تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب صفوة التفاسير
المعروف بـصفوة التفاسير
.
لمؤلفه
محمد علي الصابوني
.
ﰡ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ
ﰀ
ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ
ﰁ
ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﰂ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﰃ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﰄ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﰅ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﰆ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ
ﰇ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﰈ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ
ﰉ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﰊ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ
ﰋ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﰌ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﰍ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ
ﰎ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﰏ
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ
ﰐ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ
ﰑ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﰒ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﰓ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﰔ
ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﰕ
اللغَة: ﴿سُبْحَانَ﴾ اسمٌ للتسبيح ومعناه تنزيه الله تعالى من كل سوء ونقصٍ وهو خاصٌ به سبحانه ﴿أسرى﴾ الإِسراء: السيرُ ليلاً يقال: أسرى وسرى لغتان قال الشاعر:
139
سريتَ من حَرَمٍ ليلاً إلى حَرَمٍ | كما سَرَى البدرُ في دَاجٍ من الظُّلَم |
التفسِير: ﴿سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ أي تنزَّه وتقدَّس عما لا يليق بجلاله، اللهُ العليُّ الشأن، الذي انتقل بعبده ونبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في جزءٍ من الليل ﴿مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى﴾ أي من مكة المكرمة إلى بيت المقدس، وسمي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام قال المفسرون: وإنما قال ﴿لَيْلاً﴾ بلفظ التنكير لتقليل مدة الإسراء، وأنه قطع به المسافات الشاسعة البعيدة في جزءٍ من الليل وكانت مسيرة أربعين ليلة، وذلك أبلغ في القدرة والإِعجاز ولهذا كان بدء السورة بلفظ ﴿سُبْحَانَ﴾ الدال على كمال القدرة، وبالغ الحكمة، ونهاية تنزهه تعالى عن صفات المخلوقين، وكان الإِسراء بالروح والجسد، يقظة لا مناماً ﴿الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ أي الذي باركنا ما حوله بأنواع البركات الحسية والمعنوية، بالثمار والأنهار التي خصَّ الله بها بلاد الشام، وبكونه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة الأطهار ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ﴾ أي لنريَ محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ آياتنا العجيبة العظيمة، ونطلعه على ملكوت السماوات والأرض، فقد رأى صلوات الله عليه السماوات العُلى والجنة والنار، وسدرة المنتهى، والملائكة والأنبياء وغير ذلك من العجائب والآيات التي تدل على قدرة الله تعالى ﴿إِنَّهُ هُوَ السميع البصير﴾ أي إنه تعالى هو السميع لأقوال محمد، البصير بأفعاله، فلهذا خصَّه بهذه الكرامات والمعجزات احتفاءً وتكريماً ﴿وَآتَيْنَآ مُوسَى الكتاب وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي أعطينا موسى التوراة هدايةً لبني إسرائيل يخرجهم بواسطة ذلك الكتاب من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والإِيمان ﴿أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً﴾ أي لا تتخذوا لكم ربا تكلون إليه أموركم سوى الله الذي خلقكم قال المفسرون: لما ذُكر المسجدُ الأقصى وهو قلب الأرض المقدسة التي أسكنها الله بني إسرائيل جاء الحديث عنهم في مكانه المناسب من سياق السورة ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ أي يا ذرية ويا أبناء المؤمنين الذين كانوا مع نوح في السفينة، لقد نجينا آباءكم من الغرق فاشكروا الله على إنعامه ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً﴾ أي إن نوحاً كان كثير الشكر يحمد الله على كل حال فاقتدوا به، وفي النداء لهم تلطفٌ وتذكير بنعمة الله ﴿وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الكتاب﴾ أي أخبرناهم وأعلمناهم وأوحينا إليهم في التوراة ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرض مَرَّتَيْنِ﴾ أي ليحصلنَّ منكم الإفساد في أرض فلسطين وما حولها مرتين قال ابن عباس: أول الفساد قتل زكريا والثاني قتل يحيى عليهما السلام ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ أي تطغون في الأرض المقدسة طغياناً كبيراً بالظلمٍ
140
والعدوان وانتهاك محارم الله ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا﴾ أي أُولى المرتين من الإِفساد ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ﴾ أي سلَّطنا عليكم من عبيدنا أناساً جبارين للانتقام منكم ﴿أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ أي أصحاب قوةٍ وبطش في الحرب شديد قال المفسرون: إن بني إسرائيل لما استحلوا المحارم وسفكوا الدماء سلَّط الله عليهم بختنصر ملك بابل فقتل منهم سبعين ألفاً حتى كاد يفنيهم هو وجنوده، وذلك أول الفسادين ﴿فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار﴾ أي طافوا وسط البيوت يروحون ويغدون للتفتيش عنكم واستئصالكم بالقتل والسلب والنهب لا يخافون من أحد ﴿وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾ أي كان ذلك التسليط والانتقام قضاءً جزماً حتماً لا يقبل النقض والتبديل ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ﴾ أي ثمَّ لما تبتم وأنبتم أهلكنا أعداءكم ورددنا لكم الدَّوْلَة والغلبة عليهم بعد ذلك البلاء الشديد ﴿وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ أي أعطيناكم الأموال الكثيرة والذرية الوفيرة، بعد أن نُهبت أموالكم وسُبيت أولادكم ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ أي جعلناكم أكثر عدداً ورجالاً من عدوكم لتستعيدوا قوتكم وتبنوا دولتكم ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ﴾ أي إن أحسنتم يا بني إسرائيل فإحسانكم لأنفسكم ونفعه عائد عليكم لا ينتفع الله منها بشيء ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ أي وإن أسأتم فعليها لا يتضرر الله بشيء منها، فهو الغني عن العباد، لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة﴾ أي فإذا جاء وعد المرة الأخيرة من إفسادكم بقتل يحيى وانتهاك محارم الله بعثنا عليكم أعداءكم مرة ثانية ﴿لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ أي بعثناهم ليهينوكم ويجعلوا آثار المساءة والكآبة باديةً على وجوهكم بالإِذلال والقهر ﴿وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي وليدخلوا بيت المقدس فيخربوه كما خربوه أول مرة ﴿وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً﴾ أي وليدمروا ويهلكوا ما غلبوا عليه تدميراً، فقد سلّط الله عليهم مجوس الفرس فشردوهم في الأرض وقتلوهم ودمَّروا مملكتهم تدميراً ﴿عسى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ﴾ أي لعل الله يرحكم ويعفو عنكم إن تبتم وأنبتم، وهذا وعدٌ منه تعالى بكشف العذاب عنهم إن رجعوا إلى الله و ﴿عسى﴾ من الله واجبة ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا﴾ أي وإن عدتم إلى الإِفساد والإِجرام عدنا إلى العقوبة والانتقام ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً﴾ أي وجعلنا جهنم محبساً وسجناً للكافرين، لا يقدرون على الخروج منها أبَدَ الآبدين، ثم بيًّن تعالى مزية التنزيل الكريم الذي فاق بها سائر الكتب السماوية فقال ﴿إِنَّ هذا القرآن يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ أي إنَّ هذا القرآن العظيم يهدي لأقوم الطرق وأوضح السُّبُل، ولما هو أعدل وأصوب ﴿وَيُبَشِّرُ المؤمنين الذين يَعْمَلُونَ الصالحات أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾ أي ويبشر المؤمنين الذين يعملون بمقتضاه بالأجر العظيم في جنات النعيم ﴿وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ أي ويبشرهم بأن لأعدائهم الذين لا يصدقون بالآخرة العقاب الأليم في دار الجحيم، وقد جمعت الآية بين الترغيب والترهيب ﴿وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير﴾ أي يدعو بالشر على نفسه كدعائه لها بالخير، ولو استجيب له في الشر كما يستجاب له في الخير
141
لهلك قال ابن عباس: هو دعاء الرجل على نفسه وولده عند الضجر بما لا يحبُّ أن يستجاب له: اللهمَّ أهلكه اللهمَّ دمْره ونحوه ﴿وَكَانَ الإنسان عَجُولاً﴾ أي ومن طبيعة الإِنسان العجلة، يتعجل بالدعاء على نفسه ويسارع لكل ما يخطر بباله، دون النظر في عاقبته، ثم أشار تعالى إلى آيات الله الكونية في هذا الوجود، التي كلٌ منها برهانٌ نيِّر على وحدانية الله فقال ﴿وَجَعَلْنَا اليل والنهار آيَتَيْنِ﴾ أي علامتين عظيمتين على وحدانيتنا وكمال قدرتنا ﴿فَمَحَوْنَآ آيَةَ اليل﴾ أي طمسنا الليل فجعلناه مظلماً لتسكنوا فيه ﴿وَجَعَلْنَآ آيَةَ النهار مُبْصِرَةً﴾ أي جعلنا النهار مضيئاً مشرقاً بالنور ليحصل به الإِبصار ﴿لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي لتطلبوا في النهار أسباب معايشكم ﴿وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب﴾ أي ولتعلموا عدد الأيام والشهور والأعوام، بتعاقب الليل والنهار، فالليل للراحة والسكون، والنهار للكسب والسعي ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾ أي وكلَّ أمر من أمور الدنيا والدين، بينَّاه أحسن تبيين، وليس شيء من أمر هذا الوجود متروكاً للمصادفة والجُزاف، وإنما هو بتقديرٍ وتدبيرٍ حكيم ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ أي أن الإِنسان مرهون بعمله مجزي به، وعملُه ملازم له لزوم القلادة للعُنُق لا ينفك عنه أبداً ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً﴾ أي نظهر له في الآخرة كتاب أعماله مفتوحاً فيه حسناته وسيئاته فيرى عمله مكشوفاً لا يملك إخفاءه أو تجاهله ﴿اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ أي إقرأ كتاب عملك كفى أن تكون اليوم شهيداً بما عملت، لا تحتاج إلى شاهد أو حسيب ﴿مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ أي من اهتدى فثواب اهتدائه له، ومن ضلَّ فعقاب كفره وضلاله عليها ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ أي لا يحمل أحد ذنب أحد، ولا يجني جانٍ إلا على نفسه ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ أي وما كنا معذبين أحداً من الخلق حتى نبعث لهم الرسل مذكرين ومنذرين فتقوم عليهم الحجة ﴿وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا﴾ أي وإذا أردنا هلاك قوم من الأقوام أمرنا المتنعمِّين فيها والقادة والرؤساء بالطاعة على لسان رسلنا فعصوا أمرنا وخرجوا عن طاعتنا وفسقوا وفجروا ﴿فَحَقَّ عَلَيْهَا القول فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾ أي فوجب عليهم العذاب بالفسق والطغيان فأهلكناهم إهلاكاً مُريعاً قال ابن عباس: ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا﴾ أي سلَّطنا أشرارها فعصوا فيها فإذا فعلوا ذلك أهلكهم الله بالعذاب ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القرون مِن بَعْدِ نُوحٍ﴾ أي وكثير من الأمم الطاغية المكذبين للرسل أهلكناهم من بعد نوح كقوم عاد وثمود وفرعون قال ابن كثير: والآية إنذار لكفار قريش والمعنى إنكم أيها المكذبون لستم أكرم على الله منهم وقد كذبتم أشرف الرسل وأكرم الخلائق فعقوبتكم أولى وأحرى ﴿وكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً﴾ أي كفى يا محمد أن يكون ربك رقيباً على أعمال العباد يدرك بواطنها وظواهرها ويجازي عليها ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ﴾ أي من كان يريد بعمله الدنيا فقط ولها يعمل ويسعى ليس له همٌّ إلا الدنيا عجلنا له فيها ما نشاء تعجيله من نعيمها لا كلَّ ما يريد ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً﴾ أي ثم
142
جعلنا له في الآخرة جهنم يدخلها مهاناً حقيراً مطروداً من رحمة الله ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وسعى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ أي ومن أراد الدار الآخرة وما فيها من النعيم المقيم، وعمل لها عملها الذي يليق بها من الطاعات وهو مؤمن صادق الإِيمان ﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً﴾ أي فأولئك الجامعون للخصال الحميدة من الإِخلاص، والعمل الصالح، والإِيمان.
كان عملهم مقبولاً عند الله أحسن القبول، مثاباً عليه ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هؤلاء وهؤلاء مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ﴾ أي كل واحدٍ من الفريقين الذين أرادوا الدنيا، والذين أرادوا الآخرة نعطيه من عطائنا الواسع تفضلاً منا وإحساناً، فنعطي المؤمن والكافر والمطيع والعاصي ﴿وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾ أي ما كان عطاؤه تعالى محبوساً ممنوعاً عن أحد ﴿انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ﴾ أي أنظر يا محمد كيف فاوتنا بينهم في الأرزاق والأخلاق في هذه الحياة الدنيا فهذا غني وذاك فقير، وهذا شريف وذاك حقير ﴿وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ أي ولتفاوتُهم في الدار الآخرة أعظم من التفاوت في هذا الدار لأن الآخرة دار القرار وفيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ أي لا تجعل مع الله شريكاً ولا تتخذ غيره إلهاً تعبده ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً﴾ أي فتصير ملوماً عند الله مخذولاً منه لا ناصر لك ولا معين.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - براعة الاستهلال ﴿سُبْحَانَ الذي أسرى﴾ لأنه لما كان أمراً خارقاً للعادة بدأ بلفظ يشير إلى كمال القدرة وتنزه الله عن صفات النقص.
٢ - إضافة التكريم والتشريف ﴿بِعَبْدِهِ﴾.
٣ - جناس الاشتقاق ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً﴾ ﴿تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾.
٤ - الطباق بين ﴿أَحْسَنْتُمْ... وأَسَأْتُمْ﴾ وبين ﴿ضَلَّ... واهتدى﴾.
٥ - إيجاز بالحذف ﴿اقرأ كتابك﴾ أي يقال له يوم القيامة إقرأ كتابك ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ أي أمرناهم بطاعة الله فعصوا وفسقوا فيها.
٦ - المجاز العقلي ﴿آيَةَ النهار مُبْصِرَةً﴾ لأن النهار لا يُبصر بل يُبْصر فيه فهو من إسناد الشيء إلى زمانه.
٧ - الاستعارة اللطيفة ﴿طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ استعير الطائر لعمل الإِنسان، ولما كان العرب يتفاءلون ويتشاءمون بالطير سموا نفس الخير والشر بالطائر بطريق الاستعارة.
لطيفَة: الحكمة في إسرائه إلى بيت المقدس ثم عروجه من بيت المقدس إلى السماوات العلى أنه مجمع أرواح الأنبياء، وموطن تنزل الوحي الإِلهي على الرسل الكرام، ولما كانت هذه الرحلة رحلة تكريم أراد تعالى أن يشرفهم بزيارته. ولهذا صلى بهم إماماً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
تنبيه: وصفه تعالى في هذه السورة بالعبودية ﴿أسرى بِعَبْدِهِ﴾ لأنه أشرف المقامات وأسمى المراتب العلية، كما وصفه في مقام الوحي كذلك ﴿فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى﴾ [النجم: ١٠] وفي مقام الدعوة ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩] ولهذا قال القاضي عياض:
كان عملهم مقبولاً عند الله أحسن القبول، مثاباً عليه ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هؤلاء وهؤلاء مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ﴾ أي كل واحدٍ من الفريقين الذين أرادوا الدنيا، والذين أرادوا الآخرة نعطيه من عطائنا الواسع تفضلاً منا وإحساناً، فنعطي المؤمن والكافر والمطيع والعاصي ﴿وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً﴾ أي ما كان عطاؤه تعالى محبوساً ممنوعاً عن أحد ﴿انظر كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ﴾ أي أنظر يا محمد كيف فاوتنا بينهم في الأرزاق والأخلاق في هذه الحياة الدنيا فهذا غني وذاك فقير، وهذا شريف وذاك حقير ﴿وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ أي ولتفاوتُهم في الدار الآخرة أعظم من التفاوت في هذا الدار لأن الآخرة دار القرار وفيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ أي لا تجعل مع الله شريكاً ولا تتخذ غيره إلهاً تعبده ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً﴾ أي فتصير ملوماً عند الله مخذولاً منه لا ناصر لك ولا معين.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - براعة الاستهلال ﴿سُبْحَانَ الذي أسرى﴾ لأنه لما كان أمراً خارقاً للعادة بدأ بلفظ يشير إلى كمال القدرة وتنزه الله عن صفات النقص.
٢ - إضافة التكريم والتشريف ﴿بِعَبْدِهِ﴾.
٣ - جناس الاشتقاق ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً﴾ ﴿تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾.
٤ - الطباق بين ﴿أَحْسَنْتُمْ... وأَسَأْتُمْ﴾ وبين ﴿ضَلَّ... واهتدى﴾.
٥ - إيجاز بالحذف ﴿اقرأ كتابك﴾ أي يقال له يوم القيامة إقرأ كتابك ﴿أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ أي أمرناهم بطاعة الله فعصوا وفسقوا فيها.
٦ - المجاز العقلي ﴿آيَةَ النهار مُبْصِرَةً﴾ لأن النهار لا يُبصر بل يُبْصر فيه فهو من إسناد الشيء إلى زمانه.
٧ - الاستعارة اللطيفة ﴿طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ استعير الطائر لعمل الإِنسان، ولما كان العرب يتفاءلون ويتشاءمون بالطير سموا نفس الخير والشر بالطائر بطريق الاستعارة.
لطيفَة: الحكمة في إسرائه إلى بيت المقدس ثم عروجه من بيت المقدس إلى السماوات العلى أنه مجمع أرواح الأنبياء، وموطن تنزل الوحي الإِلهي على الرسل الكرام، ولما كانت هذه الرحلة رحلة تكريم أراد تعالى أن يشرفهم بزيارته. ولهذا صلى بهم إماماً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
تنبيه: وصفه تعالى في هذه السورة بالعبودية ﴿أسرى بِعَبْدِهِ﴾ لأنه أشرف المقامات وأسمى المراتب العلية، كما وصفه في مقام الوحي كذلك ﴿فأوحى إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى﴾ [النجم: ١٠] وفي مقام الدعوة ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ﴾ [الجن: ١٩] ولهذا قال القاضي عياض:
143
ومما زادني شرفاً وتيهاً | وكدتُ بأخمصي أطأ الثريّا |
دخولي تحت قولك يا عبادي | وأن صيَّرت أحمد لي نبياً |
وفي كل شيءٍ له آيةٌ | تدلُّ على أنه واحدُ |
148
ساحر، وتارة إنك شاعر، وتارة إنك مجنون ﴿وقد ضلوا بهذا البهتان والزور {فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً﴾ أي لا يجدون طريقاً إلى الهدى والحق المبين.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستعارة المكنية ﴿واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل﴾ شبَّه الذل بطائر له جناح وحذف الطائر ورمز له بشيء من لوازمه وهو الجناح على سبيل الاستعارة المكنية.
٢ - الاستعارة التمثيلية ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط﴾ مثَّل للبخيل بالذي حبست يده عن الإِعطاء وشدت إلى عنقه بحيث لا يقدر على مدها، وشبَّه السرف ببسط الكف بحيث لا تحفظ شيئاً.
٣ - اللف والنشر المرتب ﴿فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً﴾ عاد لفظ ﴿مَلُوماً﴾ إلى البخل ولفظ ﴿مَّحْسُوراً﴾ إلى الإِسراف أي يلومك الناس إن بخلت، وتصبح مقطوعاً إن أسرفت.
٤ - الطباق بين ﴿يَبْسُطُ... وَيَقْدِرُ﴾.
٥ - جناس الاشتقاق ﴿قَرَأْتَ القرآن﴾.
٦ - التوبيخ ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين﴾ ؟
٧ - الفرض والتقدير ﴿لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ﴾.
لطيفَة: نقف هنا أمام مثلٍ من دقائق التعبير القرآني العجيبة ففي هذه السورة قدَّم تعالى رزق الأبناء على رزق الآباء ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم﴾ وفي سورة الأنعام قدَّم رزق الآباء ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١] والسرُّ في ذلك أن قتل الأولاد هنا كان خشية وقوع الفقر بسببهم فقدَّم تعالى رزق الأولاد، وفي الأنعام كان قتلهم بسبب فقر الآباء فعلاً فقدم رزق الآباء، فلله در التنزيل ما أروع أسراره}
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستعارة المكنية ﴿واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل﴾ شبَّه الذل بطائر له جناح وحذف الطائر ورمز له بشيء من لوازمه وهو الجناح على سبيل الاستعارة المكنية.
٢ - الاستعارة التمثيلية ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط﴾ مثَّل للبخيل بالذي حبست يده عن الإِعطاء وشدت إلى عنقه بحيث لا يقدر على مدها، وشبَّه السرف ببسط الكف بحيث لا تحفظ شيئاً.
٣ - اللف والنشر المرتب ﴿فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً﴾ عاد لفظ ﴿مَلُوماً﴾ إلى البخل ولفظ ﴿مَّحْسُوراً﴾ إلى الإِسراف أي يلومك الناس إن بخلت، وتصبح مقطوعاً إن أسرفت.
٤ - الطباق بين ﴿يَبْسُطُ... وَيَقْدِرُ﴾.
٥ - جناس الاشتقاق ﴿قَرَأْتَ القرآن﴾.
٦ - التوبيخ ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين﴾ ؟
٧ - الفرض والتقدير ﴿لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ﴾.
لطيفَة: نقف هنا أمام مثلٍ من دقائق التعبير القرآني العجيبة ففي هذه السورة قدَّم تعالى رزق الأبناء على رزق الآباء ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم﴾ وفي سورة الأنعام قدَّم رزق الآباء ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١] والسرُّ في ذلك أن قتل الأولاد هنا كان خشية وقوع الفقر بسببهم فقدَّم تعالى رزق الأولاد، وفي الأنعام كان قتلهم بسبب فقر الآباء فعلاً فقدم رزق الآباء، فلله در التنزيل ما أروع أسراره}
149
ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ
ﰰ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ
ﰱ
ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﰲ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﰳ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﰴ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ
ﰵ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﰶ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ
ﰷ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ
ﰸ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ
ﰹ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﰺ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
ﰻ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﰼ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﰽ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ
ﰾ
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ
ﰿ
ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ
ﱀ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﱁ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ
ﱂ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﱃ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ
ﱄ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى موقف المشركين من القرآن العظيم، وذكر تعاميهم عن فهم آياته البينات، أردفه بذكر شبهاتهم في إنكار البعث والنشور وكرَّ عليها بالإبطال والتفنيد، ثم ذكر قصة آدم وإبليس للعظة والاعتبار، وأعقبها بذكر نعمه العظيمة على العباد ثم بالوعيد والتهديد إن أصرُّوا على الكفر والجحود.
اللغَة: ﴿رُفَاتاً﴾ الرُّفات: ما تكسِّر وبَلِيَ من كل شيء كالفُتات والحُطام والرُّضاض ﴿يُنْغِضُونَ﴾ قال الفراء: يقال أنغض فلانٌ رأسه إذا حرّكه إلى فوق وأسفل كالمتعجب من الشيء قال الراجز: «أَنْغَض نحوي رأسه وأقنعا» ﴿يَنزَغُ﴾ يفسد ويهيِّج الشر والنزغُ: الإفسادُ والإغراء ﴿لأَحْتَنِكَنَّ﴾ الاحتناك الأخذ بالكليَّةِ والاستئصال يقال: احتنك الجرادُ الزرعَ إذا ذهب به كلَّه ﴿استفزز﴾ اخدعْ واستخفَّ يقال: أفزَّه الخوف واستفزّه إذا أزعجه واستخفَّه ﴿وَأَجْلِبْ﴾ أصل الإِجلاب السوقُ بجلبَةٍ من السائق وهو الصياح، والجَلَب والجَلَبَةُ الأصوات ﴿وَرَجِلِكَ﴾ الرَّجِلُ جمع راجل وهو الذي يمشي على قدميه ﴿يُزْجِي﴾ يسوق ﴿حَاصِباً﴾ الحاصب والحصباء هي الحَصَى الصغار ﴿قَاصِفاً﴾ القاصف ما يقصف الشيء أي يكسره والريح الشديدة التي تكسر بشدة من قصف الشيء يقصفه أي كسره بشدة، ورعد قاصف شديد الصوت ﴿تَبِيعاً﴾ طالباً يقال تابع وتبيع وهو النصير والمطالب.
سَبَبُ النّزول: أ - عن ابن عباس «أن أهل مكة سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن يُنحِّيَ عنهم الجبال فيزرعوا فقيل له: أن شئتَ أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم، وإن شئتَ
اللغَة: ﴿رُفَاتاً﴾ الرُّفات: ما تكسِّر وبَلِيَ من كل شيء كالفُتات والحُطام والرُّضاض ﴿يُنْغِضُونَ﴾ قال الفراء: يقال أنغض فلانٌ رأسه إذا حرّكه إلى فوق وأسفل كالمتعجب من الشيء قال الراجز: «أَنْغَض نحوي رأسه وأقنعا» ﴿يَنزَغُ﴾ يفسد ويهيِّج الشر والنزغُ: الإفسادُ والإغراء ﴿لأَحْتَنِكَنَّ﴾ الاحتناك الأخذ بالكليَّةِ والاستئصال يقال: احتنك الجرادُ الزرعَ إذا ذهب به كلَّه ﴿استفزز﴾ اخدعْ واستخفَّ يقال: أفزَّه الخوف واستفزّه إذا أزعجه واستخفَّه ﴿وَأَجْلِبْ﴾ أصل الإِجلاب السوقُ بجلبَةٍ من السائق وهو الصياح، والجَلَب والجَلَبَةُ الأصوات ﴿وَرَجِلِكَ﴾ الرَّجِلُ جمع راجل وهو الذي يمشي على قدميه ﴿يُزْجِي﴾ يسوق ﴿حَاصِباً﴾ الحاصب والحصباء هي الحَصَى الصغار ﴿قَاصِفاً﴾ القاصف ما يقصف الشيء أي يكسره والريح الشديدة التي تكسر بشدة من قصف الشيء يقصفه أي كسره بشدة، ورعد قاصف شديد الصوت ﴿تَبِيعاً﴾ طالباً يقال تابع وتبيع وهو النصير والمطالب.
سَبَبُ النّزول: أ - عن ابن عباس «أن أهل مكة سألوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن يُنحِّيَ عنهم الجبال فيزرعوا فقيل له: أن شئتَ أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم، وإن شئتَ
150
نعطيهم الذي سألوا فإن كفروا أُهلكوا، فقال: لا بل أستأني بهم» فنزلت ﴿وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون... ﴾ الآية.
ب - لما ذكر تعالى شجرة الزقوم في القرآن قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمداً يخوّفكم بشجرة الزقوم، ألستم تعلمون أن النار تُحرق الشجر؟ ومحمد يزعم أن النار تُنْبِت الشجر، فهل تدرون ما الزقوم؟ هو التمر والزُّبد، يا جارية ابغينا تمراً وزُبداً، فجاءته به فقال: تزقّموا من هذا الذي يخوّفم به محمد فأنزل الله تعالى ﴿والشجرة الملعونة فِي القرآن وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾.
التفسِير: ﴿وقالوا أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً﴾ استفهام تعجب وإنكار أي قال المشركون المكذبون بالبعث أئذا أصبحنا عظاماً نخرة، وذرات متفتتة كالتراب ﴿أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ أي هل سنُبعث ونُخْلق خلقاً جديداً بعد أن نبلى ونفنى؟ ﴿قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً﴾ أي قل لهم يا محمد لو كنتم حجارةً أو حديداً لقدر الله على بعثكم وإحيائكم فضلاً عن أن تكونوا عظاماً ورفاتاً فإن الله لا يعجزه شيء، فالحجارة والحديد أبعد عن الحياة وهي أصلب الأشياء ولو كانت أجسامكم منها لأعادها الله فكيف لا يقدر على إعادتكم إذا كنتم عظاماً ورفاتاً؟ ﴿أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ أي أو كونوا خلقاً آخر أوغل في البعد عن الحياة من الحجارة والحديد مما يصعب في نفوسكم تصوُّرُ الحياة فيه فسيبعثكم الله قال مجاهد: المعنى كونوا ما شئتم فستعادون ﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا﴾ ؟ أي من الذي يردنا إلى الحياة بعد فنائنا ﴿قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي قل لهم يعيدكم القادر العظيم الذي خلقكم وأنشأكم من العدم أول مرة ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ متى هُوَ﴾ ؟ أي يحركون رءوسهم متعجبين مستهزئين ويقولون استنكاراً واستبعاداً متى يكون البعث والإعادة؟ ﴿قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾ أي لعله يكون قريباً فإن كلَّ ما هو آتٍ قريب ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي سيكون بعثكم يوم الحشر الأكبر يوم يدعوكم الرب جل وعلا للاجتماع في المحشر فتجيبون لأمره، وتظنون لهوْل ما ترون أنكم ما أقمتم في الدنيا إلا زمناً قليلا ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ التي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي قل لعبادي المؤمنين يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلمة الطيبة ويختاروا من الكلام ألطفه وأحسنه وينطقوا دائماً بالحسنى ﴿إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ أي إن الشيطان يُفسد ويُهيج بين الناس الشرَّ ويُشعل نار الفتنة بالكلمة الخشنة يُفلت بها اللسان ﴿إِنَّ الشيطان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾ أي ظاهر العداوة للإِنسان من قديم الزمان يتلمس سقَطَات لسانه ليُحدْث العداوة والبغضاء بين المرء وأخيه ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ أي ربكم أيها الناس أعلم بدخائل نفوسكم إن يشأ يرحمكم بالتوفيق للإِيمان، وإن يشأ يعذبكم بالإِماتة على الكفر والعصيان ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ أي وما جعلناك يا محمد حفيظاً على أعمال الكفار كفيلاً عنهم لتقسرهم على الإِيمان إنما أرسلناك نذيراً فمن أطاعك دخل الجنة، ومن عصاك دخل النار ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السماوات والأرض﴾ إنتقالٌ من الخصوص إلى العموم أي ربك
ب - لما ذكر تعالى شجرة الزقوم في القرآن قال أبو جهل: يا معشر قريش إن محمداً يخوّفكم بشجرة الزقوم، ألستم تعلمون أن النار تُحرق الشجر؟ ومحمد يزعم أن النار تُنْبِت الشجر، فهل تدرون ما الزقوم؟ هو التمر والزُّبد، يا جارية ابغينا تمراً وزُبداً، فجاءته به فقال: تزقّموا من هذا الذي يخوّفم به محمد فأنزل الله تعالى ﴿والشجرة الملعونة فِي القرآن وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾.
التفسِير: ﴿وقالوا أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً﴾ استفهام تعجب وإنكار أي قال المشركون المكذبون بالبعث أئذا أصبحنا عظاماً نخرة، وذرات متفتتة كالتراب ﴿أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ أي هل سنُبعث ونُخْلق خلقاً جديداً بعد أن نبلى ونفنى؟ ﴿قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً﴾ أي قل لهم يا محمد لو كنتم حجارةً أو حديداً لقدر الله على بعثكم وإحيائكم فضلاً عن أن تكونوا عظاماً ورفاتاً فإن الله لا يعجزه شيء، فالحجارة والحديد أبعد عن الحياة وهي أصلب الأشياء ولو كانت أجسامكم منها لأعادها الله فكيف لا يقدر على إعادتكم إذا كنتم عظاماً ورفاتاً؟ ﴿أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ أي أو كونوا خلقاً آخر أوغل في البعد عن الحياة من الحجارة والحديد مما يصعب في نفوسكم تصوُّرُ الحياة فيه فسيبعثكم الله قال مجاهد: المعنى كونوا ما شئتم فستعادون ﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا﴾ ؟ أي من الذي يردنا إلى الحياة بعد فنائنا ﴿قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي قل لهم يعيدكم القادر العظيم الذي خلقكم وأنشأكم من العدم أول مرة ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ متى هُوَ﴾ ؟ أي يحركون رءوسهم متعجبين مستهزئين ويقولون استنكاراً واستبعاداً متى يكون البعث والإعادة؟ ﴿قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾ أي لعله يكون قريباً فإن كلَّ ما هو آتٍ قريب ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي سيكون بعثكم يوم الحشر الأكبر يوم يدعوكم الرب جل وعلا للاجتماع في المحشر فتجيبون لأمره، وتظنون لهوْل ما ترون أنكم ما أقمتم في الدنيا إلا زمناً قليلا ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ التي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي قل لعبادي المؤمنين يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلمة الطيبة ويختاروا من الكلام ألطفه وأحسنه وينطقوا دائماً بالحسنى ﴿إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ أي إن الشيطان يُفسد ويُهيج بين الناس الشرَّ ويُشعل نار الفتنة بالكلمة الخشنة يُفلت بها اللسان ﴿إِنَّ الشيطان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾ أي ظاهر العداوة للإِنسان من قديم الزمان يتلمس سقَطَات لسانه ليُحدْث العداوة والبغضاء بين المرء وأخيه ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ أي ربكم أيها الناس أعلم بدخائل نفوسكم إن يشأ يرحمكم بالتوفيق للإِيمان، وإن يشأ يعذبكم بالإِماتة على الكفر والعصيان ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ أي وما جعلناك يا محمد حفيظاً على أعمال الكفار كفيلاً عنهم لتقسرهم على الإِيمان إنما أرسلناك نذيراً فمن أطاعك دخل الجنة، ومن عصاك دخل النار ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السماوات والأرض﴾ إنتقالٌ من الخصوص إلى العموم أي ربك
151
جلَّ وعلا أعلمُ بعباده بأحوالهم ومقاديرهم فيخص بالنبوة من شاء من خلقه، وهو أعلم بالسعداء والأشقياء، والآية ردٌّ على المشركين حيث استبعدوا النبوة على رسول الله وقالوا: كيف يكون يتيم أبي طالب نبياً؟ وكيف يكون هؤلاء الفقراء الضعفاء أصحابه دون الأكابر والرؤساء؟ ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ﴾ أي فضلنا بعض الأنبياء على بعض حسب علمنا وحكمتنا وخصصناهم بمزايا فريدة، فاصطفينا إبراهيم بالخُلَّة، وموسى بالتكليم، وسليمان بالمُلْك العظيم، ومحمداً بالإِسراء والمعراج وجعلناه سيّد الأولين والآخرين، وكلُّ ذلك فعل الحكيم العليم الذي لا يصدر شيءٌ إلا عن حكمته ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً﴾ أي وأنزلنا الزبور على داود المشتمل على الحكمةِ وفصلِ الخطاب ﴿قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين أدعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دونه تعالى قال الحسن: يعني الملائكة وعيسى وعزيراً فقد كانوا يقولون إنهم يشفعون لنا عند الله ﴿فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً﴾ أي فلا يستطيعون رفع البلاء عنكم ولا تحويله إلى غيركم ﴿أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ أي أولئك الآلهة الذين يدعونهم من دون الله هم أنفسهم يبتغون القرب إلى الله، ويتوسلون إليه بالطاعة والعبادة، فكيف تعبدونهم معه؟ ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ أي يرجون بعبادتهم رحمته تعالى ويخافون عقابه ويتسابقون إلى رضاه ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾ أي عذابه تعالى شديد ينبغي أن يُحذر منه ويخاف من وقوعه وحصوله ﴿وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً﴾ أي ما من قريةٍ من القرى الكافرة التي عصتْ أمر الله وكذَّبتْ رسله إلا وسيهلكها الله إما بالاستئصال الكلي أو بالعذاب الشديد لأهلها ﴿كَانَ ذلك فِي الكتاب مَسْطُوراً﴾ أي كان ذلك حكماً مسطراً في اللوح المحفوظ لا يتغيَّر ﴿وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون﴾ قال المفسرون: اقترح المشركون على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ معجزاتٍ عظيمة منها أن يقلب لهم الصفا ذهباً، وأن يزيح عنهم الجبال فأخبره تعالى أنه إن أجابهم إلى ما طلبوا ثم لم يؤمنوا استحقوا عذاب الاستئصال، وقد اقتضَت حكمته تعالى إمهالهم لأنه علم أنَّ منهم من يؤمن وأن من أولادهم من يؤمن فلهذا السبب ما أجابهم إلى ما طلبوا أو المعنى ما منعنا من إرسال المعجزات والخوارق التي اقترحها قومك إلاّ تكذيبُ مَنْ سبقهم من الأمم حيث اقترحوا ثم كذبوا فأهلكهم الله ودمَّرهم ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا﴾ أي وأعطينا قوم صالح الناقة آيةً بينة ومعجزةً ساطعة واضحة فكفروا بها وجحدوا بعد أن سألوها فأهلكهم الله ﴿وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفاً﴾ أي وما نرسل بالآيات الكونية كالزلازل والرعد والخسوف والكسوف إلا تخويفاً للعباد من المعاصي قال قتادة: إن الله تعالى يخوّف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويرجعون ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس﴾ أي واذكر يا محمد حين أخبرناك أن الله أحاط بالناس علماً في الماضي والحاضر والمستقبل فهو تعالى لا يخفى عليه شيءٌ من أحوالهم وقد علم أنهم لن يؤمنوا ولو جئتهم بما طلبوا من الآيات والمعجزات ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾ أي وما جعلنا الرؤية التي أريناكها عياناً
152
ليلة المعراج من عجائب الأرض والسماء إلا امتحاناً وابتلاءً لأهل مكة حيث كذبوا وكفروا وارتد بعض الناس لما أخبرهم بها قال البخاري عن ابن عباس: هي رؤيا عينٍ أُريها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليلةَ أُسريَ به وليست برؤيا منام ﴿والشجرة الملعونة فِي القرآن﴾ أي وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن وهي شجرة الزقوم إلا فتنةً أيضاً للناس قال ابن كثير: لما أخبرهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه رأى الجنة والنار ورأى شجرة الزقوم كذبوا بذلك حتى قال أبو جهل متهكماً: هاتوا لنا تمراً وزُبْداً وجعل يأكل من هذا بهذا ويقول: تزقّموا فلا نعلم الزقوم غير هذا ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾ أي ونخوّف هؤلاء المشركين بأنواع العذاب والآيات الزاجرة فما يزيدهم تخويفنا إلا تمادياً وغياً واستمراراً على الكفر والضلال، فماذا تنفع معهم الخوارق؟ ما زادتهم خارقة الإِسراء والمعراج، ولا خارقة التخويف بشجرة الزقوم إلا استهزاءً وإمعاناً في الضلال، ثم أَشار تعالى إلى أن هذا الطغيان سببه إغواء الشيطان ولهذا ذكر قصته عقب ذلك فقال ﴿وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ﴾ أي أذكر يا محمد حين أمرنا الملائكة بالسجود لآدم سجود تحية وتكريم فسجدوا كلهم إلا إبليس استكبر وأبى افتخاراً على آدم واحتقاراً له ﴿قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾ استفهامٌ إنكاري أي أأسجد أنا العظيم الكبير لهذا الضعيف الحقير الذي خلقته من الطين؟ كيف يصح للعالي أن يسجد للداني؟ ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ أي قال إبليس اللعين جراءةً على الربّ وكفراً به: أتُرى هذا المخلوق الذي فضَّلته عليَّ وجعلتَه أكرَم مني عندك؟ ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي لئن أنظرتني وأبقيتني حياً إلى يوم القيامة لأستأصلنَّ ذريته بالإِغواء والإضلال قال الطبري: أقسم عدوُّ الله فقال لربه: لئن أخرتَ إهلاكي إلى يوم القيامة لأستأصلنَّهم ولأستميلنَّهم وأضلنَّهم إلا قليلاً منهم ﴿قَالَ اذهب فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً﴾ أي قال الرب جلَّ وعلا: إذهب فقد أنظرتُك وابذل جهدك فيهم فمن أطاعك من ذرية آدم فإن جزاءك وجزاءهم نارُ جهنم جزاء كاملاً وافراً لا ينقص لكم منه شيء قال القرطبي: والأمر في ﴿اذهب﴾ أمرُ إهانة والمعنى اجهد جهدك فقد أنظرناك ﴿واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ أي استخفف واستجهل وحرِّكْ من أردتَ أن تستفزَّه فتخدعه بدعائك إلى الفساد قال ابن عباس: صوتُه كلُّ داعٍ يدعو إلى معصية الله تعالى وقال مجاهد: صوته الغناء والمزامير واللهو ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ أي صِحْ عليهم بأعوانك وجنودك من كل راكبٍ وراجل قال الطبري: المعنى اجمع عليهم من ركبان جندك ومشاتهم من يصيح عليهم بالدعاء إلى طاعتك، والصرفِ عن طاعتي قال ابن عباس: خيلُه ورَجِله كلُّ راكبٍ وماشٍ في معصية الله تعالى وقال الزمخشري: الكلام واردٌ مورد التمثيل، مُثِّلَتْ حالُه في تسلطه على من يُغويه بفارسٍ مغوار أوقع على قومٍ فصوَّت بهم صوتاً يستفزهم عن أماكنهم، ويُقلقهم عن مراكزهم، وأجلبَ عليهم بجنده من خيَّالةٍ ورجَّالة حتى
153
استأصلهم ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الأموال والأولاد﴾ أي اجعل لنفسك شركة في أموالهم وأولادهم، أما الأموال فبكسبها من الحرام وإنفاقها في المعاصي، وأما الأولاد فبتحسين اختلاط الرجال بالنساء حتى يكثر الفجور ويكثر أولاد الزنى ﴿وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً﴾ أي عدْهم بالوعود المغرية الخادعة والأماني الكاذبة، كالوعد بشفاعة الأصنام، والوعد بالغِنى من المال الحرام، والوعد بالعفو والمغفرة وسَعَة رحمة الله، والوعد باللذة والسرور في ارتكاب الموبقات كقول الشاعر:
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ أي إنَّ عبادي المخلصين ليس لك عليهم تسلطٌ بالإِغواء لأنهم في حفظي وأماني ﴿وكفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ أي كفى بالله تعالى عاصماً وحافظاً لهم من كيدك وشرك، ثم ذكَّر تعالى العباد بإحسانه ونعمه عليهم وبآثار قدرته ووحدانيته فقال ﴿رَّبُّكُمُ الذي يُزْجِي لَكُمُ الفلك فِي البحر لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ أي ربكم أيها الناس هو الذي يُسيّر لكم السفن في البحر لتطلبوا من رزقه في أسفاركم وتجاراتكم ﴿إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ أي هو تعالى رحيم بالعباد ولهذا سهَّل لهم أسباب ذلك ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ أي وإذا أصابتكم الشدة والكرب في البحر وخشيتم من الغَرَق ذهب عن خاطركم من كنتم تعبدونه من الآلهة ولم تجدوا غير الله مغيثاً يغيثكم، فالإنسان في تلك الحالة لا يتضرع إلى الصنم والوثن، والمَلك والفَلَك وإنما يتضرع إلى الله تعالى ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ﴾ أي فلما نجاكم من الغرق وأخرجكم إلى البَرِّ أعرضتم عن الإِيمان والإِخلاص ﴿وَكَانَ الإنسان كَفُوراً﴾ أي ومن طبيعة الإِنسان جحود نعم الرحمن، ثم خوَّفهم تعالى بقدرته العظيمة فقال ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر﴾ أي أفأمنتم أيها الناس حين نجوتم من الغرق في البحر أن يخسف الله بكم الأرض فيخيفكم في باطنها؟ إنكم في قبضة الله في كل لحظة فكيف تأمنون بطش الله وانتقامه بزلزالٍ أو رجفةٍ أو بركان؟ ﴿أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً﴾ أي يمطركم بحجارة من السماء تقتلكم كما فعل بقوم لوط ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً﴾ أي لا تجدوا من يقوم بأموركم ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أخرى﴾ أي يعيدكم في البحر مرةً أخرى ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الريح﴾ أي يرسل عليكم وأنتم في البحر ريحاً شديدة مدمِّرة، لا تَمرُّ بشيءٍ إلا كسرته ودمَّرته ﴿فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ﴾ أي يغرقكم بسبب كفركم ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً﴾ أي لا تجدوا من يأخذ لكم بالثأر منا أو يطالبنا بتبعة إغراقكم.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستفهام الإِنكاري ﴿أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً﴾ وتكرير الهمزة في ﴿أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ لتأكيد النكير وكذلك تأكيده بإنَّ واللام للإِشارة إلى قوة الإِنكار.
خذوا بنصيبٍ من سرورٍ ولذةٍ | فكلٌ وإن طال المدى يتصرَّم |
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستفهام الإِنكاري ﴿أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً﴾ وتكرير الهمزة في ﴿أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ لتأكيد النكير وكذلك تأكيده بإنَّ واللام للإِشارة إلى قوة الإِنكار.
154
٢ - التعجيز والإِهانة في الأمر ﴿قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً﴾.
٣ - الطباق بين ﴿يَرْحَمْكُمْ... يُعَذِّبْكُمْ﴾ وبين لفظ ﴿البر... البحر﴾.
٤ - الإيجاز بالحذف ﴿وَلاَ تَحْوِيلاً﴾ أي ولا تحويل الضر عنكم حُذف لدلالة ما سبق.
٥ - المقابلة اللطيفة بين الجملتين ﴿يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾، ﴿وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾.
٦ - الإِسناد المجازي ﴿وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات﴾ المنع محالٌ في حقه تعالى لأن الله لا يمنعه عن إرادته شيء فالمنع مجاز عن الترك أي ما كان سبب ترك إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين.
٧ - المجاز العقلي ﴿الناقة مُبْصِرَةً﴾ لما كانت الناقة سبباً في إبصار الحق والهدى نسب إليها الإِبصار ففيه مجاز عقلي علاقته السببية.
٨ - الاستعارة التمثيلية ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ مُثِّلَتْ حال الشيطان في تسلطه على من يغويه بالفارس الذي يصيح بجنده للهجوم على الأعداء لاستئصالهم.
٩ - التذييل ﴿إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ لأنه كالتعليل لما سبق من تسيير السفن وتسخيرها في البحر.
تنبيه: الغالب في لفظ ﴿الرؤيا﴾ أن تكون منامية وإذا كانت بالعين يقال ﴿رؤية﴾ بالتاء، وقوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾ جاءت على غير الغالب لأن المراد بها الرؤية البصرية التي رآها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الإِسراء والمعراج وقد تقدم قول ابن عباس: «هي رؤيا عين أُريها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليلة أُسري به» ولو كانت رؤيا منام لما كانت فتنةً للناس ولما ارتد بعضهم عن الإسلام.
٣ - الطباق بين ﴿يَرْحَمْكُمْ... يُعَذِّبْكُمْ﴾ وبين لفظ ﴿البر... البحر﴾.
٤ - الإيجاز بالحذف ﴿وَلاَ تَحْوِيلاً﴾ أي ولا تحويل الضر عنكم حُذف لدلالة ما سبق.
٥ - المقابلة اللطيفة بين الجملتين ﴿يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾، ﴿وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾.
٦ - الإِسناد المجازي ﴿وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات﴾ المنع محالٌ في حقه تعالى لأن الله لا يمنعه عن إرادته شيء فالمنع مجاز عن الترك أي ما كان سبب ترك إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين.
٧ - المجاز العقلي ﴿الناقة مُبْصِرَةً﴾ لما كانت الناقة سبباً في إبصار الحق والهدى نسب إليها الإِبصار ففيه مجاز عقلي علاقته السببية.
٨ - الاستعارة التمثيلية ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾ مُثِّلَتْ حال الشيطان في تسلطه على من يغويه بالفارس الذي يصيح بجنده للهجوم على الأعداء لاستئصالهم.
٩ - التذييل ﴿إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ لأنه كالتعليل لما سبق من تسيير السفن وتسخيرها في البحر.
تنبيه: الغالب في لفظ ﴿الرؤيا﴾ أن تكون منامية وإذا كانت بالعين يقال ﴿رؤية﴾ بالتاء، وقوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾ جاءت على غير الغالب لأن المراد بها الرؤية البصرية التي رآها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الإِسراء والمعراج وقد تقدم قول ابن عباس: «هي رؤيا عين أُريها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليلة أُسري به» ولو كانت رؤيا منام لما كانت فتنةً للناس ولما ارتد بعضهم عن الإسلام.
155
ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ
ﱅ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﱆ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ
ﱇ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
ﱈ
ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ
ﱉ
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ
ﱊ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﱋ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
ﱌ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﱍ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﱎ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ
ﱏ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ
ﱐ
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ
ﱑ
ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﱒ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
ﱓ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ
ﱔ
ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ
ﱕ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ
ﱖ
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
ﱗ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﱘ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى ما امتنَّ به على الناس من تسيير السفن في البحر، ومن تنجيتهم من الغرق، تمّم ذكر المنَّة بما أنعم به على النوع الإِنساني من تكرمتهم، ورزقهم، وتفضيلهم على سائر المخلوقات، ثم ذكر أحوال الناس ودرجاتهم في الآخرة، ثم حذَّر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من اتباع أهواء المشركين.
اللغَة: ﴿بِإِمَامِهِمْ﴾ الإِمام في اللغة: كل من يأتم به غيره سواء كان على هدى أو ضلال ويطلق الإِمام على كتاب الأعمال لأن الإِنسان يكون تابعاً لكتاب أعماله يقوده إلى الجنة أو النار ﴿فَتِيلاً﴾ الفتيل: القشرة التي في شق النواة ويضرب مثلاً للشيء الحقير التافه ومثله القطمير والنقير ﴿تَرْكَنُ﴾ تميل ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ الاستفزاز: الإِزعاج بسبب من الأسباب للحمل على الخروج من الوطن وغيره ﴿تَحْوِيلاً﴾ تغييراً وتبديلاً ﴿لِدُلُوكِ﴾ الدلوك: الغروب يقال دلكت الشمس أي غابت قال أبو عبيد وابن قتيبة: الدلوك الغروب وأنشد لذي الرمة:
مصابيحُ ليستْ باللواتي تقودها... نجومٌ ولا بالآفلات الدَّوَالكِ
وقال الأزهري: أصل الدلوك الميل يقال: مالت الشمس للزوال، ومالت للغروب ﴿غَسَقِ﴾ غسَقُ الليل: سواده وظلمته يقال: غسق الليل إذا اشتدت ظلمته ﴿فَتَهَجَّدْ﴾ التهجد: صلاة الليل بعد الاستيقاظ من النوم، والهجودُ: النوم، قال الشاعر:
أَلاَ طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُود... فباتَتْ بعَلاَّتِ النَّوَال تَجُود
﴿زَهَقَ﴾ زال وبطل ﴿نَأَى﴾ تباعد والنأي: البُعد ﴿ظَهِيراً﴾ مُعيناً ونَصيراً.
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل! فقالوا: سلوه عن الروح فأنزل الله ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي... ﴾ الآية.
التفسِير: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيءَادَمَ﴾ أي لقد شرفنا ذرية آدم على جميع المخلوقات بالعقل، والعلم، والنطق، وتسخير جميع ما في الكون لهم ﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البر والبحر﴾ أي وحملناهم على
اللغَة: ﴿بِإِمَامِهِمْ﴾ الإِمام في اللغة: كل من يأتم به غيره سواء كان على هدى أو ضلال ويطلق الإِمام على كتاب الأعمال لأن الإِنسان يكون تابعاً لكتاب أعماله يقوده إلى الجنة أو النار ﴿فَتِيلاً﴾ الفتيل: القشرة التي في شق النواة ويضرب مثلاً للشيء الحقير التافه ومثله القطمير والنقير ﴿تَرْكَنُ﴾ تميل ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ الاستفزاز: الإِزعاج بسبب من الأسباب للحمل على الخروج من الوطن وغيره ﴿تَحْوِيلاً﴾ تغييراً وتبديلاً ﴿لِدُلُوكِ﴾ الدلوك: الغروب يقال دلكت الشمس أي غابت قال أبو عبيد وابن قتيبة: الدلوك الغروب وأنشد لذي الرمة:
مصابيحُ ليستْ باللواتي تقودها... نجومٌ ولا بالآفلات الدَّوَالكِ
وقال الأزهري: أصل الدلوك الميل يقال: مالت الشمس للزوال، ومالت للغروب ﴿غَسَقِ﴾ غسَقُ الليل: سواده وظلمته يقال: غسق الليل إذا اشتدت ظلمته ﴿فَتَهَجَّدْ﴾ التهجد: صلاة الليل بعد الاستيقاظ من النوم، والهجودُ: النوم، قال الشاعر:
أَلاَ طَرَقَتْنَا والرِّفَاقُ هُجُود... فباتَتْ بعَلاَّتِ النَّوَال تَجُود
﴿زَهَقَ﴾ زال وبطل ﴿نَأَى﴾ تباعد والنأي: البُعد ﴿ظَهِيراً﴾ مُعيناً ونَصيراً.
سَبَبُ النّزول: عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل! فقالوا: سلوه عن الروح فأنزل الله ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي... ﴾ الآية.
التفسِير: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِيءَادَمَ﴾ أي لقد شرفنا ذرية آدم على جميع المخلوقات بالعقل، والعلم، والنطق، وتسخير جميع ما في الكون لهم ﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البر والبحر﴾ أي وحملناهم على
156
ظهور الدواب والسفن ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطيبات﴾ أي من لذيذ المطاعم والمشارب قال مقاتل: السمن والعسل والزبد والتمر والحلوى وجعلنا رزق الحيوان التبن والعظام وغيرها ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ أي وفضلناهم على جميع من خلقنا من سائر الحيوانات وأصناف المخلوقات من الجن والبهائم والدواب والوحش والطير وغير ذلك ﴿يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ أي اذكر يوم الحشر حين ننادي كل إنسان بكتاب عمله ليسلَّم له وينال جزاءه، والإِمام الكتاب الذي سجل فيه عمل الإِنسان ويقوّيه ﴿وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ في إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ [يس: ١٢] قال ابن عباس: الإِمام ما عُمل وأُملي فكتب عليه، فمن بُعث متقياً لله جُعل كتابُه بيمينه فقرأه واستبشر ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ أي فمن أُعطي كتاب عمله بيمينه وهم السعداء أولو البصائر والنُّهى المتقون لله ﴿فأولئك يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ﴾ أي يقرءون حسناتهم بفرح واستبشار لأنهم أخذوا كتبهم بأيمانهم ﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ أي ولا يُنقصون من أجور أعمالهم شيئاً ولو كان بمقدار الفتيل وهو الخيط الذي في شق النواة ﴿وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى﴾ أي ومن كان في هذه الدنيا أعمى القلب، لا يهتدي إلى الحق ولا إلى الخير ﴿فَهُوَ فِي الآخرة أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ أي فهو في الآخرة أشدُّ عمىً وأشدُّ ضلالاً عن طريق السعادة والنجاة قال قتادة: من كان في هذه الدنيا أعمى عمًّا عايَنَ من نعم الله وخلقه وعجائبه، فهو فيما يغيب عنه من أمر الآخرة أشد عمى وأضلُّ طريقاً ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ أي وإن كان الحال والشأن أن المشركين قاربوا أن يصرفوك عن الذي أوحيناه إليك يا محمد من بعض الأوامر والنواهي ﴿لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾ أي لتأتي بغير ما أوحاه إليك وتخالف تعاليمه ﴿وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً﴾ أي لو فعلت ما أرادوا لاتخذوك صاحباً وصديقاً قال المفسرون: حاول المشركون محاولات كثيرة ليثنوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن المضي في دعوته منها: مساومتهم له أن يعبدوا إلهه مقابل أن يترك التنديد بآلهتهم وما كان عليه آباؤهم، ومنها مساومة بعضهم أن يجعل أرضهم حراماً كالبيت العتيق الذي حرَّمه الله، ومنها طلب بعض الكبراء أن يجعل لهم مجلساً غير مجلس الفقراء، فعصمه الله من شرّهم وأخبر أنه لا يكله إلى أحد من خلقه بل هو وليه وحافظه وناصره ﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ﴾ أي لولا أن ثبتاك على الحق بعصمتنا إياك ﴿لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ أي كدت تميل إليهم وتسايرهم على ما طلبوا ﴿إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات﴾ أي لو ركَنْتَ إليهم لضاعفنا لك عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، لأن الذنب من العظيم جرمٌ كبير يستحق مضاعفة العذاب، والغرضُ من الآية بيانُ فضل الله على الرسول في تثبيته على الحق، وعصمته من الفتنة، ولو تخلى عن عصمته لمال إليهم بعض الشيء و ﴿لَوْلاَ﴾ حرف امتناع لوجود أي امتنع الركون إليهم لعصمته تعالى وتثبيته له، فليس في الآية ما يُنقص من قدر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإنما هي بيان لفضل الله العظيم على
157
نبيه الكريم ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾ أي لا تجد من ينصرك منا أو يدفع عنك عذابنا ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا﴾ أي وإن كاد المشركون بمكرهم وإزعاجهم أن يخرجوك يا محمد من أرض مكة ﴿وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي لو أخرجوك لم يلبثوا بعد خروجك إلا زمناً يسيراً وفق سنة الله التي لا تتبدل مع الذين يخرجون رسلهم من أوطانهم قال قتادة: همَّ أهلُ مكة بإخراج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من مكة ولو فعلوا ذلك ما أمهلوا ولكنَّ الله تعالى منعهم من إخراجه حتى أمره بالخروج ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا﴾ أي هذه عادة الله مع رسله في إهلاك كل أمةٍ أَخرجتْ رسولَها من بين أظهرهم ﴿وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً﴾ أي لن تجد لها تبديلاً أو تغييراً ﴿أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ اليل﴾ أي حافظ يا محمد على الصلاة في أوقاتها من وقت زوال الشمس عند الظهيرة إلى وقت ظلمة الليل ﴿وَقُرْآنَ الفجر﴾ أي وأقم صلاة الفجر، وإنما عبَّر عنها بقرآن الفجر لأنه تطلب إطالة القراءة فيها ﴿إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً﴾ أي تشهده ملائكة الليل والنهار كما في الحديث
«يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة العصر، وصلاة الفجر....» الحديث، قال المفسرون: في الآية الكريمة إشارة إلى الصلوات المفروضة، فدلوكُ الشمس زوالُها وهو إشارة إلى الظهر والعصر، وغَسَقُ الليل ظلمتُه وهو إشارة إلى المغرب والعشاء، وقرآن الفجر صلاة الفجر، فالآية رمزٌ إلى الصلوات الخمس ﴿وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ أي وقم من الليل بعد النوم متهجداً بالقرآن فضيلةً وتطوعاً لك ﴿عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾ أي لعلَّ ربك يا محمد يقيمك يوم القيامة مقاماً محموداً يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام «الشفاعة العظمى» قال المفسرون: ﴿عسى﴾ في كلام الله للتحقيق لأنه وعد كريم وهو لا يتخلف ولهذا قال ابن عباس: عسى من الله واجبة أي تفيد القطع ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ أي قل يا رب أدخلني قبري مُدْخل صدق أي إدخالاً حسناً ﴿وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ أي أخرجني من قبري عند البعث إخراجاً حسناً هذا قول ابن عباس، وقال الحسن والضحاك: المراد دخوله المدينة المنورة، وخروجه من مكة المكرمة وذلك حين أخرجه المشركون بعد أن تآمروا على قتله صلوات الله وسلامه عليه ﴿واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً﴾ أي اجعل لي من عندك قوةً ومَنَعة تنصرني بها على أعدائك وتُعزُّ بها دينك، وقد استجاب الله دعاءه فنصره على الأعداء، وأعلا دينه على سائر الأديان ﴿وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل﴾ أي سطع نور الحق وضياؤه وهو الإسلام، وزهق الباطل وأنصاره وهو الكفر وعبادةُ الأصنام، فلا شرك ولا وثنية بعد إشراق نور الإِيمان ﴿إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً﴾ أي إن الباطل لا بقاء له ولا ثبوت لأنه يضمحل ويتلاشى، وإن كانت له صولةٌ وجولة فسرعان ما تزول كشعلة الهشيم ترتفع عالياً ثم تخبو سريعاً، روي «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما دخل مكة عام الفتح كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعودٍ في يده ويقول: ﴿جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً﴾ فما بقي
«يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة العصر، وصلاة الفجر....» الحديث، قال المفسرون: في الآية الكريمة إشارة إلى الصلوات المفروضة، فدلوكُ الشمس زوالُها وهو إشارة إلى الظهر والعصر، وغَسَقُ الليل ظلمتُه وهو إشارة إلى المغرب والعشاء، وقرآن الفجر صلاة الفجر، فالآية رمزٌ إلى الصلوات الخمس ﴿وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ أي وقم من الليل بعد النوم متهجداً بالقرآن فضيلةً وتطوعاً لك ﴿عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾ أي لعلَّ ربك يا محمد يقيمك يوم القيامة مقاماً محموداً يحمدك فيه الأولون والآخرون وهو مقام «الشفاعة العظمى» قال المفسرون: ﴿عسى﴾ في كلام الله للتحقيق لأنه وعد كريم وهو لا يتخلف ولهذا قال ابن عباس: عسى من الله واجبة أي تفيد القطع ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ أي قل يا رب أدخلني قبري مُدْخل صدق أي إدخالاً حسناً ﴿وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ أي أخرجني من قبري عند البعث إخراجاً حسناً هذا قول ابن عباس، وقال الحسن والضحاك: المراد دخوله المدينة المنورة، وخروجه من مكة المكرمة وذلك حين أخرجه المشركون بعد أن تآمروا على قتله صلوات الله وسلامه عليه ﴿واجعل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً﴾ أي اجعل لي من عندك قوةً ومَنَعة تنصرني بها على أعدائك وتُعزُّ بها دينك، وقد استجاب الله دعاءه فنصره على الأعداء، وأعلا دينه على سائر الأديان ﴿وَقُلْ جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل﴾ أي سطع نور الحق وضياؤه وهو الإسلام، وزهق الباطل وأنصاره وهو الكفر وعبادةُ الأصنام، فلا شرك ولا وثنية بعد إشراق نور الإِيمان ﴿إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً﴾ أي إن الباطل لا بقاء له ولا ثبوت لأنه يضمحل ويتلاشى، وإن كانت له صولةٌ وجولة فسرعان ما تزول كشعلة الهشيم ترتفع عالياً ثم تخبو سريعاً، روي «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما دخل مكة عام الفتح كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعودٍ في يده ويقول: ﴿جَآءَ الحق وَزَهَقَ الباطل إِنَّ الباطل كَانَ زَهُوقاً﴾ فما بقي
158
منها صنمٌ إلا خرَّ لوجهه ثم أمر بها فكسرت» ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي وننزّل من آيات القرآن العظيم ما يشفي القلوب من أمراض الجهل والضلال، ويُذهب صدأ النفس من الهوى والدَّنس، والشُّح والحسد، وما هو رحمة للمؤمنين بما فيه من الإِيمان والحكمة والخير المبين ﴿وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَاراً﴾ أي ولا يزيد هذا القرآن الكافرين به عند سماعه إلا هلاكاً ودماراً لأنهم لا يصدقون به فيزدادون كفراً وضلالاً ﴿وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ أي وإذا أنعمنا على الإِنسان بأنواع النعم من صحةٍ، وآمنٍ، وغنىً أعرض عن طاعة الله وعبادته، وابتعد عن ربه غروراً وكِبْراً ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشر كَانَ يَئُوساً﴾ أي وإذا أصابته الشدائد والمصائب أصبح يائساً قانطاً من رحمة الله، والآية تمثيلٌ لطغيان الإنسان فإن أصابته النعم بطر وتكبَّر، وإن أصابته الشدة أيس وقنط كقوله
﴿إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً﴾ [المعارج: ١٩ - ٢١] ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ﴾ أي كل واحدٍ يعمل على نهجه وطريقته في الهدى والضلال، فإن كانت نفس الإِنسان مشرقةً صافية صدرت عنه أفعال كريمة فاضلة، وإن كانت نفسه فاجرةً كافرة صدرت عنه أفعال سيئةٌ شرّيرة ﴿فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً﴾ أي ربكم أعلم بمن اهتدى إلى طريق الصواب وبمن ضلَّ عنه وسيجزي كل عاملٍ بعمله ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ أي يسألك يا محمد الكفار عن الروح ما هي؟ وما حقيقتها؟ فقل لهم إنها من الأسرار الخفية التي لا يعلمها إلا ربُّ البرية ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي وما أوتيتم أيها الناس من العلم إلا شيئاً قليلاً لأن علمكم قليل بالنظر إلى علم الله ﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ أي لو أردنا لمحونا هذا القرآن الذي هو مِنَّةُ الرحمن من صدرك يا محمد فإن ذلك في قدرتنا ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً﴾ أي لا تجد من يتوكل علينا باسترداده، وردّه إليك بعد ذهابه ﴿إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ أي لكنْ رحمةً من ربك تركناه محفوظاً في صدرك وصدر أصحابك ﴿إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً﴾ أي فضل الله عليك عظيم حيث أنزل عليك القرآن، وأعطاك المقام المحمود، وجعلك خاتم المرسلين وسيد الأولين والآخرين، والمقصود بالآية الامتنان على الرسول بالقرآن والتحذير له عن التفريط فيه، والخطاب له عليه السلام والمراد أمته ﴿قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ أي لو اتفق واجتمع أرباب الفصاحة والبيان من الإنس والجان وأرادوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن لما أطاقوا ذلك ولو تعاونوا وتساعدوا على ذلك جميعاً فإن هذا أمر لا يستطاع وليس بمقدور أحد ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ أي بيَّنا لهم الحجج والبراهين القاطعة، ووضحنا لهم بالحقَّ بالآياتِ والعِبَر، والترغيب والترهيب ﴿فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً﴾ أي ومع البراهين القائمة والحجج الواضحة أبى أكثر الناس إلا جحوداً للحق وتكذيباً لله ورسوله.
البَلاَغة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستعارة ﴿كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ الإِمام الذي يتقدم الناس في الصلاة وقد استعير هنا لكتاب الأعمال لأنه يرافق الإِنسان ويتقدمه يوم القيامة.
﴿إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً﴾ [المعارج: ١٩ - ٢١] ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ﴾ أي كل واحدٍ يعمل على نهجه وطريقته في الهدى والضلال، فإن كانت نفس الإِنسان مشرقةً صافية صدرت عنه أفعال كريمة فاضلة، وإن كانت نفسه فاجرةً كافرة صدرت عنه أفعال سيئةٌ شرّيرة ﴿فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلاً﴾ أي ربكم أعلم بمن اهتدى إلى طريق الصواب وبمن ضلَّ عنه وسيجزي كل عاملٍ بعمله ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ أي يسألك يا محمد الكفار عن الروح ما هي؟ وما حقيقتها؟ فقل لهم إنها من الأسرار الخفية التي لا يعلمها إلا ربُّ البرية ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي وما أوتيتم أيها الناس من العلم إلا شيئاً قليلاً لأن علمكم قليل بالنظر إلى علم الله ﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ أي لو أردنا لمحونا هذا القرآن الذي هو مِنَّةُ الرحمن من صدرك يا محمد فإن ذلك في قدرتنا ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً﴾ أي لا تجد من يتوكل علينا باسترداده، وردّه إليك بعد ذهابه ﴿إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ أي لكنْ رحمةً من ربك تركناه محفوظاً في صدرك وصدر أصحابك ﴿إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً﴾ أي فضل الله عليك عظيم حيث أنزل عليك القرآن، وأعطاك المقام المحمود، وجعلك خاتم المرسلين وسيد الأولين والآخرين، والمقصود بالآية الامتنان على الرسول بالقرآن والتحذير له عن التفريط فيه، والخطاب له عليه السلام والمراد أمته ﴿قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ أي لو اتفق واجتمع أرباب الفصاحة والبيان من الإنس والجان وأرادوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن لما أطاقوا ذلك ولو تعاونوا وتساعدوا على ذلك جميعاً فإن هذا أمر لا يستطاع وليس بمقدور أحد ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هذا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ أي بيَّنا لهم الحجج والبراهين القاطعة، ووضحنا لهم بالحقَّ بالآياتِ والعِبَر، والترغيب والترهيب ﴿فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً﴾ أي ومع البراهين القائمة والحجج الواضحة أبى أكثر الناس إلا جحوداً للحق وتكذيباً لله ورسوله.
البَلاَغة: تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي:
١ - الاستعارة ﴿كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ الإِمام الذي يتقدم الناس في الصلاة وقد استعير هنا لكتاب الأعمال لأنه يرافق الإِنسان ويتقدمه يوم القيامة.
159
٢ - الاستعارة التمثيلية ﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ يضرب مثلاً للقلة أي لا ينقصون من ثواب أجورهما ولا بمقدار الخيط الذي في شق النواة.
٣ - الطباق ﴿ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات﴾.
٤ - المجاز المرسل ﴿وَقُرْآنَ الفجر﴾ أطلق الجزء على الكل أي قراءة الفجر والمراد بها الصلاة لأن القراءة جزء منها فالعلاقة الجزئية.
٥ - الإِظهار في مقام الإِضمار لمزيد الاهتمام والعناية ﴿إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً﴾ بعد قوله ﴿وَقُرْآنَ الفجر﴾.
٧ - المقابلة اللطيفة بين ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ ﴿وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ وبين ﴿جَآءَ الحق﴾ ﴿وَزَهَقَ الباطل﴾.
لطيفَة: ذكر أن عالماً ممن ينكر المجاز والاستعارة في القرآن الكريم جاء إلى شيخٍ فاضل عالم منكراً عليه دعوى المجاز - وكان ذلك السائل المنكر أعمى - فقال له الشيخ ما تقول في قوله تعالى ﴿وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى فَهُوَ فِي الآخرة أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ هل المراد بالعمى الحقيقة وهو عمى البصر، أم المراد به المجاز وهو عمى البصيرة؟ فبهت السائل وانقطعت حجته.
٣ - الطباق ﴿ضِعْفَ الحياة وَضِعْفَ الممات﴾.
٤ - المجاز المرسل ﴿وَقُرْآنَ الفجر﴾ أطلق الجزء على الكل أي قراءة الفجر والمراد بها الصلاة لأن القراءة جزء منها فالعلاقة الجزئية.
٥ - الإِظهار في مقام الإِضمار لمزيد الاهتمام والعناية ﴿إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُوداً﴾ بعد قوله ﴿وَقُرْآنَ الفجر﴾.
٦ - التفصيل بعد الإِجمال ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ | وَمَن كَانَ فِي هذه أعمى﴾ بعد ذكر كتاب الأعمال. |
٨ - إسناد الخير إلى الله والشر لغيره ﴿أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان | . وَإِذَا مَسَّهُ الشر﴾ لتعليم الأدب مع الله تعالى. |
160
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﱙ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ
ﱚ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﱛ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ
ﱜ
ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ
ﱝ
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﱞ
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ
ﱟ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
ﱠ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ
ﱡ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ
ﱢ
ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ
ﱣ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ
ﱤ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ
ﱥ
ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﱦ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ
ﱧ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ
ﱨ
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ
ﱩ
ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ
ﱪ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﱫ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈ
ﱬ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ
ﱭ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﱮ
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى القرآن وما فيه من الدلائل الواضحة والبراهين القاطعة على صدق النبي الأمي، وتحداهم فظهر عجزهم بوضوح إعجازه، ذكر هنا نماذج عن تعنت الكفار وضلالهم باقتراح خوارق مادية غير القرآن العظيم، ثم ذكر قصة موسى وتكذيب فرعون له مع كثرة الخوارق والمعجزات التي ظهرت على يديه تسليةً لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن تكذيب المشركين، ثم ختم السورة الكريمة بدلائل القدرة والوحدانية.
اللغَة: ﴿كِسَفاً﴾ قِطَعاً جمع كِسْفَة كدمنة ودِمَن يقال: كسْفتُ الثوبَ أكسِفُه كِسَفاً إذا قطعته قطعاً قال الفراء: سمعت أعرابياً يقول للبزَّاز أعطني كِسْفةً يريد قطعة ﴿قَبِيلاً﴾ معاينةً ﴿ترقى﴾ تصعد ﴿خَبَتْ﴾ خبت النار: سكنَ لهبها، وخمدتْ: سكن جمرها، وهَمَدت: طفئت جملة ﴿قَتُوراً﴾ بخيلاً ﴿مَثْبُوراً﴾ الثبور: الهلاك يقال: ثَبَر اللهُ العدوَّ أهلكه ﴿لَفِيفاً﴾ اللفيف: الجمع من القوم من أخلاطٍ شتى قال الجوهري: اللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتّى يقال: جاء القوم بلَفِّهم ولفيفهم ﴿مُكْثٍ﴾ المُكْث: التطاول في المدة يقال مكَثَ إذا أَطال الإِقامة ﴿تُخَافِتْ﴾ خافت في الكلام أَسَرَّه بحيث لا يكاد يسمع أحد ﴿الأَذْقَانِ﴾ جمع ذّقَن وهو مجتمع اللَّحْيَين قال الشاعر:
سَبَبُ النّزول: أ - عن ابن عباس «أن رؤساء قريش اجتمعوا عند الكعبة فقالوا: ابعثوا إلى محمد فكلِّموه وخاصموه حتى تُعذروا فيه، فبعثوا إليه إنَّ أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك فجاءهم سريعاً - وكان حريصاً على رُشدهم - فقالوا يا محمد: إنّا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخلَ على قومه ما أدخلتَ على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبتَ الدين، وسفَّهتَ الأحلام، وفرَّقت الجماعة، فإن كنتَ إنما جئت بهذا لتطلب مالاً جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشَّرَف فينا سوَّدناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيا - أي تابعاً من الجنّ - بذلنا أموالنا في طلب
اللغَة: ﴿كِسَفاً﴾ قِطَعاً جمع كِسْفَة كدمنة ودِمَن يقال: كسْفتُ الثوبَ أكسِفُه كِسَفاً إذا قطعته قطعاً قال الفراء: سمعت أعرابياً يقول للبزَّاز أعطني كِسْفةً يريد قطعة ﴿قَبِيلاً﴾ معاينةً ﴿ترقى﴾ تصعد ﴿خَبَتْ﴾ خبت النار: سكنَ لهبها، وخمدتْ: سكن جمرها، وهَمَدت: طفئت جملة ﴿قَتُوراً﴾ بخيلاً ﴿مَثْبُوراً﴾ الثبور: الهلاك يقال: ثَبَر اللهُ العدوَّ أهلكه ﴿لَفِيفاً﴾ اللفيف: الجمع من القوم من أخلاطٍ شتى قال الجوهري: اللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتّى يقال: جاء القوم بلَفِّهم ولفيفهم ﴿مُكْثٍ﴾ المُكْث: التطاول في المدة يقال مكَثَ إذا أَطال الإِقامة ﴿تُخَافِتْ﴾ خافت في الكلام أَسَرَّه بحيث لا يكاد يسمع أحد ﴿الأَذْقَانِ﴾ جمع ذّقَن وهو مجتمع اللَّحْيَين قال الشاعر:
فخرّوا لأذقانِ الوجوه تنوشُهم | سباعٌ من الطير العوادي وتنتف |
161
الطِبِّ حتى نبرئك منه أو نُعذَر فيك، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ما بي ما تقولون، ما جئتكم أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا المُلك عليكم، ولكنَّ الله بعثني إليكم رسولاً فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، فقالوا يا محمد إن كنت غير قابلٍ منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيقَ بلاداً، ولا أشدَّ عيشاً منا، فسل ربك يُسيّر لنا هذه الجبال، ويجري لنا أنهاراً، ويبعث من مضى من آبائنا حتى نسألهم أحقٌّ ما تقول؟ وسلْه أن يجعل لك جناناً وكنوزاً وقصوراً من ذهب وفضة تغنيك عنا فأنزل الله ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً... ﴾ »
الآية.
التفسِير: ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً﴾ لما تبيّن إعجاز القرآن ولزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتعلَّلون باقتراح الآيات والخوارق والمعنى قال المشركون لن نصدِّقك يا محمد حتى تشقّق لنا من أرض مكة عيناً غزيرة ﴿أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ﴾ أي يكون لك بستانٌ فيه أنواع النخيل والأعناب ﴿فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً﴾ أي تجعل الأنهار تتفجّر فيها وتسير وسطها بقوةٍ وغزارة ﴿أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً﴾ هذا هو الاقتراح الثالث أي تجعل السماء تتساقط علينا قِطَعاً كما كنتَ تخوّفنا وتزعم أن الله سيعذبنا إن لم نؤمن بك قال المفسرون: أشاروا إلى قوله تعالى: ﴿إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السمآء﴾ [سبأ: ٩] ﴿أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً﴾ أي تُحضر لنا اللهَ وملائكته مقابلةً وعياناً فنراهم ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ﴾ أي يكون لك قصرٌ مشيَّد عظيم من ذهبٍ لا من حجر أو طين ﴿أَوْ ترقى فِي السمآء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ﴾ هذا هو الاقتراح السادس والأخير، وكلُّها تدل على سفهٍ وجهلٍ كبير، بسنة الله في خلقه وبحكمته وجلاله أي أو تصعد يا محمد إلى السماء بِسُلَّم ولن نصدّقك لمجرد صعودك حتى تعود ومعك كتاب من الله تعالى منشور أنك عبده ورسولُه نقرؤه بأنفسنا ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾ أي قل لهم يا محمد تعجباً من فرط كفرهم وعنادهم: سبحانَ الله هل أنا إله حتى تطلبوا مني أمثال هذه المقترحات؟ ما أنا إلا رسولٌ من البشر بعثني الله إِليكم فلم هذا الجحود والعناد؟! ﴿وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً﴾ ؟ أي إن السبب الذي منع المشركين من الإِيمان بعد وضوح المعجزات هو استبعاد أن يبعث الله رسولاً إلى الخلق من البشر، فلماذا يكون بشراً ولا يكون ملكاً؟ وقد ردَّ تعالى عليهم بقوله ﴿قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ﴾ أي قل لهم يا محمد: لو كان أهل الأرض ملائكة يمشون على أقدامهم كما يمشي الناس ساكنين في الأرض مستقرين فيها ﴿لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً﴾ أي لنزلنا عليهم رسولاً من الملائكة ولكنَّ أهل الأرض بشرٌ
الآية.
التفسِير: ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً﴾ لما تبيّن إعجاز القرآن ولزمتهم الحجة وغلبوا أخذوا يتعلَّلون باقتراح الآيات والخوارق والمعنى قال المشركون لن نصدِّقك يا محمد حتى تشقّق لنا من أرض مكة عيناً غزيرة ﴿أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ﴾ أي يكون لك بستانٌ فيه أنواع النخيل والأعناب ﴿فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً﴾ أي تجعل الأنهار تتفجّر فيها وتسير وسطها بقوةٍ وغزارة ﴿أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً﴾ هذا هو الاقتراح الثالث أي تجعل السماء تتساقط علينا قِطَعاً كما كنتَ تخوّفنا وتزعم أن الله سيعذبنا إن لم نؤمن بك قال المفسرون: أشاروا إلى قوله تعالى: ﴿إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السمآء﴾ [سبأ: ٩] ﴿أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً﴾ أي تُحضر لنا اللهَ وملائكته مقابلةً وعياناً فنراهم ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ﴾ أي يكون لك قصرٌ مشيَّد عظيم من ذهبٍ لا من حجر أو طين ﴿أَوْ ترقى فِي السمآء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ﴾ هذا هو الاقتراح السادس والأخير، وكلُّها تدل على سفهٍ وجهلٍ كبير، بسنة الله في خلقه وبحكمته وجلاله أي أو تصعد يا محمد إلى السماء بِسُلَّم ولن نصدّقك لمجرد صعودك حتى تعود ومعك كتاب من الله تعالى منشور أنك عبده ورسولُه نقرؤه بأنفسنا ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾ أي قل لهم يا محمد تعجباً من فرط كفرهم وعنادهم: سبحانَ الله هل أنا إله حتى تطلبوا مني أمثال هذه المقترحات؟ ما أنا إلا رسولٌ من البشر بعثني الله إِليكم فلم هذا الجحود والعناد؟! ﴿وَمَا مَنَعَ الناس أَن يؤمنوا إِذْ جَآءَهُمُ الهدى إِلاَّ أَن قالوا أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً﴾ ؟ أي إن السبب الذي منع المشركين من الإِيمان بعد وضوح المعجزات هو استبعاد أن يبعث الله رسولاً إلى الخلق من البشر، فلماذا يكون بشراً ولا يكون ملكاً؟ وقد ردَّ تعالى عليهم بقوله ﴿قُل لَوْ كَانَ فِي الأرض ملائكة يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ﴾ أي قل لهم يا محمد: لو كان أهل الأرض ملائكة يمشون على أقدامهم كما يمشي الناس ساكنين في الأرض مستقرين فيها ﴿لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً﴾ أي لنزلنا عليهم رسولاً من الملائكة ولكنَّ أهل الأرض بشرٌ
162
فالرسول إليهم بشرٌ من جنسهم، إذْ جرت حكمة الله أن يرسل إلى كل قومٍ رسولاً من جنسهم ليمكنهم الفهم عنه ومخاطبته، وهذا تسفيهٌ وتجهيل لمنطق المشركين ﴿قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ أي كفى اللهُ شاهداً على صدقي ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾ أي هو تعالى العالم بأحوال العباد وسيجازيهم عليها ﴿وَمَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتد﴾ أي من يهده الله إلى الحق فهو السعيد الرشيد ﴿وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ﴾ أي ومن يضلله الله عن الحق بسبب سوء اختياره فلن تجد لهم أنصاراً يعصمونهم من عذاب الله ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ﴾ أي يُسحبون يوم القيامة على وجوههم تجرُّهم الزبانية من أرجلهم إلى جهنم كما يُفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه ﴿عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً﴾ أي يُحشرون حال كونهم عمياً وبكماً وصماً يعني فاقدي الحواس لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون ثم يردُّ الله إليهم أسماعهم وأبصارهم ونطقهم فيرون النار ويسمعون زفيرها وينطقون بما حكى الله عنهم، عن أنس
«قيل يا رسول الله: كيف يُحشر الناسُ على وجوههم؟ قال: الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» ﴿مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾ أي مستقرهم ومقامهم في جهنم كلما سكن لهبها وخمدت نارها زدناهم ناراً ملتهبة ووهجاً وجمراً ﴿ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ أي ذلك العذاب جزاء كفرهم بآيات الله وتكذيبهم بالبعث والنشور وقولهم أئذا أصبحنا عظاماً نخرة، وذرات متفتتة سنُخلق ونبعث مرة ثانية؟ وقد ردَّ تعالى عليهم بقوله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ أي أولم ير هؤلاء المشركون أن الله العظيم الجليل الذي خلق هذا الكون الهائل بسماواته وأرضه قادرٌ على إعادة جسد الإِنسان بعد فنائه؟ فإن القادر على الإحياء قادر على الإِعادة بطريق الأحرى قال في البحر: نبَّههم تعالى على عظيم قدرته وباهر حكمته بقوله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ﴾ وهو استفهام إِنكارٍ وتوبيخ على استبعادهم الإِعادة، واحتجاجٌ عليهم بأنهم قد رأوا قدرة الله على خلق هذه الأجرام العظيمة التي بعضُ ما تحويه البشرُ، فكيف يقرون بخلق هذا المخلوق العظيم ثم ينكرون إعادته ﴿وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ أي جعل لهؤلاء المشركين موعداً محدَّداً لموتهم وبعثهم، لا شك ولا ريب في مجيئه ﴿فأبى الظالمون إِلاَّ كُفُوراً﴾ أي أبى هؤلاء الكافرون الظالمون - مع وضوح الحق وسطوعه - إلا جحوداً وتمادياً في الكفر والضلال ﴿قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المعاندين المكابرين، المقترحين للخوارق والمعجزات: لو كنتم تملكون خزائن رزق الله ونِعَمه التي أفاضها على العباد ﴿إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق﴾ أي إذاً لبخلتم به وامتنعتم عن الإِنفاق خوفاً من نفادها ﴿وَكَانَ الإنسان قَتُوراً﴾ أي وكان الإِنسان شحيحاً مبالغاً في البخل قال ابن عباس ﴿قَتُوراً﴾ أي بخيلاً منوعاً وقال الزمخشري: ولقد بلغ هذا الوصف بالشُّحّ الغاية التي لا يبلغها الوهم. ثم ذكر تعالى أن كثرة
«قيل يا رسول الله: كيف يُحشر الناسُ على وجوههم؟ قال: الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم» ﴿مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾ أي مستقرهم ومقامهم في جهنم كلما سكن لهبها وخمدت نارها زدناهم ناراً ملتهبة ووهجاً وجمراً ﴿ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ أي ذلك العذاب جزاء كفرهم بآيات الله وتكذيبهم بالبعث والنشور وقولهم أئذا أصبحنا عظاماً نخرة، وذرات متفتتة سنُخلق ونبعث مرة ثانية؟ وقد ردَّ تعالى عليهم بقوله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ أي أولم ير هؤلاء المشركون أن الله العظيم الجليل الذي خلق هذا الكون الهائل بسماواته وأرضه قادرٌ على إعادة جسد الإِنسان بعد فنائه؟ فإن القادر على الإحياء قادر على الإِعادة بطريق الأحرى قال في البحر: نبَّههم تعالى على عظيم قدرته وباهر حكمته بقوله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ﴾ وهو استفهام إِنكارٍ وتوبيخ على استبعادهم الإِعادة، واحتجاجٌ عليهم بأنهم قد رأوا قدرة الله على خلق هذه الأجرام العظيمة التي بعضُ ما تحويه البشرُ، فكيف يقرون بخلق هذا المخلوق العظيم ثم ينكرون إعادته ﴿وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ أي جعل لهؤلاء المشركين موعداً محدَّداً لموتهم وبعثهم، لا شك ولا ريب في مجيئه ﴿فأبى الظالمون إِلاَّ كُفُوراً﴾ أي أبى هؤلاء الكافرون الظالمون - مع وضوح الحق وسطوعه - إلا جحوداً وتمادياً في الكفر والضلال ﴿قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء المعاندين المكابرين، المقترحين للخوارق والمعجزات: لو كنتم تملكون خزائن رزق الله ونِعَمه التي أفاضها على العباد ﴿إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإنفاق﴾ أي إذاً لبخلتم به وامتنعتم عن الإِنفاق خوفاً من نفادها ﴿وَكَانَ الإنسان قَتُوراً﴾ أي وكان الإِنسان شحيحاً مبالغاً في البخل قال ابن عباس ﴿قَتُوراً﴾ أي بخيلاً منوعاً وقال الزمخشري: ولقد بلغ هذا الوصف بالشُّحّ الغاية التي لا يبلغها الوهم. ثم ذكر تعالى أن كثرة
163
الخوارق لا تُنشئ الإِيمان في القلوب الجاحدة، وها هو ذا موسى قد أُوتِي تسع آيات بينات ثم كذَّب بها فرعون وملؤه فحلَّ بهم الهلاك جميعاً ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ أي والله لقد أعطينا موسى تسع آياتٍ واضحات الدلالة على نبوته وصحة ما جاء به من عند الله وهي «العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقُمَّل، والضفادع، والدم، وانفلاق البحر، والسنين» خمسٌ منها في سورة الأعراف
﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ﴾ [الأعراف: ١٣٣] ﴿فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ﴾ أي فاسألْ يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون فإنهم يعلمونها مما لديهم في التوراة قال الرازي: وليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود وعلمائهم صدق ما ذكره الرسول فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً﴾ أي إني لأظنك يا موسى قد سُحرت فتخبَّط عقلُك ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَآئِرَ﴾ أي قال له موسى توبيخاً وتبكيتاً: لقد تيقَّنت يا فرعون أن هذه الآيات التسع ما أنزلها إلا رب السماوات والأرض شاهدة على صدقي، تبصِّرُ الناس بقدرة الله وعظمته ولكنك مكابرٌ معاند ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾ أي وإني لأعتقدك يا فرعون هالكاً خاسراً ﴿فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأرض﴾ أي أراد فرعون أن يخرج موسى وقومه من أرض مصر ﴿فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً﴾ أي فأغرقنا فرعون وجنده أجمعين في البحر ﴿وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا الأرض﴾ أي وقلنا لبني إسرائيل من بعد إغراق فرعون وجنده اسكنوا أرض مصر ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً﴾ أي فإذا جاء يوم القيامة جئنا بكم من قبوركم إلى المحشر مختلطين فيكم المؤمن والكافر، والبرُّ والفاجر، ثم نفصل بينكم ونميّز السعداء من الأشقياء، ثم عاد إلى تعظيم حال القرآن وجلالة قدره فقال ﴿وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ﴾ أي وأنزلنا هذا القرآن متلبساً بالحقِّ، لا يعتريه شك أو ريب، فيه الحكم والمواعظ والأمثال التي اشتمل عليها القرآن وهكذا أُنزل من عند الله ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ أي وما أرسلناك يا محمد إلا مبشراً بالجنة لمن أطاع، ومنذراً بالنار لمن عصى ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ﴾ أي وقرآناً نزّلناه مفرقاً منجماً لتقرأه على الناس على تُؤدةٍ ومهل، ليكون حفظه أسهل، والوقوف على دقائقه أيسر ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾ أي نزّلناه شيئاً بعد شيء على حسب الأحوال والمصالح ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تؤمنوا﴾ خطاب للمشركين الذين اقترحوا المعجزات على وجه التهديد والوعيد أي آمنوا بهذا القرآن أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم به لا يزيده كمالاً، وتكذيبكم له لا يورثه نقصاً ﴿إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً﴾ أي العلماء الذين قرءوا الكتب السالفة من صالحي أهل الكتاب إذا سمعوا القرآن تأثروا فخرّوا ساجدين للهِ رب العالمين، والجملة تعليل لما تقدم والمعنى: إن لم تؤمنوا به أنتم فقد آمن به من هو خير منكم وأعلم ﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً﴾ أي يقولون تنزّه الله عن إخلاف وعده إنه كان وعده كائناً لا محالة ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾ أي ويخرُّون لناحية الأذقان ساجدين على وجوههم باكين عند
﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ﴾ [الأعراف: ١٣٣] ﴿فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ﴾ أي فاسألْ يا محمد بني إسرائيل عما جرى بين موسى وفرعون فإنهم يعلمونها مما لديهم في التوراة قال الرازي: وليس المطلوب من سؤال بني إسرائيل أن يستفيد هذا العلم منهم بل المقصود أن يظهر لعامة اليهود وعلمائهم صدق ما ذكره الرسول فيكون هذا السؤال سؤال استشهاد ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً﴾ أي إني لأظنك يا موسى قد سُحرت فتخبَّط عقلُك ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هؤلاء إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض بَصَآئِرَ﴾ أي قال له موسى توبيخاً وتبكيتاً: لقد تيقَّنت يا فرعون أن هذه الآيات التسع ما أنزلها إلا رب السماوات والأرض شاهدة على صدقي، تبصِّرُ الناس بقدرة الله وعظمته ولكنك مكابرٌ معاند ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾ أي وإني لأعتقدك يا فرعون هالكاً خاسراً ﴿فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الأرض﴾ أي أراد فرعون أن يخرج موسى وقومه من أرض مصر ﴿فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعاً﴾ أي فأغرقنا فرعون وجنده أجمعين في البحر ﴿وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا الأرض﴾ أي وقلنا لبني إسرائيل من بعد إغراق فرعون وجنده اسكنوا أرض مصر ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً﴾ أي فإذا جاء يوم القيامة جئنا بكم من قبوركم إلى المحشر مختلطين فيكم المؤمن والكافر، والبرُّ والفاجر، ثم نفصل بينكم ونميّز السعداء من الأشقياء، ثم عاد إلى تعظيم حال القرآن وجلالة قدره فقال ﴿وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ﴾ أي وأنزلنا هذا القرآن متلبساً بالحقِّ، لا يعتريه شك أو ريب، فيه الحكم والمواعظ والأمثال التي اشتمل عليها القرآن وهكذا أُنزل من عند الله ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ أي وما أرسلناك يا محمد إلا مبشراً بالجنة لمن أطاع، ومنذراً بالنار لمن عصى ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ﴾ أي وقرآناً نزّلناه مفرقاً منجماً لتقرأه على الناس على تُؤدةٍ ومهل، ليكون حفظه أسهل، والوقوف على دقائقه أيسر ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾ أي نزّلناه شيئاً بعد شيء على حسب الأحوال والمصالح ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تؤمنوا﴾ خطاب للمشركين الذين اقترحوا المعجزات على وجه التهديد والوعيد أي آمنوا بهذا القرآن أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم به لا يزيده كمالاً، وتكذيبكم له لا يورثه نقصاً ﴿إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ إِذَا يتلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً﴾ أي العلماء الذين قرءوا الكتب السالفة من صالحي أهل الكتاب إذا سمعوا القرآن تأثروا فخرّوا ساجدين للهِ رب العالمين، والجملة تعليل لما تقدم والمعنى: إن لم تؤمنوا به أنتم فقد آمن به من هو خير منكم وأعلم ﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً﴾ أي يقولون تنزّه الله عن إخلاف وعده إنه كان وعده كائناً لا محالة ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾ أي ويخرُّون لناحية الأذقان ساجدين على وجوههم باكين عند
164
استماع القرآن ويزيدهم تواضعاً لله قال الرازي: والفائدة في هذا التكرير اختلاف الحالين وهو خرورهم للسجود وفي حال كونهم باكين عند استماع القرآن ﴿قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن﴾ أي نادوا ربكم الجليل باسم ﴿الله﴾ أو باسم ﴿الرحمن﴾ ﴿أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الحسنى﴾ أي بأي هذين الإسمين ناديتموه فهو حسن لأن أسماءه جميعها حسنى وهذان منها قال المفسرون: سببها أن الكفار سمعوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يدعو (يا الله، يا رحمن) فقالوا إن كان محمد ليأمرنا بدعاء إله واحدٍ وها هو يدعو إلهين فنزلت الآية مبينة أنهما لمسمَّى واحد ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا﴾ أي لا تجهر يا محمد بقراءتك في الصلاة فيسمعك المشركون فيسبوا القرآن ومن أنزله ولا تُسرَّ بقراءتك بحيث لا تسمع من خلفك ﴿وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلاً﴾ أي اقصد طريقاً وسطاً بين الجهر والمخافتة قال ابن عباس: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يرفع صوته بالقراءة فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله فنزلت ﴿وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾ أي الحمد لله الذي تنزَّه عن الولد ﴿وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الملك﴾ أي ليس له شريك في ألوهيته ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذل﴾ أي ليس بذليل فيحتاج إلى الوليّ والنصير ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً﴾ أي عظِّمْ ربك عظمةً تامة بلا ولد ولا شريك، وتنزيهه عن الحاجة إلى الولي والنصير، وهو العلي الكبير.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام الإِنكاري ﴿أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً﴾ ؟.
٢ - الالتفات من الغيبة إلى التكلم ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة﴾ اهتماماً بأمر الحشر.
٣ - الطباق بين ﴿وَمَن يَهْدِ... وَمَن يُضْلِلْ﴾ وبين ﴿مُبَشِّراً... وَنَذِيراً﴾ وبين ﴿تَجْهَرْ... وتُخَافِتْ﴾.
٤ - الجناس الناقص بين ﴿مَسْحُوراً﴾ و ﴿مَثْبُوراً﴾ لتغير بعض الحروف.
٥ - المقابلة اللطيفة ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾ مقابل قولة فرعون ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً﴾.
٦ - السجع الرصين الذي يزيد في جمال الأسلوب مثل ﴿فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً... مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ ومثل ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً... وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام الإِنكاري ﴿أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً﴾ ؟.
٢ - الالتفات من الغيبة إلى التكلم ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة﴾ اهتماماً بأمر الحشر.
٣ - الطباق بين ﴿وَمَن يَهْدِ... وَمَن يُضْلِلْ﴾ وبين ﴿مُبَشِّراً... وَنَذِيراً﴾ وبين ﴿تَجْهَرْ... وتُخَافِتْ﴾.
٤ - الجناس الناقص بين ﴿مَسْحُوراً﴾ و ﴿مَثْبُوراً﴾ لتغير بعض الحروف.
٥ - المقابلة اللطيفة ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾ مقابل قولة فرعون ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً﴾.
٦ - السجع الرصين الذي يزيد في جمال الأسلوب مثل ﴿فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً... مُبَشِّراً وَنَذِيراً﴾ ومثل ﴿إِنِّي لأَظُنُّكَ ياموسى مَسْحُوراً... وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يافرعون مَثْبُوراً﴾.
165