تفسير سورة سبأ

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة سبأ من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله: لَعْنًا كثيرًا [٦٨] قراءة العوام بالثاء «١»، إلا يَحْيَى بن وثّاب فإنه قرأها (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً «٢» ) بالباء «٣». وهي فِي قراءة «٤» عبد الله. قَالَ الفراء: لا نجيزه. يعني كثيرًا.
وقوله: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ... وَيَتُوبَ [٧٣] بالنصب عَلَى الإتباع وإن نويت بِهِ الائتناف رفعته، كما قَالَ (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ «٥» وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) إلا أن القراءة (وَيَتُوبَ) بالنصب.
ومن سورة سبا
قوله: عَلَّامِ الْغَيْبِ [٣] قَالَ رأيتها فِي مصحف عبد الله (عَلَّامِ) «٦» عَلَى قراءة أصحابه «٧».
وقد قرأها عاصم (عالِمِ الْغَيْبِ) خفضًا فِي الإعراب من صفة الله. وقرأ أهل الحجاز (عالِم الْغَيْبِ) رفعًا عَلَى الائتناف إذ حالَ بينهما كلام كما قَالَ: (رَبِّ «٨» السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ) فرفع. والاسم قبله مخفوض فِي الإعراب. وكلٌّ صواب.
وقوله: (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) و (يَعْزِبُ) لغتان قد قُرِئ بهما. والكسرُ «٩» أحبّ إلي.
وقوله: عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [٥] قراءة القراء بالخفض «١٠». ولو جُعل نعتًا للعذاب فرفع «١١»
(١) كذا فى ا. وفى ش: «بالباء».
(٢) ش: «كثيرا».
(٣) ش: «بالثاء».
(٤) وهى قراءة عاصم.
(٥) الآية ٥ سورة الحج.
(٦) فى ش، ب «ع لا م» مقطعة. وما أثبت من اوكتب فوقها «هجا» وكأنه يريد أنه كتب فى الأصل بحروف الهجاء مقطعة كما فى ش.
(٧) وهى قراءة حمزة والكسائي. [.....]
(٨) الآية ٣٧ سورة النبأ. والقراءة التي أثبتها المؤلف قراءة حمزة والكسائي وخلف.
(٩) قرأ به الكسائي.
(١٠) الرفع لابن كثير وحفص ويعقوب. والخفض للباقين.
(١١) الرفع لابن كثير وحفص ويعقوب. والخفض للباقين.
351
لَجاز كما قرأت القراء (عالِيَهُمْ «١» ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ) و (خضر) «٢» وقرءوا (فِي لَوْحٍ «٣» مَحْفُوظٍ) لِلَّوح و (مَحْفُوظٍ «٤» ) للقرآن. وكل صواب.
وقوله: وَيَرَى الَّذِينَ [٦] (يرى) فِي موضع نصب. معناهُ: ليجزي الَّذِينَ، وليرى الَّذِينَ (قرأ الآية «٥» ) وإن شئت استأنفتَهَا فرفعتها، ويكون المعنى مُستأنفًا لَيْسَ بِمردود عَلَى كيْ.
وقوله (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) نصبت (العلم) لَخروجه مِمَّا لَم نُسمّ فاعله. ورفعت (الذينَ) ب (يرى). وإنّما مَعْناهُ: ويرى الَّذِينَ أوتوا التوراة: عبد الله بن سَلام وأصحابُه من مُسْلمة أهل الكتاب. وقوله (هُوَ الْحَقَّ) (هُوَ) عماد للذي. فتنصب (الحق) إِذَا جعلتها عمادًا. ولو رفعت (الحق) عَلَى أن تجعل (هُوَ) اسمًا كَانَ صوابًا. أنشدني الْكِسَائي:
ليت الشباب هُوَ الرجِيعُ عَلَى الفتى والشيبَ كَانَ هو البديء الأوّل «٦»
فرفع فِي (كَانَ) ونصب فِي (ليت) ويَجوز النصب فِي كل ألف ولام، وَفِي أفعل منك وجنسه. ويَجوز فِي الأسماء الموضوعة للمعرفة. إلا أن الرفع فِي الأسماء أكثر. تَقُولُ: كَانَ عبدُ الله هُوَ أخوك، أكثر من، كَانَ عبد الله هُوَ أخاك. قَالَ الفراء: يجيز هَذَا ولا يجيزه غيره من النحويين.
وَكَانَ أبو مُحَمَّد هُوَ زيدٌ كلامُ العرب الرفع. وإنما آثروا الرفع فِي الأسماء لأن الألف واللام أحدثنا ١٥١ اعمادا لِمَا هي فِيهِ. كما أحدثت (هُوَ) عمادًا للاسم الَّذِي قبلها. فإذا لَمْ يَجدوا فِي الاسم الَّذِي بعدها ألفًا ولامًا اختاروا الرفع وشبَّهوها بالنكرة لأنهم لا يقولون إلا كان عبد الله هُوَ قائم.
وإنما أجازوا النصب فِي أفضل منك وجنسه لأنه لا يوصل فِيهِ إلى إدخال الألف واللام، فاستجازوا إعمال معناهما وإن لَمْ تظهر «٧». إذ لَمْ يمكن إظهارها «٨». وأما قائم فإنك تقدر فِيهِ عَلَى الألف
(١، ٢) الآية ٢١ سورة الإنسان ممن قرأ بالرفع نافع وحفص، وممن قرأ بالخفض ابن كثير وأبو بكر.
(٣) الآية ٢٢ سورة البروج. والرفع لنافع والخفض للباقين.
(٤) الآية ٢٢ سورة البروج. والرفع لنافع والخفض للباقين.
(٥) هذه الزيادة فى ا. أي قرأ الفراء أو محمد بن الجهم الراوي الآية.
(٦) كأنه يريد بالرجيع الذي يرجع ويبقى.
(٧) كذا. والمناسب: «تظهر» و «إظهارهما» ولكنه اعتبر الألف واللام حرفا واحدا إذ كان مؤداهما واحدا.
(٨) كذا. والمناسب: «تظهر» و «إظهارهما» ولكنه اعتبر الألف واللام حرفا واحدا إذ كان مؤداهما واحدا.
352
واللام، فإذا لَمْ تأتِ بهما جعلوا هُوَ قبلها «١» اسما ليست بعماد إذ لم يُعمد الفعل بالألف واللام قَالَ الشاعر:
أَجِدَّك لَن تزال نجِيَّ هَمّ تبيتُ اللَّيْلَ أنت لَهُ ضَجيعُ
وقوله: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ [٧] العرب تدغم اللام عند النون إِذَا سكنت اللام وتحركت النون. وَذَلِكَ أنها قريبة المخرج منها. وهي كثيرة فِي القراءة. ولا يقولون ذَلِكَ في لامٍ قد تتحرَّك فِي حال مثل ادخل وقل لأن (قل) قد كَانَ يُرفع «٢» ويُنصب ويدخل عَلَيه الجزم، وهل وبل وأَجَلْ مجزومات أبدًا، فشُبِّهْنَ إِذَا أُدْغِمن بقوله (النار) إِذَا أدغمت اللام من النار فِي النون منها. وكذلك قوله (فَهَلْ تَرى «٣» لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) تدغم اللام عند التاء من بَلْ وهل وأجل. ولا تدغم فِي اللام التي قد تتحرك فِي حال. وإظهارهما «٤» جائز لأن اللام ليست بموصولة بما بعدها كاتصال اللام من النار وأشباه ذَلِكَ. وإنما صرت أختار (هَلْ «٥» تستطيع) و (بَلْ «٦» نَظُنُّكُمْ) فأظهر لأن القراءة من المولّدين مصنوعة لَمْ يأخذوها بطباع الأعراب، إنما أخذوها بالصنعة. فالأعرابي ذَلِكَ جائز لَهُ لِمَا يجري عَلَى لسانه من خفيف الكلام وثقيله. ولو اقتسْتُ فِي القراءة عَلَى ما يخفّ عَلَى ألسن العرب فيخففون أو يدغمون «٧» لخفّفت قوله (قُلْ أَيُّ «٨» شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) فقلتُ: أَيْش أكبر شهادة، وهو كلام العرب. فليس القراءة عَلَى ذَلِكَ، إنما القراءة عَلَى الإشباع والتمكين ولأن الحرف لَيْسَ بِمتصل مثل الألف واللام: ألا ترى أنك لا تقف على الألف
(١) كذا. والمناسب: «قبلهما» والعذر ما علمت.
(٢) يريد أن متصرفات مادة قل من الفعل ومنها المضارع، فهو يرفع وينصب ويجزم.
(٣) الآية ٨ سورة الحاقة. [.....]
(٤) أي إظهار اللام والتاء.
(٥) الآية ١١٢ سورة المائدة. والقراءة بالتاء للكسائى. وقراءة غيره بالياء.
(٦) الآية ٢٧ سورة هود
(٧) فى اعكس هذا الترتيب فى الذكر.
(٨) الآية ١٩ سورة الأنعام.
353
واللام مما هي فِيهِ. فلذلك لَمْ أظهر اللام «١» عند التاء وأشباهها. وكذلك قوله: (اتَّخَذْتُمُ «٢» ) و (عُذْتُ «٣» بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) تظهر وتدغم. والإدغام أحبّ إليّ لأنها متصلة بحرف لا يوقف عَلَى ما دونه. فأما قوله (بَلْ رانَ «٤» عَلى قُلُوبِهِمْ) فإن اللام تدخل فِي الرَّاء دخولًا شديدًا، ويثقل عَلَى اللسان إظهارها فأدغمت. وكذلك فافعل بِجميع الإدغام: فما ثقل عَلَى اللسان إظهاره فأدغم، وما سهل لك فِيهِ الإظهار فأظهر ولا تدغم.
وقوله: لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [٧] أَفْتَرَى على الله كذبا [٨] هَذِه الألف استفهام. فهي مقطوعة فِي القطع «٥» والوصل لأنها ألف الاستفهام، ذهبت الألف التي بعدها لأنها خفيفة زائدة تذهب فِي اتصال الكلام. وكذلك قوله: (سَواءٌ عَلَيْهِمْ «٦» أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) وقوله (أَسْتَكْبَرْتَ) «٧» قرأ «٨» الآية مُحَمَّد بن الجهم، وقوله (أَصْطَفَى «٩» الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) ولا يَجوز أن تكسر الألف هاهنا لأن الاستفهام يذهب. فإن قلت: هَلّا إِذَا اجتمعت ألفان طوّلت كما قال (آلذَّكَرَيْنِ «١٠» (آلْآنَ) «١١» قلت: إنما طولت الألف فِي الآن وشبهه لأن ألفها كانت مفتوحة، فلو أذهبتها لم تجد بين الاستفهام والخبر/ ١٥١ ب فَرقًا، فجعل تطويل الألف فرقًا بين الاستفهام والخبر، وقوله (أَفْتَرى) كانت ألفها مكسورة وألف الاستفهام مفتوحة فافترقا، ولم يحتاجا إلى تطويل الألف.
(١) أي لام أل.
(٢) هذا يتكرر فى القرآن. ومنه الآية ٥١ من سورة البقرة: «وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل» وكتب فى افوقه: «اتختم» تبيينا لصورة الإدغام.
(٣) الآية ٢٧ سورة غافر، والآية ٢٠ سورة الدخان وكتب فى افوقه: «عت» تبيينا أيضا لصورة الإدغام:
(٤) الآية ١٤ سورة المطففين.
(٥) أي الواقف.
(٦) الآية ٦ سورة المنافقين.
(٧) الآية ٧٥ سورة ص
(٨) أي أتم الآية محمد بن الجهم الراوي للكتاب.
(٩) الآية ١٥٣ سورة الصافات. [.....]
(١٠) الآية ١٤٣ سورة الأنعام.
(١١) الآية ٩١ سورة يونس.
354
وقوله: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [٩] يقول: أما يعلمونَ أنهم حيثما كانوا فهم يرون بين أيديهم من الأرض والسماء مثل الَّذِي خلفهم، وأنهم لا يخرجون منها.
فكيف يأمنون أن نخسف بِهم الأرض أو نُسقط عليهم من السماء عذابًا.
وقوله: يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ [١٠] اجتمعت القراء الَّذِينَ يُعرفونَ عَلَى تشديد (أَوِّبِي) ومعناهُ: سبّحي. وقرأ بعضهم «١» (أُوبِي مَعَهُ) من آب يؤوب أي تصرّفى معه. و (الطَّيْرَ) منصوبة عَلَى جهتين: إحداهما أن تنصبها بالفعل بقوله: ولقد آتينا داود منا فضلًا. وسخَّرنا لَهُ الطير.
فيكون مثل قولك: أطعمته طعامًا وماءً، تريدُ: وسقيته ماءً. فيجوز ذَلِكَ. والوجهُ الآخر بالنداء، لأنك إِذَا قلت: يا عَمْرو والصَلْت أقبِلا، نصبت الصلت لأنه إنما يدعى بيا أيّها، فإذا فقدتها كَانَ كالمعدولِ عَن جهته فنُصب. وقد يَجوز رفعه عَلَى أن يتبع ما قبله. ويَجوز رفعه عَلَى: أوِّبي أنت «٢» والطير. وأنشدني بعض العرب فِي النداء إِذَا نُصب لفقده يا أيّها:
ألا يا عَمْرو والضحاك سِيرَا فقد جاوزتما خَمرَ الطريقِ
الخَمَر: ما سترك من الشجر وغيرها (وقد يجوز «٣» ) نصب (الضحاك) ورفعه. وقال الآخر:
يا طلحة الكامل وابن الكامل
والنعت يجري فِي الحرف المنادي، كما يجري المعطوف: يُنصَب ويرفع، ألا ترى أنك تَقُولُ:
إن أخاك قائم وزيد، وإن أخاك قائم [و «٤» ] زيدا «٥» فيُجرى المعطوف فِي إنّ بعد الفعل مجرى النعت بعد الفعل.
وقوله: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) أسِيلَ لَهُ الحديد، فكان يعمل بِهِ ما شاء. كما يعمل بالطين.
(١) هو الحسن كما فى الإتحاف.
(٢) أي بالعطف على الضمير المرفوع فى قوله: «أوبى».
(٣) ش، ب: «فيجوز».
(٤) زيادة يقتضيها السياق. وقوله «زيدا» فى الأصول: «زيد» والمناسب ما أثبت.
(٥) زيادة يقتضيها السياق. وقوله «زيدا» فى الأصول: «زيد» والمناسب ما أثبت.
355
وقوله- عزّ وجلّ- أن أعمل سابغات [١١] الدروع (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) يقول: لا تجعل مسمار الدرع دقيقا فيقلق، ولا غليظًا فيقصِم الْحَلَق.
وقوله: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ [١٢] منصوبة عَلَى: وسخرنا لسليمان الريح. وهي منصوبة فى الأنبياء «١» (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) أضمر: وسَخَّرنا- والله أعلم- وقد رفع عَاصِم «٢» - فيما أعلم- (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) لَما لَمْ يظهر التسخير أنشدني بعضُ العرب:
ورأيتم لِمُجاشعٍ نَعَمًا وبني أبيه جَامِلٌ رُغُب «٣»
يريد: ورأيتم لبني أبيه، فلما لَمْ يظهر الفعل رُفع باللام.
وقوله: (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) يقول: غدوّها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر وروحتها كذلك.
وقوله: (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) مثل (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) والقِطْر: النحاس.
وقوله: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) [١٣] ذُكر أنها صور الملائكة والأنبياء، كانت تصور فِي المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادةً. والمحاريب: المساجد.
وقوله: (وَجِفانٍ) وهى القصاع الكبار (كَالْجَوابِ) الحياض التي للإبل (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) يقول: عظام لا تُنزل عَن مواضعها.
وقوله: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ [١٤] همزها عَاصِم والأعمش. وهي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي: أُخذت من نسأت البعير: زجرته ليزداد سيره كما يُقال: نَسأت اللبن إذا صببت عليه الماء وهو النّسىء. ونُسئت المرأة إِذَا حبلت. ونسأ الله فِي/ ١٥٢ اأجلك أي زاد الله فِيهِ، ولم يهمزها أهلُ الحجاز ولا الْحَسَن. ولعلهم أرادوا لغة قريش فإنهم يتركون الهمز. وزعم لى
(١) الآية ٨١.
(٢) أي فى رواية أبى بكر. فأمّا حفص عن عاصم فنصب.
(٣) الجامل جماعة الجمال. ورغب: ضخم واسع كثير.
356
أَبُو جَعْفَر الرؤاسي أَنَّهُ سأل عنها أبا عَمْرو فقال (مِنْساتَهُ) بغير همزٍ، فقال أَبُو عمرو: لأني لا أعرفها فتركتُ همزها. ولو جاء فِي القراءة: مِن سِاتِهِ فتجعل (سَاةً) حرفًا واحدًا فتخفضه بِمن.
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: تَأْكُلُ مَنْ عصاه. والعرب تسمّى رأس القوس السّية، فيكون من ذلك، يجوز فتحها وكسرها، يعنى فتح السين، كما يقال: إنّ به لضعة وضعة، وقحة وقحة من الوقاحة ولم يقرأ بها «١» أحد علمناه.
وقوله: (دَابَّةُ الْأَرْضِ) : الأرضة.
وقوله: (فَلَمَّا خَرَّ) سُلَيْمَان. فيما ذكر أكلت العصا فَخَرّ. وقد كَانَ الناس يُرونَ أنَّ الشياطين تعلم السرّ يكون بين اثنين فلما خرّ تبين أمرُ الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب، ولو علموهُ ما عملوا بين يديه وهو ميت. و (أَنْ) فِي موضع رفع: (تبيّن) أَنْ لو كانوا. وذُكِرَ عَن ابن عباس أَنَّهُ قَالَ: تبينت الإنس الجن، ويكون المعنى: تبينت الإنس أمر الجن، لأن الجن إِذَا تبيّن أمرها للإنس فقد تبيّنها الإنس، ويكون (أَنْ) حينئذٍ فِي موضع نصب بتبيَّنت. فلو قرأ قارئ تَبَيَّنَتِ الجنّ أن لو كانوا بجعل الفعل للإنس ويضمرهم فِي فعلهم فينصب الجن يفعل الإنس وتكون (أن) مكرورة عَلَى الجن فتنصبها.
وقرأ قوله: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ [١٥] يحيى «٢» (فِي مَسْكَنِهِمْ) وهي لغة يَمانيّة فصيحة. وقرأ حَمْزَةُ «٣» فِي (مَسْكَنِهِمْ) وقراءة العوام (مَسَاكِنِهِمْ) يريدونَ: منازلهم. وكلّ صواب. والفراء يقرأ قراءة يحيى.
(١) قرأت بذلك فرقة منهم عمر بن ثابت عن ابن جبير كما البحر ٧/ ٢٦٧.
(٢) هى قراءة الكسائي وخلف.
(٣) وكذا حفص.
357
وقوله: (آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) والمعنى: عَن أيمانِهم وشمائلهم. والجنتان مرفوعتان لأنهما تفسير للآية. ولو كَانَ أحد الحرفين «١» منصوبًا بكان لكان صوابا.
وقوله: (وَاشْكُرُوا لَهُ) انقطع هاهنا الكلام (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) هَذِه بلدة طيبة ليست بسبخة.
وقوله: سَيْلَ الْعَرِمِ [١٦] كانت مُسَنَّاة «٢» كانت تحبس الماء عَلَى ثلاثة أبواب منها، فيسقونَ من ذَلِكَ الماء من الباب الأول، ثُمَّ الثاني، ثُمَّ الآخر، فلا بنفد حَتَّى يثوب الماء من السنة المقبلة. وكانوا أنعم قوم عيشًا. فلما أعرضوا وجحدوا الرسل بثق الله عليهم الْمُسَنَّاة، فغرَّقت أرضهم ودفن بيوتَهم الرمل، ومُزّقوا كل مُمَزّق، حَتَّى صاروا مثلًا عند العرب. والعربُ تَقُولُ:
تفرقوا أيادي سبا وأيدي سَبًا قَالَ الشاعر «٣» :
عينًا ترى النّاس إليها نَيْسَبَا من صَادرٍ ووارِدٍ أيدي سَبَا
يتركونَ همزها لكثرة ما جرى عَلَى ألسنتهم ويُجرونَ سَبَا، ولا يُجرونَ: من لَمْ يُجر ذهب إلى البلدة. ومن أجرى جعل سَبَا رجلًا أو جبلًا، ويهمز. وهو فِي القراءة كَثِير بالهمز لا أعلم أحدًا ترك همزه أنشدني:
الواردونَ وتَيْم فِي ذرى سبأٍ قد عَضَّ أعناقَهم جِلْدُ الجواميس
وقوله (ذَواتَيْ أُكُلٍ) يثقّل الْأُكُل. وخفّفه بعض «٤» أهل الحجاز. وقد يقرأ بالإضافة «٥»
(١) يريد آية وجنتان. وقد قرأ ابن أبى عبلة «جنتين» كما فى البحر ٧/ ٢٧٠. [.....]
(٢) بناء فى الوادي ليرد الماء، وفيه مفاتح للماء بقدر ما يحتاج إليه.
(٣) هو دكين الراجز. والنيسب: الطريق المستقيم الواضح يريد سالكين هذا الطريق. وفى اللسان (نسب) عن ابن برى أن الذي فى رجز دكين:
ملكا ترى الناس إليه نيسبا من داخل وخارج أيدى سبا
ويروى: من صادر أو وراد.
(٤) هما نافع وابن كثير مع التنوين.
(٥) هى قراءة أبى عمرو ويعقوب.
358
وغير/ ١٥٢ ب الإضافة. فأما الأعمش وَعَاصِم «١» بن أبي النجود فثقلا ولم يضيفا فنوّنا. وذكروا فِي التفسير أَنَّهُ «٢» البرير وهو ثمر الأراك. وأما الأثل فهو الَّذِي يعرف، شبيه بالطرفاء، إلا أَنَّهُ أعظم طولًا.
وقوله: (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) قَالَ الفراء ذكروا أَنَّهُ السَّمُر واحدته سَمُرَة.
وقوله: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ [١٧] هكذا قرأه يَحْيَى «٣» وَأَبُو عبد الرحمن أيضًا.
والعوام «٤» :(وَهَلْ يُجَازَى إلا الْكَفُور).
وقوله: (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) موضع (ذلك) نصب ب (جزيناهم).
يقول القائل: كيف خصّ الكفور بالمجازاة والمجازاة للكافر وللمسلم وكل واحد؟ فيقال: إن جازيناهُ بمنزلة كافأناه، والسيئة للكافر بمثلها، وأما المؤمن فيُجزَى لأنه يزاد ويتفضَّل عَلَيْهِ ولا يُجازى. وقد يُقال: جازيت فِي معنى جزَيت، إلا أن المعنى فِي أبين الكلام عَلَى ما وصفت لك ألا ترى أَنَّهُ قد قال (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) ولم يقل (جازيناهم) وقد سمعت جازيت فِي معنى جزيت وهي مثل عاقبت وعقبت، الفعل منك وحدك. و (بناؤها) «٥» - يعني- فاعلتُ عَلَى أن تَفَعل ويُفعل بكَ.
وقوله: وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ [١٨] جعل ما بين القرية إلى القرية نصف يوم، فذلك تقديره للسير.
وقوله: رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [١٩] قراءة العوام. وتقرأ عَلَى الخبر (رَبُّنَا بَعَّدَ بَيْنَ أسفارنا) و (باعِدْ) وتقرأ عَلَى الدعاء (رَبَّنَا بَعِّدْ) وتقرأ (رَبَّنَا بَعُدَ بَيْن أسفارنا) تكون
(١) وكذا ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر.
(٢) أي الخمط.
(٣) القراءة الآخرة «يجازى» بالياء لنافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر. والقراءة الأولى «نجازى» بالنون للباقين
(٤) القراءة الآخرة «يجازى» بالياء لنافع وابن كثير وأبى عمرو وابن عامر وأبى بكر وأبى جعفر. والقراءة الأولى «نجازى» بالنون للباقين
(٥) ا: «بناء».
359
(بَيْنَ) فِي موضع رفع وهي منصوبة. فمن رفعها جعلها بمنزلة قوله (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) وقوله: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ [٢٠] نصبت الظن بوقوع التصديق عَلَيْهِ. ومعناهُ أَنَّهُ قَالَ (فَبِعِزَّتِكَ «١» لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) قَالَ الله: صدّق عليهم ظنّه لأنه إنما قاله بظنّ لا بعلم. وتقرأ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) نصبت الظن عَلَى قوله: ولقد صَدَق عليهم فِي ظنه. ولو قلت: ولقد صدق عليهم إبليس ظنُّه ترفع إبليس والظن كَانَ صوابًا عَلَى التكرير: صدق عليهم ظنّه، كما قال (يَسْئَلُونَكَ «٢» عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) يريد: عَن قتال فِيهِ، وكما قَالَ (ثُمَّ «٣» عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) ولو قرأ قارئ ولقد صدق عليهم إبليس ظنُّه يريد:
صدقه ظنُّه عليهم كما تَقُولُ صدقك ظنّك والظنّ يخطىء ويُصيب.
وقوله: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ [٢١] يُضلّهم بِهِ حُجّة، إلا أنا سلَّطناهُ عليهم لنعلم من يؤمن بالآخرة.
فإن قَالَ قائل: إن الله يعلم أمرهم بتسليط إبليس وبغير تسليطه. قلت: مثل هَذَا كَثِير فِي القرآن. قَالَ الله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ «٤» حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) وهو يعلم المجاهد والصابر بغير ابتلاء، ففيه وجهان. أحدهما أن العرب تشترط للجاهل إِذَا كلمته بشبه هَذَا شرطًا تُسنده إلى أنفسها وهي عالمة ومخرج الكلام كأنه لمن لا يعلم. من ذَلِكَ أن يقول القائل:
النار تُحرق الحطب فيقول الجاهل: بَلِ الحطب يُحرق النار، ويقول العالم: سنأتي بحطب ونار لنعلم أيّهما يأكل صاحبه فهذا وجهٌ بَيّن. والوجه/ ١٥٣ االآخر أن تقول (لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) معناهُ: حَتَّى نعلم عندكم «٥» فكأن الفعل لَهُم فِي الأصل. ومثله مما يدلك عَلَيْهِ قوله (وَهُوَ الَّذِي «٦» يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)
(١) الآيتان ٨٢، ٨٣ سورة ص
(٢) الآية ٢١٧ سورة البقرة.
(٣) الآية ٧١ سورة المائدة.
(٤) الآية ٣١ سورة محمد.
(٥) أي فى المتعارف عندكم أن العلم يكون بوسيلة تؤدى إليه. [.....]
(٦) الآية ٢٧ سورة الروم.
360
عندكم يا كفرة ولم يقل: (عندكم) يعني: وليس فِي القرآن (عندكم) وَذَلِكَ معناهُ. ومثله قوله (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ «١» الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) عند نفسك إذ كنت تقوله فِي دنياك. ومثله ما قَالَ الله لعيسى (أَأَنْتَ «٢» قُلْتَ لِلنَّاسِ) وهو يعلم ما يقول وما يجيبه بِهِ فردّ عَلَيْهِ عيسى وهو يعلم أن الله لا يحتاج إلى إجابته. فكما «٣» صلح أن يسأل عما يعلم ويلتمس من عبده ونبيه الجواب فكذلك يشرط من فعل نفسه ما يعلم، حَتَّى كأنه عند الجاهل لا يعلم.
وقوله: إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [٢٣] أي لا ينفع شفاعة ملك مقرّب، ولا نبيّ حَتَّى يُؤذن لَهُ فِي الشفاعة.
ويقال: حَتَّى يؤذن لَهُ فيمن يشفع، فتكون (مَنْ) للمشفوع له.
وقوله: (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) قراءة الأعمش وَعَاصِم بن أبي النجود وأبي عبد الرحمن السُّلمي وأهل المدينة. وقراءة الْحَسَن البصري (فرّغ) وقراءة مجاهد «٤» (حتّى إذا فزّغ) يجعل الفعل لله وأما قول الْحَسَن فمعناهُ حتى إذا كشف عنه الفزع عن قلوبهم وفرّغت منه. فهذا وجه. ومن قال فزّع أو فَزَّع فمعناهُ أيضًا: كُشف عَنْهُ الفزع (عَن) تدل عَلَى ذَلِكَ كما تَقُولُ: قد جُلِّيَ عنك الفزع. والعربُ تَقُولُ للرجل: إنه لمغَلَّب وهو غالب، ومغَلَّب وهو مغلوب: فمن قَالَ: مغلب للمغلوب يقول: هُوَ أبدًا مغلوب. ومن قَالَ: مغلب وهو غالب أراد قول الناس: هُوَ مغلَّب. والمفزع يكون جبانًا وشُجاعًا فمن جعله شجاعًا قَالَ: بمثله تنزل الأفزاع. ومن جعله جبانًا فهو بيّن. أراد: يَفزع من كلّ شىء.
وقوله: (قالُوا الْحَقَّ) فالمعنى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بين نبيّنا وبين عيسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وسَلَّمَ فَترة، فلما نزل جبريل عَلَى مُحَمَّد- عليهما السَّلَام- بالوحي ظنّ أهل السموات أَنَّهُ قيام السَّاعة. فقال
(١) الآية ٤٩ سورة الدخان.
(٢) الآية ١١٦ سورة المائدة.
(٣) ا: «كما».
(٤) هى قراءة ابن عامر ويعقوب.
بعضهم: (ماذا قالَ رَبُّكُمْ) فلم يدروا، ولكنهم قالوا: قَالَ الحق. ولو قرئ (الْحَقّ) بالرفع أي هُوَ الحق كَانَ صوابًا. ومن نصب أوقع عَلَيْهِ القول: قالوا قالَ الحق.
وقوله: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً [٢٤] قَالَ المفسرون معناه: وإنا لعلى هُدًى وأنتم فِي ضلال مبين، معنى (أو) معنى الواو عندهم. وكذلك هُوَ فِي المعنى. غير أن العربية عَلَى غير ذَلِكَ: لا تكون (أو) بمنزلة الواو. ولكنها تكون فِي الأمر المفوض، كما تَقُولُ: إن شئت فخذ درهمًا أو اثنين، فله أن يأخذ واحدًا أو اثنين، وليس لَهُ أن يأخذ ثلاثة. وَفِي قول من لا يُبصر العربية ويجعل (أو) بمنزلة الواو يَجوز لَهُ أن يأخذ ثلاثة لأنه فِي قولهم بمنزلة قولك: خذ درهمًا واثنين. والمعنى فى قوله (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) : إنا لضالون أو مهتدون، وإنكم أيضًا لضالون أو مهتدونَ، وهو يعلم أن رسوله المهتدي وأن غيره الضال: الضالون. فأنت تَقُولُ فِي الكلام للرجل: إن أحدنا لكاذب فكذبته تكذيبًا غير مكشوف. وهو فِي القرآن وَفِي كلام العرب كَثِير: أن يوّجه الكلام إلى أحسن مذاهبه إِذَا عُرف كقولك: والله لقد قدم فلان وهو كاذب/ ١٥٣ ب فيقول العالم: قل:
إن شاء الله أو قل فيما أظن فيُكذّبه بأحسن من تصريح التكذيب، ومن كلام العرب أن يقولوا.
قاتله الله: ثُمَّ يستقبحونها، فيقولون: قاتعه وكاتعه. ويقولون جوعًا دعاء عَلَى الرجل، ثُمَّ يستقبحونها فيقولون: جُودًا، وبعضهم: جُوسًا. ومن ذَلِكَ قولهم: وَيْحَك وويسكَ، إنما هي ويلك إلا أنها دونها بمنزلة ما مضى.
وقوله: قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ [٣٠] ولو قرئت «١» : ميعادٌ يَوْمٌ. ولو كانت فِي الكتاب (يومًا «٢» ) بالألف لَجاز، تريد: ميعاد فِي يوم.
وقوله: لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [٣١] : التوراة لَمَّا قَالَ أهل الكتاب:
صفةُ مُحَمَّد فِي كتابنا كفر أهل مكة بالقرآن وبالذي بين يديه: الذي قبله التوراة.
(١) جواب لو محذوف أي لجاز.
(٢) هى قراءة ابن أبى عبلة واليزيدي كما فى البحر ٧/ ٢٨٢. وهى قراءة شاذة.
وقوله: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [٣٣] المكر لَيْسَ لليل ولا للنهار، إنما المعنى: بَلْ مكركم «١» بالليل والنهار. وقد يَجوز أن نضيف الفعل إلى الليل والنهار، ويكونا كالفاعلين، لأن العرب تَقُولُ: نهارك صائم، وليلك نائم، ثُمَّ تضيف الفعل إلى الليل والنهار، وهو فِي المعنى للآدميين، كما تَقُولُ: نام لَيْلُكَ وعَزَم الأمرُ، إنما عَزَمه القوم. فهذا مما يُعرف معناه فتتسع بِهِ العرب.
وقوله: زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ [٣٧] (مَنْ) فِي موضع نصب بالاستثناء. وإن شئت أوقعت عليها التقريب، أي لا تقرِّب الأموال إلا من كَانَ مطيعًا. وإن شئت جعلته رفعًا، أي ما هُوَ إلا من آمن.
ومثله (لا يَنْفَعُ «٢» مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وإن شئت جعلت (مَنْ) فِي موضع نصب بالاستثناء. وإن شئت نصبًا بوقوع ينفع. وإن شئت رفعًا فقلت: ما هُوَ إلا من أتى الله بقلبٍ سُلَيْم.
وقوله: (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي) إن شئت جعلت (التي) جامعة للأموال والأولاد لأن الأولاد يقع عليها (التي) فلمّا أن كانا جَمْعًا صلح للتي أن تقع عليهما. ولو قَالَ:
(باللتين) كَانَ وجهًا صوابًا. ولو قَالَ: باللذين كما تَقُولُ: أمّا العسكر والإبل فقد أقبلا. وقد قالت العرب: مرّت بنا غَنَمان سُودان «٣»، فقال: غَنَمان: ولو قَالَ: غَنَم لجاز. فهذا شاهد لمن قال (بالتي) ولو وجهت (التي) إلى الأموال واكتفيت بِهَا من ذكر الأولاد صلح ذَلِكَ، كما قَالَ مرَّار الأسَدي:
نحن بِمَا عندنا وأنت بِمَا عِندك راضٍ والرأيُ مختلفُ «٤»
وقال الآخر:
إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى وأبي وكان وكنت غير غدور «٥»
(١) ش: «مكرهم».
(٢) الآيتان ٨٨، ٨٩ سورة الشعراء.
(٣) جمع أسود. وقد جمع باعتبار الجمع، ولو راعى اللفظ لقال: سوداوان.
(٤) فى كتاب سيبويه ١/ ٣٧ نسبته إلى قيس بن الخطيم.
(٥) فى كتاب سيبويه ١/ ٣٨ نسبته إلى الفرزدق.
ولم يقل: غير غَدُورين. ولو قَالَ: وما أموالكم ولا أولادكم بالذين، يذهب بِهَا إلى التذكير للأولاد لَجَاز.
وقوله: (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) لو نصبت بالتنوين الَّذِي فِي الجزاء كَانَ صوابًا. ولو قيل «١» (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) ولو قلت: جزاءٌ «٢» الضِّعْفُ كما قَالَ (بِزِينَةٍ «٣» الْكَواكِبِ) (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ) و (الغرفة) «٤».
وقوله: وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ [٤٤] أي من أين كذبوا بك ولم يأتهم كتابٌ ولا نذيرٌ بِهذا.
قَالَ الله: وَكَذَّبَ الذين من قبلهم [٤٥] وما بلغ أهل مكة معشار الَّذِينَ أهلكنا من القوّة فى الأجسام والأموال. ويقال: ما بلغوا معشار ما آتيناهم فِي الْعِدّة. والمعشار فِي الوجهين الْعُشْر.
وقوله: قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ [٤٦] أي يكفيني منكم أن يقوم الرجل منكم وحده، أو هو وغيره، ثم تنفكروا هَلْ جربتم عَلَى مُحَمَّد كذبًا أو رأوا «٥» بِهِ جنونًا ففي ذَلِكَ ما يتيقنون «٦» أَنَّهُ بنىّ.
وقوله: عَلَّامُ الْغُيُوبِ [٤٨] رفعت (علّام) وهو الوجه لأن النعت إِذَا جاء بعد الخبر رفعته العرب فِي إنّ، يقولون: إن أخاك قائم الظريف. ولو نصبوا كَانَ وجهًا. ومثله (إِنَّ «٧» ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) لو قرئ نصبًا كَانَ صوابًا، إلا أن القراءة الجيّدة الرّفع.
(١) هى قراءة رويس عن يعقوب.
(٢) هى قراءة كما فى البحر ٢/ ٢٨٦. [.....]
(٣) الآية ٦ سورة الصافات.
(٤) هذه قراءة حمزة.
(٥، ٦) كذا. والأنسب: «أو رأيتم». وكذا قوله: «يتيقنون» الأنسب: «تتيقنون».
(٧) الآية ٦٤ سورة ص
وقوله وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ [٥٢] قرأ الأعمش وَحَمْزَة وَالْكِسَائي بالهمز يَجعلونه من الشيء البطيء من نأشت من النئيش، قَالَ الشاعر:
وجئت نئيشا بعد ما فاتك الخبر
وقال آخر»
تَمَنَّى نئيشًا أن يكون أطاعني وقد حَدَثت بعد الأمور أمورُ
وقد ترك همزها أهل الحجاز وغيرهم، جَعلوها من نُشْته نَوْشًا وهو التناول: وهما متقاربان، بمنزلة ذِمْتُ الشيء وذأمته أي عبته: وقال الشاعر «٢» :
فهْي تَنُوش الحوض نَوْشًا من عَلَا نَوْشًا بِهِ تقطع أجواز الْفَلَا
وتناوش القومُ فِي القتال إِذَا تناول بعضهم بعضًا ولم يتدانوا كل التداني. وقد يَجوز همزها وهي من نُشت لانضمام الواو، يعني التناوش مثل قوله (وَإِذَا الرُّسُلُ «٣» أُقِّتَتْ).
وقوله: وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [٥٣] يقولون لَيْسَ بنبي وقد باعدهم الله أن يعلموا ذَلِكَ لأنه لا علم لَهُم، إنما يقولون بالظن وبالغيب أن ينالوا أَنَّهُ غير نبىّ.
(١) هو نهشل بن حرى كما فى اللسان (ناش). وقبله:
ومولى عصانى واستبد برأيه كما لم يطع فيما أشار قصير
فلما رأى ما غب أمرى وأمره وناءت بأعجاز الأمور صدور
(٢) هو غيلان بن حريث كما فى اللسان (نوش) والضمير فى «فهى» للابل. وقوله: «من علا» أي من فوق يريد أنها عالية الأجسام طوال الأعناق. وهذا النوش الذي ترتوى به يعينها على قطع الفلوات. والأجواز جمع جوز وهو الوسط.
(٣) الآية ١١ سورة المرسلات.
Icon