تفسير سورة الطلاق

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الطلاق من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الطلاق مدنية وهي اثنتا عشرة آية

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١)
﴿يا أيها النبي إذا طلقتم النساء﴾ خص النبي ﷺ بالنداء وعم بالخطاب لأن النبي إمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم يا فلان افعلوا كذا ظهار لتقدمه واعتبارا لترؤسه وانه قدوة قومنه فكان هو وحده في حكم كلهم وسادّاً مسد جميعهم وقيل التقدير يا أيها النبي والمؤمنون ومعنى إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء إذا أردتم تطليقهن وهممتم به على تنزيل المقبل على الاسر المشراف له منزلة الشارع فيه كقوله عليه السلام من قتل قتيلاً فله سلبه ومنه كان الماشي إلى الصلاة والمنتظر لها في حكم المصلي ﴿فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ فطلقوهن مستقبلات لعدتهن وفي قراءة رسول الله ﷺ في قبل عدتهن واذا طلقت المرأة فيالطهر المتقدم للقرء الأول من أقرائها فقد طلقت مستقبلة لعدتها والمراد أن تطلق المدخول بهن من المعتدات بالحيض في طهر لم يجامعن فيه ثم يخلين حتى تنقضي عدتهه وهذا أحسن الطلاق ﴿وَأَحْصُواْ العدة﴾ واضبطوها بالحفظ وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل لانقصان فيهن وخوطب
496
الأزواج لغفلة النساء ﴿واتقوا الله رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ﴾ حتى تنقضي عدتهن ﴿مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ من مساكنهن التي يسكنها قبل العدة وهي بيوت الازواج واضيف اليهن لاختصاصها بهن من حيث المسكن وفيه دليل على أن السكنى واجبة وأن الحنث بدخول دار يسكنها فلان بغير سلك ثابت فيما إذا حلف لا يدخل داره ومعنى الإخراج أن لا يخرجهن البعولة غضباً عليهم وكراهة لمسا كنتهن أو لحاجة الا المساكن وان لا يأذنوا الهن في الخروج إذا طلبن ذلك إيذاناً بأن إذنهم لا أثر له في رفع الحظر ﴿وَلاَ يَخْرُجْنَ﴾ بأنفسهن إن أردن ذلك ﴿إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ﴾ قيل هي الزنا أي إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن وقيل خروجاه قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ الله﴾ أي الأحكام المذكورة ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى﴾ أيها المخاطب ﴿لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمرا﴾ بأن يقلب قلبه من بغضه إلى محبتها ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها ومن عزيمة الطلاق إلى الندم إليه فيراجعها والمعنى فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة ولا تخرجوهن من بيوتهن لعلك تندمون فتراجعون
497
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢)
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ قاربن آخر العدة ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾
أي فأنتم بالخيار ان شئنم فالرجعة والإمساك بالمعروف والإحسان وإن شئتم فترك الرجعة والمفارقة واتقاء الضرار وهوان يراجعها في آخر عدتها ثم يطلقها تطويلاً للعد علهيا وتعذيباً لها ﴿وَأَشْهِدُواْ﴾ يعني عند الرجعة والفرقة جميعاً وهذا الإشهاد مندوب إليه لئلا يقع بينهما التجاحد ﴿ذَوَى عَدْلٍ مّنكُمْ﴾ من المسلمين ﴿وَأَقِيمُواْ الشهادة لِلَّهِ﴾ لوجهه خالصاً وذلك أن يقيموها لا للمشهود له ولا للمشهود عليه ولا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق ودفع الضرر ﴿ذلكم﴾ الحث على إقامة
497
الشهادة لوجه الله ولأجل القيام بالقسط ﴿يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر﴾ أي إنما ينتفع به هؤلاء ﴿وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً﴾ هذه جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة والمعنى ومن يتق الله فطلق للسنة ولم يضار المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتط فأشده يَجْعَلِ الله لَهُ مَخْرَجاً مما في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق ويفرج عنه ويعطه الخلاص
498
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (٣)
﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله ذلك يُوعَظُ بِهِ أي ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ومخلصاً من غموم الدنيا والآخرة وعن النبي ﷺ أنه قرأها فقال مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات المت ومن شدائد يوم القيامة وقال ﷺ إني لأعلم آية لو اخذ الناس بهم لكفتهم ومن يتق الله فما زال يقرؤها ويعيدها وروى أن عرف بن مالك أسر المشركون ابناً له فأتى رسول الله ﷺ فقال أسر ابني وشكا إليه الفاقة فقال ما أمسى عند آل محمد الامد فاتق الله واصبرو وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فعاد إلى بيته وقال لامرأته ان رسول الله أمرنيوايكاان نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فقالت نعم ما أمرنا به فجعلا يقولان ذلك فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل تغفل عنها العدو فاستاقها فنزلت هذه الآية ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ على الله﴾ يكل أمره إليه عن طمع غيره وتدبير نفسه ﴿فهو حسبه﴾ كافيه من الدارين ﴿إِنَّ الله بالغ أَمْرِهِ﴾ حفص أي منفذ أمره غيره بالغٌ أمرَه أي يبلغ ما يريد لا يفوته مراد
498
ولا يعجزه مطلوب ﴿قَدْ جَعَلَ الله لِكُلّ شَىْء قَدْراً﴾ تقديراً وتوقيتاً وهذا بيان لوجوب التوكل على الله وتفويض الأمر إليه لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون الا بتقديره وتوقيته ولم يتق إلا التسليم للقدر والتوكل
499
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (٤)
﴿واللائى يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نّسَائِكُمْ﴾ رُوي أن ناساً قالوا قد عرفنا عدة ذوات الإقراء فما عدة اللائي لم يحضن فنزلت ﴿إِنِ ارتبتم﴾ أي أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن ﴿فَعِدَّتُهُنَّ ثلاثة أَشْهُرٍ﴾ أي فهذا حكمهن وقيل إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس وقد قدروه بستين سنة وبخمس وخمسين أهو دم حيض أن استحاضة فعدتهن ثلاثة أشهر واذا
كانت هه عدة المرتاب بها فغير المرتاب بها أولى بذلك ﴿واللائي لَمْ يَحِضْنَ﴾ هن الصغائر وتقديره واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر فحذفت الجملة لدلالة المذكور عليها ﴿وأولات الأحمال أَجَلُهُنَّ﴾ عدتهن ﴿أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ والنص يتناول المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن وعن علي وابن عباس رضي الله عنهما عدة الحامل المتوفي عنها زوجها أبعد الأجلين ﴿وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً﴾ ييسر له من أمره ويحلل من عقده بسبب التقوى
ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (٥)
﴿ذَلِكَ أَمْرُ الله﴾ أي ما علم من حكم هؤلاء المعتدات ﴿أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ﴾ من اللوح المحفوظ ﴿ومن يتق الله﴾ في العمر بما أنزله من هذه الأحكام وحافظ على الحقوق الواجبة عليه ﴿يُكَفّرْ عَنْهُ سيئاته وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً﴾ ثم بين التقوى في قوله وَمَن يَتَّقِ الله كأنه قيل كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات فقيل
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (٦)
﴿أَسْكِنُوهُنَّ﴾ وكذا وكذا ﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم﴾
499
هي من التبعيضية مبعضها محذوف أي أسكنوهن مكاناً من حيث سكنتم أب بعض مكان سكناكم ﴿مّن وُجْدِكُمْ﴾ هو عطف بيان لقوه مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم وتفسير له كأنه قيل أسكنوهن مكاناً من مسكنكم مما تطيقونه والوجد الوسع والطاقة وقرئ بالحركات الثلاث والمشهور الضم النفقة والسكن واجبتان لكل مطلقة وعند مالك والشافعي لا نفقة للمبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أبت طلاقها فقال رسول الله ﷺ لا سكنى لك ولا نفقة وعن عمر رضي الله عنه لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لعلها نسيت أو شبه لها سمعت النبي ﷺ يقو للها السكنى والنفقة ﴿وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ﴾ ولا تستعملوا معهن الضرار ﴿لتضيقوا عليهن﴾ في المسكن بعض الأسباب من إنزال من لا يوافقهن أو يشغل مكانهن أو غير ذلك حتى تضطروهن إلى الخروج ﴿وَإِن كُنَّ﴾ أي المطلقات ﴿أولات حَمْلٍ﴾ ذوات أحمال ﴿فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حتى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ وفائدة اشتراط الحمل أن مدة الحمل ربما تطول فيظن ظان أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحامل فنفي ذلك الوهم ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ﴾ يعني هؤلاء المطلقات إن أرضعن لكم ولداً من ظئرهن أو منهن بعد
انقطاع عصمة الزوجية ﴿فآتوهن أُجُورَهُنَ﴾ فحكمهن في ذلك حكم الأظآر ولا يجوز الاستئجار إذا كان الولد منهن مالم يبن خلافا للشافعي رحمه الله وائتمروا بَيْنَكُمْ أي تشاوروا على التراضي في الأجرة أو ليأمر بعضكم بعضا او الخطاب للآباء والأمهات ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ بما يليق بالسنة ويحسن في المروءة فلا يماكس الأب ولا تعاسر الأم لأنه ولدهما وهما شريكان فيه وفي وجوب الإشفاق عليه ﴿وَإِن تَعَاسَرْتُمْ﴾ تضايقتم فلم ترض الأم بما ترضع به الأجنبية ولم يزد الأب على ذلك
500
﴿فَسَتُرْضِعُ لَهُ أخرى﴾ ولا تعود مرضعة غير الأم ترضعه وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاشرة وقوله لَهُ أي للأب أي سيجد الأب غير معاشرة ترضع له ولده إن عاسرته أمه
501
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧)
﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله﴾ أي لينفق كل واحد من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه يريد ما أمر به من الإنفاق على المطلقات والمرضعات ومعنى قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ضيق أي رزقه الله على قدر قوته ﴿لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إلا ما آتاها﴾ أعطاها من الرزق ﴿سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ بعد ضيق في المعيشة سعة وهذا وعد لذي العسر باليسر
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (٨)
﴿وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ﴾ من أهل قرية ﴿عَتَتْ﴾ أي عصت ﴿عَنْ أَمْرِ رَبّهَا وَرُسُلِهِ﴾ أعرضت عنه على وجه العتو والعناد ﴿فحاسبناها حِسَاباً شَدِيداً﴾ بالاستقصاء والمناقشة ﴿وعذبناها عَذَاباً نُّكْراً﴾ نُّكْراً مدني وأبو بكر منكراً عظيماً
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (٩)
﴿فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عاقبة أَمْرِهَا خُسْراً﴾ أي خساراً وهلاكاً والمراد حساب الآخرة وعذابها وما يذقون فيها من الوبال ويلقون من الخسر وجئ به على الفظ الماضي لأن المنتظر من وعد الله ووعيده ملقى في الحقيقة وما هو كائن فكأن قد
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (١٠)
﴿أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً﴾ تكرير للوعيد وبيان لكونه مترقباً كأنه قال أعد الله لهم هذا العذاب ﴿فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا﴾ فليكن لكم ذلك يا أولي الألباب من المؤمنين لطفاً في تقوى الله وحذر عقابه ويجوز أن يراد إحصاء السيئات واستقصاؤها عليهم في الدنيا وإثباتها في صحائف الحفظة وما أصيبوا به من العذاب في العاجل وأن يكون عَتَتْ وما عطف عليه صفة للقرية وأعد الله لهم جوابا لكأين {قَدْ أَنزَلَ الله
501
إِلَيْكُمْ ذِكْراً} أي القرآن وانتصب
502
رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (١١)
﴿رَسُولاً﴾ بفعل مضمر تقديره أرسل رسولاً أو بدل من ذِكْراً كأنه في نفسه ذكراً وعلى تقدير حذف المظاف أي قد أنزل الله إليكم ذا ذكر رسولاً أو أريد بالذكر الشرف كقوله وَإِنَّهُ لذكر لك ولقومك أي
فاشرف ومجد عند الله وبالرسول جبريل أو محمد عليهما السلام ﴿يتلو﴾ أي الرسول والله عز وجل ﴿عليكم آيات الله مبينات ليخرج﴾ الله ﴿الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي ليحصل لهم ما هم عليه الساعة من الإيمان والعمل الصالح أو ليخرج الذين علم أنهم يؤمنون ﴿مِّنَ الظلمات إِلَى النور﴾ من ظلمات الكفر أو الجهل إلى نور الإيمان أو العلم ﴿وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحا يُدْخِلْهُ﴾ وبالنون مدني وشامي ﴿جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أَبَدًا﴾ وحد وجمع حملاً على لفظ من ومعناه ﴿قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً﴾ فيه معنى التعجيب والتعظيم لما رزق المؤمنين من الثواب
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)
﴿الله الذى خَلَقَ﴾ مبتدأ وخبر ﴿سَبْعَ سماوات﴾ اجمع المفسرون على أن السموات سبع ﴿وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ﴾ بالنصب عطفاً على سَبْعَ سموات قيل ما في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع إلا هذه الآية وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وغلظ كل سماء كذلك والأرضون مثل السموات وقيل الأرض واحدة إلا أن الأقاليم سبعة ﴿يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ﴾ أي يجري أمر الله وحكمه بينهن وملكه ينفذ فيهن ﴿لّتَعْلَمُواْ أَنَّ الله على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ﴾ اللام يتعلق بخلق ﴿وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلّ شَىْء عِلْمَا﴾ هو تمييز أو مصدر من غير لفظ الأول أي قد علم كل شيء علماً وهو علام الغيوب
502
سورة التحريم مدنية وهي اثنتا عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

503
Icon