تفسير سورة الإنسان

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة الإنسان من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة الإنسان
مدنية عند الجمهور١
قال ابن عباس ومقاتل والكلبي ويحيى بن سلام : هي مكية. وقال آخرون فيها مكي من قوله تعالى :}إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا{ إلى آخرها وما تقدم مدني.
بسم الله الرحمان الرحيم
١ آياتها إحدى وثلاثون..

﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا﴾ قال ابن عباس ومقاتل والكلبي ويحيى بن سلام: هي مكية، وقال آخرون فيها مكي من قوله تعالى: ﴿إنا نحن نزّلنا عليك القرآنَ تنزيلاً﴾ إلى آخرها وما تقدم مدني. قوله تعالى: ﴿هلْ أتَى على الإنسان حينٌ من الدهْرِ لم يكُنْ شيئاً مذكوراً﴾ في قوله (هل) وجهان: أحدهما: أنها في هذا الموضع بمعنى قد، وتقدير الكلام: (قد أتى على الإنسان) الآية، على معنى الخبر، قاله الفراء وأبو عبيدة. الثاني: أنه بمعنى (أتى على الإنسان) الآية، على وجه الاستفهام، حكاه ابن عيسى. وفي هذا (الإنسان) قولان: أحدهما: أنه آدم، قاله قتادة والسدي وعكرمة، وقيل إنه خلقه بعد خلق السموات والأرض، وما بينهما في آخر اليوم السادس وهو آخر يوم الجمعة.
161
الثاني: أنه كل إنسان، قاله ابن عباس وابن جريج. وفي قوله تعالى: ﴿حينٌ من الدهر﴾ ثلاثة أقاويل: أحدهأ: أنه أربعون سنة مرت قبل أن ينفخ فيه الروح، وهو ملقى بين مكة والطائف، قاله ابن عباس في رواية أبي صالح عنه. الثاني: أنه خلق من طين فأقام أربعين سنة، ثم من حمأ مسنون أربعين سنة، ثم من صلصال أربعين سنة، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة، ثم نفخ فيه الروح، وهذا قول ابن عباس في رواية الضحاك. الثالث: أن الحين المذكور ها هنا وقت غير مقدر وزمان غير محدود، قاله ابن عباس أيضاً. وفي قوله ﴿لم يكن شيئاً مذكوراً﴾ وجهان: أحدهما: لم يكن شيئاً مذكوراً في الخلق، وإن كان عند الله شيئاً مذكوراً، قاله يحيى بن سلام. الثاني: أي كان جسداً مصوّراً تراباً وطيناً، لا يذكر ولا يعرف، ولا يدري ما اسمه، ولا ما يراد به، ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً، قاله الفراء، وقطرب وثعلب. وقال مقاتل: في الكلام تقديم وتأخير، وتقديره: هل أتى حين من الدهر لم يكن الإنسان شيئاً مذكوراً، لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله ولم يخلق بعده حيواناً. ﴿إنّا خلقْنا الإنسانَ من نُطْفَةٍ أمْشاجٍ﴾ يعني بالإنسان في هذا الموضع كل إنسان من بني آدم في قول جميع المفسرين. وفي النطفة قولان: أحدهما: ماء الرجل وماء المرأة إذا اختلطا فهما نطفة، قاله السدي. الثاني: أن النطفة ماء الرجل، فإذا اختلط في الرحم وماء المرأة صارا أمشاجاً. وفي الأمشاج أربعة أقاويل: أحدها: أنه الأخلاط، وهو أن يختلط ماء الرجل بماء المرأة، قاله الحسن وعكرمة، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
162
(يطرحن كل مُعْجَل نشاجِ لم يُكْسَ جلداً في دم أمشاج.)
الثاني: أن الأمشاج الألوان، قاله ابن عباس، وقال مجاهد: نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة خضراء وصفراء. روى سعيد عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر فأيهما سبق أو علا فمنه يكون الشبه). الثالث: أن الأمشاج: الأطوار، وهو أن الخلق يكون طوراً نطفة، وطوراً علقة، وطوراً مضغة، ثم طوراً عظماً، ثم يكسى العظم لحماً، قاله قتادة. الرابع: أن الأمشاج العروق التي تكون في النطفة، قاله ابن مسعود. وفي قوله ﴿نَبْتَلِيه﴾ وجهان: أحدهما: نختبره. الثاني: نكلفه بالعمل. فإن كان معناه الاختبار ففيما يختبر به وجهان: أحدهما: نختبره بالخير والشر، قاله الكلبي. الثاني: نختبر شكره في السراء، وصبره في الضراء، قاله الحسن. ومن جعل معناه التكليف ففيما كلفه وجهان: أحدهما: العمل بعد الخلق، قاله مقاتل. الثاني: الدين، ليكون مأموراً بالطاعة، ومنهياً عن المعاصي. ﴿فَجَعَلْناه سميعاً بصيراً﴾ ويحتمل وجهين: أحدهما: أي يسمع بالأذنين ويبصر بالعينين أمتناناً بالنعمة عليه. الثاني: ذا عقل وتمييز ليكون أعظم في الامتنان حيث يميزه من جميع الحيوان. وقال الفراء ومقاتل: في الآية تقديم وتأخير أي فجعلناه سميعاً بصيراً أن نبتليه، فعلى هذا التقديم في الكلام اختلفوا في ابتلائه على قولين: أحدهما: ما قدمناه من جعله اختباراً أو تكليفاً.
163
الثاني: لنبتليه بالسمع والبصر، قاله ابن قتيبة. ﴿إنّا هَدَيْناه السّبيلَ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: سبيل الخير والشر، قاله عطية. الثاني: الهدى من الضلالة، قاله عكرمة. الثالث: سبيل الشقاء والسعادة، قاله مجاهد. الرابع: خروجه من الرحم، قاله أبو صالح والضحاك والسدي. ويحتمل خامساً: سبيل منافِعِه ومضارِّه التي يهتدي إليها بطبعه، وقيل: كمال عقله. ﴿إمّا شاكراً وإمّا كَفوراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: إما مؤمناً وإما كافراً، قاله يحيى بن سلام. الثاني: إما شكوراً للنعمة وإما كفوراً بها، قاله قتادة. وجمع بين الشاكر والكفور ولم يجمع بين الشكور والكفور - مع إجتماعهما في معنى المبالغة - نفياً للمبالغة في الشكر وإثباتاً لها في الكفر، لأن شكر الله تعالى لا يُؤدَّى فانتفت عنه المبالغة، ولم تنتف عن الكفر المبالغة، فقل شكره لكثرة النعم عليه، وكثر كفره وإن قل مع الإحسان إليه.
164
﴿ إنّا خلقْنا الإنسانَ من نُطْفَةٍ أمْشاجٍ ﴾ يعني بالإنسان في هذا الموضع كل إنسان من بني آدم في قول جميع المفسرين.
وفي النطفة قولان :
أحدهما : ماء الرجل وماء المرأة إذا اختلطا فهما نطفة، قاله السدي.
الثاني : أن النطفة ماء الرجل، فإذا اختلط في الرحم وماء المرأة صارا أمشاجاً.
وفي الأمشاج أربعة أقاويل :
أحدها : أنه الأخلاط، وهو أن يختلط ماء الرجل بماء المرأة، قاله الحسن وعكرمة، ومنه قول رؤبة بن العجاج :
يطرحن كل مُعْجَل نشاجِ١ لم يُكْسَ جلداً في دم أمشاج.
الثاني : أن الأمشاج الألوان، قاله ابن عباس، وقال مجاهد :
نطفة الرجل بيضاء وحمراء، ونطفة المرأة خضراء وصفراء.
روى سعيد عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر فأيهما سبق أو علا فمنه يكون الشبه٢ ".
الثالث : أن الأمشاج : الأطوار، وهو أن الخلق يكون طوراً نطفة، وطوراً علقة، وطوراً مضغة، ثم طوراً عظماً، ثم يكسى العظم لحماً، قاله قتادة.
الرابع : أن الأمشاج العروق التي تكون في النطفة، قاله ابن مسعود.
وفي قوله ﴿ نَبْتَلِيه ﴾ وجهان :
أحدهما : نختبره.
الثاني : نكلفه بالعمل.
فإن كان معناه الاختبار ففيما يختبر به وجهان :
أحدهما : نختبره بالخير والشر، قاله الكلبي.
الثاني : نختبر شكره في السراء، وصبره في الضراء، قاله الحسن.
ومن جعل معناه التكليف ففيما كلفه وجهان :
أحدهما : العمل بعد الخلق، قاله مقاتل.
الثاني : الدين، ليكون مأموراً بالطاعة، ومنهياً عن المعاصي.
﴿ فَجَعَلْناه سميعاً بصيراً ﴾ ويحتمل وجهين :
أحدهما : أي يسمع بالأذنين ويبصر بالعينين امتناناً بالنعمة عليه.
الثاني : ذا عقل وتمييز ليكون أعظم في الامتنان حيث يميزه من جميع الحيوان.
وقال الفراء ومقاتل : في الآية تقديم وتأخير أي فجعلناه سميعاً بصيراً أن نبتليه، فعلى هذا التقديم في الكلام اختلفوا في ابتلائه على قولين :
أحدهما : ما قدمناه من جعله اختباراً أو تكليفاً.
الثاني : لنبتليه بالسمع والبصر، قاله ابن قتيبة.
١ ليس في ك، وقد أخذناه من ديوان رؤبة..
٢ رواه البخاري في الأنبياء، ومسلم في الحيض، وأحمد في مسنده ٣/١٠٨، والنسائي في الطهارة. انظر جمع الأصول ٧/٢٧٩..
﴿ إنّا هَدَيْناه السّبيلَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : سبيل الخير والشر، قاله عطية.
الثاني : الهدى من الضلالة، قاله عكرمة.
الثالث : سبيل الشقاء والسعادة، قاله مجاهد.
الرابع : خروجه من الرحم، قاله أبو صالح والضحاك والسدي.
ويحتمل خامساً : سبيل منافِعِه ومضارِّه التي يهتدي إليها بطبعه، وقيل : كمال عقله.
﴿ إمّا شاكراً وإمّا كَفوراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إما مؤمناً وإما كافراً، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : إما شكوراً للنعمة وإما كفوراً بها، قاله قتادة.
وجمع بين الشاكر والكفور ولم يجمع بين الشكور والكفور - مع اجتماعهما في معنى المبالغة - نفياً للمبالغة في الشكر وإثباتاً لها في الكفر، لأن شكر الله تعالى لا يُؤدَّى فانتفت عنه المبالغة، ولم تنتف عن الكفر المبالغة، فقل شكره لكثرة النعم عليه، وكثر كفره وإن قل مع الإحسان إليه.
﴿إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا﴾ ﴿إن الإبرار يَشْربونَ﴾ في الأبرار قولان: أحدهما: أنهم الصادقون، قاله الكلبي. الثاني: المطيعون، قاله مقاتل.
164
وفيما سُمّوا أبراراً ثلاثة أقاويل: أحدها: سمّوا بذلك لأنهم برّوا الآباء والأبناء، قاله ابن عمر. الثاني: لأنهم كفوا الأذى، قاله الحسن. الثالث: لأنهم يؤدون حق الله ويوفون بالنذر، قاله قتادة. وقوله ﴿مِن كأسٍ﴾ يعني الخمر، قال الضحاك: كل كأس في القرآن فإنما عنى به الخمر. وفي وقوله ﴿كان مِزاجها كافوراً﴾ قولان: أحدهما: أن كافوراً عين في الجنة اسمها كافور، قاله الكلبي. الثاني: أنه الكافور من الطيب فعلى هذا في المقصود منه في مزاج الكأس به ثلاثة أقاويل: أحدها: برده، قال الحسن: ببرد الكافور وطعم الزنجبيل. الثاني: بريحه، قاله قتادة: مزج بالكافور وختم بالمسك. الثالث: طعمه، قال السدي: كأن طعمه طعم الكافور. ﴿عَينْاً يَشْرَبُ بها عبادُ اللَّهِ﴾ يعني أولياء اللَّه، لأن الكافر لا يشرب منها شيئاً وإن كان من عباد الله، وفيه وجهان: أحدهما: ينتفع بها عباد الله، قاله الفراء. الثاني: يشربها عباد الله. قال مقاتل: هي التسنيم، وهي أشرف شراب لاجنة، يشرب بها المقربون صِرفاً، وتمزج لسائر أهل الجنة بالخمر واللبن والعسل. ﴿يُفَجِّرونَها تفْجيراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: يقودونها إلى حيث شاءوا من الجنة، قاله مجاهد. الثاني: يمزجونها بما شاءوا، قاله مقاتل. ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن يستخرجوه من حيث شاءوا من الجنة. وفي قوله (تفجيراً) وجهان:
165
أحدهما: أنه مصدر قصد به التكثير. الثاني: أنهم يفجرونه من تلك العيون عيوناً لتكون أمتع وأوسع. ﴿يُوفُونَ بالنّذْرِ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: يوفون بما افترض الله عليهم من عبادته، قاله قتادة. الثاني: يوفون بما عقدوه على أنفسهم من حق الله، قاله مجاهد. الثالث: يوفون بالعهد لمن عاهدوه، قاله الكلبي. الرابع: يوفون بالإيمان إذا حلفوا بها، قاله مقاتل. ويحتمل خامساً: أنهم يوفون بما أُنذِروا به من وعيده. ﴿ويَخافون يوْماً كان شَرُّه مُسْتَطيراً﴾ قال الكلبي عذاب يوم كان شره مستطيراً، وفيه وجهان: أحدهما: فاشياً، قاله ابن عباس والأخفش. الثاني: ممتداً، قاله الفراء، ومنه قول الأعشى:
(فبانتْ وقد أَوْرَثَتْ في الفؤادِ صَدْعاً على نأيها مُستطيرا)
أي ممتداً. ويحتمل وجهاً ثالثاً يعني سريعاً. ﴿ويُطْعمونَ الطعامَ على حُبِّهِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: على حب الطعام، قاله مقاتل. الثاني: على شهوته، قاله الكلبي. الثالث: على قلته، قاله قطرب. ﴿مسكيناً ويتيماً وأسيراً﴾ في الأسير ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه المسجون المسلم، قاله مجاهد. الثاني: أنه العبد، قاله عكرمة. الثالث: أسير المشركين، قاله الحسن وسعيد بن جبير. قال سعيد بن جبير: ثم نسخ أسير المشركين بالسيف، وقال غيره بل هو ثابت الحكم في الأسير بإطعامه، إلا أن يرى الإمام قتله.
166
ويحتمل وجهاً رابعاً: أن يريد بالأسير الناقص العقل، لأنه في أسر خبله وجنونه، وإن أسر المشركين انتقام يقف على رأي الإمام وهذا بر وإحسان. ﴿إنّما نُطْعِمُكم لوجْهِ اللهِ﴾ قال مجاهد: إنهم لم يقولوا ذلك، لكن علمه الله منهم فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب. ﴿لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكوراً﴾ جزاء بالفعال، وشكوراً بالمقال وقيل إن هذه الآية نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر، وهم سبعة من المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعيد وأبو عبيدة. ﴿إنّا نخافُ من ربِّنا يوماً عَبوساً قمْطريراً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن العبوس الذي يعبس الوجوه من شره، والقمطرير الشديد، قاله ابن زيد. الثاني: أن العبوس الضيق، والقمطرير الطويل، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
(شديداً عبوساً قمطريراً تخالهُ تزول الضحى فيه قرون المناكب.)
الثالث: أن العُبوس بالشفتين، والقمطرير بالجبهة والحاجبين، فجعلها من صفات الوجه المتغير من شدائد ذلك اليوم، قاله مجاهد، وأنشد ابن الأعرابي:
(يَغْدو على الصّيْدِ يَعودُ مُنكَسِرْ ويَقْمَطُّر ساعةً ويكْفَهِرّ.)
﴿فَوَقاهمُ الله شَرَّ ذلك اليومِ ولَقّاهُمْ نَضْرةً وسُروراً﴾ قال الحسن النضرة من الوجوه، والسرور في القلوب. وفي النضرة ثلاثة أوجه: أحدها: أنها البياض والنقاء، قاله الضحاك. الثاني: أنها الحسن والبهاء، قاله ابن جبير.
167
الثالث: أنها أثر النعمة، قاله ابن زيد. ﴿وجَزاهم بما صَبروا﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: بما صبروا على طاعة الله. الثاني: بما صبروا على الوفاء بالنذر. ﴿جَنَّةً وحريراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: جنة يسكنونها، وحريراً يلبسونه. الثاني: أن الجنة المأوى، والحرير أبد العيش في الجنة، ومنه لبس الحرير ليلبسون من لذة العيش. واختلف فيمن نزلت هذه الآية على قولين: أحدهما: ما حكاه الضحاك عن جابر أنها نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفاه. الثاني: ما حكاه عمرو عن الحسن أنها نزلت في علي وفاطمة... رضي الله عنهما - وذلك أن علياً وفاطمة نذرا صوماً فقضياه، وخبزت فاطمة ثلاثة أقراص من شعير ليفطر علّي على أحدها وتفطر هي على الآخر، ويأكل الحسن والحسين الثالث، فسألها مسكين فتصدقت عليه بأحدها، ثم سألها يتيم فتصدقت عيله بالآخر، ثم سألها أسير فتصدقت عليه بالثالث، وباتوا طاوين.
168
﴿ إن الأبرار يَشْربونَ ﴾ في الأبرار قولان :
أحدهما : أنهم الصادقون، قاله الكلبي.
الثاني : المطيعون، قاله مقاتل.
وفيما سُمّوا أبراراً ثلاثة أقاويل :
أحدها : سمّوا بذلك لأنهم برّوا الآباء والأبناء، قاله ابن عمر١.
الثاني : لأنهم كفوا الأذى، قاله الحسن.
الثالث : لأنهم يؤدون حق الله ويوفون بالنذر، قاله قتادة.
وقوله ﴿ مِن كأسٍ ﴾ يعني الخمر، قال الضحاك : كل كأس في القرآن فإنما عنى به الخمر.
وفي وقوله ﴿ كان مِزاجها كافوراً ﴾ قولان :
أحدهما : أن كافوراً عين في الجنة اسمها كافور، قاله الكلبي.
الثاني : أنه الكافور من الطيب فعلى هذا في المقصود منه في مزاج الكأس به ثلاثة أقاويل :
أحدها : برده، قال الحسن : ببرد الكافور وطعم الزنجبيل.
الثاني : بريحه، قاله قتادة : مزج بالكافور وختم بالمسك.
الثالث : طعمه، قال السدي : كأن طعمه طعم الكافور.
١ ذكره في حديث يرفعه وفيه: كما أن لوالدك عليك حقا كذلك فإن لولدك عليك حقا..
﴿ عَينْاً يَشْرَبُ بها عبادُ اللَّهِ ﴾ يعني أولياء اللَّه، لأن الكافر لا يشرب منها شيئاً وإن كان من عباد الله، وفيه وجهان :
أحدهما : ينتفع بها عباد الله، قاله الفراء.
الثاني : يشربها عباد الله١.
قال مقاتل : هي التسنيم، وهي أشرف شراب الجنة، يشرب بها المقربون صِرفاً، وتمزج لسائر أهل الجنة بالخمر واللبن والعسل.
﴿ يُفَجِّرونَها تفْجيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يقودونها إلى حيث شاءوا من الجنة، قاله مجاهد.
الثاني : يمزجونها بما شاءوا، قاله مقاتل.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أن يستخرجوه من حيث شاءوا من الجنة.
وفي قوله " تفجيراً " وجهان :
أحدهما : أنه مصدر قصد به التكثير.
الثاني : أنهم يفجرونه من تلك العيون عيوناً لتكون أمتع وأوسع.
١ قال الفراء: يشرب بها ويشربها بمعنى واحد. أقول: وهو مثل قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم بمعنى امسحوا رؤوسكم..
﴿ يُوفُونَ بالنّذْرِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يوفون بما افترض الله عليهم من عبادته، قاله قتادة.
الثاني : يوفون بما عقدوه على أنفسهم من حق الله، قاله مجاهد.
الثالث : يوفون بالعهد لمن عاهدوه، قاله الكلبي.
الرابع : يوفون بالإيمان إذا حلفوا بها، قاله مقاتل.
ويحتمل خامساً : أنهم يوفون بما أُنذِروا به من وعيده.
﴿ ويَخافون يوْماً كان شَرُّه مُسْتَطيراً ﴾ قال الكلبي عذاب يوم كان شره مستطيراً، وفيه وجهان :
أحدهما : فاشياً، قاله ابن عباس والأخفش.
الثاني : ممتداً، قاله الفراء، ومنه قول الأعشى :
فبانتْ وقد أَوْرَثَتْ في الفؤا دِ صَدْعاً على نأيها مُستطيرا
أي ممتداً.
ويحتمل وجهاً ثالثاً يعني سريعاً.
﴿ ويُطْعمونَ الطعامَ على حُبِّهِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : على حب الطعام، قاله مقاتل.
الثاني : على شهوته، قاله الكلبي.
الثالث : على قلته، قاله قطرب١.
﴿ مسكيناً ويتيماً وأسيراً ﴾ في الأسير ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه المسجون المسلم، قاله مجاهد.
الثاني : أنه العبد، قاله عكرمة.
الثالث : أسير المشركين، قاله الحسن وسعيد بن جبير.
قال سعيد بن جبير : ثم نسخ أسير المشركين بالسيف٢، وقال غيره بل هو ثابت الحكم في الأسير بإطعامه، إلا أن يرى الإمام قتله.
ويحتمل وجهاً رابعاً : أن يريد بالأسير الناقص العقل، لأنه في أسر خبله وجنونه، وإن أسر المشركين انتقام يقف على رأي الإمام وهذا بر وإحسان.
١ لم يذكر المؤلف الأقوال الثلاثة الأخرى. وقد يكون الصواب ثلاثة لا ستة..
٢ بالسيف: أي بأنه يجوز قتله بالسيف فلا يستحق الصدقة..
﴿ إنّما نُطْعِمُكم لوجْهِ اللهِ ﴾ قال مجاهد : إنهم لم يقولوا ذلك، لكن علمه الله منهم فأثنى عليهم ليرغب في ذلك راغب.
﴿ لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكوراً ﴾ جزاء بالفعال، وشكوراً بالمقال. وقيل إن هذه الآية نزلت فيمن تكفل بأسرى بدر، وهم سبعة من المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعيد وأبو عبيدة.
﴿ إنّا نخافُ من ربِّنا يوماً عَبوساً قمْطريراً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن العبوس الذي يعبس الوجوه من شره، والقمطرير الشديد، قاله ابن زيد.
الثاني : أن العبوس الضيق، والقمطرير الطويل، قاله ابن عباس، قال الشاعر :
شديداً عبوساً قمطريراً تخالهُ تزول الضحى فيه قرون المناكب.
الثالث : أن العُبوس بالشفتين، والقمطرير بالجبهة والحاجبين، فجعلها من صفات الوجه المتغير من شدائد ذلك اليوم، قاله مجاهد، وأنشد ابن الأعرابي :
يَغْدو على الصّيْدِ يَعودُ مُنكَسِرْ ويَقْمَطرّ ساعةً ويكْفَهِرّ.
﴿ فَوَقاهمُ الله شَرَّ ذلك اليومِ ولَقّاهُمْ نَضْرةً وسُروراً ﴾ قال الحسن النضرة في الوجوه، والسرور في القلوب.
وفي النضرة ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها البياض والنقاء، قاله الضحاك.
الثاني : أنها الحسن والبهاء، قاله ابن جبير.
الثالث : أنها أثر النعمة، قاله ابن زيد.
﴿ وجَزاهم بما صَبروا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بما صبروا على طاعة الله.
الثاني : بما صبروا على الوفاء بالنذر.
﴿ جَنَّةً وحريراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : جنة يسكنونها، وحريراً يلبسونه.
الثاني : أن الجنة المأوى، والحرير١ أبد العيش في الجنة، ومنه لبس الحرير ليلبسوه في لذة العيش.
واختلف فيمن نزلت هذه الآية على قولين :
أحدهما : ما حكاه الضحاك عن جابر أنها نزلت في مطعم بن ورقاء الأنصاري نذر نذراً فوفاه.
الثاني : ما حكاه عمرو عن الحسن أنها نزلت في علي وفاطمة. . . رضي الله عنهما - وذلك أن علياً وفاطمة نذرا صوماً فقضياه، وخبزت فاطمة ثلاثة أقراص من شعير ليفطر علّي على أحدها وتفطر هي على الآخر، ويأكل الحسن والحسين الثالث، فسألها مسكين فتصدقت عليه بأحدها، ثم سألها يتيم فتصدقت عليه بالآخر، ثم سألها أسير فتصدقت عليه بالثالث، وباتوا طاوين٢.
١ هذه العبارة وردت هكذا في الأصل وقد يكون فيها تحريف. وتستقيم العبارة إذا قيل: والحرير من لذة العيش في الجنة، ومنعوا لبس الحرير ليلعبوه في لذة العيش. والله أعلم بالصواب..
٢ قال أبو عبد اله الترمذي الحكيم في نوادر الأصول: هذا الحديث مزوق مزيف. أقول وقد وردت فيه أشعار على لسان السائلين الثلاثة ظاهرها الصنع والتزييف. انظر تفسير القرطبي ١٩/١٣١ إلى ١٣٤ حيث استغرق هذا الحديث نحو أربع صفحات..
﴿متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا﴾ ﴿مُتّكِئينَ فيها على الأرائِك﴾ وفيها مع ما قدّمناه من تفسيرها قولان:
168
أحدهما: أنها الأسرّة، قاله ابن عباس. الثاني: أنها كل ما يتكأ عليه، قاله الزجاج. ﴿لا يَرَوْنَ فيها شمْساً ولا زَمْهَريراً﴾ أما المراد بالشمس ففيه وجهان: أحدهما: أنهم في ضياء مستديم لا يحتاجون فيه إلى ضياء، فيكون عدم الشمس مبالغة في وصف الضياء. الثاني: أنهم لا يرون فيها شمساً فيتأذون بحرها، فيكون عدمها نفياً لأذاها. وفي الزمهرير ثلاثة أوجه: أحدها: أنه البرد الشديد، قال عكرمة لأنهم لا يرون في الجنة حراً ولا برداً. الثاني: أنه لون في العذاب، قاله ابن مسعود. الثالث: أنه من هذا الموضع القمر، قاله ثعلب وأنشد: وروي ما زهر، ومعناه أنهم في ضياء مستديم لا ليل فيه ولا نهار، لأن ضوء النهار بالشمس، وضوء الليل بالقمر. ﴿... وذُلِّلّتْ قُطوفُها تذْليلاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد، قاله قتادة. الثاني: أنه إذا قام ارتفعت، وإذا قعد نزلت، قاله مجاهد.
169
ويحتمل ثالثاً: أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها وتخلص من نواها. ﴿... وأَكْوابٍ كانت قَواريرَا قواريرَا من فِضّةٍ﴾ أما الأكواب فقد ذكرنا ما هي من جملة الأواني. وفي قوله تعالى: (قوارير من فضة) وجهان: أحدهما: أنها من فضة من صفاء القوارير، قاله الشعبي. الثاني: أنها من قوارير في بياض الفضة، قاله أبو صالح. وقال ابن عباس: قوارير كل أرض من تربتها، وأرض الجنة الفضة فلذلك كانت قواريرها فضة. ﴿قَدَّرُوها تقْديراً﴾ فيه خمسة أقاويل: أحدها: أنهم قدروها في أنفسهم فجاءت على ما قدروها، قاله الحسن. الثاني: على قدر ملء الكف، قاله الضحاك. الثالث: على مقدار لا تزيد فتفيض، ولا تنقص فتغيض، قاله مجاهد. الرابع: على قدر ريهم وكفايتهم، لأنه ألذ وأشهى، قاله الكلبي. الخامس: قدرت لهم وقدروا لها سواء، قاله الشعبي. ﴿ويُسْقَونَ فيها كأساً كان مِزاجُها زَنْجبيلاً﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: تمزج بالزنجبيل، وهو مما تستطيبه العرب لأنه يحذو اللسان ويهضم المأكول، قاله السدي وابن أبي نجيح. الثاني: أن الزنجبيل اسم للعين التي فيها مزاج شراب الأبرار، قاله مجاهد. الثالث: أن الزنجبيل طعم من طعوم الخمر يعقب الشرب منه لذة، حكاه ابن شجرة، ومنه قول الشاعر:
170
(وليلةٍ ظلامُها قد اعتكَرْ قطْعتها والزمهريرُ ما ظَهَرْ)
(وكأن طعْمَ الزنجبيلِ به اذْ ذُقْتُه وسُلافَةَ الخمْرِ)
﴿عْيناً فيها تُسَمّى سَلْسَبيلاً﴾ فيه ستة أقاويل: أحدها: أنه اسم لها، قاله عكرمة. الثاني: معناه سلْ سبيلاً إليها، قاله علّي رضي الله عنه. الثالث: يعني سلسلة السبيل، قاله مجاهد. الرابع: سلسلة يصرفونها حيث شاءوا، قاله قتادة. الخامس: أنها تنسلّ في حلوقهم انسلالاً، قاله ابن عباس. السادس: أنها الحديدة الجري، قاله مجاهد أيضاً، ومنه قول حسان بن ثابت:
(يَسْقُون من وَرَدَ البريصَ عليهم كأساً تُصَفِّقُ بالرحيق السِّلْسَل)
وقال مقاتل: إنما سميت السلسبيل لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم وطرقهم. ﴿ويَطوفُ عليهم وِلْدانٌ مُخَلّدونَ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: مخلدون لا يموتون، قاله قتادة. الثاني: صغار لا يكبرون وشبابٌ لا يهرمون، قاله الضحاك والحسن. الثالث: أي مُسَوَّرون، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
(ومُخَلّداتٍ باللُّجَيْنِ كأنما أعْجازُهنّ أقاوزُ الكُثْبانِ.)
﴿إذا رَأَيْتَهم حَسِبْتَهم لُؤْلُؤاً مَنْثوراً﴾ فيه قولان: أحدها: أنهم مشبهون باللؤلؤ المنثور لكثرتهم، قاله قتادة. الثاني: لصفاء ألوانهم وحسن منظرهم وهو معنى قول سفيان. ﴿وإذا رأَيْتَ ثمَّ﴾ يعني الجنة. ﴿رأَيْتَ نَعيماً﴾ فيه وجهان: أحدهما: يريد كثرة النعمة.
171
الثاني: كثرة النعيم. ﴿ومُلْكاً كبيراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: لسعته وكثرته. الثاني: لاستئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام. ويحتمل ثالثاً: أنهم لا يريدون شيئاً إلا قدروا عليه. ﴿وسقاهم ربُّهم شَراباً طَهوراً﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه وصفه بذلك لأنهم لا يبولون منه ولا يُحْدِثون عنه، قاله عطية، قال إبراهيم التميمي: هو عَرَق يفيض من أعضائهم مثل ريح المسك. الثاني: لأن خمر الجنة طاهرة، وخمر الدنيا نجسة، فلذلك وصفه الله تعالى بالطهور، قاله ابن شجرة. الثالث: أن أنهار الجنة ليس فيها نجس كما يكون في أنهار الدنيا وأرضها حكاه ابن عيسى.
172
﴿. . . وذُلِّلّتْ قُطوفُها تذْليلاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد، قاله قتادة.
الثاني : أنه إذا قام ارتفعت، وإذا قعد نزلت، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثاً : أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها وتخلص من نواها.
﴿. . . وأَكْوابٍ كانت قَواريرَا * قواريرَا من فِضّةٍ ﴾ أما الأكواب فقد ذكرنا١ ما هي من جملة الأواني.
وفي قوله تعالى :" قوارير من فضة " وجهان :
أحدهما : أنها من فضة في صفاء القوارير، قاله الشعبي.
الثاني : أنها من قوارير في بياض الفضة، قاله أبو صالح.
وقال ابن عباس : قوارير كل أرض من تربتها، وأرض الجنة الفضة فلذلك كانت قواريرها فضة.
﴿ قَدَّرُوها تقْديراً ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنهم قدروها في أنفسهم فجاءت على ما قدروها، قاله الحسن.
الثاني : على قدر ملء الكف، قاله الضحاك.
الثالث : على مقدار لا تزيد فتفيض، ولا تنقص فتغيض، قاله مجاهد.
الرابع : على قدر ريهم وكفايتهم، لأنه ألذ وأشهى، قاله الكلبي.
الخامس : قدرت لهم وقدروا لها سواء، قاله الشعبي.
١ راجع تفسير الآية ١٨ من سورة الواقعة..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٥:﴿... وأَكْوابٍ كانت قَواريرَا * قواريرَا من فِضّةٍ ﴾ أما الأكواب فقد ذكرنا١ ما هي من جملة الأواني.
وفي قوله تعالى :" قوارير من فضة " وجهان :
أحدهما : أنها من فضة في صفاء القوارير، قاله الشعبي.
الثاني : أنها من قوارير في بياض الفضة، قاله أبو صالح.
وقال ابن عباس : قوارير كل أرض من تربتها، وأرض الجنة الفضة فلذلك كانت قواريرها فضة.
﴿ قَدَّرُوها تقْديراً ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنهم قدروها في أنفسهم فجاءت على ما قدروها، قاله الحسن.
الثاني : على قدر ملء الكف، قاله الضحاك.
الثالث : على مقدار لا تزيد فتفيض، ولا تنقص فتغيض، قاله مجاهد.
الرابع : على قدر ريهم وكفايتهم، لأنه ألذ وأشهى، قاله الكلبي.
الخامس : قدرت لهم وقدروا لها سواء، قاله الشعبي.
١ راجع تفسير الآية ١٨ من سورة الواقعة..

﴿ ويُسْقَونَ فيها كأساً كان مِزاجُها زَنْجبيلاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : تمزج بالزنجبيل، وهو مما تستطيبه العرب لأنه يحذو اللسان ويهضم المأكول، قاله السدي وابن أبي نجيح.
الثاني : أن الزنجبيل اسم للعين التي فيها مزاج شراب الأبرار، قاله مجاهد.
الثالث : أن الزنجبيل طعم من طعوم الخمر يعقب الشرب منه لذة، حكاه ابن شجرة، ومنه قول الشاعر١ :
وكأن طعْمَ الزنجبيلِ به اذْ ذُقْتُه وسُلافَةَ الخمْرِ
١ هو المسيب بن علس، يصف ثغر امرأة..
﴿ عْيناً فيها تُسَمّى سَلْسَبيلاً ﴾ فيه ستة أقاويل :
أحدها : أنه اسم لها، قاله عكرمة.
الثاني : معناه سلْ سبيلاً إليها، قاله علّي رضي الله عنه.
الثالث : يعني سلسلة السبيل، قاله مجاهد.
الرابع : سلسلة يصرفونها حيث شاءوا، قاله قتادة.
الخامس : أنها تنسلّ في حلوقهم انسلالاً، قاله ابن عباس.
السادس : أنها الحديدة الجري، قاله مجاهد أيضاً، ومنه قول حسان بن ثابت :
يَسْقُون من وَرَدَ البريصَ عليهم كأساً تُصَفِّقُ بالرحيق السِّلْسَل
وقال مقاتل : إنما سميت السلسبيل لأنها تنسل عليهم في مجالسهم وغرفهم وطرقهم.
﴿ ويَطوفُ عليهم وِلْدانٌ مُخَلّدونَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : مخلدون لا يموتون، قاله قتادة.
الثاني : صغار لا يكبرون وشبابٌ لا يهرمون، قاله الضحاك والحسن.
الثالث : أي مُسَوَّرون، قاله ابن عباس، قال الشاعر :
ومُخَلّداتٍ باللُّجَيْنِ كأنما أعْجازُهنّ أقاوزُ الكُثْبانِ١.
﴿ إذا رَأَيْتَهم حَسِبْتَهم لُؤْلُؤاً مَنْثوراً ﴾ فيه قولان :
أحدها : أنهم مشبهون باللؤلؤ المنثور لكثرتهم، قاله قتادة.
الثاني : لصفاء ألوانهم وحسن منظرهم وهو معنى قول سفيان.
١ انظر شرح البيت في تفسير الآية ١٧ من سورة الواقعة. وقد ورد البيت في اللسان –قوز ولم ينسبه إلى قائل..
﴿ وإذا رأَيْتَ ثمَّ ﴾ يعني الجنة.
﴿ رأَيْتَ نَعيماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يريد كثرة النعمة.
الثاني : كثرة النعيم.
﴿ ومُلْكاً كبيراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لسعته وكثرته.
الثاني : لاستئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام.
ويحتمل ثالثاً : أنهم لا يريدون شيئاً إلا قدروا عليه.
﴿ وسقاهم ربُّهم شَراباً طَهوراً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه وصفه بذلك لأنهم لا يبولون منه ولا يُحْدِثون عنه، قاله عطية، قال إبراهيم التميمي : هو عَرَق يفيض من أعضائهم مثل ريح المسك.
الثاني : لأن خمر الجنة طاهرة، وخمر الدنيا نجسة، فلذلك وصفه الله تعالى بالطهور، قاله ابن شجرة.
الثالث : أن أنهار الجنة ليس فيها نجس كما يكون في أنهار الدنيا وأرضها حكاه ابن عيسى.
﴿إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما﴾ ﴿ولا تُطِعْ منهم آثِماً أو كَفوراً﴾ قيل إنه عنى أبا جهل، يريد بالآثم المرتكب للمعاصي، وبالكفور الجاحد للنعم. ﴿واذكُر اسمَ رَبِّك بُكرَةً وأصيلاً﴾ يعني في أول النهار وآخره، ففي أوله صلاة الصبح، وفي آخره صلاة الظهر والعصر. ﴿ومِنَ الليلِ فاسْجدْ له﴾ يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة. ﴿وسَبِّحْهُ ليلاً طويلاً﴾ يعني التطوع من الليل.
172
قال ابن عباس وسفيان: كل تسبيح في القرآن هو صلاة. ﴿إنّ هؤلاءِ يُحِبّونَ العاجلةَ﴾ يحتمل في المراد بهم قولين: أحدهما: أنه أراد بهم اليهود وما كتموه من صفة لرسول الله ﷺ وصحة نبوّته. الثاني: أنه أراد المنافقين لاستبطانهم الكفر. ويحتمل قوله ﴿يحبون العاجلة﴾ وجهين: أحدهما: أخذ الرشا على ما كتموه إذا قيل إنهم اليهود. الثاني: طلب الدنيا إذا قيل إنهم المنافقون. ﴿ويَذَرُونَ وراءَهم يوماً ثقيلاً﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: ما يحل بهم من القتل والجلاء إذا قيل إنهم اليهود. الثاني: يوم القيامة إذا قيل إنهم المنافقون. فعلى هذا يحتمل قوله (ثقيلاً) وجهين: أحدهما: شدائده وأحواله. الثاني: للقِصاص من عباده. ﴿نحن خَلقْناهم وشَدَدْنا أَسْرَهم﴾ في أسرهم ثلاثة أوجه: أحدها: يعني مفاصلهم، قاله أبو هريرة. الثاني: خلقهم، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة قال لبيد:
(ساهم الوجه شديد أسْرُه مشرف الحارك محبوك الكفل.)
الثالث: أنه القوة، قاله ابن زيد، قال ابن أحمر في وصف فرس:
(يمشي لأوظفةٍ شدادٍ أسْرُها صُمِّ السنابِك لاتقى بالجَدْجَدِ.)
ويحتمل هذا القول منه تعالى وجهين: أحدهما: امتناناً عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية. الثاني: تخويفاً لهمن بسلب النعم. ﴿وإذا شئنا بدّلْنا أمثالَهم تبديلاً﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أمثال من كفر بالنعم وشكرها.
173
الثاني: من كفر بالرسل بمن يؤمن بها. ﴿إنّ هذه تَذْكِرةٌ﴾ يحتمل بالمراد ب (هذه) وجهين: أحدهما: هذه السورة. الثاني: هذه الخلقة التي خلق الإنسان عليها. ويحتمل قوله (تذكرة) وجهين: أحدهما: إذكار ما غفلت عنه عقولهم. الثاني: موعظة بما تؤول إليه أمورهم. ﴿فَمَنْ شاءَ اتَخَذَ إلى ربِّه سَبيلاً﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: طريقاً إلى خلاصه. الثاني: وسيلة إلى جنته.
174
سورة المرسلات
مكية من قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها، وهي قوله تعالى: ﴿وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون﴾ فمدينة. بسم الله الرحمن الرحيم
175
﴿ ولا تُطِعْ منهم آثِماً أو كَفوراً ﴾ قيل إنه عنى أبا جهل، يريد بالآثم المرتكب للمعاصي، وبالكفور الجاحد للنعم.
﴿ واذكُر اسمَ رَبِّك بُكرَةً وأصيلاً ﴾ يعني في أول النهار وآخره، ففي أوله صلاة الصبح، وفي آخره صلاة الظهر والعصر.
﴿ ومِنَ الليلِ فاسْجدْ له ﴾ يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة.
﴿ وسَبِّحْهُ ليلاً طويلاً ﴾ يعني التطوع من الليل.
قال ابن عباس وسفيان : كل تسبيح في القرآن هو صلاة.
﴿ إنّ هؤلاءِ يُحِبّونَ العاجلةَ ﴾ يحتمل في المراد بهم قولين :
أحدهما : أنه أراد بهم اليهود وما كتموه من صفة الرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحة نبوّته. الثاني : أنه أراد المنافقين لاستبطانهم الكفر.
ويحتمل قوله ﴿ يحبون العاجلة ﴾ وجهين :
أحدهما : أخذ الرشا على ما كتموه إذا قيل إنهم اليهود.
الثاني : طلب الدنيا إذا قيل إنهم المنافقون.
﴿ ويَذَرُونَ وراءَهم يوماً ثقيلاً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : ما يحل بهم من القتل والجلاء إذا قيل إنهم اليهود.
الثاني : يوم القيامة إذا قيل إنهم المنافقون.
فعلى هذا يحتمل قوله " ثقيلاً " وجهين :
أحدهما : شدائده وأهواله.
الثاني : للقِصاص من عباده.
﴿ نحن خَلقْناهم وشَدَدْنا أَسْرَهم ﴾ في أسرهم ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني مفاصلهم، قاله أبو هريرة.
الثاني : خلقهم، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة قال لبيد :
ساهم الوجه شديد أسْرُه مشرف الحارك محبوك الكفل.
الثالث : أنه القوة، قاله ابن زيد، قال ابن أحمر في وصف فرس :
يمشي لأوظفةٍ شدادٍ أسْرُها صُمِّ السنابِك لاتقى بالجَدْجَدِ.
ويحتمل هذا القول منه تعالى وجهين :
أحدهما : امتناناً عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية.
الثاني : تخويفاً لهم بسلب النعم.
﴿ وإذا شئنا بدّلْنا أمثالَهم تبديلاً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أمثال من كفر بالنعم وشكرها.
الثاني : من كفر بالرسل بمن يؤمن بها.
﴿ إنّ هذه تَذْكِرةٌ ﴾ يحتمل بالمراد ب " هذه " وجهين :
أحدهما : هذه السورة.
الثاني : هذه الخلقة التي خلق الإنسان عليها.
ويحتمل قوله " تذكرة " وجهين :
أحدهما : إذكار ما غفلت عنه عقولهم.
الثاني : موعظة بما تؤول إليه أمورهم.
﴿ فَمَنْ شاءَ اتَخَذَ إلى ربِّه سَبيلاً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : طريقاً إلى خلاصه.
الثاني : وسيلة إلى جنته.
Icon