تفسير سورة طه

الماوردي
تفسير سورة سورة طه من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى :﴿ طه ﴾ فيه سبعة أقاويل :
أحدها : أنه بالسريانية يا رجل؛ قاله ابن عباس، ومجاهد، وحكى الطبري : أنه بالنبطية يا رجل؛ وقاله ابن جبير، والسدي كذلك.
وقال الكلبي : هو لغة عكل، وقال قطرب : هو بلغة طيىء وأنشد ليزيد بن مهلهل :
إن السفاهة ( طه ) من خليقتكم لا قدس الله أرواح الملاعين
الثاني : أنه اسم من أسماء الله تعالى وَقَسَمٌ أَقْسَمَ بِِهِ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً.
الثالث : أنه اسم السورة ومفتاح لها.
الرابع : أنه اختصار من كلام خص الله رسوله بعلمه.
الخامس : أن حروف مقطعه يدل كل حرف منها على معنى.
السادس : معناه : طوبى لمن اهتدى، وهذا قول محمد الباقر بن علي زين العابدين رحمهما الله.
السابع : معناه طَإِ الأَرْضَ بقدمك، ولا تقم على إحدى رجليك يعني في الصلاة، حكاه ابن الأنباري.
ويحتمل ثامناً : أن يكون معناه طهّر، ويحتمل ما أمره بتطهيره وجهين :
أحدهما : طهر قلبك من الخوف.
والثاني : طهر أُمَّتَك من الشرك.
قوله تعالى :﴿ مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْْءَانَ لِتَشْقَى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بالتعب والسهر في قيام الليل، قاله مجاهد.
الثاني : أنه جواب للمشركين لما قالواْ : إنه بالقرآن شقى، قاله الحسن.
الثالث : معناه لا تشْقِ بالحزن والأسف على كفر قومك، قاله ابن بحر.
قوله تعالى :﴿ إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إلا إنذاراً لمن يخشى الله.
والثاني : إلا زجراً لمن يتقي الذنوب.
والفرق بين الخشية والخوف : أن الخوف فيما ظهرت أسبابه والخشية فيما لم تظهر أسبابه.
قوله تعالى :﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : له ملك السموات والأرض.
الثاني : له تدبيرها.
الثالث : له علم ما فيها.
وفي ﴿... الثَّرَى ﴾ وجهان :
أحدها : كل شيء مُبْتلّّ، قاله قتادة.
الثاني : أنه التراب في بطن الأرض، قاله الضحاك.
الثاني : أنها الصخرة التي تحت الأرض السابعة، وهي صخرة خضراء وهي سجِّين التي فيها كتاب الفجار، قاله السدي.
قوله تعالى :﴿ وَإِن تَجْهَرْ بَالْقَوْلِ ﴾ فم حاجتك إلى الجهر؟ لأن الله يعلم بالجهر وبالسر.
﴿ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأخْفَى ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : أن « السِّرَّ » ما حدَّث به العبد غيره في السر. « وأَخْفَى » ما أضمره في نفسه، ولم يحدّث به غيره، قاله ابن عباس.
الثاني : أن السر ما أَضمره العبد في نفسه. وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد في نفسه قاله قتادة وسعيد بن جبير.
الثالث : يعلم أسرار عباده، وأخفى سر نفسه عن خلقه، قاله ابن زيد.
الرابع : أن السر ما أسره الناس، وأخفى : الوسوسة، قاله مجاهد.
الخامس : أن السر ما أسره من علمه وعمله السالف، وأخفى : وما يعلمه من عمله المستأنف، وهذا معنى قول الكلبي.
السادس : السر : العزيمة، وما هو أخفى : هو الهم الذي دون العزيمة.
قوله تعالى :﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ أي قد أتاك حال موسى فيما اجتباه ربه لنبوته وحمله من رسالته. واحتمل ذلك أن يكون ذلك بما قصه عليه في هذا الموضع، واحتمل أن يكون بما عرفه في غيره.
﴿ إِذْ رَءَا نَاراً ﴾ وكانت عند موسى ناراً، وعند الله نوراً، قال مقاتل : وكانت ليلة الجمعة في الشتاء.
﴿ فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُواْ ﴾ أي أقيموا. والفرق بين المكث والإقامة أن الإقامة تدوم والمكث لا يدوم.
﴿ إِنِّي أَنَسْتُ نَاراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : رأيت ناراً.
والثاني : إني آنست بنار.
﴿ لَّعَلِّي ءَآتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ ﴾ أي بنار تصطلون بها.
﴿ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : هادياً يهديني الطريق، قاله قتادة.
والثاني : علامة أستدل بها على الطريق. وكانوا قد ضلوا عنه فمكثوا بمكانهم بعد ذهاب موسى ثلاثة أيام حتى مر بهم راعي القرية فأخبره بمسير موسى، فعادوا مع الراعي إلى قريتهم وأقامواْ بها أربعين سنةً حتى أنجز موسى أمر ربه.
قوله تعالى :﴿ فلمَّآ أتَاهَا ﴾ يعني النار، التي هو نور ﴿ نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَاْ رَبُّكَ ﴾ وفي هذا النداء قولان :
أحدهما : أنه تفرد بندائه.
الثاني : أن الله أنطق النور بهذا النداء فكان من نوره الذي لا ينفصل عنه، فصار نداء منه أعلمه به ربه لتسكن نفسه ويحمل عنه أمره فقدم تأديبه بقوله :﴿ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾ الآية. وفي أمرْه بخلعهما قولان :
أحدهما : ليباشر بقدميه بركة الوادي المقدس، قاله علي بن أبي طالب، والحسن، وابن جريج.
والثاني : لأن نعليه كانتا من جلد حمار ميت، قاله كعب، وعكرمة، وقتادة.
﴿ إِنَكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن المقدس هو المبارك، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والثاني : أنه المطهر، قاله قطرب، وقال الشاعر :
وأنت وصول للأقارب مدره برىء من الآفات من مقدس
وفي ﴿ طُوىً ﴾ خسمة تأويلات :
أحدها : أنه اسم من طوى لأنه مر بواديها ليلاً فطواه، قاله ابن عباس.
الثاني : سمي طوى لأن الله تعالى ناداه مرتين. وطوى في كلامهم بمعنى مرتين، لأن الثانية إذا أعقبتها الأولى صارت كالمطوية عليها.
الثالث : بل سمي بذلك لأن الوادي قدس مرتين، قاله الحسن.
الرابع : أن معنى طوى : طَإِ الوادي بقدمك، قاله مجاهد.
الخامس : أنه الاسم للوادي قديماً، قاله ابن زيد :
فخلع موسى نعليه ورمى بهما وراء الوادي.
قوله تعالى :﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : وأقم الصلاة لتذكرني فيها، قاله مجاهد.
والثاني : وأقم الصلاة بذكري، لأنه لا يُدْخَلُ في الصلاة إلا بذكره.
الثالث : وأقم الصلاة حين تذكرها، قاله إبراهيم. وروى سعيد بن المسيب أن رسول الله ﷺ قال :« مَنْ نَسِيَ صَلاَةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا » قال تعالى :﴿ وَأَقِمِ الصَلاَةَ لِذَكرِي ﴾.
قوله تعالى :﴿ أكَادُ أُخْفِيهَا ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أي لا أظهر عليها أحداً، قاله الحسن، ويكون أكاد بمعنى أريد.
الثاني : أكاد أخفيها من نفسي، قاله ابن عباس ومجاهد، وهي كذلك في قراة أُبَيّ « أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي » ويكون المقصود من ذلك تبعيد الوصول إلى علمها. وتقديره : إذا كنت أخفيها من نفسي فكيف أظهرها لك؟
الثالث : معناه أن الساعة آتية أكاد. انقطع الكلام عند أكاد وبعده مضمر أكاد آتي بها تقريباً لورودها، ثم استأنف : أخفيها لتجزى كل نفسٍ بما تسعى. قاله الأنباري، ومثله قول ضابىء البرجمي :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تكرت على عثمان تبكي حلائله
أي كدت أن أقتله، فأضمره لبيان معناه.
الرابع : أن معنى -أخفيها : أظهرها، قاله أبو عبيدة وأنشد :
فإن تدفنوا الداءَ لا نخفيه وأن تبعثوا الحرب لا نقعد
يقال أخفيت الشيء أي أظهرته وأخفيته إذا كتمته، كما يقال أسررت الشيء إذا كتمته، وأسررته إذا أظهرته.
وفي قوله :﴿ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ ﴾ وجهان :
أحدهما : أسر الرؤساء الندامة عن الأتباع الذي أضلوهم. والثاني : أسر الرؤساء الندامة. قال الشاعر :
ولما رأى الحجاج أظهر سيفه أسر الحروري الذي كان أضمرا
﴿ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه على وجه القسم من الله، إن كل نفس تجزى بما تسعى.
الثاني : أنه إخبار من الله أن كل نفس تجزى بما تسعى.
قوله تعالى :﴿ فَتَرْدَى ﴾ فيه وجهان : أحدهما : فتشقى.
الثاني : فتنزل.
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ ليس هذا سؤال استفهام، وإنما هو سؤال تقرير لئلاّ يدخل عليه ارتياب بعد انقلابها حيةٌ تسعى.
﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ ﴾ فتضمن جوابه أمرين :
أحدهما : الإِخبار بأنها عصا وهذا جواب كافٍ.
الثاني : إضافتها إلى ملكه، وهذه زيادة ذكرها ليكفي الجواب بما سئل عنه.
ثم أخبر عن حالها بما لم يُسأل عنه ليوضح شدة حاجته إليها واستعانته بها لئلا يكون عابئاً بحملها، فقال :﴿ أَتَوكَّؤُاْ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَ عَلَى غَنَمِي ﴾ أي أخبط بها ورق الشجر لترعاه غنمي. قال الراجز :
أهش بالعصا على أغنامي من ناعم الأراك والبشام.
وقرأ عكرمة « وأهس » بسين غير معجمة. وفي الهش والهس وجهان :
أحدهما : أنهما لغتان معناهما واحد.
والثاني : أن معناهما مختلف، فالهش بالمعجمة : خبط الشجر، والهس بغير إعجام زجر الغنم.
﴿ وَلِيَ فِيهَا مَئَارِبُ أُخْرَى ﴾ أي حاجات أخرى، فنص على اللازم وكنّى عن العارض، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه كان يطرد بها السباع، قاله مقاتل :
الثاني : أنه كان يَقْدَحُ بها النار، ويستخرج الماء بها.
الثالث : أنها كانت تضيء له بالليل، قاله الضحاك.
قوله تعالى :﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : إلى عضدك، قاله مجاهد.
الثاني : إلى جيبك.
الثالث : إلى جنبك فعبر عن الجنب بالجناح لأنه مائل في محل الجناح.
قوله تعالى :﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لحفظ مناجاته.
الثاني : لتبليغ رسالته.
﴿ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ما لا يطيق.
الثاني : في معونتي بالقيام على ما حملتني.
﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها عقدة كانت بلسانه من الجمرة التي ألقاها بفيه في صغر عند فرعون.
الثاني : عقدة كانت بلسانه عند مناجاته لربه، حتى لا يكلم غيره إلا بإذنه.
الثالث : استحيائه من الله من كلام غيره بعد مناجاته.
﴿ يَفْقَهُواْ قَوْلِي ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ببيان كلامه.
الثاني : بتصديقه على قوله.
﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي ﴾ وإنما سأل الله أن يجعل له وزيراً إلا أنه لم يرد أن يكون مقصوراً على الوزارة حتى يكون شريكاً في النبوة، ولولا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة.
﴿ هَارُونَ أَخِي اشدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الأزر : الظهر في موضع الحقوين ومعناه فقوّ به نفسي. قال أبو طالب :
أليس أبونا هاشمٌ شد أزره وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
الثاني : أن يكون عوناً يستقيم به أمري. قال الشاعر :
شددت به أزري وأيقنت أنه أخ الفقر من ضاقت عليه مذاهبه
فيكون السؤال على الوجه الأول لأجل نفسه وعلى الثاني لأجل النبوة. وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين، وكان في جبهة هارون شامة، وكان على أنف موسى شامة، وعلى طرف لسانه [ شامه ].
قوله تعالى :﴿ وَأَلْقَيتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : حببتك إلى عبادي، قاله سلمى بن كميل.
الثاني : يعني حسناً وملاحة، قاله عكرمة.
الثالث : رحمتي، قاله أبو جعفر ( الطبري ). الرابع : جعلت من رآك أحبك، حتى أحبك فرعون فسلمت من شره وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك، قاله ابن زيد.
ويحتمل خامساً : أن يكون معناه : وأظهرت عليك محبتي لك وهي نعمة عليك لأن من أحبه الله أوقع في القلوب محبته.
﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عيْنِي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لتغذي على إرادتي، قاله قتادة.
الثاني : لتصنع على عيني أمك بك ما صنعت من إلقائك في اليم ومشاهدتي.
ويحتمل ثالثاً : لتكفل وتربى على اختياري، ويحتمل قوله :﴿ عَلَى عَيْنِي ﴾ وجهين :
أحدهما : على اختياري وإرادتي.
الثاني : بحفظي ورعايتي.
﴿ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحزَنَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : تقر عينها بسلامتك ولا تحزن بفراقك.
الثاني : تقر بكفالتك ولا تحزن بنفقتك.
﴿ وَقَتَلْتَ نَفْساً ﴾ يعني القبطي.
﴿ فَنَجَّينَاكَ مِنَ الْغَمِّ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : سلمناك من القَوَد.
الثاني : أمناك من الخوف.
﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أخبرناك حتى صلحت للرسالة.
الثاني : بلوناك بلاء بعد بلاء، قاله قتادة.
الثالث : خلصناك تخليصاً محنة بعد محنة، أولها أنها حملته في السنة التي كان يذبح فرعون فيها الأطفال ثم إلقاؤه في اليم، ومنعه الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم جره بلحية فرعون حتى همّ بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل التمرة، فدرأ ذلك عنه قتل فرعون، ثم مجيىء رجل من شيعته يسعى بما عزموا عليه من قتله قاله ابن عباس.
وقال مجاهد : أخلصناك إخلاصاً.
﴿ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : على قدر الرسالة والنبوة، قاله قاله قتادة.
الثاني : على موعدة، قاله قتادة، ومجاهد.
ويحتمل ثالثاً : جئت على مقدار في الشدة وتقدير المدة، قال الشاعر :
﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ يحتمل وجهان :
أحدهما : خلقتك، مأخوذ من الصنعة.
الثاني : اخترتك، مأخوذ من الصنيعة. ﴿ لِنَفْسِي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لمحبتي.
الثاني : لرسالتي.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكرِي ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : لا تفترا في ذكري، قال الشاعر :
نال الخلافة أو كانت له قدراً كما أتى ربه موسى على قدر
فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غبر
الثاني : لا تضعفا في رسالتي، قاله قتادة.
الثالث : لا تبطنا، قاله ابن عباس.
الرابع : لا تزالا، حكاه أبان واستشهد بقول طرفة :
كأن القدور الراسيات أمامهم قباب بنوها لا تني أبداً تغلي
قوله تعالى :﴿ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لطيفاً رقيقاً.
الثاني : كنّياه، قاله السدي وقيل إن كنية فرعون أبو مرة، وقيل أبو الوليد.
ويحتمل ثالثاً : أن يبدأه بالرغبة قبل الرهبة، ليلين بها فيتوطأ بعدها من رهبة ووعيد قال بعض المتصوفة : يا رب هذا رفقك لمن عاداك، فكيف رفقك بمن والاك؟
وقيل إن فرعون كان يحسن لموسى حين رباه، فأراد أن يجعل رفقه به مكافأة له حين عجز موسى عن مكافأته.
قوله تعالى :﴿ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنآ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن يعجل علينا، قال الراجز : قد أفرط العلج علينا وعجل.
الثاني : يعذبنا عذاب الفارط في الذنب، وهو المتقدم فيه، قاله المبرد ويقال لمن أكثر في الشيء أفرط، ولمن نقص منه فرّط.
﴿ أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ أي يقتلنا.
قوله تعالى :﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أعطى كل شيء زوجه من جنسه، ثم هداه لنكاحه، قاله ابن عباس والسدي.
الثاني : أعطى كل شيء صورته، ثم هداه إلى معيشته ومطعمه ومشربه، قاله مجاهد قال الشاعر :
وله في كل شيء خلقهُ وكذلك الله ما شاء فعل
يعني بالخلقة الصورة.
الثالث : أعطى كلاً ما يصلحه، ثم هداه له، قاله قتادة.
ويحتمل رابعاً : أعطى كل شيءٍ ما ألهمه من علم أو صناعة وهداه إلى معرفته.
قوله تعالى :﴿ فَمَا بَالُ الْقُرونِ الأَُولَى ﴾ وهي جمع قرن، والقرن أهل كل عصر مأخوذ من قرانهم فيه.
وقال الزجاج : القرن أهل كل عصر وفيه نبي أو طبقة عالية في العلم، فجعله من اقتران أهل العصر بأهل العلم، فإذا كان زمان فيه فترة وغلبة جهل لم يكن قرناً.
واختلف في سؤال فرعون عن القرون على أربعة أوجه :
أحدها : أنه سأله عنها فيما دعاه إليه من الإيمان، هل كانوا على مثل ما يدعو إليه أو بخلافه.
الثاني : أنه قال ذلك له قطعاً للاستدعاء ودفعاً عن الجواب.
الثالث : أنه سأله عن ذنبهم ومجازاتهم.
الرابع : أنه لما دعاه إلى الإِقرار بالبعث قال : ما بال القرون الأولى لم تبعث.
﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ﴾ فرد موسى علم ذلك إلى ربه.
﴿ فِي كِتَابٍ ﴾ ﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ﴾ أي لم يجعل علم ذلك في كتاب لأنه يضل أو ينسى.
ويحتمل إثباته في الكتاب وجهين :
أحدهما : أن يكون له فضلاً له وحكماً به.
الثاني : ليعلم به ملائكته في وقته.
وفي قوله :﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ﴾ وجهان :
أحدهما : لا يخطىء فيه ولا يتركه.
الثاني : لا يضل الكتاب عن ربي، ولا ينسى ربي ما في الكتاب، قاله ابن عباس.
قال مقاتل : ولم يكن في ذلك [ الوقت ] عند موسى علم القرون الأولى، لأنه علمها من التوراة، ولم تنزل عليه إلا بعد هلاك فرعون وغرقه.
قوله تعالى :﴿ لأُوْلِي النُّهَى ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أولي الحكم.
الثاني : أولي العقل، قاله السدي.
الثالث : أولي الورع.
وفي تسميتهم بذلك وجهان :
أحدهما : لأنهم ينهون النفس عن القبيح.
الثاني : لأنه ينتهي إلى آرائهم.
﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا كُلَّهَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : حجج الله الدالة على توحيده.
الثاني : المعجزات الدالة على نبوة موسى، يعني التي أتاها موسى، وإلا فجميع الآيات لم يرها.
﴿ فَكَذَّبَ وَأَبَى ﴾ يعني فكذب الخبر وأبى الطاعة.
ويحتمل وجهاً آخر : يعني فجحد الدليل وأبى القبول.
قوله تعالى :﴿ مَكَاناً سُوىً ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : منصفاً بينهم.
الثاني : عدلاً بيننا وبينك، قاله قتادة والسدي.
الثالث : عدلاً وسطاً، قاله أبو عبيدة وأنشد :
وإن أبانا كان حَلّ ببلدة سوى بين قيس قيس عيلان والغزر
الرابع : مكاناً مستوياً يتبين للناس ما بيناه فيه، قاله ابن زيد.
ويقرأ سُوى بضم السين وكسرها، وفيهما وجهان :
أحدهما : أن : معناهما واحد وإن اختلف لفظهما.
والثاني : أن معناهما، فهو بالضم المنصف، وبالكسر العدل.
قوله تعالى :﴿ يَوْمُ الزِّينَةِ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه يوم عيد كان لهم، قاله مجاهد وابن جريج والسدي وابن زيد وابن إسحاق.
الثاني : يوم السبت، قاله الضحاك.
الثالث : عاشوراء، قاله ابن عباس.
الرابع : أنه يوم سوق كانوا يتزينون فيها، قاله قتادة.
قوله تعالى :﴿ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ كَذِباً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا تفترواْ على الله كذباً بسحركم.
الثاني : بتكذيبي وقولكم م جئت به سحر.
﴿ فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ﴾ فيهلككم ويستأصلكم، قال الفرزدق :
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع... من المال إلا مسحتاً أو مُجَلَّف
فالمسحت : المستأصل،
والمجلف : المهلك.
﴿ فَتَنَازَعُوآ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فيما هيؤوه من الحبال والعصي، قاله الضحاك.
والثاني : فيمن يبتدىء بالإِلقاء.
﴿ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أن النجوى التي أسروها أن قالوا : إن كان هذا سحراً فسنغلبه، وإن كان السماء فله أمره، قاله قتادة.
الثاني : أنه لما قال لهم ﴿ وَيْلَكُمْ ﴾ الآية. قالوا : ما هذا بقول ساحر، قاله ابن منبه.
الثالث : أنه أسروا النجوى دون موسى وهارون بقولهم، ﴿ إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ... ﴾ الآيات، قاله مقاتل والسدي.
الرابع : أنهم أسرواْ النجوى. إن غَلَبَنَا موسى اتبعناه، قاله الكلبي.
قوله تعالى :﴿ قَالُواْ إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ﴾ هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإِعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الأكثرون : إن هذان الساحران، فوافقوا المصحف فيها، ثم اختلفوا في تشديد إنّ فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإِعراب، ويكون معناها : ما هذان إلا ساحران. وقرأ أُبَيّ : إن ذان إلا ساحران، وقرأ باقي القراء بالتشديد : إنَّ هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإِعراب. واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل :
أحدها : أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإِثنين ونصبه وخفضه بالألف، وينشدون :
فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى... مساغاً لِناباهُ الشجاع لصمّما
والوجه الثاني : لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها، ولكن في « إن » هاء مضمرة تقديرها إنّه هذان لساحران، وهو قول متقدمي النحويين.
الثالث : أنه بَنَى « هذان » على بناء لا يتغير في الإِعراب كما بَنَى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.
الرابع : أن « إن » المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم، كما قال رجل لابن الزبير : لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير : إنّ وصاحبها. وقال عبد الله بن قيس الرقيات :
بكى العواذل في الصبا... ح يلمنني وألومُهُنّة
ويقلن شيب قد علا... ك وقد كبرت فقلت إنْه
أي نعم
﴿ وَيَذْهَبَا بِطَرِيقتِكُمْ الْمُثْلَى ﴾ في قائل هذه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه قول السحرة.
الثاني : أنه قول قوم فرعون.
الثالث : قول فرعون من بين قومه، وإن أشير به إلى جماعتهم.
وفي تأويله خمسة أوجه :
أحدها : ويذهبا بأهل العقل والشرف. قاله مجاهد.
الثاني : ببني إسرائيل، وكانوا أولي عدد ويسار، قاله قتادة.
الثالث : ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة قاله ابن زيد.
الرابع : ويذهبا بدينكم وعبادتكم لفرعون، قاله الضحاك.
الخامس : ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى، [ والمثلى مؤنث ] الأمثل والمراد بالأمثل الأفضل، قال أبو طالب :
وإنا لعمرو الله إن جدّ ما أرى... لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
قوله تعالى :﴿ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون.
الثاني : معناه أحكموا أمركم، قال الراجز :
يا ليت شعري والمنى لا تنفع... هل أغدوا يوماً وأمري مجمع
أي محكم.
﴿ ثُمَّ ائْتُواْ صَفّاً ﴾ أي اصطفواْ ولا تختلطواْ.
﴿... مَنِ اسْتَعْلَى ﴾ أي غلب.
قوله تعالى :﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُواْ... ﴾ الآية. في أمر موسى للسحرة بالإِلقاء- وإن كان ذلك كفراً لا يجوز أن يأمر به - وجهان :
أحدهما : إن اللفظ على صفة الأمر، ومعناه معنى الخبر، وتقديره : إن كان إلقاؤكم عندكم حجة فألقواْ.
الثاني : إن ذلك منه على وجه الاعتبار ليظهر لهم صحة نبوته ووضوح محبته، وأن ما أبطل السحر لم يكن سحراً.
وختلفوا في عدد السحرة فحكي عن القاسم بن أبي بزة أنهم كانواْ سبعين ألف ساحر، وحكي عن ابن جريج أنهم كانواْ تسعمائة ساحر، ثلاثمائة من العريش، وثلاثمائة من الفيوم، ويشكون في الثلاثمائة من الإسكندرية، وحكى أبو صالح عن ابن عباس أنهم كانواْ اثنين وسبعين ساحراً، منهم اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل، كانواْ في أول النهار سحرة وفي آخرة شهداء.
﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أنه يخيل ذلك لفرعون.
الثاني : لموسى كذلك.
﴿ فَأَوْجسَ فِي نَفْسِهِ خِيِفَةً مُّوسَى ﴾ وفي خوف وجهان :
أحدهما : أنه خاف أن يلتبس على الناس أمرهم فيتوهمواْ أنهم فعلواْ مثل فعله وأنه من جنسه.
الثاني : لما هو مركوز في الطباع من الحذر. وأوجس : بمعنى أسر.
﴿ قُلْنَا لاَ تَخَفْ... ﴾ الآية. تثبيتاً لنفسه، وإزالة لخوفه.
قوله تعالى :﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ ﴾ أي تأخذه بفيها ابتلاعاً بسرعة، فقيل إنها ابتلعت حمل ثلاثمائة بعير من الحبال والعصي، ثم أخذها موسى ورجعت عصا كما كانت.
وفيها قولان :
أحدهما : أنها كانت من عوسج، قاله وهب.
الثاني : من الجنة، قاله ابن عباس، قال : وبها قتل موسى عوج بن عناق.
﴿ فَأَلْقِيَ السَّحْرةُ سُجَّداً ﴾ طاعة لله وتصديقاً لموسى.
﴿ قَالُواْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾ أي بالرب الذي دعا إليه هارون وموسى، لأنه رب لنا ولجميع الخلق، فقيل إنهم، ما رفعوا رؤوسهم حتى رأواْ الجنة وثواب أهلها، فعند ذلك.
﴿ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ وقيل إن امرأة فرعون كانت تسأل : من غلب؟ فقيل لها : موسى وهارون. فقالت : آمنت برب موسى وهارون فأرسل إليها فرعون فقال : فخذواْ أعظم صخرة فحذَّرُوها، فإن أقامت على قولها [ فألقوها عليها ]، فنزع [ الله ] روحها، فألقيت الصخرة على جسدها وليس فيه روح.
﴿ وَالَّذِي فَطَرَنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه قسم.
الثاني : بمعنى [ ولا ] على الذي فطرنا.
﴿ فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فاصنع ما أنت صانع.
الثاني : فاحكم ما أنت حاكم.
﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَآ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : إن التي تنقضي وتذهب هذه الحياة الدنيا، وتبقى الآخرة.
قوله تعالى :﴿ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : والله خير منك وأبقى ثواباً إن أُطيع، وعقاباً إن عُصِي.
الثاني : خير منك ثواباً إن أطيع وأبقى منك عقاباً إن عُصِي.
قوله تعالى :﴿ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَى ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا ينتفع بحياته ولا يستريح بموته، كما قال الشاعر :
ألا من لنفسٍ لا تموت فينقضي شقاها ولا تحيا حياة لها طعم
الثاني : أن نفس الكافر معلقة بحنجرته كما أخبر الله عنه فلا يموت بفراقها. ولا يحيا باستقرارها.
قوله تعالى :﴿ لاَ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَى ﴾ قال ابن جريج : قال أصحاب. موسى له : هذا فرعون قد أدركنا، وهذا البحر وقد غشينا، فأنزل الله هذه الآية. أي لا تخاف دركاً من فرعون ولا تخشى من البحر غرقاً إن غشيك.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ ﴾ وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لا تكفروا به.
الثاني : لا تدّخرواْ منه لأكثر من يوم وليلة، قال ابن عباس : فدُوّد عليهم ما ادخروه، ولولا ذلك ما دَوّد طعام أبداً.
الثالث : لا تستعينوا برزقي على معصيتي.
﴿ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ﴾ قرىء بضم الحاء وبكسرها ومعناه بالضم ينزل، وبالكسر يجب.
﴿ فَقَدْ هَوَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فقد هوى في النار.
الثاني : فقد هلك في الدنيا.
قوله تعالى :﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾ أي غفار لمن تاب من الشرك ﴿ وآمن ﴾ يعني بالله ورسوله و ﴿ عمل صالحاً ﴾ يريد العمل بأوامره والوقوف عند نواهيه.
﴿ ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : ثم لم يشك في إيمانه، قاله ابن عباس.
الثاني : لزم الإِيمان حتى يموت، قاله قتادة.
الثالث : ثم أخذ بسنة نبيه ﷺ، قاله الربيع بن أنس.
الرابع : ثم أصاب العمل، قاله ابن زيد.
الخامس : ثم عرف جزاء عمله من خير بثواب، أو شر بعقاب، قاله الكلبي.
السادس : ثم اهتدى في ولاية أهل بيت النبي ﷺ، قاله ثابت.
قوله تعالى :﴿ غَضْبَانَ أَسِفاً ﴾ فيه خمسة أوجه :
أحدها : أن الأسف أشد الغضب.
الثاني : الحزين، قاله ابن عباس، وقتادة، والسدي.
الثالث : أنه الجزع، قاله مجاهد.
الرابع : أنه المتندم.
الخامس : أنه المتحسِّر.
قوله تعالى :﴿ أَلَمْ يَعِدُكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حسناً ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه وعدكم النصر والظفر.
الثاني : أنه قوله :﴿ وِإِنِّي لَغَفَّارٌ ﴾ الآية.
الثالث : التوراة فيها هدى ونور ليعملواْ بما فيها فيستحقواْ ثواب عملهم.
الرابع : أنه ما وعدهم به في الآخرة على التمسك بدينه في الدنيا، قاله الحسن.
وفي قوله تعالى :﴿ فَأَخَلَفْتُم مَّوْعِدِي ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه وعدهم على أثره للميقات فتوقفوا.
﴿ قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بطاقتنا، قاله قتادة والسدي.
الثاني : لم نملك أنفسنا عند ذلك للبلية التي وقعت بنا، قاله ابن زيد.
الثالث : لم يملك المؤمنون منع السفهاء من ذلك والموعد الذي أخلفوه أن وعدهم أربعين فعدّوا الأربعين عشرين يوماً ليلة وظنوا أنهم قد استكملوا الميعاد، وأسعدهم السامري أنهم قد استكملوه.
﴿ وَلْكِنَّا حُمِّلْنآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ ﴾ أي حملنا من حلي آل فرعون، لأن موسى أمرهم أن يستعيروا من حليهم، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي. وقيل : جعِلت حملاً.
والأوزار : الأثقال، فاحتمل ذلك على وجهين :
أحدهما : أن يراد بها أثقال الذنوب لأنهم قد كان عندهم غلول.
الثاني : أن يراد أثقال الحمل لأنه أثقلهم وأثقل أرجلهم.
قوله تعالى :﴿ فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ﴾ الآية. قال قتادة. أن السامري قال لهم حين استبطأ القومُ موسى : إنما احتبس عليكم من أجل ما عندكم من الحلي، فجمعوه ورفعوه للسامري، فصاغ منه عجلاً، ثم ألقى عليه قبضة قبضها من أثر الرسول وهو جبريل، وقال معمر : الفرس الذي كان عليه جبريل هو الحياة فلما ألقى القبضة عيه صار عجلاً جَسَداً له خوار.
والخوار صوت الثور، وفيه قولان :
أحدهما : أنه صوت حياة خلقه، لأن العجل المُصَاغُ انقلب بالقبضة التي من أثر الرسول فصار حيواناً حياً، قاله الحسن، وقتادة، والسدي، وقال ابن عباس : خار العجل خورة واحدة لم يتبعها مثلها.
الثاني : أن خواره وصوته كان بالريح، لأنه عمل فيه خروقاً فإذا دخلت الريح فيه خار ولم يكن فيه حياة، قاله مجاهد.
﴿ فقالوا هذا إلهكم وإله موسى ﴾ يعني أن السامري قال لقوم موسى بعد فراغه من العجل : هذا إلهكم وإله موسى، يعني ليسرعوا إلى عبادته.
﴿ فَنَسِيَ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : فنسي السامري إسلامه وإيمانه، قاله ابن عباس.
الثاني : فنسي السامري قال لهم : قد نسي موسى إلهه عندكم، قاله قتادة، والضحاك.
الثالث : فنسي أن قومه لا يصدقونه في عبادة عجل لا يضر ولا ينفع، قاله ابن بحر.
الرابع : أن موسى نسي أن قومه قد عبدوه العجل بعده، قاله مجاهد.
﴿ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً ﴾ يعني أفلا يرى بنو إسرائيل أن العجل الذي عبدوه لا يرد عليهم جواباً.
﴿ وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً ﴾ ؟ فكيف يكون إِلهاً.
قال مقاتل : لما مضى من موعد موسى خمسة وثلاثون يوماً أمر السامري بني إسرائيل أن يجمعواْ ما استعاروه من حلي آل فرعون، وصاغه عجلاً في السادس والثلاثين والسابع والثامن ودعاهم إلى عبادة العجل في التاسع فأجابوه، وجاءهم موسى بعد استكمال الأربعين.
قوله تعالى :﴿ قَالَ يَا هارُونَ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّواْ ﴾ يعني بعبادة العجل.
﴿ أَلاَّ تَتَّبِعَنِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ألا تتبعني في الخروج ولا تقم مع من ضل.
الثاني : ألا تتبع عادتي في منعهم والإِنكار عليهم، قاله مقاتل.
﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾ وقال موسى لأخيه هارون : أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فلمّا أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإِنكار عليهم نسبه إلى العصيان ومخالفة أمره.
﴿ قَالَ يَا بْنَ أُمَّ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : لأنه كان أخاه لأبيه وأمه.
الثاني : أنه كان أخاه لأبيه دون أمه، وإنما قال يا ابن أم ترفيقاً له واستعطافاً.
﴿ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه أخذ شعره بيمينه، ولحيته بيسراه، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه أخذ بأذنه ولحيته، فعبر عن الأذن بالرأس، وهو قول من جعل الأذن من الرأس.
واختلف في سبب أخذه بلحيته ورأسه على ثلاثة أقوال :
أحدها : ليسر إليه نزول الألواح عليه، لأنها نزلت عليه في هذه المناجاة. وأراد أن يخفيها عن بني إسرائيل قبل التوبة، فقال له هارون : لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ليشتبه سراره على بني إسرائيل.
الثاني : فعل ذلك لأنه وقع في نفسه أن هارون مائل إلى بني إسرئيل فيما فعلوه من أمر العجل، ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء.
الثالث : وهو الأشبه - أنه فعل ذلك لإِمساكه عن الإِنكار على بني إسرئيل الذين عبدوا العجل ومقامه بينهم على معاصيهم.
﴿ إِنِّي خَشيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرآئِيلَ ﴾ وهذا جواب هارون عن قوله :﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : فرقت بينهم بما وقع من اختلاف معتقدهم.
الثاني :[ فرقت ] بينهم بقتال مَنْ عَبَدَ العجل منهم.
وقيل : إنهم عبدوه جميعاً إلا اثني عشر ألفاً بقوا مع هارون لم يعبدوه.
﴿ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لم تعمل بوصيتي، قاله مقاتل.
الثاني : لم تنتظر عهدي، قاله أبو عبيدة.
قوله تعالى :﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ﴾ الخطب ما يحدث من الأمور الجليلة التي يخاطب عليها، قال الشاعر :
آذنت جارتي بوشك رحيل بكرا جاهرت بخطب جليل
وفي السامري قولان :
أحدهما أنه كان رجلاً من أهل كرمان، تبع موسى من بني إسرائيل، قاله الطبري، وكان اسمه موسى بن ظفر.
أحدهما : أنه كان رجلاً من أهل كرمان، تبع موسى من بني إسرئيل، قاله الطبري، وكان اسمه موسى بن ظفر. وفي تسميته بالسامري قولان :
أحدهما : أنه كان من قبيلة يقال لها سامرة، قاله قتادة.
الثاني : لأنه كان من قرية تسمى سامرة.
﴿ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نظرت ما لم ينظروه، قاله أبو عبيدة.
الثاني : بما لم يفطنواْ له، قاله مقاتل.
وفي بصرت وأبصرت وجهان :
أحدهما : أنَّ معناهما واحد.
الثاني : أن معناها مختلف، بأبصرت بمعنى نظرت، وبَصُرت بمعنى فطنت.
﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً ﴾ قرأه الجماعة بالضاد المعجمة، وقرأ الحسن بصاد غير معجمة، والفرق بينهما أن القبضة بالضاد المعجمة، بجميع الكف، وبصاد غير معجمة : بأطراف الأصابع ﴿ مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الرسول جبريل.
وفي معرفته قولان :
أحدهما : لأنه رآه يوم فلق البحر فعرفه.
الثاني : أن حين ولدته أمه [ جعلته في غار ] - حذراً عليه من فرعون حين كان يقتل بني إسرائيل وكان جبريل يغذوه صغيراً لأجل البلوى، فعرفه حين كبر، فأخذ قبضة تراب من حافر فرسه وشدها في ثوبه ﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾ يعني فألقيتها، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه ألقاها فيما سبكه من الحلي بصياغة العجل حتى خار بعد صياغته.
الثاني : أنه ألقاها في جوف العجل بعد صياغته حتى ظهر خواره، فهذا تفسيره على قول من جعل الرسول جبريل.
والقول الثاني : أن الرسول موسى، وأن أثره شريعته التي شرعها وسنته التي سنها، وأن قوله :﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَأ ﴾ أي طرحت شريعة موسى ونبذت سنته، ثم اتخذت العجل جسداً له خوار.
﴿ وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : حدثتني نفسي. قاله ابن زيد.
الثاني : زينت لي نفسي، قاله الأخفش.
قوله تعالى :﴿ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن قوله :﴿ فَاذْهَبْ ﴾ وعيد من موسى، ولذا [ فإن ] السامري خاف فهرب فجعل يهيم في البرية مع الوحوش والسباع، لا يجد أحداً من الناس يمسه، حتى صار كالقائل لا مساس، لبعده عن الناس وبعد الناس منه. قالت الشاعرة :
حمال رايات بها قنعاسا حتى يقول الأزد لا مساسا
القول الثاني : أن هذا القول من موسى [ كان ] تحريماً للسامري، وأن موسى أمر بني إسرائيل ألا يؤاكلوه ولا يخالطوه، فكان لا يَمَسُّ وَلاَ يُمَسُّ، قال الشاعر :
تميم كرهط السامري وقوله ألا لا يريد السامري مساسا
أي لا يُخَالِطُونَ وَلاَ يُخَالَطُون.
﴿ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : في الإِمهال لن يقدم.
الثاني : في العذاب لن يؤخر.
قوله تعالى :﴿ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أحاط بكل شيء حتى لم يخرج شيء من علمه.
الثاني : وسع كل شيء علماً حتى لم يخل شيء عن علمه به.
قوله تعالى :﴿ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئَذٍ زُرْقاً ﴾ فيه ستة أقاويل :
أحدها : عُمياً، قاله الفراء.
الثاني : عطاشاً قد أزرقت عيونهم من شدة العطش، قاله الأزهري.
الثالث : تشويه خَلْقِهم بزرقة عيونهم وسواد وجوههم.
الرابع : أنه الطمع الكاذب إذ تعقبته الخيبة، وهو نوع من العذاب.
الخامس : أن المراد بالزرقة شخوص البصر من شدة الخوف، قال الشاعر :
لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر كما كل ضبي مِن اللؤم أزرق
قوله تعالى :﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي يتسارُّون بينهم، من قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ [ الإسراء : ١١٠ ] أي لا تُسرّ بها.
﴿ إن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً ﴾ العشر على طريق التقليل دون التحديد وفيه وجهان :
أحدهما : إن لبثتم في الدنيا إلا عشراً، لما شاهدوا من سرعة القيامة، قاله الحسن.
الثاني : إن لبثتم في قبوركم إلاّ عشراً لما ساواه من سرعة الجزاء.
قوله تعالى :﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : نحن أعلم بما يقولونه مما يتخافتون به بينهم.
الثاني : نحن أعلم بما يجري بينهم من القول في مدد ما لبثوا.
﴿ إذ يقول أمثلهم طريقةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أوفرهم عقلاً.
الثاني : أكبرهم سداداً.
﴿ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً ﴾ لأنه كان عنده أقصر زماناً وأقل لبثاً، ثم فيه وجهان :
أحدهما : لبثهم في الدنيا.
الثاني : لبثهم في القبور.
قوله تعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها كما يذري الطعام.
الثاني : تصير كالهباء.
﴿ فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً ﴾ في القاع ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الموضع المستوي الذي لا نبات فيه، قاله ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد.
الثاني : الأرض الملساء.
الثالث : مستنقع الماء، قاله الفراء.
وفي الصفصف وجهان : أحدهما : أنه ما لا نبات فيه، قاله الكلبي.
الثاني : أنه المكان المستوي، كأنه قال على صف واحد في استوائه، قاله مجاهد.
﴿ لاَّ تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلآَ أَمْتاً ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : عوجاً يعني وادياً، ولا أمتاً يعني ربابية، قاله ابن عباس.
الثاني : عوجاً يعني صدعاً، ولا أمتاً يعني أكمة، قاله الحسن.
الثالث : عوجاً يعني ميلاً. ولا أمتاً يعني أثراً، وهو مروي عن ابن عباس.
الرابع : الأمت الجذب والانثناء، ومنه قول الشاعر :
ما في انطلاق سيره من أمت... قاله قتادة.
الخامس : الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل، ويدق في مكان، حكاه الصولي، فيكون الأمت من الصعود والارتفاع.
قوله تعالى :﴿ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمنِ ﴾ قال ابن عباس : أي خضعت بالسكون، قال الشاعر :
لما آتى خبر الزبير تصدعت... سور المدينة والجبال الخشع
﴿ إلاَّ هَمْساً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الصوت الخفي، قاله مجاهد.
الثاني : تحريك الشفة واللسان، وقرأ أُبيّ : فلا ينطقون إلا همساً.
الثالث : نقل الأقدام، قال ابن زيد، قال الراجز :
وهن يمشين بنا هَمِيسا... يعني أصوات أخفاف الإِبل في سيرها.
قوله تعالى :﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ﴾ فيه خسمة أوجه :
أحدها : أي ذلت، قاله ابن عباس.
الثاني : خشعت، قاله مجاهد، والفرق بين الذل والخشوع- وإن تقارب معناهما- هو أنّ الذل أن يكون ذليل النفس، والخشوع : أن يتذلل لذي طاعة. قال أمية بن الصلت :
وعنا له وجهي وخلقي كله في الساجدين لوجهه مشكورا
الثالث : عملت، قاله الكلبي.
الرابع : استسلمت، قاله عطية العوفي.
الخامس : أنه وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود، قاله طلق بن حبيب.
﴿ الْقَيُّومِ ﴾ فيها ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه القائم على كل نفس بما كسبت، قاله الحسن.
الثاني : القائم بتدبير الخلق.
الثالث : الدائم الذي لا يزول ولا يبيد.
﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ﴾ يعني شركاً.
قوله تعالى :﴿ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فلا يخاف الظلم بالزيادة في سيئاته، ولا هضماً بالنقصان من حسناته، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة.
الثاني : لا يخاف ظلماً بأن لا يجزى بعمله، ولا هضماً بالانتقاص من حقه، قاله ابن زيد، والفرق بين الظلم والهضم أن الظلم المنع من الحق كله، [ والهضم ] المنع من بعضه، والهضم ظلم وإن افترقا من وجه، قال المتوكل الليثي :
قوله تعالى :﴿ أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : حذراً، قاله قتادة.
الثاني : شرفاً لإِيمانهم، قاله الضحاك.
الثالث : ذِكراً يعتبرون به.
قوله تعالى :﴿.... وَلاَ تَعْجَل بِالْقُرءَانِ ﴾ الآية. فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : لا تسأل إنزاله قبل أن يقضى، أي يأتيك وحيه.
الثاني : لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله، قاله عطية.
الثالث : لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل من إبلاغه، لأنه كان يعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل من إبلاغه خوف نسيانه، قاله الكلبي.
﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ يحتمل أربعة أوجه :
أحدها : زدني أدباً في دينك، لأن ما يحتاج إليه من علم دينه لنفسه أو لأمته لا يجوز أن يؤخره الله عنده حتى يلتمسه منه.
الثاني : زدني صبراً على طاعتك وجهاد أعدائك، لأن الصبر يسهل بوجود العلم.
الثالث : زدني علماً بقصص أنبيائك ومنازل أوليائك.
الرابع : زدني علماً بحال أمتي وما تكون عليه من بعدي.
ووجدت للكلبي جواباً.
الخامس : معناه :﴿ وَقُل رَّبِّ زَدِنِي عِلْماً ﴾ لأنه كلما ازداد من نزول القرآن عليه ازداد علماً به.
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ عَهِدْنآ إِلَى ءَادَمَ... ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني فترك أمر ربه، قاله مجاهد.
الثاني : أنه نسي من النسيان والسهو، قال ابن عباس : إنما أخذ الإِنسان من أنه عهد إليه فنسي.
﴿... وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : صبراً، قاله قتادة.
الثاني : حفظاً قاله عطية.
الثالث : ثباتاً. قال ابن أمامة : لو قرنت أعمال بني آدم بحلم آدم لرجح حلمه على حلمهم، وقد قال الله :﴿ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾.
الرابع : عزماً في العودة إلى الذنب ثانياً.
قوله تعالى :﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾ يعني أنت وزوجك لأنهما في استواء العلة واحد. ولم يقل : فتشقيا لأمرين :
أحدهما : لأنه المخاطب دونها.
الثاني : لأنه الكادّ والكاسب لها، فكان بالشقاء أخص.
قوله تعالى :﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ ﴾ وعمل بما فيه ﴿ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ﴾ لا يضل في الدنيا ولا يشقى.
قال ابن عباس : ضمن الله لمن يقرأ القرآن ويعمل بما فيه ألاّ يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة.
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : كسباً حراماً، قاله عكرمة.
الثاني : أن يكون عيشه منغَّصاً بأن ينفق من لا يوقن بالخلف، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه عذاب القبر، قاله ابو سعيد الخدري وابن مسعود وقد رفعه أبو هريرة عن النبي ﷺ.
الرابع : أنه الطعام الضريع والزقوم في جهنم، قاله الحسن، وقتادة، وابن زيد. والضنك في كلامهم الضيق قال، عنترة :
إن الأذلة واللئام لمعشر مولاهم المتهضم المظلوم
إن المنية لو تمثل مثلت مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل
ويحتمل خامساً : أن يكسب دون كفايته.
﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أعمى في حال، وبصير في حال.
الثاني : أعمى عن الحجة، قاله مجاهد.
الثالث : أعمى عن وجهات الخير لا يهتدي لشيء منها.
قوله تعالى :﴿ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بأن جعل الجزاء يوم القيامة، قاله ابن قتيبة.
الثاني : بتأخيرهم إلى يوم بدر. ﴿ لَكَاَن لِزَاماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لكان عذاباً لازماً.
الثاني : لكان قضاء، قاله الأخفش.
﴿ وَأَجَلٌ مُسَمّىً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يوم بدر.
والثاني : يوم القيامة، قاله قتادة. وقال في الكلام تقديم وتأخير، وتقديره : ولولا كلمة وأجل مسمى لكان لزاماً.
قوله تعالى :﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾ يعني من الإِيذاء والافتراء.
﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ قبل طلوع الشمس صلاة الفجر، وقبل غروبها صلاة العصر.
﴿ وَمِنْ ءَانآءِ اللَّيْلِ... ﴾ ساعاته، وأحدها إنىً، وفيه وجهان :
أحدهما : هي صلاة الليل كله، قاله ابن عباس.
الثاني : هي صلاة المغرب والعشاء والآخرة.
﴿... أَطْرَافِ النَّهَارِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : صلاة الفجر لأنها آخر النصف الأول، وأول النصف الثاني : قاله قتادة.
الثاني : أنها صلاة التطوع، قاله الحسن.
﴿ لَعَلّكَ تَرْضَى ﴾ أي تعطى، وقرأ عاصم والكسائي ﴿ تُرضى ﴾ بضم التاء يعني لعل الله يرضيك بكرامته، وقيل بالشفاعة.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ... ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه أراد بمد العين النظر.
الثاني : أراد به الأسف.
﴿ أَزْوَاجاً ﴾ أي أشكالاً، مأخوذ من المزاوجة.
﴿ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ قال قتادة : زينة الحياة الدنيا.
﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ يعني فيما متعاناهم به من هذه الزهرة، وفيه وجهان :
أحدهما : لنفتنهم أي لنعذبهم به، قاله ابن بحر.
الثاني : لنميلهم عن مصالحهم وهو محتمل.
﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه القناعة بما يملكه والزهد فيما لا يملكه.
الثاني : وثواب ربك في الآخرة خير وأبقى مما متعنا به هؤلاء في الدنيا.
ويحتمل ثالثاً : أن يكون الحلال المُبْقِي خيراً من الكثير المُطْغِي.
وسبب نزولها ما رواه أبو رافع أن النبي ﷺ استلف من يهودي طعاماً فأبى أن يسلفه إلا برهن، فحزن وقال :« إني لأمين في السماء وأمين في الأرض، أحمل درعي إليه » فنزلت هذه الآية.
وروى أنه لما نزلت هذه الآية أمر رسول الله ﷺ مناديه فنادى : من لم يتأدب بأدب الله تعالى تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.
قوله تعالى :﴿ وَأْمُرْ أَهْلََكَ بِالصَّلاَةِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه أراد أهله المناسبين له.
والثاني : أنه أراد جميع من اتبعه وآمن به، لأنهم يحلون بالطاعة له محل أهله.
﴿ وَاصْطَبِرْ عَلَيهَا ﴾ أي اصبر على فعلها وعلى أمرهم بها.
﴿ وَلاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾ هذا وإن كان خطاباً للنبي ﷺ فالمراد به جميع الخلق أنه تعالى يرزقهم ولا يسترزقهم، وينفعهم ولا ينتفع بهم، فكان ذلك أبلغ في الامتنان عليهم.
﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ أي وحسن العاقبة لأهل التقوى.
﴿ قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ ﴾ أي منتظر، ويحتمل وجهين :
أحدهما : منتظر النصر على صاحبه.
الثاني : ظهور الحق في عمله.
﴿ فَتَرَبَّصُواْ ﴾ وهذا تهديد.
﴿ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : فستعلمون بالنصر من أهدى إلى دين الحق.
الثاني : فستعلمون يوم القيامة من أهدى إلى طريق الجنة، والله أعلم..
Icon