تفسير سورة البروج

تفسير ابن أبي حاتم
تفسير سورة سورة البروج من كتاب تفسير ابن أبي حاتم المعروف بـتفسير ابن أبي حاتم .
لمؤلفه ابن أبي حاتم الرازي . المتوفي سنة 327 هـ

سُورَةُ الْبروج
٨٥
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
١٩٢٠٤ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجمعة، وما طلعت الشمس لا غَرَبَتْ عَلَى يَوْمٍ أَفْضَلَ مِنْهُ، فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، وَلا يَسْتَعِيذُ بِشَيْءٍ إِلا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْهُ» «١».
١٩٢٠٥ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَنَّاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قَالَ: الشَّاهِدُ الْإِنْسَانُ وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ «٢».
١٩٢٠٦ - عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كَانَ نَبِيُّ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ حَبَشِيًّا «٣».
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ
قَالَ: هُمُ الْحَبَشَةُ.
١٩٢٠٨ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَتِ الْأُخْدُودُ فِي الْيَمَنِ زَمَانَ تُبَّعٍ، وَفِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ زَمَانَ قُسْطَنْطِينَ حِينَ صَرَفَ النَّصَارَى قِبْلَتَهُمْ عَنْ دِينِ الْمَسِيحِ وَالتَّوْحِيدِ، فَاتَّخَذُوا أَتُّونًا، وَأَلْقَى فِيهِ النَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا عَلَى دِينِ الْمَسِيحِ وَالتَّوْحِيدِ. وَفِي الْعِرَاقِ فِي أَرْضِ بَابِلَ بُخْتِنَصَّرُ، الَّذِي وَضَعَ الصَّنَمُ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَسْجُدُوا لَهُ، فَامْتَنَعَ دَانْيَالُ وَصَاحِبَاهُ: عُزَرْيَا وَمِيشَائِيلُ، فَأَوْقَدَ لَهُمْ أَتُّونًا وَأَلْقَى فِيهِ الْحَطَبَ وَالنَّارَ، ثُمَّ أَلْقَاهُمَا فِيهِ، فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمَا بَرْدًا وَسَلامًا وَأَنْقَذْهُمَا مِنْهَا وَأَلْقَى فِيهَا الَّذِينَ بَغَوْا عَلَيْهِ وَهُمْ تِسْعَةُ رَهْطٍ فَأَكَلَتْهُمُ النَّارُ «٤».
١٩٢٠٩ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّشْتَكِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
(١) الدر ٨/ ٤٦٣
(٢) الدر ٨/ ٤٦٣
(٣) الدر ٨/ ٤٦٣
(٤) ابن كثير ٨/ ٣٨٦.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢:قوله تعالى :﴿ واليوم الموعود وشاهد ومشهود ﴾
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس لا غربت علي يوم أفضل منه، فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ بشيء إلا أعاذه الله منه ".


حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا سفيان، عن أبي يحيى القنات، عن مجاهد، عن ابن عباس ﴿ وشاهد ومشهود ﴾ قال : الشاهد الإنسان والمشهود يوم الجمعة.
عن علي بن أبي طالب قال : كان نبي أصحاب الأخدود حبشيا.
قوله تعالى :﴿ قتل أصحاب الأخدود ﴾
عن علي بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة.
حدثنا أبي، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا صفوان عن عبد الرحمن بن جبير قال : كانت الأخدود في اليمن زمان تبع، وفي القسطنطينية زمان قسطنطين حين صرف النصارى قبلتهم عن دين المسيح والتوحيد، فاتخذوا أتونا، وألقى فيه النصارى الذين كانوا على دين المسيح والتوحيد. وفي العراق في أرض بابل بختنصر، الذي وضع الصنم وأمر الناس أن يسجدوا له، فامتنع دانيال وصاحباه : عزريا وميشائيل، فأوقد لهم أتونا وألقى فيه الحطب والنار، ثم ألقاهما فيه، فجعلهما الله عليهما بردا وسلاما وأنقذهما منها وألقى فيها الذين بغوا عليه وهم تسعة رهط فأكلتهم النار.
حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه عن الربيع هو ابن أنس في قوله :﴿ قتل أصحاب الأخدود ﴾ قال : سمعنا أنهم كانوا قوما في زمان الفترة، فلما رأوا ما وقع في الناس من الفتنة والشر وصاروا أحزابا ﴿ كل حزب بما لديهم فرحون ﴾ اعتزلوا إلى قرية سكنوها، وأقاموا على عبادة الله ﴿ مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ﴾ وكان هذا أمرهم حتى سمع بهم جبار من الجبارين وحدث حديثهم، فأرسل إليهم فأمرهم أن يعبدوا الأوثان التي اتخذوا، وأنهم أبوا عليه كلهم، وقالوا : لا نعبد إلا الله وحده لا شريك له، فقال لهم : إن لم تعبدوا هذه الآلهة التي عبدت فإني قاتلكم فأبوا عليه، فحفر أخدودا من نار، وقال لهم الجبار- ووقفهم عليها- : اختاروا هذه أو الذي نحن فيه. فقالوا : هذه أحب إلينا. وفيهم نساء وذرية ففزعت الذرية فقالوا لهم : لا نار من بعد اليوم فوقعوا فيها فقبضت أرواحهم من قبل أن يمسهم حرها وخرجت النار من مكانها فأحاطت بالجبارين فأحرقهم الله بها، ففي ذلك أنزل الله عز وجل :﴿ قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد ﴾.
أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ هُوَ ابْنُ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ قَالَ: سَمِعْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فِي زَمَانِ الْفَتْرَةِ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا وَقَعَ فِي النَّاسِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ وَصَارُوا أَحْزَابًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ إِعْتَزَلُوا إِلَى قَرْيَةٍ سَكَنُوهَا، وَأَقَامُوا عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَكَانَ هَذَا أمرهم حتى سمع بهم جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ وَحُدِّثَ حَدِيثَهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ الَّتِي اتَّخْذُوا، وَأَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ كُلُّهُمْ، وَقَالُوا: لَا نَعْبُدُ إِلا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ تَعْبُدُوا هَذِهِ الْآلِهَةَ الَّتِي عُبِدَتْ فَإِنِّي قَاتِلُكُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَحَفَرَ أُخْدُودًا مِنْ نَارٍ، وَقَالَ لَهُمُ الْجَبَّارُ- وَوَقَفَهُمْ عَلَيْهَا-: إِخْتَارُوا هَذِهِ أَوَ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ. فَقَالُوا: هَذِهِ أَحَبُّ إِلَيْنَا. وَفِيهِمْ نِسَاءٌ وَذُرِّيَّةٌ فَفَزِعَتِ الذُّرِّيَّةُ فَقَالُوا لَهُمْ: لَا نَارَ مِنْ بَعْدِ الْيَوْمِ فَوَقَعُوا فِيهَا فَقُبِضَتِ أَرْوَاحُهُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمَسَّهُمْ حَرُّهَا وَخَرَجَتِ النَّارُ مِنْ مَكَانِهَا فَأَحَاطَتْ بِالْجَبَّارِينَ فَأَحْرَقَهُمُ اللَّهُ بِهَا، فَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «١».
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ
١٩٢١٠ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد الطَّنَافِسِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن عمرو ابن مَيْمُونٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ تَقْرَأُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فَقَامَ يَسْمَعُ فَقَالَ: «نَعَمْ، قَدْ جَاءَنِي» «٢».
قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ
١٩٢١١ - حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ: أَنَّ أَبَا الْأَعْبَسِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلْمَانَ قَالَ: مَا مِنْ شَيْءٍ قَضَى اللَّهُ- الْقُرْآنَ فَمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، إِلا وَهُوَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَاللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ بَيْنَ عَيْنَيْ إِسْرَافِيلَ، لَا يُؤْذَنُ لَهُ بِالنَّظَرِ فيه «٣».
(١) ابن كثير ٨/ ٣٨٦.
(٢) ابن كثير ٨/ ٣٩٤.
(٣) ابن كثير ٨/ ٣٩٤.
قوله تعالى :﴿ في لوح محفوظ ﴾
حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح، حدثنا معاوية بن صالح : أن أبا الأعبس هو عبد الرحمن بن سلمان قال : ما من شيء قضى الله- القرآن فما قبله وما بعده، إلا وهو في اللوح المحفوظ، واللوح المحفوظ بين عيني إسرافيل، لا يؤذن له بالنظر فيه.
Icon