ﰡ
﴿يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ﴾ أمر بني آدم بالتقوى ثم علل وجوبها عليهم بذكر الساعة ووصفها بأهول صفة بقوله ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَىْء عظيم﴾ لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصورها بعقولهم حتى يبقوا على أنفسهم ويرحموها من شدائد ذلك اليوم بامتثال ما أمرهم به ربهم من التردي بلباس التقوى الذي يؤمنهم من تلك الأفزاع والزلزلة شدة التحريك والإزعاج وإضافة الزلزلة إلى الساعة إضافة المصدر إلى فاعله كأنها هي التي تزلزل الأرض على المجاز الحكمي أو إلى الظرف لأنها تكون فيها كقوله بل مكر الليل والنهار ووقتها يكون يوم القيامة أو عند طلوع الشمس من مغربها ولا حجة فيها للمعتزلة في تسمية المعدوم شيئاً فإن هذا اسم لها حال وجودها
وانتصب ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا﴾ أي الزلزلة أو الساعة بقوله ﴿تَذْهَلُ﴾ تغفل والذهول الغفلة ﴿كُلُّ مُرْضِعَةٍ عما أرضعت﴾ عن
الحج (٥ - ٢)
أو عن الذي أرضعته وهو الطفل وقيل مرضعة ليدل على أن ذلك الهول حدث وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يحلقها من الدهشة
﴿وَمِنَ الناس مَن يجادل فِى الله﴾ في دين الله في دين الله ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ حال نزلت في النضر بن الحرث وكان جدلاً يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين والله غير قادر على إحياء من بلي أو هي عامة في كل من يخاصم في الدين بالهوى ﴿وَيَتَّبِعْ﴾ في ذلك ﴿كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ﴾ عاتٍ مستمر في الشر ولا وقف في مريد لأن ما بعده صفته
﴿كتب عليه﴾ قضى على الشيطان ﴿يُضِلُّهُ﴾ عن سواء السبيل ﴿وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير﴾ النار قال الزجاج الفاء
ثم ألزم الحجة على منكري البعث فقال ﴿يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مّنَ البعث﴾ يعني إن ارتبتم في البعث فمزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم وقد كنتم في الابتداء قرابا وماء وليس سبب إنكاركم البعث إلا هذا وهو صيرورة الخلق تراباً وماء ﴿فَإِنَّا خلقناكم﴾ أي
الحج (٧ - ٥)
أباكم ﴿مّن تُرَابٍ ثُمَّ﴾ خلقتم ﴿مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ﴾ أي قطعة دم جامدة ﴿ثم من مضغة﴾ أي لحمة صغسيرة قدر ما يمضغ ﴿مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ المخلقة المسواة الملساء من النقصان والعيب كأن الله عز وجل يخلق المضغ متفاوتة منها ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب ومنها ما هو على عكس ذلك فيتبع ذلك التفاوت تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم وإنما نقلنا كم من حال إلى حال ومن خلقة إلى خلقة ﴿لّنُبَيّنَ لَكُمْ﴾ بهذا التدريج كمال قدرتنا وحكمتنا وأن من قدر على خلق البشر من تراب أولا ثم نطفة ثانياً ولا مناسبة بين التراب والماء وقد ر أن يجعل النطفة علقة والعلقة مضغة والمضغة عظاما قدر على إعادة ما بدأه ﴿وَنُقِرُّ﴾ بالرفع عند غير المفضل مستأنف بعد وقف أي نحن نثبت ﴿فِى الأرحام مَا نَشَاء﴾ ثبوته ﴿إلى أجل مسمى﴾ أي وقت الولادة ومالم نشأ ثبوته أي أسقطته الأرحام ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ﴾ من الرحم ﴿طِفْلاً﴾ حال وأريد به الجنس فلذا لم يجمع أو أريد به ثم نخرج كل واحد منكم طفلاً ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ﴾ ثم نربيكم لتبلغوا ﴿أَشُدَّكُمْ﴾ كمال عقلكم وقوتكم وهو من ألفاظ الجموع التي لا يستعمل
﴿ذلك﴾ مبتدأ خبره ﴿بِأَنَّ الله هُوَ الحق﴾ أي ذلك الذي ذكرنا من خلق بني آدم وإحياء الأرض مع ما في تضاعيف ذلك من أصناف الحكم حاصل بهذا وهو أن الله هو الحق أي الثابت الوجود ﴿وأنه يحيي الموتى﴾ كما أحيا الأرض ﴿وَأَنَّهُ على كُلّ شيء قدير﴾ قادر
﴿وأن الساعة آتية لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِى القبور﴾ أي أنه حكيم لا يخلف الميعاد وقد وعد الساعة
الحج (١٢ - ٨)
والبعث فلا بد أن يفي بما وعد
﴿وَمِنَ الناس مَن يجادل فِى الله﴾ في صفاته فيصفه ما هو له نزلت في أبي جهل ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ضروري ﴿وَلاَ هُدًى﴾ أي استدلال لأنه يهدي إلى المعرفة ﴿وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ﴾ أي وحي والعلم للإنسان من أحد هذه الوجوه الثلاثة
﴿ثاني عطفه﴾ حال أي لا وياعنقه عن طاعة الله اكبرا وخيلاء
﴿ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ أي السبب في عذاب الدارين هو ما قدمت نفسه من الكفر والتكذيب وكنى عنها باليد لأن اليد آلة الكسب ﴿وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ﴾ فلا يأخذ أحداً بغير ذنب ولا بذنب غيره وهو عطف على بما أي وبأن الله وذكر الظلام بلفظ المبالغة لاقترانه بلفظ الجمع وهو العبيد ولأن قليل الظلم منه مع علمه بقبحه واستغنائه كالكثير منها
﴿وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ﴾ على طرف من الدين لا في وسطه وقلبه وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة وهو حال أي مضطرباً ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ﴾ صحة في جسمه وسعة في معيشته ﴿اطمأن﴾ سكن واستقر ﴿بِهِ﴾ بالخير الذي أصابه أو بالدين فعبد الله ﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ﴾ شر وبلاء في جسده وضيق في معيشته ﴿انقلب على وَجْهِهِ﴾ جهته أي ارتد ورجع إلى الكفر كالذي يكون على طرف من العسكر فإن أحس بظفر وغنيمة قر واطمأن وإلا فر وطار على وجهه قالوا نزلت في أعاريب قدموا المدينة مهاجرين وكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهراً سوياً وولدت امرأته غلاماً سوياً وكثر ماله وماشيته قال ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلا خيراً واطمأن وإن كان الأمر بخلافه قال ما أصبت إلا شراً وانقلب عن دينه ﴿خَسِرَ الدنيا والآخرة﴾ حال وقد مقدرة دليله قراءة روح وزيد خاسر الدنيا والآخرة والخسران في الدنيا بالقتل فيها وفي الآخرة بالخلود في النار
﴿يدعو مِن دُونِ الله﴾ يعني الصنم فإنه بعد الردة يفعل كذلك ﴿مَا لاَ يَضُرُّهُ﴾ إن لم يعبده ﴿وَمَا لاَ يَنفَعُهُ﴾ إن عبده ﴿ذلك هو الضلال البعيد﴾ من
الحج (١٧ - ١٢)
الصواب
﴿يدعو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ﴾ والإشكال أنه تعالى نفى الضر والنفع عن الأصنام قبل هذه الآية وأثبتهما لها هنا والجواب أن المعنى إذا فهم ذهب هذا الوهم وذلك أن الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جماد لا يملك ضراً ولا نفعاً وهو يعتقد فيه أنه ينفعه ثم قال يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ولا يرى لها أثر الشفاعة لمن ضره أقرب من نفعه ﴿لَبِئْسَ المولى﴾ أي الناصر الصاحب ﴿ولبئس العشير﴾ المصاحب أو كرر يدعو كأنه قال يدعو يدعو من دون الله مالا يضره ومالا ينفعه ثم قال لمن ضره بكونه معبوداً أقرب من نفعه بكونه شفيعاً
﴿إن الله يدخل الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ هذا وعد لمن عبد الله بكل حال لا لمن عبد الله على حرف
﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِى الدنيا والآخرة﴾ المعنى أن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة فمن ظن من أعاديه غير ذلك ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ﴾ بحبل ﴿إِلَى السماء﴾ إلى سماء بيته ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ ثم ليختنق به وسمي الاختناق قطعاً لأن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه وبكسر اللام بصري وشامي {فَلْيَنْظُرْ
﴿وكذلك أنزلناه﴾ ومثل ذلك الا نزال أنزل القرآن كله ﴿آيات بينات﴾ واضحات ﴿وَأَنَّ الله يَهْدِى مَن يُرِيدُ﴾ أي ولأن الله يهدي به الذين يعلم أنهم يؤمنون أو يثبت الذين آمنوا ويزيدهم هدى أنزله كذلك مبيّناً
﴿إن الذين آمنوا والذين هَادُواْ والصابئين والنصارى والمجوس والذين أَشْرَكُواْ﴾ قبل الاديان خمسة أربعة للشيطان وواحد للرحمن الصابئون نوع من النصارى فلا تكون ستة ﴿إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة﴾ في الأحوال والأماكن فلا يجازيهم جزاء واحدا ولا يجمعمه في موطن واحد وخبر إن الذين آمنوا إن الله يفصل بينهم كما تقول إن زيداً إن أباه قائم ﴿إِنَّ الله على كُلّ شَىْء شَهِيدٌ﴾ عالم به حافظ له فلينظر كل امرئ معتقده وقوله وفعله
الحج (٢٢ - ١٨)
وهو أبلغ وعيد
﴿ألم تر﴾ ألم تعلم يا محمد علما يقوم مقام العيان ﴿أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السماوات وَمَن فِى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب﴾ قيل إن الكل يسجد له ولكنا لا نقف عليه كما لا نقف على تسبيحها قال الله تعالى وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقيل سمي مطاوعة غير المكلف له فيما يحدث من أفعاله وتسخيره له سجوداً له تشبيهاً لمطاوعته بسجود المكلف الذي كل خضوع دونه {وَكَثِيرٌ مّنَ
﴿هذان خَصْمَانِ﴾ أي فريقان مختصمان فالخصم صفة وصف بها الفريق وقوله ﴿اختصموا﴾ للمعنى وهذان للفظ والمراد المؤمنون والكافرون وقال ابن عباس رضي الله عنهما رجع إلى أهل الأديان المذكورة فالمؤمنون وسائر الخمسة خصم ﴿فِى رَبّهِمْ﴾ في دينه وصفاته ثم بين جزاء كل خصم بقوله ﴿فالذين كَفَرُواْ﴾ وهو فصل الخصومة المعنى بقوله إن الله يفصل بينهم يوم القيامة ﴿قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ﴾ كأن الله يقدر لهم نيرانا على مقادير جثتهم تشتمل عليه كما نقطع الثياب الملبوسة واختير لفظ الماضي لأنه كائن لا محالة فهو كالثابت المتحقق ﴿يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسَهُمْ﴾ بكسر الهاء والميم بصري وبضمهما حمزة وعلى منه نقطة على جبال الدنيا لأذابتها
﴿يُصْهَرُ﴾ يذاب ﴿بِهِ﴾ بالحميم ﴿مَا فِى بُطُونِهِمْ والجلود﴾ أي يذيب أمعاءهم وأحشاءهم كما يذيب جلودهم فيؤثر في الظاهر والباطن
﴿وَلَهُمْ مَّقَامِعُ﴾ سياط مختصة بهم ﴿مِنْ حَدِيدٍ﴾ يضربون بها
﴿كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا﴾ من النار ﴿من غم﴾ بدل
الحج (٢٥ - ٢٢)
الاشتمال من منها بإعادة الجار أو الأولى لابتداء الغابة والثانية بمعنى من أجل يعني كلما أرادوا الخروج من النار من أجل غم يلحقهم فخرجوا ﴿أُعِيدُواْ فِيهَا﴾ بالمقامع ومعنى الخروج عند الحسن أن النار تضربهم بلهبها فتلقيهم إلى أعلاها فضربوا بالمقامع فهووا فيهما سبعين خريفاً والمراد إعادتهم إلى معظم النار لا أنه ينفصلون عنها بالكلية ثم يعودون إليها ﴿وَذُوقُواْ﴾ أي وقيل لهم ذوقوا ﴿عَذَابَ الحريق﴾ هو الغلبظ من النار المنتشر العظيم الإهلاك
ثم ذكر جزاء الخصم الآخر فقال ﴿إِنَّ الله يدخل الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ﴾ جمع أسورة جمع سوار ﴿مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً﴾ بالنصب مدني وعاصم وعلي ويؤتون لؤلؤاً وبالجر غيرهم عطفاً على من ذهب وبترك الهمزة الأولى في كل القرآن أبو بكر وحماد ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ ابريسم
﴿وَهُدُواْ إِلَى الطيب مِنَ القول وَهُدُواْ إلى صراط الحميد﴾ أي أرشد هؤلاء في الدنيا إلى كلمة التوحيد وإلى صراط الحميد أي الإسلام أو هداهم الله في الآخرة الهمهم أن يقولوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وهداهم إلى طريق الجنة والحميد الله المحمود بكل لسان
﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي يمنعون عن الدخول في الإسلام ويصدون حال من فاعل كفروا أي وهم يصدون أي الصدود منهم دائم متسمر كما يقال فلان يحسن إلى الفقراء فإنه يراد
﴿عذاب أليم وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا﴾
عذاب أليم فى الآخرة وخبران محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم وكل من ارتكب فيه ذنباً فهو كذلك
﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت﴾ واذكر يا محمد حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة أي مرجعاً يرجع إليه للعمارة والعبادة وقد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها فكنست مكان البيت فبناه على أسه القديم ﴿أن﴾ هي المفسرة للقول المقدر أي قائلين له ﴿لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهّرْ بَيْتِىَ﴾ من الأصنام والأقذار وبفتح الياء مدني وحفص ﴿لِلطَّائِفِينَ﴾ لمن يطوف به ﴿والقائمين﴾ والمقيمين بمكة ﴿والركع السجود﴾ المصلين جمع راكع وساجد
﴿وَأَذّن فِى الناس بالحج﴾ ناد فيهم والحج هو القصد البليغ إلى مقصد منيع ورُوي أنه صعد أبا قبيس فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم فأجاب من قدر له أن يحج من الأصلاب والأرحام بلبيك اللهم لبيك وعن الحسن أنه خطاب لرسول الله ﷺ أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع والأول أظهر وجواب الأمر ﴿يَأْتُوكَ رِجَالاً﴾ مشاة وجمع راجل كقائم وقيام ﴿وعلى كُلّ ضَامِرٍ﴾ حال معطوفة على رجال كأنه قال رجالاً وركباناً والضامر البعير المهزول وقدم الرجال على الركبان اظهارا لفضيلة المشاة كما ورد فى الحديث ﴿يأتين﴾ صفة لكل ضامر لأنه في معنى الجمع وقرأ عبد الله يأتون صفة للرجال والركبان ﴿مِن كُلّ فَجّ﴾ طريق ﴿عَميِقٍ﴾ بعيد قال محمد بن ياسين قال لي شيخ في الطواف من أين أنت فقلت من خراسان قال كم بينكم وبين البيت قلت مسيرة شهرين أو ثلاثة قال فأنتم جيران البيت فقلت أنت من أين جئت قال من مسيرة خمس سنوات وخرجت وأنا شاب فاكتهلت قلت والله هذه الطاعة الجميلة والمحبة الصادقة فقال
زر من هويت وإن شطت بك الدار
وحال من دونه حجب وأستار | لا يمنعنك بعدٌ عن زيارته |
واللام فى ﴿ليشهدوا﴾ ليحضروا معلق بأذن أو بيأتوك ﴿منافع لَهُمْ﴾ نكرها لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادة وهذا لأن العبادة شرعت للابتلاء بالنفس كالصلاة والصوم أو بالمال كالزكاة وقد اشتمل الحج عليهما مع ما فيه من تحمل الأثقال وركوب الأهوال وخلع الأسباب وقطيعة الأصحاب وهجر البلاد والأوطان وفرقة الأولاد والخلان والتنبيه على ما يستمر عليه إذا انتقل من دار الفناء إلى دار البقاء فالحج
الحج (٢٩ - ٢٨)
﴿ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام﴾ إذا دخل البادية لا يتكل فيها إلا على عتاده ولا يأكل إلا من زاده فكذا المرء إذا خرج من شاطئ الحياة وركب
﴿ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ﴾ ثم ليزيلوا عنهم أدرانهم كذا قاله نفطويه قيل قضاء التفث قص الشارب والأظافر ونتف الإبط والاستحداد
الحج (٣١ - ٣٠)
﴿ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام﴾ معية الطرب وجذبته جواذب الطلب جعل يقطع مناكب الأرض مراحل ويتخذ مسالك المهالك منازل فإذا عاين البيت لم يزده التسلي به إلا اشتياقاً ولم يفده التشفي باستلام الحجر إلا احتراقاً فيرده الأسف لهفان ويردده اللهف حوله فى الدوران وطواف الزيارة آخره فرائض الحج الثلاث وأولها الإحرام وهو عقد الالتزام يشبه الاعتصام بعروة الإسلام حتى لا يرتفض بارتكاب ما هو محظور فيه ويبقى عقده مع ما يفسده وينافيه كما أن عقد الإسلام لا ينحل بازدحام الآثار وترتفع ألف حوبة بتوبة وثانيا الوقوف بعرفات بسمة الابتهال وصدق الاعتزال عن دفع الاتكال على مراتب الأعمال وشواهد الأحوال
﴿ذلك﴾ خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك أو تقديره
﴿حُنَفَاء للَّهِ﴾ مسلمين ﴿غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ حال كحنفاء ﴿وَمَن يُشْرِكْ بالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ﴾ سقط ﴿مّنَ السماء﴾ إلى الأرض ﴿فَتَخْطَفُهُ الطير﴾ أي تسلبه بسرعة فتخطّفه أي تتخطفه مدني ﴿أَوْ تَهْوِي بِهِ الريح﴾ أي تسقطه
الحج (٣٥ - ٣٢)
يكون هذا تشبيهاً مركباً ويجوز أن يكون مفرقاً فإن كان تشبيهاً مركباً فكأنه قال من أشرك بالله فقد أهلك نفسه أهلا كاليس بعده بأن صور حاله بصورة حال من خر من السماء فاختطفته الطير فتفرق قطعاً في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في بعض المهالك البعيدة وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوه بالسماء والذي أشرك بالله بالساقط من السماء والاهواء المردية بالطير المختلفة والشيطان الذي هو يوقعه في الضلال بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوى المتلفة
﴿ذلك﴾ أي الأمر ذلك ﴿وَمَن يُعَظّمْ شعائر الله﴾ تعظيم الشعائر وهي الهدايا لأنها من معالم الحج أن يختارها عظام الأجرام حساناً سمانا غالية الأثمان ﴿فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب﴾ أي فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى
﴿لَكُمْ فِيهَا منافع﴾ من الركوب عند الحاجة وشرب ألبانها عند الضرورة ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ إلى أن تنحر ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا﴾ أي وقت وجوب نحرها منتهية ﴿إلى البيت العتيق﴾ والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت إذا لحرم حريم البيت ومثله في الاتساع قولك بلغت البلد العتيق يأباه
﴿وَلِكُلّ أُمَّةٍ﴾ جماعة مؤمنة قبلكم ﴿جَعَلْنَا مَنسَكًا﴾ حيث كان بكسر السين بمعنى الموضع علي وحمزة أي موضع قربان وغيرهما بالفتح على المصدر أي إراقة الدماء وذبح القرابين ﴿لّيَذْكُرُواْ اسم الله﴾ دون غيره ﴿مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام﴾ أي عند نحرها وذبحها
﴿الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ خافت منه هيبة ﴿والصابرين على مَا أَصَابَهُمْ﴾ من المحن والمصائب ﴿والمقيمي الصلاة﴾ في أوقاتها ﴿وَمِمَّا رزقناهم يُنفِقُونَ﴾ يتصدقون
﴿والبدن﴾ جمع بدنة سميت لعظم بدنها وفي الشريعة يتناول الابل والبقر وقرئ برفعها وهو كقوله والقمر قدرناه
الحج (٣٩ - ٣٦)
﴿جعلناها لَكُمْ مّن شعائر الله﴾ أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله وإضافتها إلى اسمه تعظيم لها ومن شعائر الله ثاني مفعولي جعلنا ﴿لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ﴾ النفع في الدنيا والأجر في العقبى ﴿فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا﴾ عند نحرها ﴿صَوَافَّ﴾ حال من الهاء أي قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ وجوب الجنوب وقوعها على الأرض من وجب الحائط وجبة إذا سقط أي إذا سقطت جنوبها على الأرض بعد نحرها وسكنت حركتها ﴿فَكُلُواْ مِنْهَا﴾ إن شئتم ﴿وَأَطْعِمُواْ القانع﴾ السائل من قنعت إليه إذا خضعت له وسألته
﴿لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا ولكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ﴾ أي لن يتقبل الله اللحوم والدماء ولكن يتقبل التقوى أو لن يصيب رضا الله اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المراقة بالنحر والمراد أصحاب اللحوم والدماء والمعنى لن يرضى المضحكون والمقربون ربهم إلا بمراعاة النية والإخلاص ورعاية شروط التقوى وقيل كان أهل الجاهلية إذا نحروا الإبل نضحوا الدماء حول البيت ولطخوه بالدم فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت ﴿كذلك سَخَّرَهَا لَكُمْ﴾ أي البدن ﴿لِتُكَبّرُواْ الله﴾ لتسموا الله عند الذبح أو لتعظموا الله ﴿على مَا هَدَاكُمْ﴾ على ما أرشدكم إلى ﴿وبشر المحسنين﴾ الممثلين أوامره بالثواب
﴿إن الله يدافع﴾ مكي وبصري وغيرهما يدافع أي يبالغ في الدفع عنهم ﴿عن الذين آمنوا﴾ أى يدفع غائلة المشرين عن المؤمنين ونحوه إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمنوا ثم علل ذلك بقوله ﴿إِنَّ الله لاَ يحب كل خوان﴾ فى أمانة الله ﴿كفورا﴾ لنعمة الله أى
﴿أُذِنَ﴾ مدني وبصري وعاصم ﴿لِلَّذِينَ يقاتلون﴾ بفتح التاء مدني وشامي وحفص والمعنى أذن لهم في القتال فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه ﴿بأنهم ظلموا﴾ بسبب كونهم
الحج (٤٢ - ٣٩)
مظلومين وهم أصحاب رسول الله ﷺ كان مشركوا مكة يؤذونهم أذىً شديداً وكانوا يأتون رسول الله ﷺ من بين مضروب إليه فيقول لهم اصبروا فإني لم أومر بالقتال حتى هاجر فأنزلت هذه الآية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية ﴿وَإِنَّ الله على نَصْرِهِمْ﴾ على نصر المؤمنين ﴿لَقَدِيرٌ﴾ قادر وهو بشارة المؤمنين بالنصرة وهو مثل قوله إن الله يدافع عن الذين آمنوا
﴿الذين﴾ في محل جر بدل من الذين أو نصب بأعنى أو رفع بإضمارهم ﴿أُخْرِجُواْ مِن ديارهم﴾ بمكة ﴿بِغَيْرِ حَقّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله﴾ أي بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب التمكن لا موجب الإخراج ومثله هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إلا أن آمنا بالله ومحل أن يقولوا جر بدلا من حق والمنعى ما أخرجوا من ديارهم إلا بسبب قولهم ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ الله﴾ دفاع مدني ويعقوب ﴿الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدّمَتْ﴾ وبالتخفيف حجازي ﴿صوامع وَبِيَعٌ وصلوات ومساجد﴾ أي لولا إظهاره وتسليطه المسلمين على الكافرين بالمجاهدة لا ستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم وعلى متعبداتهم فهدموها ولم يتركوا للنصارى بيعاً
﴿الذين﴾ محله نصب بدل من من ينصره أو جر تابع للذين أخرجوا ﴿إِنْ مكناهم فِى الأرض أَقَامُواْ الصلاة وآتوا الزكاة وَأَمَرُواْ بالمعروف وَنَهَوْاْ عَنِ المنكر﴾ هو إخبار من الله عما ستكون عليه سيرة المهاجرين إن مكنهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا وكيف يقومون بأمر الدين وفيه دليل صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله عز وجل أعطاهم التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة وعن الحسن هم أمة محمد ﷺ ﴿وَلِلَّهِ عاقبة الأمور﴾ أي مرجعها إلى حكمه وتقديره وفيه تأكيد لما وعده من إظهار أوليائه وإعلاء كلمته
﴿وإن يكذبوك﴾ هذه تسلية لمحمد ﷺ من تكذيب أهل مكة إياه أي لست باوحدى فى
الحج (٤٦ - ٤٢)
التكذيب ﴿فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ قبل قومك ﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ نوحاً ﴿وَعَادٌ﴾ هوداً ﴿وَثَمُودُ﴾ صالحاً
﴿وَقَوْمِ إبراهيم﴾ إبراهيم ﴿وَقَوْمُ لُوطٍ﴾ لوطاً
﴿وأصحاب مَدْيَنَ﴾ شعيباً ﴿وَكُذّبَ موسى﴾ كذبه فرعون والقبط ولم
﴿فَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أهلكناها﴾ أهلكتها بصري ﴿وَهِىَ ظالمة﴾ حال أي وأهلها مشركون ﴿فَهِىَ خَاوِيَةٌ﴾ ساقطة من خوى النجم إذا سقط ﴿على عروشها﴾ يتعلق بخاوية والمعنى أنها ساقطة على سقوفها أي خرت سقوفها على الأرض ثم تهدمت حيطانها فسقطت فوق السقوف ولا محل لفهى خاوية من الإعراب لأنها معطوفة على أهلكناها وهذا الفعل ليس له محل وهذا إذا جعلنا كأين منصوب المحل على تقدير كثيراً من القرى أهلكناها ﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ﴾ أي متروكة لفقد دلوها ورشائها وفقد تفقدها أو هي عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء إلا أنها عطلت أي تركت لا يستقي منها لهلاك أهلها ﴿وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ﴾ مجصص من الشيد الجص أو مرفوع البنيان من شاد البناء رفعه والمعنى كم قرية أهلكناها وكم بئر عطلناها عن سقاتها وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه أي أهلكنا البادية والحاضرة جميعاً فخلت القصور عن اربابها والآبار عن واردها والاظهران البئر والقصر على العموم
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض﴾ هذا حث على السفر ليروا مصارع من أهلكم الله بكفرهم ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يعقلون بها أو آذان يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ أي يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد ونحوه ويسمعون
الحج (٥٢ - ٤٧)
ولئلا يقال إن القلب يعني به غير هذا العضو كما يقال القلب لب كل شئ
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب﴾ الآجل استهزاء ﴿وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ﴾ كأنه قال ولم يستعجلونك به كأنهم يجوزون الفوت وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف ولن يخلف الله وعده وما وعده ليصيبنهم ولو بعد حين ﴿وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ﴾ يعدون مكي وكوفي غير عاصم أي كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيام عذابه في طول ألف سنة من سنيكم لأن أيام الشدائد طوال
﴿وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِىَ ظالمة﴾ أي وكم من أهل قرية كانوا مثلكم ظالمين قد أنظرتهم حيناً ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهَا﴾ بالعذاب ﴿وَإِلَيَّ المصير﴾ أي المرجع إلي فلا يفوتني شئ وإنما كانت الأولى أي فكأين معطوفة بالفاء وهذه أى وكأين بالواو ولأن الأولى وقعت بدلاعن فكيف كان نكيرو أما هذه فحكمها حكم ما تقدمها من الجملتين المعطوفتين بالواو وهما وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ
﴿قُلْ يا أَيُّهَا الناس إِنَّمَا أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ وإنما لم يقل بشير ونذير لذكر
﴿فالذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ اى حسن ثم أنذار فقال
﴿والذين سَعَوْاْ﴾ سعى في أمر فلان إذا أفسده بسعيه ﴿في آياتنا﴾ أي القرآن ﴿معاجزين﴾ حال معجزين حيث كان مكى وأبو عمر ووعاجزه سابقه كأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه والمعنى سعوا في معناها بالفساد من الطعن فيها حيث سموها سحراً وشعراً وأساطير مسابقين في زعمهم وتقديرهم طامعين أن كيدهم للاسلام يتم لهم ﴿أولئك أصحاب الجحيم﴾ أي النار الموقدة
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ﴾ من لابتداء الغاية ﴿مِن رَّسُولٍ﴾ من زائدة لتأكيد النفي ﴿وَلاَ نَبِيّ﴾ هذا دليل بين على ثبوت التغاير بين الرسول والنبي بخلاف ما يقول البعض انهما واحد وسئل النبى ﷺ عن الأنبياء فقال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً فقيل فكم الرسل منهم فقال ثلثمائة وثلاثة عشر والفرق بينهما أن الرسول من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي من لم ينزل عليه كتاب وإنما أمر أن يدعو إلى شريعة من قبله وقيل الرسول واضع شرع والنبي حافظ شرع غيره ﴿إلا إذا تمنى﴾ قرأ قال
الحج (٥٤ - ٥٢)
... تمنى كتاب الله أول ليلة تمنى داود الزبور على رسل...
﴿أَلْقَى الشيطان فِى أُمْنِيَّتِهِ﴾ تلاوته قالوا انه عليه السلام كان
ثم ذكر أن ذلك ليفتن الله تعالى به قوماً بقوله
﴿وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم﴾ بالله وبدينه وبالآيات ﴿أَنَّهُ﴾ أي القرآن ﴿الحق مِن رَّبّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ﴾ بالقرآن ﴿فَتُخْبِتَ﴾ فتطمئن ﴿لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ﴾
فيتأولون ما يتشابه في الدين بالتأويلات الصحيحة ويطلبون لما أشكل منه المحمل الذي تقتضيه الأصول المحكمة حتى لا تلحقهم حيرة ولا تعتريهم شبهة
﴿وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِى مِرْيَةٍ﴾ شك ﴿مِنْهُ﴾ من القرآن أو من الصراط المستقيم ﴿حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ يعني يوم بدر فهو عقيم عن أن يكون للكافرين فيه فرج أو راحة كالريح العقيم لا تأتي بخير أو شديد لا رحمة فيه أو لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه وعن الضحاك أنه يوم القيامة وأن المراد بالساعة مقدماته
﴿الملك يَوْمَئِذٍ﴾ أي يوم القيامة والتنوين عوض عن الجملة أي يوم يؤمنون أو يوم تزول مريتهم ﴿لِلَّهِ﴾ فلا منازع له فيه ﴿يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ أي يقضي ثم بين حكمه فيهم بقوله {فالذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات فِى جنات النعيم
ثم خص قوماً من الفريق الأول بفضيلة فقال ﴿والذين هَاجَرُواْ فِى سَبِيلِ الله﴾ خرجوا من أوطانهم مجاهدين ﴿ثم قتلوا﴾ في الجهاد قُتِلُواْ شامي ﴿أَوْ مَاتُواْ﴾ حتف أنفهم ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله رِزْقاً حَسَناً﴾ قيل الرزق الحسن الذي لا ينقطع أبداً ﴿وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين﴾ لأنه المخترع للخلق بلا مثال المتكفل للرزق بلا مال
﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً﴾ بفتح الميم مدني والمراد الجنة ﴿يَرْضَوْنَهُ﴾ لأن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ﴿وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ﴾ بأحوال من قضى نحبه مجاهداً وآمال من مات وهو ينتظر معاهداً ﴿حَلِيمٌ﴾ بإمهال من قاتلهم معانداً رُوي أن طوائف من أصحاب النبى ﷺ قالوا يا نبى الله هؤلاء لاذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك فأنزل الله هاتين الآيتين
﴿ذلك﴾ أي الأمر ذلك وما بعده مستأنف ﴿وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ﴾ سمي الابتداء بالجزاء عقوبة لملابسته له من حيث إنه سبب وذلك مسبب عنه ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ الله﴾ أي من جازى بمثل ما فعل به من الظلم ثم ظلم بعد ذلك فحق على الله
الحج (٦٤ - ٦٠)
أن ينصره ﴿إِنَّ الله لَعَفُوٌّ﴾ يمحو آثار الذنوب ﴿غفور﴾ يستر أنواع العيوب وتقريب الوصفين بسياق الآية أن المعاقب مبعوث من عند الله على العفو وترك العقوبة بقوله فمن عفا وأصلح فاجره على الله وان تعفوا أقرب للتقوى فحيث لم يؤثر ذلك وانتصر فهو تارك للأفضل وهو ضامن لنصره في
﴿ذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ أي ذلك النصر للمظلوم بسبب أنه قادر على ما يشاء ومن آيات قدرته أنه يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل أي يزيد من هذا في ذلك ومن ذلك في هذا أو بسبب أنه خالق الليل والنهار ومصرفهما فلا يخفى عليه ما يجري فيهما على أيدي عباده من الخير والشر والبغي والإنصاف وأنه سميع لما يقولون ولا يشغله سمع عن سمع وإن اختلفت في النهار الأصوات بفنون اللغات بصير مما يفعلون ولا يستتر عنه شيء بشيء في الليالي وإن توالت وإن توالت الظلمات
﴿ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّ مَا يدعون﴾ عرقى غير أبي بكر ﴿مِن دُونِهِ هُوَ الباطل وَأَنَّ الله هُوَ العلى الكبير﴾ أي ذلك الوصف بخلقه الليل والنهار وإحاطته بما يجري فيهما وإدراكه قولهم وفعلهم بسبب أن الله الحق الثابت إلهيته وأن كل ما يدعى إلهاً دونه باطل الدعوة وأنه لا شئ أعلى منه شأناً وأكبر سلطاناً
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء ماء﴾ مطرا ﴿فتصبح الأرض مخضرة﴾ بالنبات بعد ما كانت مسودة يابسة وإنما صرف إلى لفظ المضارع ولم يقل فأصبحت ليفيد بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول أنعم عليّ فلان فاروح وأغدو شاكرا له ولو نصب لبطل الغرض وهذا لأن معناه إثبات الاخضرار
﴿لَهُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض﴾ مُلكاً وملكاً ﴿وَإِنَّ الله لَهُوَ الغني﴾ المستغني بكمال
الحج (٦٩ - ٦٥)
﴿الحميد ألم تر أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأرض﴾ قدرته بعد فناء ما فى السموات وما فى الأ رض ﴿الحميد﴾ المحمود بنعمته قبل ثناء من في السموات ومن فى الأرض
﴿ألم تر أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأرض﴾ من البهائم مذللة للركوب في البر ﴿والفلك تَجْرِى فِى البحر بِأَمْرِهِ﴾ أي ومن المراكب جارية في البحر ونصب الفلك عطفاً على ما وتجرى حالها أي وسخر لكم الفلك في حال جريها ﴿وَيُمْسِكُ السماء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض﴾ أي يحفظها من أن تقع ﴿إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ بأمره أو بمشيئته ﴿إِنَّ الله بالناس لَرَؤُوفٌ﴾ بتسخير ما في الأرض ﴿رَّحِيمٌ﴾ بإمساك السماء لئلا تقع على الأرض عدد آلاءه مقرونة بأسمائه ليشكروه على آلائه ويذكروه بأسمائه وعن أبى حنيفة رحمه الله أن اسم الله الأعظم في الآيات الثمانية يستجاب لقرائها ألبتة
﴿وَهُوَ الذى أَحْيَاكُمْ﴾ في أرحام أمهاتكم ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ عند انقضاء آجالكم ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ لإيصال جزائكم ﴿إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ﴾ لجحود لما أفاض عليه من ضروب النعم ودفع عنه من صنوف النقم أو
﴿لكل أمة﴾ أهل دين ﴿جعلنا منسكا﴾ من بيانه وهو رد لقول من يقول إن الذبح ليس بشريعة الله إذ هو شريعة كل أمة ﴿هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ عاملون به ﴿فَلاَ ينازعنك﴾ فلا يجادلنك والمعنى فلا تلتفت إلى قولهم ولا تمكنهم من أن ينازعوك ﴿فِى الأمر﴾ أمر الذبائح أو الدين نزلت حين قال المشركون للمسلمين ما لكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله يعني الميتة ﴿وادع﴾ الناس ﴿إلى رَبّكَ﴾ إلى عبادة ربك ﴿إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ﴾ طريق قويم ولم يذكرا لوا وفى لِكُلّ أُمَّةٍ بخلاف ما تقدم لأن تلك وقعت مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفا
﴿وَإِن جادلوك﴾ مراء وتعنتاً كما يفعله السفهاء بعد اجتهادك أن لا يكون بينكم وبينهم تنازع وجدال ﴿فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي فلا تجادلهم وادفعهم بهذا القول والمعنى أن الله أعلم بأعمالكم وما تستحقون عليها من الجزاء فهو مجازيكم به وهذا وعيد وإنذار ولكن برفق ولين وتأديب يجاب به كل متعنت
﴿الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ هذا خطاب من الله للمؤمنين والكافرين أي يفصل بينكم بالثواب والعقاب ومسلاة لرسول
الحج (٧٣ - ٧٠)
الله ﷺ مما كان يلقى منهم
﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِى السماء والأرض﴾ أي كيف يخفى عليه ما تعملون ومعلوم عند العلماء بالله أنه يعلم كل ما يحدث فى السموات والأرض ﴿إِنَّ ذلك﴾ الموجود فيهما ﴿فِى كتاب﴾ في اللوح المحفوظ {إِنَّ ذلك
ثم أشار إلى جهالة الكفار لعبادتهم غير المستحق لها بقوله ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ﴾ ينْزل مكي وبصري ﴿سلطانا﴾ حجة وبرهاناً ﴿وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ أي لم يتمسكوا في عبادتهم لها ببرهان سماوي من جهة الوحي ولا حملهم عليها دليل عقلى ﴿وما للظالمين من أنصار﴾ وما الذين ارتكبوا مثل هذا الظلم من أحد ينصرهم ويصوب مذهبهم
﴿وإذا تتلى عليهم آياتنا بَيّنَاتٍ﴾ يعني القرآن ﴿تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ الذين كَفَرُواْ المنكر﴾ الإنكار بالعبوس والكراهة والمنكر مصدر ﴿يكادون يَسْطُونَ﴾ يبطشون والسطو الوثب والبطش ﴿بالذين يتلون عليهم آياتنا﴾ هم النبى ﷺ وأصحابه ﴿قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذلكم﴾ من غيظكم على التالين وسطوكم عليهم أو مما أصابكم من الكراهة والضجر بسبب ما تلي عليكم ﴿النار﴾ خبر مبتدأ محذوف كأن قائلاً قال ما هو فقيل النار أي هو النار ﴿وَعَدَهَا الله الذين كَفَرُواْ﴾ استئناف كلام ﴿وَبِئْسَ المصير﴾ النار
ولما كانت دعواهم بأن الله تعالى شريكاً جارية في الغرابة والشهرة مجرى الامثال المسيرى قال الله تعالى ﴿يا أيها الناس ضُرِبَ﴾ بين ﴿مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ﴾ لضرب هذا المثل ﴿أَنَّ الذين تَدْعُونَ﴾ يَدَّعُونَ سهل ويعقوب ﴿مِن دُونِ الله﴾ آلهة باطلة ﴿لَن يخلقوا ذبابا﴾ لن لتأكيد نفي المستقبل وتأكيده هنا للدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل كأنه قال محال أن يخلقوا وتخصيص الذباب لمهانته وذعفه واستقداره وسمي ذباباً لأنه كلما ذب
الحج (٧٧ - ٧٣)
ولو اجتمعوا لذلك ﴿وإن يسلبهم الذباب شَيْئاً﴾ ثاني مفعولي يَسْلُبْهُمُ ﴿لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ﴾ أي هذا الخلق الأقل الأذل لو اختطف منهم شيئاً فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه لم يقدروا عن ابن عباس رضى الله عنهما انهم كانوا يطلونها بالزعفران ورءوسها بالعسل فإذا سلبه الذباب عجز الأصنام عن أخذه ﴿ضَعُفَ الطالب﴾ أي الصنم بطلب ما سلب منه ﴿والمطلوب﴾ الذباب بما سلب وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف ولو حققت وجدت الطالب أضعف وأضعف فإن الذباب حيوان وهو جماد وهو غالب وذاك مغلوب
﴿ما قدروا الله حق﴾ ما عرفوه حق معرفته حيث جعلوا هذا الصنم الضعيف شريكاً له ﴿إِنَّ الله لْقَوِيٌ عَزِيزٌ﴾ أي إن الله قادر وغالب فكيف يتخذ العاجز المغلوب شبيهاً به أو لقوي بنصر أوليائه عزيز ينتقم من أعدائه
﴿الله يَصْطَفِى﴾ يختار ﴿مِنَ الملائكة رُسُلاً﴾ كجبريل وميكائيل وإسرافيل وغيرهم ﴿وَمِنَ الناس﴾ رسلاً كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وغيرهم عليهم السلام هذا رد لما أنكروه من أن يكون الرسول من البشر وبيان أن رسل الله على ضربين ملك وبشر وقيل نزلت حين قالوا أنزل عليه الذكر من بيننا ﴿إِنَّ الله سَمِيعٌ﴾ لقولهم ﴿بَصِيرٌ﴾ بمن يختاره لرسالته أو سميع لأقوال الرسل فيما تقبله العقول
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ ما مضى ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ ما لم يأت أو ما عملوه وما سيعملوه أو أمر الدنيا وأمر الآخرة ﴿وإلى الله ترجع الأمور﴾ أى إليه ترجع الأمور كلها والذي هو بهذه الصفات لا يسأل عما يفعل وليس لأحد أن يعترض عليه فى حكمه وتدابيره واختياره رسله ترجع شامى وحمزة وعلى
﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا﴾ في صلاتكم وكان أول ما أسلموا يصلون بلا ركوع وسجود فأمروا أن تكون صلاتهم بركوع وسجود وفيه دليل على أن الأعمال ليست من الإيمان وأن هذه السجدة للصلاة لا للتلاوة ﴿وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ﴾ واقصدوا بركوعكم وسجودكم وجه الله لا الصنم ﴿وافعلوا الخير﴾ قيل لما كان للذكر مزية على غيره من الطاعات دعا المؤمنين أولاً إلى الصلاة التي هي ذكر خالص لقوله تعالى وأقم الصلاة لذكرى ثم إلى العبادة بغير الصلاة كالصوم والحج وغيرهما ثم عم الحث على سائر الخيرات وقيل أريد به صلة الأرحام ومكارم الأخلاق ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي كي تفوزوا وافعلوا هذا كله وأنتم راجون للفلاح غير مستيقنين ولا تتكلوا على أعمالكم
﴿وجاهدوا﴾ أمر الغزو أو مجاهدة النفس والهوى وهو الجهاد الأكبر أو هو كلمة حق عند أمير جائر ﴿في الله﴾ أى فى
الحج (٧٨)
ذات الله ومن أجله ﴿حَقَّ جهاده﴾ وهو أن لا يخاف في الله لومة لائم يقال هو حق عالم وجد عالم أى حقاً وجداً ومنه حق جهاده وكان القياس حق الجهاد فيه أو حق جهادكم فيه لكن الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصاً بالله من حيث إنه مفعول لوجهه ومن أجله صحت إضافته إليه ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المؤمنون مكية وهي مائة وثمان عشرة آيةبسم الله الرحمن الرحيم