تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب صفوة البيان لمعاني القرآن
.
لمؤلفه
حسنين مخلوف
.
المتوفي سنة 1410 هـ
مكية، وآياتها إحدى عشرة ومائة.
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ سبحان الذي أسرى ﴾ اسم مصدر ل
﴿ سبح ﴾، منصوب بفعل مضمر تقديره : سبح لله سبحانا أي تسبيحا، بمعنى نزهته تنزيها، وباعدته تبعيدا من كل سوء. وفيه معنى التعجب من باهر قدرته في إسرائه بعبده. والإسراء. السير بالليل خاصة، مصدر أسريت.
﴿ بعبده ﴾ أي بمحمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ ليلا ﴾ أي في جزء قليل من الليل. وفائدة ذكره مع أن الإسراء لا يكون إلا ليلا : الإشارة بتنكيره إلى تقليل مدة السير. وكان الإسراء يقظة بالجسد والروح.
﴿ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ﴾ في السنة الثانية عشرة من البعثة في قول. والمشهور أنه كان في ليلة السابع والعشرون من شهر رجب. وعرج به صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة إلى السماء، وفيها فرضت الصلوات الخمس. وكان عروجه بالجسد والروح أيضا، وذلك من المعجزات، والله على كل شيء قدير.
﴿ وآتينا موسى الكتاب... ﴾ فمحمد صلى الله عليه وسلم أسرى به، وكلمه الله تعالى ليلة الإسراء حين عرج به إلى السماء، وأعطى القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم. وموسى عليه السلام سار إلى الطور، وناجاه الله، وأعطاه التوراة وهي هدى لبني إسرائيل. ﴿ ألا تتخذوا من دوني وكيلا ﴾ أي لئلا تتخذوا ربا غيري تكلون إليه أموركم وتفوضونها إليه. والمراد : النهي عن الإشراك بالله تعالى.
﴿ ذرية من حملنا مع نوح ﴾ منصوب على الاختصاص. والمراد : حملهم على التوحيد بذكر
إنعامه عليهم في ضمن إنعامه على آبائهم من قبل، حين لم يكن له وكيل سواه تعالى.
﴿ إنه كان عبدا شكورا ﴾ أي إن نوحا عليه السلام كان عبدا كثير الشكر لله تعالى على نعمه، من الشكر، وأصله الامتلاء، يقال : عين شكرى، أي ممتلئة، ثم استعير للامتلاء من ذكر المنعم بالثناء وإظهار نعمه.
﴿ وقضينا إلى بني إسرائيل... ﴾أوحينا إليهم، بمعنى أعلمناهم وأخبرناهم في التوراة بما سيقع منهم من الفساد مرتين في أرض الشام. قيل : الأولى- تغيير التوراة وعدم العمل بها، وخبس إرمياء وجرحه، إذ بشرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. والأخرى – قتل زكريا ويحيى عليهما السلام. وقال الجبائي : إنه تعالى لم يبين ذلك فلا يقطع فيه بخبر. وقوله تعالى :﴿ لتفسدن ﴾ جواب قسم محذوف.
﴿ ولتعلمن علوا كبيرا ﴾ أي لتتكبرن عن طاعة الله. أو لتغلبن الناس بالظلم والعدوان، وتفرطن في ذلك إفراطا مجاوزا للحد.
﴿ أولى بأس ﴾ ذوى قوة وبطش في الحروب. والبأس، الشدة والمكروه. ﴿ فجلسوا خلال الديار ﴾ توسطوا وترددوا بينها، ذاهبين وجائين لقتلكم، من الجوس وهو طلب الشيء باستقصاء، والتردد خلال الدور والبيوت في الغارة والطوف فيها. يقال : جاس يجوس جوسا وجوسانا، أي فتش ونقب. و﴿ خلال الديار ﴾ ما حوالي جدرها وما بين بيوتها.
﴿ الكرة ﴾ الدولة والغلبة، والكرة : المرة من الشيء، وأصلها الكر وهو الرجوع، مصدر كر يكر : أي رجع. واستعمال الكرة في الدولة والغلبة مجاز شائع، كما يقال : تراجع الأمر.
﴿ أكثر نفيرا ﴾ أي أكثر من أعدائكم نافرا. والنفير والنافر : من ينفر مع الرجل من عشيرته للذهاب إلى العدو.
﴿ ليسوءوا وجوهكم... ﴾ أي بعثناهم ليجعلوا آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم. وليدخلوا بيت المقدس بالسيف والقهر والإذلال ﴿ وليتبروا ما علوا.... ﴾ ليدمروا ويهلكوا ما استولوا عليه تدميرا، من التبر هو الإهلاك( آية ١٣٩ الأعراف ص ٢٧٧ ).
﴿ إن عدتم عدنا ﴾ أي وإن عدتم إلى الإفساد عدنا إلى العقوبة كما فعلتم وفعلنا من قبل. وقد عادوا بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم فعاد الله بتسليطه عليهم، فقتل قريظة وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين. ﴿ حصيرا ﴾ محبسا وسجنا يحبسون ويسجنون فيه، من الحصر بمعنى التضييق.
﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ﴾ مقابل لقوله تعالى :﴿ وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ﴾. أي أن القرآن يدعو الإنسان إلى الخير الذي لا خير فوقه من الأجر العظيم، ويحذر من الشر الذي لا شر وراءه من العذاب الأليم
﴿ ويدع الإنسان بالشر ﴾ أي أن بعض أفراد الإنسان – وهو الكافر- يدعو لنفسه بما هو الشر من العذاب الأليم بلسانه، أو بأعماله السيئة المفضية إليه – دعاء كدعائه بالخير لو فرض أنه دعا به. ﴿ وكان الإنسان عجولا ﴾ في دعائه بالشر متسرعا في طلب ما يضره، متعاميا عن ضرره، من العجلة وهي طلب الشيء قبل أوانه.
﴿ وجعلنا الليل والنهار آيتين ﴾ بيان لبعض الدلائل الآفاقية التي تدل على قدرته تعالى. أي خلقنا الملوين بهيئاتهما وتعاقبهما واختلافهما في الطول والقصر على وتيرة عجيبة – آيتين دالتين على أن لهما صانعا قادرا حكيما، وعلى ما هدى إليه القرآن من الإسلام والتوحيد. ﴿ فمحونا آية الليل ﴾أي الآية التي هي الليل جعلنا الليل ممحو الضوء مطموسه، مظلما لا يظهر فيه شيء. ﴿ وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾ أي جعلنا الآية التي هي النهار مضيئة. أو مبصرا فيها. من قولهم : أبصر النهار، إذا أضاء وصار بحالة يبصر فيها.
﴿ وكل إنسان ألزمناه طائره... ﴾ وألزمنا كل إنسان مكلف عمله الصادر منه باختياره، حسبما قدرناه له من خير وشر، كأنه طار إليه من عش الغيب ووكر القدر، فلازمه ملازمة لا فكاك منها. وكانوا يتفاءلون بزجر الطير، وينسبون إليه الخير والشر، فاستعير الطائر لما يشبه ذلك من قدر الله وعمل العبد، لأنه سبب للخير والشر. ﴿ ونخرج له يوم القيامة كتابا ﴾ هو صحيفة عمله.
﴿ حسيبا ﴾ محاسبا، كجليس بمعنى مجالس. أو حاسبا وعادا عليه، كصريم بمعنى صارم. يقال : حسب عليه كذا يحسبه، عده عليه.
﴿ ولا تزر وازرة ﴾ أي لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى حتى يمكن تخلص النفس الثانية من وزرها، وإنما تحمل كل منهما إثم ما باشرته أو تسببت فيه. ( آية ١٦٤ الأنعام ص ٢٥١ ).
﴿ وإذا أردنا أن نهلك... ﴾ أي وإذا دنا وقت تعلق إرادتنا بإهلاك أهل قرية بعذاب الاستئصال لما اقترفوه من الظلم والمعاصي – أمرنا بالطاعة متنعميها وجباريها وقادتها ففسقوا فيها وتمردوا. وهو من باب قولهم : أمرته فعصاني. من الترفة ( آية ١١٦ هود ص ٣٧٧ ). وخصوا بالذكر مع توجه الأمر بالطاعة إلى الكل، لأنهم أئمة الفسق ورؤساء الضلال، وغيرهم تبع لهم. أو المعنى : وإذا دنا ذلك الوقت أفضنا عليهم النعم المبطرة له وصببناها عليهم، كأننا أمرناهم بالفسق ففسقوا فيها وعصوا. وقيل ﴿ أمرنا ﴾ بمعنى كثرنا كآمرنا وبها قرئ. وقرئ ﴿ أمرنا ﴾ بتشديد الميم، أي كثرناهم أو جعلناهم أمراء مسلطين. ﴿ فدمرناها ﴾ فاستأصلناها بالهلاك، لأن غير المترف يتبع المترف في فسقه عادة، من التدمير وهو إدخال الهلاك على الشيء مع طمس الأثر.
﴿ يصلاها ﴾ يدخلها، من صليت الرجل النار، أدخلته فيها. وصليت الشاة : شويتها. ﴿ مدحورا ﴾ مطرودا مبعدا من رحمة الله ( آية ١٨ الأعراف ص ٢٥٣ ).
﴿ كلا نمد ﴾ أي نزيد كلا من الفريقين مرة بعد أخرى، فنزيد المعجل لهم من العطايا العاجلة، ونزيد المشكور لهم من العطايا الآجلة. يقال : أمد الجيش بالجند، إذا زاده وقواه. ﴿ محظورا ﴾ ممنوعا عن أحد ممن يريد إعطاءه، مؤمنا كان أو كافر، تفضلا منه تعالى، من الحظر بمعنى الحجر. يقال : حظره يحظره فهو محظور، أي ممنوع.
﴿ لا تجعل مع الله... ﴾لما بين سبحانه أن سعادة الآخر منوطة بإرادتها وبأن يسعى الإنسان لها سعيها، وبأن يكون مؤمنا – فصل ذلك بذكر خمسة وعشرين نوعا من أنواع التكاليف :
١- التوحيد بقوله :﴿ لا تجعل مع الله إلها آخر ﴾. ٢-٣ الأمر بعبادة الله، والنهي عن عبادة غيره بقوله :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إياه ﴾. ٤- ﴿ بالوالدين إحسانا ﴾. ٥- ﴿ فلا تقل لهم أف ﴾.
٦-﴿ ولا تنهرهما ﴾. ٧- ﴿ وقل لهما قولا كريما ﴾. ٨- ﴿ واخفض لهما جناح الذل ﴾. ٩- ﴿ وقل رب ارحمهما ﴾. ١٠- ﴿ وآت ذا القربى حقه ﴾. ١١- ﴿ والمسكين ﴾. ١٢ –﴿ وابن السبيل ﴾.
١٣ – ﴿ ولا تبذر تبذيرا ﴾. ١٤- ﴿ فقل لهم قولا ميسورا ﴾. ١٥- ﴿ ولا تجعل يدكط مغلولة إلى عنقك ﴾. ١٦- ﴿ ولا تبسطها.... ﴾. ١٧- ﴿ ولا تقتلوا أولادكم ﴾. ١٧- ﴿ ولا تقربوا الزنا ﴾. ١٩- ﴿ ولا تقتلوا النفس ﴾. ٢٠-﴿ فلا يسرف في القتل ﴾. والباقي :﴿ وأوفوا بالعهد، وأوفوا الكيل، وزنوا بالقسطاس، ولا تقف ما ليس لك به علم، ولا تمش في الأرض مرحا ﴾.
﴿ فلا تقل لهما أف ﴾ لا تقل لهما : أنا أتضجر وأقلق من كل فعل لكما تضجرا. وأف : اسم فعل مضارع هو اتضجر. والنهي عن ذلك يدل على النهي عن سائر أنواع الأذى بدلالة النص﴿ ولا تنهرهما ﴾ لا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك، والنهر : الزجر بمغالطة. يقال : نهره وانتهره بمعنى. والمراد من النهي الأول : المنع من إظهار الضجر منهما مطلقا. ومن الثاني : المنع من إظهار المخالفة في القول على سبيل الرد والتكذيب.
﴿ واخفض لهما جناح الذل... ﴾ ألن جانبك متذللا لهم من مبالغتك في الرحمة بهما.
﴿ للأوبين ﴾ الرجاعين إليه تعالى بالتوبة مما فرط منهم. جمع أواب، بمعنى كثير الأوبة والرجوع إلى طاعة الله. يقال : آب يئوب، أي رجع.
﴿ وآت ذا القربى ﴾ أعط ذوى قرباك حقوقهم من صلة الرحم، والمودة والمعاضدة، والزيارة وحسن المعاشرة، والمؤالفة على السراء والضراء، ونحو ذلك.
﴿ مغلولة ﴾ مقبوضة عن الإنفاق في سبل الخير. وأصل الغل : الطوق الذي يجعل في العنق
وتضم به اليد إليه، كنى به عما ذكر. ﴿ محسورا ﴾ منقطعا بك، لا شيء عندك بسبب الإسراف وإتلاف المال، من خسره السير يحسره ويحسره، إذا أثر فيه أثرا بليغا. ويقال : بعير محسور، إذا ذهبت قوته فلا انبعث به. نهوا عن البخل والإسراف. هو حث على التوسط والاعتدال في إنفاق المال.
﴿ ويقدر ﴾ يضيق ويقتر على حسب ما تقتضيه الحكمة الإلهية.
﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ﴾ أي خوف فاقة وفقر. وهو نهي للموسرين، كما نهي المعسرين بقوله تعالى :﴿ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ﴾ والمراد النهي عن وأد البنات لذلك، لما فيه من سوء الظن بالله تعالى. يقال : أملق الرجل، افتقر. وأصله من أملق الرجل بمعنى لم يبق له إلا الملق – محركة – وهو ما استوى من الأرض، بمعنى أنه قاع لا نبات فيه.
﴿ إن قتلهم كان خطئا ﴾ إثما – وزنا ومعنى – مصدر خطئ خطئا، كأثم إثما. وقرئ :﴿ خطأ وخطاء ﴾ وهما لغة في ﴿ خطأ ﴾. ﴿ كبيرا ﴾ كظيما فاحشا.
﴿ يبلغ أشده ﴾ قوته، أي زمن قوته واشتداده، بحيث يمكنه بسبب عقله ورشده القيام بمصالح ماله، فنزول الولاية عنه فيه ( آية ١٥٢ سورة الأنعام ص ٢٤٨ ).
﴿ بالقسطاس ﴾ بالميزان، أو بالعدل. وفيه لغتان : كسر القاف وضمها، وهو لفظ معرب.
﴿ وأحسن تأويلا ﴾ مالا وعاقبة، لما يترتب عليه من الثواب في الآخرة، من الأول وهو الرجوع ( آية ٥٩ سورة النساء ص ١٥٦ ).
﴿ ولا تقف ﴾ لا تتبع ما لا علم لك به من قول أو فعل. ويندرج في ذلك شهادة الزور والكذب، وأن تقول للناس وفي الناس مالا علم لك به، وترميمهم بالباطل. يقال : قفوته أقفوه، وقفته أقوفه وقفيته، إذا اتبعت أثره. وأصل القفو : العضه والبهت والقذف بالباطل.
﴿ ولا تمش في الأرض مرحا ﴾ فخرا وكبرا وخيلاء. والمرح في الأصل : شدة الفرح والتوسع فيه. والمذموم منه أن يكون متلبسا بكبر وخيلاء، وتجاوز للقدر. وفعله من باب فرح وتقييد النهي بقوله :﴿ في الأرض ﴾ للتذكير بالمبدأ والمعاد المانعين من الكبر والخيلاء، وللتمهيد للتعليل الآتي.
﴿ كان سيئه... ﴾ أي السيئ منه وهو المنهيات الاثنتا عشرة ﴿ عند ربك مكروها ﴾ أي وأما حسنه وهو المأمورات فهو مرضى عند الله محمود.
﴿ ذلك ﴾ أي المتقدم من التكاليف والأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخ والنقض، المذكورة في الآيات الثماني عشرة : من آية ٢٢ إلى هذه الآية. ﴿ مما أوحى إليك ربك ﴾. وعن ابن عباس : أن التوراة كلها في هذه الآيات. ﴿ مدحورا ﴾ أي مطرود مبعدا من رحمة الله تعالى.
﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن ﴾ بينا فيه أحسن بيان ضروبا من الأمثال والمواعظ والقصص والأخبار والأحكام، من التصريف، وهو كثرة صرف الشيء من حالة إلى أخرى، ومن أمر إلى آخر. ﴿ وما يزيدهم إلا نفورا ﴾ أي وما يزيدهم ذلك التصريف والتذكير إلا تباعدا وشرودا عن الحق، وغفلة عن الاعتبار. يقال : نفرت الدابة تنفر وتنفر نفورا ونفور ونفارا فهي نافر ونفور، جزعت وتباعدت، ونفر الظبي نفرا ونفارنا : شرد.
﴿ تسبح له السماوات ﴾ تسبيح هذه الكائنات لله تعالى هو دلالتها بإمكانها وحدوثها وتغير شؤونها وبديع صنعها، على وجود مبدعها ووحدته وقدرته، وتنزهه عن لوازم الإمكان والحدوث، كما يدل الأثر على المؤثر. في دلالة بلسان الحال لا يفقهها إلا ذوو البصائر. أما الكافرون فلا يفقهون هذا التسبيح، لفرط جهلهم وانطماس بصائرهم. وكثافة حجبهم، والله تعالى لم يعاجلهم بالعقوبة حلما منه، وهو غفور لذنوبهم إذا تابوا إليه وأنابوا. وقيل : تسبيحها بلسان المقال، وقد خلق الله فيها القدرة على ذلك ولم يرتض الإمام هذا القول : تسبيح العقلاء بلسان المقال، وتسبيح غيرهم بلسان الحال.
﴿ وإذا قرأت القرآن... ﴾ بعد أن بين سبحانه عدم فقه هؤلاء الكافرين الجاحدين للبعث دلالة المحدثات على صانعها وعلى وحدانيته وقدرته، مثلهم – في جهلهم بشئونه صلى الله عليه وسلم وبصدق رسالته، وفرط نبو قلوبهم عن فهم القرآن الكريم، ومج أسماعهم له – بمن أقيم حجاب ساتر بينه وبين مخاطبه، وجعلت على قلبه أغطية تحول دون فهم كلامه، وصمت آذانه صمما ثقيلا يمنع من سماعه، فهو لا يرى ولا يفقه ولا يسمع. ﴿ مستورا ﴾ أي ساترا لك عنهم. ومفعول يرد بمعنى فاعل، كميمون بمعنى يامن.
﴿ أكنة ﴾ أي أغطية، جمع كنان وهي ما يتغشاهم من خذلان الله لهم في فهم ما يتلى عليهم. ﴿ وقرا ﴾ أي صمما وثقلا.
﴿ نحن أعلم.. ﴾ نزلت تهديدا للمشركين على استهزائهم بالقرآن وبالرسول صلى الله عليه وسلم وتكذيبهما، وعلى تناجيهم فيما بينهم بقولهم : ساحر، أو شاعر، أو كاهن، أو مجنون. وتسلية له صلى الله عليه وسلم، أي نحن أعلم بما يستمعون القرآن متلبسين به من اللغو والاستهزاء والتكذيب حين استماعهم إليك، وحين تناجيهم بما ذكر. و﴿ إذ ﴾ في قوله ﴿ إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى ﴾ : ظرف لقوله ﴿ أعلم ﴾. ﴿ نجوى ﴾ مصدر بمعنى التناجي والمسارة في الحديث. وقد جعلوا عين النجوى مبالغة، على حد : قوم عدل، وقوم رضا. جمع نجي كقتيل وقتلى، أي متناجون في أمرك.
﴿ مسحورا ﴾ قد خبله السحر فاختلط عقله، وهو كما قالوا في حقه :﴿ إن هو إلا رجل به جنة ﴾ اسم مفعول، من سحره يسحره سحرا : وهو الآخذة وكل ما لطف مأخذه ودق.
﴿ أئذا كنا عظاما ﴾ أي انبعث خلقا جديدا إذا صرنا عظاما نخرة ﴿ ورفاتا ﴾ ترابا أو أجزاء متفتتة ؟ والرفات : ما تكسر وبلى من كل شيء، كالفتات. يقال : رفت الشيء يرفته ويرفته، كسره ودقه.
﴿ الذي فطركم ﴾ أي الذي أبدعكم من غير مثال هو الذي يعيدكم بعد الموت بقدرته التي لا يتعاظمها شيء.
﴿ فسينغضون إليك رءوسهم ﴾ سيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء. يقال : نغض رأسه ينغض وينغض نغضا ونغوضا، إذا تحرك واضطرب. وأنغض رأسه : حركه بارتفاع وانخفاض، كالمتعجب من الشيء.
﴿ فتستجيبون بحمده ﴾ أي منقادين لبعثه انقياد الحامدين له.
﴿ وقل لعبادي... ﴾ أمر المؤمنين أن يقولوا عند محاورة المشركين الكلمة التي هي أحسن وأقرب إلى استمالتهم للإيمان، حتى لا يلجوا في العناد. وهو كقوله تعالى :﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ﴾ كأن تقولوا لهم :﴿ ربكم أعلم بكم.... ﴾. ﴿ ينزع بينهم ﴾ يفسد ويهيج الشر بينهم. يقال : نزغه ينزغه، طعن فيه واغتابه. نزغ بينهم : أفسد وأغزى ووسوس.
﴿ الذين يدعون... ﴾أي الذين اتخذهم الكفار آلهة من العقلاء، كالملائكة وبعض الإنس والجن.
﴿ وما منعنا أن نرسل.. ﴾وما كان سبب تركنا إرسال الآيات التي اقترحها المشركون إلا علمنا بأنهم سيكذبون بها كما كذب بأمثالهما الأولون، فيستجبون مثلهم عذاب الاستئصال على ما جرت به السنة الإلهية. وقد قضينا بإمهال المكذبين من هذه الأمة لحكم نعلمها. ﴿ مبصرة ﴾ آية بينة واضحة.
﴿ فظلموا بها ﴾ أي فظلموا أنفسهم وعرضوها للهلاك بسبب عقرها.
﴿ إن ربك أحاط بالناس ﴾ فهم في قبضة قدرته، ومنهم كفار مكة فسيهلكهم. ﴿ وما جعلنا الرؤيا... ﴾ وهي ما عاينه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من العجائب السماوية والأرضية. وأطلق على ذلك رؤيا مع أنه كان يقظة، لأن الرؤيا تطلق حقيقة على رؤيا المنام ورؤية اليقظة ليلا. أو على سبيل التشبيه بالرؤيا، لما فيها من العجائب، أو لوقوعها ليلا وسرعة تقضيها كأنها منام. وقد كانت سبب افتنان الضعفاء من المسلمين ﴿ والشجرة الملعونة ﴾ أي وما جعلنا التي جاء القرآن بلعن آكليها – وهي شجرة الزقوم- إلا فتنة لبعض الناس، حيث كذبوا خلق شجرة في النار.
﴿ أرأيتك هذا... ﴾ أخبروني عن هذا الذي كرمته علي ؟ لم كرمته علي وأنا أكرم منه ( آية ٤٠ الأنعام ض ٢٢٢ ).
﴿ لأحتنكن ذريته ﴾ لأستولين عليهم استيلاء قويا، ولأقودنهم حيث شئت، من قولهم : حنك الدابة يحنكها ويحنكها وأحنكها، إذا جعل في حنكها الرسن ليقودها به. أو لأستأصلهم بالإغواء، من قولهم : احتنك الجراد الأرض، إذا أكل نباتها وأتى عليه.
﴿ واستفزز ﴾ استخف أو أزعج. يقال : استفزه، إذا استخفه فخدعه وأوقعه فيما أراده منه. واستفزني فلان : أزعجني. ﴿ بصوتك ﴾ أي بدعائك إياهم إلى معصية الله تعالى، ﴿ وأجلب عليهم ﴾ أي صح عليهم وسقهم، من الجلبة بمعنى الصياح. يقال : جلب على فرسه وأجلب، إذا صاح به من خلفه واستحثه للسبق. أو أجمع عليهم خيلك ورجلك. يقال : أجلب على العدو بخيله، أي جمع عليه الخيل. ﴿ بخيلك ﴾ أي بفرسانك الراكبين على الخيل. ﴿ ورجلك ﴾ أي بجندك المشاة. يقال : فلان يمشى رجلا، أي غير راكب. والمراد : تمثيل تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال بقائد جند يفعل ذلك بعدوه للتمكن منه وإهلاكه. ﴿ إلا غرورا ﴾ أي إلا وعدا باطلا خادعا. وأصل الغرور : تزيين الباطل بما يوهم أنه حق. يقال : غر فلان، إذا أصاب غرته – أي غفلته – ونال منه ما يريد. وغره يغره غرورا : خدعه. وأصله من الغر، وهو الأثر الظاهر من الشيء، ومنه غرة الفرس.
﴿ يزجي ﴾ يسوق ويدفع برفق. يقال : أزجى الإبل، ساقها برفق. والريح تزجى السحاب : تسوقه سوقا رفيقا.
﴿ إلا إياه ﴾ استثناء منقطع إذا أريد ب﴿ من تدعون ﴾ آلهتهم. ومتصل إذا أريد به آلهتهم والله تعالى.
﴿ حاصبا ﴾ ريحا شديدة ترميكم بالحصباء، وهي الحجارة الصغار، واحدتها حصبة. يقال : حصب فلان فلانا، إذا رماه بها.
﴿ قاصفا من الريح ﴾ ريحا شديدة تقصف لشدتها ما مرت به من الأشجار وغيرها فتحطمه وتدقه، من قولهم : قصف فلان ظهر فلان، إذا كسره. أو ريحا له قصيف، أي صوت شديد، كأنها تتقصف أي تتكسر. ﴿ تبيعا ﴾ مطالبا يطالبنا بما فعلنا، انتصارا لكم، ودركا للثأر من جهتنا. فعيل بمعنى فاعل أي تابع، بمعنى مطالب بالثأر. ويقال لكل من طلب بثأر أو غيره : تابع وتبيع.
﴿ يوم ندعو كل أناس بإمامهم ﴾ أي بنبيهم، أو بكتاب أعمالهم، فيقال : يا أتباع موسى، ويا أتباع عيسى، ويا أتباع محمد. أو يا أصحاب كتاب الخير، ويا أصحاب كتاب الشر. ﴿ فمن أوتي كتابه بيمينه ﴾ أي أعطى صحائف أعماله بيمينه تشريفا وبشارة. ﴿ ولا يظلمون ﴾ من أجورهم ﴿ فتيلا ﴾ أي قدر فتيل، وهو الخيط الرقيق الذي في الحز الكائن في ظهر النواة طولا. وهو كناية عن أنهم لا ينقصون أدنى شيء من ثوابهم.
وأما الذين يؤتون كتبهم بشمالهم فهم الذين عناهم الله تعالى بقوله :﴿ وما كان في هذه ﴾ أي في الدنيا ﴿ أعمى ﴾ البصيرة﴿ فهو في الآخرة ﴾ لا يهتدي إلى سبيل النجاة ﴿ وأضل سبيلا ﴾ منه في الدنيا، لاستحالة تداركه ما فات.
﴿ وإن كادوا ليفتنونك... ﴾ ﴿ إن ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، و﴿ كادوا ﴾ قاربوا، أي إن الشأن قاربوا في ظنهم الباطل ليصرفونك بفتنتهم عما أوحينا إليك. والآية مكية، نزلت فيما عرضه كفار قريش عليه صلى الله عليه وسلم. من جعل آية الرحمة آية عذاب وبالعكس، وقيل مدنية، نزلت في وفد ثقيف.
﴿ ولولا أن ثبتناك... ﴾ أي ولولا تثبيتنا إياك على الحق بالعصمة لقاربت أن تميل إليهم شيئا من الميل فيما اقترحوه عليك بقوة خدعهم وشدة احتيالهم، لكن الله تعالى ثبتك تثبيتا، فمنعك بالعصمة من أن تقارب الميل، فضلا عن الميل نفسه إليهم. ﴿ لولا ﴾ حرف يدل على امتناع الجواب لوجود الشرط، أي امتناع القرب من الركون لوجود التثبيت، وإذا امتنع القرب منه امتنع هو بالضرورة. عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان رسول الله معصوما، ولكن هذا تعريف للأمة لئلا يركن أحد منهم إلى المشركين في شيء من أحكام الله تعالى وشرائعه.
﴿ لأذقناك ضعف الحياة... ﴾ أي عذابا مضاعفا في الحياة الدنيا، وعذابا مضاعفا في الممات. والمراد به :
ما يشمل العذاب في القبر والعذاب بعد البعث. أو ضعف العذاب المعجل للعصاة في الدنيا، وضعف العذاب المؤجل لهم بعد الموت. وضعف الشيء : مثله( آية ٣٨ الأعراف ض ٢٥٩ ).
﴿ وإن كادوا ليستفزونك.. ﴾ أي وإن الشأن قاربوا ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم ليخرجوك من مكة، ولو أخرجوك لاستأصلوا على بكرة أبيهم، ولم يخرجوه بل هاجر بأمر ربه. أخبره الله تعالى بذلك قبل الهجرة. والآية مكية. وقيل مدنية. قال في لباب التأويل : إن الأول أليق بالآية، لأن ما قبلها خير عن أهل مكة، والسورة مكية. ( راجع في معنى الاستفزاز آية ٢٤ من هذه السورة ).
﴿ أقم الصلاة لدلوك الشمس ﴾ أي بعد زوالها وهو ميلها عن وسط السماء لجهة الغرب يقال : دلكت الشمس تدلك، أي مالت وانتقلت من وسط السماء إلى ما يليه. ومادة ﴿ دلك ﴾ تدل على التحول والانتقال.
﴿ إلى غسق الليل ﴾ أي شدة ظلمته. يقال : غسق الليل وأغسق، وظلم وأظلم، ودجا وأدجى، وغبس وأغبس، وغبش وأغبش، بمعنى. وأصل معنى الغسق : السيلان. يقال : غسقت العين – كضرب وسمع- أي سال دمعها، فكأن الظلمة تنصب على العالم وتسيل عليهم. والمراد بالصلاة التي تقام من بعد الدلوك إلى الغسق : صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء. ﴿ وقرآن الفجر ﴾ أي وأقم قراءة الفجر أي صلاته. وسميت قرآنا لأن القراءة ركنها، من تسمية الشيء باسم جزئه. كتسمية الصلاة ركوعا وسجودا وقنوتا.
﴿ ومن الليل فتهجد به ﴾ أي وتيقظ من نومك في بعض الليل فتهجد بالقرآن، أي بالصلاة.
﴿ نافلة لك ﴾ فريضة زائدة على الصلوات الخمس خاصة بك دون أمتك، بناء على أن فرض التهجد لم ينسخ في حقه صلى الله عليه وسلم. أو فضيلة وزيادة درجات، بناء على أنه مندوب في حقه، وأن الوجوب منسوخ في حقه كما نسخ في حق أمته والتهجد : الصلاة بعد القيام من النوم ليلا. وقيل : الاستيقاظ من النوم ليلا للصلاة، من الهجود، وهو النوم ليلا. ثم استعملت صيغة ﴿ تهجد ﴾ في إزالته، كتأثم وتحرج في إزالة الحرج والإثم. ﴿ مقاما محمودا ﴾ هو مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء. أو مقام الشفاعة لأمته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
﴿ مدخل صدق ﴾ إدخالا مرضيا جيدا في كل ما أدخل فيه من أمر أو مكان. فهو مصدر بمعنى الإدخال، كالمجرى والمرسى، وإضافته من إضافة الموصوف لصفته( آية ٣ يونس ص٢٣٩ ).
﴿ جاء الحق وزهق الباطل ﴾ أي جاء الإسلام أو الدين الحق. وزال واضمحل بمجيئة الشرك. يقال : زهقت نفسه تزهق زهوقا، خرجت من الأسف على الشيء. وزهق السهم : جاوز المرمى إلى ما وراءه.
﴿ ولا يزيد الظالمين... ﴾ أي لا يزيد القرآن المكذبين به إلا هلاكا، فكلما نزلت آية تجدد تكذيبهم وكفرهم بها فازدادوا هلاكا. والخسار والخسارة : الهلاك والضلال.
﴿ ونأى بجانبه... ﴾ بعد منا بنفسه تكبرا وتعاظما، كأن لم تنله نعمة منا، من النأي وهو البعد والجانب : النفس. يقال : جاء من جانب فلان كذا، أي منه، وهو كناية، كما يعبر بالمقام والمجلس عن صاحبه. ﴿ يؤوسا ﴾ شديد اليأس من رحمتنا.
﴿ كل يعمل على شاكلته ﴾ أي كل واحد من المعرض والمقبل، أو من المؤمن والكافر يعمل على طريقته ومذهبه الذي يشاكل حالة ويشابهه في الهدى والضلال، والحسن والقبح. من قولهم : طريق ذو شواكل، أي طرق تتشعب منه، مأخوذة من الشكل – بالفتح – وهو المثل والنظير يقال : لست على شكلي ولا شاكلتي.
﴿ ويسألونك عن الروح ﴾ سأل اليهود رسول صلى الله عليه وسلم عن كنه الروح تعنتا وامتحانا، فأمر أن يجيبهم بأنه مما استأثر الله بعلمه. وعن عبد الله بن بريدة : أن الله تعالى لم يطلع على الروح ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، بدليل هذه الآية.
﴿ ولئن شئنا لنذهبن... ﴾ في الآية امتنان من الله تعالى بإبقاء القرآن أي إلى قرب قيام الساعة.
﴿ ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ﴾ أي من يتعهد باسترداده بعد إذهابه، كما يلتزم الوكيل ذلك فيما يوكل فيه.
﴿ لا يأتون بمثله... ﴾ أي لا يقدرون على الإتيان بمثله في بلاغته وحسن نظمه، وتأليفه وأسلوبه البديع، ولو تعاونوا جميعا على ذلك. وقد عجز فصحاء العرب وهم أئمة البيان وفرسان البلاغة وذوو اللسن في الخطب عن معارضته بعد التحدي، فكان غيرهم أعجز. وتتابعت القرون وتضافر الأعداء فلم يستطع أحد أن يأتي بمثله، فكان ذلك آية من آيات الله، ودليلا على أنه من وحي الله، وليس من كلام البشر. ﴿ ظهيرا ﴾ أي معينا، ومنه : أظهره الله على عدوه، أعانه، واستظهر به : استعان.
﴿ ولقد صرفنا... ﴾ أي كررنا ورددنا البينات والعبر في القرآن بأساليب مختلفة، وأتينا فيه من البدائع ما يشبه في حسنه وغرابته الأمثال، ليهتدى الناس بهديه، فأبى أكثرهم إلا جحودا للحق.
وحين قرعتهم حججه وألقوا بأيديهم عجزا، اقترحوا واحدا من هذه الأمور الستة التي اشتملت عليها الآيات، تعنتا واستخفافا وإمعانا في التكذيب. ﴿ كفورا ﴾ أي جحودا، من الكفر وهو الستر والتغطية.
﴿ ينبوعا ﴾ أي عينا لا ينضب ماؤها ولا يغور، من نبع الماء من العين : ينبع – بتثليث الباء فيهما – خرج.
﴿ فتفجر الأنهار ﴾ أي تشققها. والمراد : فتجريها.
﴿ كسفا ﴾. يقال : كسفة الثوب، قطعته. ﴿ قبيلا ﴾ أي مقابلة وعيانا. أو كفيلا بما تدعيه شاهدا بصحته.
﴿ من زخرف ﴾ أي ذهب، وأصله الزينة، وإطلاقه على الذهب لأن الزينة به أعجب.
﴿ ترقى في السماء ﴾ تصعد في معارجها. يقال : رقي يرقى رقيا ورقيا، صعد.
﴿ ونحشرهم يوم القيامة... ﴾ أي نبعثهم يوم القيامة منكبين على وجوههم، إهانة لهم وتعذيبا، إما مشيا وإما سحبا عليها. وجائر أن يكون الأمران في حالين قبل دخولهم النار، وأما فيها فيسحبون على وجوههم ويقال لهم :﴿ ذوقوا مس سقر ﴾ ﴿ عميا وبكما وصما ﴾ فلا يبصرون ولا ينطقون ولا يسمعون. وهذا هو شأنهم في بعض المواقف يوم القيامة. ﴿ خبت ﴾ سكن لهبها، وصار عليها خباء من رماد، أي غشاء. وقيل : سكنت وطفئت أي ذهب لهبها.
﴿ رفاتا ﴾ ترابا أو أجزاءا متفتة ( آية ٤٩ هذه السورة ).
﴿ أو لم يروا ﴾ جواب عن استبعادهم قدرته تعالى على الإعادة في اليوم الآخر.
﴿ قتورا ﴾ مبالغا في التقتير والبخل. يقال : قتر يقتر ويقتر، وأقتر : قلل. وفلان مقتر، أي فقير. وأصله من القتار، وهو الدخان الساطع من الشواء والعود ونحوها.
﴿ ولقد آتينا موسى تسع آيات ﴾ وهي في رواية عن ابن عباس : العصا واليد والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والجدب أي في بواديهم والنقص من الثمرات. أي في مزارعهم.
﴿ مسحورا ﴾ سحرت فخولط عقلك واختل، وادعيت ما ادعيت ( آية ٤٧ هذه السورة ).
﴿ مثبور ﴾ مهلكا، من ثبر الله الكافر يثبره ثبورا، أهلكه. أو مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر، من قولهم : ما ثبرك عن هذا ؟ أي ما منعك وصرفك عنه.
﴿ أن يستفزهم ﴾ يزعجهم أو يستخفهم ويخرجهم من أرض مصر. ( آية ٢٤ هذه السورة ).
﴿ لفيفا ﴾ مختلطين أنتم وهم. واللفيف : اسم جمع لا واحد له من لفظه، ومعناه : الجماعة من قبائل شتى.
﴿ وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ﴾ أي وما أنزلنا القرآن إلا ملتبسا بالحكمة الإلهية التي اقتضت إنزاله. وما نزل إلا ملتبسا بالحق، أي العقائد والأحكام ونحوها مما اشتمل عليه. أو ما أردنا بإنزال القرآن إلا تقريره للحق، فلما أردنا ذلك وقع وحصل كما أردنا.
﴿ فرقناه... ﴾ فصلنا، أو فرقنا فيه بين الحق والباطل. أو أنزلناه منجما على تفريق. وقرئ
بالتشديد، أي أنزلناه مفرقا لا جملة، ﴿ لتقرأه على الناس عل مكث ﴾ أي على تؤدة وتأن وترتيل في التلاوة، ليفهموه وبتيسر لهم حفظه. والمكث : التلبث في المكان والإقامة مع الانتظار. ﴿ ونزلناه تنزيلا ﴾ أي على حسب الحوادث والمصالح.
﴿ يخرون للأذقان ﴾ يسقطون بسرعة على وجوههم ساجدين تعظيما لله تعالى وشكرا له لإنجاز وعده ببعثتك. يقال : خر لله ساجدا يخر خرورا، أي سقط. والآية في مؤمني أهل الكتاب.
﴿ ولا تجهر بصلاتك ﴾ أي بقراءتها حتى لا يسمعها المشركون فيسبوا القرآن ومنزله. ﴿ ولا تخافت بها ﴾ حتى لا يسمعها من خلقك. والمخافتة : إسرار الحديث بحيث لا يسمعه المتكلم، وهي ضد المجاهرة به.
يقال : خفت الرجل بصوته : إذا لم يرفعه. وخافت بقراءته مخافتة : إذا لم يرفع صوته بها. وقيل : الصلاة الدعاء. ﴿ سبيلا ﴾ طريقا وسطا.
﴿ وكبره تكبيرا ﴾ عظمه تعظيما عن أن يكون له ولد أو شريك، أو ناصر معين.
والله أعلم