تفسير سورة القارعة

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة القارعة من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
هذه السورة مكية، وآياتها إحدى عشرة.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ القارعة ١ ما القارعة ٢ وما أدراك ما القارعة ٣ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث٤ وتكون الجبال كالعهن المنفوش ٥ فأما من ثقلت موازينه ٦ فهو في عيشة راضية ٧ وأما من خفت موازينه ٨ فأمه هاويه ٩ وما أدراك ما هية ١٠ نار حامية ﴾.
القارعة : من أسماء القيامة. وقد سميت بذلك ؛ لأنها تقرع الخلائق بأهوالها ونوازلها وفظائعها. ومن أقوال العرب في هذا الصدد : قرعتهم القارعة، وفقرتهم الفاقرة، إذا نزل بهم أمر شديد. لا جرم أن الساعة خبرها داهم ومذهل، وأنها تفجأ الخلائق بشدائدها الجسام، فتقرع فيهم الأسماع والأذهان والقلوب، فيقفون شاخصين واجمين مذعورين.
قوله :﴿ ما القارعة ﴾ استفهام على سبيل التفخيم لأمر الساعة وشأنها العظيم. يعني : أي شيء هي القارعة.
قوله :﴿ وما أدراك ما القارعة ﴾ يعني. وما أشعرك يا محمد أي شيء القارعة. ثم شرع في تبيان ذلك بقوله :﴿ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ﴾.
قوله :﴿ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ﴾ أي حال الناس يوم القيامة من الحيرة والذهول والتفرق والتشتت كالفراش المنتشر الذي يركب بعضه بعضا ؛ إذ يتطاير في كل وجه وأفق. وكذا الناس يوم القيامة يموج بعضهم في بعض عقب خروجهم من قبورهم منتشرين هائمين حائرين مفرقين.
قوله :﴿ وتكون الجبال كالعهن المنفوش ﴾ وهذه واحدة من فظائع الساعة تقع في هذا اليوم الرهيب، وهي صيرورة الجبال يومئذ ﴿ كالعهن المنفوش ﴾ وهو الصوف المنفوش باليد، أي إن الجبال تصير هباء متناثرا في طبقات الفضاء.
قوله :﴿ فأما من ثقلت موازينه ﴾ في هذا اليوم الحافل المشهود توضع الموازين القسط، فتستبين بذلك أعمال العباد، من خير وشر. وفي معنى الموازين قولان : أحدهما : أنه جمع موزون، وهو العمل الذي له وزن. وثانيهما : أنه جمع ميزان، وهو الذي توضع فيه صحائف الأعمال. والمقصود أن من رجحت حسناته على سيئاته.
قوله :﴿ فهو في عيشة راضية ﴾ أي يصار به إلى الجنة ليخلد فيها آمنا منعّما.
قوله :﴿ وأما من خفّت موازينه ﴾ أي من رجحت سيئاته على حسناته.
قوله :﴿ فأمه هاوية ﴾ أي فأمه التي يأوي إليها في المعاد هي هاوية. وهي اسم من أسماء النار. فقد شبّه الهاوية الحارقة المتوقدة بالأم التي تأخذ بابنها في حرص وإشفاق.
وكذا نار هاوية، فإنها تلقف وقودها من المجرمين الخاسرين بشغف وتشوّف. قال القرطبي : يعني جهنم. وسماها أمّا ؛ لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه. وقيل : لأنه يهوي فيها على أم رأسه.
قوله :﴿ وما أدراك ما هيه ﴾ الأصل : ما هي، وأدخلت الهاء للسكت. والاستفهام للتعظيم والتهويل، ثم فسر ذلك بقوله :﴿ نار حامية ﴾.
قوله :﴿ نار حامية ﴾ أي شديدة الحرارة١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٥٤٣ وتفسير الرازي جـ ٣٢ ص ٧٣ وفتح القدير جـ ٥ ص ٤١٦ والكشاف جـ ٤ ص ٢٨٠ وتفسير القرطبي جـ ٣٠ ص ١٦٧، ١٦٨..
Icon