تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
سُبْحَانَ
هَذِهِ السُّورَة مَكِّيَّة، إِلَّا ثَلَاث آيَات : قَوْله عَزَّ وَجَلَّ ( وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَك ) [ الْإِسْرَاء : ٧٦ ] حِين جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْد ثَقِيف، وَحِين قَالَتْ الْيَهُود : لَيْسَتْ هَذِهِ بِأَرْضِ الْأَنْبِيَاء.
وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ :( وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق ) [ الْإِسْرَاء : ٨٠ ] وَقَوْله تَعَالَى ( إِنَّ رَبّك أَحَاطَ بِالنَّاسِ ) [ الْإِسْرَاء : ٦٠ ] الْآيَة.
وَقَالَ مُقَاتِل : وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ ( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ قَبْله ) [ الْإِسْرَاء : ١٠٧ ] الْآيَة.
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيل وَالْكَهْف وَمَرْيَم : إِنَّهُنَّ مِنْ الْعِتَاق الْأَوَّل، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي ; يُرِيد مِنْ قَدِيم كَسْبه.
" سُبْحَان " اِسْم مَوْضُوع مَوْضِع الْمَصْدَر، وَهُوَ غَيْر مُتَمَكِّن ; لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي بِوُجُوهِ الْإِعْرَاب، وَلَا تَدْخُل عَلَيْهِ الْأَلِف وَاللَّام، وَلَمْ يَجْرِ مِنْهُ فِعْل، وَلَمْ يَنْصَرِف لِأَنَّ فِي آخِره زَائِدَتَيْنِ، تَقُول : سَبَّحْت تَسْبِيحًا وَسُبْحَانًا، مِثْل كَفَّرْت الْيَمِين تَكْفِيرًا وَكُفْرَانًا.
وَمَعْنَاهُ التَّنْزِيه وَالْبَرَاءَة لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلّ نَقْص.
فَهُوَ ذِكْر عَظِيم لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصْلُح لِغَيْرِهِ ; فَأَمَّا قَوْل الشَّاعِر :
فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى طَرِيق النَّادِر.
وَقَدْ رَوَى طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه الْفَيَّاض أَحَد الْعَشَرَة أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مَعْنَى سُبْحَان اللَّه ؟ فَقَالَ :( تَنْزِيه اللَّه مِنْ كُلّ سُوء ).
وَالْعَامِل فِيهِ عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ الْفِعْل الَّذِي مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظه، إِذْ لَمْ يَجْرِ مِنْ لَفْظه فِعْل، وَذَلِكَ مِثْل قَعَدَ الْقُرْفُصَاء، وَاشْتَمَلَ الصَّمَّاء ; فَالتَّقْدِير عِنْده : أُنَزِّه اللَّه تَنْزِيهًا ; فَوَقَعَ ( سُبْحَان اللَّه ) مَكَان قَوْلك تَنْزِيهًا.
هَذِهِ السُّورَة مَكِّيَّة، إِلَّا ثَلَاث آيَات : قَوْله عَزَّ وَجَلَّ ( وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَك ) [ الْإِسْرَاء : ٧٦ ] حِين جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفْد ثَقِيف، وَحِين قَالَتْ الْيَهُود : لَيْسَتْ هَذِهِ بِأَرْضِ الْأَنْبِيَاء.
وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ :( وَقُلْ رَبّ أَدْخِلْنِي مُدْخَل صِدْق وَأَخْرِجْنِي مُخْرَج صِدْق ) [ الْإِسْرَاء : ٨٠ ] وَقَوْله تَعَالَى ( إِنَّ رَبّك أَحَاطَ بِالنَّاسِ ) [ الْإِسْرَاء : ٦٠ ] الْآيَة.
وَقَالَ مُقَاتِل : وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ ( إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم مِنْ قَبْله ) [ الْإِسْرَاء : ١٠٧ ] الْآيَة.
وَقَالَ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي بَنِي إِسْرَائِيل وَالْكَهْف وَمَرْيَم : إِنَّهُنَّ مِنْ الْعِتَاق الْأَوَّل، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي ; يُرِيد مِنْ قَدِيم كَسْبه.
" سُبْحَان " اِسْم مَوْضُوع مَوْضِع الْمَصْدَر، وَهُوَ غَيْر مُتَمَكِّن ; لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي بِوُجُوهِ الْإِعْرَاب، وَلَا تَدْخُل عَلَيْهِ الْأَلِف وَاللَّام، وَلَمْ يَجْرِ مِنْهُ فِعْل، وَلَمْ يَنْصَرِف لِأَنَّ فِي آخِره زَائِدَتَيْنِ، تَقُول : سَبَّحْت تَسْبِيحًا وَسُبْحَانًا، مِثْل كَفَّرْت الْيَمِين تَكْفِيرًا وَكُفْرَانًا.
وَمَعْنَاهُ التَّنْزِيه وَالْبَرَاءَة لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلّ نَقْص.
فَهُوَ ذِكْر عَظِيم لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصْلُح لِغَيْرِهِ ; فَأَمَّا قَوْل الشَّاعِر :
أَقُول لَمَّا جَاءَنِي فَخَرْهُ | سُبْحَان مِنْ عَلْقَمَة الْفَاخِر |
وَقَدْ رَوَى طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه الْفَيَّاض أَحَد الْعَشَرَة أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا مَعْنَى سُبْحَان اللَّه ؟ فَقَالَ :( تَنْزِيه اللَّه مِنْ كُلّ سُوء ).
وَالْعَامِل فِيهِ عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ الْفِعْل الَّذِي مِنْ مَعْنَاهُ لَا مِنْ لَفْظه، إِذْ لَمْ يَجْرِ مِنْ لَفْظه فِعْل، وَذَلِكَ مِثْل قَعَدَ الْقُرْفُصَاء، وَاشْتَمَلَ الصَّمَّاء ; فَالتَّقْدِير عِنْده : أُنَزِّه اللَّه تَنْزِيهًا ; فَوَقَعَ ( سُبْحَان اللَّه ) مَكَان قَوْلك تَنْزِيهًا.
الَّذِي أَسْرَى
" أَسْرَى " فِيهِ لُغَتَانِ : سَرَى وَأَسْرَى ; كَسَقَى وَأَسْقَى، كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ :
وَقَالَ آخَر :
فَجَمَعَ بَيْن اللُّغَتَيْنِ فِي الْبَيْتَيْنِ.
وَالْإِسْرَاء : سَيْر اللَّيْل ; يُقَال : سَرَيْت مَسْرًى وَسُرًى، وَأَسْرَيْت إِسْرَاء ; قَالَ الشَّاعِر :
وَقِيلَ : أَسْرَى سَارَ مِنْ أَوَّل اللَّيْل، وَسَرَى سَارَ مِنْ آخِره ; وَالْأَوَّل أَعْرَف.
" أَسْرَى " فِيهِ لُغَتَانِ : سَرَى وَأَسْرَى ; كَسَقَى وَأَسْقَى، كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ :
أَسْرَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْجَوْزَاء سَارِيَة | تُزْجِي الشَّمَال عَلَيْهِ جَامِد الْبَرَد |
حَيِّ النَّضِيرَة رَبَّة الْخِدْر | أَسْرَتْ إِلَيَّ وَلَمْ تَكُنْ تَسْرِي |
وَالْإِسْرَاء : سَيْر اللَّيْل ; يُقَال : سَرَيْت مَسْرًى وَسُرًى، وَأَسْرَيْت إِسْرَاء ; قَالَ الشَّاعِر :
وَلَيْلَة ذَات نَدًى سَرَيْت | وَلَمْ يَلِتْنِي مِنْ سُرَاهَا لَيْت |
بِعَبْدِهِ لَيْلًا
قَالَ الْعُلَمَاء : لَوْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْم أَشْرَف مِنْهُ لَسَمَّاهُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَة الْعَلِيَّة.
وَفِي مَعْنَاهُ أَنْشَدُوا :
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : لَمَّا رَفَعَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى حَضَرْته السَّنِيَّة، وَأَرْقَاهُ فَوْق الْكَوَاكِب الْعُلْوِيَّة، أَلْزَمَهُ اِسْم الْعُبُودِيَّة تَوَاضُعًا لِلْأُمَّةِ.
ثَبَتَ الْإِسْرَاء فِي جَمِيع مُصَنَّفَات الْحَدِيث، وَرُوِيَ عَنْ الصَّحَابَة فِي كُلّ أَقْطَار الْإِسْلَام فَهُوَ مِنْ الْمُتَوَاتِر بِهَذَا الْوَجْه.
وَذَكَرَ النَّقَّاش : مِمَّنْ رَوَاهُ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا.
رَوَى الصَّحِيح عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( أُتِيت بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّة أَبْيَض [ طَوِيل ] فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل يَضَع حَافِره عِنْد مُنْتَهَى طَرْفه - قَالَ - فَرَكِبْته حَتَّى أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس - قَالَ - فَرَبَطْته بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِط بِهَا الْأَنْبِيَاء - قَالَ - ثُمَّ دَخَلْت الْمَسْجِد فَصَلَّيْت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْت فَجَاءَنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْر وَإِنَاء مِنْ لَبَن فَاخْتَرْت اللَّبَن فَقَالَ جِبْرِيل اِخْتَرْت الْفِطْرَة - قَالَ - ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاء.
) وَذَكَرَ الْحَدِيث.
قَالَ الْعُلَمَاء : لَوْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْم أَشْرَف مِنْهُ لَسَمَّاهُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَة الْعَلِيَّة.
وَفِي مَعْنَاهُ أَنْشَدُوا :
يَا قَوْم قَلْبِي عِنْد زَهْرَاء | يَعْرِفهُ السَّامِع وَالرَّائِي |
لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدهَا | فَإِنَّهُ أَشْرَف أَسْمَائِي |
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : لَمَّا رَفَعَهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى حَضَرْته السَّنِيَّة، وَأَرْقَاهُ فَوْق الْكَوَاكِب الْعُلْوِيَّة، أَلْزَمَهُ اِسْم الْعُبُودِيَّة تَوَاضُعًا لِلْأُمَّةِ.
ثَبَتَ الْإِسْرَاء فِي جَمِيع مُصَنَّفَات الْحَدِيث، وَرُوِيَ عَنْ الصَّحَابَة فِي كُلّ أَقْطَار الْإِسْلَام فَهُوَ مِنْ الْمُتَوَاتِر بِهَذَا الْوَجْه.
وَذَكَرَ النَّقَّاش : مِمَّنْ رَوَاهُ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا.
رَوَى الصَّحِيح عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( أُتِيت بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّة أَبْيَض [ طَوِيل ] فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل يَضَع حَافِره عِنْد مُنْتَهَى طَرْفه - قَالَ - فَرَكِبْته حَتَّى أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس - قَالَ - فَرَبَطْته بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبِط بِهَا الْأَنْبِيَاء - قَالَ - ثُمَّ دَخَلْت الْمَسْجِد فَصَلَّيْت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْت فَجَاءَنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْر وَإِنَاء مِنْ لَبَن فَاخْتَرْت اللَّبَن فَقَالَ جِبْرِيل اِخْتَرْت الْفِطْرَة - قَالَ - ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاء.
) وَذَكَرَ الْحَدِيث.
وَمِمَّا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا خَرَّجَهُ الْآجُرِّيّ وَالسَّمَرْقَنْدِيّ، قَالَ الْآجُرِّيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ فِي قَوْله تَعَالَى " سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْله " قَالَ أَبُو سَعِيد : حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ، قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أُتِيت بِدَابَّةٍ هِيَ أَشْبَه الدَّوَابّ بِالْبَغْلِ لَهُ أُذُنَانِ يَضْطَرِبَانِ وَهُوَ الْبُرَاق الَّذِي كَانَتْ الْأَنْبِيَاء تَرْكَبهُ قَبْل فَرَكِبْته فَانْطَلَقَ تَقَع يَدَاهُ عِنْد مُنْتَهَى بَصَره فَسَمِعْت نِدَاء عَنْ يَمِينِي يَا مُحَمَّد عَلَى رِسْلك حَتَّى أَسْأَلك فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج عَلَيْهِ ثُمَّ سَمِعْت نِدَاء عَنْ يَسَارِي يَا مُحَمَّد عَلَى رِسْلك فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج عَلَيْهِ ثُمَّ اِسْتَقْبَلَتْنِي اِمْرَأَة عَلَيْهَا مِنْ كُلّ زِينَة الدُّنْيَا رَافِعَة يَدَيْهَا تَقُول عَلَى رِسْلك حَتَّى أَسْأَلك فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج ثُمَّ أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس الْأَقْصَى فَنَزَلْت عَنْ الدَّابَّة فَأَوْثَقْته فِي الْحَلْقَة الَّتِي كَانَتْ الْأَنْبِيَاء تُوثِق بِهَا ثُمَّ دَخَلْت الْمَسْجِد وَصَلَّيْت فِيهِ فَقَالَ لِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَا سَمِعْت يَا مُحَمَّد فَقُلْت نِدَاء عَنْ يَمِينِي يَا مُحَمَّد عَلَى رِسْلك حَتَّى أَسْأَلك فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج فَقَالَ ذَلِكَ دَاعِي الْيَهُود وَلَوْ وَقَفْت لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتك - قَالَ - ثُمَّ سَمِعْت نِدَاء عَنْ يَسَارِي عَلَى رِسْلك حَتَّى أَسْأَلك فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج عَلَيْهِ فَقَالَ ذَلِكَ دَاعِي النَّصَارَى أَمَا إِنَّك لَوْ وَقَفْت لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتك - قَالَ - ثُمَّ اِسْتَقْبَلَتْنِي اِمْرَأَة عَلَيْهَا مِنْ كُلّ زِينَة الدُّنْيَا رَافِعَة يَدَيْهَا تَقُول عَلَى رِسْلك فَمَضَيْت وَلَمْ أُعَرِّج عَلَيْهَا فَقَالَ تِلْكَ الدُّنْيَا لَوْ وَقَفْت لَاخْتَرْت الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة - قَالَ - ثُمَّ أُتِيت بِإِنَاءَيْنِ أَحَدهمَا فِيهِ لَبَن وَالْآخَر فِيهِ خَمْر فَقِيلَ لِي خُذْ فَاشْرَبْ أَيّهمَا شِئْت فَأَخَذْت اللَّبَن فَشَرِبْته فَقَالَ لِي جِبْرِيل أَصَبْت الْفِطْرَة وَلَوْ أَنَّك أَخَذْت الْخَمْر غَوَتْ أُمَّتك ثُمَّ جَاءَ بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُج فِيهِ أَرْوَاح بَنِي آدَم فَإِذَا هُوَ أَحْسَن مَا رَأَيْت أَوَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْمَيِّت كَيْفَ يُحِدّ بَصَره إِلَيْهِ فَعُرِجَ بِنَا حَتَّى أَتَيْنَا بَاب السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحُوا لِي وَسَلَّمُوا عَلَيَّ وَإِذَا مَلَك يَحْرُس السَّمَاء يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيل مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْف مَلَك مَعَ كُلّ مَلَك مِائَة أَلْف - قَالَ - وَمَا يَعْلَم جُنُود رَبّك إِلَّا هُوَ.
) وَذَكَرَ الْحَدِيث إِلَى أَنْ قَالَ :( ثُمَّ مَضَيْنَا إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة وَإِذَا أَنَا بِهَارُون بْن عِمْرَان الْمُحَبّ فِي قَوْمه وَحَوْله تَبَع كَثِير مِنْ أُمَّته فَوَصَفَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ طَوِيل اللِّحْيَة تَكَاد لِحْيَته تَضْرِب فِي سُرَّته ثُمَّ مَضَيْنَا إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَرَحَّبَ بِي - فَوَصَفَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ - رَجُل كَثِير الشَّعْر وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ خَرَجَ شَعْره مِنْهُمَا.
) الْحَدِيث.
وَرَوَى الْبَزَّار أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِفَرَسٍ فَحُمِلَ عَلَيْهِ، كُلّ خُطْوَة مِنْهُ أَقْصَى بَصَره.
وَذَكَرَ الْحَدِيث.
وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَة الْبُرَاق مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( بَيْنَا أَنَا نَائِم فِي الْحِجْر إِذْ أَتَانِي آتٍ فَحَرَّكَنِي بِرِجْلِهِ فَاتَّبَعْت الشَّخْص فَإِذَا هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَائِم عَلَى بَاب الْمَسْجِد مَعَهُ دَابَّة دُون الْبَغْل وَفَوْق الْحِمَار وَجْههَا وَجْه إِنْسَان وَخُفّهَا خُفّ حَافِر وَذَنَبهَا ذَنَب ثَوْر وَعُرْفهَا عُرْف الْفَرَس فَلَمَّا أَدْنَاهَا مِنِّي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام نَفَرَتْ وَنَفَشَتْ عُرْفهَا فَمَسَحَهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ يَا بُرْقَة لَا تَنْفِرِي مِنْ مُحَمَّد فَوَاَللَّهِ مَا رَكِبَك مَلَك مُقَرَّب وَلَا نَبِيّ مُرْسَل أَفْضَل مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْهُ قَالَتْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ صَاحِب الشَّفَاعَة وَإِنِّي أُحِبّ أَنْ أَكُون فِي شَفَاعَته فَقُلْت أَنْتِ فِي شَفَاعَتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
) الْحَدِيث.
وَذَكَرَ أَبُو سَعِيد عَبْد الْمَلِك بْن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : لَمَّا مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّمَاء الرَّابِعَة قَالَ : مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح الَّذِي وُعِدْنَا أَنْ نَرَاهُ فَلَمْ نَرَهُ إِلَّا اللَّيْلَة قَالَ فَإِذَا فِيهَا مَرْيَم بِنْت عِمْرَان لَهَا سَبْعُونَ قَصْرًا مِنْ لُؤْلُؤ وَلِأُمِّ مُوسَى بْن عِمْرَان سَبْعُونَ قَصْرًا مِنْ مَرْجَانَة حَمْرَاء مُكَلَّلَة بِاللُّؤْلُؤِ أَبْوَابهَا وَأَسِرَّتهَا مِنْ عِرْق وَاحِد فَلَمَّا عَرَجَ الْمِعْرَاج إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة وَتَسْبِيح أَهْلهَا سُبْحَان مَنْ جَمَعَ بَيْن الثَّلْج وَالنَّار مَنْ قَالَهَا مَرَّة وَاحِدَة كَانَ لَهُ مِثْل ثَوَابهمْ اِسْتَفْتَحَ الْبَاب جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَفَتَحَ لَهُ فَإِذَا هُوَ بِكَهْلٍ لَمْ يُرَ قَطُّ كَهْل أَجْمَل مِنْهُ عَظِيم الْعَيْنَيْنِ تَضْرِب لِحْيَته قَرِيبًا مِنْ سُرَّته قَدْ كَادَ أَنْ تَكُون شَمْطَة وَحَوْله قَوْم جُلُوس يَقُصّ عَلَيْهِمْ فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا قَالَ هَارُون الْمُحَبّ فِي قَوْمه.
) وَذَكَرَ الْحَدِيث.
فَهَذِهِ نُبْذَة مُخْتَصَرَة مِنْ أَحَادِيث الْإِسْرَاء خَارِجَة عَنْ الصَّحِيحَيْنِ، ذَكَرَهَا أَبُو الرَّبِيع سُلَيْمَان بْن سَبْع بِكَمَالِهَا فِي كِتَاب ( شِفَاء الصُّدُور ) لَهُ.
) الْحَدِيث.
وَرَوَى الْبَزَّار أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِفَرَسٍ فَحُمِلَ عَلَيْهِ، كُلّ خُطْوَة مِنْهُ أَقْصَى بَصَره.
وَذَكَرَ الْحَدِيث.
وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَة الْبُرَاق مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( بَيْنَا أَنَا نَائِم فِي الْحِجْر إِذْ أَتَانِي آتٍ فَحَرَّكَنِي بِرِجْلِهِ فَاتَّبَعْت الشَّخْص فَإِذَا هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَائِم عَلَى بَاب الْمَسْجِد مَعَهُ دَابَّة دُون الْبَغْل وَفَوْق الْحِمَار وَجْههَا وَجْه إِنْسَان وَخُفّهَا خُفّ حَافِر وَذَنَبهَا ذَنَب ثَوْر وَعُرْفهَا عُرْف الْفَرَس فَلَمَّا أَدْنَاهَا مِنِّي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام نَفَرَتْ وَنَفَشَتْ عُرْفهَا فَمَسَحَهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ يَا بُرْقَة لَا تَنْفِرِي مِنْ مُحَمَّد فَوَاَللَّهِ مَا رَكِبَك مَلَك مُقَرَّب وَلَا نَبِيّ مُرْسَل أَفْضَل مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْهُ قَالَتْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ صَاحِب الشَّفَاعَة وَإِنِّي أُحِبّ أَنْ أَكُون فِي شَفَاعَته فَقُلْت أَنْتِ فِي شَفَاعَتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
) الْحَدِيث.
وَذَكَرَ أَبُو سَعِيد عَبْد الْمَلِك بْن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ قَالَ : لَمَّا مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّمَاء الرَّابِعَة قَالَ : مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح الَّذِي وُعِدْنَا أَنْ نَرَاهُ فَلَمْ نَرَهُ إِلَّا اللَّيْلَة قَالَ فَإِذَا فِيهَا مَرْيَم بِنْت عِمْرَان لَهَا سَبْعُونَ قَصْرًا مِنْ لُؤْلُؤ وَلِأُمِّ مُوسَى بْن عِمْرَان سَبْعُونَ قَصْرًا مِنْ مَرْجَانَة حَمْرَاء مُكَلَّلَة بِاللُّؤْلُؤِ أَبْوَابهَا وَأَسِرَّتهَا مِنْ عِرْق وَاحِد فَلَمَّا عَرَجَ الْمِعْرَاج إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة وَتَسْبِيح أَهْلهَا سُبْحَان مَنْ جَمَعَ بَيْن الثَّلْج وَالنَّار مَنْ قَالَهَا مَرَّة وَاحِدَة كَانَ لَهُ مِثْل ثَوَابهمْ اِسْتَفْتَحَ الْبَاب جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَفَتَحَ لَهُ فَإِذَا هُوَ بِكَهْلٍ لَمْ يُرَ قَطُّ كَهْل أَجْمَل مِنْهُ عَظِيم الْعَيْنَيْنِ تَضْرِب لِحْيَته قَرِيبًا مِنْ سُرَّته قَدْ كَادَ أَنْ تَكُون شَمْطَة وَحَوْله قَوْم جُلُوس يَقُصّ عَلَيْهِمْ فَقُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا قَالَ هَارُون الْمُحَبّ فِي قَوْمه.
) وَذَكَرَ الْحَدِيث.
فَهَذِهِ نُبْذَة مُخْتَصَرَة مِنْ أَحَادِيث الْإِسْرَاء خَارِجَة عَنْ الصَّحِيحَيْنِ، ذَكَرَهَا أَبُو الرَّبِيع سُلَيْمَان بْن سَبْع بِكَمَالِهَا فِي كِتَاب ( شِفَاء الصُّدُور ) لَهُ.
وَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم وَجَمَاعَة أَهْل السِّيَر أَنَّ الصَّلَاة إِنَّمَا فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة فِي حِين الْإِسْرَاء حِين عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَارِيخ الْإِسْرَاء وَهَيْئَة الصَّلَاة، وَهَلْ كَانَ إِسْرَاء بِرُوحِهِ أَوْ جَسَده ; فَهَذِهِ ثَلَاث مَسَائِل تَتَعَلَّق بِالْآيَةِ، وَهِيَ مِمَّا يَنْبَغِي الْوُقُوف عَلَيْهَا وَالْبَحْث عَنْهَا، وَهِيَ أَهَمّ مِنْ سَرْد تِلْكَ الْأَحَادِيث، وَأَنَا أَذْكُر مَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ أَقَاوِيل الْعُلَمَاء وَاخْتِلَاف الْفُقَهَاء بِعَوْنِ اللَّه تَعَالَى.
فَأَمَّا الْمَسْأَلَة الْأُولَى : وَهِيَ هَلْ كَانَ إِسْرَاء بِرُوحِهِ أَوْ جَسَده ; اِخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ السَّلَف وَالْخَلَف، فَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى أَنَّهُ إِسْرَاء بِالرُّوحِ، وَلَمْ يُفَارِق شَخْصه مَضْجَعه، وَأَنَّهَا كَانَتْ رُؤْيَا رَأَى فِيهَا الْحَقَائِق، وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاء حَقّ.
ذَهَبَ إِلَى هَذَا مُعَاوِيَة وَعَائِشَة، وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَن وَابْن إِسْحَاق.
وَقَالَتْ طَائِفَة : كَانَ الْإِسْرَاء بِالْجَسَدِ يَقَظَة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس، وَإِلَى السَّمَاء بِالرُّوحِ ; وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى " فَجَعَلَ الْمَسْجِد الْأَقْصَى غَايَة الْإِسْرَاء.
قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْإِسْرَاء بِجَسَدِهِ إِلَى زَائِد عَلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى لَذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَكُون أَبْلَغ فِي الْمَدْح.
وَذَهَبَ مُعْظَم السَّلَف وَالْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ إِسْرَاء بِالْجَسَدِ وَفِي الْيَقَظَة، وَأَنَّهُ رَكِبَ الْبُرَاق بِمَكَّة، وَوَصَلَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ.
وَعَلَى هَذَا تَدُلّ الْأَخْبَار الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا وَالْآيَة.
وَلَيْسَ فِي الْإِسْرَاء بِجَسَدِهِ وَحَال يَقَظَته اِسْتِحَالَة، وَلَا يُعْدَل عَنْ الظَّاهِر وَالْحَقِيقَة إِلَى التَّأْوِيل إِلَّا عِنْد الِاسْتِحَالَة، وَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَقَالَ بِرُوحِ عَبْده وَلَمْ يَقُلْ بِعَبْدِهِ.
وَقَوْله " مَا زَاغَ الْبَصَر وَمَا طَغَى " [ النَّجْم : ١٧ ] يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمَا كَانَتْ فِيهِ آيَة وَلَا مُعْجِزَة، وَلَمَا قَالَتْ لَهُ أُمّ هَانِئ : لَا تُحَدِّث النَّاس فَيُكَذِّبُوك، وَلَا فُضِّلَ أَبُو بَكْر بِالتَّصْدِيقِ، وَلِمَا أَمْكَنَ قُرَيْشًا التَّشْنِيع وَالتَّكْذِيب، وَقَدْ كَذَّبَهُ قُرَيْش فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ حَتَّى اِرْتَدَّ أَقْوَام كَانُوا آمَنُوا، فَلَوْ كَانَ بِالرُّؤْيَا لَمْ يُسْتَنْكَر، وَقَدْ قَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ : إِنْ كُنْت صَادِقًا فَخَبِّرْنَا عَنْ عِيرنَا أَيْنَ لَقِيتهَا ؟ قَالَ :( بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا مَرَرْت عَلَيْهَا فَفَزِعَ فُلَان ) فَقِيلَ لَهُ : مَا رَأَيْت يَا فُلَان، قَالَ : مَا رَأَيْت شَيْئًا ! غَيْر أَنَّ الْإِبِل قَدْ نَفَرَتْ.
قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا مَتَى تَأْتِينَا الْعِير ؟ قَالَ :( تَأْتِيكُمْ يَوْم كَذَا وَكَذَا ).
قَالُوا : أَيَّة سَاعَة ؟ قَالَ :( مَا أَدْرِي، طُلُوع الشَّمْس مِنْ هَاهُنَا أَسْرَع أَمْ طُلُوع الْعِير مِنْ هَاهُنَا ).
فَقَالَ رَجُل : ذَلِكَ الْيَوْم ؟ هَذِهِ الشَّمْس قَدْ طَلَعَتْ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تَارِيخ الْإِسْرَاء وَهَيْئَة الصَّلَاة، وَهَلْ كَانَ إِسْرَاء بِرُوحِهِ أَوْ جَسَده ; فَهَذِهِ ثَلَاث مَسَائِل تَتَعَلَّق بِالْآيَةِ، وَهِيَ مِمَّا يَنْبَغِي الْوُقُوف عَلَيْهَا وَالْبَحْث عَنْهَا، وَهِيَ أَهَمّ مِنْ سَرْد تِلْكَ الْأَحَادِيث، وَأَنَا أَذْكُر مَا وَقَفْت عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ أَقَاوِيل الْعُلَمَاء وَاخْتِلَاف الْفُقَهَاء بِعَوْنِ اللَّه تَعَالَى.
فَأَمَّا الْمَسْأَلَة الْأُولَى : وَهِيَ هَلْ كَانَ إِسْرَاء بِرُوحِهِ أَوْ جَسَده ; اِخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ السَّلَف وَالْخَلَف، فَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى أَنَّهُ إِسْرَاء بِالرُّوحِ، وَلَمْ يُفَارِق شَخْصه مَضْجَعه، وَأَنَّهَا كَانَتْ رُؤْيَا رَأَى فِيهَا الْحَقَائِق، وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاء حَقّ.
ذَهَبَ إِلَى هَذَا مُعَاوِيَة وَعَائِشَة، وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَن وَابْن إِسْحَاق.
وَقَالَتْ طَائِفَة : كَانَ الْإِسْرَاء بِالْجَسَدِ يَقَظَة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس، وَإِلَى السَّمَاء بِالرُّوحِ ; وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى " فَجَعَلَ الْمَسْجِد الْأَقْصَى غَايَة الْإِسْرَاء.
قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْإِسْرَاء بِجَسَدِهِ إِلَى زَائِد عَلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى لَذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَكُون أَبْلَغ فِي الْمَدْح.
وَذَهَبَ مُعْظَم السَّلَف وَالْمُسْلِمِينَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ إِسْرَاء بِالْجَسَدِ وَفِي الْيَقَظَة، وَأَنَّهُ رَكِبَ الْبُرَاق بِمَكَّة، وَوَصَلَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ أُسْرِيَ بِجَسَدِهِ.
وَعَلَى هَذَا تَدُلّ الْأَخْبَار الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا وَالْآيَة.
وَلَيْسَ فِي الْإِسْرَاء بِجَسَدِهِ وَحَال يَقَظَته اِسْتِحَالَة، وَلَا يُعْدَل عَنْ الظَّاهِر وَالْحَقِيقَة إِلَى التَّأْوِيل إِلَّا عِنْد الِاسْتِحَالَة، وَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَقَالَ بِرُوحِ عَبْده وَلَمْ يَقُلْ بِعَبْدِهِ.
وَقَوْله " مَا زَاغَ الْبَصَر وَمَا طَغَى " [ النَّجْم : ١٧ ] يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمَا كَانَتْ فِيهِ آيَة وَلَا مُعْجِزَة، وَلَمَا قَالَتْ لَهُ أُمّ هَانِئ : لَا تُحَدِّث النَّاس فَيُكَذِّبُوك، وَلَا فُضِّلَ أَبُو بَكْر بِالتَّصْدِيقِ، وَلِمَا أَمْكَنَ قُرَيْشًا التَّشْنِيع وَالتَّكْذِيب، وَقَدْ كَذَّبَهُ قُرَيْش فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ حَتَّى اِرْتَدَّ أَقْوَام كَانُوا آمَنُوا، فَلَوْ كَانَ بِالرُّؤْيَا لَمْ يُسْتَنْكَر، وَقَدْ قَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ : إِنْ كُنْت صَادِقًا فَخَبِّرْنَا عَنْ عِيرنَا أَيْنَ لَقِيتهَا ؟ قَالَ :( بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا مَرَرْت عَلَيْهَا فَفَزِعَ فُلَان ) فَقِيلَ لَهُ : مَا رَأَيْت يَا فُلَان، قَالَ : مَا رَأَيْت شَيْئًا ! غَيْر أَنَّ الْإِبِل قَدْ نَفَرَتْ.
قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا مَتَى تَأْتِينَا الْعِير ؟ قَالَ :( تَأْتِيكُمْ يَوْم كَذَا وَكَذَا ).
قَالُوا : أَيَّة سَاعَة ؟ قَالَ :( مَا أَدْرِي، طُلُوع الشَّمْس مِنْ هَاهُنَا أَسْرَع أَمْ طُلُوع الْعِير مِنْ هَاهُنَا ).
فَقَالَ رَجُل : ذَلِكَ الْيَوْم ؟ هَذِهِ الشَّمْس قَدْ طَلَعَتْ.
وَقَالَ رَجُل : هَذِهِ عِيركُمْ قَدْ طَلَعَتْ، وَاسْتَخْبَرُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِفَة بَيْت الْمَقْدِس فَوَصَفَهُ لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ قَبْل ذَلِكَ.
رَوَى الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَقَدْ رَأَيْتنِي فِي الْحِجْر وَقُرَيْش تَسْأَلنِي عَنْ مَسْرَايَ فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاء مِنْ بَيْت الْمَقْدِس لَمْ أُثْبِتهَا فَكُرِبْت كَرْبًا مَا كُرِبْت مِثْله قَطُّ - قَالَ - فَرَفَعَهُ اللَّه لِي أَنْظُر إِلَيْهِ فَمَا سَأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا أَنْبَأْتهمْ بِهِ ) الْحَدِيث.
وَقَدْ اِعْتَرَضَ قَوْل عَائِشَة وَمُعَاوِيَة ( إِنَّمَا أُسْرِيَ بِنَفْسِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِأَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَة لَمْ تُشَاهِد، وَلَا حَدَّثَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا مُعَاوِيَة فَكَانَ كَافِرًا فِي ذَلِكَ الْوَقْت غَيْر مُشَاهِد لِلْحَالِ، وَلَمْ يُحَدِّث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَة عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلْيَقِفْ عَلَى ( كِتَاب الشِّفَاء ) لِلْقَاضِي عِيَاض يَجِد مِنْ ذَلِكَ الشِّفَاء.
وَقَدْ اِحْتَجَّ لِعَائِشَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ " [ الْإِسْرَاء : ٦٠ ] فَسَمَّاهَا رُؤْيَا.
وَهَذَا يَرُدّهُ قَوْله تَعَالَى :" سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا " وَلَا يُقَال فِي النَّوْم أَسْرَى.
وَأَيْضًا فَقَدْ يُقَال لِرُؤْيَةِ الْعَيْن : رُؤْيَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي هَذِهِ السُّورَة.
وَفِي نُصُوص الْأَخْبَار الثَّابِتَة دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاء كَانَ بِالْبَدَنِ، وَإِذَا وَرَدَ الْخَبَر بِشَيْءٍ هُوَ مُجَوَّز فِي الْعَقْل فِي قُدْرَة اللَّه تَعَالَى فَلَا طَرِيق إِلَى الْإِنْكَار، لَا سِيَّمَا فِي زَمَن خَرْق الْعَوَائِد، وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَارِج ; فَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون الْبَعْض بِالرُّؤْيَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الصَّحِيح :( بَيْنَا أَنَا عِنْد الْبَيْت بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان.
) الْحَدِيث.
وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَدّ مِنْ الْإِسْرَاء إِلَى نَوْم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة : فِي تَارِيخ الْإِسْرَاء، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى اِبْن شِهَاب ; فَرَوَى عَنْهُ مُوسَى بْن عُقْبَة أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس قَبْل خُرُوجه إِلَى الْمَدِينَة بِسَنَةٍ.
وَرَوَى عَنْهُ يُونُس عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَة قَبْل أَنْ تُفْرَض الصَّلَاة.
قَالَ اِبْن شِهَاب : وَذَلِكَ بَعْد مَبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَعْوَام.
وَرُوِيَ عَنْ الْوَقَّاصِيّ قَالَ : أُسْرِيَ بِهِ بَعْد مَبْعَثه بِخَمْسِ سِنِينَ.
قَالَ اِبْن شِهَاب : وَفُرِضَ الصِّيَام بِالْمَدِينَةِ قَبْل بَدْر، وَفُرِضَتْ الزَّكَاة وَالْحَجّ بِالْمَدِينَةِ، وَحُرِّمَتْ الْخَمْر بَعْد أُحُد.
وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : أُسْرِيَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَهُوَ بَيْت الْمَقْدِس، وَقَدْ فَشَا الْإِسْلَام بِمَكَّة فِي الْقَبَائِل.
رَوَى الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَقَدْ رَأَيْتنِي فِي الْحِجْر وَقُرَيْش تَسْأَلنِي عَنْ مَسْرَايَ فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاء مِنْ بَيْت الْمَقْدِس لَمْ أُثْبِتهَا فَكُرِبْت كَرْبًا مَا كُرِبْت مِثْله قَطُّ - قَالَ - فَرَفَعَهُ اللَّه لِي أَنْظُر إِلَيْهِ فَمَا سَأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا أَنْبَأْتهمْ بِهِ ) الْحَدِيث.
وَقَدْ اِعْتَرَضَ قَوْل عَائِشَة وَمُعَاوِيَة ( إِنَّمَا أُسْرِيَ بِنَفْسِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِأَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَة لَمْ تُشَاهِد، وَلَا حَدَّثَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا مُعَاوِيَة فَكَانَ كَافِرًا فِي ذَلِكَ الْوَقْت غَيْر مُشَاهِد لِلْحَالِ، وَلَمْ يُحَدِّث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَة عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلْيَقِفْ عَلَى ( كِتَاب الشِّفَاء ) لِلْقَاضِي عِيَاض يَجِد مِنْ ذَلِكَ الشِّفَاء.
وَقَدْ اِحْتَجَّ لِعَائِشَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى :" وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ " [ الْإِسْرَاء : ٦٠ ] فَسَمَّاهَا رُؤْيَا.
وَهَذَا يَرُدّهُ قَوْله تَعَالَى :" سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا " وَلَا يُقَال فِي النَّوْم أَسْرَى.
وَأَيْضًا فَقَدْ يُقَال لِرُؤْيَةِ الْعَيْن : رُؤْيَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي هَذِهِ السُّورَة.
وَفِي نُصُوص الْأَخْبَار الثَّابِتَة دَلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاء كَانَ بِالْبَدَنِ، وَإِذَا وَرَدَ الْخَبَر بِشَيْءٍ هُوَ مُجَوَّز فِي الْعَقْل فِي قُدْرَة اللَّه تَعَالَى فَلَا طَرِيق إِلَى الْإِنْكَار، لَا سِيَّمَا فِي زَمَن خَرْق الْعَوَائِد، وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَارِج ; فَلَا يَبْعُد أَنْ يَكُون الْبَعْض بِالرُّؤْيَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي الصَّحِيح :( بَيْنَا أَنَا عِنْد الْبَيْت بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان.
) الْحَدِيث.
وَيَحْتَمِل أَنْ يُرَدّ مِنْ الْإِسْرَاء إِلَى نَوْم.
وَاَللَّه أَعْلَم.
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة : فِي تَارِيخ الْإِسْرَاء، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى اِبْن شِهَاب ; فَرَوَى عَنْهُ مُوسَى بْن عُقْبَة أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس قَبْل خُرُوجه إِلَى الْمَدِينَة بِسَنَةٍ.
وَرَوَى عَنْهُ يُونُس عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَة قَبْل أَنْ تُفْرَض الصَّلَاة.
قَالَ اِبْن شِهَاب : وَذَلِكَ بَعْد مَبْعَث النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَعْوَام.
وَرُوِيَ عَنْ الْوَقَّاصِيّ قَالَ : أُسْرِيَ بِهِ بَعْد مَبْعَثه بِخَمْسِ سِنِينَ.
قَالَ اِبْن شِهَاب : وَفُرِضَ الصِّيَام بِالْمَدِينَةِ قَبْل بَدْر، وَفُرِضَتْ الزَّكَاة وَالْحَجّ بِالْمَدِينَةِ، وَحُرِّمَتْ الْخَمْر بَعْد أُحُد.
وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : أُسْرِيَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَهُوَ بَيْت الْمَقْدِس، وَقَدْ فَشَا الْإِسْلَام بِمَكَّة فِي الْقَبَائِل.
وَرَوَى عَنْهُ يُونُس بْن بُكَيْر قَالَ : صَلَّتْ خَدِيجَة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَسَيَأْتِي.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا يَدُلّك عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاء كَانَ قَبْل الْهِجْرَة بِأَعْوَامٍ ; لِأَنَّ خَدِيجَة قَدْ تُوُفِّيَتْ قَبْل الْهِجْرَة بِخَمْسِ سِنِينَ وَقِيلَ بِثَلَاثٍ وَقِيلَ بِأَرْبَعٍ.
وَقَوْل اِبْن إِسْحَاق مُخَالِف لِقَوْلِ اِبْن شِهَاب، عَلَى أَنَّ اِبْن شِهَاب قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْحَرْبِيّ : أُسْرِيَ بِهِ لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْر رَبِيع الْآخِر قَبْل الْهِجْرَة بِسَنَةٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْقَاسِم الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه : أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس، وَعُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء بَعْد مَبْعَثه بِثَمَانِيَةَ عَشَر شَهْرًا.
قَالَ أَبُو عُمَر : لَا أَعْلَم أَحَدًا مِنْ أَهْل السِّيَر قَالَ مَا حَكَاهُ الذَّهَبِيّ، وَلَمْ يُسْنِد قَوْله إِلَى أَحَد مِمَّنْ يُضَاف إِلَيْهِ هَذَا الْعِلْم مِنْهُمْ، وَلَا رَفَعَهُ إِلَى مَنْ يُحْتَجّ بِهِ عَلَيْهِمْ.
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة : وَأَمَّا فَرْض الصَّلَاة وَهَيْئَتهَا حِين فُرِضَتْ، فَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم وَجَمَاعَة أَهْل السِّيَر أَنَّ الصَّلَاة إِنَّمَا فُرِضَتْ بِمَكَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء حِين عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء، وَذَلِكَ مَنْصُوص فِي الصَّحِيح وَغَيْره.
وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي هَيْئَتهَا حِين فُرِضَتْ ; فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ زِيدَ فِي صَلَاة الْحَضَر فَأُكْمِلَتْ أَرْبَعًا، وَأُقِرَّتْ صَلَاة السَّفَر عَلَى رَكْعَتَيْنِ.
وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيّ وَمَيْمُون بْن مِهْرَان وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق.
قَالَ الشَّعْبِيّ : إِلَّا الْمَغْرِب.
قَالَ يُونُس بْن بُكَيْر : وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق ثُمَّ إِنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاة يَعْنِي فِي الْإِسْرَاء فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَة الْوَادِي فَانْفَجَرَتْ عَيْن مَاء فَتَوَضَّأَ جِبْرِيل وَمُحَمَّد يَنْظُر عَلَيْهِمَا السَّلَام فَوَضَّأَ وَجْهه وَاسْتَنْشَقَ وَتَمَضْمَضَ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَنَضَحَ فَرْجه، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِ سَجَدَات، فَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَقَرَّ اللَّه عَيْنه وَطَابَتْ نَفْسه وَجَاءَهُ مَا يُحِبّ مِنْ أَمْر اللَّه تَعَالَى، فَأَخَذَ بِيَدِ خَدِيجَة ثُمَّ أَتَى بِهَا الْعَيْن فَتَوَضَّأَ كَمَا تَوَضَّأَ جِبْرِيل ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَع سَجَدَات هُوَ وَخَدِيجَة، ثُمَّ كَانَ هُوَ وَخَدِيجَة يُصَلِّيَانِ سَوَاء.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي الْحَضَر أَرْبَعًا وَفِي السَّفَر رَكْعَتَيْنِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ نَافِع بْن جُبَيْر وَالْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَهُوَ قَوْل اِبْن جُرَيْج، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُوَافِق ذَلِكَ.
وَسَيَأْتِي.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا يَدُلّك عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاء كَانَ قَبْل الْهِجْرَة بِأَعْوَامٍ ; لِأَنَّ خَدِيجَة قَدْ تُوُفِّيَتْ قَبْل الْهِجْرَة بِخَمْسِ سِنِينَ وَقِيلَ بِثَلَاثٍ وَقِيلَ بِأَرْبَعٍ.
وَقَوْل اِبْن إِسْحَاق مُخَالِف لِقَوْلِ اِبْن شِهَاب، عَلَى أَنَّ اِبْن شِهَاب قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْحَرْبِيّ : أُسْرِيَ بِهِ لَيْلَة سَبْع وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْر رَبِيع الْآخِر قَبْل الْهِجْرَة بِسَنَةٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْقَاسِم الذَّهَبِيّ فِي تَارِيخه : أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس، وَعُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء بَعْد مَبْعَثه بِثَمَانِيَةَ عَشَر شَهْرًا.
قَالَ أَبُو عُمَر : لَا أَعْلَم أَحَدًا مِنْ أَهْل السِّيَر قَالَ مَا حَكَاهُ الذَّهَبِيّ، وَلَمْ يُسْنِد قَوْله إِلَى أَحَد مِمَّنْ يُضَاف إِلَيْهِ هَذَا الْعِلْم مِنْهُمْ، وَلَا رَفَعَهُ إِلَى مَنْ يُحْتَجّ بِهِ عَلَيْهِمْ.
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة : وَأَمَّا فَرْض الصَّلَاة وَهَيْئَتهَا حِين فُرِضَتْ، فَلَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم وَجَمَاعَة أَهْل السِّيَر أَنَّ الصَّلَاة إِنَّمَا فُرِضَتْ بِمَكَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء حِين عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء، وَذَلِكَ مَنْصُوص فِي الصَّحِيح وَغَيْره.
وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي هَيْئَتهَا حِين فُرِضَتْ ; فَرُوِيَ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ زِيدَ فِي صَلَاة الْحَضَر فَأُكْمِلَتْ أَرْبَعًا، وَأُقِرَّتْ صَلَاة السَّفَر عَلَى رَكْعَتَيْنِ.
وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيّ وَمَيْمُون بْن مِهْرَان وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق.
قَالَ الشَّعْبِيّ : إِلَّا الْمَغْرِب.
قَالَ يُونُس بْن بُكَيْر : وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق ثُمَّ إِنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاة يَعْنِي فِي الْإِسْرَاء فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَة الْوَادِي فَانْفَجَرَتْ عَيْن مَاء فَتَوَضَّأَ جِبْرِيل وَمُحَمَّد يَنْظُر عَلَيْهِمَا السَّلَام فَوَضَّأَ وَجْهه وَاسْتَنْشَقَ وَتَمَضْمَضَ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَنَضَحَ فَرْجه، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِ سَجَدَات، فَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَقَرَّ اللَّه عَيْنه وَطَابَتْ نَفْسه وَجَاءَهُ مَا يُحِبّ مِنْ أَمْر اللَّه تَعَالَى، فَأَخَذَ بِيَدِ خَدِيجَة ثُمَّ أَتَى بِهَا الْعَيْن فَتَوَضَّأَ كَمَا تَوَضَّأَ جِبْرِيل ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَع سَجَدَات هُوَ وَخَدِيجَة، ثُمَّ كَانَ هُوَ وَخَدِيجَة يُصَلِّيَانِ سَوَاء.
وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهَا فُرِضَتْ فِي الْحَضَر أَرْبَعًا وَفِي السَّفَر رَكْعَتَيْنِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ نَافِع بْن جُبَيْر وَالْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وَهُوَ قَوْل اِبْن جُرَيْج، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُوَافِق ذَلِكَ.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام هَبَطَ صَبِيحَة لَيْلَة الْإِسْرَاء عِنْد الزَّوَال، فَعَلَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاة وَمَوَاقِيتهَا.
وَرَوَى يُونُس بْن بُكَيْر عَنْ سَالِم مَوْلَى أَبِي الْمُهَاجِر قَالَ سَمِعْت مَيْمُون بْن مِهْرَان يَقُول : كَانَ أَوَّل الصَّلَاة مَثْنَى، ثُمَّ صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا فَصَارَتْ سُنَّة، وَأُقِرَّتْ الصَّلَاة لِلْمُسَافِرِ وَهِيَ تَمَام.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا إِسْنَاد لَا يُحْتَجّ بِمِثْلِهِ، وَقَوْله ( فَصَارَتْ سُنَّة ) قَوْل مُنْكَر، وَكَذَلِكَ اِسْتِثْنَاء الشَّعْبِيّ الْمَغْرِب وَحْدهَا وَلَمْ يَذْكُر الصُّبْح قَوْل لَا مَعْنَى لَهُ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ فَرْض الصَّلَاة فِي الْحَضَر أَرْبَع إِلَّا الْمَغْرِب وَالصُّبْح وَلَا يَعْرِفُونَ غَيْر ذَلِكَ عَمَلًا وَنَقْلًا مُسْتَفِيضًا، وَلَا يَضُرّهُمْ الِاخْتِلَاف فِيمَا كَانَ أَصْل فَرْضهَا.
وَرَوَى يُونُس بْن بُكَيْر عَنْ سَالِم مَوْلَى أَبِي الْمُهَاجِر قَالَ سَمِعْت مَيْمُون بْن مِهْرَان يَقُول : كَانَ أَوَّل الصَّلَاة مَثْنَى، ثُمَّ صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا فَصَارَتْ سُنَّة، وَأُقِرَّتْ الصَّلَاة لِلْمُسَافِرِ وَهِيَ تَمَام.
قَالَ أَبُو عُمَر : وَهَذَا إِسْنَاد لَا يُحْتَجّ بِمِثْلِهِ، وَقَوْله ( فَصَارَتْ سُنَّة ) قَوْل مُنْكَر، وَكَذَلِكَ اِسْتِثْنَاء الشَّعْبِيّ الْمَغْرِب وَحْدهَا وَلَمْ يَذْكُر الصُّبْح قَوْل لَا مَعْنَى لَهُ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ فَرْض الصَّلَاة فِي الْحَضَر أَرْبَع إِلَّا الْمَغْرِب وَالصُّبْح وَلَا يَعْرِفُونَ غَيْر ذَلِكَ عَمَلًا وَنَقْلًا مُسْتَفِيضًا، وَلَا يَضُرّهُمْ الِاخْتِلَاف فِيمَا كَانَ أَصْل فَرْضهَا.
مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
قَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الْأَذَان فِي " الْمَائِدَة " وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَمَضَى فِي [ آل عِمْرَان ] أَنَّ أَوَّل مَسْجِد وُضِعَ فِي الْأَرْض الْمَسْجِد الْحَرَام، ثُمَّ الْمَسْجِد الْأَقْصَى.
وَأَنَّ بَيْنهمَا أَرْبَعِينَ عَامًا مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ، وَبِنَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَدُعَاؤُهُ لَهُ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَوَجْه الْجَمْع فِي ذَلِكَ ; فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
وَنَذْكُر هُنَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُشَدّ الرِّحَال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا وَإِلَى مَسْجِد إِيلِيَاء أَوْ بَيْت الْمَقْدِس ).
خَرَّجَهُ مَالِك مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة.
وَفِيهِ مَا يَدُلّ عَلَى فَضْل هَذِهِ الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة عَلَى سَائِر الْمَسَاجِد ; لِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاء : مَنْ نَذَرَ صَلَاة فِي مَسْجِد لَا يَصِل إِلَيْهِ إِلَّا بِرِحْلَةٍ وَرَاحِلَة فَلَا يَفْعَل، وَيُصَلِّي فِي مَسْجِده، إِلَّا فِي الثَّلَاثَة الْمَسَاجِد الْمَذْكُورَة فَإِنَّهُ مَنْ نَذَرَ صَلَاة فِيهَا خَرَجَ إِلَيْهَا.
وَقَدْ قَالَ مَالِك وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم فِيمَنْ نَذَرَ رِبَاطًا فِي ثَغْر يَسُدّهُ : فَإِنَّهُ يَلْزَمهُ الْوَفَاء حَيْثُ كَانَ الرِّبَاط لِأَنَّهُ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَدْ زَادَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث مَسْجِد الْجُنْد، وَلَا يَصِحّ وَهُوَ مَوْضُوع، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب.
قَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الْأَذَان فِي " الْمَائِدَة " وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَمَضَى فِي [ آل عِمْرَان ] أَنَّ أَوَّل مَسْجِد وُضِعَ فِي الْأَرْض الْمَسْجِد الْحَرَام، ثُمَّ الْمَسْجِد الْأَقْصَى.
وَأَنَّ بَيْنهمَا أَرْبَعِينَ عَامًا مِنْ حَدِيث أَبِي ذَرّ، وَبِنَاء سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَدُعَاؤُهُ لَهُ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَوَجْه الْجَمْع فِي ذَلِكَ ; فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ.
وَنَذْكُر هُنَا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا تُشَدّ الرِّحَال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا وَإِلَى مَسْجِد إِيلِيَاء أَوْ بَيْت الْمَقْدِس ).
خَرَّجَهُ مَالِك مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة.
وَفِيهِ مَا يَدُلّ عَلَى فَضْل هَذِهِ الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة عَلَى سَائِر الْمَسَاجِد ; لِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاء : مَنْ نَذَرَ صَلَاة فِي مَسْجِد لَا يَصِل إِلَيْهِ إِلَّا بِرِحْلَةٍ وَرَاحِلَة فَلَا يَفْعَل، وَيُصَلِّي فِي مَسْجِده، إِلَّا فِي الثَّلَاثَة الْمَسَاجِد الْمَذْكُورَة فَإِنَّهُ مَنْ نَذَرَ صَلَاة فِيهَا خَرَجَ إِلَيْهَا.
وَقَدْ قَالَ مَالِك وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم فِيمَنْ نَذَرَ رِبَاطًا فِي ثَغْر يَسُدّهُ : فَإِنَّهُ يَلْزَمهُ الْوَفَاء حَيْثُ كَانَ الرِّبَاط لِأَنَّهُ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَدْ زَادَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ فِي هَذَا الْحَدِيث مَسْجِد الْجُنْد، وَلَا يَصِحّ وَهُوَ مَوْضُوع، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُقَدِّمَة الْكِتَاب.
إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى
سُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِ مَا بَيْنه وَبَيْن الْمَسْجِد الْحَرَام، وَكَانَ أَبْعَد مَسْجِد عَنْ أَهْل مَكَّة فِي الْأَرْض يُعَظَّم بِالزِّيَارَةِ،
سُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِ مَا بَيْنه وَبَيْن الْمَسْجِد الْحَرَام، وَكَانَ أَبْعَد مَسْجِد عَنْ أَهْل مَكَّة فِي الْأَرْض يُعَظَّم بِالزِّيَارَةِ،
الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
قِيلَ : بِالثِّمَارِ وَبِمَجَارِي الْأَنْهَار.
وَقِيلَ : بِمَنْ دُفِنَ حَوْله مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ ; وَبِهَذَا جَعَلَهُ مُقَدَّسًا.
وَرَوَى مُعَاذ بْن جَبَل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( يَقُول اللَّه تَعَالَى يَا شَام أَنْتَ صَفْوَتِي مِنْ بِلَادِي وَأَنَا سَائِق إِلَيْك صَفْوَتِي مِنْ عِبَادِي ).
قِيلَ : بِالثِّمَارِ وَبِمَجَارِي الْأَنْهَار.
وَقِيلَ : بِمَنْ دُفِنَ حَوْله مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ ; وَبِهَذَا جَعَلَهُ مُقَدَّسًا.
وَرَوَى مُعَاذ بْن جَبَل عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :( يَقُول اللَّه تَعَالَى يَا شَام أَنْتَ صَفْوَتِي مِنْ بِلَادِي وَأَنَا سَائِق إِلَيْك صَفْوَتِي مِنْ عِبَادِي ).
لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا
هَذَا مِنْ بَاب تَلْوِين الْخِطَاب وَالْآيَات الَّتِي أَرَاهُ اللَّه مِنْ الْعَجَائِب الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا النَّاس، وَإِسْرَاؤُهُ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي لَيْلَة وَهُوَ مَسِيرَة شَهْر، وَعُرُوجه إِلَى السَّمَاء وَوَصْفه الْأَنْبِيَاء وَاحِدًا وَاحِدًا، حَسْبَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره.
هَذَا مِنْ بَاب تَلْوِين الْخِطَاب وَالْآيَات الَّتِي أَرَاهُ اللَّه مِنْ الْعَجَائِب الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا النَّاس، وَإِسْرَاؤُهُ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى فِي لَيْلَة وَهُوَ مَسِيرَة شَهْر، وَعُرُوجه إِلَى السَّمَاء وَوَصْفه الْأَنْبِيَاء وَاحِدًا وَاحِدًا، حَسْبَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم وَغَيْره.
إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
" هُوَ " زَائِدَة فَاصِلَة.
وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدهَا خَبَر وَالْجُمْلَة خَبَر إِنَّ.
" هُوَ " زَائِدَة فَاصِلَة.
وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدهَا خَبَر وَالْجُمْلَة خَبَر إِنَّ.
وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا
أَيْ كَرَّمْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمِعْرَاجِ، وَأَكْرَمْنَا مُوسَى بِالْكِتَابِ وَهُوَ التَّوْرَاة.
" وَجَعَلْنَاهُ " أَيْ ذَلِكَ الْكِتَاب.
وَقِيلَ مُوسَى.
وَقِيلَ مَعْنَى الْكَلَام : سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وَأَتَى مُوسَى الْكِتَاب ; فَخَرَجَ مِنْ الْغِيبَة إِلَى الْإِخْبَار عَنْ نَفْسه جَلَّ وَعَزَّ.
وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَى سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا، مَعْنَاهُ أَسْرَيْنَا، يَدُلّ عَلَيْهِ مَا بَعْده مِنْ قَوْله :" لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتنَا " [ الْإِسْرَاء : ١ ] فَحَمَلَ " وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب " عَلَى الْمَعْنَى.
" أَلَّا تَتَّخِذُوا " قَرَأَ أَبُو عَمْرو ( يَتَّخِذُوا ) بِالْيَاءِ.
الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ.
فَيَكُون مِنْ بَاب تَلْوِين الْخِطَاب.
" وَكِيلًا " أَيْ شَرِيكًا ; عَنْ مُجَاهِد.
وَقِيلَ : كَفِيلًا بِأُمُورِهِمْ ; حَكَاهُ الْفَرَّاء.
وَقِيلَ : رَبًّا يَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِ فِي أُمُورهمْ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ.
وَقَالَ الْفَرَّاء : كَافِيًا ; وَالتَّقْدِير : عَهِدْنَا إِلَيْهِ فِي الْكِتَاب أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا.
وَقِيلَ : التَّقْدِير لِئَلَّا تَتَّخِذُوا.
وَالْوَكِيل : مَنْ يُوَكَّل إِلَيْهِ الْأَمْر.
أَيْ كَرَّمْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمِعْرَاجِ، وَأَكْرَمْنَا مُوسَى بِالْكِتَابِ وَهُوَ التَّوْرَاة.
" وَجَعَلْنَاهُ " أَيْ ذَلِكَ الْكِتَاب.
وَقِيلَ مُوسَى.
وَقِيلَ مَعْنَى الْكَلَام : سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وَأَتَى مُوسَى الْكِتَاب ; فَخَرَجَ مِنْ الْغِيبَة إِلَى الْإِخْبَار عَنْ نَفْسه جَلَّ وَعَزَّ.
وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَى سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا، مَعْنَاهُ أَسْرَيْنَا، يَدُلّ عَلَيْهِ مَا بَعْده مِنْ قَوْله :" لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتنَا " [ الْإِسْرَاء : ١ ] فَحَمَلَ " وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب " عَلَى الْمَعْنَى.
" أَلَّا تَتَّخِذُوا " قَرَأَ أَبُو عَمْرو ( يَتَّخِذُوا ) بِالْيَاءِ.
الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ.
فَيَكُون مِنْ بَاب تَلْوِين الْخِطَاب.
" وَكِيلًا " أَيْ شَرِيكًا ; عَنْ مُجَاهِد.
وَقِيلَ : كَفِيلًا بِأُمُورِهِمْ ; حَكَاهُ الْفَرَّاء.
وَقِيلَ : رَبًّا يَتَوَكَّلُونَ عَلَيْهِ فِي أُمُورهمْ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ.
وَقَالَ الْفَرَّاء : كَافِيًا ; وَالتَّقْدِير : عَهِدْنَا إِلَيْهِ فِي الْكِتَاب أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا.
وَقِيلَ : التَّقْدِير لِئَلَّا تَتَّخِذُوا.
وَالْوَكِيل : مَنْ يُوَكَّل إِلَيْهِ الْأَمْر.
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ
أَيْ يَا ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا، عَلَى النِّدَاء ; قَالَ مُجَاهِد وَرَوَاهُ عَنْهُ اِبْن أَبِي نَجِيح.
وَالْمُرَاد بِالذُّرِّيَّةِ كُلّ مَنْ اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، وَهُمْ جَمِيع مَنْ عَلَى الْأَرْض ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : يَعْنِي مُوسَى وَقَوْمه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل، وَالْمَعْنَى يَا ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح لَا تُشْرِكُوا.
وَذَكَرَ نُوحًا لِيُذَكِّرهُمْ نِعْمَة الْإِنْجَاء مِنْ الْغَرَق عَلَى آبَائِهِمْ.
وَرَوَى سُفْيَان عَنْ حُمَيْد عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَ ( ذَرِّيَّة ) بِفَتْحِ الذَّال وَتَشْدِيد الرَّاء وَالْيَاء.
وَرَوَى هَذِهِ الْقِرَاءَة عَامِر بْن الْوَاجِد عَنْ زَيْد بْن ثَابِت.
وَرُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت أَيْضًا " ذِرِّيَّة " بِكَسْرِ الذَّال وَشَدّ الرَّاء.
وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون " ذُرِّيَّة " مَفْعُولًا ثَانِيًا " لِتَتَّخِذُوا " وَيَكُون قَوْله :" وَكِيلًا " يُرَاد بِهِ الْجَمْع فَيَسُوغ ذَلِكَ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي الْيَاء وَالتَّاء فِي " تَتَّخِذُوا ".
وَيَجُوز أَيْضًا فِي الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا أَنْ يَكُون " ذُرِّيَّة " بَدَلًا مِنْ قَوْله " وَكِيلًا " لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَمْع ; فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَتَّخِذُوا ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح.
وَيَجُوز نَصْبهَا بِإِضْمَارِ أَعْنِي وَأَمْدَح، وَالْعَرَب قَدْ تَنْصِب عَلَى الْمَدْح وَالذَّمّ.
وَيَجُوز رَفْعهَا عَلَى الْبَدَل مِنْ الْمُضْمَر فِي " تَتَّخِذُوا " فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ ; وَلَا يَحْسُن ذَلِكَ لِمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ لِأَنَّ الْمُخَاطَب لَا يُبْدَل مِنْهُ الْغَائِب.
وَيَجُوز جَرّهَا عَلَى الْبَدَل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْوَجْهَيْنِ.
فَأَمَّا " أَنْ " مِنْ قَوْله " أَلَّا تَتَّخِذُوا " فَهِيَ عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ فِي مَوْضِع نَصْب بِحَذْفِ الْجَار، التَّقْدِير : هَدَيْنَاهُمْ لِئَلَّا يَتَّخِذُوا.
وَيَصْلُح عَلَى قِرَاءَة التَّاء أَنْ تَكُون زَائِدَة وَالْقَوْل مُضْمَر كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيَصْلُح أَنْ تَكُون مُفَسَّرَة بِمَعْنَى أَيْ، لَا مَوْضِع لَهَا مِنْ الْإِعْرَاب، وَتَكُون " لَا " لِلنَّهْيِ فَيَكُون خُرُوجًا مِنْ الْخَبَر إِلَى النَّهْي.
أَيْ يَا ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا، عَلَى النِّدَاء ; قَالَ مُجَاهِد وَرَوَاهُ عَنْهُ اِبْن أَبِي نَجِيح.
وَالْمُرَاد بِالذُّرِّيَّةِ كُلّ مَنْ اُحْتُجَّ عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، وَهُمْ جَمِيع مَنْ عَلَى الْأَرْض ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ : يَعْنِي مُوسَى وَقَوْمه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل، وَالْمَعْنَى يَا ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح لَا تُشْرِكُوا.
وَذَكَرَ نُوحًا لِيُذَكِّرهُمْ نِعْمَة الْإِنْجَاء مِنْ الْغَرَق عَلَى آبَائِهِمْ.
وَرَوَى سُفْيَان عَنْ حُمَيْد عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَ ( ذَرِّيَّة ) بِفَتْحِ الذَّال وَتَشْدِيد الرَّاء وَالْيَاء.
وَرَوَى هَذِهِ الْقِرَاءَة عَامِر بْن الْوَاجِد عَنْ زَيْد بْن ثَابِت.
وَرُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت أَيْضًا " ذِرِّيَّة " بِكَسْرِ الذَّال وَشَدّ الرَّاء.
وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون " ذُرِّيَّة " مَفْعُولًا ثَانِيًا " لِتَتَّخِذُوا " وَيَكُون قَوْله :" وَكِيلًا " يُرَاد بِهِ الْجَمْع فَيَسُوغ ذَلِكَ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي الْيَاء وَالتَّاء فِي " تَتَّخِذُوا ".
وَيَجُوز أَيْضًا فِي الْقِرَاءَتَيْنِ جَمِيعًا أَنْ يَكُون " ذُرِّيَّة " بَدَلًا مِنْ قَوْله " وَكِيلًا " لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَمْع ; فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَتَّخِذُوا ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح.
وَيَجُوز نَصْبهَا بِإِضْمَارِ أَعْنِي وَأَمْدَح، وَالْعَرَب قَدْ تَنْصِب عَلَى الْمَدْح وَالذَّمّ.
وَيَجُوز رَفْعهَا عَلَى الْبَدَل مِنْ الْمُضْمَر فِي " تَتَّخِذُوا " فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ ; وَلَا يَحْسُن ذَلِكَ لِمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ لِأَنَّ الْمُخَاطَب لَا يُبْدَل مِنْهُ الْغَائِب.
وَيَجُوز جَرّهَا عَلَى الْبَدَل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْوَجْهَيْنِ.
فَأَمَّا " أَنْ " مِنْ قَوْله " أَلَّا تَتَّخِذُوا " فَهِيَ عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ فِي مَوْضِع نَصْب بِحَذْفِ الْجَار، التَّقْدِير : هَدَيْنَاهُمْ لِئَلَّا يَتَّخِذُوا.
وَيَصْلُح عَلَى قِرَاءَة التَّاء أَنْ تَكُون زَائِدَة وَالْقَوْل مُضْمَر كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيَصْلُح أَنْ تَكُون مُفَسَّرَة بِمَعْنَى أَيْ، لَا مَوْضِع لَهَا مِنْ الْإِعْرَاب، وَتَكُون " لَا " لِلنَّهْيِ فَيَكُون خُرُوجًا مِنْ الْخَبَر إِلَى النَّهْي.
إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا
بَيَّنَ أَنَّ نُوحًا كَانَ عَبْدًا شَكُورًا يَشْكُر اللَّه عَلَى نِعَمه وَلَا يَرَى الْخَيْر إِلَّا مِنْ عِنْده.
قَالَ قَتَادَة : كَانَ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا قَالَ : بِسْمِ اللَّه، فَإِذَا نَزَعَهُ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ.
كَذَا رَوَى عَنْهُ مَعْمَر.
وَرَوَى مَعْمَر عَنْ مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : شُكْره إِذَا أَكَلَ قَالَ : بِسْمِ اللَّه، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْأَكْل قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ.
قَالَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ : لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمَد اللَّه عَلَى طَعَامه.
وَقَالَ عِمْرَان بْن سُلَيْم : إِنَّمَا سَمَّى نُوحًا عَبْدًا شَكُورًا لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا أَكَلَ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي وَلَوْ شَاءَ لَأَجَاعَنِي، وَإِذَا شَرِبَ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَقَانِي وَلَوْ شَاءَ لَأَظْمَأَنِي، وَإِذَا اِكْتَسَى قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي وَلَوْ شَاءَ لَأَعْرَانِي، وَإِذَا اِحْتَذَى قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي حَذَانِي وَلَوْ شَاءَ لَأَحْفَانِي، وَإِذَا قَضَى حَاجَته قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي الْأَذَى وَلَوْ شَاءَ لَحَبَسَهُ فِيَّ.
وَمَقْصُود الْآيَة : إِنَّكُمْ مِنْ ذُرِّيَّة نُوح وَقَدْ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ دُون آبَائِكُمْ الْجُهَّال.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّ مُوسَى كَانَ عَبْدًا شَكُورًا إِذْ جَعَلَهُ اللَّه مِنْ ذُرِّيَّة نُوحٍ.
بَيَّنَ أَنَّ نُوحًا كَانَ عَبْدًا شَكُورًا يَشْكُر اللَّه عَلَى نِعَمه وَلَا يَرَى الْخَيْر إِلَّا مِنْ عِنْده.
قَالَ قَتَادَة : كَانَ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا قَالَ : بِسْمِ اللَّه، فَإِذَا نَزَعَهُ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ.
كَذَا رَوَى عَنْهُ مَعْمَر.
وَرَوَى مَعْمَر عَنْ مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : شُكْره إِذَا أَكَلَ قَالَ : بِسْمِ اللَّه، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْأَكْل قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ.
قَالَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ : لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمَد اللَّه عَلَى طَعَامه.
وَقَالَ عِمْرَان بْن سُلَيْم : إِنَّمَا سَمَّى نُوحًا عَبْدًا شَكُورًا لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا أَكَلَ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي وَلَوْ شَاءَ لَأَجَاعَنِي، وَإِذَا شَرِبَ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَقَانِي وَلَوْ شَاءَ لَأَظْمَأَنِي، وَإِذَا اِكْتَسَى قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي وَلَوْ شَاءَ لَأَعْرَانِي، وَإِذَا اِحْتَذَى قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي حَذَانِي وَلَوْ شَاءَ لَأَحْفَانِي، وَإِذَا قَضَى حَاجَته قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي الْأَذَى وَلَوْ شَاءَ لَحَبَسَهُ فِيَّ.
وَمَقْصُود الْآيَة : إِنَّكُمْ مِنْ ذُرِّيَّة نُوح وَقَدْ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ دُون آبَائِكُمْ الْجُهَّال.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَنَّ مُوسَى كَانَ عَبْدًا شَكُورًا إِذْ جَعَلَهُ اللَّه مِنْ ذُرِّيَّة نُوحٍ.
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ
قَرَأَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو الْعَالِيَة " فِي الْكُتُب " عَلَى لَفْظ الْجَمْع.
وَقَدْ يَرِد لَفْظ الْوَاحِد وَيَكُون مَعْنَاهُ الْجَمْع ; فَتَكُون الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد.
وَمَعْنَى " قَضَيْنَا " أَعْلَمْنَا وَأَخْبَرْنَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس : وَقَالَ قَتَادَة : حَكَمْنَا ; وَأَصْل الْقَضَاء الْإِحْكَام لِلشَّيْءِ وَالْفَرَاغ مِنْهُ، وَقِيلَ : قَضَيْنَا أَوْحَيْنَا ; وَلِذَلِكَ قَالَ :" إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل ".
وَعَلَى قَوْل قَتَادَة يَكُون " إِلَى " بِمَعْنَى عَلَى ; أَيْ قَضَيْنَا عَلَيْهِمْ وَحَكَمْنَا.
وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا.
وَالْمَعْنِيّ بِالْكِتَابِ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
قَرَأَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو الْعَالِيَة " فِي الْكُتُب " عَلَى لَفْظ الْجَمْع.
وَقَدْ يَرِد لَفْظ الْوَاحِد وَيَكُون مَعْنَاهُ الْجَمْع ; فَتَكُون الْقِرَاءَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد.
وَمَعْنَى " قَضَيْنَا " أَعْلَمْنَا وَأَخْبَرْنَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس : وَقَالَ قَتَادَة : حَكَمْنَا ; وَأَصْل الْقَضَاء الْإِحْكَام لِلشَّيْءِ وَالْفَرَاغ مِنْهُ، وَقِيلَ : قَضَيْنَا أَوْحَيْنَا ; وَلِذَلِكَ قَالَ :" إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل ".
وَعَلَى قَوْل قَتَادَة يَكُون " إِلَى " بِمَعْنَى عَلَى ; أَيْ قَضَيْنَا عَلَيْهِمْ وَحَكَمْنَا.
وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا.
وَالْمَعْنِيّ بِالْكِتَابِ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس " لَتُفْسَدُنَّ ".
عِيسَى الثَّقَفِيّ " لَتُفْسُدُنَّ ".
وَالْمَعْنَى فِي الْقِرَاءَتَيْنِ قَرِيب ; لِأَنَّهُمْ إِذَا أَفْسَدُوا فَسَدُوا، وَالْمُرَاد بِالْفَسَادِ مُخَالَفَة أَحْكَام التَّوْرَاة.
" فِي الْأَرْض " يُرِيد أَرْض الشَّام وَبَيْت الْمَقْدِس وَمَا وَالَاهَا.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس " لَتُفْسَدُنَّ ".
عِيسَى الثَّقَفِيّ " لَتُفْسُدُنَّ ".
وَالْمَعْنَى فِي الْقِرَاءَتَيْنِ قَرِيب ; لِأَنَّهُمْ إِذَا أَفْسَدُوا فَسَدُوا، وَالْمُرَاد بِالْفَسَادِ مُخَالَفَة أَحْكَام التَّوْرَاة.
" فِي الْأَرْض " يُرِيد أَرْض الشَّام وَبَيْت الْمَقْدِس وَمَا وَالَاهَا.
وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا
اللَّام فِي " وَلَتَعْلُنَّ " لَام قَسَم مُضْمَر كَمَا تَقَدَّمَ.
" عُلُوًّا كَبِيرًا " أَرَادَ التَّكَبُّر وَالْبَغْي وَالطُّغْيَان وَالِاسْتِطَالَة وَالْغَلَبَة وَالْعُدْوَان.
اللَّام فِي " وَلَتَعْلُنَّ " لَام قَسَم مُضْمَر كَمَا تَقَدَّمَ.
" عُلُوًّا كَبِيرًا " أَرَادَ التَّكَبُّر وَالْبَغْي وَالطُّغْيَان وَالِاسْتِطَالَة وَالْغَلَبَة وَالْعُدْوَان.
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا
أَيْ أُولَى الْمَرَّتَيْنِ مِنْ فَسَادهمْ.
أَيْ أُولَى الْمَرَّتَيْنِ مِنْ فَسَادهمْ.
بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
هُمْ أَهْل بَابِل، وَكَانَ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ فِي الْمَرَّة الْأُولَى حِين كَذَّبُوا إرمياء وَجَرَحُوهُ وَحَبَسُوهُ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
وَقَالَ قَتَادَة : أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ جَالُوت فَقَتَلَهُمْ، فَهُوَ وَقَوْمه أُولُو بَأْس شَدِيد.
وَقَالَ مُجَاهِد : جَاءَهُمْ جُنْد مِنْ فَارِس يَتَجَسَّسُونَ أَخْبَارهمْ وَمَعَهُمْ بُخْتَنَصَّرَ فَوَعَى حَدِيثهمْ مِنْ بَيْن أَصْحَابه، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى فَارِس وَلَمْ يَكُنْ قِتَال، وَهَذَا فِي الْمَرَّة الْأُولَى، فَكَانَ مِنْهُمْ جَوْس خِلَال الدِّيَار لَا قَتْل ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر.
وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ جَاءَهُمْ بُخْتَنَصَّرَ فَهَزَمَهُ بَنُو إِسْرَائِيل، ثُمَّ جَاءَهُمْ ثَانِيَة فَقَتَلَهُمْ وَدَمَّرَهُمْ تَدْمِيرًا.
وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي خَبَر فِيهِ طُول : إِنَّ الْمَهْزُوم سَنْحَارِيب مَلِك بَابِل، جَاءَ وَمَعَهُ سِتّمِائَةِ أَلْف رَايَة تَحْت كُلّ رَايَة مِائَة أَلْف فَارِس فَنَزَلَ حَوْل بَيْت الْمَقْدِس فَهَزَمَهُ اللَّه تَعَالَى وَأَمَاتَ جَمِيعهمْ إِلَّا سَنْحَارِيب وَخَمْسَة نَفَر مِنْ كُتَّابه، وَبَعَثَ مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل وَاسْمه صديقة فِي طَلَب سَنْحَارِيب فَأُخِذَ مَعَ الْخَمْسَة، أَحَدهمْ بُخْتَنَصَّرَ، فَطَرَحَ فِي رِقَابهمْ الْجَوَامِع وَطَافَ بِهِمْ سَبْعِينَ يَوْمًا حَوْل بَيْت الْمَقْدِس وَإِيلِيَاء وَيَرْزُقهُمْ كُلّ يَوْم خُبْزَتَيْنِ مِنْ شَعِير لِكُلِّ رَجُل مِنْهُمْ، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى بَابِل، ثُمَّ مَاتَ سَنْحَارِيب بَعْد سَبْع سِنِينَ، وَاسْتَخْلَفَ بُخْتَنَصَّرَ وَعَظُمَتْ الْأَحْدَاث فِي بَنِي إِسْرَائِيل، وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِم وَقَتَلُوا نَبِيّهمْ شَعْيًا ; فَجَاءَهُمْ بُخْتَنَصَّرَ وَدَخَلَ هُوَ وَجُنُوده بَيْت الْمَقْدِس وَقَتَلَ بَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى أَفْنَاهُمْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود : أَوَّل الْفَسَاد قَتْل زَكَرِيَّا.
وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : فَسَادهمْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى قَتْل شَعْيًا نَبِيّ اللَّه فِي الشَّجَرَة ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ صديقة مَلِكهمْ مَرِجَ أَمْرهمْ وَتَنَافَسُوا عَلَى الْمُلْك وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ مِنْ نَبِيّهمْ ; فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ قُمْ فِي قَوْمك أُوحِ عَلَى لِسَانك، فَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ عَدَوْا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ فَهَرَبَ فَانْفَلَقَتْ لَهُ شَجَرَة فَدَخَلَ فِيهَا، وَأَدْرَكَهُ الشَّيْطَان فَأَخَذَ هُدْبَة مِنْ ثَوْبه فَأَرَاهُمْ إِيَّاهَا، فَوَضَعُوا الْمِنْشَار فِي وَسَطهَا فَنَشَرُوهَا حَتَّى قَطَعُوهَا وَقَطَعُوهُ فِي وَسَطهَا.
وَذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق أَنَّ بَعْض الْعُلَمَاء أَخْبَرَهُ أَنَّ زَكَرِيَّا مَاتَ مَوْتًا وَلَمْ يُقْتَل وَإِنَّمَا الْمَقْتُول شَعْيًا.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار " هُوَ سَنْحَارِيب مِنْ أَهْل نِينَوَى بِالْمَوْصِلِ مَلِك بَابِل.
وَهَذَا خِلَاف مَا قَالَ اِبْن إِسْحَاق، فَاَللَّه أَعْلَم.
هُمْ أَهْل بَابِل، وَكَانَ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ فِي الْمَرَّة الْأُولَى حِين كَذَّبُوا إرمياء وَجَرَحُوهُ وَحَبَسُوهُ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره.
وَقَالَ قَتَادَة : أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ جَالُوت فَقَتَلَهُمْ، فَهُوَ وَقَوْمه أُولُو بَأْس شَدِيد.
وَقَالَ مُجَاهِد : جَاءَهُمْ جُنْد مِنْ فَارِس يَتَجَسَّسُونَ أَخْبَارهمْ وَمَعَهُمْ بُخْتَنَصَّرَ فَوَعَى حَدِيثهمْ مِنْ بَيْن أَصْحَابه، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى فَارِس وَلَمْ يَكُنْ قِتَال، وَهَذَا فِي الْمَرَّة الْأُولَى، فَكَانَ مِنْهُمْ جَوْس خِلَال الدِّيَار لَا قَتْل ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر.
وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيّ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ جَاءَهُمْ بُخْتَنَصَّرَ فَهَزَمَهُ بَنُو إِسْرَائِيل، ثُمَّ جَاءَهُمْ ثَانِيَة فَقَتَلَهُمْ وَدَمَّرَهُمْ تَدْمِيرًا.
وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد ; ذَكَرَهُ النَّحَّاس.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي خَبَر فِيهِ طُول : إِنَّ الْمَهْزُوم سَنْحَارِيب مَلِك بَابِل، جَاءَ وَمَعَهُ سِتّمِائَةِ أَلْف رَايَة تَحْت كُلّ رَايَة مِائَة أَلْف فَارِس فَنَزَلَ حَوْل بَيْت الْمَقْدِس فَهَزَمَهُ اللَّه تَعَالَى وَأَمَاتَ جَمِيعهمْ إِلَّا سَنْحَارِيب وَخَمْسَة نَفَر مِنْ كُتَّابه، وَبَعَثَ مَلِك بَنِي إِسْرَائِيل وَاسْمه صديقة فِي طَلَب سَنْحَارِيب فَأُخِذَ مَعَ الْخَمْسَة، أَحَدهمْ بُخْتَنَصَّرَ، فَطَرَحَ فِي رِقَابهمْ الْجَوَامِع وَطَافَ بِهِمْ سَبْعِينَ يَوْمًا حَوْل بَيْت الْمَقْدِس وَإِيلِيَاء وَيَرْزُقهُمْ كُلّ يَوْم خُبْزَتَيْنِ مِنْ شَعِير لِكُلِّ رَجُل مِنْهُمْ، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى بَابِل، ثُمَّ مَاتَ سَنْحَارِيب بَعْد سَبْع سِنِينَ، وَاسْتَخْلَفَ بُخْتَنَصَّرَ وَعَظُمَتْ الْأَحْدَاث فِي بَنِي إِسْرَائِيل، وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِم وَقَتَلُوا نَبِيّهمْ شَعْيًا ; فَجَاءَهُمْ بُخْتَنَصَّرَ وَدَخَلَ هُوَ وَجُنُوده بَيْت الْمَقْدِس وَقَتَلَ بَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى أَفْنَاهُمْ.
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود : أَوَّل الْفَسَاد قَتْل زَكَرِيَّا.
وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : فَسَادهمْ فِي الْمَرَّة الْأُولَى قَتْل شَعْيًا نَبِيّ اللَّه فِي الشَّجَرَة ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ صديقة مَلِكهمْ مَرِجَ أَمْرهمْ وَتَنَافَسُوا عَلَى الْمُلْك وَقَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ مِنْ نَبِيّهمْ ; فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ قُمْ فِي قَوْمك أُوحِ عَلَى لِسَانك، فَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ عَدَوْا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ فَهَرَبَ فَانْفَلَقَتْ لَهُ شَجَرَة فَدَخَلَ فِيهَا، وَأَدْرَكَهُ الشَّيْطَان فَأَخَذَ هُدْبَة مِنْ ثَوْبه فَأَرَاهُمْ إِيَّاهَا، فَوَضَعُوا الْمِنْشَار فِي وَسَطهَا فَنَشَرُوهَا حَتَّى قَطَعُوهَا وَقَطَعُوهُ فِي وَسَطهَا.
وَذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق أَنَّ بَعْض الْعُلَمَاء أَخْبَرَهُ أَنَّ زَكَرِيَّا مَاتَ مَوْتًا وَلَمْ يُقْتَل وَإِنَّمَا الْمَقْتُول شَعْيًا.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله تَعَالَى :" ثُمَّ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار " هُوَ سَنْحَارِيب مِنْ أَهْل نِينَوَى بِالْمَوْصِلِ مَلِك بَابِل.
وَهَذَا خِلَاف مَا قَالَ اِبْن إِسْحَاق، فَاَللَّه أَعْلَم.
فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ
قِيلَ : إِنَّهُمْ الْعَمَالِقَة وَكَانُوا كُفَّارًا، قَالَهُ الْحَسَن.
وَمَعْنَى جَاسُوا : عَاثُوا وَقَتَلُوا ; وَكَذَلِكَ جَاسُوا وَهَاسُوا وَدَاسُوا، قَالَهُ اِبْن عَزِيز، وَهُوَ قَوْل الْقُتَيْبِيّ.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس :( حَاسُوا ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة.
قَالَ أَبُو زَيْد : الْحَوْس وَالْجَوْس وَالَعْوَس وَالْهَوْس : الطَّوَاف بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْجَوْس مَصْدَر قَوْلك جَاسُوا خِلَال الدِّيَار، أَيْ تَخَلَّلُوهَا فَطَلَبُوا مَا فِيهَا كَمَا يَجُوس الرَّجُل الْأَخْبَار أَيْ يَطْلُبهَا ; وَكَذَلِكَ الِاجْتِيَاس.
وَالْجَوَسَان ( بِالتَّحْرِيكِ ) الطُّوفَان بِاللَّيْلِ ; وَهُوَ قَوْل أَبِي عُبَيْدَة.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : طَافُوا بَيْن الدِّيَار يَطْلُبُونَهُمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ ; فَجَمَعَ بَيْن قَوْل أَهْل اللُّغَة.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَشَوْا وَتَرَدَّدُوا بَيْن الدُّور وَالْمَسَاكِن.
وَقَالَ الْفَرَّاء : قَتَلُوكُمْ بَيْن بُيُوتكُمْ ; وَأَنْشَدَ لِحَسَّان :
وَقَالَ قُطْرُب : نَزَلُوا ; قَالَ :
قِيلَ : إِنَّهُمْ الْعَمَالِقَة وَكَانُوا كُفَّارًا، قَالَهُ الْحَسَن.
وَمَعْنَى جَاسُوا : عَاثُوا وَقَتَلُوا ; وَكَذَلِكَ جَاسُوا وَهَاسُوا وَدَاسُوا، قَالَهُ اِبْن عَزِيز، وَهُوَ قَوْل الْقُتَيْبِيّ.
وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس :( حَاسُوا ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة.
قَالَ أَبُو زَيْد : الْحَوْس وَالْجَوْس وَالَعْوَس وَالْهَوْس : الطَّوَاف بِاللَّيْلِ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْجَوْس مَصْدَر قَوْلك جَاسُوا خِلَال الدِّيَار، أَيْ تَخَلَّلُوهَا فَطَلَبُوا مَا فِيهَا كَمَا يَجُوس الرَّجُل الْأَخْبَار أَيْ يَطْلُبهَا ; وَكَذَلِكَ الِاجْتِيَاس.
وَالْجَوَسَان ( بِالتَّحْرِيكِ ) الطُّوفَان بِاللَّيْلِ ; وَهُوَ قَوْل أَبِي عُبَيْدَة.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : طَافُوا بَيْن الدِّيَار يَطْلُبُونَهُمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ ; فَجَمَعَ بَيْن قَوْل أَهْل اللُّغَة.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَشَوْا وَتَرَدَّدُوا بَيْن الدُّور وَالْمَسَاكِن.
وَقَالَ الْفَرَّاء : قَتَلُوكُمْ بَيْن بُيُوتكُمْ ; وَأَنْشَدَ لِحَسَّان :
وَمِنَّا الَّذِي لَاقَى بِسَيْفِ مُحَمَّد | فَجَاسَ بِهِ الْأَعْدَاء عَرْض الْعَسَاكِر |