تفسير سورة سورة الحج من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
المعروف بـالدر المصون
.
لمؤلفه
السمين الحلبي
.
المتوفي سنة 756 هـ
ﰡ
قوله: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة﴾ يجوزُ في هذا المصدرِ وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ مضافاً لفاعله وذلك على تقديرين. أحدُ التقديرَيْن: أَنْ يكونَ مِنْ زلزل اللازمِ بمعنى تزَلْزَلَ فالتقدير: إنَّ تَزَلْزُلَ الساعةِ. والتقديرُ الثاني: أَنْ يكونَ مِنْ زَلْزَل المتعدِّي، ويكون المفعولُ محذوفاً تقديرُه: إنَّ زِلْزالَ الساعةِ الناسَ. كذا قَدَّره أبو البقاء. وأحسنُ مِنْ هذا أن يُقَدَّرَ: إنَّ زِلْزالَ الساعةِ للأرض. يَدُلُّ عليه قولُه: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض﴾ [الزلزلة: ١] ونسبة التَّزَلْزُلِ أو الزلزال إلى الساعة على سبيل المجاز.
الوجه الثاني: أن يكونَ المصدرُ مضافاً الى المفعولِ به، على طريقةِ الاتِّساع في الظرف كقوله:
٣٣٦٨ - طَبَّاخِ ساعاتِ الكرى زادَ الكَسِلْ... وقد أوضح الزمخشريُّ ذلك بقولِه: «ولا تَخْلو الساعةُ من أَنْ تكونَ
الوجه الثاني: أن يكونَ المصدرُ مضافاً الى المفعولِ به، على طريقةِ الاتِّساع في الظرف كقوله:
٣٣٦٨ - طَبَّاخِ ساعاتِ الكرى زادَ الكَسِلْ... وقد أوضح الزمخشريُّ ذلك بقولِه: «ولا تَخْلو الساعةُ من أَنْ تكونَ
221
على تقديرِ الفاعلةِ لها، كأنها هي التي تُزَلْزِلُ الأشياءَ، على المجازِ الحُكْمي، فتكونُ الزلزلة مصدراً مضافاً إلى فاعِله، أو على تقديرِ/ المفعولِ فيها على طريقةِ الاتِّساعِ في الظرفِ، وإجرائه مجرى المفعولِ به، كقولِه تعالى: ﴿بَلْ مَكْرُ اليل والنهار﴾ [سبأ: ٣٣].
222
قوله: ﴿يَوْمَ﴾ : فيه أوجهٌ، أحدُها: أَنْ يَنْتَصِبَ ب «تَذْهَلُ» ولم يذكُرِ الزمخشريُّ غيره. الثاني: أنه منصوبٌ ب «عظيم». الثالث: أنه منصوبٌ بإضمار اذكر. الرابع: أنه بدلٌ من الساعة. وإنما فُتح لأنه مبنيٌّ لإِضافتِه إلى الفعلِ. وهذا إنما يتمشى على قولِ الأخفش، وقد تَقَدَّم تحقيقُه آخرَ المائدة. الخامس: أنه بدلٌ من «زلزلة» بدلُ اشتمالٍ؛ لأنَّ كلاً من الحدثِ والزمانِ يَصْدُقُ أنه مشتملٌ على الآخر، ولا يجوزُ أَنْ ينتصِبَ ب «زلزلة» لِمَا يَلْزَمُ من الفصلِ بين المصدرِ ومعمولِه بالخبر.
قوله: ﴿تَرَوْنَهَا﴾ في هذا الضميرِ قولان، أظهرهما: أنه ضميرُ الزلزلةِ لأَنها المحدَّثُ عنها، ويؤيِّدُه أيضاً قولُه ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾. والثاني: أنه ضميرُ الساعةِ. فعلى الأولِ يكونُ الذُّهولُ والوَضْعُ حقيقةً لأنه في الدنيا، وعلى الثاني يكونُ على سبيلِ التعظيم والتهويل، وأنها بهذه الحيثيةِ، إذ المرادُ بالساعةِ القيامةُ، وهو كقولِه: ﴿يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً﴾ [المزمل: ١٧].
قوله: ﴿تَذْهَلُ﴾ في محلِّ نصب على الحال من «ها» في «تَرَوْنَها» فإنَّ الرؤيَةَ هنا بَصَريةٌ، وهذا إنما يَجِيْءُ على غيرِ الوجهِ الأولِ. وأمَّا الوجهُ الأولُ
قوله: ﴿تَرَوْنَهَا﴾ في هذا الضميرِ قولان، أظهرهما: أنه ضميرُ الزلزلةِ لأَنها المحدَّثُ عنها، ويؤيِّدُه أيضاً قولُه ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾. والثاني: أنه ضميرُ الساعةِ. فعلى الأولِ يكونُ الذُّهولُ والوَضْعُ حقيقةً لأنه في الدنيا، وعلى الثاني يكونُ على سبيلِ التعظيم والتهويل، وأنها بهذه الحيثيةِ، إذ المرادُ بالساعةِ القيامةُ، وهو كقولِه: ﴿يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً﴾ [المزمل: ١٧].
قوله: ﴿تَذْهَلُ﴾ في محلِّ نصب على الحال من «ها» في «تَرَوْنَها» فإنَّ الرؤيَةَ هنا بَصَريةٌ، وهذا إنما يَجِيْءُ على غيرِ الوجهِ الأولِ. وأمَّا الوجهُ الأولُ
222
وهو أنَّ «تَذْهَلُ» ناصِبٌ ل «يومَ تَرَوْنَها» فلا محلَّ للجملةِ من الإِعرابِ لأنها مستأنفةٌ، أو يكونُ محلُّها النصبَ على الحال من الزلزلة، أو من الضمير في «عظيم»، وإنْ كان مذكراً، لأنَّه هو الزَّلْزَلَةُ في المعنى، أو من الساعة، وإن كانت مضافاً إليها، لأنها: إمَّا فاعلٌ أو مفعولٌ كما تقدَّم. وإذا جَعَلْناها حالاً فلا بُدَّ من ضميرٍ محذوفٍ تقديرُه: تَذْهَلُ فيها.
وقرأ العامة «تَذْهَلُ» بفتح التاءِ والهاءِ، مِنْ ذَهِل عن كذا يَذْهَلُ. وقرأ ابن أبي عبلة واليماني بضم التاء وكسرِ الهاءِ ونصبِ «كل» على المفعولية، مِنْ أَذْهَلَه عن كذا يُذْهِله عَدَّاه بالهمزةِ، والذُّهولُ: الاشتغالُ عن الشيءِ. وقيل: إذا كان مع دَهْشَة. وقيل: إذا كان ذلك لطَرَآنِ شاغِلٍ مِنْ هَمٍّ ومَرَضٍ ونحوِهما. وذُهْل بنُ شَيْبان أصلُه من هذا.
والمُرْضِعَةُ: مَنْ تَلَبَّسَتْ بالفعل، والمُرْضِعُ: مَنْ شَأْنُها أَنْ تُرْضِعَ كحائض، فإذا أريد التلبُّسُ قيل: حائِضة.
قال الزمخشري: «فإن قلتَ: لِمَ قيل مُرْضِعَة دون مُرْضع؟ قلت: المُرْضِعَةُ التي هي في حال الإِرضاعِ ملقمةٌ ثديَها الصبيَّ، والمرضعُ التي مِنْ شأنِها أَنْ تُرْضِعَ وإن لم تباشِرْ الإِرضاعَ في حالِ وَصْفِها به» والمعنى: إنَّ مِنْ شِدَّة الهَوْلِ تَذْهَلُ هذه عن ولدِها فكيف بغيرِها؟ وقال بعضُ الكوفيين: المُرْضِعَةُ تقال للأمِّ، والمُرْضِعُ تقال للمستأجَرَةِ غيرِ الأمِّ، وهذا مردودٌ بقولِ
وقرأ العامة «تَذْهَلُ» بفتح التاءِ والهاءِ، مِنْ ذَهِل عن كذا يَذْهَلُ. وقرأ ابن أبي عبلة واليماني بضم التاء وكسرِ الهاءِ ونصبِ «كل» على المفعولية، مِنْ أَذْهَلَه عن كذا يُذْهِله عَدَّاه بالهمزةِ، والذُّهولُ: الاشتغالُ عن الشيءِ. وقيل: إذا كان مع دَهْشَة. وقيل: إذا كان ذلك لطَرَآنِ شاغِلٍ مِنْ هَمٍّ ومَرَضٍ ونحوِهما. وذُهْل بنُ شَيْبان أصلُه من هذا.
والمُرْضِعَةُ: مَنْ تَلَبَّسَتْ بالفعل، والمُرْضِعُ: مَنْ شَأْنُها أَنْ تُرْضِعَ كحائض، فإذا أريد التلبُّسُ قيل: حائِضة.
قال الزمخشري: «فإن قلتَ: لِمَ قيل مُرْضِعَة دون مُرْضع؟ قلت: المُرْضِعَةُ التي هي في حال الإِرضاعِ ملقمةٌ ثديَها الصبيَّ، والمرضعُ التي مِنْ شأنِها أَنْ تُرْضِعَ وإن لم تباشِرْ الإِرضاعَ في حالِ وَصْفِها به» والمعنى: إنَّ مِنْ شِدَّة الهَوْلِ تَذْهَلُ هذه عن ولدِها فكيف بغيرِها؟ وقال بعضُ الكوفيين: المُرْضِعَةُ تقال للأمِّ، والمُرْضِعُ تقال للمستأجَرَةِ غيرِ الأمِّ، وهذا مردودٌ بقولِ
223
الشاعر:
فأَطْلَقَ المُرْضِعَةَ بالتاء على غير الأمِّ.
وقولُ العرب مُرْضِعَة يَرُدُّ أيضاً قولَ الكوفيين: إنَّ الصفاتِ المختصةَ بالمؤنثِ لا يلحقها تاءُ التأنيثِ نحو: حائِض وطالق. فالذي يُقال: إنْ قُصِد النَّسَبُ فالأمرُ على ما ذَكَروا، وإنْ قُصِد الدلالةُ على التلبُّسِ بالفعلِ وَجَبَتِ التاءُ فيقال: حائضة وطالقة وطامِثة.
قوله: ﴿عَمَّآ أَرْضَعَتْ﴾ يجوزُ في «ما» أَنْ تكونَ مصدريةً أي: عن إرْضاعِها. ولا حاجةَ إلى تقديرِ حَذْفٍ على هذا. ويجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى الذي فلا بُدَّ من حَذْفِ عائدٍ أي: أَرْضَعَتْه. ويُقَوِّيه تعدِّي «تَضَعُ» إلى مفعولٍ دونَ مصدرٍ. والحَمْلُ بالفتحِ: ما كان في بَطْنٍ أو على رأسِ شجرة، وبالكسرِ ما كان على ظَهْرٍ.
قوله: ﴿وَتَرَى الناس سكارى﴾ العامَّةُ على فتحِ التاءِ من «ترى» على خطابِ الواحد. وقرأ زيدُ بن علي بضمِّ التاءِ وكسرِ الراءِ، على أنَّ الفاعلَ ضميرُ الزلزلةِ أو الساعةِ. وعلى هذه القراءةِ فلا بُدَّ من مفعولٍ أولَ محذوفٍ ليَتِمَّ المعنى به أي: وتُرِي الزلزلةُ أو الساعةُ الخَلْقَ الناسَ سكارى. ويؤيِّد هذا قراءةُ أبي هريرة وأبي زرعة وأبي نهيك «ترى الناس سكارى». بضمِّ التاء وفتح الراء على ما لم يُسَمَّ فاعله، ونصب «الناسَ»، بَنَوْه من المتعدِّي لثلاثةٍ: فالأولُ قام مَقامَ الفاعلِ، وهو ضميرُ الخطابِ، و «الناسَ سُكارى» هما الأولُ والثاني.
٣٣٦٩ - كمُرْضِعَةٍ أولادَ أخرى وضَيَّعَتْ | بني بطنِها هذا الضلالُ عن القصدِ |
وقولُ العرب مُرْضِعَة يَرُدُّ أيضاً قولَ الكوفيين: إنَّ الصفاتِ المختصةَ بالمؤنثِ لا يلحقها تاءُ التأنيثِ نحو: حائِض وطالق. فالذي يُقال: إنْ قُصِد النَّسَبُ فالأمرُ على ما ذَكَروا، وإنْ قُصِد الدلالةُ على التلبُّسِ بالفعلِ وَجَبَتِ التاءُ فيقال: حائضة وطالقة وطامِثة.
قوله: ﴿عَمَّآ أَرْضَعَتْ﴾ يجوزُ في «ما» أَنْ تكونَ مصدريةً أي: عن إرْضاعِها. ولا حاجةَ إلى تقديرِ حَذْفٍ على هذا. ويجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى الذي فلا بُدَّ من حَذْفِ عائدٍ أي: أَرْضَعَتْه. ويُقَوِّيه تعدِّي «تَضَعُ» إلى مفعولٍ دونَ مصدرٍ. والحَمْلُ بالفتحِ: ما كان في بَطْنٍ أو على رأسِ شجرة، وبالكسرِ ما كان على ظَهْرٍ.
قوله: ﴿وَتَرَى الناس سكارى﴾ العامَّةُ على فتحِ التاءِ من «ترى» على خطابِ الواحد. وقرأ زيدُ بن علي بضمِّ التاءِ وكسرِ الراءِ، على أنَّ الفاعلَ ضميرُ الزلزلةِ أو الساعةِ. وعلى هذه القراءةِ فلا بُدَّ من مفعولٍ أولَ محذوفٍ ليَتِمَّ المعنى به أي: وتُرِي الزلزلةُ أو الساعةُ الخَلْقَ الناسَ سكارى. ويؤيِّد هذا قراءةُ أبي هريرة وأبي زرعة وأبي نهيك «ترى الناس سكارى». بضمِّ التاء وفتح الراء على ما لم يُسَمَّ فاعله، ونصب «الناسَ»، بَنَوْه من المتعدِّي لثلاثةٍ: فالأولُ قام مَقامَ الفاعلِ، وهو ضميرُ الخطابِ، و «الناسَ سُكارى» هما الأولُ والثاني.
224
ويجوز أن يكونَ متعدِّياً لاثنين فقط على معنى: وتُرِي الزلزلةُ أو الساعةُ/ [الناسَ] قوماً سكارى. فالناسَ هو الأول و «سكارى» هو الثاني.
وقرأ الزعفرانيُّ وعباسٌ في اختياره «وترى» كقراءة أبي هريرة إلاَّ أنهما رفعاً «الناسُ» على أنه مفعول لم يُسَمَّ فاعلُه. والتأنيثُ في الفعلِ على تأويلِهم بالجماعة.
وقرأ الأخَوان «سكرى» «وما هم بسكرى» على وزنِ وَصْفِ المؤنثةِ بذلك. واخْتُلف في ذلك: هل هو صيغةٌ جمعٍ على فَعْلَى كمَرْضى وقَتْلى، أو صفةٌ مفردةٌ اسْتُغني بها في وصفِ الجماعة؟ خلافٌ مشهورٌ تقدَّمَ الكلامُ عليه في قوله: «أسرى». وظاهرُ كلامِ سيبويه أنه جمعُ تكسيرٍ فإنه قال: «وقومٌ يقولون: سكرى، جَعَلوه مثلَ مرضى لأنهما شيئان يَدْخلان على الإِنسان، ثم جَعَلوا» روبى «مثلَ سكرى وهم المُسْتَثْقلون نَوْماً من شربِ الرائب. وقال الفارسي:» ويَصِحُّ أن يكونَ جمعَ «سَكِر» كزَمِن وزمنى. وقد حُكي «رجلٌ سَكِر» بمعنى سَكْران فيجيءُ سكرى حينئذٍ لتأنيث الجمع «. قلت: ومِنْ ورودِ» سَكِر «بمعنى سَكْران قولُه:
وقرأ الزعفرانيُّ وعباسٌ في اختياره «وترى» كقراءة أبي هريرة إلاَّ أنهما رفعاً «الناسُ» على أنه مفعول لم يُسَمَّ فاعلُه. والتأنيثُ في الفعلِ على تأويلِهم بالجماعة.
وقرأ الأخَوان «سكرى» «وما هم بسكرى» على وزنِ وَصْفِ المؤنثةِ بذلك. واخْتُلف في ذلك: هل هو صيغةٌ جمعٍ على فَعْلَى كمَرْضى وقَتْلى، أو صفةٌ مفردةٌ اسْتُغني بها في وصفِ الجماعة؟ خلافٌ مشهورٌ تقدَّمَ الكلامُ عليه في قوله: «أسرى». وظاهرُ كلامِ سيبويه أنه جمعُ تكسيرٍ فإنه قال: «وقومٌ يقولون: سكرى، جَعَلوه مثلَ مرضى لأنهما شيئان يَدْخلان على الإِنسان، ثم جَعَلوا» روبى «مثلَ سكرى وهم المُسْتَثْقلون نَوْماً من شربِ الرائب. وقال الفارسي:» ويَصِحُّ أن يكونَ جمعَ «سَكِر» كزَمِن وزمنى. وقد حُكي «رجلٌ سَكِر» بمعنى سَكْران فيجيءُ سكرى حينئذٍ لتأنيث الجمع «. قلت: ومِنْ ورودِ» سَكِر «بمعنى سَكْران قولُه:
225
٣٣٧٠ - وقد جَعَلْتُ إذا ما قُمْتُ يُثْقِلُني | ثَوْبي فأنهضُ نَهْضَ الشاربِ السَّّكِرِ |
وكنتُ أَمْشي على رِجْلين مُعْتَدِلاً | فصِرْتُ أَمْشِي على أخرى من الشَّجر |
وقرأ الباقون» سكارى «بضمِّ السين.
وقد تَقَدَّم لنا في البقرة خلافٌ: هل هذه الصيغةُ جمعُ تكسيرٍ أو اسمُ جمع؟
وقرأ أبو هريرةَ وأبو نهيك وعيسى بفتح السين فيهما، وهو جمع تكسير، واحدُه سَكْران. قال أبو حاتم: «وهي لغةُ تميم».
وقرأ الحسنُ والأعرج وأبو زرعة والأعمش «سكرى» «بسكرى» بضمِّ السين فيهما. فقال ابن جني: «هي اسمٌ مفردٌ كالبُشْرَى. بهذا أفتاني أبو علي». وقال أبو الفضل: «فُعْلَى بضمِّ الفاءِ مِنْ صفةِ الواحدةِ من الإِناثِ، لكنها لَمَّا جُعِلَتْ من صفاتِ الناس وهم جماعة، أُجْرِيَتْ الجماعة بمنزلة المؤنثِ الموحَّدِ». وقال الزمخشري: «هو غريبٌ». قلت: ولا غرابةَ؛ فإنَّ فعلى بضم الفاء كَثُر مجيئُها في أوصافِ المؤنثة نحو الربى والحبلى
226
وجَوَّز أبو البقاء فيه أن يكونَ محذوفاً مِنْ سكارى. وكان مِنْ حَقِّ هذا القارىء أَنْ يُحَرِّكَ الكافَ بالفتح إبقاءً لها على ما كانَتْ عليه. وقد رواها بعضُهم كذلك عن الحسن. وقُرِىء «ويرى الناسُ» بالياء من تحت ورفع «الناسُ».
وقرأ أبو زرعة في روايةٍ «سَكْرى» بالفتح، «بسُكْرى» بالضم. وعن ابن جبير كذلك، إلاَّ أنه حَذَف الألفَ من الأول دون الثاني.
وإثباتُ السُّكْرِ وعَدَمُه بمعنى الحقيقة والمجاز أي: وترى الناس سكرى على التشبيه، وما هم بسَكْرى على التحقيق. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: لِمَ قيل أولاً: تَرَوْن، ثم قيل:» ترى «على الإِفراد؟ قلت: لأنَّ الرؤيةَ أولاً عُلِّقَتْ بالزلزلة، فَجُعِل الناسُ جميعاً رائِيْنَ لها، وهي معلَّقَةٌ أخيراً بكونِ الناسِ على حالِ السُّكر، فلا بُدَّ أن يُجْعَلَ كلُّ واحدٍ منهم رائياً لسائرِهم».
وقرأ أبو زرعة في روايةٍ «سَكْرى» بالفتح، «بسُكْرى» بالضم. وعن ابن جبير كذلك، إلاَّ أنه حَذَف الألفَ من الأول دون الثاني.
وإثباتُ السُّكْرِ وعَدَمُه بمعنى الحقيقة والمجاز أي: وترى الناس سكرى على التشبيه، وما هم بسَكْرى على التحقيق. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: لِمَ قيل أولاً: تَرَوْن، ثم قيل:» ترى «على الإِفراد؟ قلت: لأنَّ الرؤيةَ أولاً عُلِّقَتْ بالزلزلة، فَجُعِل الناسُ جميعاً رائِيْنَ لها، وهي معلَّقَةٌ أخيراً بكونِ الناسِ على حالِ السُّكر، فلا بُدَّ أن يُجْعَلَ كلُّ واحدٍ منهم رائياً لسائرِهم».
227
و «مَنْ» في ﴿مَن يُجَادِلُ﴾ يجوزُ أَنْ تكونَ نكرةً موصوفةً، وأن تكونَ موصولةً. و ﴿فِي الله﴾ أي في صفاتِه. و ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ مفعولٌ أو حالٌ مِنْ فاعلِ «يُجادل». وقرأ زيد بن علي «وَتْبَعُ».
قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ﴾ : قرأ العامَّةُ «كُتِبَ» مبنياً للمفعولِ وفتحَ «أنَّ» في الموضعين. وفي ذلك وجهان، أحدُهما: أنَّ الضميرَ وما في حَيِّزه في محلِّ رفعٍ لقيامِه مقامَ الفاعل. فالهاءُ في «عليه» وفي «أنه»
227
يعودان على «مَنْ» المتقدمةِ. و «مَنْ» الثانية يجوز أن تكونَ شرطيةً والفاءُ جوابُها، وأن تكونَ موصولةً، والفاءُ زائدةٌ في الخبرِ لشَبَهِ المبتدأ بالشرط. وفُتِحَتْ «أنَّ» الثانيةُ لأنها وما في حَيِّزها في محلِّ رفعٍ خبراً لمبتدأ محذوفٍ، تقديره: فشأنهُ وحالُه أنه يُضِلُّه. أو يُقَدَّر «فَأَنَّه» مبتدأ، والخبر محذوفٌ أي: فله أنَّه يَضِلُّه.
الثاني: قال الزمخشري: «ومَنْ فَتَحَ فلأنَّ الأولَ فاعلُ» كُتِب «، والثاني عَطْفٌ عليه». قال الشيخ: «وهذا لا يجوزُ؛ لأنَّك إذا جَعَلْتَ» فأنَّه «عطفاً على» أنَّه «بقيت» أنَّه «بلا استيفاءِ خبرٍ، لأنَّ» مَنْ تَوَلاَّه «» مَنْ «فيه مبتدأةٌ. فإنْ قَدَّرْتَها موصولةً فلا خبرَ لها حتى تَسْتقلَّ خبراً ل» أنه «. وإنْ جَعَلْتَها شرطيةً فلا جوابَ لها؛ إذ جُعِلَتْ» فأنَّه «عَطْفاً على» أنه «.
قلت: وقد ذَهبَ ابنُ عطية رحمه الله إلى مثلِ قولِ الزمخشري فإنه قال:» وأنَّه «في موضعِ رفعٍ على المفعولِ الذي: لم يُسَمَّ فاعلُه و» أنَّه «الثانيةُ عطفٌ على الأولى مؤكدةً مثلَها». وهذا رَدٌّ واضحٌ.
وقُرِىء «كَتَبَ» مبنياً للفاعلِ أي: كَتَبَ اللهُ. ف «أنَّ» وما في حَيِّزها في محل نصب على المفعول به، وباقي الآية على ما تقدم.
وقرأ الأعمش والجعفي عن أبي عمرو «إنه» «فإنه» بكسرِ الهمزتين. وقال ابن عطية: «وقرأ أبو عمروٍ» إنَّه «» فإنه «بالكسر فيهما»، وهذا يُوْهم أنَّه
الثاني: قال الزمخشري: «ومَنْ فَتَحَ فلأنَّ الأولَ فاعلُ» كُتِب «، والثاني عَطْفٌ عليه». قال الشيخ: «وهذا لا يجوزُ؛ لأنَّك إذا جَعَلْتَ» فأنَّه «عطفاً على» أنَّه «بقيت» أنَّه «بلا استيفاءِ خبرٍ، لأنَّ» مَنْ تَوَلاَّه «» مَنْ «فيه مبتدأةٌ. فإنْ قَدَّرْتَها موصولةً فلا خبرَ لها حتى تَسْتقلَّ خبراً ل» أنه «. وإنْ جَعَلْتَها شرطيةً فلا جوابَ لها؛ إذ جُعِلَتْ» فأنَّه «عَطْفاً على» أنه «.
قلت: وقد ذَهبَ ابنُ عطية رحمه الله إلى مثلِ قولِ الزمخشري فإنه قال:» وأنَّه «في موضعِ رفعٍ على المفعولِ الذي: لم يُسَمَّ فاعلُه و» أنَّه «الثانيةُ عطفٌ على الأولى مؤكدةً مثلَها». وهذا رَدٌّ واضحٌ.
وقُرِىء «كَتَبَ» مبنياً للفاعلِ أي: كَتَبَ اللهُ. ف «أنَّ» وما في حَيِّزها في محل نصب على المفعول به، وباقي الآية على ما تقدم.
وقرأ الأعمش والجعفي عن أبي عمرو «إنه» «فإنه» بكسرِ الهمزتين. وقال ابن عطية: «وقرأ أبو عمروٍ» إنَّه «» فإنه «بالكسر فيهما»، وهذا يُوْهم أنَّه
228
مشهورٌ عنه وليس كذلك. وفي تخريجِ هذه القراءةِ/ ثلاثةُ أوجهٍ ذكرها الزمخشري وهي: أَنْ تكونَ على حكايةِ المكتوبِ كما هو، كأنه قيل: كُتِب عليه هذا اللفظُ، كما تقول: كُتِبَ عليه: إنَّ الله هو الغني الحميد. الثاني أن يكونَ على إضمار «قيل». الثالث: أنَّ «كُتِبَ» فيه معنى قيل. قال الشيخ: أمَّا تقديرُ «قيل» يعني فيكون «عليه» في موضعِ مفعولِ ما لم يُسَمَّ فاعلُه و «أنه مَنْ تولاَّه» الجملةُ مفعولٌ لم يُسَمَّ ل قيل المضمرة. وهذا ليس مذهبَ البصريين فإن الجملة عندهم لا تكون فاعلاً ولا تكون مفعولَ ما لم يُسَمَّ فاعلُه «وكأنَّ الشيخَ قد اختارَ ما بدأ به الزمخشريُّ أولاً، وفيه ما فَرَّ منه: وهو أنه أسندَ الفعلَ إلى الجملةِ فاللازمُ مُشْتَرَكٌ.
وقد تقدَّم تقريرُ مثلِ هذا في أولِ البقرة. ثم قال: «وأمَّا الثاني يعني أنه ضُمِّنَ» كُتِب «معنى القول فليس مذهبَ البصريين لأنَّه لا تُكْسَرُ» إنَّ «عندهم إلاَّ بعد القول الصريح لا ما هو بمعناه».
والضميران في «عليه» و «أنه» عائدان على «مَنْ» الأولى كما تقدَّم، وكذلك الضمائرُ في «تَوَلاَّه» و «فأنه»، والمرفوعُ في «يُضِلُّه» و «يَهْديه» ؛ لأنَّ «مَنْ» الأول هو المحدَّثُ عنه. والضميرُ المرفوعُ في «تَوَلاَّه» والمنصوبُ في «يُضِِلُُّه» و «يَهْدِيه» عائدٌ على «مَنْ» الثانيةِ. وقيل: الضميرُ في «عليه» لكلِّ
وقد تقدَّم تقريرُ مثلِ هذا في أولِ البقرة. ثم قال: «وأمَّا الثاني يعني أنه ضُمِّنَ» كُتِب «معنى القول فليس مذهبَ البصريين لأنَّه لا تُكْسَرُ» إنَّ «عندهم إلاَّ بعد القول الصريح لا ما هو بمعناه».
والضميران في «عليه» و «أنه» عائدان على «مَنْ» الأولى كما تقدَّم، وكذلك الضمائرُ في «تَوَلاَّه» و «فأنه»، والمرفوعُ في «يُضِلُّه» و «يَهْديه» ؛ لأنَّ «مَنْ» الأول هو المحدَّثُ عنه. والضميرُ المرفوعُ في «تَوَلاَّه» والمنصوبُ في «يُضِِلُُّه» و «يَهْدِيه» عائدٌ على «مَنْ» الثانيةِ. وقيل: الضميرُ في «عليه» لكلِّ
229
شيطانٍ. والضميرُ في «فأنَّه» للشأن. وقال ابن عطية: «الذي يَظْهَرُ لي أنَّ الضميرَ الأولَ في» أنَّه «يعودُ على كل شيطان، وفي» فأنَّه «يعودُ على» مَنْ «الذي هو المُتَوَلِّي».
230
قوله: ﴿مِّنَ البعث﴾ : يجوزُ أن يتعلَّق ب «ريب»، ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل ريب. وقرأ الحسن «البَعَث» بفتح العينِ. وهي لغة كالطَّرَدِ والجَلَب في الطَّرْد والجَلْب بالسكون. قال الشيخ: «والكوفيون إسكانُ العينِ عندهم تخفيفٌ [يقيسونه] فيما وسطَه حرفُ حلقٍ كالنَّهْرِ والنَّهَر والشّعْرِ والشَّعَر، والبَصْريون لا يقيسونه، وما وَرَدَ من ذلك هو عندهم ممَّا جاء فيه لغتان» قلت: فهذا يُوْهِمُ ظاهرُه أنَّ الأصلَ البَعَث بالفتح، وإنما خُفِّف، وليس الأمرُ كذلك، وإنما مَحَلُّ النزاع إذا سُمِع الحلقيُّ مفتوحَ العين: هل يجوزُ تسكينُه أم لا؟ لا أنه كلُّ ما جاء ساكنَ العينِ من الحَلْقِيِّها يُدَّعى أن أصلَها الفتحُ كما هو ظاهرُ عبارتِه.
قوله: ﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ العامَّةُ على الجرِّ في «مُخَلَّقةٍ»، وفي «غير»، على النعت. وقرأ ابن أبي عبلة بنصبِهما على الحالِ من النكرةِ، وهو قليلٌ جداً وإن كان سيبويه قاسه.
قوله: ﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ العامَّةُ على الجرِّ في «مُخَلَّقةٍ»، وفي «غير»، على النعت. وقرأ ابن أبي عبلة بنصبِهما على الحالِ من النكرةِ، وهو قليلٌ جداً وإن كان سيبويه قاسه.
230
والعَلَقَةُ: القطعةُ من الدم الجامدة. وعن بعضهم وقد سُئِل عن أصعبِ الأشياءِ فقال: «وَقْعَ الزَّلَقِ على العَلَق» أي: على دمِ القتلى في المعركة. والمُضْغَةُ: القطعةُ من اللحمِ قَدْرَ ما تُمضَغُ نحو: الغُرفة والأُكْلة بمعنى: المغروفة والمأكولة. والمُخَلَّقَةُ: المَلْساء التي لا عَيْبَ فيها مِنْ قولهم: صخرةٌ خَلْقاءُ أي: مَلْساء. وخَلَقْتُ السِّواك: سَوَّيْتُه ومَلَسْتُه. وقيل: التضعيفُ في «مُخَلَّقَة» دلالةٌ على تكثيرِ الخَلْق لأنَّ الإِنسانَ ذو أعضاءٍ متباينةٍ وخُلُقٍ متفاوتةٍ. قاله الشعبي وقتادة وأبو العالية. وهو معنى حسنٌ.
قوله: ﴿وَنُقِرُّ﴾ العامَّةُ على رفع «ونُقِرُّ» لأنه مستأنفٌ، وليس علةً لما قبلَه فينتصبَ نَسَقاً على ما تقدَّمه. وقرأ يعقوب وعاصم في روايةٍ بنصبه. قال أبو البقاء: «على أَنْ يكونَ معطوفاً في اللفظ، والمعنى مختلف؛ لأنَّ اللامَ في» لُنبِيِّنَ «للتعليل، واللامَ المقدرةَ من» نُقِرُّ «للصيرورة» وفيه نظرٌ؛ لأنَّ قولَه «معطوفاً في اللفظ» يَدْفعه قولُه: «واللامُ المقدرة» فإنَّ تقديرَ اللام يقتضي النصبَ بإضمارِ «أَنْ» بعدها لا بالعطفِ على ما قبله.
وعن عاصم أيضاً «ثم نُخْرِجَكم» بنصب الجيم. وقرأ ابن أبي عبلة «ليبيِّنَ ويَقِرُّ» بالياء من تحتُ فيهما، والفاعلُ هو اللهُ تعالى كما في قراءة النون. وقرأ يعقوب في رواية «ونَقُرُّ» بفتح النون وضم القاف ورفع الراء، مِنْ قَرَّ الماءَ
قوله: ﴿وَنُقِرُّ﴾ العامَّةُ على رفع «ونُقِرُّ» لأنه مستأنفٌ، وليس علةً لما قبلَه فينتصبَ نَسَقاً على ما تقدَّمه. وقرأ يعقوب وعاصم في روايةٍ بنصبه. قال أبو البقاء: «على أَنْ يكونَ معطوفاً في اللفظ، والمعنى مختلف؛ لأنَّ اللامَ في» لُنبِيِّنَ «للتعليل، واللامَ المقدرةَ من» نُقِرُّ «للصيرورة» وفيه نظرٌ؛ لأنَّ قولَه «معطوفاً في اللفظ» يَدْفعه قولُه: «واللامُ المقدرة» فإنَّ تقديرَ اللام يقتضي النصبَ بإضمارِ «أَنْ» بعدها لا بالعطفِ على ما قبله.
وعن عاصم أيضاً «ثم نُخْرِجَكم» بنصب الجيم. وقرأ ابن أبي عبلة «ليبيِّنَ ويَقِرُّ» بالياء من تحتُ فيهما، والفاعلُ هو اللهُ تعالى كما في قراءة النون. وقرأ يعقوب في رواية «ونَقُرُّ» بفتح النون وضم القاف ورفع الراء، مِنْ قَرَّ الماءَ
231
يَقُرُّه أي: صَبَّه. وقرأ أبو زيد النحوي «ويَقِرَّ» بفتح الياءِ من تحتُ وكسرِ القاف ونصبِ الراء أي: وَيقِرَّ الله. وهو مِنْ قرَّ الماء إذا صبَّه. وفي «الكامل» لابن جبارة «لِنُبَيِّن ونُقِرَّ ثم نُخْرِجَكم» بالنصبِ فيهنَّ يعني وبالنون في الجميع المفضل.
بالياء فيهما مع النصب: أبو حاتم، وبالياء والرفع عمر بن شبة «انتهى.
وقال الزمخشري: /» والقراءةُ بالرفع إخبارٌ بأنه تعالى يُقِرُّ في الأرحامِ ما يشاءُ أَنْ يُقِرَّه «. ثم قال:» والقراءةُ بالنصب تعليلٌ، معطوفٌ على تعليلٍ. معناه: خلقناكم مُدَرَّجين، هذا التدريجُ لغرضين، أحدهما: أن نبيِّنَ قدرتنا. والثاني: أَنْ نُقِرَّ في الأرحام مَنْ نُقِرُّ، ثم يُوْلَدوا ويَنْشَؤوا ويَبْلُغوا حَدَّ التكليفِ فأُكَلِّفَهم. ويَعْضُد هذه القراءةَ قولُه ﴿ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ﴾.
قلت: تسميةُ مثلِ هذه الأفعالِ المسندة إلى الله تعالى غَرَضاً لا يجوز.
وقرأ ابن وثاب «نِشاء» بكسر النون، وهو كسرُ حرفِ المضارعة، وقد تقدَّم ذلك في أولِ هذا الموضوعِ.
قوله: ﴿طِفْلاً﴾ حالٌ مِنْ مفعول «نُخْرِجكم»، وإنما وُحِّد لأنَّه في الأصل
بالياء فيهما مع النصب: أبو حاتم، وبالياء والرفع عمر بن شبة «انتهى.
وقال الزمخشري: /» والقراءةُ بالرفع إخبارٌ بأنه تعالى يُقِرُّ في الأرحامِ ما يشاءُ أَنْ يُقِرَّه «. ثم قال:» والقراءةُ بالنصب تعليلٌ، معطوفٌ على تعليلٍ. معناه: خلقناكم مُدَرَّجين، هذا التدريجُ لغرضين، أحدهما: أن نبيِّنَ قدرتنا. والثاني: أَنْ نُقِرَّ في الأرحام مَنْ نُقِرُّ، ثم يُوْلَدوا ويَنْشَؤوا ويَبْلُغوا حَدَّ التكليفِ فأُكَلِّفَهم. ويَعْضُد هذه القراءةَ قولُه ﴿ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ﴾.
قلت: تسميةُ مثلِ هذه الأفعالِ المسندة إلى الله تعالى غَرَضاً لا يجوز.
وقرأ ابن وثاب «نِشاء» بكسر النون، وهو كسرُ حرفِ المضارعة، وقد تقدَّم ذلك في أولِ هذا الموضوعِ.
قوله: ﴿طِفْلاً﴾ حالٌ مِنْ مفعول «نُخْرِجكم»، وإنما وُحِّد لأنَّه في الأصل
232
مصدرٌ كالرِّضا والعَدْل، فيَلْزَمُ الإِفرادُ والتذكيرُ، قاله المبرد: إمَّا لأنه مرادٌ به الجنسُ، وإمَّا لأن المعنى: يُخْرِجُ كلَّ واحدٍ منكم نحو: القوم يُشْبعهم رغيفٌ أي: كلُّ واحدٍ منهم. وقد يطابِقُ به ما يُراد به، فيقال: طفلان وأطفال. وفي الحديث: «سئل عن أطفال المشركين» والطِّفْلُ يُطْلَقُ على الولدِ مِنْ حين الانفصالِ إلى البلوغ. وأمَّا الطَفْل بالفتح فهو الناعم، والمرأة طَفْلة قال:
أمَّا الطَّفَل بفتح الطاءِ والفاءِ فوقتُ ما بعد العصر، مِنْ قولِهم: طَفَلَت الشمسُ إذا مالَتْ للغُروب. وأطفلتِ المرأةُ أي: صارت ذاتَ طِفْلٍ.
وقرأت فِرْقَةٌ «يَتَوَفَّى» بفتح الياء. وفيه تخريجان، أحدهما: أنَّ الفاعلَ ضميرُ الباري تعالى أي: يَتَوَفَّاهُ اللهُ تعالى، كذا قدَّره الزمخشري. والثاني: أن الفاعلَ ضميرُ «مَنْ» أي: يتوفى أجلَه. وهذا القراءةُ كالتي في البقرة ﴿والذين يَتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ﴾ [الآية: ٢٣٤] أي: مدتهم.
٣٣٧١ - ولقد لَهَوْتُ بِطَفْلةٍ مَيَّالَةٍ | بَلْهاءَ تُطْلِعُني على أَسْرارِها |
وقرأت فِرْقَةٌ «يَتَوَفَّى» بفتح الياء. وفيه تخريجان، أحدهما: أنَّ الفاعلَ ضميرُ الباري تعالى أي: يَتَوَفَّاهُ اللهُ تعالى، كذا قدَّره الزمخشري. والثاني: أن الفاعلَ ضميرُ «مَنْ» أي: يتوفى أجلَه. وهذا القراءةُ كالتي في البقرة ﴿والذين يَتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ﴾ [الآية: ٢٣٤] أي: مدتهم.
233
ورُوي عن أبي عمروٍ ونافع أنهما قرآ «العُمْر» بسكون العينِ وهو تخفيفٌ قياسيُّ نحوة «عُنْق» في «عُنُق».
قوله: ﴿لِكَيْلاَ﴾ متعلقٌ ب «يُرَدُّ». وتقدَّم نظيره في النحل.
و «هامدةً» نصب على الحال لأن الرؤيةَ بصريةٌ. والهُمُود: السكونُ والخُشُوع. وهَمَدَت الأرضُ: يَبِست ودَرَسَتْ. وهَمَدَ الثوبُ: بَلِي. قال الأعشى:
والاهتزازُ: التحرُّكُ، وتُجُوِّز به هنا عن إنباتِ الأرض نباتَها بالماء. والجمهورُ على «رَبَتْ» أي: زادَت، مِنْ رَبا يَرْبُو. وقرأ أبو جعفر وعبد الله ابن جعفر وأبو عمرٍو في رواية «وَرَبَأَت» بالهمزِ أي ارتفَعَتْ. يقال: رَبَأَ بنفسه عن كذا أي: ارتفعَ عنه. ومنه الرَّبِيئَةُ وهو مَنْ يَطْلُعُ على موضعٍ عالٍ لينظر للقوم ما يأتيهم. ويقال له «رَبِيْءٌ» أيضاً قال الشاعر:
قوله: ﴿لِكَيْلاَ﴾ متعلقٌ ب «يُرَدُّ». وتقدَّم نظيره في النحل.
و «هامدةً» نصب على الحال لأن الرؤيةَ بصريةٌ. والهُمُود: السكونُ والخُشُوع. وهَمَدَت الأرضُ: يَبِست ودَرَسَتْ. وهَمَدَ الثوبُ: بَلِي. قال الأعشى:
٣٣٧٢ - قالَتْ قُتَيْلَةُ ما لجِسْمِكَ شاحباً | وأرى ثيابَكَ بالِياتٍ هُمَّدا |