تفسير سورة المجادلة

جهود ابن عبد البر في التفسير
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير .
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٤٨١- عن ابن عباس : من شاء باهلته، إن الظهار١ ليس من الأمة، إنما قال الله :﴿ من نسائهم ﴾. وقيل لمجاهد في هذه المسألة : أليس الله- عز وجل- يقول :﴿ والذين يظهرون من نسائهم ﴾، فليس الأمة من النساء، فقال مجاهد : قد قال الله تعالى :﴿ واستشهدوا شهيدين من رجالكم ﴾٢، فليس العبد من الرجال، أفتجوز شهادته ؟ يقول : كما أن العبد من الرجال غير المراد بالشهادة، فكذلك الأمة من النساء غير المرادة بالظهار، وهذا عين القياس. ( جامع بيان العلم وفضله : ٢/١٣١ ).
٤٨٢- اختلفوا في مباشرة المظاهر لامرأته التي ظاهر منها ما دون الجماع، فقال الثوري : لا بأس أن يقبل ويباشر، ويأتيها في غير الفرج ؛ لأنه إنما عني بالمسيس هاهنا : الجماع. وهو قول الحسن، وعطاء، وعمرو بن دينار، وقتادة، كلهم يقولون في قوله تعالى :﴿ من قبل أن يتماسا ﴾، قالوا : الجماع وهو قول أصحاب الشافعي. ( س : ١٧/١٢٣ )
٤٨٣- قال مالك في قول الله تبارك وتعالى :﴿ والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ﴾، قال : سمعت أن تفسير ذلك أن يتظاهر الرجل من امرأته، ثم يجمع على إمساكها وإصابتها، فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة، وإن طلقها ولم يجمع – بعد تظاهره منها- على إمساكها وإصابتها، فلا كفارة عليه. قال مالك : فإن تزوجها بعد ذلك، لم يمسها حتى يكفر كفارة المتظاهر٣.
قال أبو عمر : اختلف العلماء في معنى قول الله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾ فقالوا في معنى العودة أقوالا منها : قول مالك إنه الإجماع على الإمساك والإصابة، هذا قوله في " موطئه " وغيره. وقال ابن القاسم في " المدونة " إنما تجب عليه الكفارة الظهار بالوطء، فإذا وطء، فقد وجبت عليه الكفارة، وما لم يطأ فهي واجبة إن طلقها، أو مات، أو ماتت. وقال يزيد بن هارون : سمعت سفيان الثوري يقول في قول الله عز وجل :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾، قال : الجماع، وقال معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾، يحرمها، ثم يعود لوطئها. ( س : ١٧/١٢٨ )
٤٨٤- روي عن الفراء أنه قال : اللام في قوله تعالى :﴿ ثم يعودون لما قالوا ﴾، يعني " عن " والمعنى ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء. وقال الزجاج : المعنى ثم يعاودون الجماع من أجل ما قالوا، يعني إلى إرادة الجماع. ( ت : ٧/١٣٨-١٣٩ )
١ يقال: ظاهر الرجل من امرأته ظهارا، وتظهر، وتظاهر إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي، وكان في الجاهلية طلاقا. النهاية: ٣/١٦٥..
٢ سورة البقرة: ٢٨١..
٣ الموطأ، كتاب الطلاق، باب ظهار الحر: ٣٥٦..
٤٨٥- أما احتجاجهم١ بقوله –عز وجل- :﴿ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ﴾، فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية، لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية : هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله ؛ ذكر سنيد عن مقاتل بن حبان، عن الضحاك بن مزاحم في قوله :﴿ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ﴾-الآية، قال : هو على عرشه، وعلمه معهم أين ما كانوا، قال : وبلغني عن سفيان الثوري مثله. ( ت : ٧/١٣٨-١٣٩ ).
١ ورد هذا في معرض رد ابن عبد البر لقول المعتزلة بأن الله عز وجل- في كل مكان وليس على العرش. قال أبو عمر: فإن احتجوا بقول الله عز وجل: ﴿وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله﴾-الزخرف: ٨٤. وبقوله: ﴿وهو الله في السماوات وفي الأرض﴾-الأنعام: ٤. وبقوله: ﴿ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم﴾. وزعموا أن الله تبارك وتعالى في كل مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى. قيل لهم: لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته. فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجتمع عليه. وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء. وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذلك قال أهل العلم بالتفسير. فظاهر التنزيل يشهد أنه على العرش، والاختلاف في ذلك بيننا فقط، وأسعد الناس به من ساعده الظاهر. وأما قوله في الآية الأخرى: ﴿وفي الأرض إله﴾، فالإجماع والاتفاق قد بين المراد بأنه معبود من أهل الأرض فتدبر هذا، فإنه قاطع-إن شاء الله. التمهيد: ٧/١٣٣-١٣٤..
Icon