ﰡ
[وهي مائة آية وعشر آيات*]
قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا... (١)﴾
قال ابن عرفة: وجه ذكر التسبيح هنا أن الباقي بعده للمصاحبة فيقتضي مصاحبة بعده في الإسراء وذلك مستحيل كما استحال في قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِم). فذكر تنزيهه عن ذلك وغيره.
قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ... (٤)﴾
قال ابن عرفة: هي دليل على صحة تكليف ما لَا يطاق ولا [يحمل*] على أنهم مخلفون بالإصلاح والإيمان مع كونه قضى عليهم بالفساد في الأرض وما قضاه وأراده فلا بد منه فهم مخلفون بالإيمان وحوطوا بأنهم سيفسدون قال: والجواب أن هذا ليس محل النزاع لأنه في المستحيل عقلا وهو الذي علم الله أنه لَا بد منه خلاف المستحيل عادة وأتى فيه بالقسم لأجل أنه مستبعد عنهم فلذلك أقسم له.
قوله تعالى: ﴿فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ... (٥)﴾.. ابن عطية: قرأ [الناس*] فجاسوا [بالجيم، وقرأ أبو السمال «فحاسوا» بالحاء وهما بمعنى الغلبة والدخول قسرا ومنه الحواس*] وقيل [لأبي*] السماك إنما القراءة (جاسوا) بالجيم فقال جاسوا [وحاسوا واحد*]، ابن عطية: فهذا يدل على [تخير*] لَا على رواية ولهذا لَا تجوز الصلاة بقراءته وقراءة نظرائه.
قال ابن عرفة: قال الشيخ أبو الحسن اللخمي في كتاب الصلاة في فعل القراءة يجوز نقل القرآن بالمعنى تخريجا من راوية ابن وهب أنه حال مبالغة الإقراء بقراءة ابن مسعود أن (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ) فقال الرجل: طعام اليتيم فقال ابن مسعود: طعام الفاجر أيقرأ بهذا، فقال: نعم فخرج الفخر عدم إعادة المصلي بها، وأنكر عليه المازري، وقال [**هذه وله] لأن لفظه معجز، فلا يصح بديله بالمرادف الذي في الحديث القدر بل فعل وحده وليس هذا [... ] مستوفيا خروج المباح منه؛ لأن المعنى أن يصدر منكم إحسان فلأنفسكم والمباح [ليس لهم ولا عليهم*] فإن قلتم نص الأصوليون على أن المباح من أقسام الحسن قلنا: هذا صحيح لكن قوله هنا (لأنفسكم) يرده؛ لأنه تنبيه على الثواب الحاصل لهم في الدار الآخرة والمباح لَا ثواب فيه، وكرر لفظ [(أحسنتم) للاستجلاء*] كقول أبي نواس:
وقال ابن الخطيب؛ لعظم قدره عند الله تعالى كقوله: الحسنة بعشر أمثالها إلى مائة وأزيد والسيئة بمثلها، وأتجاوز. ابن عرفة: وهذا على جهة الأعم الأغلب وإلا فقد يحسن الإنسان لغيره؛ كمن يدعو لميت ويتصدق عنه بشيء.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ... (٧)﴾
قال المعبرون: المراد الوجه [خاصة*]، ويحتمل أن يريد به أشرافهم ويتناول من دونهم من باب أحرى.
قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (٨)﴾
ابن عطية: الحصير من الحصر يعني السجن، ويقال لجني الإنسان [حصيران*] [لأنهما*] يحصران جانب من هنا وجانب من هنا، وقال: [الحسن البصري*] في الآية [أراد به ما يفترش ويبسط كالحصير المعروف عند الناس.*]
ابن عرفة: لَا يريد أنها ذات حصر؛ كقولك [امرأته طالق ثلاثا*]؛ [لأنها*] ملازمة الحصر لهذه، فهي متصفة به دائما خلاف المرأة [والثلاث*]، والطلاق أيضا ليس من فعل المرأة.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ... (٩)﴾
الزمخشري: حذف الموصول بما في إيهامه بالجميع من فخامة فقدمت مع ذكره ابن عرفة: أراد أنه حذف قصد للعموم لبقاء اللفظ صالحا لأن يكون المقدر يهدي الطريق التي هي أقوم أو للملة التي هي أقوم ولو ذكر إحداهما لكان خاصا فحذف لقصد صلاحية هدايته للجميع.
قوله تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (١١)﴾
ابن عرفة: عاداتهم يقولون المناسب وكان الإنسان جهولا؛ لأن من يدعو على نفسه بالشر مثل ما يدعو بها بالخير سواء جاهل أو لَا، [يسوي*] بين [العالم والجاهل*] فأما العجول، فإنما يناسب أن الإنسان يستعجل الدعاء بالخير قبل حضور أوانه. قال: والجواب أن العجلة سبب في الجهالة لأن المستعجل لَا يتأمل ولا ينظر بل يبادر إلى الشيء من غير تأمل فهو كالجاهل سواء قائم السبب مقام سببه، قلت: وهذا قال الزمخشري في قوله: (أعجلتم أمر ربكم) [يقال*]: [عجل عن الأمر إذا تركه غير تام، ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره*] (١).
قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ... (١٢)﴾
[وأُجيب*] بالتزام ذلك، ويكونا في ثاني حال (صير) آيتين؛ ورُدَّ بأن حالتهما الأولى [**مساء]،
وبالحالة الثانية إلا أن يقال: إنهما خلفاء مكتفين، وحين صيرا اثنين خلق فيهما النور
[**وغير أن في كلام ابن عطية]. ابن عرفة: والآية حجة لأهل السنة على أن الكلمة أمر
وجودي وأنها جواهر كثيفة واستدلوا بأنها ترى وكل ما يرى فهو وجودي، وقال
المعتزلة: إنها أمر عرفي أولا فرق بين حالة الإنسان إذا فتح عينيه في الظلام وقال إذا
أغلقها قاله الفخر في [**المحصل والمشهور عند الأصوليين أن العدم الإضافي لَا يصح
أن يكون أمرًا للقدرة وأجمعوا على العدم المطلق به ويستقيم القول بأن العرض لما بقي
وما بين الآية دليل على أن الميل أمر وجودي لأن العامل فيه خلق أو صير].
قوله تعالى: (لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ).
قال ابن عرفة: إن أريد الحساب القمري [**جلون معا الفضل بالنهار] ومعرفة الحساب بالليل وعدد السنين راجع لعلم مدها ومداها والحساب واسع لجمعها وطرح بعضها من بعض وعندما قالوا العدد كمية منفصلة ذات ترتيب والحساب هو التصرف فمن العدد بالتركيب والتحليل.
قوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا).
قال ابن القصار في قول الشاعر: [... ]. لهم لاحتمال أن يكون صنع بعضهم تجعله في الرفع كالعلي وفي النصب كل الكل، وأجاب الآخرون بأن ذلك إنما هو في النفي والحكم في الثبوت على خلافه ولهذا مثل المنطقيون المبالغة الجزئية بقولك ليس كل كذا وكذا.
قال ابن عرفة: فهذا إن كان قوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) متعلقا بتعلموا معطوفا على قوله عدد السنين فلا يكون عالماً فإن معرفتنا لأنهم وإن كان راجعا لله تعالى فهو كلية فيكون عالماً؛ لأنه يعلم الأشياء جملة وتفصيلا ونحن لَا نعلمها إلا جملة فإذا رجع العلم إلينا كلا لَا كلية وهو على المجموع من حيث هو مجموع كقولك كل من عام يرفع الصخرة العظيمة.
قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)﴾
ابن عرفة: وهؤلاء اليهود والنصارى يجب دعواهم لأنهم مد بكفهم التوحيد وعلموه وأما البعثة فلا، وأجاب المتعسفون بأن رسولا في الآية المراد به العقل وهذا تحريف للفظ القرآن.
ابن عرفة: واختلفوا هل يشترط المعلم بالتكليف أو التمكن من العلم بالتكليف فيخرج المجانين والأطفال أو لَا يشترط ذلك والآية حجة في اشتراط ذلك، قلت: وقال الشيخ ابن مرزوق: كانت وقفاً ببلد فاس في عام أربعين وسبعمائة في مدة الأمير أبي الحسين في حين وصل إلى الجزائر الخالدات وطار لهم ووجد فيهم ناسا على شكل بني آدم ولا يفهم لهم كلاما وليسوا متشرعين فرفع عنهم جماعة إلى بلاد الأندلس فلم يفهم لهم أحد كلاما فما زالوا مقيمين ومخالطين للنصارى حتى يفهم بعضهم كلام النصارى ورجع عنهم فوجدهم لَا يعرفون النبوة ولا شيئا منها فوصل بهم إلى الأمير أبي الحسن المريني فاختلف الفقهاء حينئذ فمنهم من قال تغزى بلادهم ويقاتلون ومنهم من قال: يبعث إليهم هؤلاء الذين فهموا لغتنا منهم فيدعونهم إلى الإسلام ويخبرونهم بالشريعة المحمدية وأحكامها فإن أذعنوا لذلك وإلا قوتلوا وأخذوا ثم توفي الأمير أبو الحسن قبل الوصول إليهم وهم جوز في البحر.
قال ابن عرفة: والآية على إبطال مفهوم الغاية لأنه لَا يقع التعريف بمجرد اللغة بل مع تكذيب المبعوث والغاية بحتى أبلغ منها بإلى حسبما ذكره الزمخشري: في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) ولذلك قال ابن الحاجب: والعورة من الصرة إلى الركبة، وقيل: حتى الركبة.
ابن عرفة، وقوله تعالى: (مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ) ليس المراد وقوع ذلك، وإنما المراد وما يصح لنا التعذيب شرعا حتى نبعث رسولا وكذا قال الزمخشري: في قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ).
قوله تعالى: ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا... (١٦)﴾
ابن عطية [الإمارة*]. ابن عرفة: فإن كل أحد [**ذل داره] ولعلها يحكي بها ما كان كلاما لا قولا، فالقول أعم من الكلام لصحة إطلاقه اصطلاحا على غير المفيد فلذلك قال هنا لحق عليها القول؛ لأنه إذا حق عليها ما هو أعم من المفيد وغيره فأحرى أن يحق عليها المفيد وهذا باعتبار ظهوره وبروزه لهم وإلا فقد كان لازما ثابتا لأنه قديم أزلي.
قوله تعالى: (فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).
ابن عرفة: قال بعضهم: حسبوا تاريخ بغداد فوجدوه بعدد حروف تدمير أجاب أبي جاد لأن التاء أربعمائة، والدال أربعة، والميم أربعون، والباء عشرة، والراء مائتان.
قوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ... (١٧)﴾
إنما أتى بعده لأن القضية الشرطية لَا تدل على وقوع الشيء ولا إمكان وقوعه.
قوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ... (٢٤)﴾
قال: هذا إما أن يكون استعارة، وإما أن يراد حقيقة الإنسان، والجناح مجاز.
قال الزمخشري: [إما أن المراد الذليل أو الذلول*].
ابن عرفة: فالأول: نهي عن التعصب أي لَا يتعصب عليهما وكن لهما كالفرس الذلول، والثاني: بمعنى لَا يفتر عليهما، وكن لهما كالرجل الذليل.
قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا).
ذكر السهيلي حديثا أن من زار قبر والديه عد بارًّا لهما.
قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا... (٢٨)﴾... فيه وجهان الأول أنه من [إقامة*] السبب مقام المسبب والتقدير، وإما تعرض عنهم لاعتبارك لأن إعراضه إنما هو لاعتباره لَا [لابتغاء الرحمة*]، وإما أن في الكلام تقديما وتأخيرا أي وإما تعرضن عنهم فقل لهم قولا ميسورا [ابتغاء الرحمة من ربك*].
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ... (٢٩)﴾
هذا تمثيل في المعنى البخل ستنتج كقول "العائد فيه كالكلب يعود في قيئه" كل ذلك ينفي عن الاتصاف بهذه الصفات، قلت لابن عرفة: ظاهر الآية النهي عن هذا البخل لأن [غل*] اليد إلى العنق هو النهاية وإنما كان يتناول مطلق البخل لأنه لو قيل: لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك، فقال بل يتناول مطلق البخل، وشبهة بغل اليد إلى العنق استقباحا للبخل قلَّ أو أكثر.
قوله تعالى: (وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ).
يتناول النفقة المحرمة أصلا؛ كشراء الخمور، والمحرمة بعارض كشراء [**الخمور بدينار كبير].
قوله تعالى: (فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا).
ابن عرفة: هذا لف ونشر فاللوم راجع إلى البخل لأن الإنسان يلام على عدم النفقة، ولم يقل مذموما ليتناول ذلك النهي عن البخل بالواجب، وبغيره، وقوله محسورا راجع إلى النهي عن بسط اليد؛ لأنه إذا بالغ في بسطها يقل درهمه ورزقه ويتغير عليه فيبقى محسورا.
قال ابن عرفة: وانظر قال في سورة تبارك الفرقان: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) وإن كان بين ذلك قواما فبدأ هنالك بالسرف في النفقة وهو بسط اليد، وبدأها هنا بالبخل.
قال ابن عرفة: وعادتهم يجيبون أن سورة الإسراء مشتملة على جملتين اقتضاء النهي والأعم والأغلب في البخل والشح فهو أحق وهم بأن تقدم النهي، فقدم نفي ذلك لأنه هم هنالك والآية خرجت مخرج المدح دليل مقدم فيها ما سواهم في المدح،
ابن عرفة: ولو قيل إذا انفقوا لم يقتروا ولم يسرفوا لكان الجواب غير الشرط كقولنا إذا لم يبخلوا لم يبخلوا فلا يكون فيه فائدة.
قوله تعالى: ﴿لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ... (٣٠)﴾
أي لمن يشاء بسط الرزق له، وقال ابن عطية: لمن يعلم أن في بسط الرزق العقليين عندهم وأمَّا عندنا فالحسن والقبح شرعيان لَا عقليان.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ... (٣١)﴾
وقال في سورة الأنعام (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) فقدم هنا ضمير الأولاد وأخره في الأنعام فما السر في ذلك.
ابن عرفة: أجابوا بأن المخاطب هنا من عزم على قتل ولده في حال غناه خشية أن يصير بإنفاقه عليه فقيرا والمخاطب في سورة الأنعام هو من عزم على قتل ولده في حال فقره وإملاقه... عياله والأعم الأغلب المشاهد من النَّاس أن إلا [٤٩/ ٢٣٧] قيل: نزول البلاء بأنه يفضل أولاده وأحفاده على نفسه ويودان أن يكون فاداهم فيما يؤمهم وينزل بهم فإذا رأى البلاء عيانا وحل به لم يفضل أحد على نفسه إنما يجب خلاص نفسه منه دون أحب النَّاس إليه ولا يحب إلا نفسه هذا في كل آية بما هو الأهم فيها ففي سورة الأنعام الأهم عليهم أنفسهم لأنهم فقراء قد ذاقوا ألم الفقر والإملاق فلذلك قيل فيها نحن نرزقهم وإياهم وهنا الأهم عليهم أولادهم لأنهم أغنياء لكن خافوا الفقر.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا... (٣٢)﴾
[**الزنا عند مالك وأبي حنيفة]، فإن قلت: [لم نهى*] عن قربه دون قرب القبل؟ قلنا: لأن الزنا له مقدمات كالقبلة والملامسة وهي كلها محرمة فنهى عن قربه ليتناول النهي عن المقدمات، قلت: والنفس تدعوا إلى هذه المقدمات من الجانبين، ومقدمات القبل ضيقة؛ لأن المقتول يدافع عن نفسه، فإن قلت: ما فائدة قوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) مع أنه إن كان تعليلا عقليا كان حجة المعتزلة في أن أفعال العبد معللة وأن الزنا قبيح عقلا، وإن كان شرعيا لزم تعليل الشيء نفسه لأن يكون المعنى لَا تقربوا الزنا لأنكم لَا تقربوه [**وأقضيكم عن قربه لأنكم قضيتم] عنه لأن صحته لم تثبت إلا من جهة الشرع، فالجواب أنه يكون هذا إشارة إلى أن تحريمه ثابت في الشرائع المتقدمة لأن
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ... (٣٣)﴾
المراد به الجهاد والحرابة والقصاص.
ابن عرفة: والمرتد يحد فيه ويستتاب، والزنديق يقتل ولا يستتاب، والمحارب إذا قدر عليه الحد صبرا واختلف في قتله بخلاف قتله حال الحرابة فإنه متفق عليه عندنا.
قوله تعالى: (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ).
يحتمل وجهين أحدهما عود الضمير في يسرف على ولي القتيل، فالمراد أنه لا يمثل به بعد قتله، وفى هذا على بابها من الطرفين، الوجه الثاني: أن الضمير عائد على القاتل، أي: فلا يسرف من أراد قتل شخص والتعدي عليه في قتله أي لَا صلة [**بسرفه]، وفي هذا للسبب أي فلا يسرف بسبب قتله.
قوله تعالى: (إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا).
أو لم يزل كذلك.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ... (٣٦)﴾
قال ابن عرفة: الوجود على ثلاثة أقسام: وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان ووجود في اللسان، ومنهم من يعبر عن هذا الثالث بقوله وجود في البنان والوجود والقياس يكون [علما وظنا*] فكأنه يقول لَا تكلم إلا بالعلم، ففيه دليل على [إعمال القياس*] لأنه إنما يفيد الظن لأنه قسمان قياس في الأمور الشرعيات، وهي ظنية، واتفقوا على أنه يفيد الظن، وقياس في العقليات بالجوامع الأربعة وهي العلة والدليل والشرط والحقيقة، فالعلة لتحقيق العالمية في الشاهد، إنما هو يعلم فكذلك في الغالب والدليل كالأثر في الشاهد يدل على مؤثر فكذلك في الغائب والشرط كالحياة هي في الشاهد شرط في وجود العلم فكذلك في الغائب والحقيقة كالإرادة فإنها في الشاهد عبارة عن التخصيص فكذلك في الغائب. ذكره التلمساني في المسألة الثالثة من الباب التاسع والمشهور عن المتقدمين أنه يفيد القطع وأما المتأخرون فأطبقوا على أنه إنما يفيد الظن لأنه قد تعرض بشبهة أو في شيء فيمدح فيه وقوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ابن عرفة: عموم الآية مخصوص بالمباح لأنه لَا يتناوله النهي.
قوله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ).
قوله تعالى: (كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).
قيل: إن اسم كان عائد على كل والمجرور نفسه عائد على ما من قوله ما ليس به علم، وقيل: إن اسم كان عائد على ضمير المخاطب بقوله تعالى: (وَلَا تَقْفُ) على الالتفاف والضمير في عنه عائد على كل.
قوله تعالى: ﴿مَرَحًا... (٣٧)﴾
حال، وقيل: مفعول من أجله، قال أبو حيان: ولا يظهر ابن عرفة لأن المرح إنما هو حالة الشيء وإذا جعلته مفعولا من أجله كان سابقا على الشيء غير مقارن له.
ابن عرفة: فإن قلت: لم أفرد أمر الإشارة؟ قال: عادتهم يجيبون بأنه إشارة إلى كل واحدة على انفرادها، فإفراده أبلغ في الذم فهو كلية لَا كل.
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ... (٣٩)﴾
انظر هل [مِن*] للتبعيض [أو للبيان*] الحقيقي، والحكمة وضع الشيء في محله، وهل يشترط كونه أنسب من غيره، وإنما يشترط مناسبته فقط الظاهر الأول. قال الزمخشري: هذا [وسماه حكمة لأنه كلام محكم لا مدخل فيه للفساد بوجه*]، وقال ابن عطية: الإشارة بذلك إلى هذه الآداب التي تضمنتها هذه الآية أي هذه من الأفعال المحكمة التي [تقتضيها*] حكمة الله في عباده وخلقه لهم محاسن [الأخلاق*] والحكمة قوانين المعاني المحكمة، والأفعال الفاصلة.
قوله تعالى: (مَلُومًا مَدْحُورًا).
إن قلت ما مناسبة اللوم هنا مع أن العذاب يكفي الذم مدحورا فمناسبة لأن معناه مدفوعا، وأما اللوم فلم قال؟ فالجواب: أنهم لما كذبوا بعد ظهور الدلائل الواضحة والمعجزات على يدي الرسل يعذبون على كفرهم ويلامون على ما لديهم ولا يقبل لهم معذرة.
قوله تعالى: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ... (٤٠)﴾
كان بعضهم يقول هذه الآية دليل على أن ارتباط الدليل بالمدلول عقلي لَا عادي وفي المسألة أربعة أقوال، وأجيب بأن هؤلاء لم ينظروا النظر التام ابتدأ في المقدمتين
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ... (٤١)﴾
قال بعضهم [في*] زائدة [... ] هذا القرآن لأنه كله مصرف، ورده ابن عرفة: بأنه إنما نسخ منه آية الأحكام، [**ونصا آية الأخبار والقصص والتوحيد فليس مصرفة] فصح أن التصريف إنما هو في بعضه وليس بعام فيه.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ... (٤٢)﴾
قال ابن عطية: في دلالة التمانع أنهما إما أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا فيجوز اختلافهما.
ابن عرفة: وأيضا فيقولون إنما إذا اجتمعا على إيجاد جوهر فهو حالة الإيجاد وإما مقدم لأحدهما فيلزم عجز الآخر له أو مقدر لها فيلزم عليه وجود مقدورين وقادرين، واجتماع اثنين على مؤثر واحد وهو محال، قال وعادتهم يوردون على هذه الآية.
قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا).
لأن هناك أكد الجواب بـ إذا واللام، وهنا أكده باللام فقط، وأجيب بوجهين الأول: إن البيانيين يقولون: إن كان المخاطب منكرا للخطاب أو في مادة المنكر فحينئذ يؤكد الخطاب وإلا فلا، وهذا كقولك زيد قائم، إن زيدا قائم، وإن زيدا القائم، والشرط هنا ذكر فيه أن هنا عائد موجود ومنكر فقيل (لو كان [معه*] آلِهَةٌ كما يقولون) فاحتيج إلى تأكيد الجواب بـ إذا واللام فقط، الجواب الثاني: لفظ الفساد هنا صريح بدليل أنه لم يختلف فيه وهنا هو الشرط غير صريح بدليل الاختلاف في تفسيره فقيل: معناه لابتغوا المناقضة، وقيل معناه لابتغوا الطاعة.
ابن عرفة: وتفسيره بأن معناه لابتغوا الطاعة غير مناسب لأنهم مقرون بهذا لقولهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى) وإنما اتخذوهم، قيل لابن عرفة: إن هذا لم يقع ابتغاء الآلهة إلى ذي العرش سبيلا؛ فقال: على هذا [بطلت*] الملازمة وأيضا، فقال ابن التلمساني في شرح المعالم الفقهية في المسألة الثالثة من كتاب القياس: إنه إن كان المستثنى مثبتا فالأحسن أن يأتي بأن ويستثنى عين المقدم فيستثنى عين الثاني بحيث إن كان هذا إنسان فهو حيوان لكنه إنسان فهو حيوان وإن كان منفيا فالأحسن أن يأتي بلو ويستثني نقيض الثاني فينتج نقيض المقدم بحيث لو كان هذا إنسانا ليس إذن حيوانا لكنه ليس بحيوان فلا يكون إنسانا، فيلزم على هذا التفسير إن كان
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ... (٤٥)﴾
ليس المراد إذا أردت أن تقرأ؛ لأنه إنما يجعل الحجاب بينه وبينهم إذا سمعوا قرآنه [فينسبون في أداته، قال: والقرآن اسم [جنس*] يصدق على القليل والكثير. (مستورا) إما أن المراد [ساترا*] وهو مفعول بمعنى فاعل فيكون مجازا، والظاهر أن الخطاب خاص به صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإن قلت: مفهومه أنه إذا لم يقرأ لم يحفظ منهم مع أنه معصوم من شيطان الإنس والجن مطلقا، قلنا: بل مفهومه أنه إذا لم يقرأ عصم منهم من باب آخر الآية إذا [... ] المنافي لهم الذي يكرهونه فهم حينئذ أشد حقا على إيذائه ومضرته. فإن قلت: هلا قال: جعلنا بينك وبين المشركين أو وبين الكافرين؟ فالجواب إن الآخرة إنما علمت بإخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكأنه يقول جعلنا بينك وبين الذين يكذبونك وتكذبهم له سبب في أذيتهم إياه فكذلك احتيج بلعل الجواب بينهم وبينه.
قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً).
أي على كل قلب منهم أكنة، والأكنة جمع قلة، والقلوب جمع كثرة، والقليل لا يقوم بالكثير إذا وزع عليه، فقوله على قلوبهم شبه الكلية لَا الكل، وقوله أكنة شبة الكل لا الكلية فجعل على كل قلب باعتبار تتبع أفراد القلوب مجمع الأكنة.
قوله تعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ... (٤٧)﴾
قال ابن عطية: إذ متعلقة بـ (يستمعون).
قال ابن عرفة: يلزم عليه تحصيل الحاصل لأن المعنى يسمعون وقت استماعهم إليك، وقال الزمخشري: إذ يستمعون نصب بـ (أعلم) فالمعنى نحن في وقت استماعهم أعلم بما يستمعون.
قال ابن عرفة لابن هشام [شارح*] الإيضاح قال في قوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) أنه لَا يصح أن يعمل أفعل من في الظرف لأنها قوي فيها جانب الأدعية وقيل: يجوز ذلك.
قوله تعالى: (وَإِذْ هُم نَجْوَى).
في وقت تناجيهم، ونجوى مصدر فهو كقولك رجل عدل.
قوله تعالى: (إِلَّا رَجُلا مَسْحُورًا).
فسره ابن عطية: بوجهين: أحدهما: أنه اسم مفعول من السحر، [والثاني: أنه [ذو سحر*] وهي [الرية أي رجلا ذات رية*] أي بشر مثلكم. قلت: ومنه قول عائشة رضي الله عنها، وكرم وجه أبيها وجدها: توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين سحري [ونحري*].
قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (٤٩)﴾
قال ابن عرفة: هذا الكل ومنهم للبعض، وهو عندنا جائز عقلا واجب وقوعه شرعا وعند المعتزلة يجب وقوعه عقلا بناء على قاعدة التحسين والتقبيح والعقليين عندهم وصل العام للأجسام إيجاد عن عدم أو جمع بعد تفريق فيهما قولان وأما الأرواح فمذهب أهل السنة أنها تفنى وإعادتها بمعنى خلقها في أجسامها قال ابن عرفة: وكان بعضهم يستشكل فهم الآية لأن الاستفهام الدليل على الجملتين إما أن يكون بمعنى الثبوث أو بمعنى النفي فإن كان بمعنى الثبوت لزم إقرارهم بالبعث والغرض عدمه، وإن كان بمعنى النفي لزم عليه أن يكونوا أنكروا الملازمة، وهو ملزومية الفناء للإعادة ولا يصح هذا إلا لو كان الاستفهام داخل على أول الجملة الشرطية فقط مع أنه دخل على الجملة الأولى منها والثانية والاستفهام الداخل على الثانية في معنى النفي وقد دخل النفي على الأول فيكون نفيا دخل على نفي فيصير ثبوتا، والمراد نفي لزومية الشرط للجزاء، والثاني: نفي للإعادة فهما متغايران ومن شرط التأكيد اتفاق معنى الجملتين وأجيب بأن الثاني إنكار للإعادة مطلقا، والأول
قوله تعالى: ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً... (٥٠)﴾
قال ابن عطية: صيغة افعل للتعجيز، وقال الطيبي: للخيرة، وقال ابن التلمساني: التعجيز بقوله تعالى: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ).
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... (٥٣)﴾
فأورد عليه أنه يلزم عليه اللف في الخبر لأن بعضهم لم يمثل هذا الأمر وأجيب بوجهين: إما بأن العباد خاص بالمؤمنين كقوله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيْهِم سُلْطَانٌ) وإمَّا بأنه عام مخصوص، وقال المبرد: تقديره قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ويرد عليه ما أورده أبو حيان في قوله تعالى: (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) وهو أن يكون الجواب عين الشرط وأجيب بأن يكون جوابا للأمر، وهو قل لأنه جواب لقوله: (يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) والتي هي أحسن كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله، وقيل: إنها الخطاب اللين أي [لا يخاشنوهم*]؛ كقوله: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وفسرها بقوله: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) أي لَا تقولوا إنكم من [أهل النَّار*] ولكن خاطبوهم خطابا لينا لئلا يغيظهم ذلك، ورده ابن عرفة بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: " [وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ*] ". فصح أنها الكلمة التي هي أحسن.
قوله تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ... (٥٤)﴾
إن قلت: هلا عطفه بالواو؛ لأن الرحمة والعذاب صالحان لكل واحد منهما و (أو) يقتضي صلاحية الرحمة لفريق، والعذاب لفريق؛ لأنها [للتفصيل*] [فهي حجة لمذهب المعتزلة*]، والجواب أن الرحمة عند المعتزلة أمر عقلي، ونحن نقول هو أمر شرعي، فوعد الشرع بتعذيب العاصي وتنعيم الطائع.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ... (٥٥)﴾
قال هذه أخص من قوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) فإن تفضيل الأعم يستلزم تفضيل الأخص على الأخص ولا ينعكس.
قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ... (٥٩)﴾
وهم لَا يتبعون لها فإن أظهرناها كذبوا فنهلكهم.
قوله تعالى: (وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ).
لأنها خرجت من الصخرة.
قوله تعالى: (مُبْصِرَةً).
هذا مجاز لأنها لَا تبصر بل تصير غيرها يبصر لأنه يؤمن بها.
قوله تعالى: (فَظَلَمُوا بِهَا).
أي فيها بتكذيبهم.
قوله تعالى: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا).
المراد هنا المعجزات وهي الآيات غير المقترحة وذلك كانشقاق القمر وتكلم البعير ونحوه معناه نرسل بها تخويفا للكفار كي يؤمنوا وأما الآيات المقترحة فإنما نرسل بها تعذيبا.
قوله تعالى: ﴿الرُّؤْيَا... (٦٠)﴾
قيل إنها [رؤيا منام*] والصحيح أنها بصرية (إِلَّا فِتْنَةً) هي [الاختبار*] ويتوهم الناس أنها فساد، وهي مصلحة، وكذلك قال ابن يونس في كتاب الجهاد تكره الفتنة [... ].
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ... (٦١)﴾
قوله تعالى: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ... (٦٢)﴾
إن قلت لم كرر (قال) مع أن المتقدم من كلامه وهو قوله: (قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) فالجواب أن ابن مالك قال [**نكرر القول للنظرية إذا طال الإخبار] ومنه تكرار المؤلفين الألفاظ في العقود، وأما هنا فلم يطل الكلام لكن إنما كرره على سبيل التشنيع عليه، والتنفير من [مقالته*] وإنه هو الذي قال ذلك [ونص عليه*].
قوله تعالى: (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).
المراد به هنا يوم موت جميع الخلائق لَا يوم بعثهم لأن من مات فقد قامت قيامته وإبليس لَا يؤخر إلا إلى ذلك اليوم، وأما يوم البعث فلا يتصور ولا يعقل تأخيره إليه؛ لأن كل من يكون فيه حيا، فإنه لا يموت أبدا، فلو حملوا تأخيره إلى ذلك اليوم لما تصور موته بوجه، ويحتمل أن يريد يوم قيامته هو بناء على القول بأنه مات يوم أحد، قلت: لكن ما يكون فيه فائدة إذ لَا يصح أن يقول لكن أخرتني إلى وقت موتي.
قوله تعالى: (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا).
قال ابن مالك: لَا يجوز استثناء المجهول فلا يقال قام القوم إلا رجالا.
ابن عرفة: والمستثنى هنا وإن كان بكثرة فهو معلوم بالصفة فكأنه يقول إلا ذريته.
ابن عرفة: استدل بعضهم على عدم قبول شهادة العدل على ذرية عدوه؛ لأنه ثبت قليلاً. بهذه الآية أن العداوة بين الشخصين سر البغض بين أحدهما وبين ذرية الآخر لأنه لما أمر إبليس بالسجود لآدم واضح ورأى أنه أكبر عداوة منه فأذاه وحده من أجل ذلك فانتشرت عداوته على ذريته.
قوله تعالى: ﴿بِصَوْتِكَ... (٦٤)﴾
المراد به صوت بني آدم، فهو إقامة السبب مقام المسبب، وأما صوت إبليس فلا يصح؛ لأنها لَا تسمعها الأذن، والصوت مسموع بلا شك.
قيل الخيل والرجل هم بنو آدم، والمراد بالخيل رُكَّابها فهو من التعبير عن الشيء بلازمه، كما قيل: يا خيل الله اركبي، والخيل مركوبة لَا راكبة.
قوله تعالى: (وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ).
يحتمل أن يراد بالأموال قتل الولد خشية الفقر بسببه وبالأولاد وقتلهم خشية المشاركة في المنزلة كقتل السلطان أولاده، وقيل: المراد بالأموال والأولاد ما ورد في حديث الأمر بالتسمية عند الأكل وعند الجماع فإن الشيطان يسبقه إليهما وإن لم يسم فيأكل معه ويجامع معه.
قوله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ... (٨٠)﴾
قال ابن عرفة: ذكروا في التفسير على أنه جرى خمسة أوجه: إما أدخلني المدينة حين الهجرة وأخرجني من مكة، وإما أدخلني مكة دخول الفتح وأخرجني منها خروج الهجرة، وإما أدخلني القبر وأخرجني منه، وإما أدخلني الغار وأخرجني منه، وإما إدخاله في أمر تبليغ الشرع وإخراجه منه بعد التوفية بأول ما كلف به، وإما أن ذلك كلي أي أدخلني في أعباء النبوة وأمور التكاليف مدخل صدق وأخرجني منها مخرج صدق وعادتهم يستدلون بهذا على ابن التلمساني في قوله في حد الخبر هو إن احتمل الصدق والكذب أنه استعمل الأخص في حد الأعم فإن الصدق أخص من الخير وأجابوا بأن الصدق أهم لكونه يشمل الأقوال والأفعال والخير خاص بالأقوال بدليل هذه الآية فالصدق فيها في الأفعال ورده بعض الطلبة بأن الطيبي نقل هنا عن أئمة اللغة الزمخشري وغيره أن معنى الآية أدخلني مدخلا حسنا فيكون الصدق لفظا مشتركا فقال ابن عرفة: فكونه المقدر المشترك أولى من جعله مشتركا حسبما قال ابن التلمساني: إذا تعارض الاشتراك والتواطؤ أولى.
قوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ... (٨٢)﴾
قال ابن عطية من إما لابتداء الغاية أو لبيان الجنس ولا يصح أن يكون للتبعيض لأن مفهومه أن بعض القرآن ليس شفاء مع أنه كله شفاء.
قال ابن عرفة: كانوا يجيبون عن هذا بأن المفهوم بالنسبة إلى مجموع الأوصاف فبعضه شفاء ورحمة للمؤمنين وخسارة للكافرين وبعضه شفاء ورحمة فقط.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ... (٨٣)﴾
وقع السؤال في القرآن تارة بعن مثل، (ويسألونك عن الجبال)، وتارة بماذا كقوله (يسألونك ماذا يتفقون) فقال: والجواب أنه إن أريد تشريف السائل والاعتبار به يؤتي بكلامه على سبيل الحكاية مثل (ويسألونك ماذا ينفقون) وإن أريد الإعراض عنه وعدم المبادلات به يؤتي بكلامه على سبيل الاعتبار به فيخبر عنه بعن المقتضية للمجاوزة والبعد فإِن قلت تصنيع في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ) مع أن السائل هم الصحابة فالجواب أنهم لم يسألوا عن أمر مهم بل سألوا عن شيء لَا خبرة به.
قال ابن عرفة: وذكر ابن الخطيب في الروح في الأربعين أربعين قولا وذكر فيه ابن رشد في كتاب المرتبة العليا في تعبير الرؤيا بآيتين هؤلاء الحكماء وغيرهم، ونقل نحوهم عن [**ابن حَيْدَرَةَ] وحكى المازري عن الشيخ أبي الحسن الأشعري في الروح: أنه النفس الداخل والخارج.
ابن عرفة: وليس بصحيح لأنا نجد في الحيوان ما لَا يتنفس وهو الحوت لأنه في الماء وأجزاء الماء متراصة لَا يدخلها هواء والتنفس إنما يحدث الهواء البارد [... ] به النفس وسكن حرارتها، قال المازري: وبعض النَّاس يرى أنه جسم لطيف خلقه الله تعالى، وإجراء العادة أن الحيوان لَا يكون مع فقده.
ابن عرفة: أراد أن وجود الحياة عند ممازجة الروح للبدن أمر عادي وليست الروح بموجبة للحياة ولا ملازمة لها كملازمة العالمية والقدرية لمن قائم به العلم والقدرة وإنما ذلك في خلق الله تعالى لأن العلم والقدرة صفتان يوجبان لمن قامتا به حصول بدل لهما بخارج الروح على هذا التأويل قلنا جسم أو قالا الجسم لَا يوجب له شيئا
قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ... (٨٦)﴾
هنا دليل على أن الأعراض ما يبقى [زمنين*] وإلا فإن يقول لنذهبن بمثل الذي أوحينا إليك قلنا لابن عرفة المراد بالذهاب منعه من استمداده بعد إعدامه بأعراض أُخر؛ لأن العلم عرض من الأعراض أو هو صفة وليس بذات وقل معه عرض، قال: وعدم العصمة في حق الأشياء ممكن عقلا [... ] فصار ذلك كالأمر الضروري فمن حمله قال: وليس شيئا [... ] ممكن عقلا فلذلك علق به المسألة.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ... (٨٨)﴾
قال ابن عرفة عن بعض الشيوخ يقول الإنس علمت منهم بفصاحة؛ لأنهم عرب والجن فلم يعهد معهم شعر ولا فصاحة، فلا يتوهم معذور المعارضة منهم للقرآن، قال وكنا نحن نجيبه بوجهين الأول: أن الجن عهد منهم على ما يزعمون الاطلاع على بعض المغيبات [والقرآن*] يشتمل على [الإخبار*] بالغيوب فلو اجتمع الجن الذين [يجيئون*] ببعض الغيوب والإنس ليغيروه عن معانيه بألسنتهم لما أتوا بمثله، فوجه الجواب الثاني: أن من عادة العرب أنهم ينسبون الإعراب للجن، فصار [... ] ينسبون للجن فقال المقري: قد كان أرباب الفصاحة كلما رأوا عجبا عدوه من صفة الجن فلذلك قال: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ) [نقل ابن عطية*] كمًّا في فصاحة العرب ومعارضة القرآن كلاما طويلا، ثم قال: وقد اختلف النَّاس في هذا الموضع فقيل: دعوا إلى السورة المماثلة في النظم والغيوب وغير ذلك من الأوصاف، وكان ذلك من [تكليف ما لَا يطاق*]. [فلما عسر عليهم خفق بالدعوة إلى المفتريات*]، وقيل غير هذا.
قال ابن عرفة: هذا غلط من ابن عطية، وليس هذا من تكليف ما لَا يطاق إنما هو تعجيز لَا تكليف لأن التكليف بما لَا يطاق إنما هو أمر شرعي يثاب على فعله، ومعاقب على تركه، وأما التحدي بهذا فإنما هو تعجيزي، لَا تكليفي؛ لقوله تعالى: (قُل كُونُوا حِجَارَةً أَو حَدِيدًا) ولذلك غلط الشاطبي في قوله [ما لَا يطاق هو تكليف*] بعجزه والإفضاء له قد أوضح العذر في الإخبار بالغيب وإن كان مما لَا يطاق، وإنَّمَا هو تعجيزهم.
والتصريف هو الإتيان بأفراد أمر على شيء تعدى، وليس هو تكرار الشيء، والقرآن مشتمل على الأدلة الكلية والحقة والمتوسطة، وهذا كما بين للطالب فلا يفهمها فيأتيه بعبارة أخرى أو بدليل آخر أوضح من الأول وكذلك القرآن تارة يكرر فيه القصص، وتارة [يعبَّر*] عنها بألفاظ أُخر وأدلة أُخر، قال: وأخذوا من هذه الآية مطلبين: الأول: [**الرد على الجاحظ لأنه أنكر وقوع المذهب لكلام في القرآن وألا يقدر له على اشتماله على البرهان والخطابة]، الثاني: وقوع القياس فيه لقوله تعالى: (مِنْ كُل مَثَلٍ) ولا معنى للقياس إذا جعل المثل على مثله، وفي هذه الآية من أنواع [**جر اليد مع الاتباع]، وهو الإتيان بما يحتاج إليه كقوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) وكذلك إن القرآن يشتمل على [كل*] دليل معجز على سبيل الرد على الكفار في قولهم: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا) فطلبوا الإتيان بالمعجزة، وهو قد أقر بها.
قوله تعالى: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ... (٩٠)﴾
قيل لابن عرفة؛ هذه حكاية لمعنى [كلامهم*]؛ لأنه [بفعلهم*] إذ لو كان هو عين لفظهم لما كان معجزا، فقال ابن عرفة: بل يصح أن يكون عين لفظهم ويكون الإعجاز وقع تكليفه ولعله في محله كما نجد بعض الخطباء يذكر في خطبته أحاديث ويذكرها الآخر بعينها ويجري في كلام أحدهما من العذوبة ما ليس في كلام الآخر، وما ذاك إلا أن الأول أتاها مرتبة في محلها، وإن كان اللفظ واحدا، فالإعجاز بالنظم والكيفية لَا بنفس اللفظ. قال بعض الطلبة: يحتمل أن حال هذا هو نفس لفظهم لكن الإعجاز إنما وقع بالسورة ثلاث آيات لقوله تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) وهذا كلام كثير يشتمل على آيات جملة فيكون أحدهم تكلم بشيء والآخر تكلم بشيء، وكذا قال المفسرون إن عبد الله بن أمية قال لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقى فيه ثم تأتي معك منشور معه أربعة من الملائكة تشهد لك إنك حق.
قوله تعالى: (حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا).
ولم يقل في الأرض إشارة إلى أن الينبوع يكون مشاهد للناس [احتراز*] من أن يعجزه ولا يرده.
قوله تعالى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي... (٩٣)﴾
قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى... (٩٤)﴾
قال ابن عرفة: المنع هو الصرف عن الفعل ما كان حاصلا، وفي مادة المحرك، قال ابن عطية: هذه الآية توجه للمشركين وتلفظ من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليهم.
ابن عرفة: ويحتمل أن تسلية له ونفروه بأفعالهم إليهم من البشر مع أن الرسل المتقدمة فلهم من البشر فإذا لم يؤمنوا بهذا فيلزمهم أن يؤمنوا بكل رسول تقدم [فتكذيبهم*] له تكذيب لجميع من سبق من الرسل [فلا يسوؤك*] أمرهم.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (٩٥)﴾
[أي: خلقه من جنسهم فلو كان*] في الأرض ملائكة لأرسل إليهم ملكا كذلك البشر يرسل إليهم من جنسهم، وقياس المساواة هو الحكم بمساواة أمر إلى أمر في شيء لاستوائهما في شيء آخر، كقولهم في كتاب الجهاد جزاء الصغير في الصيد والطير كجزاء الكبير كما أن دية الجزاء للصغير كدية الجزاء للكبير، وقولهم في كتاب الصلاة أيصح في الأمة [أن*] تصلي [مكشوفة*] اليدين وتعتق في الصلاة أنها [تصلي*] في الوقت قياسا على [فاقد الماء*] في رحله فأتى كما [**قول فيه أنه بعيد جدا لكن فردوه] بأن الحجة على مساواة حكم النسيان في الماء للعمد في الإعادة فليكن كذلك حكم النسيان في الآية مساويا للعمد فينتج هنا الإعادة في الوقت، وهنا الإعادة أبدا.
قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (٩٦)﴾
قال ابن عرفة: خبيرا أخص من عليم وبصيرا مغايرا لذا فيلزم أن يكون مغايرا لعليم مغايرة الأخص لَا يلزم أن يغاير الأعم فقد يكونا صفتين متباينتين والجملتين تحت الأعم، فقال: هذا في صفة البشر، وأما في هذا المقام فخبير مثل عليم كما غاير عليم.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ... (٩٧)﴾
جمع الضالين وأفرد المهتدين لكثرة الضالين وقله المهتدين.
دلت الآية على إثبات صفة القدرة والإرادة لله تعالى فقوله: (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لَا رَيْبَ فِيهِ) فالتخصيص دليل الإرادة، قال: وذكر الأصوليون الدليل على إثبات الصانع إما بالإمكان أو بالحدوث، وكان بعضهم يقول الآية دالة على صحة الاستدلال على إثبات الصانع بالحدوث كقوله تعالى: (قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم) قال وهذا دليل برهاني فيه قيل لابن عرفة لَا يحتاج فيه إلى مقدمة ولا إلى حجة لأنهم يوافقون على قدرته على إيجاد الخلق من عدم، وإنَّمَا خالف الحكماء وغيرهم في صحة إعادة معدوم، والآية إنما دلت على قدرته على خلق مثلهم لَا على إعادتهم فقال: وجه البرهان فيها أنه إذا قدر على خلق مثلهم خلقا ابتدائيا فليكن قادر على إعادتهم من باب [أحرى*].
قوله تعالى: (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ).
قيل: إنه الموت، وقيل: إنه القيامة.
قال ابن عرفة: الأول أظهر لأنهم ينكرون البعث ولا يقرون به فكيف يقدر عليهم بشيء يخالفونه فلا يصح هذا إلا على تنزيل الأمر النظري منزلة الضروري.
قوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي... (١٠٠)﴾
قالوا [لولَا يليها إلا الفعل ظاهرا وقد*] يكون مضمرا، لكنه قليل لقولهم لو ذات سوار لطمتني"، وكقول أبي جهل [**لو عز إنكار قتلتني]. قال ابن عرفة: وكان بعضهم يقول حكمة ذلك أنها شرط، والشرط إنما يتعلق بالأمور العارضة للذات لَا بنفس الذات فالأمور العارضة للذات هى أفعال ومهما كانت فيها غرابة، وكان المراد نفس الذات وليها اسم لَا وكذلك هما؛ لأنه ليس المراد مطلق الملك وإنما المراد ملكهم الخاص وكذلك ليس المراد مطلق اللطم؛ وإنَّمَا المراد وقوعه في ذات السوار وكذلك ليس المراد مطلق القتل إنما المراد وقوعه من غير إنكار، فإن قلت المراد ما فائدة إدخال قلنا؟ فائدتها ملازمة الشرط للجزاء.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ... (١٠١)﴾
* * *