تفسير سورة الحج

أحكام القرآن
تفسير سورة سورة الحج من كتاب أحكام القرآن .
لمؤلفه البيهقي . المتوفي سنة 458 هـ

(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» :
«وَاجِبُ «٢» مَنْ أَهْدَى نَافِلَةً: أَنْ يُطْعِمَ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ «٣» لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
(فَكُلُوا مِنْها، وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ: ٢٢- ٢٨) وَلِقَوْلِهِ «٤» عَزَّ وَجَلَّ:
(فَكُلُوا مِنْها «٥»، وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ: ٢٢- ٣٦). وَالْقَانِعُ «٦» هُوَ: السَّائِلُ وَالْمُعْتَرُّ هُوَ «٧» : الزَّائِرُ، وَالْمَارُّ بِلَا وَقْتٍ.»
(١) كَمَا فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٢٤٨). وَقد ذكر بِهَامِش الرسَالَة (ص ٢٤٠).
(٢) كَذَا بِالْأَصْلِ وَهُوَ صَحِيح قطعا. وفى اخْتِلَاف الحَدِيث: «أحب لمن» فَهَل هُوَ تَحْرِيف، أم قَول آخر للشافعى؟: الَّذِي نعرفه: أَن الْأَصْحَاب قد اخْتلفُوا فى نَافِلَة الْهدى وَالْأُضْحِيَّة (كَمَا فى الْمُهَذّب) : على وَجْهَيْن (ذكرهمَا صَاحب الْمِنْهَاج فى الْأُضْحِية خَاصَّة).
فَذهب ابْن سُرَيج وَابْن الْقَاص والإصطخرى وَابْن الْوَكِيل: إِلَى أَنه لَا يجب التَّصَدُّق بشىء بل: يجوز أكل الْجَمِيع. (وَنَقله ابْن الْقَاص عَن نَص الشَّافِعِي) : لِأَن الْمَقْصُود: إِرَاقَة الدَّم. وَذهب جُمْهُور الْأَصْحَاب: الى أَنه يجب التَّصَدُّق بشىء فَيحرم أكل الْجَمِيع: لِأَن الْمَقْصُود: إرفاق الْمَسَاكِين. وَلَعَلَّ نقل ابْن الْقَاص: لم يثبت عِنْد الْجُمْهُور أَو ثَبت: وَلَكنهُمْ رجحوا القَوْل الآخر، من جِهَة الدَّلِيل. هَذَا وصنيع بعض الْكَاتِبين-: كالجلال الْمحلى.-
شعر: أَنه لَا خلاف فى وجوب التَّصَدُّق بشىء: من الْهدى. انْظُر الْمَجْمُوع (ج ٨ ص ٤١٣ و٤١٦) وَشرح الْمِنْهَاج للمحلى (ج ٢ ص ١٤٦ وَج ٤ ص ٢٥٤).
(٣) كَذَا باخْتلَاف الحَدِيث وَهُوَ الْمُنَاسب. وفى الأَصْل: «وَالْفَقِير» وَلَعَلَّ الزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(٤) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «وَقَوله».
(٥) هَذِه الْجُمْلَة لَيست فى اخْتِلَاف الحَدِيث.
(٦) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «القانع». وَهَذَا التَّفْسِير، وَمَا سَيَأْتِي عَن مُخْتَصر البويطى- ذكر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٢٩٣). [.....]
(٧) هَذَا لَيْسَ فى اخْتِلَاف الحَدِيث.
86
«فَإِذَا أَطْعَمَ: مِنْ هَؤُلَاءِ، وَاحِدًا «١» -: كَانَ مِنْ الْمُطْعِمِينَ. وَأَحَبُّ «٢» إلَيَّ مَا أَكْثَرَ: أَنْ «٣» يُطْعِمَ ثُلُثًا، وَأَنْ «٤» يُهْدِيَ ثُلُثًا، وَيَدَّخِرَ ثُلُثًا:
يَهْبِطُ «٥» بِهِ حَيْثُ شَاءَ «٦»
«قَالَ: وَالضَّحَايَا: فِي هَذِهِ السَّبِيلِ «٧» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.».
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ: «وَالْقَانِعُ: الْفَقِيرُ وَالْمُعْتَرُّ: الزَّائِرُ وَقَدْ قِيلَ: الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِلْعَطِيَّةِ: مِنْهُمَا «٨».».
(١) فى الأَصْل: «وَاحِد» وَهُوَ خطأ وتحريف. والتصحيح من عبارَة اخْتِلَاف الحَدِيث، وهى: «وَاحِدًا أَو أَكثر، فَهُوَ».
(٢) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «فَأحب». وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٣) كَذَا باخْتلَاف الحَدِيث وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «وَأَن» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(٤) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «ويهدى» وَهُوَ أحسن.
(٥) فى اخْتِلَاف الحَدِيث: «ويهبط». وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٦) هَذَا: مذْهبه الْجَدِيد وَدَلِيله: ظَاهر الْآيَة الثَّانِيَة. وَالْمذهب الْقَدِيم: أَن يتَصَدَّق بِالنِّصْفِ، وَيَأْكُل النّصْف. وَدَلِيله: ظَاهر الْآيَة الأولى. انْظُر الْمَجْمُوع (ج ٨ ص ٤١٣ و٤١٥).
(٧) فى الأَصْل: «السبل» وَهُوَ تَحْرِيف. والتصحيح من عبارَة اخْتِلَاف الحَدِيث، وهى: «من هَذِه السَّبِيل». ولكى تفهم أصل الْكَلَام، وتتم الْفَائِدَة- يحسن: أَن تراجع الْكَلَام عَن ادخار لحم الْأُضْحِية فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ١٣٦- ١٣٧ و٢٤٦- ٢٤٧)، والرسالة وهامشها (ص ٢٣٥- ٢٤٢)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢٤٠ وَج ٩ ص ٢٩٠- ٢٩٣)، وَالْفَتْح (ج ١٠ ص ١٨- ٢٢)، وَالْمَجْمُوع (ج ٨ ص ٤١٨)، وَشرح مُسلم (ج ١٣ ص ١٢٨- ١٣٤)، وَشرح الْمُوَطَّأ (ج ٣ ص ٧٥- ٧٦).
(٨) فى السّنَن الْكُبْرَى: «مِنْهَا» وَهُوَ تَحْرِيف. وفى بعض نسخهَا: «يتَعَرَّض الْعَطِيَّة».
ولبعض أَئِمَّة الْفِقْه واللغة-: كَابْن عَبَّاس، وَعَطَاء، وَالْحسن، وَمُجاهد، وَابْن جُبَير.
وَالنَّخَعِيّ والخليل.- أَقْوَال فى ذَلِك كَثِيرَة مُخْتَلفَة بيد أَنَّهَا متفقة فى التَّفْرِقَة بَينهمَا.
فَرَاجعهَا: فى السّنَن الْكُبْرَى (ص ٢٩٣- ٢٩٤)، وَالْفَتْح (ج ٣ ص ٣٤٨)، وَالْمَجْمُوع (ص ٤١٣).
87
(أَنَا) أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ: «أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، نَا هِشَامٌ، عَنْ طَاوُوسٍ «١» - فِيمَا أَحْسَبُ «٢» - أَنَّهُ قَالَ: الْحِجْرُ «٣» مِنْ الْبَيْتِ «٤». وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ: ٢٢- ٢٩) وَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ «٥».».
قَالَ الشَّافِعِيُّ- فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ-: «سَمِعْتُ عَدَدًا- مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: مِنْ قُرَيْشٍ.- يَذْكُرُونَ: أَنَّهُ تُرِكَ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الْحِجْرِ، نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ «٦».».
وَقَالَ- فِي قَوْلِهِ: (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ:)
(١) فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٩٠) :«عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس».
(٢) فى الأَصْل: «أحسن» وَهُوَ تَحْرِيف من النَّاسِخ.
(٣) انْظُر الْمَجْمُوع (ج ٨ ص ٢٢- ٢٦) : فَفِيهِ فَوَائِد جمة.
(٤) قَالَ بعد ذَلِك- كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى-: «لِأَن رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) طَاف بِالْبَيْتِ من وَرَائه قَالَ الله تَعَالَى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).» وَقَالَ أَيْضا (كَمَا فى السّنَن الْكُبْرَى ج ٥ ص ١٥٦) :«من طَاف بِالْبَيْتِ فليطف وَرَاء الْحجر». [.....]
(٥) انْظُر فى الْأُم (ج ٢ ص ١٥٠- ١٥١) كَلَام الشَّافِعِي الْمُتَعَلّق بذلك: فَإِنَّهُ جيد مُفِيد.
(٦) قَالَ رَسُول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لعَائِشَة: «إِن قَوْمك- حِين بَنو الْبَيْت- قصرت بهم النَّفَقَة، فتركوا بعض الْبَيْت فى الْحجر. فاذهبى فصلى فى الْحجر رَكْعَتَيْنِ» انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ١٥٨) وَانْظُر فِيهَا (ج ٥ ص ٨٩) مَا روى عَن يزِيد بن رُومَان، وَانْظُر الْأُم (ج ٢ ص ١٥١).
قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» :«وَقَدْ تُسَمَّى جَوَارِحَ: لِأَنَّهَا تَجْرَحُ فَيَكُونُ اسْمًا:
لَازِمًا. وَأُحِلَّ «٢»
مَا أَمْسَكْنَ مُطْلَقًا «٣».».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٤» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«وَإِذَا «٥» كَانَتْ الضَّحَايَا، إنَّمَا هُوَ «٦» : دَمٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ «٧» فَخَيْرُ الدِّمَاءِ: أَحَبُّ إلَيَّ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ «٨» : ٢٢- ٣٢) -: اسْتِسْمَانُ الْهَدْيِ «٩» وَاسْتِحْسَانُهُ «١٠». وَسُئِلَ «١١» رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَيُّ الرِّقَابِ
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٢ ص ٢٠١).
(٢) فى الْأُم: «وَأكل».
(٣) لكى تفهم ذَلِك حق الْفَهم، رَاجع كَلَامه السَّابِق واللاحق (ص ٢٠١- ٢٠٢).
(٤) كَمَا فى الْأُم (ج ٢ ص ١٨٨ و١٨٩). وَقد ذكر بعضه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٢٧٢)، والمختصر (ج ٥ ص ٢١١).
(٥) فى الْأُم (ص ١٨٩) : بِالْفَاءِ. وفى السّنَن الْكُبْرَى: «إِذا».
(٦) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى. وَكَانَ الْمُنَاسب تَأْنِيث الضَّمِير وَلَعَلَّه ذكره:
مُرَاعَاة للْخَبَر.
(٧) فى الْأُم زِيَادَة: «إِلَى الله تَعَالَى».
(٨) فى الْأُم (ص ١٨٨) زِيَادَة: (فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب).
(٩) رَاجع كَلَام النَّوَوِيّ فى الْمَجْمُوع (ج ٨ ص ٣٥٦) عَن معنى الْهدى، وَالْمرَاد مِنْهُ.
(١٠) أخرج هَذَا التَّفْسِير البُخَارِيّ، عَن مُجَاهِد وَأخرجه ابْن أَبى شيبَة والشيرازي، عَن ابْن عَبَّاس. انْظُر الْفَتْح (ج ٣ ص ٣٤٨)، وَالْمَجْمُوع (ج ٨ ص ٣٥٦ و٣٩٥).
(١١) السَّائِل: أبوذر. رَاجع حَدِيثه فى السّنَن الْكُبْرَى.
82
أَفْضَلُ؟ فَقَالَ «١» : أَغْلَاهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا.»
«قَالَ: وَالْعَقْلُ مُضْطَرٌّ إلَى أَنْ يَعْلَمَ: أَنَّ كُلَّ مَا تُقُرِّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) : إذَا كَانَ نَفِيسًا، فَكُلَّمَا «٢» عَظُمَتْ رَزِيَّتُهُ عَلَى الْمُتَقَرِّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) : كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِهِ «٣»
«وَقَدْ قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) فِي الْمُتَمَتِّعِ: (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ: ٢- ١٩٦) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا «٤» اسْتَيْسَرَ-: مِنْ الْهَدْيِ.-:
شَاةٌ «٥». وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَصْحَابَهُ-: الَّذِينَ تَمَتَّعُوا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ.-: أَنْ يَذْبَحُوا شَاةً شَاةً. وَكَانَ ذَلِكَ أَقَلَّ مَا يُجْزِيهِمْ.
لِأَنَّهُ «٦» إذَا أَجْزَاهُ «٧» أَدْنَى الدَّمِ: فَأَعْلَاهُ خَيْرٌ مِنْهُ «٨».».
(١) فى الْأُم بِدُونِ الْفَاء. وَمَا فى الأَصْل أحسن. [.....]
(٢) فى الْأُم بِدُونِ الْفَاء. وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٣) ذكر إِلَى هُنَا، فى الْأُم (ص ١٨٨). وَقَوله: وَالْعقل إِلَى آخر الْكَلَام لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى، وَلَا بالمختصر.
(٤) فى الْأُم بِدُونِ الْفَاء. وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٥) وَقد وَافق ابْن عَبَّاس فى ذَلِك: على، وَالْجُمْهُور. وَخَالفهُ ابْن عمر وَعَائِشَة، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد، وَطَائِفَة. انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢٤ و٢٢٨)، وَالْفَتْح (ج ٣ ص ٣٤٦- ٣٤٧)، وَمَا تقدم (ج ١ ص ١١٦).
(٦) هَذَا مُرْتَبِط بِأَصْل الدَّعْوَى فَتنبه.
(٧) ذكر فى الْأُم: مهموزا.
(٨) ثمَّ شرع يسْتَدلّ: على أَن الضَّحَايَا لَيست وَاجِبَة فراجع كَلَامه (ص ١٨٩- ١٩٠). وراجع فى هَذَا الْمَوْضُوع: السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٢٦٢- ٢٦٦)، وَالْفَتْح (ج ١٠ ص ٢- ٣ و١٢- ١٣)، وَالْمَجْمُوع (ج ٨ ص ٣٨٢- ٣٨٦).
83
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ «١» :«أَحَلَّ اللَّهُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) : طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ «٢» طَعَامُهُمْ- عِنْدَ بَعْضِ مَنْ حَفِظْتُ «٣» عَنْهُ: مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ.-: ذَبَائِحَهُمْ وَكَانَتْ الْآثَارُ تَدُلُّ: عَلَى إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ.»
«فَإِنْ كَانَتْ ذَبَائِحُهُمْ: يُسَمُّونَهَا لِلَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) فَهِيَ: حَلَالٌ. وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ آخَرُ: يُسَمُّونَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) مِثْلَ: اسْمِ الْمَسِيحِ «٤» أَوْ: يَذْبَحُونَهُ «٥» بِاسْمٍ دُونَ اللَّهِ-: لَمْ يَحِلَّ هَذَا: مِنْ ذَبَائِحِهِمْ. [وَلَا أُثْبِتُ: أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ هَكَذَا «٦».] »
«قَالَ الشَّافِعِيُّ «٧» : قَدْ يُبَاحُ الشَّيْءُ مُطْلَقًا: وَإِنَّمَا يُرَادُ بَعْضُهُ، دُونَ بَعْضٍ. فَإِذا زعم زاعم: أَنَّ الْمُسْلِمَ: إنْ نَسِيَ اسْمَ اللَّهِ: أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا: لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ-: وَهُوَ لَا يَدَعُهُ لِشِرْكٍ «٨».-:
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٢ ص ١٩٦).
(٢) هَذَا إِلَى قَوْله: إحلال ذَبَائِحهم ذكره فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٢٨٢).
وَقد أخرج فِيهَا التَّفْسِير الْآتِي، عَن ابْن عَبَّاس، وَمُجاهد، وَمَكْحُول. وَانْظُر الْفَتْح (ج ٩ ص ٥٠٤). وراجع الْمَجْمُوع (ج ٩ ص ٧٨- ٨٠) : فَهُوَ مُفِيد فِيمَا سبق أَيْضا (ص ٥٧ و٥٩)
(٣) فى السّنَن الْكُبْرَى: «حفظنا».
(٤) نقل فى الْفَتْح (ج ٩ ص ٥٠٣) نَحْو هَذَا بِزِيَادَة: «وَإِن ذكر الْمَسِيح على معنى:
الصَّلَاة عَلَيْهِ لم يحرم»
. ثمَّ نقل عَن الْحَلِيمِيّ- من طَرِيق الْبَيْهَقِيّ- كلَاما جيدا مرتبطا بِهَذَا فَرَاجعه.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «أَو يذبحون» وَلَعَلَّ الْحَذف من النَّاسِخ.
(٦) زِيَادَة مفيدة، عَن الْأُم.
(٧) مُبينًا: أَن كَون ذَبَائِحهم صنفين، لَا يُعَارض إباحتها مُطلقَة. انْظُر الْأُم. [.....]
(٨) فى الْأُم: «للشرك».
84
كَانَ مَنْ يَدَعُهُ: عَلَى الشِّرْكِ أَوْلَى: أَنْ يُتْرَكَ ذَبِيحَتُهُ «١»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) لُحُومَ الْبُدْنِ: مُطْلَقَةً فَقَالَ تَعَالَى: (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها «٢» : فَكُلُوا مِنْها: ٢٢- ٣٦) وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ، يَذْهَبُ: إلَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ مِنْ الْبَدَنَةِ الَّتِي هِيَ: نَذْرٌ، وَلَا: «٣» جَزَاءُ صَيْدٍ، وَلَا: فِدْيَةٌ. فَلَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ «٤» الْآيَةُ: ذَهَبْنَا إلَيْهِ، وَتَرَكْنَا الْجُمْلَةَ لَا: أَنَّهَا بِخِلَافِ «٥» الْقُرْآن وَلَكِنَّهَا: مُحْتَمِلَةٌ وَمَعْقُولٌ: أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ «٦» شَيْئًا. فَهَكَذَا: ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ-: بِالدَّلَالَةِ.- مُشْبِهَةٌ لِمَا «٧» قُلْنَا.».
(١) لكى تلم بأطراف هَذَا الْبَحْث، ومذاهبه، وأدلته- رَاجع السّنَن الْكُبْرَى والجوهر النقي (ج ٩ ص ٢٣٨- ٢٤١)، وَالْمَجْمُوع (ج ٨ ص ٤٠٨- ٤١٢)، وَالْفَتْح (ج ٩ ص ٤٩٢- ٤٩٣ و٤٩٨ و٥٠٢- ٥٠٣)، وَشرح الْعُمْدَة (ج ٤ ص ١٩٥).
(٢) أَي: سَقَطت إِلَى الأَرْض كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَمُجاهد. انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٥ ص ٢٣٧)، وَالْفَتْح (ج ٣ ص ٣٤٨).
(٣) أَي: وَلَا من الْبَدنَة الَّتِي هى جَزَاء صيد. وَكَذَا التَّقْدِير فِيمَا بعد. وَلَو عبر فيهمَا:
بِأَو لَكَانَ أظهر، وراجع معنى الْبَدنَة: فى الْمَجْمُوع (ج ٨ ص ٤٧٠).
(٤) كَذَا بِالْأَصْلِ وَالأُم. وعَلى كَونه صَحِيحا وَغير محرف عَن: «هَذَا» يكون الْمَفْعُول محذوفا تَقْدِيره: هَذَا الْمَعْنى وَهَذَا التَّقْيِيد.
(٥) فى الْأُم: «خلاف».
(٦) أَي: من الشَّيْء الْوَاجِب كَالزَّكَاةِ. ثمَّ علل ذَلِك فى الْأُم، بقوله: «لأَنا إِذا جعلنَا لَهُ: أَن يَأْخُذ مِنْهُ شَيْئا فَلم نجْعَل عَلَيْهِ الْكل: إِنَّمَا جعلنَا عَلَيْهِ الْبَعْض الَّذِي أعْطى.».
(٧) فى الأَصْل: «بِمَا» وَالْبَاء إِمَّا أَن تكون مصحفة عَن اللَّام، أَو زَائِدَة من النَّاسِخ.
ويؤكد ذَلِك عبارَة الْأُم، وهى: «على شَبيه مَا قُلْنَا». أَي: أَنَّهَا أطلقت، ثمَّ قيدت.
«ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لَهُمْ: بِالْجِهَادِ ثُمَّ فَرَضَ- بَعْدَ هَذَا «١» - عَلَيْهِمْ: أَنْ يُهَاجِرُوا مِنْ دَارِ الشِّرْكِ. وَهَذَا مَوْضُوعٌ «٢» فِي غير هَذَا الْموضع.».
«مُبْتَدَأُ الْإِذْنِ بِالْقِتَالِ»
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٣» (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«فَأُذِنَ لَهُمْ «٤» بِأَحَدِ الْجِهَادَيْنِ «٥» : بِالْهِجْرَةِ قَبْلَ [أَنْ «٦» ] يُؤْذَنَ لَهُمْ: بِأَنْ يَبْتَدِئُوا مُشْرِكًا بِقِتَالٍ» «ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ: بِأَنْ يَبْتَدِئُوا الْمُشْرِكِينَ بِقِتَالٍ «٧» قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ: بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا «٨» وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ «٩» : ٢٢- ٣٩) وَأَبَاحَ لَهُمْ الْقِتَالَ، بِمَعْنًى: أَبَانَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: (وَقاتِلُوا فِي)
(١) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «هَذِه» وَهُوَ تَصْحِيف.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «مَوْضِعه» وَهُوَ محرف عَمَّا ذكرنَا أَو يكون قَوْله: «فى» زَائِدا من النَّاسِخ. وَإِن كَانَ الْمَعْنى حِينَئِذٍ يخْتَلف، وَالْمَقْصُود هُوَ الأول
(٣) كَمَا فى الْأُم (ج ٤ ص ٨٤).
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ، وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «الله» وَهُوَ مَعَ صِحَّته، لَا نستبعد أَنه محرف عَمَّا ذكرنَا، ويقوى ذَلِك قَوْله الْآتِي: «يُؤذن».
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «بِأخذ الْجِهَاد» والتصحيف وَالنَّقْص من النَّاسِخ.
(٦) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٧) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ١١) مَا روى عَن ابْن عَبَّاس: فى نسخ الْعَفو عَن الْمُشْركين. فَهُوَ مُفِيد جدا.
(٨) زعم ابْن زيد: أَن هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بِآيَة: (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ: ٧- ١٨٠). ورد عَلَيْهِ: بِأَن ذَلِك إِنَّمَا هُوَ من بَاب التهديد. انْظُر النَّاسِخ والمنسوخ للنحاس (ص ١٨٩).
(٩) فى الْأُم زِيَادَة: «الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ بِغَيْر حق الْآيَة». [.....]
13
(سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ، وَلا تَعْتَدُوا: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ «١» وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) إلَى: (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ: فَاقْتُلُوهُمْ «٢» كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ: ٢- ١٩٠- ١٩١).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : يُقَالُ: نَزَلَ هَذَا فِي أَهْلِ مَكَّةَ-: وَهُمْ كَانُوا أَشَدَّ الْعَدُوِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.- فَفُرِضَ «٣» عَلَيْهِمْ فِي قِتَالِهِمْ، مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» «ثُمَّ يُقَالُ: نُسِخَ هَذَا كُلُّهُ «٤»، وَالنَّهْيُ «٥» عَنْ الْقِتَالِ حَتَّى يُقَاتَلُوا،
(١) ذهب ابْن زيد: إِلَى أَن هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً: ٩- ٣٦). وَذهب ابْن عَبَّاس: إِلَى أَنَّهَا محكمَة، وَأَن معنى (وَلَا تَعْتَدوا) : لَا تقتلُوا النِّسَاء وَالصبيان، وَلَا الشَّيْخ الْكَبِير، وَلَا من ألْقى إِلَيْكُم السّلم وكف يَده. فَمن فعل ذَلِك: فقد اعْتدى. قَالَ أَبُو جَعْفَر فى النَّاسِخ والمنسوخ:
وَهَذَا أصح الْقَوْلَيْنِ من السّنة وَالنَّظَر. فراجع مَا اسْتدلَّ بِهِ (ص ٢٥- ٢٦) : فَهُوَ مُفِيد فى بعض المباحث الْآتِيَة.
(٢) ذهب بعض الْعلمَاء- كمجاهد وَطَاوُس-: إِلَى أَن هَذِه الْآيَة محكمَة.
وَذهب بَعضهم- كقتادة-: إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِآيَة الْبَقَرَة الَّتِي ذكرهَا الشَّافِعِي.
وَهُوَ مَا عَلَيْهِ أَكثر أهل النّظر. انْظُر النَّاسِخ والمنسوخ للنحاس (ص ٢٦- ٢٧).
(٣) فى الْأُم: «وَفرض».
(٤) أَي: من النهى عَن قتال الْمُشْركين قبل أَن يقاتلوهم، والنهى عَن الْقِتَال عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام كَذَلِك. وَقد ذكر هَذَا فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ١١- بعد عنوان تضمن النهى عَن الْقِتَال حَتَّى يقاتلوا، والنهى عَنهُ فى الشَّهْر الْحَرَام- بِلَفْظ: «نسخ النهى [عَن] هَذَا كُله، بقول الله» إِلَخ.
(٥) هَذَا من عطف الْخَاص على الْعَام.
14
Icon