تفسير سورة الرعد

أسباب نزول القرآن - الواحدي
تفسير سورة سورة الرعد من كتاب أسباب نزول القرآن - الواحدي .
لمؤلفه .

قوله تعالى: ﴿وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ...﴾ [١٣].
أخبرنا نصر بن أبي نصر الواعظ، قال: أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن نصير، قال: أخبرنا محمد بن أيوب الرازي، قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الوهاب قال: حدثني علي بن أبي سارة الشَّيْبَاني، قال: حدَّثنا ثابت، عن أنس بن مالك:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعث رجلاً مَرَّةً إلى رجل من فراعنة العرب، فقال: اذهب فادعه لي، فقال: يا رسول الله، إنه أعتى من ذلك. قال: اذهب فادعه لي. قال: فذهب إليه، فقال: يدعوك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما الله؟ أَمِنْ ذهب هو أو من فضة أو من نحاس؟ قال: فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره وقال: قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك قال لي كذا وكذا. فقال: ارجع إليه الثانية فادعه. فرجع إليه فأعاد عليه مثل الكلام الأول، فرجع إلى النبي صلى الله عليه سولم، فأخبره، فقال: ارجع إليه، فرجع الثالثة، فأعاد عليه مثل ذلك الكلام، فبينما هو يكلمني إذ بعث الله سحابه حِيَال رأسه فرعدت فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحْف راسه، فأنزل الله تعالى: ﴿وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي ٱللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ﴾.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح وابن جُرَيج وابن زيد: نزلت هذه الآية والتي قبلها في عامِر بن الطُّفَيْل، وأرْبَدَ بن ربيعة، وذلك أنهما أقبلا يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله، هذا عامر بن الطُّفَيْل قد أقبل نحوك. فقال: دعه فإن يرد الله به خيراً يهده. فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد، مالي إن أسلمت؟ قال: لك ما للمسلمين، وعليك ما عليهم. قال: تجعل لي الأمر [من] بعدك، قال: لا، ليس ذلك إليَّ إنما ذلك إلى الله تعالى يجعله حيث يشاء. قال: فتجعلني على الوبر، وأنت على المَدَرَ. قال: لا، قال: فماذا تجعل لي؟ قال: أجعل لك أعِنَّةَ الخيل تغزو عليها، قال: أوليس ذلك إِليَّ اليوم؟ وكان أوصى [إلى] أربد بن ربيعة: إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه، فدار أرْبَدُ خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبراً، ثم حبسه الله تعالى فلم يقدر على سلِّه وجعل عامر يُومِئُ إليه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أرْبَدَ وما يَصنع بسيفه، فقال: اللهم اكفنيهما بما شئت، فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته، وولى عامر هارباً وقال: يا محمد دعوتَ ربك فقتل أربد، والله لأملأنها عليك خيلاً جُرْداً، وفتياناً مرداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله تعالى من ذلك وأبْنَاءُ قَيْلَة - يريد الأوس والخزرج - فنزل عامر بيت امرأة سلُوليّة، فلما أصبح ضمَّ عليه سلاحه فخرج وهو يقول: واللات [والعُزَّى] لئن أصْحَرَ محمد إِليَّ وصاحبُه - يعني ملك الموت - لأنْفِذَنَّهما برمحي. فلما رأى الله تعالى [ذلك] منه، أرسل ملكاً فلطمه بجناحه فأذْرَاه في التراب، وخرجت على ركبتيه غُدَّة في الوقت [عظيمة] كغُدَّة البعير، فعاد إلى بيت السّلُولِيَّة وهو يقول: غُدَّة كغُدَّة البعير، وموت في بيت السلولية! ثم مات على ظهر فرسه، وأنزل الله تعالى في هذه القصة: ﴿سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ﴾ حتى بلغ ﴿وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ﴾..
قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ...﴾. [٣٠].
قال أهل التفسير: نزلت في صلح الحُدَيْبِيَة حين أرادوا كِتَابَ الصلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لعلي] اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو والمشركون: ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة - يعنون مسيلمة الكذاب - اكتب: باسمك اللهم. وهكذا كانت [أهل] الجاهلية يكتبون فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال ابن عباس في رواية الضّحّاك: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ الأية فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال: ﴿قُلْ﴾ لهم: إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته ﴿هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ﴾ الآية. [٣١].
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن النحوي، قال أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أبو يعلَى قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن سلمة الأنصاري، حدَّثنا خلف بن تميم، عن عبد الجبار بن عمر الأيْلِي، عن عبد الله بن عطاء، عن جدته أم عطاء مولاة الزبير، قالت: سمعت الزبير بن العَوَّام يقول:
قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: تزعم أنك نبي يوحى إليك، وأن سليمان سخرت له الريح [والجبال]، وأن موسى سخر له البحر، وأن عيسى كان يحيي الموتى، فادع الله أن يُسَيِّرَ عنا هذه الجبال، ويفجِّر لنا الأرض أنهاراً فنتخذها محارث فنزرع ونأكل، وإلا فادع الله أن يحيي لنا مَوْتَانَا فنكلّمهم ويكلمونا، وإلا فادع الله أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهباً فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف، فإنك تزعم أنك كهيئتهم. فبينما نحن حوله إذ نزل عليه الوحي، فلما سُرِّي عنه قال: والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم، ولو شئت لكان، ولكنه خيرني بين أن تدخلوا في باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة [ولا يؤمن مؤمنكم]، فاخترت باب الرحمة [وأن يؤمن مؤمنكم] وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم، أنه يعذبكم عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فنزلت: ﴿وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا﴾ [حتى قرأ ثلاث آيات]، ونزلت: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً﴾. [٣٨].
قال الكلبي: عيرت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبياً كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
Icon