٢ أي ما لبثت وما تعلقت بشيء..
٣ آية ٩ سورة الأحقاف..
ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الفتح (٤٨): آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١)اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْفَتْحِ مَا هُوَ؟ فَفِي الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ" إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً" قَالَ: الْحُدَيْبِيَةُ. وَقَالَ جَابِرٌ: مَا كُنَّا نَعُدُّ فَتْحَ مَكَّةَ إِلَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ «٢»: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا نُعَدُّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةٍ «٣»، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:" إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً" بِغَيْرِ قِتَالٍ. وَكَانَ الصُّلْحُ مِنَ الْفَتْحِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مَنْحَرُهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلْقِهِ رَأْسَهُ. وَقَالَ: كَانَ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ آيَةً عَظِيمَةً، نُزِحَ مَاؤُهَا فَمَجَّ فِيهَا فَدَرَّتْ بِالْمَاءِ حَتَّى شَرِبَ جَمِيعُ مَنْ كَانَ مَعَهُ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: قَالَ رَجُلٌ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِمْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ: مَا هَذَا بِفَتْحٍ، لَقَدْ صَدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] بَلْ هُوَ أَعْظَمُ الْفُتُوحِ قَدْ رَضِيَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَدْفَعُوكُمْ عن بلادهم بالراح ويسألكم الْقَضِيَّةَ وَيَرْغَبُوا إِلَيْكُمْ فِي الْأَمَانِ وَقَدْ رَأَوْا مِنْكُمْ مَا كَرِهُوا [. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى" إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً" قَالَ: هُوَ فَتْحُ الْحُدَيْبِيَةِ، لَقَدْ أَصَابَ بِهَا مَا لَمْ يُصِبْ فِي غَزْوَةٍ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَبُويِعَ بيعة الرضوان،
(٢). في تفسير الطبري:" البراء". [..... ]
(٣). في تفسير الطبري:" خمس مائة".
، لِأَنَّ اسْمَ الْفَتْحِ لَا يَقَعُ مُطْلَقًا إِلَّا عَلَى مَا فُتِحَ عَنْوَةً. هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الِاسْمِ. وَقَدْ يُقَالُ: فُتِحَ الْبَلَدُ صُلْحًا، فَلَا يُفْهَمُ الصُّلْحُ إِلَّا بِأَنْ يُقْرَنَ بِالْفَتْحِ، فَصَارَ الْفَتْحُ فِي الصُّلْحِ مَجَازًا. وَالْأَخْبَارُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَقَدْ مَضَى القول فيها «٧»، ويأتي.
[سورة الفتح (٤٨): الآيات ٢ الى ٣]
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣)
(٢). آية ٢٠ من هذه السورة.
(٣). في ك: يهرعون.
(٤). الإيجاف: سرعة السير.
(٥). كراع الغميم: موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة.
(٦). أي فتحت بالقتال، قوتل أهلها حتى غلبوا عليها.
(٧). راجع ج ٨ ص ٢
(٢). راجع ج ١ ص ٣٠٨ طبعه ثانية أو ثالثة.
" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: بِالنُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةِ. وَقِيلَ: بِفَتْحِ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَخَيْبَرَ. وَقِيلَ: بِخُضُوعِ مَنِ اسْتَكْبَرَ وَطَاعَةِ مَنْ تَجَبَّرَ." وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً" أَيْ يُثَبِّتُكَ عَلَى الْهُدَى إِلَى أَنْ يَقْبِضَكَ إِلَيْهِ." وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً" أَيْ غَالِبًا مَنِيعًا لَا يتبعه ذل.
[سورة الفتح (٤٨): آية ٤]
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤)
[سورة الفتح (٤٨): آية ٥]
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥)
أَيْ أَنْزَلَ السَّكِينَةَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا. ثُمَّ تِلْكَ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ إِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ. وَقِيلَ: اللَّامُ فِي" لِيُدْخِلَ" يَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ:" لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ"." وَكانَ ذلِكَ" أي ذلك الوعد من دخول مكة وغفران الذنوب." عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً" أي نجاة من كل غم، وظفرا بكل مطلوب. وَقِيلَ: لَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ" لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ" قَالُوا: هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَاذَا لَنَا؟ فَنَزَلَ" لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ" وَلَمَّا قَرَأَ" وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ" قَالُوا: هَنِيئًا لَكَ، فَنَزَلَتْ" وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي" «٣» [المائدة: ٣] فَلَمَّا قَرَأَ" وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً" نَزَلَ فِي حق الامة" وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً" «٤» [الفتح: ٢]. ولما قال" وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً" [الفتح: ٣] نزل" كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
(٢). راجع ج ٤ ص (٢٨٠)
(٣). آية ٣ سورة المائدة. [..... ]
(٤). آية ٢٠ من هذه السورة.
[سورة الفتح (٤٨): الآيات ٦ الى ٧]
وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ" أَيْ بِإِيصَالِ الْهُمُومِ إِلَيْهِمْ بِسَبَبِ عُلُوِّ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِأَنْ يُسَلِّطَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَتْلًا وَأَسْرًا وَاسْتِرْقَاقًا." الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ" يَعْنِي ظَنَّهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا أَحَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ حِينَ خَرَجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَسْتَأْصِلُونَهُمْ. كَمَا قَالَ:" بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً" [الفتح: ١٢]. وَقَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ:" السَّوْءِ" هُنَا الْفَسَادُ." عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ" فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْأَسْرِ، وَفِي الْآخِرَةِ جَهَنَّمُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو" دائِرَةُ السَّوْءِ" بِالضَّمِّ. وَفَتَحَ الْبَاقُونَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: سَاءَهُ يَسُوءُهُ سَوْءًا (بِالْفَتْحِ) وَمَسَاءَةً وَمَسَايَةً، نقيض سره، والاسم السوء (بالضم). وقرى" عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السُّوءِ" يَعْنِي الْهَزِيمَةَ وَالشَّرَّ. وَمَنْ فَتَحَ فَهُوَ مِنَ الْمَسَاءَةِ." وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً. وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً" تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ جَمِيعُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقِيلَ: لَمَّا جَرَى صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ: أَيَظُنُّ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ إِذَا صَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ أَوْ فَتَحَهَا لَا يَبْقَى لَهُ عَدُوٌّ، فَأَيْنَ فَارِسُ وَالرُّومُ! فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أن جنود السموات وَالْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ فَارِسَ وَالرُّومِ. وَقِيلَ: يَدْخُلُ فيه
(٢). آية ٥٦ سورة الأحزاب.
(٣). آية ٤٣ سورة الأحزاب.
[سورة الفتح (٤٨): الآيات ٨ الى ٩]
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً" قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى أُمَّتِكَ بِالْبَلَاغِ. وَقِيلَ: شَاهِدًا عَلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ. وَقِيلَ: مُبَيِّنًا لَهُمْ مَا أَرْسَلْنَاكَ بِهِ إِلَيْهِمْ. وَقِيلَ: شَاهِدًا عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَهُوَ شَاهِدُ أَفْعَالِهِمُ الْيَوْمَ، وَالشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ مَضَى فِي" النِّسَاءِ" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «١» هَذَا الْمَعْنَى مُبَيَّنًا." وَمُبَشِّراً" لِمَنْ أَطَاعَهُ بِالْجَنَّةِ." وَنَذِيراً" مِنَ النَّارِ لِمَنْ عَصَى، قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ. وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" اشْتِقَاقُ الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ وَمَعْنَاهُمَا «٢». وَانْتَصَبَ" شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" عَلَى الْحَالِ الْمُقَدَّرَةِ. حَكَى سِيبَوَيْهِ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ مَعَهُ صَقْرٌ صَائِدًا بِهِ غَدًا، فَالْمَعْنَى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ مُقَدِّرِينَ بِشَهَادَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَعَلَى هَذَا تَقُولُ: رَأَيْتُ عَمْرًا قَائِمًا غَدًا." لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ" قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو عَمْرٍو" لِيُؤْمِنُوا" بِالْيَاءِ، وَكَذَلِكَ" يُعَزِّرُوهُ وَيُوَقِّرُوهُ وَيُسَبِّحُوهُ" كُلُّهُ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ لِذِكْرِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهِ، فَأَمَّا قَبْلُهُ فَقَوْلُهُ" لِيُدْخِلَ" وَأَمَّا بَعْدُهُ فَقَوْلُهُ" إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ" [الفتح: ١٠] الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ." وَتُعَزِّرُوهُ" أَيْ تُعَظِّمُوهُ وَتُفَخِّمُوهُ، قَالَهُ الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ. والتعزير: التَّعْظِيمُ وَالتَّوْقِيرُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: تَنْصُرُوهُ وَتَمْنَعُوا مِنْهُ. وَمِنْهُ التَّعْزِيرُ فِي الْحَدِّ. لِأَنَّهُ مَانِعٌ. قَالَ القطامي:
(٢). راجع ج ١ ص ١٨٤، ٢٣٨ طبعه ثانية أو ثالثة.
أَلَا بَكَرَتْ مَيٌّ بِغَيْرِ سَفَاهَةٍ | تُعَاتِبُ وَالْمَوْدُودُ يَنْفَعُهُ الْعَزْرُ |
لَعَمْرِي لَأَنْتَ الْبَيْتُ أُكْرِمُ أَهْلَهُ | وَأَجْلِسُ فِي أفيائه بالاصائل «٢» |
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ" بِالْحُدَيْبِيَةِ يَا مُحَمَّدُ." إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ" بَيَّنَ أَنَّ بَيْعَتَهُمْ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هِيَ بَيْعَةُ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ" «٣» [النساء: ٨٠]. وَهَذِهِ الْمُبَايَعَةُ هِيَ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى." يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ" قِيلَ: يَدُهُ فِي الثَّوَابِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فِي الْوَفَاءِ، وَيَدُهُ فِي الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فِي الطَّاعَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ نِعْمَةُ اللَّهِ عليهم فوق ما صنعوا
(٢). البيت لابي ذؤيب.
(٣). آية ٨٠ سورة النساء.
[سورة الفتح (٤٨): آية ١١]
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ" قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي أَعْرَابَ غِفَارٍ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَسْلَمَ وَأَشْجَعَ وَالدِّيلِ، وَهُمُ الْأَعْرَابُ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَ الْمَدِينَةِ، تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَادَ السَّفَرَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ اسْتَنْفَرَهُمْ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ حَذَرًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ، لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ حَرْبًا فَتَثَاقَلُوا عَنْهُ وَاعْتَلُّوا بِالشُّغْلِ، فَنَزَلَتْ. وَإِنَّمَا قَالَ:" الْمُخَلَّفُونَ" لِأَنَّ اللَّهَ خَلَّفَهُمْ عَنْ صُحْبَةِ نَبِيِّهِ. وَالْمُخَلَّفُ المتروك. وقد مضى في" براءة" «١»." شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا" أَيْ لَيْسَ لَنَا مَنْ يَقُومُ بِهِمَا." فَاسْتَغْفِرْ لَنا" جَاءُوا يَطْلُبُونَ الِاسْتِغْفَارَ وَاعْتِقَادُهُمْ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِمْ، فَفَضَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:" يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ" وَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ الْمَحْضُ." قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا" قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" ضُرًّا" بِضَمِّ الضَّادِ هُنَا فَقَطْ، أَيْ أَمْرًا يَضُرُّكُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الهزيمة.
[سورة الفتح (٤٨): آية ١٢]
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً" وذلك أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ «١» رَأْسٍ لَا يَرْجِعُونَ." وَزُيِّنَ ذلِكَ" أَيِ النِّفَاقُ." فِي قُلُوبِكُمْ" وَهَذَا التَّزْيِينُ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَوْ يَخْلُقُ اللَّهُ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ." وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ" أَنَّ اللَّهَ لَا يَنْصُرُ رَسُولَهُ." وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً" أَيْ هَلْكَى، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فَاسِدِينَ لَا يَصْلُحُونَ لِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْبُورُ: الرَّجُلُ الْفَاسِدُ الْهَالِكُ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ:
يَا رَسُولَ الْمَلِيكِ إِنَّ لِسَانِي | رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ إِذْ أَنَا بُورُ |
لَا يَنْفَعُ الطُّولُ مِنْ نُوكِ الرِّجَالِ وَقَدْ | يَهْدِي الْإِلَهُ سَبِيلَ الْمَعْشَرِ الْبُورِ «٢» |
(٢). ورد هذا البيت في الأصول محرفا.
[سورة الفتح (٤٨): آية ١٣]
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣)وَعِيدٌ لَهُمْ، وَبَيَانٌ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بالنفاق.
[سورة الفتح (٤٨): آية ١٤]
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤)
أَيْ هُوَ غَنِيٌّ عَنْ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا ابْتَلَاهُمْ بِالتَّكْلِيفِ لِيُثِيبَ مَنْ آمَنَ وَيُعَاقِبَ مَنْ كَفَرَ وعصى.
[سورة الفتح (٤٨): آية ١٥]
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها" يَعْنِي مَغَانِمَ خَيْبَرَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ فَتْحَ خَيْبَرَ، وَأَنَّهَا لَهُمْ خَاصَّةً مَنْ غَابَ مِنْهُمْ وَمَنْ حَضَرَ. وَلَمْ يَغِبْ مِنْهُمْ عَنْهَا غَيْرُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الْمُتَوَلِّي لِلْقِسْمَةِ بِخَيْبَرَ جَبَّارَ بْنَ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، كَانَا حَاسِبَيْنِ قَاسِمَيْنِ." ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ" أَيْ دَعُونَا. تَقُولُ: ذَرْهُ، أَيْ دَعْهُ. وَهُوَ يَذَرُهُ، أَيْ يَدَعُهُ. وَأَصْلُهُ وَذِرَهُ يَذَرُهُ مِثَالُ وَسِعَهُ يَسَعُهُ. وَقَدْ أُمِيتَ صَدْرُهُ «١»، لَا يُقَالُ: وَذَرَهُ وَلَا وَاذِرَ، وَلَكِنْ تَرَكَهُ وَهُوَ تَارِكٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: تَخَلَّفُوا عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واخذ قوما
(٢). آية ١٤٤ سورة الأعراف.
(٣). راجع ج ٨ ص ١٤٩]]
قوله تعالى :" كذلكم قال الله من قبل " أي من قبل رجوعنا من الحديبية إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية خاصة. " فسيقولون بل تحسدوننا " أن نصيب معكم من الغنائم. وقيل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ إن خرجتم لم أمنعكم إلا أنه لا سهم لكم ]. فقالوا : هذا حسد. فقال المسلمون : قد أخبرنا الله في الحديبية بما سيقولونه وهو قوله تعالى :" فسيقولون بل تحسدوننا " فقال الله تعالى :" بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا " يعني لا يعلمون إلا أمر الدنيا. وقيل : لا يفقهون من أمر الدين إلا قليلا، وهو ترك القتال.
٢ آية ٨٣ سورة التوبة..
٣ آية ١٤٤ سورة الأعراف..
٤ راجع ج ٨ ص ١٤٩..
[سورة الفتح (٤٨): آية ١٦]
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦)فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ" أَيْ قُلْ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْحُدَيْبِيَةِ." سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: هُمْ فَارِسُ. وَقَالَ كَعْبٌ وَالْحَسَنُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: الرُّومُ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: فَارِسُ وَالرُّومُ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: هَوَازِنُ وَثَقِيفٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هَوَازِنُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ يَوْمَ حُنَيْنٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمُقَاتِلٌ: بَنُو حَنِيفَةَ أَهْلُ الْيَمَامَةِ أَصْحَابُ مُسَيْلِمَةَ. وَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ فِيمَا مَضَى" سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ" فَلَا نَعْلَمُ مَنْ هُمْ حَتَّى دَعَانَا أَبُو بَكْرٍ إِلَى قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ هُمْ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ تَأْتِ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدُ. وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَرُدُّهُ. الثَّانِيَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَعُمَرَ دَعَاهُمْ إِلَى قِتَالِ فَارِسَ وَالرُّومِ. وَأَمَّا قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ إِنَّ ذَلِكَ فِي هَوَازِنَ وَغَطَفَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَا، لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي لَهُمُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّهُ قَالَ" لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا" «١» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّاعِي غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَدْعُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ فَالْمَعْنَى لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا مَا دُمْتُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَرَضِ الْقُلُوبِ وَالِاضْطِرَابِ فِي الدِّينِ.
فَقُلْتُ لَهُ لَا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّمَا | نُحَاوِلُ مُلْكًا أَوْ نَمُوتُ فَنُعْذَرَا «٢» |
[سورة الفتح (٤٨): آية ١٧]
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتْ" وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً" قَالَ أَهْلُ الزَّمَانَةِ: كَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتْ" لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ" أَيْ لَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ لِعَمَاهُمْ وَزَمَانَتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ. وَقَدْ مَضَى فِي" بَرَاءَةٌ" وَغَيْرِهَا الْكَلَامُ فِيهِ مُبَيَّنًا «٣». وَالْعَرَجُ: آفَةٌ تَعْرِضُ لِرِجْلٍ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُؤَثِّرًا فَخَلَلُ الرِّجْلَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُؤَثِّرَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمْ أهل الزمانة
(٢). البيت لامرئ القيس.
(٣). راجع ج ٨ ص ٢٢٦ وج ١٢ ص ٣١٢
[سورة الفتح (٤٨): الآيات ١٨ الى ١٩]
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ" هَذِهِ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، وَكَانَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَهَذَا خَبَرُ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى اخْتِصَارٍ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي شَوَّالٍ، وَخَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مُعْتَمِرًا، وَاسْتَنْفَرَ الْأَعْرَابَ الَّذِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ فَأَبْطَأَ عَنْهُ أَكْثَرُهُمْ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَجَمِيعُهُمْ نَحْوُ أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ. وَقِيلَ: أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا، عَلَى مَا يَأْتِي. وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ، فَأَحْرَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ لِحَرْبٍ، فَلَمَّا بَلَغَ خُرُوجَهُ قُرَيْشًا خَرَجَ جَمْعُهُمْ صَادِّينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ، وَإِنَّهُ إِنْ قَاتَلَهُمْ قَاتَلُوهُ دُونَ ذَلِكَ، وَقَدَّمُوا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي خَيْلٍ إِلَى (كُرَاعِ الْغَمِيمِ) «١» فَوَرَدَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ (بِعُسْفَانَ) «٢» وَكَانَ الْمُخْبِرُ لَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيُّ، فَسَلَكَ طَرِيقًا يَخْرُجُ بِهِ فِي ظُهُورِهِمْ، وَخَرَجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ، وَكَانَ دَلِيلُهُ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ خَيْلَ قُرَيْشٍ الَّتِي مَعَ خالد، جرت إلى قريش تعلمهم بذلك،
(٢). عسفان (بضم أوله وسكون ثانيه): منهلة من مناهل الطريق بين الحجفة ومكة. وقيل: على مرحلتين من مكة على طريق المدينة. (معجم البلدان).
حَتَّى كَفَى جَمِيعَ الْجَيْشِ. وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي نَزَلَ بِالسَّهْمِ فِي الْقَلِيبِ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْأَسْلَمِيُّ وَهُوَ سَائِقُ بُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمئِذٍ. وَقِيلَ: نَزَلَ بِالسَّهْمِ فِي الْقَلِيبِ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، ثُمَّ جَرَتِ السُّفَرَاءُ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَطَالَ التَّرَاجُعُ وَالتَّنَازُعُ إِلَى أن جاءه سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الْعَامِرِيُّ، فَقَاضَاهُ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَامَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ مِنْ قَابِلٍ أَتَى مُعْتَمِرًا وَدَخَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، حَاشَا السُّيُوفِ فِي قُرُبِهَا فَيُقِيمُ بِهَا ثَلَاثًا وَيَخْرُجُ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحٌ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ، يَتَدَاخَلُ فِيهَا النَّاسُ وَيَأْمَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَعَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ رُدَّ إِلَى الْكُفَّارِ، وَمَنْ جَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْكُفَّارِ مُرْتَدًّا لَمْ يَرُدُّوهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِيهِ كَلَامٌ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّهُ سَيَجْعَلُ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ.] اصْبِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ هَذَا الصُّلْحَ سَبَبًا إِلَى ظُهُورِ دِينِهِ [فَأَنِسَ النَّاسُ إِلَى قَوْلِهِ هَذَا بَعْدَ نِفَارٍ مِنْهُمْ، وَأَبَى سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِ صَحِيفَةِ الصُّلْحِ: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَالُوا لَهُ: لَوْ صَدَّقْنَاكَ بِذَلِكَ مَا دَفَعْنَاكَ عَمَّا تُرِيدُ! فَلَا بُدَّ أَنْ تَكْتُبَ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَالَ لِعَلِيٍّ وَكَانَ يَكْتُبُ صَحِيفَةَ الصُّلْحِ:] امْحُ يَا عَلِيُّ، وَاكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ [فَأَبَى عَلِيٌّ أَنْ يَمْحُوَ بِيَدِهِ" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ". فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] اعْرِضْهُ عَلَيَّ [فَأَشَارَ إِلَيْهِ فَمَحَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَأَمَرَهُ أن
(٢). خلات الناقة: حزنت وبركت من غير علة.
(٣). الرواء: الكثير.
(٢). زيادة عن مسلم. [..... ]
(٣). قوله:" أما باسم الله... " أي فنحن ندريه. وأما البسملة التي تذكرها بتمامها فما ندريها.
[سورة الفتح (٤٨): آية ٢٠]
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ. إِنَّهَا الْمَغَانِمُ الَّتِي تَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ مَغَانِمُ خَيْبَرَ." فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ" أَيْ خَيْبَرَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجَّلَ لَكُمْ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةِ." وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ" يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، كَفَّهُمْ عَنْكُمْ بِالصُّلْحِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَفَّ أَيْدِي الْيَهُودِ عَنِ الْمَدِينَةِ بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ وَخَيْبَرَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ، لِأَنَّ كَفَّ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ بِالْحُدَيْبِيَةِ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ" وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ" «١» [الفتح: ٢٤]. وقال ابن
[سورة الفتح (٤٨): آية ٢١]
وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأُخْرى "" أُخْرَى" مَعْطُوفَةٌ عَلَى" هذِهِ"، أَيْ فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ الْمَغَانِمَ وَمَغَانِمَ أُخْرَى." لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْفُتُوحُ الَّتِي فُتِحَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَأَرْضِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَجَمِيعِ مَا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالضَّحَّاكِ وَابْنِ زَيْدٍ وَابْنِ إِسْحَاقَ: هِيَ خَيْبَرُ، وَعَدَهَا اللَّهُ نَبِيَّهُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَحَهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَرْجُونَهَا حَتَّى أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ بِهَا. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا وَقَتَادَةَ: هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حُنَيْنٌ، لِأَنَّهُ قَالَ" لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها". وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ مُحَاوَلَةٍ لَهَا وَفَوَاتِ دَرْكِ الْمَطْلُوبِ فِي الْحَالِ كَمَا كَانَ فِي مَكَّةَ، قَالَهُ الْقُشَيْرِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ مَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمَعْنَى" قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها" أَيْ أَعَدَّهَا لَكُمْ، فَهِيَ كَالشَّيْءِ الَّذِي قَدْ أُحِيطَ بِهِ مِنْ جَوَانِبِهِ، فَهُوَ مَحْصُورٌ لَا يَفُوتُ، فَأَنْتُمْ وَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا فِي الْحَالِ فَهِيَ مَحْبُوسَةٌ عَلَيْكُمْ لَا تَفُوتُكُمْ. وَقِيلَ:" أَحاطَ اللَّهُ بِها" عَلِمَ أَنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ، كَمَا قَالَ" وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً" «١» [الطلاق: ١٢]. وَقِيلَ: حَفِظَهَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ. لِيَكُونَ فَتْحُهَا لَكُمْ." وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً".
[سورة الفتح (٤٨): الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٢٣)قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ" قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي الْحُدَيْبِيَةِ. وَقِيلَ:" وَلَوْ قاتَلَكُمُ" غَطَفَانُ وَأَسَدٌ وَالَّذِينَ أَرَادُوا نُصْرَةَ أَهْلِ خَيْبَرَ، لَكَانَتِ الدَّائِرَةُ عَلَيْهِمْ." ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ" يعني طريقة الله وعادته السَّالِفَةُ نَصْرُ أَوْلِيَائِهِ عَلَى أَعْدَائِهِ. وَانْتَصَبَ" سُنَّةَ"
عَلَى الْمَصْدَرِ. وَقِيلَ:" سُنَّةَ اللَّهِ" أَيْ كَسُنَّةِ اللَّهِ. وَالسُّنَّةُ الطَّرِيقَةُ وَالسِّيرَةُ. قَالَ:
فَلَا تَجْزَعَنَّ مِنْ سِيرَةٍ أَنْتَ سِرْتَهَا | فَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا «١» |
[سورة الفتح (٤٨): آية ٢٤]
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ" وَهِيَ الْحُدَيْبِيَةُ." مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ" رَوَى يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ جَبَلِ التَّنْعِيمِ «٢» مُتَسَلِّحِينَ يُرِيدُونَ غِرَّةَ «٣» النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، فَأَخَذْنَاهُمْ «٤» سِلْمًا
(٢). التنعيم: موضع بمكة في الحل، وهو بين مكة وسرف.
(٣). الغرة (بالكسر): الغفلة، أي يريدون أن يصادفوا منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أصحابه غفلة من التأهب لهم.
(٤). رواية مسلم:" فأخذهم سلما فاستحياهم". وقوله" سلما" قال ابن الأثير:" يروي بكسر السين وفتحها، وهما لغتان في الصلح، وهو المراد في الحديث على ما فسره الحميدي في غريبه. وقال الخطابي: إنه السلم، بفتح السين واللام، يريد الاستسلام والإذعان.... وهذا هو الأشبه بالقضية، فإنهم لم يؤخذوا عن صلح وإنما أخذوا قهرا وأسلموا أنفسهم عجزا... ".
(٢). راجع ج ١٢ ص ٣٣
فلا تجزعن من سيرةٍ أنتَ سرتَها | فأولُ راضٍ سُنَّةً من يسيرُها١ |
٢ الغرة (بالكسر): الغفلة، أي يريدون أن يصادفوا منه صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه غفلة من التأهب لهم..
٣ رواية مسلم:" فأخذهم سلما فاستحياهم". وقوله "سلما" قال ابن الأثير:" يروى بكسر السين وفتحه، وهما لغتان في الصلح، وهو المراد في الحديث على ما فسره الحميدي في غريبه. وقال الخطابي: إنه السلم، بفتح السين واللام، يريد الاستسلام والإذعان...... وهذا هو الأشبه بالقضية، فإنهم لم يؤخذوا عن صلح وإنما أخذوا قهرا وأسلموا أنفسهم عجزا...".
٤ الظفر(بالضم): طرف القوس..
٥ راجع ج ١٢ ص ٣٣..
[سورة الفتح (٤٨): آية ٢٥]
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥)قَوْلُهُ تَعَالَى:" هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ". فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا" يَعْنِي قُرَيْشًا، مَنَعُوكُمْ دُخُولَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أَحْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَصْحَابِهِ بِعُمْرَةٍ، وَمَنَعُوا الْهَدْي وَحَبَسُوهُ عَنْ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ. وَهَذَا كَانُوا لَا يَعْتَقِدُونَهُ، وَلَكِنَّهُ حَمَلَتْهُمُ الْأَنَفَةُ وَدَعَتْهُمْ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى أَنْ يَفْعَلُوا مَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ دِينًا، فَوَبَّخَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَدْخَلَ الْأُنْسَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيَانِهِ وَوَعْدِهِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً" أَيْ مَحْبُوسًا. وَقِيلَ مَوْقُوفًا «١». وَقَالَ أَبُو عمرو ابن الْعَلَاءِ: مَجْمُوعًا. الْجَوْهَرِيُّ: عَكْفُهُ أَيْ حَبْسُهُ وَوَقْفُهُ، يَعْكِفُهُ وَيَعْكُفُهُ عَكْفًا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً"، يُقَالُ: مَا عَكَفَكَ عَنْ كَذَا. وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ." أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ" أَيْ مَنْحَرَهُ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْحَرَمُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الْمُحْصَرُ مَحِلُّ هَدْيِهِ الْحَرَمُ. وَالْمَحِلُّ (بِكَسْرِ الْحَاءِ): غَايَةُ الشَّيْءِ. (وَبِالْفَتْحِ): هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَحِلُّهُ النَّاسُ. وَكَانَ الْهَدْيُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَلَكِنَّ اللَّهَ بِفَضْلِهِ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَهُ مَحِلًّا. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي" الْبَقَرَةِ" عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى" فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ" «٢» وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عن جابر
(٢). راجع ج ٢ ص ٣٧١ طبعه ثانية.
(٢). ج ٢ ص ٣٧٨. [..... ]
(٢). آية ١٨ سورة النمل.] [
[سورة الفتح (٤٨): آية ٢٦]
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦)
الْعَامِلُ فِي" إِذْ" قَوْلُهُ تَعَالَى:" لَعَذَّبْنَا" أَيْ لَعَذَّبْنَاهُمْ إِذْ جَعَلُوا هَذَا. أَوْ فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ وَاذْكُرُوا." الْحَمِيَّةَ" فَعِيلَةُ وَهِيَ الْأَنَفَةُ. يُقَالُ: حَمِيتُ عَنْ كَذَا حَمِيَّةً (بِالتَّشْدِيدِ) وَمَحْمِيَّةً إِذَا أَنِفْتَ مِنْهُ وَدَاخَلَكَ عَارٌ وَأَنَفَةٌ أَنْ تَفْعَلَهُ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
أَلَا إِنَّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِي عِرْضُهُمْ | كَذِي الْأَنْفِ يَحْمِي أَنْفَهُ أَنْ يُكَشَّمَا «١» |
[سورة الفتح (٤٨): آية ٢٧]
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧)
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، فَلَمَّا صَالَحَ قُرَيْشًا بِالْحُدَيْبِيَةِ ارْتَابَ الْمُنَافِقُونَ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(٢). آية ٢٧٨ سورة البقرة.
[سورة الفتح (٤٨): آية ٢٨]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٢٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ" يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ" أَيْ يُعْلِيهِ عَلَى كُلِّ الْأَدْيَانِ. فَالدِّينُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ،
[سورة الفتح (٤٨): آية ٢٩]
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩)
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"" مُحَمَّدٌ" مُبْتَدَأٌ وَ" رَسُولُ" خَبَرُهُ. وَقِيلَ:" مُحَمَّدٌ" ابْتِدَاءٌ وَ" رَسُولُ اللَّهِ" نَعْتُهُ." وَالَّذِينَ مَعَهُ" عَطْفٌ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، وَالْخَبَرُ فِيمَا بَعْدَهُ، فَلَا يُوقَفُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى" رَسُولُ اللَّهِ". وَعَلَى الْأَوَّلِ يُوقَفُ عَلَى" رَسُولُ اللَّهِ"، لِأَنَّ صِفَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَزِيدُ عَلَى مَا وَصَفَ به أصحابه، فيكون" محمد" ابتداء و" رَسُولُ اللَّهِ" الخبر" وَالَّذِينَ مَعَهُ" ابتداء ثان. و" أَشِدَّاءُ" خبره و" رُحَماءُ" خَبَرٌ ثَانٍ. وَكَوْنُ الصِّفَاتِ فِي جُمْلَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْأَشْبَهُ. قال ابن عباس: أهل الحديبية أشداء على الكفار، أي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته. وقيل: المراد ب" الَّذِينَ مَعَهُ" جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ." رُحَماءُ بَيْنَهُمْ" أَيْ يَرْحَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وَقِيلَ:
أَخْرَجَ الشَّطْءُ عَلَى وَجْهِ الثَّرَى | وَمِنَ الْأَشْجَارِ أَفْنَانُ الثَّمَرْ |
بِمَحْنِيَةٍ «١» قَدْ آزَرَ الضَّالَّ نَبْتُهَا | مَجَرَّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيَّبِ |
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تُكَلَّمِ «٣»
أَرَادَ مِنْ نَاحِيَةِ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٌ، أَمْ مِنْ مَنَازِلِهَا دِمْنَةٌ. وَقَالَ الْآخَرُ:
أَخُو رَغَائِبَ يُعْطِيهَا وَيَسْأَلُهَا | يَأْبَى الظُّلَامَةَ مِنْهُ النَّوْفَلُ الزَّفَرُ «٤» |
(٢). آية ٨٢ سورة الاسراء.
(٣). الدمنة: آثار الناس وما سودوا بالرماد. لم تكلم: لم تبين، والعرب تقول لكل ما بين من أثر وغيره: تكلم، أي ميز، فصار بمنزلة المتكلم.
(٤). البيت لأعشى باهلة.
[الحشر: ٨]، ثم قال عز من قائل:" وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ- إِلَى قَوْلِهِ- فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" «٣» [الحشر: ٩]. وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ عِلْمِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِحَالِهِمْ وَمَآلِ أَمْرِهِمْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ [وَقَالَ:] لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا لَمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهُمْ وَلَا نَصِيفَهُ [خَرَّجَهُمَا الْبُخَارِيُّ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:] فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مَا فِي الْأَرْضِ لَمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ [. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ لَمْ يُدْرِكْ مُدَّ أَحَدِهُمْ إِذَا تَصَدَّقَ بِهِ وَلَا نِصْفَ الْمُدِّ، فَالنَّصِيفُ هُوَ النِّصْفُ هُنَا. وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْعُشْرِ عَشِيرٌ، وَلِلْخُمُسِ خَمِيسٌ، وَلِلتُّسُعِ تَسِيعٌ، وَلِلثُّمُنِ ثَمِينٌ، وَلِلسُّبُعِ سَبِيعٌ، وَلِلسُّدُسِ سَدِيسٌ، وَلِلرُّبُعِ رَبِيعٌ. وَلَمْ تَقُلِ الْعَرَبُ لِلثُّلُثِ ثَلِيثٌ. وَفِي الْبَزَّارِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا صَحِيحًا:] إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَاخْتَارَ لِي مِنْ أَصْحَابِي أَرْبَعَةً- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا- فَجَعَلَهُمْ أَصْحَابِي [. وَقَالَ:] فِي أَصْحَابِي كُلِّهِمْ خَيْرٌ [. وَرَوَى عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابِي فَجَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَخْتَانًا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة
(٢). آية ٨ سورة الحشر.
(٣). آية ٩ سورة الحشر.
(٢). زيادة عن كتاب تاريخ بغداد في ترجمة عمر بن حبيب.
(٣). زيادة عن كتاب تاريخ بغداد في ترجمة عمر بن حبيب.
(٤). زيادة عن كتاب تاريخ بغداد في ترجمة عمر بن حبيب.