر المؤمنون بعضهم بعضاً حتى إذا استغلظوا واستووا على أمرهم كما استغلظ هذا الزرع.﴿ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ ﴾ فكما يعجب الزراع حسن زرعه حين استوى قائماً على سوقه، فكذلك يغيظ الكفار كثرة المؤمنين واجتماعهم. ثم قال: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يعني صدقوا ﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ من الأعمال ﴿ مِنْهُم مَّغْفِرَةً ﴾ لذنوبهم ﴿ وَأَجْراً عَظِيماً ﴾ [آية: ٢٩] يعني به الجنة. حدثنا عبدالله، قال: حدثني أبي، قال: قال الهذيل، عن محمد بن إسحاق: قال: المعرة الدية، ويقال: الشين.
Icon