تفسير سورة الحجرات

المنتخب في تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
افتتحت بنهي المؤمنين عن الحكم بشيء قبل أن يأمر به الله ورسوله، وعن رفع أصواتهم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأثنت على الذين يخفضون أصواتهم في حضرته، ونددت بمن يتركون الأدب فينادونه صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته، ثم أمرت المؤمنين بالتثبت من أخبار الفاسقين وضعاف الإيمان، وأمرت الولاة بما يفعلونه عند تقاتل فريقين من المؤمنين، ونهت المؤمنين عن استهزاء بعضهم ببعض، وتعييب بعضهم بعضا. وعن ظن السوء بأهل الخير، وعن تتبع بعضهم، ونهت الأعراب عن ادعاء الإيمان قبل أن يستقر في قلوبهم، ثم أبانت من هم المؤمنون الصادقون، وختمت الحديث بالنهي عن المن على رسول الله بالإسلام، وبينت أن المنة لله عليهم بهدايتهم إلى الإيمان، وإن كانوا صادقين في دعواهم.

١- يا أيها الذين آمنوا : لا تقدِّموا أي أمر في الدين والدنيا دون أن يأمر به الله ورسوله، واجعلوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله بامتثال شريعته. إن الله عظيم السمع لكل ما تقولون، محيط علمه بكل شيء.
٢- يا أيها الذين آمنوا : لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي إذا تكلم وتكلمتم، ولا تساووا أصواتكم بصوته - كما يخاطب بعضكم بعضاً - كراهة أن تبطل أعمالكم وأنتم لا تشعرون ببطلانها.
٣- إن الذين يخفضون أصواتهم في مجلس رسول الله - إجلالاً له - أولئك - وحدهم - هم الذين أخلص الله قلوبهم للتقوى، فليس لغيرها مكان فيها، لهم مغفرة واسعة لذنوبهم وثواب بالغ غاية العظم.
٤- إن الذين ينادونك من وراء حجراتك أكثرهم لا يعقلون ما ينبغي لمقامك من التوقير والإجلال.
٥- ولو أنَّ هؤلاء صبروا - تأدباً معك - حتى تقصد الخروج إليهم لكان ذلك خيراً لهم في دينهم، والله عظيم المغفرة ذو رحمة واسعة.
٦- يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم أي خارج عن حدود شريعة الله بأي خبر فتثبتوا من صدقه، كراهة أن تصيبوا أي قوم بأذى - جاهلين حالهم - فتصيروا على ما فعلتم معهم - بعد ظهور براءتهم - مغتمِّين دائماً على وقوعه، متمنين أنه لم يقع منكم.
٧ - واعلموا - أيها المؤمنون - أن فيكم رسول الله فاقْدروه حق قدْره واصْدقوه، لو يطيع ضعاف الإيمان منكم في كثير من الأمور، لوقعتم في المشقة والهلاك، ولكن الله حبَّب في الكاملين منكم الإيمان، وزيَّنه في قلوبكم، فتصَونوّا عن تزيين ما لا ينبغي، وبغَّض إليكم جحود نعم الله، والخروج عن حدود شريعته ومخالفة أوامره، أولئك هم - وحدهم - الذين عرفوا طريق الهدى وثبتوا عليه تفضلا كريماً، وإنعاماً عظيماً من الله عليهم، والله محيط علمه بكل شيء، ذو حكمة بالغة في تدبير كل شأن.
٩- وإن طائفتان من المؤمنين تقاتلوا فأصلحوا - أيها المؤمنون - بينهما، فإن تعدت إحداهما على الأخرى ورفضت الصلح معها فقاتلوا التي تتعدى إلى أن ترجع إلى حكم الله، فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف، واعدلوا بين الناس جميعاً في كل الشئون، إن الله يحب العادلين.
١٠- إنما المؤمنون بالله ورسوله إخوة جمع الإيمان بين قلوبهم، فأصلحوا بين أخويكم رعاية لأخُوّة الإيمان، واجعلوا لأنفسكم وقاية من عذاب الله بامتثال أمره واجتناب نهيه راجين أن يرحمكم الله بتقواكم.
١١- يا أيها الذّين آمنوا : لا يسخر رجال منكم من رجال آخرين، عسى أنْ يكونوا عند الله خيراً من الساخرين. ولا يسخر نساء مؤمنات من نساء مؤمنات عسى أن يكنَّ عند الله خيراً من الساخرات ولا يعب بعضكم بعضاً، ولا يدْعُ الواحد أخاه بما يستكره من الألقاب. بئس الذكر للمؤمنين أن يُذكروا بالفسوق بعد اتصافهم بالإيمان، ومن لم يرجع عمَّا نهى عنه فأولئك هم - وحدهم - الظالمون أنفسهم وغيرهم.
١٢- يا أيها الذين آمنوا : ابتعدوا عن كثير من ظن السوء بأهل الخير. إن بعض الظن إثم يستوجب العقوبة، ولا تتبعوا عورات المسلمين، ولا يذكر بعضكم بعضاً بما يكره في غيبته. أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً، فقد كرهتموه ؟ ! فاكرهوا الغيبة فإنها مماثلة له، وقوا أنفسكم عذاب الله بامتثال ما أمر، واجتناب ما نهى. إن الله عظيم في قبول توبة التائبين ذو رحمة واسعة بالعالمين.
١٣- يا أيها الناس : إنا خلقناكم متساوين من أصل واحد هو آدم وحواء، وصيَّرناكم بالتكاثر جموعاً عظيمة وقبائل متعددة، ليتم التعارف والتعاون بينكم، إن أرفعكم منزلة عند الله في الدنيا والآخرة أتقاكم له. إن الله محيط علمه بكل شيء، خبير لا تخفي عليه دقائق كل شأن.
١٤- قالت الأعراب بألسنتهم : آمنا، قل لهم - يا محمد - : لم تؤمنوا، لأن قلوبكم لم تصدق ما نطقتم به، ولكن قولوا : انقدنا ظاهراً لرسالتك ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم بعد، وإن تطيعوا الله ورسوله صادقين لا ينقصكم من ثواب أعمالكم أي شيء. إن الله عظيم المغفرة للعباد، ذو رحمة واسعة بكل شيء.
١٥- إنما المؤمنون - حقاً - هم الذين آمنوا بالله ورسوله، ثم لم يقع في قلوبهم شك فيما آمنوا به، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في طريق طاعة الله، أولئك هم - وحدهم - الذين صدقوا في إيمانهم.
١٦- قل لهم - يا محمد - تكذيباً لقولهم آمنا : أتخبرون الله بتصديق قلوبكم، والله - وحده - يعلم كل ما في السماوات، وكل ما في الأرض، والله محيط علمه بكل شيء.
١٧- يعدون إسلامهم يداً لهم عليك - يا محمد - تستوجب شكرك لهم، قل : لا تمنُّوا علىَّ إسلامكم فخيره لكم، بل الله - وحده - يَمُنُّ عليكم بهدايته إياكم إلى الإيمان، إن كنتم صادقين في دعواكم.
١٨- إن الله يعلم كل ما استتر في السماوات والأرض، والله محيط الرؤية بكل ما تعملون.
Icon