مائة وإحدى عشرة آية. مكية إلا ﴿ وإن كادوا ليفتنونك ﴾ إلى آخر ثمان آيات.
ﰡ
﴿ سبحان ﴾ اسم بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه، وقد يستعمل علما له، فيقطع عن الإضافة ويمنع الصرف. وانتصابه بفعل متروك إظهاره، تقديره : سبحوا الله سبحان، أو : أسبح الله سبحانه، ثم نزل سبحان منزلة الفعل، فسد مسده. ودل على التنزيه البليغ. وتصدير الكلام به للتنزيه عن العجز عما ذكر بعد، ويكون بمعنى التعجب. ﴿ الذي أسرى ﴾ يعني سير ليلا ﴿ بعبده ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم. ﴿ ليلا ﴾ منصوب على الظرف، وفائدةُ ذكره مع أن الإسراء لا يكون إلا بالليل الدلالةُ بتنكيره على تقليل مدة الإسراء. ﴿ من المسجد الحرام ﴾ كما في الصحيحين عن أنس عن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( بينا أنا في المسجد الحرام بين النائم واليقظان، إذ أتاني جبرئيل بالبراق، وفي لفظ : بينما أنا في الحطيم مضطجعا إذ أتاني آت. . ١ الحديث )، وقد ذكرناه في تفسير سورة النجم. وقيل : كان الإسراء من دار أم هانئ، فالمراد بالمسجد الحرام حينئذ : الحرم، سماه المسجد الحرام لأن كله مسجد، أو لأنه محيط به ليطابق المبدأ المنتهي. ويدل على كون النبي صلى الله عليه وسلم في البيت دون المسجد، ما في الصحيحين عن أنس عن أبي ذر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال :( ففرج عني سقف بيتي وأنا بمكة. . ٢ الحديث ). وذكرناه أيضا في سورة النجم.
وما رواه أبو يعلي في مسنده، والطبراني في الكبير، من حديث أم هانئ أنه كان في بيت أم هانئ، فأسري به فرجع من ليلته، وقص القصة عليها، وقال : مثل لي النبيون فصليت بهم، ثم خرج إلى المسجد، وأخبَرَتْهُ قريشا فتعجبوا منه استحالة، وارتد ناس ممن آمن به، وسعى رجال إلى أبي بكر فقال : إن كان قال : ذلك فقد صدق. قالوا : أتصدقه على ذلك ؟ قال : إني لأصدقه على أبعد من ذلك. وسمى بذلك الصديق. واستنعته طائفة سافروا إلى بيت المقدس، فَجُلي له، فَطفِق ينظر إليه وينعته لهم، فقالوا : أما النعت، فقد أصاب. فقالوا : أخبرنا عن بعيرنا. فأخبرهم بعدد جمالها وأموالها، وقال : يقدم يوم كذا مع طلوع الشمس، يقدمها جمل أورق، فخرجوا يشتدون إلى الثنية، فصادفوا العير كما أخبرهم، ثم لم يؤمنوا وقالوا : ما هذا إلا سحر مبين.
وقلت : يمكن الجمع بين الحديثين بتعدد المعراج، مرة من الحطيم، ومرة من بيت أم هانئ. قال البغوي : قال مقاتل : كانت ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة، يقال : كان في رجب. وقيل : في شهر رمضان.
﴿ إلى المسجد ﴾ يعني البيت المقدس، سمي أقصى لبعده من المسجد الحرام، ولم يكن حينئذ وراءه مسجد. وتعجب قريش لبعده، واستحالوه. قال البيضاوي : والاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة أن ما بين طرفي قرص الشمس ضِعْفُ ما بين طرفي كرة الأرض مائة ونيفا وستين مرة، ثم إن طرفها الأسفل يصل موضع طرفها الأعلى في الأقل من ثانية. وقد برهن في الكلام أن الأجسام متساوية في قبول الأعراض، وأن الله تعالى قادر على كل شيء من الممكنات، فيقدر أن يخلق مثل هذه الحركة السريعة أو أسرع منها، في بدن النبي صلى الله عليه وسلم أو فيما يحمله. والتعجب من لوازم المعجزات.
﴿ الذي باركنا حوله ﴾ بالأنهار والأشجار والثمار. وقال مجاهد : سماه مباركا لأنه مقر الأنبياء، ومهبط الملائكة والوحي، ومنه يحشر الناس يوم القيامة.
﴿ لنريه ﴾ يعني عبده محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ من آياتنا ﴾، أي بعض عجائب قدرتنا، كذهابه في برهة من الليل إلى مسيرة أربعين ليلة، ومن هناك إلى السماوات، وتمثيل الأنبياء له، وما رأى في تلك الليلة من آيات ربه الكبرى. وصرف الكلام من الغيبة إلى التكلم، لتعظيم تلك الآيات.
﴿ إنه هو السميع ﴾ لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، والمجيب لدعائه، ﴿ البصير ﴾ لأفعاله وأحواله، الحفيظ له في ظلمة الليل.
قال البغوي : وروي عن عائشة أنها كانت تقول : ما فُقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن أسري بروحه، يعني في المنام. ويدل عليه ما رواه البخاري من حديث أنس بن مالك يقول :( ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم : أيهم هو ؟ فقال أوسطهم : هو خيرهم. فقال آخرهم : خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، فيما يرى قلبه، وتنام عينه، ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء، تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم. فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند زمزم، فشق جبرئيل ما بين نحره إلى لبته، حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، وساق حديث المعراج بقصته، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، قال : هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا هو بنهر آخر، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب بيده، فإذا هو مسك أذفر، قال : ما هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك، وساق الحديث وقال : ثم عرج به إلى السماء السابعة وقال : قال موسى : رب لم أظن أن يرفع علي أحد، ثم علا فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه ما أوحى : خمسين صلاة كل يوم وليلة، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : يا محمد، والله لقد راودتُ بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه، وأمتك أضعف أجسادا أو قلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كلُّ ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرئيل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبرئيل، فرفعه عند الخامسة فقال : يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم واستماعهم وأبدانهم فخفف عنا. فقال الجبار : يا محمد. فقال : لبيك وسعديك. قال : إنه لا يبدل القول لدي، كما فرضت عليك في أم الكتاب، فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك. فقال موسى : ارجع إلى ربك فاسأله فليخفف عنك أيضا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله قد استحييت من ربي فيما اختلفت عليه. قال : فاهبط بسم الله. فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ). ٣ وروى مسلم هذا الحديث مختصرا.
فإن قوله : فاستيقظ وهو في المسجد الحرام، يدل على كونه رؤيا في المنام. والأكثرون على أن الله تعالى أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بجسده في اليقظة. وتواترت الأخبار الصحيحة بذلك، وعليه انعقد الإجماع، ولو كان المعراح في المنام لما أنكرت عليه قريش، إذ لا استبعاد في الرؤيا. قال البغوي : قال شيخنا الإمام : قد قال بعض أهل الحديث : ما وجدنا لمحمد بن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا هذا الحديث المذكور، الذي يدل على كون الإسراء في المنام بروحه، وأحال الآفة فيه إلى شريك بن عبد الله. وأنكر أيضا على أن ذلك قبل أن يوحى إليه.
وقد اتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثنتي عشرة سنة، قبل الهجرة بسنة. ثم قال البغوي : قال شيخنا الإمام : هذا الاعتراض عندي لا يصح، لأن هذا كان رؤيا في المنام أراه الله تعالى قبل الوحي، ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة بسنة، تحقيقا لرؤياه من قبل، كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية، سنة ستة من الهجرة، ثم كان تحققه سنة ثمان، والله أعلم.
قال البغوي : روي أنه لما رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، فكان بذي طوى، قال : يا جبرئيل، إن قومي لا يصدقوني. قال : يصدقك أبو بكر وهو الصديق. قال البغوي : قال ابن عباس وعائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لما كان ليلة أسري بي، فأصبحت بمكة، قطعت بأمري، وعرفت أن الناس مكذبي ). فروي أنه صلى الله عليه وسلم قعد معتزلا محزونا، فمر به أبو جهل، فجلس إليه، فقال له كالمستهزئ : هل استفدت من شيء ؟ قال : نعم. قال : إني أسري بي الليلة. قال : إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس. قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : نعم. فلم ير أبو جهل أن ينكر ذلك، مخافة أن يجحده الحديث. ثم قال : أتحدث قومك بما حدثتني ؟ قال : نعم. فقال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي، هلم. قال : فانتقضت المجالس، فجاءوا حتى جلسوا إليهما. قال : فَحَدِّث قومك ما حدثتني. قال : نعم، إني أسري بي الليلة. قالوا : إلى أين ؟ قال : إلى بيت المقدس. قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا ؟ قال : نعم. قال : فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا. وارتد ناس ممن كان آمن به وصدقه. وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر فقال : هل لك في صاحبك ؟ يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس. قال : أو قد قال ذلك ؟ قالوا : نعم. قال : إن كان قال ذلك لصدق. قالوا : وتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة وجاء قبل أن يصبح ؟ قال : نعم، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة وروحة، فلذلك سمي أبو بكر الصديق. قال : وفي القوم من قد أتى المسجد الأقصى، فقالوا : هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد ؟ قال : نعم. قال : فذهبتُ أنعت وأنعت، فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت، قال : فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه، حتى وُضع دون دار عقيل، فنعتُّ المسجد وأنا أنظر إليه، فقالوا : أما النعت، فوالله لقد أصاب. ثم قالوا : يا محمد، أخبرنا عن بعيرنا فهي أهم إلينا، فهل لقيت منها شيئا، قال : نعم، مررت على بعير بني فلان وهي بالروحاء، قد أضلوا بعيرا لهم وهم في طلبه، وفي رحالهم قدح من ماء، فعطشتْ فأخذتْهُ فشرِبَتْهُ ثم وضعته كما كان، فسلوهم هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا إليه. قالوا : هذه آية. قال : ومررت ببعير بني فلان وفلان وفلان راكبان، قعودا لهما بذي مر، فنفر بعيرها مني، فاسئلوهما عن ذلك. قالوا : وهذه آية. قالوا : وأخبرنا عن بعيرنا. قال : مررت بها بالتنعيم. قالوا : فما عدتها وأحمالها وهيئتها ؟ قال : كنت في شغل عن ذلك، ثم مثلت له مكانه بالحرورة بعدتها وهيئتها ومن فيها، قال : نعم هيئتها كذا وكذا، وفيها فلان، يقدمها جمل أورق، عليه غرارتان مخيطتان، يطلع عليكم عند طلوع الشمس. قالوا : وهذه آية. فخرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون : والله لقد قص محمد شيئا وبَيَّنَهُ، حتى أتوا كداء، فجلسوا عليه، فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذبونه، إذ قال قائل منهم : والله هذه الشمس قد طلعت. وقال الآخر : والله وهذه الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق فيها فلان وفلان كما قال لهم. فلم يؤمنوا وقالوا : إن هذا السحر مبين.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لقد رأيتني في الحِجر، وقريش تسئلني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكَرُبْتُ كربا ما كَرُبْتُ مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسئلوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء وإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضَرْبٌ جَعْدٌ، فكأنه من رجال شنؤة أشبه الناس به شبها عروة بن م
وقال الملك لشعيا سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعيا قل إني قل إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون كلهم موتى إلا سنحاريب وخمسة نفر من كتابه، فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل أن الله قد كفاك عدوك، فاخرج فإن سنحاريب ومن معه قد هلكوا، فلما خرج الملك التمس سنحاريب فلم يوجد في الموتى فأرسل الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر، فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآهم خر ساجدا من حين طلعت الشمس إلى العصر، ثم قال لسخاريب كيف ترى فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون، فقال سنحاريب قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي يرحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم، فقال صديقة الحمد لله رب العزة الذي كفاناكم بما شاء إن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه إنما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا في الآخرة، ولتخبروا من ورائكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذر من بعدكم، ولولا ذلك لقتلتكم ولدمك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وإيليا وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم، فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فأمر بهم الملك إلى سجن القتل، فأوحي إلى شعيا النبي عليه السلام أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سخاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ شعيا الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما أمر به، فخرج سنحاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم، وكان أمر سخاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعظة ثم لبث سخاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بخت نصر ابن ابنه فخلف بخت نصر على ما كان عليه جده يعمل عمله فلبث سبعة عشرة سنة.
ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقة فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك بعده حتى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعيا عليه السلام معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا قم في قومك فأوحي على لسانك فلما قام النبي أنطق الله على لسانه بالوحي فقال يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته فاصطنعهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها فأوى شاذتها وجمع ضالتها وجبر كسيرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها، فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير، فويل لهذه الأمة الخاطئة الذين لا يدرون أنى جاءهم الحين، أن البعير مما يذكر وطنه فيستأبه وأن الحمار مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وإن الثور مما يذكر المرج الذي سمن منه فينتابه، وإن هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الحين وهم أولو الألباب والعقول ليسوا ببقر ولا حمر، أنى ضارب لهم مثلا فليستمعوه قل لهم كيف ترون في أرض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمر أن فيها وكان لها رب حكيم قوي فأقبل عليها بالعمارة وكره أن يخرب أرضه وهو قوي أو أن يقال ضيع وهو حكيم فأحاط عليها جدارا وشيد فيها قصرا وأنط نهرا وصفى فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها، وولى ذلك واستحفظه ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا فلما أطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض لهذه، نرى أن يهدم جدارها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض فمها ويحرق غرسها حتى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها، قال الله قل لهم فإن الجدار ديني وأن القصر شريعتي وأن النهر كتابي وأن القيم نبي وأن الغرس هم، وأن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وأني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم وأنه مثل ضربته لهم، يتقربون إلي بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا آكله، ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف على ذبح الأنفس التي حرمتها فأيديهم مخضوبة منها وثيابهم متزملة بدمائها، ويشيدون لي البيوت مساجد ويطهرون أجوافها ويتنجسون قلوبهم وأجسادها ويدنسوها، ويروقون لي المساجد ويزينونها ويخربون عقولهم وأخلاقهم ويفسدونها، فأي حاجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها وأي حاجة لي ترويق المساجد ولست أدخلها إنما أمرت برفعها لأذكر وأسبح فيها، يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا ودعونا بمثل حنين الحمار وبكينا بمثل عواء الذئاب في كل ذلك لا يستجاب لنا، قال الله : فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم ؟ ألست أسمع السامعين وأبصر الباصرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين ؟ فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور يتقوون عليه بطعمة الحرام، وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني وينتهك محارمي، أم كيف يزكوا عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم إنما آجر عليها أهلها المعصومين، أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد إنما أستجيب للوداع اللين وإنما أسمع قول المستعف المسكين، وإن من علامة رضائي رضاء المساكين، يقولون لما سمعوا كلامي وبلغتهم رسالتي أنها أقاويل متقولة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا، ولو شاءوا أن يطلعوا على علم الغيب بما يوحي إليهم الشياطين اطلعوا، وأني قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاء أثبته وحتمته على نفسي وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد أنه واقع فإن صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه أو في أي زمان يكون، وإن كانوا أن يقدروا على أن يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة التي بها أمضيه فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون وإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة التي بها أدبر بها أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين، وإني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء وأن أجعل الملك في الرعاء والعز في الأذلاء والقوة في الضعفاء والغني في الفقراء والعلم في الجهلة والحكم في الأميين، فسلهم متى هذا ومن القائم به ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون، فإني باعث لذلك نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للحياء، أسدده لكل خميل وأهب له كل خلق كريم ثم أجعل السكينة لبأسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى أمامه والإسلام ملته وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة وأعلم به من الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأشهر به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم متفرقة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا إلي وإيمانا بي وإخلاصا لي، يصلون لي قياما وقعودا وركوعا وسجودا ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني، ألهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والمدحة والتمجيد لي في مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم، يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأشراف ويطهرون لي الوجوه والأطراف ويعقدون الثياب على الأنصاف، قربانهم دماؤهم وأنا جيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار، وذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم، فلما فرغ شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان وأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها.
واستخلف الله على بني إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشيه بن أموص وبعث لهم أرميا بن حلقيا نبيا من سبط هارون بن عمران، وذكر ابن إسحاق أنه الخضر عليه السلام واسمه أرميا سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء فبعث الله أرميا إلى ذلك الملك يسدده ويرشده
في السفينة فأنجيناهم، فيه تذكير لأنعام الله عليهم في إنجاء آبائهم من الغرق بحملهم مع نوح في السفينة، ذرية منصوب على الاختصاص أو النداء إن قرأ لا تتخذوا بالتاء الفوقانية للخطاب أو على أنه أحد مفعولي لا تتخذوا ومن دوني حال من وكيلا فيكون كقوله تعالى :﴿ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا ﴾١ ﴿ إنه ﴾ يعني نوحا عليه السلام ﴿ كان عبدا شكورا ﴾ أي كثير الشكر أخرج ابن مردويه عن أبي فاطمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( كان نوح لا يعمل شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا قال بسم الله والحمد لله فسماه الله عبدا شكورا ) وأخرج ابن جرير والطبراني عن سعد بن مسعود الثقفي الصحابي قال إنما سمي نوح عبدا شكورا لأنه كان إذا أكل أو شرب أو لبس ثوبا حمد الله وفيه حث على الشكر يعني أنتم ذرية من آمن به وحمل معه فكونوا مثله.
وقال الملك لشعيا سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعيا قل إني قل إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون كلهم موتى إلا سنحاريب وخمسة نفر من كتابه، فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل أن الله قد كفاك عدوك، فاخرج فإن سنحاريب ومن معه قد هلكوا، فلما خرج الملك التمس سنحاريب فلم يوجد في الموتى فأرسل الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر، فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآهم خر ساجدا من حين طلعت الشمس إلى العصر، ثم قال لسخاريب كيف ترى فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون، فقال سنحاريب قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي يرحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم، فقال صديقة الحمد لله رب العزة الذي كفاناكم بما شاء إن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه إنما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا في الآخرة، ولتخبروا من ورائكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذر من بعدكم، ولولا ذلك لقتلتكم ولدمك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وإيليا وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم، فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فأمر بهم الملك إلى سجن القتل، فأوحي إلى شعيا النبي عليه السلام أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سخاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ شعيا الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما أمر به، فخرج سنحاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم، وكان أمر سخاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعظة ثم لبث سخاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بخت نصر ابن ابنه فخلف بخت نصر على ما كان عليه جده يعمل عمله فلبث سبعة عشرة سنة.
ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقة فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك بعده حتى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعيا عليه السلام معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا قم في قومك فأوحي على لسانك فلما قام النبي أنطق الله على لسانه بالوحي فقال يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته فاصطنعهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها فأوى شاذتها وجمع ضالتها وجبر كسيرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها، فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير، فويل لهذه الأمة الخاطئة الذين لا يدرون أنى جاءهم الحين، أن البعير مما يذكر وطنه فيستأبه وأن الحمار مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وإن الثور مما يذكر المرج الذي سمن منه فينتابه، وإن هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الحين وهم أولو الألباب والعقول ليسوا ببقر ولا حمر، أنى ضارب لهم مثلا فليستمعوه قل لهم كيف ترون في أرض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمر أن فيها وكان لها رب حكيم قوي فأقبل عليها بالعمارة وكره أن يخرب أرضه وهو قوي أو أن يقال ضيع وهو حكيم فأحاط عليها جدارا وشيد فيها قصرا وأنط نهرا وصفى فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها، وولى ذلك واستحفظه ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا فلما أطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض لهذه، نرى أن يهدم جدارها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض فمها ويحرق غرسها حتى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها، قال الله قل لهم فإن الجدار ديني وأن القصر شريعتي وأن النهر كتابي وأن القيم نبي وأن الغرس هم، وأن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وأني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم وأنه مثل ضربته لهم، يتقربون إلي بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا آكله، ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف على ذبح الأنفس التي حرمتها فأيديهم مخضوبة منها وثيابهم متزملة بدمائها، ويشيدون لي البيوت مساجد ويطهرون أجوافها ويتنجسون قلوبهم وأجسادها ويدنسوها، ويروقون لي المساجد ويزينونها ويخربون عقولهم وأخلاقهم ويفسدونها، فأي حاجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها وأي حاجة لي ترويق المساجد ولست أدخلها إنما أمرت برفعها لأذكر وأسبح فيها، يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا ودعونا بمثل حنين الحمار وبكينا بمثل عواء الذئاب في كل ذلك لا يستجاب لنا، قال الله : فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم ؟ ألست أسمع السامعين وأبصر الباصرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين ؟ فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور يتقوون عليه بطعمة الحرام، وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني وينتهك محارمي، أم كيف يزكوا عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم إنما آجر عليها أهلها المعصومين، أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد إنما أستجيب للوداع اللين وإنما أسمع قول المستعف المسكين، وإن من علامة رضائي رضاء المساكين، يقولون لما سمعوا كلامي وبلغتهم رسالتي أنها أقاويل متقولة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا، ولو شاءوا أن يطلعوا على علم الغيب بما يوحي إليهم الشياطين اطلعوا، وأني قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاء أثبته وحتمته على نفسي وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد أنه واقع فإن صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه أو في أي زمان يكون، وإن كانوا أن يقدروا على أن يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة التي بها أمضيه فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون وإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة التي بها أدبر بها أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين، وإني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء وأن أجعل الملك في الرعاء والعز في الأذلاء والقوة في الضعفاء والغني في الفقراء والعلم في الجهلة والحكم في الأميين، فسلهم متى هذا ومن القائم به ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون، فإني باعث لذلك نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للحياء، أسدده لكل خميل وأهب له كل خلق كريم ثم أجعل السكينة لبأسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى أمامه والإسلام ملته وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة وأعلم به من الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأشهر به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم متفرقة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا إلي وإيمانا بي وإخلاصا لي، يصلون لي قياما وقعودا وركوعا وسجودا ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني، ألهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والمدحة والتمجيد لي في مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم، يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأشراف ويطهرون لي الوجوه والأطراف ويعقدون الثياب على الأنصاف، قربانهم دماؤهم وأنا جيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار، وذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم، فلما فرغ شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان وأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها.
واستخلف الله على بني إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشيه بن أموص وبعث لهم أرميا بن حلقيا نبيا من سبط هارون بن عمران، وذكر ابن إسحاق أنه الخضر عليه السلام واسمه أرميا سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء فبعث الله أرميا إلى ذلك الملك يسدده ويرشده
وقال الملك لشعيا سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعيا قل إني قل إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون كلهم موتى إلا سنحاريب وخمسة نفر من كتابه، فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل أن الله قد كفاك عدوك، فاخرج فإن سنحاريب ومن معه قد هلكوا، فلما خرج الملك التمس سنحاريب فلم يوجد في الموتى فأرسل الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر، فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآهم خر ساجدا من حين طلعت الشمس إلى العصر، ثم قال لسخاريب كيف ترى فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون، فقال سنحاريب قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي يرحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم، فقال صديقة الحمد لله رب العزة الذي كفاناكم بما شاء إن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه إنما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا في الآخرة، ولتخبروا من ورائكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذر من بعدكم، ولولا ذلك لقتلتكم ولدمك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وإيليا وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم، فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فأمر بهم الملك إلى سجن القتل، فأوحي إلى شعيا النبي عليه السلام أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سخاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ شعيا الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما أمر به، فخرج سنحاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم، وكان أمر سخاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعظة ثم لبث سخاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بخت نصر ابن ابنه فخلف بخت نصر على ما كان عليه جده يعمل عمله فلبث سبعة عشرة سنة.
ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقة فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك بعده حتى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعيا عليه السلام معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا قم في قومك فأوحي على لسانك فلما قام النبي أنطق الله على لسانه بالوحي فقال يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته فاصطنعهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها فأوى شاذتها وجمع ضالتها وجبر كسيرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها، فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير، فويل لهذه الأمة الخاطئة الذين لا يدرون أنى جاءهم الحين، أن البعير مما يذكر وطنه فيستأبه وأن الحمار مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وإن الثور مما يذكر المرج الذي سمن منه فينتابه، وإن هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الحين وهم أولو الألباب والعقول ليسوا ببقر ولا حمر، أنى ضارب لهم مثلا فليستمعوه قل لهم كيف ترون في أرض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمر أن فيها وكان لها رب حكيم قوي فأقبل عليها بالعمارة وكره أن يخرب أرضه وهو قوي أو أن يقال ضيع وهو حكيم فأحاط عليها جدارا وشيد فيها قصرا وأنط نهرا وصفى فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها، وولى ذلك واستحفظه ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا فلما أطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض لهذه، نرى أن يهدم جدارها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض فمها ويحرق غرسها حتى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها، قال الله قل لهم فإن الجدار ديني وأن القصر شريعتي وأن النهر كتابي وأن القيم نبي وأن الغرس هم، وأن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وأني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم وأنه مثل ضربته لهم، يتقربون إلي بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا آكله، ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف على ذبح الأنفس التي حرمتها فأيديهم مخضوبة منها وثيابهم متزملة بدمائها، ويشيدون لي البيوت مساجد ويطهرون أجوافها ويتنجسون قلوبهم وأجسادها ويدنسوها، ويروقون لي المساجد ويزينونها ويخربون عقولهم وأخلاقهم ويفسدونها، فأي حاجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها وأي حاجة لي ترويق المساجد ولست أدخلها إنما أمرت برفعها لأذكر وأسبح فيها، يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا ودعونا بمثل حنين الحمار وبكينا بمثل عواء الذئاب في كل ذلك لا يستجاب لنا، قال الله : فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم ؟ ألست أسمع السامعين وأبصر الباصرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين ؟ فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور يتقوون عليه بطعمة الحرام، وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني وينتهك محارمي، أم كيف يزكوا عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم إنما آجر عليها أهلها المعصومين، أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد إنما أستجيب للوداع اللين وإنما أسمع قول المستعف المسكين، وإن من علامة رضائي رضاء المساكين، يقولون لما سمعوا كلامي وبلغتهم رسالتي أنها أقاويل متقولة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا، ولو شاءوا أن يطلعوا على علم الغيب بما يوحي إليهم الشياطين اطلعوا، وأني قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاء أثبته وحتمته على نفسي وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد أنه واقع فإن صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه أو في أي زمان يكون، وإن كانوا أن يقدروا على أن يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة التي بها أمضيه فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون وإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة التي بها أدبر بها أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين، وإني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء وأن أجعل الملك في الرعاء والعز في الأذلاء والقوة في الضعفاء والغني في الفقراء والعلم في الجهلة والحكم في الأميين، فسلهم متى هذا ومن القائم به ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون، فإني باعث لذلك نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للحياء، أسدده لكل خميل وأهب له كل خلق كريم ثم أجعل السكينة لبأسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى أمامه والإسلام ملته وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة وأعلم به من الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأشهر به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم متفرقة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا إلي وإيمانا بي وإخلاصا لي، يصلون لي قياما وقعودا وركوعا وسجودا ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني، ألهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والمدحة والتمجيد لي في مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم، يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأشراف ويطهرون لي الوجوه والأطراف ويعقدون الثياب على الأنصاف، قربانهم دماؤهم وأنا جيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار، وذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم، فلما فرغ شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان وأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها.
واستخلف الله على بني إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشيه بن أموص وبعث لهم أرميا بن حلقيا نبيا من سبط هارون بن عمران، وذكر ابن إسحاق أنه الخضر عليه السلام واسمه أرميا سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء فبعث الله أرميا إلى ذلك الملك يسدده ويرشده
وقال الملك لشعيا سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعيا قل إني قل إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون كلهم موتى إلا سنحاريب وخمسة نفر من كتابه، فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل أن الله قد كفاك عدوك، فاخرج فإن سنحاريب ومن معه قد هلكوا، فلما خرج الملك التمس سنحاريب فلم يوجد في الموتى فأرسل الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر، فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآهم خر ساجدا من حين طلعت الشمس إلى العصر، ثم قال لسخاريب كيف ترى فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون، فقال سنحاريب قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي يرحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم، فقال صديقة الحمد لله رب العزة الذي كفاناكم بما شاء إن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه إنما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا في الآخرة، ولتخبروا من ورائكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذر من بعدكم، ولولا ذلك لقتلتكم ولدمك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وإيليا وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم، فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فأمر بهم الملك إلى سجن القتل، فأوحي إلى شعيا النبي عليه السلام أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سخاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ شعيا الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما أمر به، فخرج سنحاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم، وكان أمر سخاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعظة ثم لبث سخاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بخت نصر ابن ابنه فخلف بخت نصر على ما كان عليه جده يعمل عمله فلبث سبعة عشرة سنة.
ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقة فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك بعده حتى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعيا عليه السلام معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا قم في قومك فأوحي على لسانك فلما قام النبي أنطق الله على لسانه بالوحي فقال يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته فاصطنعهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها فأوى شاذتها وجمع ضالتها وجبر كسيرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها، فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير، فويل لهذه الأمة الخاطئة الذين لا يدرون أنى جاءهم الحين، أن البعير مما يذكر وطنه فيستأبه وأن الحمار مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وإن الثور مما يذكر المرج الذي سمن منه فينتابه، وإن هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الحين وهم أولو الألباب والعقول ليسوا ببقر ولا حمر، أنى ضارب لهم مثلا فليستمعوه قل لهم كيف ترون في أرض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمر أن فيها وكان لها رب حكيم قوي فأقبل عليها بالعمارة وكره أن يخرب أرضه وهو قوي أو أن يقال ضيع وهو حكيم فأحاط عليها جدارا وشيد فيها قصرا وأنط نهرا وصفى فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها، وولى ذلك واستحفظه ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا فلما أطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض لهذه، نرى أن يهدم جدارها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض فمها ويحرق غرسها حتى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها، قال الله قل لهم فإن الجدار ديني وأن القصر شريعتي وأن النهر كتابي وأن القيم نبي وأن الغرس هم، وأن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وأني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم وأنه مثل ضربته لهم، يتقربون إلي بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا آكله، ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف على ذبح الأنفس التي حرمتها فأيديهم مخضوبة منها وثيابهم متزملة بدمائها، ويشيدون لي البيوت مساجد ويطهرون أجوافها ويتنجسون قلوبهم وأجسادها ويدنسوها، ويروقون لي المساجد ويزينونها ويخربون عقولهم وأخلاقهم ويفسدونها، فأي حاجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها وأي حاجة لي ترويق المساجد ولست أدخلها إنما أمرت برفعها لأذكر وأسبح فيها، يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا ودعونا بمثل حنين الحمار وبكينا بمثل عواء الذئاب في كل ذلك لا يستجاب لنا، قال الله : فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم ؟ ألست أسمع السامعين وأبصر الباصرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين ؟ فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور يتقوون عليه بطعمة الحرام، وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني وينتهك محارمي، أم كيف يزكوا عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم إنما آجر عليها أهلها المعصومين، أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد إنما أستجيب للوداع اللين وإنما أسمع قول المستعف المسكين، وإن من علامة رضائي رضاء المساكين، يقولون لما سمعوا كلامي وبلغتهم رسالتي أنها أقاويل متقولة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا، ولو شاءوا أن يطلعوا على علم الغيب بما يوحي إليهم الشياطين اطلعوا، وأني قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاء أثبته وحتمته على نفسي وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد أنه واقع فإن صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه أو في أي زمان يكون، وإن كانوا أن يقدروا على أن يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة التي بها أمضيه فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون وإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة التي بها أدبر بها أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين، وإني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء وأن أجعل الملك في الرعاء والعز في الأذلاء والقوة في الضعفاء والغني في الفقراء والعلم في الجهلة والحكم في الأميين، فسلهم متى هذا ومن القائم به ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون، فإني باعث لذلك نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للحياء، أسدده لكل خميل وأهب له كل خلق كريم ثم أجعل السكينة لبأسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى أمامه والإسلام ملته وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة وأعلم به من الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأشهر به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم متفرقة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا إلي وإيمانا بي وإخلاصا لي، يصلون لي قياما وقعودا وركوعا وسجودا ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني، ألهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والمدحة والتمجيد لي في مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم، يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأشراف ويطهرون لي الوجوه والأطراف ويعقدون الثياب على الأنصاف، قربانهم دماؤهم وأنا جيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار، وذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم، فلما فرغ شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان وأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها.
واستخلف الله على بني إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشيه بن أموص وبعث لهم أرميا بن حلقيا نبيا من سبط هارون بن عمران، وذكر ابن إسحاق أنه الخضر عليه السلام واسمه أرميا سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء فبعث الله أرميا إلى ذلك الملك يسدده ويرشده
وقال الملك لشعيا سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعيا قل إني قل إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون كلهم موتى إلا سنحاريب وخمسة نفر من كتابه، فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل أن الله قد كفاك عدوك، فاخرج فإن سنحاريب ومن معه قد هلكوا، فلما خرج الملك التمس سنحاريب فلم يوجد في الموتى فأرسل الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر، فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآهم خر ساجدا من حين طلعت الشمس إلى العصر، ثم قال لسخاريب كيف ترى فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون، فقال سنحاريب قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي يرحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم، فقال صديقة الحمد لله رب العزة الذي كفاناكم بما شاء إن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه إنما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا في الآخرة، ولتخبروا من ورائكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذر من بعدكم، ولولا ذلك لقتلتكم ولدمك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وإيليا وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم، فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فأمر بهم الملك إلى سجن القتل، فأوحي إلى شعيا النبي عليه السلام أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سخاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ شعيا الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما أمر به، فخرج سنحاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم، وكان أمر سخاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعظة ثم لبث سخاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بخت نصر ابن ابنه فخلف بخت نصر على ما كان عليه جده يعمل عمله فلبث سبعة عشرة سنة.
ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقة فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك بعده حتى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعيا عليه السلام معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا قم في قومك فأوحي على لسانك فلما قام النبي أنطق الله على لسانه بالوحي فقال يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته فاصطنعهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها فأوى شاذتها وجمع ضالتها وجبر كسيرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها، فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير، فويل لهذه الأمة الخاطئة الذين لا يدرون أنى جاءهم الحين، أن البعير مما يذكر وطنه فيستأبه وأن الحمار مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وإن الثور مما يذكر المرج الذي سمن منه فينتابه، وإن هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الحين وهم أولو الألباب والعقول ليسوا ببقر ولا حمر، أنى ضارب لهم مثلا فليستمعوه قل لهم كيف ترون في أرض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمر أن فيها وكان لها رب حكيم قوي فأقبل عليها بالعمارة وكره أن يخرب أرضه وهو قوي أو أن يقال ضيع وهو حكيم فأحاط عليها جدارا وشيد فيها قصرا وأنط نهرا وصفى فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها، وولى ذلك واستحفظه ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا فلما أطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض لهذه، نرى أن يهدم جدارها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض فمها ويحرق غرسها حتى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها، قال الله قل لهم فإن الجدار ديني وأن القصر شريعتي وأن النهر كتابي وأن القيم نبي وأن الغرس هم، وأن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وأني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم وأنه مثل ضربته لهم، يتقربون إلي بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا آكله، ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف على ذبح الأنفس التي حرمتها فأيديهم مخضوبة منها وثيابهم متزملة بدمائها، ويشيدون لي البيوت مساجد ويطهرون أجوافها ويتنجسون قلوبهم وأجسادها ويدنسوها، ويروقون لي المساجد ويزينونها ويخربون عقولهم وأخلاقهم ويفسدونها، فأي حاجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها وأي حاجة لي ترويق المساجد ولست أدخلها إنما أمرت برفعها لأذكر وأسبح فيها، يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا ودعونا بمثل حنين الحمار وبكينا بمثل عواء الذئاب في كل ذلك لا يستجاب لنا، قال الله : فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم ؟ ألست أسمع السامعين وأبصر الباصرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين ؟ فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور يتقوون عليه بطعمة الحرام، وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني وينتهك محارمي، أم كيف يزكوا عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم إنما آجر عليها أهلها المعصومين، أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد إنما أستجيب للوداع اللين وإنما أسمع قول المستعف المسكين، وإن من علامة رضائي رضاء المساكين، يقولون لما سمعوا كلامي وبلغتهم رسالتي أنها أقاويل متقولة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا، ولو شاءوا أن يطلعوا على علم الغيب بما يوحي إليهم الشياطين اطلعوا، وأني قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاء أثبته وحتمته على نفسي وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد أنه واقع فإن صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه أو في أي زمان يكون، وإن كانوا أن يقدروا على أن يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة التي بها أمضيه فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون وإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة التي بها أدبر بها أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين، وإني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء وأن أجعل الملك في الرعاء والعز في الأذلاء والقوة في الضعفاء والغني في الفقراء والعلم في الجهلة والحكم في الأميين، فسلهم متى هذا ومن القائم به ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون، فإني باعث لذلك نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للحياء، أسدده لكل خميل وأهب له كل خلق كريم ثم أجعل السكينة لبأسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى أمامه والإسلام ملته وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة وأعلم به من الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأشهر به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم متفرقة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا إلي وإيمانا بي وإخلاصا لي، يصلون لي قياما وقعودا وركوعا وسجودا ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني، ألهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والمدحة والتمجيد لي في مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم، يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأشراف ويطهرون لي الوجوه والأطراف ويعقدون الثياب على الأنصاف، قربانهم دماؤهم وأنا جيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار، وذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم، فلما فرغ شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان وأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها.
واستخلف الله على بني إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشيه بن أموص وبعث لهم أرميا بن حلقيا نبيا من سبط هارون بن عمران، وذكر ابن إسحاق أنه الخضر عليه السلام واسمه أرميا سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء فبعث الله أرميا إلى ذلك الملك يسدده ويرشده
وقال الملك لشعيا سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعيا قل إني قل إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون كلهم موتى إلا سنحاريب وخمسة نفر من كتابه، فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل أن الله قد كفاك عدوك، فاخرج فإن سنحاريب ومن معه قد هلكوا، فلما خرج الملك التمس سنحاريب فلم يوجد في الموتى فأرسل الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بخت نصر، فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآهم خر ساجدا من حين طلعت الشمس إلى العصر، ثم قال لسخاريب كيف ترى فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون، فقال سنحاريب قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي يرحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم، فقال صديقة الحمد لله رب العزة الذي كفاناكم بما شاء إن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه إنما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا في الآخرة، ولتخبروا من ورائكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذر من بعدكم، ولولا ذلك لقتلتكم ولدمك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وإيليا وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم، فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فأمر بهم الملك إلى سجن القتل، فأوحي إلى شعيا النبي عليه السلام أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سخاريب ومن معه لينذروا من ورائهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ شعيا الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما أمر به، فخرج سنحاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم، وكان أمر سخاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعظة ثم لبث سخاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بخت نصر ابن ابنه فخلف بخت نصر على ما كان عليه جده يعمل عمله فلبث سبعة عشرة سنة.
ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقة فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك بعده حتى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعيا عليه السلام معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعيا قم في قومك فأوحي على لسانك فلما قام النبي أنطق الله على لسانه بالوحي فقال يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته فاصطنعهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها فأوى شاذتها وجمع ضالتها وجبر كسيرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها، فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير، فويل لهذه الأمة الخاطئة الذين لا يدرون أنى جاءهم الحين، أن البعير مما يذكر وطنه فيستأبه وأن الحمار مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر الأرى الذي يشبع عليه فيراجعه وإن الثور مما يذكر المرج الذي سمن منه فينتابه، وإن هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الحين وهم أولو الألباب والعقول ليسوا ببقر ولا حمر، أنى ضارب لهم مثلا فليستمعوه قل لهم كيف ترون في أرض كانت خواء زمانا خربة مواتا لا عمر أن فيها وكان لها رب حكيم قوي فأقبل عليها بالعمارة وكره أن يخرب أرضه وهو قوي أو أن يقال ضيع وهو حكيم فأحاط عليها جدارا وشيد فيها قصرا وأنط نهرا وصفى فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها، وولى ذلك واستحفظه ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا فلما أطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض لهذه، نرى أن يهدم جدارها وقصرها ويدفن نهرها ويقبض فمها ويحرق غرسها حتى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها، قال الله قل لهم فإن الجدار ديني وأن القصر شريعتي وأن النهر كتابي وأن القيم نبي وأن الغرس هم، وأن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة وأني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم وأنه مثل ضربته لهم، يتقربون إلي بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا آكله، ويدعون أن يتقربوا إلي بالتقوى والكف على ذبح الأنفس التي حرمتها فأيديهم مخضوبة منها وثيابهم متزملة بدمائها، ويشيدون لي البيوت مساجد ويطهرون أجوافها ويتنجسون قلوبهم وأجسادها ويدنسوها، ويروقون لي المساجد ويزينونها ويخربون عقولهم وأخلاقهم ويفسدونها، فأي حاجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها وأي حاجة لي ترويق المساجد ولست أدخلها إنما أمرت برفعها لأذكر وأسبح فيها، يقولون صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم تنور صلاتنا وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا ودعونا بمثل حنين الحمار وبكينا بمثل عواء الذئاب في كل ذلك لا يستجاب لنا، قال الله : فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم ؟ ألست أسمع السامعين وأبصر الباصرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين ؟ فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقول الزور يتقوون عليه بطعمة الحرام، وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني وينتهك محارمي، أم كيف يزكوا عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم إنما آجر عليها أهلها المعصومين، أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد إنما أستجيب للوداع اللين وإنما أسمع قول المستعف المسكين، وإن من علامة رضائي رضاء المساكين، يقولون لما سمعوا كلامي وبلغتهم رسالتي أنها أقاويل متقولة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا، ولو شاءوا أن يطلعوا على علم الغيب بما يوحي إليهم الشياطين اطلعوا، وأني قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاء أثبته وحتمته على نفسي وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بد أنه واقع فإن صدقوا بما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه أو في أي زمان يكون، وإن كانوا أن يقدروا على أن يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة التي بها أمضيه فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون وإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة التي بها أدبر بها أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين، وإني قد قضيت يوم خلقت السماوات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء وأن أجعل الملك في الرعاء والعز في الأذلاء والقوة في الضعفاء والغني في الفقراء والعلم في الجهلة والحكم في الأميين، فسلهم متى هذا ومن القائم به ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون، فإني باعث لذلك نبيا أميا ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا متزين بالفحش ولا قوال للحياء، أسدده لكل خميل وأهب له كل خلق كريم ثم أجعل السكينة لبأسه والبر شعاره والتقوى ضميره والحكمة معقوله والصدق والوفاء طبيعته والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته والحق شريعته والهدى أمامه والإسلام ملته وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة وأعلم به من الجهالة وأرفع به بعد الخمالة وأشهر به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم متفرقة، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا إلي وإيمانا بي وإخلاصا لي، يصلون لي قياما وقعودا وركوعا وسجودا ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني، ألهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والمدحة والتمجيد لي في مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم ومثواهم، يكبرون ويهللون ويقدسون على رؤوس الأشراف ويطهرون لي الوجوه والأطراف ويعقدون الثياب على الأنصاف، قربانهم دماؤهم وأنا جيلهم صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار، وذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم، فلما فرغ شعيا من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان وأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها.
واستخلف الله على بني إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشيه بن أموص وبعث لهم أرميا بن حلقيا نبيا من سبط هارون بن عمران، وذكر ابن إسحاق أنه الخضر عليه السلام واسمه أرميا سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء فبعث الله أرميا إلى ذلك الملك يسدده ويرشده
٢ سورة المائدة، الآية: ٨٣..
قلت : على ما قالت الحنفية أن المشرك يعذب إن كان عاقلا قبل أن تبلغه الدعوة كما يدل عليه قوله تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ﴾٢ فإنه يعم أصحاب الفترة، تحمل هذه الأحاديث على أن بعض المشركين من أهل الفترة لعلهم يجادلون الله تعالى ويعتذرون بالجهل فيلزمهم الله تعالى الحجة بالامتحان، كما أن المشركين لما ينكرون شركهم ويقولون :﴿ والله ربنا ما كنا مشركين ﴾٣ ويطلبون على أنفسهم شهودا، فحينئذ يشهد عليهم جوارحهم فيلزمهم الحجة ولله الحجة البالغة، لا ينصب نفسا شاء أن يعذبها إلا عذبها، وهو عادل فيه هذا في التوحيد، وأما سائر الشرائع فالعقل غير كاف في إدراكها، فلا تجب على الإنسان إتيانها قبل البعثة، لقوله تعالى :﴿ وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ﴾٤ وبناء على مذهب الحنفية قال صاحب المدارك في تفسير هذه الآية ما صح منا أن نعذب قوما عذاب استئصال في الدنيا إلا بعد أن نبعث إليهم رسولا فنلزمهم الحجة، قلت وهذا التأويل بعيد جدا، لأن قوله تعالى :﴿ وما كنا معذبين ﴾٥ يدل على عموم نفي التعذيب لوقوع النكرة في سياق النفي، ولا وجه للتخصيص بالتعذيب في الدنيا ولا بتعذيب في الآخرة بالطريق الأولى، فالأولى أن يقال إن عدم التعذيب قبل البعثة مخصوص بالمعاصي دون الشرك حيث قال الله تعالى :﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾٦ فالتقدير ما كنا معذبين على المعاصي حتى نبعث رسولا يبين لهم ما يتقون، وقيل : المراد بالرسول أعم من البشر والعقل فإن العقل أيضا رسول من الله يدرك به الخير والشر، فما يدركه العقل ويكفي في إدراكه من الواجبات يعذب الله العاقل عليها على عدم إتيانها.
فصل : هذه الآية تدل على عدم تعذيب الصغار والمجانين وإن كانوا من عداوي المشركين حيث لم يبلغهم دعوة رسول بشرا كان أو عقلا، كما يدل عليه سياق الآية حيث قال الله تعالى :﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾٧ ومن الأحاديث ما رواه أحمد بسند حسن عن خنساء بن معاوية بن مريم قال : حدثني عمي قال : قلت : يا رسول الله من في الجنة ؟ قال :( النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والوئيد في الجنة )٨ وما رواه البخاري سمرة بن جندب في حديث المنام الطويل أنه صلى الله عليه وسلم مر على شيخ تحت شجرة وحوله ولدان، فقال جبرائيل : هذا إبراهيم وهؤلاء أولاد المسلمين وأولاد المشركين، قالوا : يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ قال : نعم وأولاد المشركين )٩ ولما روى الطيالسي عن أنس أنه سئل عن أطفال المشركين فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يكن لهم سيئات فيكونوا من أهل النار ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها فيكونوا من مملوك أهل الجنة هم خدم أهل الجنة ) وما أخرج ابن جرير عن سمرة قال : سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين ؟ فقال : هم خدم أهل الجنة، وأخرج مثله عن ابن مسعود موقوفا. فإن قيل : في الصحيح ما يدل على عدم الجزم بذلك، أخرج الشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :( أنه سئل عن أطفال المشركين ؟ فقال " الله أعلم بما كانوا عاملين " ١٠ وأخرج مثله من حديث ابن عباس، قلت : هذا الحكم أعني عدم الجزم بكونهم في الجنة الذي دل عليه هذان الحديثان منسوخ كان قبل نزول آية الفتح الناسخة لقوله تعالى :﴿ وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ﴾١١ فإنه صلى الله عليه وسلم كان قبل ذلك يرد بها على من شهد لأحد بعينه بالجنة، ورد بها على من شهدت لعثمان بن مظعون كما في الصحيح فلما نزلت آية الفتح سر بها كثيرا وشهد بعدها لجماعة بأعيانهم بالجنة، وهذا هو الجواب لحديث رواه مسلم عن عائشة قالت :( دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار فقالت : يا رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدرك، فقال :( أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم )١٢ فإن هذا الحديث يدل على التوقف في أطفال المسلمين أيضا وقد انعقد الإجماع على كونهم في الجنة، نقله الإمام أحمد وابن أبي زيد وأبو يعلى من الفراء وغيرهم ونصوص الكتاب والأحاديث صريحة في ذلك كذا قال النووي والسيوطي، وهو الجواب عما رواه ابن حبان في صحيحه و البزار عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال أمر هذه الأمة متقاربا ما لم يتكلموا ا في القدر والولدان قال ابن حبان يعني أطفال المشركين فإنا نحمل هذا الحديث أيضا على كونه قبل آية الفتح وقبل أن يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم كونهم في الجنة.
فإن قيل : بعض الأحاديث يدل على كون أطفال المشركين في النار، منها ما أخرج أبو يعلى عن البراء قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المسلمين فقال :" هم مع أبائهم " وسئل عن أطفال المشركين فقال :" هم مع أبائهم " وما روى أبو داود عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله ذراري المؤمنين ؟ قال :( من آبائهم ) فقلت يا رسول الله بلا عمل ؟ قال :( الله أعلم بما كانوا عاملين )١٣ قلت فذراري المشركين " قال من آبائهم، قلت بلا عمل " قال " الله أعلم بما كانوا يعملون " وأخرج أحمد عن عائشة بسند ضعيف جدا أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أطفال المشركين فقال :( إن شئت أسمعتك تصاعدهم في النار ) وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بسند فيه مجهول وانقطاع وابن أبي حاتم في السنة عن علي قال سألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا في الجاهلية ؟ فقال هما في النار فلما رأى الكراهية في وجهها قال لها ولو رأيت مكانهما لأبغضتهما قالت : فولدي منك ؟ قال : إن المؤمنين وأولادهم في الجنة وإن المشركين أولادهم في النار، ثم تلا ﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ﴾١٤ وأخرج أبو داود عن ابن مسعود بسند حسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الوائدة والموءودة في النار )١٥ وأخرج أيضا بسند حسن عن سلمة بن قيس الأشجعي قال أتيت أنا وأخي النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا : إن أمنا ماتت في الجاهلية وكانت تقري الضيف وتصل الرحم وإنها وأدت أختا لها في الجاهلية لم تبلغ ؟ فقال :( الوائدة والموءودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم ) قلنا : أما الموءودة الواردة في الحديث فالمراد بها الموءودة لها يعني الأم، والوائدة هي القابلة دفعا للتعارض، وأن الأحاديث المذكورة في كون أطفال المشركين في النار فليس شيء منها يقوي قوة الأحاديث المتقدمة فسقطت بالأحاديث الصحيحة فضلا عن مصادمة القرآن، والقول بكون تلك الأحاديث منسوخة لا يجوز لأن الأخبار لا يحتمل النسخ، اللهم إلا أن يقال إن الله رفع عنهم العذاب بعدما كتب عليهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، يدل عليه حديث ابن أبي شيبة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم ) قال ابن عبد البر : هم الأطفال لأن أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقل ولا عزم.
قال السيوطي : اختلف الناس قديما وحديثا في أطفال المشركين على أقوال : أحدها أنهم في النار للأحاديث المذكورة التي دلت على ذلك لكنها ضعيفة لا تق
٢ سورة النساء، الآية: ٤٨..
٣ سورة الأنعام، الآية: ٢٣..
٤ سورة التوبة، الآية: ١١٥..
٥ سورة الإسراء، الآية: ١٥.
٦ سورة النساء، الآية: ٤٨..
٧ سورة الإسراء، الآية: ١٥..
٨ أخرجه أبو داود في كتاب: الجهاد، باب: في فضل الشهادة (٢٥١٩) وأخرجه أحمد في المسند المجلد الخامس / تابع مسند البصريين..
٩ أخرجه البخاري في كتاب: التعبير، باب: تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح (٧٠٤٧)..
١٠ أخرجه البخاري في كتاب: الجنائز، ما قيل في أولاد المشركين (١٣٨٤) وأخرجه مسلم في كتاب: القدر، باب: معنى كل مولود يولد على الفطرة (٢٦٦٠)..
١١ سورة الأحقاف، الآية: ٩..
١٢ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (٢٦٦٢)..
١٣ أخرجه أبو داود في كتاب: السنة، باب: في ذراري المشركين (٤٧٠٠)..
١٤ سورة الطور، الآية: ٢١..
١٥ أخرجه أبو داود في كتاب: السنة، باب: في ذراري المشركين (٤٨٠٤)..
.
٢ سورة التوبة، الآية: ١١٣..
٣ أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء من الفضل في رضا الوالدين (١٩٠٣). وأخرجه ابن ماجة في كتاب: الطلاق، باب: الرجل يأمره أبوه بطلاق امرأته (٢٠٨٩)..
٤ أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء من الفضل في رضا الوالدين (١٩٠٤)..
٥ أخرجه النسائي في كتاب: الأشربة، باب: الرواية في المدمنين في الخمر (٥٦٧١)..
٦ أخرجه الترمذي في كتاب: الدعوات، باب: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(رغم أنف رجل) (٣٥٤٥)..
٧ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر ثم لم يدخل الجنة (٢٥٥١)..
٨ أخرجه ابن ماجة في كتاب: الآدب، باب: بر الوالدين (٣٦٦٢)..
٢ أخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال (٧٤٨)..
أخرج سعيد بن منصور عن عطاء الخراسانى قال : جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال :﴿ لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ﴾ ظنوا ذلك من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى :﴿ وإما تعرضنعنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها ﴾
عليك، قال البيضاوي هذان تمثيلان لمنع الشحيح وإسراف المبذر نهي عنهما وأمر بالاقتصاد بينهما الذي هو الكرم ﴿ فتقعد ملموما ﴾ أي تصير ملوما عند الله وعند الناس بالإمساك مع السعة أو بالإسراف وسوء التدبير ﴿ محسورا ﴾ قال قتادة نادما على ما فرط منك في الفصلين، أو المعنى تصير ملوما يلومك السائلون بالإمساك إذ لم تعطهم مع السعة محسورا منقطعا بك لا شيء عندك، من حسرة السفر إذا بلغ فيه، وحسرته بالمسألة إذا لحفت عليه، فيكون الشر على ترتيب اللف
٢ أخرجه البخاري في كتاب: الحدود، باب: ما يجذر من الزنا زشرب الخمر () وأخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن الملتبس بالمعصية على إرادة نفي كما له (٥٧)..
فصل : عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أول ما يقضى يوم القيامة في الدماء )٥ متفق عليه، وعن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق )٦ رواه ابن ماجه بسند حسن والبيهقي وزاد ( لو أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا فى دم مؤمن لأدخلهم الله النار ) وروى النسائي من حديث بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )٧ وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من أعان على قتل مؤمن بشطركلمة لقي الله مكتوب بين عينيه أيس من رحمة الله )٨ رواه ابن ماجه والأصبهاني وزاد قال ابن عيينة هو أن يقول أق لا يتم كلمة أقتل، وأخرج البيهقي من حديث ابن عمر نحوه وعن معاوية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو يقتل مؤمنا متعمدا )٩ رواه النسائى وصححه الحاكم وأخرج أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي الدرداء نحوه، وعن أبى موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا أصبح إبليس بث جنوده من أضل اليوم مسلما ألبسه التاج قال فيجىء هذا فيقول : لم أزل به حتى طلق امرأته، فيقول : أوشك أن يتزوج، قال ويجيء هذا فيقول : لم أزل به حتى عق والديه فيقول : أوشك أن يبرهما، ويجىء هذا فيقول لم أزل به حتى أشرك فيقول أنت أنت ويجيء هذا فيقول لم أزل به حتى قتل فيقول أنت أنت ويلبسه التاج ) رواه ابن حبان في صحيحه ﴿ ومن قتل مظلوما ﴾ غير مستوجب للقتل عمدا ﴿ فقد جعلنا لوليه ﴾ أي لمن يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث ﴿ سلطانا ﴾ أي قوة وتسلطا بالمؤاخذة بالقصاص ﴿ فلا يسرف في القتل ﴾ قرأ حمزة والكسائي لا تسرف بالتاء الفوقانية على الخطاب، والباقون بالياء التحتانية على الغيبة، قيل : الخطاب للقاتل والضمير راجع إليه، يعني لا يسرف القاتل في القتل بأن يقتل من لا يحق قتله فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك في الدنيا والآخرة، وقال ابن عباس أكثر المفسرين الخطاب والضمير لولي المقتول والمعنى لا يقتل الولي غير القاتل، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا قتل منهم قتيل لا يرضون بقتل قاتله حتى يقتلوا أشرف منه، وقال سعيد بن جبير إذا كان القاتل واحدا فلا يقتل جماعة بدل واحد وكان أهل الجاهلية إذا كان المقتول شريفا لا يرضون بقتل القاتل وحده حتى يقتلوا معه جماعة من أقربائه، وقال قتادة معناه لا يمثل بالقاتل ﴿ إنه كان منصورا ﴾ قال مجاهد الضمير راجع إلى من قتل ظلما يعني أن المقتول ظلما منصور في الدنيا بإيجاب القواد على قاتله، وفي الآخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله، وقال قتادة الضمير راجع إلى وليه يعني إنه منصور على القاتل باستيفاء القصاص منه يجب على الأئمة نصره وقيل : الضمير راجع إلى الذي يقتله الولي إسرافا بإيجاب القصاص والوزر على المسرف.
٢ سورة الحجرات، الآية: ٩..
٣ سورة المائدة، الآية: ٤٥..
٤ أخرجه البخاري في كتاب: الديات، باب: قول الله تعالى:﴿أن النفس بالنفس﴾ (٦٨٧٨)، أخرجه مسلم في كتاب: القيامة، باب: ما يباح به دم المسلم (١٦٧٦)..
٥ أخرجه البخاري في كتاب: الديات (٦٨٦٤)، أخرجه مسلم في كتاب: القيامة، باب: المجازاة بالدماء في الآخرة وأنها أول ما يقضي فيه بين الناس يوم القيامة (١٦٧٨)..
٦ أخرجه ابن ماجة في كتاب: الديات، باب: التغليظ في قتل مسلم ظلما (٢٦١٩)..
٧ أخرجه النسائي في كتاب: تحريم الدم، باب: تعظيم الدم (٣٩٨٦)..
٨ أخرجه ابن ماجة في كتاب: الديات، باب: التغليظ في قتل مسلم ظلما (٢٦٢٠) قال في الزوائد: في إسناده يزيد بن أبي زياد بالقوافي تصنيفه..
٩ أخرجه النسائي في كتاب: تحريم الدم (٣٩٨٤)..
جاء لغيرهم، وخص الأعضاء الثلاثة بالذكر لأنها آلات لتحصيل العلوم التي يجب الحصر على أتباعها فإن أكثر المحسوسات يدرك بالسمع والبصر، والمعقولات بأسرها تدرك بالقلب.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم قرأ ﴿ ولا تجعل مع الله إلها آخر ﴾الآيات
٢ أخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه (٩١)..
٣ في رواية:(والعز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته) في كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الكبر (٢٦٠٢)..
٤ أخرجه الترمذي في كتاب: اللباس، باب: ما جاء في الكبر (٢٠٠٨)..
٥ أخرجه الترمذي في كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٩٢)..
٦ أخرجه الترمذي في كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٩٢) وقال ليس إسناده بالقوي..
﴿ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا ﴾ يحجب القلوب عن فهمه والانتفاع به قال قتادة هو الأكنة ﴿ حجابا ﴾ ذلك الحجاب عن الحس أو مستورا بحجاب آخر حيث لا يفهمون ولا يفهمون أنهم لا يفهمون، وقيل : المستور ههنا بمعنى الساتر كما في قوله تعالى :﴿ كان وعده مأتيا ﴾١ يعني آتيا، وفسر بعضهم بالحجاب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الناس يحجبه صلى الله عليه وسلم عن الأعين الظاهرة كما قال البغوي أنه روى عن سعيد بن جبير أنه لما نزلت ﴿ تبت يدا أبي لهب ﴾ جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر والنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر فلم تره، فقالت لأبي بكر أين صاحبك ؟ بلغني أنه هجاني فقال : والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله، فرجعت وهي تقول : قد كنت أتيت بهذا الحجر لأرضخ به رأسه، فقال أبو بكر ما رأتك يا رسول الله ؟ قال : لا لم يزل ملك بيني وبينها يسترني، قلت : فحينئذ الآية واقعة حال إذا لم يكن أنه صلى الله عليه وسلم كلما قرأ القرآن لا يراه الكفار
وقيل هذا خطاب مع المؤمنين فإنهم يبعثون حامدين بخلاف الكفار، فإنهم يبعثون قائلين ﴿ يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون٥٢ ﴾١ ﴿ يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله ﴾٢ روى الختلي في الديباج عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أخبرني جبرئيل أن لا إله إلا الله أنس للمسلم عند موته وفي قبره وحين يخرج من قبره يا محمد لو تراهم حين يقومون من قبورهم ينفضون رؤوسهم، هذا يقول لا إله إلا الله والحمد لله فيبيض وجهه، وهذا ينادي يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله مسودة وجوههم ) وروى الطبرانى وابن حاتم وابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في الموت ولا في القبور ولا في النشور كأني أنظر إليهم عند الصيحة ينفضون رؤوسهم من التراب يقولون : الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ) وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه ﴿ وتظنون إن لبثتم ﴾ في الدنيا أو في القبور ﴿ إلا قليلا ﴾ لما يرون من الهول قال قتادة يستحقرون مدة الدنيا في جنب القيامة.
٢ سورة الزمر، الآية: ٥٦..
﴿ وقل ﴾ يا محمد ﴿ لعبادي ﴾ المؤمنين ﴿ يقولوا ﴾ الكلمة ﴿ التي هي أحسن ﴾ الكلمات يعني الدعوة إلى الإسلام وقول لا اله إلا الله بالرفق واللين وإقامة البراهين وإظهار النصح بلا خشونة مع المشركين ولا أن تكافؤهم بسفههم، وقال الحسن يقول له يهديك الله وكان هذا قبل الإذن في القتال، وقيل : نزلت في عمر بن الخطاب شتمه بعض الكفار فأمره بالعفو، وقيل : أمر الله المؤمنين بأن يقولوا ويفعلوا الكلمة والخلة التي هي أحسن الكلمات والخلل، وقيل : الأحسن كلمة الإخلاص لا إله إلا الله ﴿ إن الشيطان ينزغ بينهم ﴾ النزغ إيقاع الشر وإفساد ذات البين، يعني لا يقولوا ما يتطرق إليه الشيطان بالفساد فيفسد ويلقي العداوة بينهم ﴿ إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ﴾ ظاهر العداوة فيفضى الكفار إلى جهنم ويفضى المؤمنين إلى الشر العاجل.
﴿ وآتينا داود زبورا ﴾ يعني فضله بما أوحى إليه من الكتاب لا بما أوتي من الملك، ففي هذه الآية على ما أنكر كفار مكة فضل النبي صلى الله عليه وسلم بأن فضل الأنبياء إنما كان بالفضائل النفسانية والتبري عن العلائق الجسمانية والعلوم الموحي إليهم ومراتب القرب من الله تعالى وشيوع الهداية لا بكثرة الأموال والأولاد ونحو ذلك، فالله سبحانه فضله على سائر النبيين بجعله خاتم النبيين وأمته خير والأمم المدلول عليه بما كتب ﴿ في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾١ وأعطاه القرآن أقل حجما وأكثر علما وأظهر معجزة، ورفعه درجات :﴿ ثم دنا فتدلى٨ فكان قاب قوسين أو أدنى٩ ﴾٢ قال البغوي الزبور كتاب علمه الله داود يشتمل على مائة وخمسين سورة كلها دعاء وتحميد وثناء على الله عز وجل ليس فيها حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود انتهى، وتنكيره ههنا وتعريفه في قوله تعالى :﴿ ولقد كتبنا في الزبور ﴾٣ لأنه في الأصل فعول للمفعول كالودود بمعنى المودود، أو للمصدر كالقبول ويؤيده قراءة حمزة بالضم فهو كالعباس والفضل، أو لأن المراد بعض الزبور أو بعضا من الزبور فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
أخرج البخاري وغيره عن ابن مسعود قال :( كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن فأسلم الجنيون واستمسك الآخرون بعبادتهم )٤ فأنزل الله تعالى ﴿ قل ادعوا الذين زعمتم ﴾.
٢ سورة النجم، الآية: ٨ــ٩..
٣ سورة الأنبياء، الآية: ١٠٥..
٤ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير، باب: ﴿قل ادعوا الذين زعمتم من دونه﴾ (٤٧١٤)..
أخرج أبو يعلى عن أم هاني وابن المنذر عن الحسن نحوه أنه صلى الله عليه وسلم لما أسري به يعني ليلة المعراج أصبح يحدث نفرا من قريش وهم يستهزءون به، فطلبوا منه آية فوصف لهم بيت المقدس وذكر لهم قصة العير، فقال الوليد بن المغيرة هذا ساحر، فأنزل الله تعالى :﴿ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك ﴾ ليلة المعراج من الآيات ﴿ إلا فتنة للناس ﴾ حيث أنكرها كفار مكة وارتد ناس ممن آمن به، ومن هذه الآية قال من قال أن المعراج كان بالمنام أسرى بروحه دون بدنه كما ذكرنا قول عائشة ويدل عليه حديث رواه البخاري، وقال ابن عباس المراد بالرؤيا ههنا عين وهو قول سعيد ابن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج والأكثرين، والعرب تقول رأيت بعيني رؤية ورؤيا، وقال بعضهم كان له صلى الله عليه وسلم معراجان معراج رؤية بالعين ومعراج رؤية بالقلب، وأخرج ابن مردويه عن الحسن بن علي عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يوما مهموما فقيل مالك يا رسول الله قال : إني رأيت في المنام كأن بني أمية يتعاورون منبرى هذا، فقيل : يا رسول الله لا تهتم فإنها دنيا تنالهم فأنزل الله تعالى ﴿ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ﴾ والمراد بالفتنة على هذا ما حدث في أيامهم من البدعة والفسوق، وأخرجه ابن جرير من حديث سهل بن سعد بلفظ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني فلان ينزون على منبره نزوة القردة فساءه ذلك فأنزل الله لك وأخرجه ابن أبي حاتم من حديث عمرو بن العاص ومن حديث يعلى بن مرة، وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن المسيب مرسلا قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية على المنابر فساءه ذلك فأوحى الله إليه إنما أعطوها فقرت عينه، وأسانيد هذه الأحاديث ضعيفة. وقال قوم أراد بهذا الرؤيا ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه فعجل السير إلى مكة قبل الأجل فصده المشركون فرجع فكان رجوعه فى ذلك العام بعدما أخبر أنه يدخلها فتنة وموجبا للشك لبعض الناس حتى دخلها في العام المقبل فأنزل الله تعالى :﴿ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ﴾١ قال البيضاوي وفيه نظر إذ الآية مكية إلا أن يقال رآها بمكة وحكاها حينئذ، قلت : وهو أيضا غير سديد وقال : لعله رؤيا رآها ما كان فى وقعة بدر كقوله :﴿ إذ يريكهم الله في منامك قليلا ﴾٢ فقد روي أنه لما ورد ماءه قال :( لكأني أنظر إلى مصارع القوم هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان ) فتسامعت به قريش واستسخروا منه.
﴿ والشجرة ﴾ يعني شجرة الزقوم عطف على الرؤيا يعني وما جعلنا الشجرة ﴿ الملعونة في القرآن ﴾ إلا فتنة للناس، قال البغوي وذلك الفتنة من وجهين أحدهما أن أبا جهل قال إن ابن كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنها تنبت فيها شجرة وتعلمون أن النار تحرق الشجرة، ولم يشعر السفيه أن من قدر على أن يحفظ دبر السمندل من أن يحرقه النار وأحشاء النعامة من أذى الحمر وقطع الحديد المحماة التي تبلعها قادر على أن يخلق في النار شجرة لا يحرقها، قال في المدارك السمندل دويبة ببلاد الترك يتخذ منها مناديل إذا توسخت طرحت في النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا يعمل فيه النار، وفي القاموس هو طائر ببلاد الهند لا يحترق بالنار، ثانيهما أن ابن الزبعري قال : إن محمدا يخوفنا بالزقوم نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر، فقال : أبو جهل يا جارية تعالى زقمينا فأتت بالزبد والتمر فقال يا قوم تزقموا فإن هذا ما يخوفكم به محمد فوصفه الله في الصافات وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : لما ذكر الله الزقوم وخوف به هذا الحي من قريش قال
أبو جهل هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ؟ قالوا : لا قال : عجوة يثرب بالزبد أما لئن أمكننا منها لنتزقمنها تزقما فأنزل الله تعالى :﴿ والشجرة الملعونة في القرآن ﴾ الآية وأنزل :﴿ إن شجرة الزقوم٤٣ طعام الأثيم٤٤ ﴾٣ ولعنها في القرآن بمعنى لعن طاعمها وصفه به على المجاز للمبالغة أو وصفها به لأنها في أصل الجحيم وهو أبعد مكان من الرحمة، أو لأنها مكروهة مؤذية يقول العرب لكل طعام كريه ضار ملعون وقد أولت بالشيطان وأبي جهل والحكم بن أبي العاص ﴿ ونخوفهم ﴾ بأنواع التخويف ﴿ فما يزيدهم ﴾ تخويفنا شيئا ﴿ إلا طغيانا كبيرا ﴾ أي تمردا وعتوا عظيما.
٢ سورة الأنفال، الآية: ٤٣..
٣ سورة الدخان، الآية: ٤٣ــ٤٤..
احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله، أو المعنى لأقودنهم كيف شئت واستولين عليهم من قول العرب حنك الدابة يحنكها إذ أشد في حنكها الأسفل حبلا يقودها، في القاموس احتنكه استولى عليه والجراد الأرض أكلت ما عليها ﴿ إلا قليلا ﴾ يعني المعصومين الذين استثناهم الله تعالى وقال ﴿ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ﴾ قال البيضاوي إنما علم أن ذلك يتسهل له ما استنباطا من قول الملائكة :﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ﴾١ مع التقرير أو تفرسا من خلقته ذا وهم وغضب وشهوة.
قال البغوي في الآثار أن إبليس لما خرج إلى الأرض، قال : يا رب أخرجتني من الجنة لأجل آدم فسلطني عليه وعلى ذريته، قال : أنت مسلط فقال : لا أستطيعه إلا بك فزدني قال ﴿ واستفزز من استطعت منهم بصوتك ﴾٢ الآية، وقال آدم يا رب سلطت إبليس علي وعلى ذريتي وإني لا أستطيعه إلا بك، قال : لا يولد لك ولد إلا وكلت به.
قال : زدني قال : الحسنة بعشر أمثالها، قال : زدني قال : التوبة معروضة ما دام الروح.
قال : زدني قال :﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا ﴾٣ الآية. وفي الخبر أن إبليس قال : يا رب بعثت أنبياء وأنزلت كتبا، فما قراءتي ؟ قال : الشعر، قال : فما كتابي ؟ قال : الوشم، قال : ومن رسلي ؟ قال : الكهنة، قال : وأين مسكني ؟ قال : الحمامات، قال : وأين مجلسي ؟ قال : الأسواق، قال : أي شيء مطعمي ؟ قال : ما لم يذكر عليه اسمي، قال : ما شرابي ؟ قال : كل مسكر، قال : وما حبالتي ؟ قال النساء، قال : وما أداتي ؟ قال المزامير
٢ سورة الإسراء، الآية: ٦٤..
٣ سورة الزمر، الآية: ٥٣..
والتحقيق أن عوام المؤمنين أي الصالحين منهم وهم أولياء الله أفضل من عوام الملائكة وأما غير الأولياء من المؤمنين فبعدما يمحصون من الخطايا إما بالمغفرة وإما بالعقاب بقدر ذنوبهم ويدخلون الجنة يلتحقون بالأولياء، وخواص المؤمنين وهم الأنبياء عليهم السلام أفضل من خواص الملائكة قال الله تعالى :﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية٧ ﴾٥ وروي عن أبي هريرة أنه قال : المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده ) كذا ذكر البغوي، ورواه ابن ماجه بلفظ ( المؤمن أكرم على الله من بعض ملائكته )٦ يعني جنس المؤمن أكرم على الله من بعض ملائكته قلت : قيد الأكثر في هذه الآية وكذا قيد البعض في حديث أبي هريرة عند ابن ماجه لا ينفي أفضلية بعض المؤمنين يعني الأنبياء على جميع الملائكة إلا بالمفهوم ولا عبرة بالمفهوم لا سيما في مقابلة عموم منطوق قوله تعالى :﴿ أولئك هم خير البرية ﴾. ألا ترى أن معنى الآية فضلنا جميع المؤمنين يعني كل واحد منهم على كثير من الخلائق، وذا لا ينافي ما قال أهل السنة في كتب العقائد أن الخواص منهم فضلوا على كل ملك حتى خواصهم ووجه فضلهم على الملائكة أنهم مجبولون على الطاعة فيهم عقل بلا شهوة وفي البهائم شهوة بلا عقل وفي الإنسان عقل وشهوة فمن عمل على مقتضى عقله وترك شهوته جاهد في الله حق جهاده فاجتباه الله وقال الله تعالى :﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين٦٩ ﴾٧ ومن عمل بشهوته وأهمل عقله :﴿ وآثر الحياة الدنيا٣٨ ﴾٨ فالجحيم له المأوى وهم :﴿ كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ﴾. ٩
انظر كشف الخفاء (٢٩٧٠)..
٢ سورة البقرة، الآية: ٢٢٨..
٣ سورة الشعراء، الآية: ٢٢١..
٤ سورة الشعراء، الآية: ٢٢٣..
٥ سورة البينة، الآية: ٧..
٦ أخرجه ابن ماجة في كتاب: الفتن، باب المسلمون في ذمة الله عز وجل (٣٩٤٧) في الزوائد. إسناده ضعيف لضعف يزيد بن سفيان أبي المهزم..
٧ سورة العنكبوت، الآية: ٦٩..
٨ سورة النازعات، الآية: ٣٨..
٩ سورة الأعراف، الآية: ١٧٩..
٢ سورة القصص، الآية: ٤١..
٣ سورة يس، الآية: ١٢..
٤ سورة الحاقة، الآية: ٢٥..
٢ سورة الإسراء، الآية: ٧٠..
٢ سورة الحج، الآية: ٥٢..
﴿ وإن كادوا ليستفزونك ﴾ أي ليزعجونك والاستفزاز الإزعجاج بسرعة ﴿ من الأرض ﴾ أي المدينة ﴿ ليخرجوك منها ﴾ فأمره بالرجوع إلى المدينة فقال له جبرئيل سل ربك فإن لكل نبي مسألة فقال : ما تأمرني أن أسئل قال :﴿ وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ﴾١ فهؤلاء نزلن في رجعته من تبوك هذا مرسل ضعيف وله شواهد من مرسل سعيد بن جبير عند أبي حاتم ولفظه قالت المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم كانت الأنبياء تسكن الشام فمالك والمدينة فهم أن يشخص فنزلت، وله طريق أخرى مرسلة عند ابن جرير أن بعض اليهود قال له، وذكر البغوى قول الكلبى أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كره اليهود مقامه في المدينة حسدا فأتوه وقالوا : يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء وإن أرض الأنبياء الشام وهي الأرض المقدسة وكان بها إبراهيم والأنبياء عليهم السلام فإن كنت نبيا مثلهم فأت الشام، وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم وإن الله سيمنعك منهم إن كنت رسوله فعسكر النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أميال من المدينة وفي رواية إلى ذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويخرج فأنزل الله هذه الآية، وقال مجاهد وقتادة الأرض أرض مكة والآية مكية هم المشركون أن يخرجوه منها فكفهم الله عنها حتى أمره الله بالهجرة فخرج بنفسه، قال البغوي وهذا أليق بالآية لأن ما قبلها خبر عن أهل مكة والسورة مكية، وقيل : هم الكفار كلهم أرادوا أن يستفزوه من أرض العرب باجتماعهم وتظاهروا عليه فمنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم ولم ينالوا منه ما أملوه والله أعلم ﴿ وإذا ﴾ أي إذا استفزوك ﴿ لا يلبثون خلافك ﴾ قرأ ابن عامر وحمزة والكسائى ويعقوب خلافك بكسر الخاء والألف بعد اللام والباقون بفتح الخاء وإسكان اللام والمعنى واحد يعني بعد خروجك أو بعد استفزازك ﴿ إلا قليلا ﴾ أي إلا زمانا قليلا، قيل : وكان كذلك فإن يهود المدينة قتل منهم بنوا قريظة وأجلي بنو النضير وأجلي يهود خيبر في خلافة عمر وقتل مشركوا مكة بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأخرج الكفار كلهم من جزيرة العرب، وقيل لم يتحقق الاستفزاز ولو استفزوا لاستوصلوا.
قوله تعالى :﴿ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ﴾١ ﴿ إن قرآن الفجر كان مشهودا ﴾ يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( تفضل صلاة الجميع على صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر، ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم ﴿ وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا٧٨ ﴾٢ رواه البخاري وغيره، قال البيضاوي أو يشهده شواهد القدرة من تبدل الظلمة بالضياء والنوم الذي هو أخو الموت بالانتباه، أو كثير من المصلين أو من حقه أن يشهده الجمع الغفير، وقيل : المراد بالصلاة في قوله تعالى أقم الصلاة صلاة المغرب لدلوك الشمس أي وقت غروبها إلى غسق الليل أي إلى غيبوبة الشفق ففيه بيان لمبدأ وقت المغرب ومنتهاه ودلت الآية على هذا على كون وقت المغرب ممتد إلى غيبوبة الشفق فحينئذ أمر الله بالصلاتين لكمال اهتمامهما.
٢ أخرجه البخاري في كتاب: الجماعة والإمامة، باب: فضل صلاة الفجر في جماعة (٦٢١)..
مسألة : كانت صلاه الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم في الابتداء وعلى الأمة بقوله تعالى :﴿ يأيها المزمل١ قم الليل إلا قليلا٢ ﴾٥ ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخا في حق الأمة بالصلوات الخمس وبقي الاستحباب قال الله تعالى :﴿ فاقرؤوا ما تيسر منه ﴾٦ واختلفوا في أنه هل بقي وجوب قيام الليل في حق النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أم صار منسوخا في حقه أيضا ؟ فقال بعض الناس ببقاء وجوب قيام الليل في حق النبي صلى الله عليه وسلم لما روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاث هن علي فريضة وهي سنة لكم الوتر والسواك وقيام الليل )٧ فالأمر على هذا في هذه الآية للوجوب ومعنى قوله تعالى :﴿ نافلة لك ﴾ فريضة زائدة على سائر الفرائض فرضها الله تعالى عليه والمختار عندي أن افتراض قيام الليل نسخ عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا وكان له تطوعا كما هو مدلول هذه الآية صحيحا ولو كان المعنى فريضة زائدة لقال نافلة عليك فإن صلة الوجوب يكون على دون اللام. فإن قيل : فما وجه تخصيصه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو نافلة للعباد كلهم ؟ قلنا : وجه التخصيص أن نوافل العباد كفارة لذنوبهم والنبي صلى الله عليه وسلم كان معصوما لم يكن عليه ذنب وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يعني زلاته، وما هو من قبيل ترك الأولى فيبقى له التهجد نافلة أي زائدة في رفع الدرجات، كذا روى مجاهد والحسن وأبو أمامة ويدل على كون التهجد تطوعا في حق النبي صلى الله عليه وسلم حديث المغيرة قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه فقيل له لم تصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال :( أفلا أكون عبدا شكورا )٨ ولم يقل إنه فريضة علي خاصة وحديث ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض ويوتر على راحلته )٩ متفق عليه. مسألة : اختلفوا في أن التهجد في حق الأمة من المؤكدات أو من المستحبات ) ؟ والمختار عندي أنه من المؤكدات لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم ولحديث ابن مسعود قال : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقيل له ما زال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة قال :( ذاك رجل بال الشيطان في أذنه )١٠ متفق عليه، ولا شك أن تارك المندوبات لا يستحق اللوم والعتاب، وقوله تعالى :﴿ نافلة لك ﴾ منصوب على أنه حال من الضمير المجرور في به أو على المصدرية وضع نافلة موضع تهجدا نافلة أي عبادة زائدة مفروضة أو تطوعا وقد ذكرنا فضائل صلاة الليل وبعض مسائلها ومقدار ما ينبغي القراءة فيها في تفسير سورة المزمل.
فصل : كيف كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يتهجد من الليل ؟ عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فتوسدت عتبته أو فسطاطه فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة )١١ رواه مسلم، ذكر البغوي قوله ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثلاث مرات، وذكره في المشكاة أربع مرات وقال : هكذا في صحيح مسلم وأفراده من كتاب الحميدي وموطأ مالك وسنن أبي داود وجامع الأصول فمعنى قوله أوتر على هذا أوتر بواحدة وعلى ما ذكره البغوي معناه أوتر بثلاث، وعن عائشة قالت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا، قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ فقال :( يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي )١٢ متفق عليه، وعنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة ويسجد سجدتين قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه وإذا سكت المؤذن من أذان الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج )١٣ متفق عليه، وعن أنس بن مالك قال : ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل مصليا إلا رأيناه وما نشاء أن نراه نائما إلا رأيناه، وقال : كان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر منه شيئا ويفطر حتى نقول لا يصوم منه شيئا )١٤ رواه النسائي، وعنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر )١٥ رواه مسلم، وعن مسروق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ؟ قالت : سبع وتسع وإحدى عشرة ركعة سوى ركعتي الفجر )١٦ رواه البخاري، وعن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين )١٧ رواه مسلم، وروى أيضا عن أبى هريرة مرفوعا ( إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين ) وعن ابن عباس رضي الله عنهما ( أنه رقد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ فتسوك وهو يقول :﴿ إن في خلق السماوات والأرض ﴾ حتى ختم السورة يعني آل عمران ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود ثم انصرف فنام حتى نفخ ثم فعل ذلك ثلاث مرات ست ركعات كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات ثم أوتر بثلاث )١٨ رواه مسلم، وعن عائشة قالت : لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر صلاته جالسا )١٩ متفق عليه، وعن حذيفة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فكان يقول : الله أكبر ثلاثا والملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم استفتح فقرأ البقرة ثم ركع ركوعه نحوا من قيامه فكان يقول سبحان ربي العظيم ثم رفع رأسه من الركوع فكان قيامه نحوا من ركوعه يقول لربى الحمد، ثم سجد فكان سجوده نحوا من قيامه فكان يقول : في سجوده سبحان ربى الأعلى ثم رفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده وكان يقول : رب اغفر لي رب اغفر لي فصلى أربع ركعات قرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام شك شعبة )٢٠ رواه أبو داود، وعن أبي ذر قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح بآية والآية ﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم١١٨ ﴾ )٢١ وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء اضطجع هويا من الليل ثم استيقظ فنظر في الأفق فقال :﴿ ربنا ما خلقت هذا باطلا ﴾ حتى بلغ ﴿ إنك لا تخلف الميعاد ﴾ ثم أهوى إلى فراشه فاستل منه سواكا ثم أفرغ في قدح من أدواة عندنا فاستن ثم قام فصلى حتى قلت : قد صلى قدر ما نام ثم اضطجع حتى قلت قد نام قدر ما صلى ثم استيقظ ففعل كما فعل أول مرة وقال مثل ما قال ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قبل الفجر )٢٢ رواه النسائي، وعن أم سلمة قالت :( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا )٢٣ رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
﴿ عسى أن يبعثك ربك ﴾ يوم القيامة ﴿ مقاما محمودا ﴾ منصوب على الظرف بإضمار فعله أي فيقيمك مقاما محمودا، أو بتضمين يبعثك معنى يقيمك أو على الحال بمعنى يبعثك ذا مقام محمود يحمده الأولون والآخرون، قال البغوي عن أبي وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله اتخذ إبراهيم خليلا وإن صاحبكم خليل الله وأكرم الخلق على الله ثم قرأ ﴿ عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ﴾ قال : يجلسه على العرش ) وعن عبد الله بن سلام قال يقعده على الكرسي، والصحيح أن المقام المحمود مقام الشفاعة، أخرج أحمد وابن أبي حاتم والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال : هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي، وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا بذلك فيقولون : لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا فيأتون آدم فيقولون : أنت آدم أبو الناس خلقك الله بيده وأسكنك في جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكانن
٢ أخرجه البخاري في كتاب: الوتر، باب: الوتر في السفر (١٠٠٠) وأخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت (٧٠٠)..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: التهجد، باب: الدعاء والصلاة من آخر الليل (١١٤٥) وأخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل (٧٥٨)..
٤ أخرجه البخاري في كتاب: صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان (٢٠١٠)..
٥ سورة المزمل، الآية: ١ ـ ٢..
٦ سورة المزمل، الآية: ٢٠..
٧ أخرجه الحاكم في المستدرك وأحمد في مسنده.
قال الذهبي: حديث منكر، وأورده ابن عدي في منكرات أبي جناب. انظر فيض القدير (٣٤٧٦)..
٨ أخرجه البخاري في كتاب: التهجد، باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم حتى ترم قدماه (١١٣٠) وأخرجه مسلم في كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، باب: إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة (٢٨١٩)..
٩ أخرجه البخاري في كتاب: الوتر، باب: الوتر في السفر (١٠٠٠)..
١٠ أخرجه البخاري في كتاب: التهجد، باب: إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه (١١٤٤) وأخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح (٧٧٤)..
١١ أخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (٧٦٥).
وأخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: في صلاة الليل (١٣٦٥) وأخرجه مالك في الموطأ في كتاب: الصلاة، باب: صلاة الليل(١٦٧)..
١٢ أخرجه البخاري في كتاب: التهجد، باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره (١١٤٧) وأخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل (٧٣٨)..
١٣ أخرجه البخاري في كتاب: الأذان، باب: من انتظر الإقامة (٦٢٦) وأخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل (٧٣٦)..
١٤ أخرجه النسائي في كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل (١٦١٨)..
١٥ أخرجه البخاري في كتاب: التهجد، باب: كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل (١١٤٠)..
١٦ أخرجه البخاري في كتاب: التهجد، باب: كيف كان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل (١١٣٩) وأخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل وعدد الركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل (٧٣٨).
١٧ أخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (٧٦٧)..
١٨ أخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (٧٦٣)..
١٩ أخرجه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما وبعضها قاعدا (٧٣٢)..
٢٠ أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (٨٧٢)..
٢١ أخرجه النسائي في كتاب: الافتتاح، باب: ترديد الآية (١٠٠٤) وأخرجه ابن ماجة في كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في القراءة في صلاة الليل (١٣٥٠)..
٢٢ أخرجه النسائي في كتاب: قيام الليل وتطوع النهار، باب: بأي شيء تستفتح صلاة الليل (١٦١٧)..
٢٣ أخرجه الترمذي في كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (٢٩٢٣) وأخرجه النسائي في كتاب: الافتتاح، باب: تزيين القرآن بالصوت (١٠١٦)..
٢ سورة الأحزاب: الآية: ٢٣..
٣ سورة الفتح، الآية: ٢٧..
٤ سورة القمر، الآية: ٥٥..
٥ سورة يونس، الآية: ٢..
٦ سورة الإسراء: الآية: ٨٠..
٧ سورة الشعراء، الآية: ٨٤..
٨ سورة المائدة، الآية: ٥٦..
٩ سورة التوبة، الآية: ٣٣..
١٠ سورة النور، الآية: ٥٥..
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة البقرة (٢٩٥٥) وقال: حديث حسن صحيح..
﴿ ويسألونك عن الروح ﴾ أي الذي يحيى به بدن الإنسان ويدبره ﴿ قل الروح من أمر ربي ﴾ أي من الإبداعيات الكائنة بقوله كن من غير مادة ونولد عن أصل كأعضاء الجسد ولما كان هذا غاية البيان باللسان على قياس فهم السائلين بحيث يحصل به امتياز الروح عن سائر الماديات ولم يكن مفيدا العلم بحقيقته المسؤلة بقولهم وما الروح اعتذر عنه وقال ﴿ وما أوتيتم ﴾ أيها السائلون ﴿ من العلم ﴾ بالأشياء الكائنة ﴿ إلا قليلا ﴾ أي ما تستفيدونه بتوسط حواسكم فإن اكتساب العقل للمعارف النظرية إنما هو من الضروريات المستفادة من إحساس الجزئيات ولذلك قيل من فقد حسا فقد فقد علما ولعل أكثر الأشياء لا يدركها الحس فلا يحصل عنده ذاتياتها فلا يدرك بعضها إلا بعوارض تميزه عما يلتبس به والألفاظ إنما وضعت بإزاء أشياء محسوسة أو معقولة منتهية اكتسابها إلى أشياء محسوسة ولذلك أقتصر موسى عليه السلام في جواب قول فرعون :﴿ وما رب العالمين ﴾١ بذكر بعض صفاته، وهذه الآية لا يقتضي نفي العلم بالروح للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحاب البصائر من أتباعه، فإن طور علمهم وراء طور علم العالمين بتوسط الحواس والاكتساب فإنهم يلهمون من الله تعالى حقائق الأشياء بلا توسط الحواس والاكتساب، فإن لقلوبهم أسماع يسمعون بها ما لا يسمعه الآذان وأبصار يبصرون بها ما لا يبصره العيون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى :﴿ لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به )٢ الحديث، وقد أدرك أصحاب البصائر حقيقة الروح وظهر لهم أن لكل إنسان خمسة من الأرواح العلوية، والروح السفلى المسمى بالنفس سادسها، والخمسة القلب والروح والسر والخفي والأخفى، يمتاز عندهم كل منها عن الآخر ذاتا وصفاتا، ويعرفونها كما يعرفون أبناءهم، وقد يشتبه عند بعضهم بعضها ببعض، بل قد تشتبه هي لأجل لطافتها بمراتب الوجوب، حتى قال بعضهم عبدت الروح ثلاثين سنة ثم أظهر الله تعالى حقيقته وإمكانه وحدوثه عليه، فقال :{ لا أحب الآفلين ﴾٣ فإن قيل أخرج ابن مردويه عن عكرمة إنه صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا نحن مختصون بهذا الخطاب قال بل نحن وأنتم فقالوا ما أعجب شأنك ساعة تقول :﴿ من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ﴾٤ وساعة تقول هذا، فنزلت :﴿ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام ﴾٥ الآية وهذه الرواية تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا لم يكن عارفا بحقيقة الروح، قلنا لو صح هذه الرواية فالمعنى أن الخطاب بقوله :﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ يعم كلا الفريقين فلا شك أن علوم الأنبياء والملائكة وسائر الخلائق قليلة في جنب علم الله تعالى كما يدل عليه قوله تعالى :﴿ ولو أنما في الأرض من شجرة ﴾٦ الآية، ولا منافاة بين كون الحكمة الموهوبة للأنبياء وكمل إتباعهم ومنها العلم بحقيقة الروح وغير ذلك خيرا كثيرا في نفسه متكفلا لكمالات الإنسان ظاهرا وباطنا وبين كونها قليلا بالنسبة إلى علم الله الغير المتناهي.
فائدة : ما ذكرنا من القصة يدل على كون الآية مدنية، وقال البغوي روي عن ابن عباس أنها نزلت بمكة حيث قال : إن قريشا اجتمعوا، وقالوا : إن محمدا أنشأ فينا بالأمانة والصدق وما اتهمناه بكذب وقد ادعى ما ادعى، فابعثوا نفرا إلى اليهود بالمدينة واسألوهم عنه فإنهم أهل كتاب، فبعثوا جماعة إليهم فقالت اليهود سلوه عن ثلاثة أشياء فإن أجاب عن كلها أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبي، وإن أجاب عن الاثنين ولم يجب عن الواحد فهو نبي، فسلوه عن فتية قد أووا في الزمن الأول ما كان من أمرهم فإنه كان لهم حديث عجيب، وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها ما خبره، وعن الروح. فسألوه فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : أخبركم بما سألتم غدا ولم يقل إن شاء الله فلبث الوحي قال مجاهد اثنتا عشرة ليلة، وقيل : خمس عشرة، وقال عكرمة أربعين يوما وأهل مكة يقولون : وعدنا محمد غدا وقد أصبحنا لا يخبرنا بشيء، حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكث الوحي وشق عليه ما يقول أهل مكة، إذ نزل جبرئيل بقوله تعالى :﴿ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا٢٣ إلا أن يشاء الله ﴾٧ ونزل في الفتية :﴿ أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا٩ ﴾٨ ونزل فيمن بلغ الشرق والغرب :﴿ ويسألونك عن ذي القرنين ﴾٩ ونزل في الروح :﴿ قل الروح من أمر ربي ﴾١٠ وروى الترمذي هذه القصة مختصرا عنه قال ابن كثير يجمع بين الحديثين بتعدد النزول، وكذا قال الحافظ ابن حجر وزاد أو يحمل سكوته حين سؤال اليهود على توقع مزيد بيان في ذلك، وإلا فما في الصحيح أصح وأيضا يرجح ما في الصحيح بأنه رواية حاضر القصة بخلاف ابن عباس، وقال البغوى وروي عن ابن عباس أن الروح الذي وقع السؤال عنه هو جبرئيل وهو قول الحسن وقتادة قلت : وكذا أخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الضحاك، وقال البغوي وروي عن علي عليه السلام أن الروح هو ملك له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله تعالى بكلها، وقال مجاهد هو خلق على صورة ابن ادم لهم أيد وأرجل ورؤوس وليسوا بملائكة ولا ناس يأكلون الطعام، وقال سعيد بن جبير لم يخلق الله خلقا أعظم من الروح غير العرش لو شاء أن يبتلع السموات السبع والأرضين السبع ومن فيها بلقمة واحدة لفعل، صورة خلقه على صورة الملائكة وصورة وجهه على صورة وجه الآدميين، يقوم يوم القيامة على يمين العرش وهو أقرب الخلق إلى الله عز وجل عند الحجب السبعين، وأقرب إلى الله يوم القيامة وهو يشفع لأهل التوحيد لولا أن بينه وبين الملائكة سترا من نور لاحترق أهل السماوات من نوره، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : الروح أعظم خلقا من الملائكة، ولا ينزل ملك إلا ومعه روح، وقيل : الروح القرآن ومعني قوله تعالى ﴿ من أمر ربي ﴾ إنه من وحي الله وقيل المراد عيسى فإنه روح الله وكلمته، ومعنى الآية إنه ليس كما يقول اليهود حيث بهتوا أمه، ولا كما يقوله النصارى أنه ابن الله، بل هو مخلوق من أمر الله بكلمة كن من غير أب.
ولما ذكر الله سبحانه أن علم العالمين قليل بالنسبة إلى علمه تعالى، نبه على نعمة الوحي وأنه أوتي من العلوم ما لم يؤت غيره حثا بالصبر على أذى الكفار بقوله :
﴿ ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ﴾
٢ سورة الشعراء، الآية: ٢٣..
٣ أخرجه البخاري في كتاب: الأدب، باب: التواضع (٦٥٠٢)..
٤ سورة الأنعام، الآية: ٧٦..
٥ سورة البقرة، الآية: ٢٦٩..
٦ سورة لقمان، الآية: ٢٧..
٧ سورة الكهف، الآية: ٢٣ ــ ٢٤..
٨ سورة الكهف، الآية: ٩..
٩ سورة الكهف، الآية: ٨٣..
١٠ سورة الإسراء، الآية: ٨٥..
أحدا يفصل بينهما ) رواه الدارقطني والدارمي عن ابن مسعود، ومقتضى حديث الصحيحين أن يحمل قبض العلم في هذا الحديث على قبضة بقبض العلماء لا بالانتزاع، مقتضى حديث زياد أن معنى ذهاب العلم ذهاب توفيق العمل به، قلت : والجمع بينهما أنه يذهب توفيق العمل بالعلم أولا كما تراه في زماننا، ثم يذهب العلم مطلقا بقبض العلماء كما ترى قلة العلم في ذلك الزمان إلى هذا الغاية بقلة العلماء بعدما كان كثيرا بكثرة العلماء وقلة توفيق التعليم والتعلم والله أعلم.
٢ أخرجه ابن ماجة في كتاب: الفتن، باب: ذهاب القرآن والعلم (٤٠٤٨) وفيه انقطاع..
﴿ قل لئن اجتمعت الإنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ﴾ في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى ﴿ لا يأتون بمثله ﴾ أي لا يقدرون على ذلك وفيهم العرب العرباء وأرباب البيان والشعراء وأهل التحقيق والبلغاء، وهو جواب قسم دل عليه اللام الموطئة ولولا هي لكان جواب الشرط بلا جزم يكون الشرط ماضيا ﴿ ولو كان بعضهم لبعض ﴾ أي لبعضهم ﴿ ظهيرا ﴾عونا ومظاهرا على الإتيان به وقال البغوي نزلت الآية حين قال الكفار :﴿ لو نشاء لقلنا مثل هذا ﴾١ فكذبهم الله وفيه معجزة حيث كان كما أخبر الله تعالى به، ولم يقدروا على إتيان أقصر سورة منه مع كمال حرصهم على المعارضة، قال البيضاوي لعله لم يذكر الله تعالى الملائكة لأن إتيانهم بمثله لا يخرجه عن كونه معجزة ولأنهم كانوا وسائط في إتيانه، قلت المراد بالإتيان الأتيان من عند أنفسهم على سبيل المعارضة والمجادلة من غير وحي من الله تعالى ولا شك أن الملائكة أيضا لا يقدرون على إتيان كلام مثل كلام غير مخلوق، لكنهم لم يذكروا لأن الإتيان المذكور كفر إنما يتصور من المنكر، والملائكة معصومون يؤمنون به ولا يتصور منهم الإنكار والله أعلم وجاز أن يكون الآية تقريرا لقوله :﴿ لا تجد لك به علينا وكيلا ﴾٢.
٢ سورة الإسراء، الآية: ٨٦..
وأخرج ابن جرير من طريق ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس، وأخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال : نزلت في أخي أم سلمة عبد الله بن أمية قال في لباب النقول : هذا مرسل صحيح شاهد لما قبله يجبر المبهم في إسناده، يعني قال كفار مكة تعنتا واقتراحا بعد ما لزمتهم بيان إعجاز القرآن وانضمام غيره من المعجزات لن نؤمن لك ﴿ حتى تفجر ﴾ قرأ الكوفيون بفتح التاء وضم الجيم مخففا من المجرد، والباقون بضم التاء وفتح الفاء وكسر الجيم مشددا من التفعيل ﴿ لنا من الأرض ﴾ أرض مكة ﴿ ينبوعا ﴾ أي عينا لا ينضب ماؤها يفعول من نبع الماء
اقتراحاتهم وتنزيها لله تعالى من أن يأتي أو يتحكم عليه أو يشاركه أحد في القدرة ﴿ سبحان ربي هل كنت ﴾ أي ما كنت ﴿ إلا بشرا رسولا ﴾ يعني ليس ما سألتم في طوق البشر بل لو أراد الله أن ينزل ما طلبوا لفعل ولكنه لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر غالبا وقد أعطى الله تعالى لرسوله من الآيات والمعجزات ما يغني عن هذا كله مثل القرآن وانشقاق القمر ونبع الماء من بين الأصابع وما أشبهها وهذا هو الجواب المجمل وأما التفصيل فقد ذكر في آيات أخر ﴿ ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس ﴾١ الآية ﴿ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء ﴾٢ ﴿ ولو أن قرءانا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ﴾٣ يعني لم يؤمنوا ﴿ بل لله الأمر جميعا ﴾٤.
٢ سورة الحجر، الآية: ١٤..
٣ سورة الرعد، الآية: ٣١..
٤ سورة الرعد، الآية: ٣١..
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة بني إسرائيل (٣١٤٢)..
٣ أخرجه الترمذي في كتاب: صفة القيامة والرقاق والورع، باب: ما جاء في شأن الحشر (٢٤٢٤)..
٤ أخرجه النسائي في كتاب: الجنائز، باب: البعث (٢٠٧٧)..
٥ سورة الكهف، الآية: ٥٣..
٦ سورة الفرقان، الآية: ١٣..
٧ سورة الفرقان، الآية: ١٢..
٨ سورة السجدة، الآية: ١٢..
٩ سورة غافر، الآية: ١١ ــ ١٢..
١٠ سورة السجدة، الآية: ١٢ ــ ١٤..
١١ سورة إبراهيم، الآية: ٤٤..
١٢ سورة فاطر، الآية: ٣٦..
١٣ سورة فاطر، الآية: ٣٦..
١٤ سورة المؤمنون، الآية: ١٠٦ ــ ١٠٧..
١٥ سورة المؤمنون، الآية: ١٠٨..
فإن الإشارة بذلك إلى ما تقدم من عذابهم
وأخرجه النسائي في كتاب: تحريم الدم، باب: السحر (٤٠٧٦)..
مسألة : يستحب البكاء عند قراءة القرآن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا )١ رواه البغوي ورواه الحاكم وصححه والبيهقي عنه بلفظ :( حرم على عينين أن تنالهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس الإسلام وأهله من أهل الكفر ) وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( حرمت النار على ثلاثة أعين عين بكت من خشية الله وعين سهرت في سبيل الله وعين غضت عن محارم الله ) رواه البغوي، وعن أبي ريحانة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( حرمت النار على عين بكت من خشية الله وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله وحرمت النار على عين غضت عن محارم الله أو عين فقئت في سبيل الله ) رواه الطبراني في الكبير وصححه وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما من عبد مؤمن يخرج من عينه دموع وإن كان مثل رأس الذباب من خشية الله ثم يصيب شيئا من حر وجهه إلا حرمه الله على النار )٢ رواه ابن ماجه والله أعلم.
وأخرج النسائي في كتاب: الجهاد، باب: فضل من عمل في سبيل الله على قدمه (٣٠٩٨)..
٢ أخرجه ابن ماجة في كتاب: الزهد، باب: الحزن والبكاء (٤١٩٧) قال في الزائد: إسناده ضعيف..
﴿ ولا تجهر بصلاتك ﴾ أي بقراءتك في الصلاة بحيث يسمعها المشركون ﴿ ولا تخافت بها ﴾ كل المخافة بحيث لا يسمع من خلقك من المؤمنين ﴿ وابتغ ﴾ أي أطلب ﴿ بين ذلك ﴾ أي كمال الجهر والمخافة ﴿ سبيلا ﴾ متوسطا فإن خير الأمور أوسطها، والمراد بالصلاة صلاة الليل فريضة كانت أو نافلة للإجماع على وجوب الأخفاة في صلاة النهار للنقل المتوارث، أو المعنى وابتغ بين ذلك سبيلا يعني بالإخفاء نهارا وحيث يكون بمسمع من المشركين وبالجهر المتوسط ليلا، روى البغوي من طريق البخاري عن أبي بشير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختفي بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿ ولا تجهر بصلاتك ﴾ أي بقراءتك فيستمع المشركون فيسبوا القرآن ﴿ ولا تخافت بها ﴾ عن أصحابك فلا تسمعهم وروى البخاري عن أبي بشير بإسناد مثله وزاد ﴿ وأبتغ بين ذلك سبيلا ﴾ لسمعهم ولا تجهر حتى لا يأخذوا عنك القرآن٢، قال البغوي وقال قوم الآية في الدعاء وهو قول عائشة والنخعي ومجاهد ومكحول رضي الله عنهم روى البخاري عن عائشة ﴿ ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ﴾ قالت : أنزل ذلك في الدعاء، وأخرج ابن جرير من طريق ابن عباس مثله ثم رجح الرواية الأولى بكونها أصح سندا، وكذا أرجحها النووي وغيره قال الحافظ ابن حجر لكن يحتمل الجمع بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة، وقد أخرج ابن مردويه من حديث أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت قلت : وهذا الجمع عندي غير مرضي لأن الدعوات المأثورة في الصلاة المتوارث فيها إلا خفاة ولا خوف إلا في دعاء القنوت وأيضا قوله تعالى :﴿ أدعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين٥٥ ﴾٣ يقتضي الإخفاء في الدعوات كلها في الصلاة وخارجها فالأولى أن يقال : المراد بالدعاء في قول عائشة أنها نزلت في الدعاء وكذا في حديث أبي هريرة رفع صوته بالدعاء سورة الفاتحة لاشتمالها على قوله تعالى :﴿ أهدنا الصراط المستقيم٦ ﴾ الخ وما أخرج ابن جرير والحاكم عن عائشة قالت : اللهم ارحمني فنزلت وأمروا أن لا تخافتوا ولا تجهروا، وما قال البغوي قال عبد الله بن شداد كان أعراب بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : اللهم ارزقنا مالا وولدا ويجهرون بذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية يجب رده للنقل المتوارث فلا يصادم ما في الصحيح في سبب نزول هذه الآية والله أعلم.
روى البغوي من طريق الترمذي عن عبد الله بن رباح الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر ( مررت بك وأنت تقرأ وتخفض من صوتك ) فقال : إني أسمعت من ناجيت فقال ( ارفع قليلا ) وقال لعمر ( مررت بك وأنت ترفع صوتك ) فقال : إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان قال ( أخفض قليلا )٤ وروى أبو داود وغيره من حديث أبي قتادة نحوه، وقد ذكرنا بعض مسائل الجهر بالقراءة والإخفاء بها في سورة الأعراف في تفسير قوله تعالى :﴿ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون٢٠٤ واذكر ربك في نفسك تضرعا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين٢٠٥ ﴾٥ الآية وذكرنا مسألة ذكر الجهر والخفي أيضا في تلك السورة في تفسير قوله تعالى :﴿ ادعوا ربكم تضرعا وخفية ﴾٦ الآية.
فصل : كيف كان قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة قال :( كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم يرفع طورا ويخفض طورا )٧ رواه أبو داود، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت )٨ رواه أبو داود وعن أم مسلمة أنها نعتت قراءته صلى الله عليه وسلم فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا )٩ رواه أبو داود والترمذي والنسائي وعن أم هانئ قالت :( كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم الليل وأنا على عريشي )١٠ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وعن عبد الله بن قيس قال سألت عائشة عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بالقراءة أم يجهر ؟ قالت : كل ذلك قد كان يفعل ربما أسرو ربما جهر، قلت : الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة١١، قال الترمذي حديث حسن صحيح غريب والله أعلم.
أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال : إن اليهود والنصارى قالوا : اتخذ الله ولدا وقالت العرب لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك قال الصابئون والمجوس لولا أولياء الله لذل فأنزل الله تعالى :﴿ وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ﴾.
٢ أخرجه البخاري في كتاب: التفسير، باب: ﴿ولا تهجر بصلاتك ولا تخافت بها﴾ (٤٧٢٢)..
٣ سورة الأعراف، الآية: ٥٥..
٤ أخرجه الترمذي في كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في قراءة الليل (٤٤٤) وأخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (١٣٢٧)..
٥ سورة الأعراف، الآية: ٢٠٤ــ ٢٠٥..
٦ سورة الأعراف، الآية: ٥٥..
٧ أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (١٣٢٦)..
٨ أخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (١٣٢٥)..
٩ أخرجه الترمذي في كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم (٢٩٢٣).
وأخرجه أبو داود في كتاب: الصلاة، باب: كيف يستحب الترتيل في القراءة (١٤٦٥).
وأخرجه النسائي في كتاب: الافتتاح، باب: تزيين القرآن بالصوت (١٠١٦)..
١٠ أخرجه النسائي في كتاب: الافتتاح، باب: رفع الصوت بالقرآن (١٠٠٧) وأخرجه ابن ماجة في كتاب: إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في القرآن في صلاة الليل (١٣٤٩)..
١١ أخرجه الترمذي في كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في قراءة الليل (٤٤٦)..
الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين.
تم تفسير سورة بني إسرائيل من التفسير المظهري ويتلوه إن شاء الله تعالى تفسير سورة الكهف قد تم ثالث رمضان من السنة الثانية بعد المائتين وألف سنة ١٢٠٢ من الهجرة.
وأخرجه ابن ماجة في كتاب: الدعاء، باب: فضل الحامدين (٣٨٠٠)..
٢ أخرجه مسلم في كتاب: الآداب، باب: كراهة التسمية بالأسماء القبيحة وبنافع ونحوه (٢١٣٧)..
٣ أخرجه مسلم في كتاب: الذكر والدعاء والتوبة، باب: فضل سبحان الله بحمده (٢٧٣١)..