تفسير سورة الفتح

تفسير النسائي
تفسير سورة سورة الفتح من كتاب تفسير النسائي .
لمؤلفه النسائي . المتوفي سنة 303 هـ

٥١٨- أنا عمرو بنُ عليٍّ، نا يحيى، نا شعبة، نا قتادةُ، عن أنسٍ.
﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ [١] قال الحديبية. قوله تعالى: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ﴾ [١]٥١٩- أنا محمد بن عبد الله بن/ المبارك، نا قرادٌ - وهو: عبد الرحمن بن غزوان أبو نوحٍ - نا مالكٌ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه. عن عمر، قال:" كُنا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فسألتهُ عن شيءٍ ثلاث مراتٍ، فلم يُرد عليَّ، فقلت لنفسي ثكلتك أُمك يا ابن الخطاب، فركبتُ راحلتي، فتقدمت مخافة أن يكون نزل فيَّ شيءٌ، فإذا أنا بمنادٍ يُنادي يا عمر، فرجعتُ وأنا أظنُّ أنه نزل فيَّ شيءٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " نزل عليَّ البارحة سورةٌ أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها " ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [١-٢] ". قوله تعالى: ﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [٢]٥٢٠- أنا علي بن حُجرٍ، نا إسماعيل، نا عبد الله بن عبد الرحمن، أن أبا يونس مولى عائشة، أخبره عن عائشة" أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيهِ وهي تسمع من وراء الحجاب فقال يا رسول الله: تُدركني الصلاة وأنا جُنُبٌ فأصوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأنا تُدركني الصلاة وأنا جُنُبٌ فأصومُ "، قال: لست مِثلنا يا رسول الله قد غفر لك الله ﴿ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ قال: " والله إني لأرجوا أن أكون أخشاكم للهِ وأعلمكم بما أتقي " صلى الله عليه وسلم ". ٥٢١- أنا قتيبة بن سعيدٍ، نا أبو عوانة، عن زياد بن علاقة، عن مُغيرة بن شعبة،" أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى حتى انتفخت قدماهُ. فقيل: أتتكَلَّفُ هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: " أفلا أكون عبداً شكوراً؟ " ".
قوله تعالى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [٤]٥٢٣- أنا هلالُ بن العلاء، نا حسين بن عياشٍ، نا زهيرٌ، نا أبو إسحاق. عن البراء بن عازبٍ، قال:" كان رجلٌ يقرأُ في داره سورة الكهف وإلى جانبه حصانٌ مربوطٌ حتى تغشته سحابةٌ، فجعلت تدنو وتدنو حتى جعل الفرسُ يفرُّ منها، قال الرجل: فعجبتُ لذلك، فلما أصبح، أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له وقصَّ عليه، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " تلك السكينةُ تنزلت للقرآن " ". ٥٢٤- أنا أحمد بن سليمان، نا يعلى بن عبيدٍ، نا عبد العزيز بنُ سياهٍ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، قال:" أتيت أبا وائلٍ أسأله عن هؤلاء القوم الذين قتلهم عليٌّ بالنَّهروان فيم استجابوا له، وفيم فارقوه، وفيم استحلَّ قتلهم، فقال: كُنا بصفين، فلما استحرَّ القتلُ بأهل الشام، قال عمرو بن العاصي لمعاوية: أرسل إلى عليٍّ المصحف، فادعهُ إلى كتاب الله، فإنه لن يأبى عليك، فجاء به رجل ٌ فقال: بيننا وبينكم كتابُ الله ألم تر إلى الذين يُدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريقٌ منهم وهم مُّعرضون فقال عليٌّ عليه السلام: أنا أولى بذلك، بيننا كتابُ الله، فجاءته الخوارجُ ونحن ندعوهم يومئذٍ القُراء وسيوفهم على عواتقهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما ننتظر بهولاء القوم الذين على التَّل، ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم؟ فتكلم سهل بن حُنيفٍ فقال: يا أيها الناسُ، اتهموا أنفسكم، فلقد رأيتنا يوم الحُديبية - يعني الصُّلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين - ولو نرى قتالاً لقاتلنا، فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: " بلى " قال: ففيم نُعطي الدَّنية/ في ديننا ونرجعُ، ولما يحكم الله بيننا وبينهم، قال: " يا ابن الخطابِ، إني رسول الله ولن يُضيعني أبداً، قال: فرجع وهو متغيظٌ، فلم يصبر حتى أتى أبا بكرٍ رحمهُ اللهُ، فقال: ألسنا على الحقِّ، وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: فلم نعطي الدَّنية ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم، قال يا ابن الخطابِ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولن يُضيعه اللهُ أبداً، فنزلت سورة الفتح، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر رضي الله عنه، فأقرأها إياهُ، قال: يا رسول الله وفتحٌ هو، قال: " نعم " ".
قوله تعالى: ﴿ لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾ [٥]٥٢٢- أنا عمرو بن عليٍّ وأبو الأشعث، عن خالدٍ، نا شعبةُ، عن قتادة، عن أنسٍ، قال:" لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ ﴾ [١-٢] مرجعهُ من الحديبية وهم مخالطُهم الحزن والكآبة، وقد نُحر الهدي بالحديبية، فقال: " لقد أُنزلت علي آيةٌ أحبُّ إليَّ من الدنيا جميعاً، قالوا: يا رسول الله،/ قد علمنا ما يفعل بك، فما يُفعل بنا، فنزلت ﴿ لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾ إلى قولهِ ﴿ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ " "- اللَّفظ لعمرٍو -.
قوله تعالى: ﴿ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ ﴾ [١٨]٥٢٦- أنا عليُّ بن الحسين، نا أُميةُ، عن شعبة، عن عمرو بن مُرة، وحُصينٍ، عن سالم بن أبي الجعد، قال: سألتُ جابر بن عبد الله كم كُنتم يوم الشجرة؟ قال: ألفاً وخمسمائةٍ. ٥٢٧- أنا محمد بن منصورٍ، نا سفيان، عن عمرٍو، قال: سمعت جابراً يقول:" كُنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائةٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنتم اليوم خير أهل الأرضِ " ". ٥٢٨- أنا قتيبةُ بن سعيدٍ، نا الليثُ، عن أبي الزُّبير، عن جابرٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة ". ٥٢٩- أنا قُتيبةُ بن سعيدٍ، نا اللَّيث، عن أبي الزُّبير، عن جابر بن عبد اللهِ قال: كُنا يوم الحديبية/ ألفاً وأربعمائةٍ، فبايعناهُ، وعمرُ آخِذٌ بيده تحت الشجرةِ، وهي سمرةٌ، وقد بايعناهُ على أن لا نفرَّ، ولم نبايعهُ على الموت.
قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم ﴾ [٢٤]٥٣٠- أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عفان، نا حمادٌ، عن ثابتٍ عن أنسٍ، أن ناساً من أهل مكة، هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، من جبل التنعيم عند صلاة الفجر، فأخذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعفى عنهم، فأنزل الله عزَّ وجلَّ ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ ﴾ - الآية. ٥٣١- أنا محمد بن عقيلٍ، أنا علي بن الحسين، حدَّثني أبي، عن ثابتٍ قال: حدثني عبد الله بن مُغفَّلٍ المُزني، قال:" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله، وكأني بغصنٍ من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفعته عن ظهره، وعليُّ ابن أبي طالبٍ وسهيل بن عمرٍو بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اكتب باسم الله الرحمن الرحيم " فأخذ سهيلٌ يده فقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: " اكتب باسمِكَ اللَّهُمَّ، هذا ما صالح عليه محمد رسول اللهِ أهل مكة " فأمسك بيده، فقال: لقد ظلمناك إن كنت رسولاً، اكتب في قضيتنا ما نعرف، فقال: " اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وأنا رسول الله " قال: فكتب، فبينما نحن كذلك. إذ خرج علينا ثلاثون شابّاً عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل جئتم في عهد أحدٍ، أو هل جعل لكم أحدٌ أماناً " فقالوا: لاَ، فخلى سبيلهم، فأنزل الله عز وجل ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم ﴾ إلى ﴿ بَصِيراً ﴾ ".
قوله تعالى: ﴿ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ ﴾ [٢٦]٥٢٥- أنا إبراهيم بن سعيدٍ، نا شبابة بن سوارٍ، عن أبي زبرٍ عبد الله بن العلاء بن زبرٍ، عن بُسر بن عبيد الله، [عن أبي إدريس]، عن أُبي بن كعبٍ، أنه كان يقرأُ: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّة وَلَوْ حُمِيتُمْ كَمَا حَمَوْا لَفَسَدَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ)، فبلغ ذلك عمر، فأغلظ له، قال: إنك لتعلم أني كنتُ أدخلُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيُعلِّمني مما علَّمه اللهُ، فقال عمرُ: بل أنت رجلٌ عندك علمٌ وقرآنٌ، فاقرأ وعلِّم مما علمك اللهُ ورسوله.
باب: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ﴾ صلى الله عليه وسلم٥٣٢- أنا حميد بن مسعدة، نا بشرٌ - يعني ابن المفضل/ - عن شعبة، عن قتادة، عن أنسٍ، قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم، فقالوا: إنهم لا يقرأون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضةٍ، كأني أنظرُ إلى بياضه في يده، ونقش فيه ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ﴾ صلى الله عليه وسلم.
Icon