تفسير سورة الليل

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة الليل من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٩٢ شرح إعراب سورة الليل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الليل (٩٢) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١)
حذف المفعول كما يقال: ضرب زيد، ولا يجيء بالمضروب إمّا لمعرفة السامع وإمّا أن تريد أن تبهم عليه. قيل: المعنى والليل إذا يغشى كل شيء بظلمته فيصير له كالغشاء، وليس كذا النهار، وعلى هذا قول الذبياني: [الطويل] ٥٧٠-
فإنّك كاللّيل الّذي هو مدركي وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع «١»
[سورة الليل (٩٢) : آية ٢]
وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢)
خفض على العطف وليست بواو قسم.
[سورة الليل (٩٢) : آية ٣]
وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣)
ما مصدر أي وخلقه الذكر والأنثى، قيل «ما» بمعنى الذي، وأجاز الفرّاء:
وما خلق الذكر والأنثى بمعنى والذي خلق الذكر والأنثى. قال أبو جعفر: وجه بعيد أن تكون «ما» بمعنى «من» وأيضا لا نعرف أحدا قرأ به، ولكن روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «والنّهار إذا تجلّى وما خلق الذكر والأنثى» وهو عطف.
[سورة الليل (٩٢) : آية ٤]
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)
جواب القسم. قال محمد بن كعب: سعيكم عملكم.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ٥ الى ٦]
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦)
مَنْ في موضع رفع بالابتداء عند البصريين، وعند الكوفيين بالهاء العائدة
(١) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ٣٨، ولسان العرب (طور) و (نأى)، وكتاب العين ٨/ ٣٩٣، وتاج العروس (نأى)، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٥/ ٣٧٨، ومجمل اللغة ٤/ ٣٦٨.
عليه. قال الحسين بن واقد: فأما من أعطى زكاته واتّقى ربّه. ومن أحسن ما قيل في معنى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص بن راشد عن يوسف بن موسى عن ابن عليّة قال: أخبرنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى قال: بالحلف فهذا إسناد مستقيم، ومعنى ملائم لسياق الكلام.
[سورة الليل (٩٢) : آية ٧]
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧)
قال جويبر عن الضحّاك قال: للجنة.
[سورة الليل (٩٢) : آية ٨]
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨)
على ذلك القول بخل بزكاته واستغنى عن ثواب ربه جلّ وعزّ.
[سورة الليل (٩٢) : آية ١٠]
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠)
قال الضحّاك: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) قال: النار، فإن قيل: التيسير إنما يكون للخير فكيف جاء للعسر؟ فالجواب أنه مثل فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: ٢١] أي اجعل ما يا قوم لهم مقام البشارة وأنشد سيبويه: [الوافر] ٥٧١- تحيّة بينهم ضرب وجيع «١» هذا قول البصريين، وقول الفرّاء إنه إذا اجتمع خير وشرّ فوقع للخير تبشير جاز أن يقع للشرّ مثله.
[سورة الليل (٩٢) : آية ١١]
وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١)
ما في موضع نصب بيغني أي وأيّ شيء يدفع عنه ماله إذا سقط في النار، وذهب مجاهد إذا هلك وإنما يقال في الهلاك. ردى يردي وتردّى إذا سقط وردؤ الرجل يردؤ رداءة وهو رديء مردئ.
[سورة الليل (٩٢) : آية ١٢]
إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢)
لام توكيد دخلت على الهدى فحذف الألف لئلا يشبه «لا» التي للنفي ولاتصال اللام بما بعدها.
[سورة الليل (٩٢) : آية ١٣]
وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣)
وكذا وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣)
[سورة الليل (٩٢) : آية ١٤]
فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤)
(١) مرّ الشاهد رقم (٤٠٥).
فعل مستقبل الأصل تتلظّى وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أنه قرأ «تتلظّى» «١» وبعض الحفّاظ يروي عن ابن عيينة بهذا الإسناد إدغام التاء في التاء. قال أبو جعفر: ويجب أن يحرّك التنوين لالتقاء الساكنين. قال مجاهد: تلظّى توهج.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ١٥ الى ١٦]
لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦)
لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) فيه قولان: قال أبو عبيدة الْأَشْقَى بمعنى الشقي، وقال الفرّاء «٢» : الأشقى الشقيّ في علم الله سبحانه، فالقول الآخر: فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلّا أشقى أهل النار، وأشقى أهل النار الكفار. ودلّ بهذا على أن غير الكفار يدخلون النار بذنوبهم. قال الفرّاء: الَّذِي كَذَّبَ أي قصّر أخذه من قول العرب: حمل فلان على فلان فما.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ١٧ الى ١٨]
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨)
أي يتطهّر من الذنوب.
[سورة الليل (٩٢) : آية ١٩]
وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩)
أي ليس يتصدّق ليكافئ إنسانا على نعمة أنعم بها عليه. وفي معناه قول آخر ذكره الفرّاء يكون للمستقبل أي ليس يتصدّق ليكافأ على صدقته. على أنّ الفراء «٣» جعله من المقلوب بمعنى وما له عند أحد نعمة تجزى، وأنشد: [الطويل] ٥٧٢-
وقد خفت حتّى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل «٤»
وتأوّله بمعنى حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي. قال أبو جعفر: لا يجوز أن يحمل كتاب الله على القلب والاضطرارات البعيدة.
[سورة الليل (٩٢) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١)
إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) منصوب لأنه استثناء ليس من الأول لم يذكر البصريون غير هذا. وأجاز الفرّاء «٥» أن يكون التقدير: ما ينفق إلا ابتغاء وجه ربّه، وأجاز
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٧٢، والبحر المحيط ٨/ ٤٧٨.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٧٢.
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٧٢. [.....]
(٤) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ١٤٤، وأما لي المرتضى ١/ ٢٠٢، ومعجم ما استعجم ١٠٢٦، وبلا نسبة في أما لي المرتضى ١/ ٢١٦، والإنصاف ١/ ٣٧٢، ولسان العرب (خوف)، ومجالس ثعلب ص ٦١٨ والمقتضب ٣/ ٢٣١.
(٥) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٧٣.
151
إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ «١» بالرفع لأن المعنى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربّه. قال أبو جعفر: ولم يقرأ بهذا، وهو أيضا بعيد وإن كان النحويون قد أجازوه، كما قال: [الرجز] ٥٧٣-
وبلدة ليس بها أنيس... إلّا اليعافير وإلّا العيس «٢»
وأنشد بعضهم للنابغة «٣» :[البسيط] ٥٧٤-
وقفت فيها أصيلا كي أسائلها... عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد
إلّا أواريّ لأيا ما أبيّنها... والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
والرفع في هذا مثل وما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وهذا مجاز أي إلّا طلب رضوانه. وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١) أي بالثواب.
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ٤٧٩.
(٢) مرّ الشاهد رقم (١١٠).
(٣) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ١٤، ١٥، والكتاب ٢/ ٣٣٢، وخزانة الأدب ٤/ ١٢٢ والدرر ١/ ٢٧٤، وجمهرة اللغة ٩٣٤، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٥٤، والصاحبي في فقه اللغة ٢١٥، وشرح شواهد الإيضاح ١٩١، والمقاصد النحوية ٤/ ٣١٥، والمحتسب ١/ ٢٥١، والمقتضب ٤/ ٤١٤، وبلا نسبة في رصف المباني ٤٥٢، وشرح الأشموني ٢/ ٤٩٣، وشرح التصريح ١/ ١٤٠، ولسان العرب (سند)، وشرح المفصل ٨/ ١٢٩.
152
Icon