تفسير سورة الإخلاص

مراح لبيد
تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المعروف بـمراح لبيد .
لمؤلفه نووي الجاوي . المتوفي سنة 1316 هـ

قتلت من حديد قتلا محكما ويقال: أي في عنقها رسن من ليف المقل وهو شجر الدوم الذي اختنقت به وماتت.
قال قتادة والضحاك: إن العواء كانت تعيّر رسول الله بالفقر فعيّرها الله بأنها كانت تحتطب في حبل من ليف تجعله في جيدها، فخنقها الله تعالى به، فأهلكها.
سورة الإخلاص
وتسمى سورة المعرفة، وسورة الجمال، وسورة التوحيد، وسورة النجاة، وسورة النور، وسورة المعوذة، وسورة المانعة، لأنها تمنع فتنة القبر ولفحات النار، وسورة البراءة، لأنها براءة من الشرك، مكية، أربع آيات، خمس عشرة كلمة، سبعة وأربعون حرفا
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) إن هذه السورة نزلت بسبب سؤال المشركين.
قال الضحاك: إن المشركين أرسلوا عامر بن الطفيل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: سببت آلهتنا وخالفت دين آبائك! فإن كنت فقيرا أغنيناك، وإن كنت مجنونا داويناك، وإن هويت امرأة زوجناكها! فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لست بفقير، ولا مجنون، ولا هويت امرأة، أنا رسول الله أدعوكم من عبادة الأصنام إلى عبادته».
فأرسلوه ثانية وقالوا: قل له بين لنا جنس معبودك أمن ذهب أو فضة؟ فأنزل الله هذه السورة فقالوا له: ثلاثمائة وستون صنما لا تقوم بحوائجنا، فكيف يقوم الواحد بحوائج الخلق؟! فنزلت وَالصَّافَّاتِ [الصافات: ١] إلى قوله تعالى: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ [الصافات: ٤] فأرسلوه أخرى وقالوا: بين لنا أفعاله، فنزل إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
[الأعراف: ٥٤]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة أتيا النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال عامر: إلى من تدعونا يا محمد؟ فقال: «إلى الله تعالى» قال: صفه لنا أمن ذهب هو، أم من فضة، أم من حديد، أم من خشب؟ فنزلت هذه السورة، وأهلك الله تعالى أربد بالصاعقة، وعامر بن الطفيل بالطاعون وقيل: نزلت بسبب سؤال النصارى.
روي عن ابن عباس قال: قدم وفد نجران فقالوا: صف لنا ربك، أمن زبرجد، أو ياقوت، أو ذهب، أو فضة؟ فقال: «إن ربي ليس من شيء لأنه خالق الأشياء» فنزل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قالوا: هو واحد، وأنت واحد، فقال: ليس كمثله شيء، زدنا من الصفة، فقال: «اللَّهُ
678
الصَّمَدُ
» فقالوا: وما الصمد؟ فقال: «الذي يصمد إليه الخلق في الحوائج». فقالوا: زدنا، فنزل لَمْ يَلِدْ كما ولدت مريم وَلَمْ يُولَدْ كما ولد عيسى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أي ليس له نظير من خلقه.
وقال الضحاك وقتادة ومقاتل: جاء ناس من أحبار اليهود إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: صف لنا ربك لعلنا نؤمن بك، فإن الله تعالى أنزل صفته في التوراة، فأخبرنا من أيّ شيء هو؟ وهل يأكل ويشرب؟ ومن ورث؟ ومن يرثه؟ فنزلت هذه السورة وصفات الله تعالى إما أن تكون إضافية، وإما أن تكون سلبية.
أما الإضافية: فكقولنا: عالم قادر مريد خلاق.
وأما السلبية: فكقولنا: ليس بجسم ولا بجوهر، ولا بعرض، وقولنا: الله يدل على مجامع الصفات الإضافية وقولنا: أحد يدل على مجامع الصفات السلبية، وذلك لأن الله تعالى هو الذي يستحق العبادة، واستحقاق العبادة ليس إلا لمن يستبد بالإيجاد فالاستبداد بالإيجاد، لا يحصل إلا لمن كان موصوفا بالقدرة التامة، والإرادة النافذة، والعلم المتعلق بجميع المعلومات من الكليات والجزئيات، والمراد من الأحدية كون تلك الحقيقة في نفسها مفردة منزهة عن أنحاء التراكيب. اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) أي السيد المصمود إليه في الحوائج.
وقال ابن مسعود والضحاك: الصمد هو السيد الذي قد انتهى سؤدده. وقيل: الصمد هو الذي ليس فوقه أحد فلا يخاف من فوقه، ولا يرجو من تحته، ترفع الحوائج إليه. وقال قتادة:
الصمد الباقي بعد فناء خلقه، والذي لا يأكل ولا يشرب، وهو يطعم ولا يطعم.
وقال أبيّ بن كعب: هو الذي لا يموت ولا يورث، وله ميراث السموات والأرض.
وقال ابن كيسان: هو الذي لا يوصف بصفة أحد.
قال مقاتل بن حبان: هو الذي لا عيب فيه لَمْ يَلِدْ أي لم يصدر عنه ولد لأنه لم يجانسه شيء، وَلَمْ يُولَدْ (٣) أي لم يصدر عن شيء لاستحالة نسبة العدم إليه تعالى سابقا ولاحقا. ويقال: لم يلد، أي ليس له ولد فيرث ملكه، ولم يولد أي ليس له والد فيرث عنه الملك، فلم يرث ولم يورث، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤) أي لم يشاكله أحد من صاحبة وغيرها، فيمتنع أن يكون شيء من الموجودات مساويا له تعالى في شيء من صفات الجلال والعظمة، ثم الآية الأولى: تبطل مذهب الثنوية القائلين: بالنور والظلمة، والنصارى: في التثليث. والصائبين: في الأفلاك والنجوم.
والآية الثانية: تبطل مذهب من أثبت خالقا سوى الله، لأنه لو وجد خالق آخر لما كان الحق مصمودا إليه في طلب جميع الحاجات.
679
والآية الثالثة: تبطل مذهب اليهود في عزير، والنصارى في المسيح والمشركين في أن الملائكة بنات الله.
والآية الرابعة: تبطل مذهب المشركين حين جعلوا الأصنام شركاء له تعالى.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن لكل شيء نورا ونور القرآن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ».
وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم دخل المسجد، فسمع رجلا يدعو ويقول: أسألك يا الله يا أحد، يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال: «غفر لك، غفر لك، غفر لك» «١»، ثلاث مرات.
وعن سهل بن سعد جاء رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وشكا إليه الفقر فقال: «إذا دخلت بيتك فسلم إن كان فيه أحد وإن لم يكن فيه أحد فسلم على نفسك واقرأ قل هو الله أحد مرة واحدة» «٢». ففعل الرجل فأدر الله عليه رزقا حتى أفاض على جيرانه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قرأ قل هو الله أحد بعد صلاة الصبح اثنتي عشر مرة فكأنما قرأ القرآن أربع مرات وكان أفضل أهل الأرض يومئذ إذا اتقى»
«٣».
وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: «من قرأ قل هو الله أحد في مرضه الذي يموت فيه، لم يفنن في قبره وأمن من ضغطة القبر وحملته الملائكة بأكفها حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة»
«٤».
(١) رواه الطبراني في المعجم الصغير (٢: ٢٠)، وابن حجر في لسان الميزان (٤: ٥٥٧)، وابن كثير في التفسير (٦: ٩٥)، والبخاري في التاريخ الكبير (١: ٢٦٦)، والسيوطي في الدر المنثور (٥: ٦)، والعقيلي في الضعفاء (٣: ٢٢٤).
(٢) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (٧: ١٤٦)، والسيوطي في الدر المنثور (٦: ٤١٥).
(٣) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (٧: ١٤٥)، والسيوطي في الدر المنثور (٦: ٤١٢)، والقرطبي في التفسير (٢٠: ٢٤٩)، والألباني في السلسلة الضعيفة (٣٠١).
(٤) رواه ابن عدي في الكامل في الضعفاء (٦: ٢٤١٦).
680
Icon