تفسير سورة التكوير

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة التكوير من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
سورة التكوير مكية، وآيها تسع وعشرون.

﴿إِذَا الشمس كُوّرَتْ﴾ أي لُفَّتْ من كَوَّرتَ العمامةَ إذا لففتَها على أَنَّ المرادَ بذلكَ إمَّا رفعُها وإزالتُها منْ مقرِّها فإنَّ الثوبَ إذا أُريدَ رفعُهُ يُلفُّ لفاً ويُطْوى ونحُوه قولُه تعَالَى يَوْمَ نَطْوِى السماء وأما لف صوئها المنبسطِ في الآفاقِ المُنتشرِ في الأقطارِ على أنَّه عبارةٌ عنْ إزالتها والذهابِ بها بحكمِ استلزامِ زوالِ اللازم لنزوال الملزومِ أو ألقيتْ عن فلكها كَما وُصفتِ النجومُ بالانكدارِ من طعنَهُ فكوَّرَهُ إذا ألقاهُ عَلى الأرضِ وعن أبي صالحِ كُورتْ نُكِّستْ وعن ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا تكويرُهُا إدخالُها في العرشِ ومدارُ التركيبِ على الإدارةِ والجمعِ وارتفاعُ الشمسِ على أنَّه فاعلٌ لفعلٍ مضمرٍ يُفسِّرُه المذكورُ وعندَ البعضِ عَلى الابتداءِ
﴿وَإِذَا النجوم انكدرت﴾ أي انقضَّتْ وَقيلَ تناثرتْ وَتساقطتْ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لا يَبْقَى يومئذٍ نجمٌ إلا سقطَ في الأرضِ وعنْهُ رضيَ الله عنْهُ أنَّ النُّجومَ قناديلُ معلقةٌ بينَ السماءِ والأرضِ بسلاسلَ منْ نورٍ بأيدي ملائكةٍ من نورٍ فإذَا ماتَ من فى السموات ومن في الأرضِ تساقطتْ من أيديهم وقيلَ انكدارُها انطماسُ نُورِها ويُروَى أنَّ الشمسَ والنجومَ تُطرحُ في جهنَم ليراهَا مَنْ عبدَها كما قالَ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ
﴿وَإِذَا الجبال سُيّرَتْ﴾ أيْ عنْ أماكنِها بالرجفة الحاصلةِ لافي الجوِّ فإنَّ ذلكَ بعدَ النفخة الثانية
114
سورة التكوير (٤ ٩)
115
وَإِذَا العشار جمعُ عُشَراءَ وهيَ الناقةُ التي أتى على حملِها عشرةُ أشهرٍ وهو اسمُها إلى أنْ تضعَ لتمامِ السنةِ وهي أنفسُ ما يكونُ عندَ أهلِها وأعزُّها عليهمْ
عُطّلَتْ تُرِكتْ مهملةً لاشتغالِ أهلِها بأنفسِهم وقيلَ العشارُ السحائبُ فإنَّ العربَ تُشبهها بالحامل ومنهُ قولُه تعالىَ فالحاملات وِقْراً وتعطيلُها عدمُ إمطارِها وقُرِىءَ عُطِلَتْ بالتخفيفِ
وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ أي جُمعتْ من كلِّ جانبٍ وقيلَ بُعثتْ للقصاصِ قالَ قتادةُ يُحشرُ كلُّ شيءٍ حتَّى الذبابُ للقصاصِ فإذَا قُضِيَ بينَها رُدَّتْ تُراباً فلا يَبقْى منها إلا مافيه سرورٌ لبني آدمَ وإعجابٌ بصورته كالطاوس ونحوِه وقُرِىءَ حُشِّرَتْ بالتشديدِ
وَإِذَا البحار سُجّرَتْ أي أحميت أو ملئت يتفجير بعضِها إلى بعضٍ حتَّى تعودَ بحراً واحداً مِنْ سجرَ التنورَ إذا ملأَهُ بالحطبِ ليحميَهُ وقيلَ مُلئتْ نيرانا تضطرم لتعذيب أهلِ النارِ وعن الحسنِ يذهبُ ماؤُها حتَّى لا يبقى فيها قطرةٌ وقرىء سجرت بالتخفيف
إذا النفوس زُوّجَتْ أي قُرِنتْ بأجسادها أو قُرِنتْ كلُّ نفسٍ بشكلِها أو بكتابِها أو بعملِها أو نفوسُ المؤمنينَ بالحُورِ ونفوسُ الكافرينَ بالشياطين
وإذا الموؤدة أي المدفونة حيةً وكانت العرب تئد البنات مخافة الإملاق أو لحوقِ العارِ بهم من أجلهنَّ قيلَ كان رجل منهُم إذَا وُلِدتْ له بنتٌ ألبسها جُبَّةً من صُوفٍ أو شَعَرٍ حَتَّى إذَا بلغتْ ستَّ سنينَ ذهبَ بها إلى الصحراءِ وقد حفرَ لها حُفرةً فيُلقيها فيهَا ويُهيلُ عليها الترابَ وقيلَ كانتِ الحاملُ إذا قربت حفرتْ حُفرةً فتمخضتْ على رأسِ الحُفرةِ فإذا ولدتْ بنتاً رمتْ بهَا وإنْ ولدتْ ابناً حبستْهُ
سُئِلَتْ
بِأَىّ ذَنبٍ قُتِلَتْ توجيهُ السؤالِ إليهَا لتسليتِها وإظهارِ كمالِ الغيظِ والسَّخطِ لوائدها وإسقاطِه عن درجةِ الخطابِ والمبالغةِ في تبكيتِه كما في قوله تعالى أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين وقُرىءَ سَأَلتْ أي خاصمتْ أو سألتِ الله تعالَى أو قاتِلَها وإنما قيلَ قُتلتْ لما أنَّ الكلامَ إخبارٌ عنها لا حكايةٌ لما خُوطبتْ بهِ حينَ سُئلتْ ليقالَ قُتِلْتِ على الخطابِ ولا حكايةٌ لكلامِها حينَ سَألتْ ليقالَ قُتِلْتُ على الحكايةِ عن نفِسها وقد قرىء كذلك بالتشديد أيضاً وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه سُئِلَ عن أطفالِ المشركينَ فقال لا يعذبون
115
سورة التكوير (١٠ ١٤) واحتجَّ بهذهِ الآيةِ
116
وَإِذَا الصحف نُشِرَتْ أيْ صحفُ الأعمالِ فإنَّها تُطوى عندَ الموتِ وتنشرُ عند الحساب عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم أنَّه قالَ يُحشرُ النَّاسُ عُراةً حُفاةً فقالتْ أمُّ سلمةَ فكيفَ بالنساءِ فقالَ شُغلَ الناسُ يا أُمَّ سلمةَ قالتْ وما شغلَهُم قالَ نشرُ الصحفِ فيها مثاقيلُ الذرِّ ومثاقيلُ الخردلِ وقيلَ نُشرتْ أي فُرِّقتْ بينَ أصحابِها وعن مَرْثَدِ بنِ وَدَاعةَ إذَا كانَ يومُ القيامةِ تطايرتِ الصحفُ من تحتِ العرشِ فتقعُ صحيفةُ المؤمنِ في يدِه في جنةٍ عاليةٍ وتقعُ صحيفةُ الكافرِ في يده في سَمومٍ وحميمٍ أي مكتوبٌ فيها ذلكَ وهيَ صُحفٌ غيرُ صحفِ الأعمالِ
وَإِذَا السماء كُشِطَتْ قُطعتْ وأُزيلتْ كما يُكشطُ الإهابُ عن الذبيحةِ والغطاءُ عن الشيء المستور به وقرئ قُشطتْ واعتقابُ الكافِ والقافِ غيرُ عزيز كالكافُور والقافُورِ
وَإِذَا الجحيم سُعّرَتْ أي أوقدت إتقادا شديداً قيلَ سَعَّرهَا غضبُ الله عزوجل وخطايا بنى آدم وقرئ سُعِرَتْ بالتَّخفيفِ
وَإِذَا الجنة أُزْلِفَتْ أي قُرَّبتْ من المتقينَ كقولِه تعالى وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ قيلَ هذهِ اثنتا عشرةَ خصلةً ستٌّ منها في الدُّنيا أي فيمَا بينَ النفختينِ وهُنَّ من أول السورةِ إلى قوله تعالى وَإِذَا البحار سُجّرَتْ على أنَّ المرادَ بحشرِ الوحوشِ جمعُها من كل ناحية لأبعثها للقصاصِ وستٌّ في الآخرةِ أي بعدَ النفخةِ الثانيةِ وقوله تعالى
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ جوابُ إذَا على أنَّ المرادَ بها زمانٌ واحدٌ ممتدٌّ يسعَ ما في سباقها وسباقِ ما عُطفَ عليها من الخصالِ مبدؤُه النفخةُ الأُولى ومنتهاهُ فصلُ القضاءِ بينَ الخلائقِ لكنْ لا بمعْنى أنها تعلمُ ما تعلُم في كلُّ جزءٍ من أجزاءِ ذلكَ الوقتِ المديدِ أو عند وقوعِ داهيةٍ من تلكَ الدواهِي بلْ عند نشرِ الصحفِ إلا أنَّه لما كانَ بعضُ تلك الدَّواهِي من مباديهِ وبعضُها من روادفِه نُسبَ علمُها بذلكَ إلى زمان وقع كُلِّها تهويلاً للخطب وتفظيعاً للحال والمرادُ بمَا أَحضرتْ أعمالها من الخير والبشر وبحضورِها إما حضورُ صحائِفها كما يعربُ عنه نشرُها وإما حضورُ أنفسِها على ما قالُوا من أنَّ الأعمالَ الظاهرةَ في هذه النشأة بصورة عرضيةٍ تبرُز في النشأة الآخرة بصور جوهريةٍ مناسبةٍ له في الحسنِ والقُبحِ على كبفيات مخصومة وهيآت مُعينةٍ حتى إنَّ الذنوبَ والمعاصيَ تتجسم هناك وتتصورُ بصورةِ النَّارِ وعَلى ذلكَ حُمل قولُه تعالى وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين وقوله تعالى إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وكذا قولُه
116
سورة التكوير
آية (١٥) عليه الصلاة والسلام في حقِّ مَنْ يشربُ من آنيةِ الذهبِ والفضةِ إنما يُجرجِر في بطنِه نارَ جهنمَ ولا بُعدَ في ذلكَ ألا يُرى أن العلمَ يَظهر في عالمِ المثالِ على صورة البن كما لايخفى على مَنْ له خِبرةٌ بأحوالِ الحضَراتِ الخمس وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه يؤتى بالأعمال الصالحة على صورة حسنةٍ وبالأعمال السيئة على صورة قبيحة فتوضع النفوسِ أو لبعضِ منها للإيذانِ بأن ثبوتَهُ لجميعِ أفرادِها قاطبةً من الظهورِ والوضوحِ بحيثُ لا يكادُ يحومُ حولَهُ شائبةُ اشتباهٍ قطعاً يعرفُه كلُّ أحدٍ ولوجئ بعابرة تدلُّ على خلافِه وللرمزِ إى أنَّ تلكَ النفوسَ العالمةَ بما ذُكِرَ مع توفرِ أفرادِها وتكثرِ أعدادِها مما يُستقل بالنسبةِ إلى جناب الكبرياءِ الذي أشير إلى بعض بدائع شؤنه المنبئةِ عن عظمِ سُلطانِه واما قيلَ منْ أنَّ هذَا من قبيلِ عكسِ كلامِهم الذي يقصِدون به الإفراطَ فيما يُعكسُ عنْهُ وتمثيله بقولِه تعالى رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ وبقول منْ قالَ قَدْ أتركَ القِرْنَ مُصفرّاً أناملُهُ وبقولِ من قالَ حينَ سُئلَ عن عددِ فرسانِه رُبَّ فارسٍ عندِي وعندُه المقانبُ قاصداً بذلكَ التماديَ في تكثير فُرسانِه وإظهارَ براءتِه من التزيد وأنَّه ممَّن يقللُ كثيرَ مَا عندَهُ فضلاً أنْ يتزيدَ فمن لوائحِ النظرِ الجليلِ إلا أنَّ الكلامَ المعكوسَ عنْهُ فيما ذُكِرَ من الأمثلةِ مما يقبلُ الإفراطَ والتماديَ فيه فإنَّه في الأولِ كثيراً ما يودُّ وفي الثانِي كثيراً ما أتركُ وفي الثالث كثيرٌ من الفرسانِ وكلُّ واحدٍ من ذلكَ قابلٌ للإفراطِ والمبالغةِ فيهِ لعدمِ انحصارِ مراتبِ الكثرةِ وقدْ قُصدَ بعكسِه ما ذكر من التمادي في التكثير حسبما فضل أما قيما نحن فيه فالكلام الذي عكس عنه علمت كلُّ نفسٍ ما أحضرتْ كما صرَّحَ به القائلُ وليسَ فيه إمكانُ التكثيرِ حتَّى يُقصدَ بعكسِه المبالغةُ والتَّمادِي فيهِ وإنما الذي يمكنُ فيه من المبالغةِ ما ذكرناهُ فتأملْ ويجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ للإشعارِ بأنَّه إذا علمتْ حينئذٍ نفسٌ من النفوسِ ما أحضرتْ وجبَ على كلِّ نفسٍ إصلاحُ عملِها مخافةَ أنْ تكونَ هيَ تلكَ التي علمتْ ما أحضرتْ فكيفَ وكلُّ نفسٍ تعلمُه على طريقةِ قولِك لمن تنصحُه لعلكَ ستندمُ على ما فعلتَ ورُبَّما ندِم الإنسان على مافعل فإنك لا تقصدُ بذلكَ لاتقصد بذلكَ أنَّ ندمَهُ مرجوُّ الوجود لامتيقن بهِ أو نادرُ الوقوعِ بلْ تريدُ أنَّ العاقلَ يجبُ عليهِ أنْ يجتنبَ أمراً يُرجى فيهِ الندمُ أو قلَّماً يقعُ فيهِ فكيفَ بهِ إذَا كانَ قطعى الوجود كثير الوجود
117
فَلاَ أُقْسِمُ بالخنس أي الكواكبِ الرواجع مِنْ خَنَسَ إذا تأخر وهي ماعدا النيرينَ منَ الدَّرارِي الخمسةِ وهيَ بهرامُ وزُحَلُ وعُطَارِدُ والزُّهْرَةُ والمُشتَرى وُصفتْ بقولِه تعالى
117
سورة التكوير (١٦ ٢٢)
118
الجوار الكنس لأنها تَجْري مع الشمسِ والقمرِ وترجعُ حتى تخفي تحتَ ضوءِ الشمسِ فخنُوسها رجوعُها وكنوسُها اختفاؤُها تحتَ ضوئها من كنس الوحشى إذا دخلَ كُناسَهُ وهو البيتُ الذي يتخذهُ من أغصانِ الشجرِ وقيل هي جميعُ الكواكبِ تخنِسُ بالنهار فتغيبُ عنِ العُيونِ وتكنسُ بالليل أي تطلعُ في أماكنِها كالوحشِ في كُنُسِها
والليل إِذَا عَسْعَسَ أي أدبرَ ظلامُه أو أقبلَ فإِنَّه منَ الأضَّدادِ وكذلكَ سعسعَ قالَ الفراءُ أجمعَ المفسرونَ على أنَّ معنى عسعسَ أدبر عليه قولُ العَجَّاجِ] حَتَّى إِذَا الصبح لها تَنفَّسَا وَانجَابَ عنَها ليلُها وعَسْعَسَا وقيلَ هيَ لغةُ قريشٍ خاصَّة وقيلَ مَعْنى إقبالِ ظلامِه أوفقُ لقولِه تعالى
والصبح إِذَا تَنَفَّسَ لأنَّه أولُ النهارِ وقيل إدبارُه أقربُ من تنفسِ الصبحِ ومعناهُ أنَّ الصبحَ إذَا أقبلَ يقبلُ بإقبالِه رَوحٌ ونسيمٌ فجعلَ ذلكَ نفساً لَهُ مجازاً فقيلَ تنفَّسَ الصبحُ
أَنَّهُ أي القرآنَ الكريمَ الناطق بما ذكر من الدواهي الهائلة
لقوله رسول كريم وهو جبريلُ عليهِ السَّلامُ قالَه من جهةِ الله عزَّ وجلَّ
ذِى قُوَّةٍ شديدةٍ كقولِه تعالَى شَدِيدُ القوى وقيلَ المرادُ القوةُ في أداءِ طاعةِ الله تعالَى وتركِ الإخلالِ بَها من أولِ الخلقِ إلى آخرِ زمانِ التكليفِ
عِندَ ذِى العرش مَكِينٍ ذِي مكانةٍ رفيعةٍ عندَ الله تعالى عنديةَ إكراما وتشريف لاعندية مكانٍ
مطاع فيما بينَ ملائكتِه المقربينَ يصدرُون عن أمرِه ويرجعونَ إلى رأيه
ثَمَّ أَمِينٍ على الوَحْي وثمَّ ظرفٌ لما قبَلهُ وقيلَ لما بعدَهُ وقرىء ثُمَّ تعظيماً لوصفِ الأمانِةَ وتفضيلاً لها على سائرِ الأَوْصَافِ
وَمَا صاحبكم هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
بِمَجْنُونٍ كما تبهتُه الكفرةُ والتعرضُ لعنوانِ المصاحبةِ للتلويحِ بإحاطتِهم بتفاصيلِ أحوالِه عليه الصلاة والسلام خبرا علمهم بنزاهتِه عليه السَّلامُ عمَّا نسبُوه إليهِ بالكليةِ وقد استُدلَّ بهِ على فضلِ جبريلَ عليِه عليهما السَّلامُ للتباين البينِ بين وصفيهما وهو ضعيفٌ إذِ المقصودُ ردُّ قولِ الكفرةِ في حقِّه عليه الصَّلاةُ والسلام إنما يعلمه بشرٌ أفترى عَلَى الله كَذِباً أم بهِ جِنَّة لا تعدادُ فضائلها والموازنة
118
٨١ سورة التكوير (٢٣ ٢٩)
119
ولقد رآه أي وبالله لقد رأى رسولُ الله جبريلُ عليهما الصلاة والسلام
بلأفق المبين بمطلعِ الشمسِ الأَعْلى
وَمَا هُوَ أي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
عَلَى الغيب على ما يخبرُه من الوَحْي إليهِ وغيرِه من الغيوبِ
بِضَنِينٍ أي ببخيل بالوَحْي ولا يُقصِّرُ في التبليغ والتعليمِ وقُرِىءَ بظنينٍ أي بمتهمٍ من الظنة وهي التهمةُ
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شيطان رَّجِيمٍ أي قولِ بعضِ المُسترقةِ للسمعِ وهو نفيٌ لقولِهم إنَّه كهانةٌ وسحرٌ
فَأيْنَ تَذْهَبُونَ استضلالٌ لهم فيما يسلكونَهُ في أمرِ القرآنِ والفاءُ لترتيبِ ما بعدها على ما قبلها من ظهورِ أنَّه وحيٌ مبين وليس مما يقولونه في شيءٍ كما تقولُ لمن تركَ الجادَّةَ بعدَ ظهورِها هذا الطريقُ الواضحُ فأينَ تذهبُ
إِنْ هُوَ مَا هُو
إِلاَّ ذِكْرٌ للعالمين موعظة وتذكيرٌ لهم وقولُه تعالَى
لِمَن شَاء مِنكُمْ بدلٌ من العالمينَ بإعادةِ الجارِّ وقولُه تعالَى
أَن يَسْتَقِيمَ مفعولُ شاءَ أيْ لمَنْ شاء منكم الإستقامة يتحرى الحقِّ وملازمةِ الصوابِ وإبدالُه منَ العالمينَ لأنَّهم المنتفعونَ بالتذكير
وما تشاؤن أي الاستقامةَ مشيئةَ مستتبعةَ لها في وقتٍ من الأوقاتِ
إلا أن يشاء الله أي إلا وقتَ أنْ يشاءَ الله تعالَى تلكَ المشيئةَ أي المستتبِعة للاستقامةِ فإن مشيئتكم لا تستبعها بدون مشيئةِ الله تعالى لها
رَبّ العالمين مالكُ الخلقِ ومربيهم أجمعينَ عن رسول الله صلى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ التكويرِ أعاذَهُ الله أنْ يفضحَهُ حينَ تُنشرُ صحيفته
119
٨٢ سورة الإنفطار (١ ٥)

بسم الله الرحمن الرحيم

120
Icon