تفسير سورة البلد

تفسير الثعلبي
تفسير سورة سورة البلد من كتاب الكشف والبيان عن تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعلبي .
لمؤلفه الثعلبي . المتوفي سنة 427 هـ
مكية، وهي ثلاثمائة وعشرون حرفاً، واثنتان وثمانون كلمة، وعشرون آية.
أخبرنا نافل بن ارضم بن عبد الجبّار قال : أخبرنا عبدالله بن أحمد بن محمد الصفّار قال : حدّثنا عمرو بن محمد قال : حدّثنا سباط بن اليسع قال : حدّثنا يحيى بن عبدالله السلمي قال : حدّثنا أبو عصمة نوح بن أبي مريم عن عليّ بن زيد عن زرّ عن أُبي بن كعب قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ ) لا أقسم بهذا البلد ( أعطاه الله الأمن من غضبه يوم القيامة ).

سورة البلد
مكية، وهي ثلاثمائة وعشرون حرفا، واثنتان وثمانون كلمة، وعشرون آية.
أخبرنا نافل بن ارضم بن عبد الجبّار قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن محمد الصفّار قال:
حدّثنا عمرو بن محمد قال: حدّثنا سباط بن اليسع قال: حدّثنا يحيى بن عبد الله السلمي قال:
حدّثنا أبو عصمة نوح بن أبي مريم عن عليّ بن زيد عن زرّ عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله ﷺ «من قرأ لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ أعطاه الله الأمن من غضبه يوم القيامة» [١٤٧] «١».

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١ الى ١٠]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩)
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)
لا أُقْسِمُ يعني أقسم بِهذَا الْبَلَدِ يعني مكّة وَأَنْتَ يا محمّد حِلٌّ حلال بِهذَا الْبَلَدِ تصنع ما تريد من القتل والأسر، وذلك
أنّ الله سبحانه أحلّ لنبيّه ﷺ مكّة يوم الفتح حتّى قاتل وقتل، وأحلّ ما شاء وحرم ما شاء، وقتل ابن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة، ومقيّس بن صبابة وغيرهما ثمّ قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» «٢» فأحلّ دم ابن خطل وأصحابه وحرّم دار أبي سفيان، ثمّ قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله حرّم مكّة يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحلّ لأحد قبلي ولا يحلّ لأحد بعدي ولم يحلّ لي إلّا ساعة من نهار، فلا يعضد شجرها ولا نختلي خلالها ولا نفر صيدها ولا يحلّ لقطتها إلّا المنشد».
فقال العبّاس: يا رسول الله إلّا الإذخر فإنّه لقيوننا وقتورنا وبيوتنا، فقال رسول الله ﷺ «إلّا الإذخر» [١٤٨] «٣».
(١) تفسير مجمع البيان: ١٠/ ٣٥٧.
(٢) مسند أحمد: ٢/ ٥٣٨.
(٣) مسند أحمد: ١/ ٢٥٣ بتفاوت.
206
وقال شرحبيل بن سعد: معنى قوله: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ قال: يحرّمون أن تقتلوا بها صيدا أو يعضدوا بها شجرة، ويستحلّون إخراجك وقتلك. وَوالِدٍ وَما وَلَدَ قال عكرمة وسعيد ابن جبير: (الوالد) الذي يولد له (وَما وَلَدَ) العاقر الذي لا يولد له، وروياه عن ابن عبّاس وعلي، هذا القول تكون ما بقيا، وهو يعبد «١» ولا تصحّ إلّا بإضمار. عطية عنه: الوالد وولده.
مجاهد وقتادة والضحّاك وأبو صالح: وَوالِدٍ آدم وَما وَلَدَ ولده.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا برهان بن علي قال: حدّثنا عبد الله بن الوليد العكبري قال: حدّثنا محمد بن موسى الحرشي قال: حدّثنا جعفر بن سلميان قال: سمعت أبا عمران الخولي قرأ وَوالِدٍ وَما وَلَدَ قال إبراهيم وما ولد. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ أي نصّب.
عن الوالبي عن ابن عبّاس الحسن: يكابد مصايب الدنيا وشدائد الآخرة. قتادة: في مشقّة فلا يلقاه إلّا يكابد أمر الدنيا والآخرة. سعيد بن جبير: في شدّة، وعن الحسن أيضا: يكابد الشكر على السراء، والصبر على الضرّاء فلا يخلو منهما. عطية عن ابن عبّاس: في شدّة خلق حمله وولادته ورضاعه وفصاله ومعاشه وحياته وموته. عمرو بن دينار عنه: نبات أسنانه. يمان: لم يخلق الله خلقا يكابد ما يكابد ابن آدم وهو مع ذلك أضعف الخلق، وعن سعيد بن جبير أيضا في ضيق معيشته. ابن كيسان: المكابدة مقاساة الأمر وركوب معظمه، وأصله الشدّة وهو من الكبد. قال لبيد:
عين هلا بكيت اربد... إذ قمنا وقام الخصوم في كبد «٢»
وقال مجاهد وإبراهيم وعكرمة وعبد الله بن شدّاد وعطية والضحّاك: يعني منتصبا قائما معتدل القامة، وهي رواية مقسم عن ابن عبّاس قال: خلق كلّ شيء يمشي على الأرض على أربعة إلّا الإنسان، فإنّه خلق منتصبا قائما على رجلين. مقاتل: في قوّة نزلت في ابن الاسدين واسمه أسيد بن كلده بن أسيد بن خلف، وكان شديدا قويّا يضع الأدم العكاظي تحت قدميه، فيقول: من أزالني عنه فله كذا وكذا، فلا يطاق أن تنزع من تحت قدميه إلّا قطعا ويبقى موضع قدمه، ويقال: هو شدّة الأمر والنهي والثواب والعقاب، وقال ابن زيد: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ يعني آدم في كبد أي وسط السماء وذلك حين رفع إلى الجنّة. أبو بكر الوراق: يعني لا يدرك هواه ولا يبلغ مناه. خصيف في معناه ومقاساة وانتقال أحوال نطفة ثمّ علقة إلى آخر تمام الخلق. ابن كيسان: منتصبا رأسه فإذا أذن الله سبحانه في إخراجه انقلب رأسه إلى رجلي أمّه، وقيل: جريء القلب غليظ الكبد مع ضعف خلقته ومهانة مادّته.
جعفر: أي في بلاء ومحنة.
ابن عطاء: في ظلمة وجهل.
(١) كذا في المخطوط.
(٢) لسان العرب: ٣/ ٣٧٦.
207
محمد بن علي الترمذي: مضيّعا لما يعنيه مشتغلا بما لا يعنيه.
أَيَحْسَبُ يعني بالأشدين من قوّته. أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يعني الله سبحانه وتعالى، وقيل: هو الوليد بن المغيرة. أخبرني أبو الضحى عن ابن عبّاس. يَقُولُ أَهْلَكْتُ أنفقت مالًا لُبَداً بعضه على بعض، وهو من التلبّد في عداوة محمّد.
وقال مقاتل: نزلت في الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وذلك أنّه أذنب ذنبا فاستفتى رسول الله ﷺ فأمره أن يكفّر وقال: لقد ذهب مالي في الكفّارات والنفقات منذ دخلت في دين محمّد.
واختلف القرّاء في قوله لُبَداً فقرأ أبو جعفر بتشديد الباء على جمع لابد وراكع، وقرأ مجاهد بضمّ اللام والباء مخفّفا كقولك: أمر بكر ورجل جنب، وقرأ الباقون بضمّ اللام وفتح الباء مخفّفين، ولها وجهان: أحدهما جمع لبدة، والثاني على الواحد، مثل قثم وحطم وليس بمعدول.
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ يعني الله سبحانه وقيل: محمّد (عليه السلام) فيعلم مقدار نفقته، وكان كاذبا لم ينفق جميع ما قال، وقال سعيد بن جبير وقتادة: أيظنّ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ فيسأله عن هذا المال من أين اكتسبه وأين أنفقه؟
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي قال: حدّثني الهيثم بن خلف الدوري قال: حدّثني محمد بن يزيد بن سليمان مولى بني هاشم قال: حدّثنا حسين بن الحسين يعني الأشقر قال: حدّثنا هشام بن شبر عن أبي هاشم عن مخالد عن ابن عبّاس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتّى يسئل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه وعن حبّنا أهل البيت» [١٤٩] «١».
قال ابن خرجة: ما سمعت هذا الحديث إلّا من الهيثم.
وأخبرنا الحسين قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن هارون بن محمد قال: حدّثنا موسى بن هارون بن عبد الله قال: حدّثنا أبو الربيع الزهراني قال: حدّثنا نعيم بن ميسرة، قال: أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: أخبرني رجل من بني عامر عن أبيه قال: صلّيت خلف النبيّ صلّى الله عليه فسمعته يقول: أَيَحْسِبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَيَحْسِبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ يعني بكسر السين.
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ قال قتادة: نعم والله متظاهرة لقهرك بها كتما لشكر.
(١) كنز العمال: ١٤/ ٣٧٩ ح ٣٩٠١٢، ح ٣٩٠١٣.
208
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن عامر السمرقندي قال: حدّثنا عمر بن يحيى قال: حدّثنا جيغويه قال: حدّثنا صالح بن محمد قال: حدّثنا عبد الحميد المدني عن أبي حازم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق، وإن نازعك فرجك إلى ما حرّمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق» [١٥٠] «١».
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ قال أكثر المفسّرين: يعني بيّنا له طريق الخير والشرّ والحقّ والباطل والهدى والضلالة كقوله: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً «٢».
ودليل هذا التأويل ما
أخبرني عبد الله بن حامد- إجازة- قال: أخبرني أحمد بن يحيى قال: حدّثنا محمّد بن يحيى قال: حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي عن قرّة بن خالد عن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه: «إنّما هما نجدان نجد الخير ونجد الشرّ، فما يجعل نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير» [١٥١] «٣».
وأخبرنا محمّد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا مكّي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن بشر قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: حدّثنا أبي عن عمرو بن أبي بكر القرشي عن محمّد بن كعب عن ابن عبّاس في قوله سبحانه: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ قال: الثديين، وإليه ذهب سعيد بن المسيب والضحّاك، والنجد الطريق في ارتفاع. قال الشاعر:
غداة غدوا فسألك بطن نخلة وآخر منهم جازع نجد كبكب «٤»
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١١ الى ٢٠]
فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥)
أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ يعني فلم يجاوز بهذا الإنسان العقبة فيأمر. قال الفراء أفرد قوله:
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ بذكر لا مرّة واحدة، والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي، وفي مثل هذا الموضع حتّى يعيدوها عليه في كلام آخر، كما قال: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى «٥»
(١) تفسير القرطبي: ٢٠/ ٦٥، وفي كنز العمال بتفاوت: ١٥/ ٨٥٦ ح ٤٣٤٠٧.
(٢) سورة الإنسان: ٣.
(٣) مجمع الزوائد: ١٠/ ٢٥٦.
(٤) الصحاح: ٢/ ٥٤٢.
(٥) سورة القيامة: ٣١.
209
وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «١»، وانّما فعل ذلك كذلك في هذا الموضع استغناء بدلالة آخر الكلام على معناه من إعادتها مرّة واحدة، وذلك أنّه فسّر اقتحام العقبة بأشياء فقال: فَكُّ رَقَبَةٍ الآية، فكأنه قال في أوّل الكلام فلا فعل ذا ولا ذا ولا ذا.
وقال بعضهم: معنى الكلام الاستفهام، تقديره أفلا اقتحم العقبة، وإليه ذهب ابن زيد وجماعة من المفسّرين، يقول: فهلّا أنفق ماله في فك الرقاب وإطعام السغبان ليتجاوز بها العقبة ويكون خيرا له من إنفاقه على عداوة محمّد، ويقال: إنّه شبّه عظم الذنب وثقلها على مرتكبها بعقبة، فإذا أعتق رقبة وعمل صالحا كان مثله مثل من اقتحم تلك العقبة، وهي الذنوب حتّى تذهب وتذوب، كمن يقتحم عقبة فيستوي عليها ونحوها.
وذكر عن ابن عمران: أنّ هذه العقبة جبل في جهنّم، وقال كعب: هي سبعون دركة في جهنّم، وقال الحسن وقتادة: هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله سبحانه، وقال مجاهد والضحّاك والكلبي: هي الصراط يضرب على جهنّم كحدّ السيف مسيرة ثلاثة آلاف سهلا وصعودا وهبوطا، وأنّ لجنبتيه كلاليب وخطاطيف كأنّها شوك السعدان، فناج مسلم وناج مخدوس ومكردس في النار منكوس، فمن الناس من يمرّ عليه كالبرق الخاطف، ومنهم من يمرّ عليه كالريح العاصف، ومنهم من يمرّ عليه كالفارس، ومنهم من يمرّ عليه كالرجل يسير، ومنهم من يزحف زحفا، ومنهم الزالّون والزالّات، ومنهم من يكردس في النار، واقتحامه على المؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء.
وقال قتادة: هذا مثل ضربه الله سبحانه يقول: إنّ المعتق والمطعم تقاحم نفسه وشيطانه مثل من يتكلّف صعود العقبة، وقال ابن زيد يقول: فهلّا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير ثمّ بيّن ما هي فقال:
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ قال سفيان بن عينية: كلّ شيء قال: وَما أَدْراكَ فإنّه أخبره به، وما قال: (وما يدريك) فإنّه لم يخبر به.
فَكُّ رَقَبَةٍ فمن أعتق رقبة كان فداه من النار، قرأ أبو رجاء والحسن وابن كثير وأبو عمرو والكسائي بنصب الكاف والميم على الفعل كقوله: ثُمَّ كانَ، وقرأ غيرهم بالإضافة على الاسم واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم لأنّه تفسير لقوله (وَما أَدْراكَ)، ثم أخبر ما هي فقال: فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ مجاعة.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبيد الله بن أبي سمرة قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله المستعيني قال: حدّثنا علي بن الحسين البصري قال: حدّثنا حجّاج قال: حدّثنا جرير بن حازم
(١) سورة البقرة: ٣٨. [.....]
210
قال: سمعت الحسن وأبا رجاء يقرآن: فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ قد لصق بالتراب من الفقر فليس له مأوى إلّا التراب.
وسمعت أبا القاسم الحلبي يقول: سمعت أبا حامد الخازرجي يقول: المتربة هاهنا من التربة وهي شدّة الحال، وأنشد الهذلي:
وكنّا إذا ما الضيف حلّ بأرضنا سفكنا دماء البدن في تربة المال «١»
أخبرني الحسن قال: حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي قال: حدّثنا موسى بن إسحاق الأنصاري قال: حدّثنا عبد الحميد بن صالح قال: حدّثنا عيسى بن عبد الرحمن عن طلحة بن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله علّمني عملا يدخلني الجنّة فقال: «لئن أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق النسمة وفكّ الرقبة»، قال: أوليسا واحدا!؟
قال: «لا، عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفكّ الرقبة أن تعين في ثمنها، والمنحة الوكوف والفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذاك فاطعم الجائع واسق الظمآن، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذاك فكفّ لسانك إلّا من خير» [١٥٢] «٢».
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا قيل: ثمّ بمعنى الواو وَتَواصَوْا أوصى بعضهم بعضا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ برحمة الناس. أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ قرأ أبو عمرو وعيسى وحمزة ويعقوب بالهمزة هاهنا، وفي سورة الهمزة وغيرهم بلا همزة، وهما لغتان. المطبقة، قال الفراء وأبو عبيدة يقال: أصدت وأوصدت إذا أطبقت وقيل: معنى الهمزة المطبقة وغير الهمزة المغلقة، ومنه قيل للباب: وصيد.
(١) لسان العرب: ١١/ ١٩١.
(٢) كنز العمال: ٦/ ٤٣٧ ح ١٦٤٢٩.
211
Icon