تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
المعروف بـالكشاف أو تفسير الزمخشري
.
لمؤلفه
الزمخشري
.
المتوفي سنة 538 هـ
مكية. وآياتها ١١١.
ﰡ
سورة الإسراء
(مكية [إلا الآيات ٢٦ و ٣٢ و ٣٣ و ٥٧، ومن آية ٧٣ إلى غاية آية ٨٠ فمدنية] وآياتها ١١١ [نزلت بعد القصص] ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١]
سُبْحانَ علم للتسبيح كعثمان للرجل، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره، تقديره:
أسبح الله سبحان، ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسدّه، ودل على التنزيه البليغ من جميع القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله «١». وأَسْرى وسرى لغتان. ولَيْلًا نصب على الظرف.
فإن قلت: الإسراء لا يكون إلا بالليل، فما معنى ذكر الليل؟ «٢» قلت: أراد بقوله لَيْلًا بلفظ التنكير: تقليل مدّة الإسراء، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشأم مسيرة أربعين ليلة، وذلك أنّ التنكير فيه قد دلّ على معنى البعضية. ويشهد لذلك قراءة عبد الله
(مكية [إلا الآيات ٢٦ و ٣٢ و ٣٣ و ٥٧، ومن آية ٧٣ إلى غاية آية ٨٠ فمدنية] وآياتها ١١١ [نزلت بعد القصص] ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١)سُبْحانَ علم للتسبيح كعثمان للرجل، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره، تقديره:
أسبح الله سبحان، ثم نزل سبحان منزلة الفعل فسد مسدّه، ودل على التنزيه البليغ من جميع القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله «١». وأَسْرى وسرى لغتان. ولَيْلًا نصب على الظرف.
فإن قلت: الإسراء لا يكون إلا بالليل، فما معنى ذكر الليل؟ «٢» قلت: أراد بقوله لَيْلًا بلفظ التنكير: تقليل مدّة الإسراء، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشأم مسيرة أربعين ليلة، وذلك أنّ التنكير فيه قد دلّ على معنى البعضية. ويشهد لذلك قراءة عبد الله
(١). قوله «القبائح التي يضيفها إليه أعداء الله» يريد بهم أهل السنة القائلين بأنه تعالى هو الخالق لجميع الحوادث من أفعال العباد وغيرها، خيراً كانت أو شراً، خلافا للمعتزلة في قولهم: إن العبد هو الخالق لفعل نفسه حتى يكون مقدوراً له، فيصح تكليفه به، ولكن استند أهل السنة لمثل قوله تعالى اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ وهذا لا ينافي اختيار العباد في أفعالهم، لأنهم أثبتوا لهم الكسب فيها، كما تقرر في علم التوحيد. (ع)
(٢). قال محمود: «فان قلت: الاسراء لا يكون إلا بالليل، فما معنى ذكر الليل... الخ» ؟ قال أحمد وقد قرن الاسراء بالليل في موضع لا يليق الجواب عنه بهذا، كقوله فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وكقوله تعالى فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا فالظاهر- والله أعلم- أن الغرض من ذكر الليل وإن كان الاسراء يفيده تصوير السير بصورته في ذهن السامع، وكأن الاسراء لما دل على أمرين، أحدهما: السير، والآخر: كونه ليلا. أريد إفراد أحدهما بالذكر تثبيتا في نفس المخاطب، وتنبيها على أنه مقصود بالذكر. ونظيره في إفراد أحد ما دل عليه اللفظ المتقدم مضموماً لغيره قوله تعالى وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ، إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فالاسم الحامل للتثنية دال عليها وعلى الجنسية، وكذلك المفرد، فأريد التنبيه لأن أحد المعنيين وهو التثنية مراد مقصود، وكذلك أريد الإيقاظ، لأن الوحدانية هي المقصودة في قوله إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ولو اقتصر على قوله إِنَّما هُوَ إِلهٌ لأوهم أن المهم إثبات الالهية له، والغرض من الكلام ليس إلا الإثبات للوحدانية، والله أعلم.
(٢). قال محمود: «فان قلت: الاسراء لا يكون إلا بالليل، فما معنى ذكر الليل... الخ» ؟ قال أحمد وقد قرن الاسراء بالليل في موضع لا يليق الجواب عنه بهذا، كقوله فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وكقوله تعالى فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا فالظاهر- والله أعلم- أن الغرض من ذكر الليل وإن كان الاسراء يفيده تصوير السير بصورته في ذهن السامع، وكأن الاسراء لما دل على أمرين، أحدهما: السير، والآخر: كونه ليلا. أريد إفراد أحدهما بالذكر تثبيتا في نفس المخاطب، وتنبيها على أنه مقصود بالذكر. ونظيره في إفراد أحد ما دل عليه اللفظ المتقدم مضموماً لغيره قوله تعالى وَقالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ، إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فالاسم الحامل للتثنية دال عليها وعلى الجنسية، وكذلك المفرد، فأريد التنبيه لأن أحد المعنيين وهو التثنية مراد مقصود، وكذلك أريد الإيقاظ، لأن الوحدانية هي المقصودة في قوله إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ولو اقتصر على قوله إِنَّما هُوَ إِلهٌ لأوهم أن المهم إثبات الالهية له، والغرض من الكلام ليس إلا الإثبات للوحدانية، والله أعلم.
646
وحذيفة: من الليل، أى: بعض الليل، كقوله وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً يعنى الأمر بالقيام في بعض الليل. واختلف في المكان الذي أسرى منه فقيل: هو المسجد الحرام بعينه، وهو الظاهر.
وروى عن النبي ﷺ «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتانى جبريل عليه السلام بالبراق «١» » وقيل: أسرى به من دار أم هانئ بنت أبى طالب والمراد بالمسجد الحرام: الحرم، لإحاطته بالمسجد والتباسه به. وعن ابن عباس: الحرم كله مسجد. وروى أنه كان نائماً في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به «٢» ورجع من ليلته، وقص القصة على أم هانئ، وقال: مثل لي النبيون فصليت بهم وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانئ بثوبه فقال: مالك؟ قالت: أخشى أن يكذبك قومك إن أخبرتهم، قال: وإن كذبوني، فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول الله ﷺ بحديث الإسراء، فقال أبو جهل:
يا معشر بنى كعب بن لؤي، هلم فحدّثهم، فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً.
وارتد ناس ممن كان قد آمن به، وسعى رجال إلى أبى بكر رضى الله عنه فقال: إن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: أتصدقه على ذلك؟ قال: إنى لأصدقه على أبعد من ذلك، فسمى الصدّيق.
وفيهم من سافر إلى ما ثمّ، فاستنعتوه المسجد فجلى له بيت المقدس، فطفق ينظر إليه وينعته لهم، فقالوا: أمّا النعت فقد أصاب، فقالوا: أخبرنا عن عيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها، وقال:
تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس، يقدمها جمل أورق، فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية، فقال قائل منهم: هذه والله الشمس قد شرقت، فقال آخر: وهذه والله العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد، ثم لم يؤمنوا وقالوا: ما هذا إلا سحر مبين، وقد عرج به إلى السماء في تلك الليلة، وكان العروج به من بيت المقدس وأخبر قريشاً أيضاً بما رأى في السماء من العجائب وأنه لقى الأنبياء وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى واختلفوا في وقت الإسراء فقيل كان قبل الهجرة بسنة. وعن أنس والحسن أنه كان قبل البعث واختلف في أنه كان في اليقظة أم في المنام فعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت «والله ما فقد جسد رسول الله ﷺ ولكن عرج بروحه» «٣» وعن معاوية: إنما عرج بروحه. وعن الحسن، كان في المنام رؤيا رآها. وأكثر
وروى عن النبي ﷺ «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتانى جبريل عليه السلام بالبراق «١» » وقيل: أسرى به من دار أم هانئ بنت أبى طالب والمراد بالمسجد الحرام: الحرم، لإحاطته بالمسجد والتباسه به. وعن ابن عباس: الحرم كله مسجد. وروى أنه كان نائماً في بيت أم هانئ بعد صلاة العشاء فأسرى به «٢» ورجع من ليلته، وقص القصة على أم هانئ، وقال: مثل لي النبيون فصليت بهم وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانئ بثوبه فقال: مالك؟ قالت: أخشى أن يكذبك قومك إن أخبرتهم، قال: وإن كذبوني، فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول الله ﷺ بحديث الإسراء، فقال أبو جهل:
يا معشر بنى كعب بن لؤي، هلم فحدّثهم، فمن بين مصفق وواضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً.
وارتد ناس ممن كان قد آمن به، وسعى رجال إلى أبى بكر رضى الله عنه فقال: إن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: أتصدقه على ذلك؟ قال: إنى لأصدقه على أبعد من ذلك، فسمى الصدّيق.
وفيهم من سافر إلى ما ثمّ، فاستنعتوه المسجد فجلى له بيت المقدس، فطفق ينظر إليه وينعته لهم، فقالوا: أمّا النعت فقد أصاب، فقالوا: أخبرنا عن عيرنا، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها، وقال:
تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس، يقدمها جمل أورق، فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية، فقال قائل منهم: هذه والله الشمس قد شرقت، فقال آخر: وهذه والله العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق كما قال محمد، ثم لم يؤمنوا وقالوا: ما هذا إلا سحر مبين، وقد عرج به إلى السماء في تلك الليلة، وكان العروج به من بيت المقدس وأخبر قريشاً أيضاً بما رأى في السماء من العجائب وأنه لقى الأنبياء وبلغ البيت المعمور وسدرة المنتهى واختلفوا في وقت الإسراء فقيل كان قبل الهجرة بسنة. وعن أنس والحسن أنه كان قبل البعث واختلف في أنه كان في اليقظة أم في المنام فعن عائشة رضى الله عنها أنها قالت «والله ما فقد جسد رسول الله ﷺ ولكن عرج بروحه» «٣» وعن معاوية: إنما عرج بروحه. وعن الحسن، كان في المنام رؤيا رآها. وأكثر
(١). متفق عليه من حديث مالك بن صعصعة مطولا.
(٢). ذكره الثعلبي عن ابن عباس بغير سند. وكأنه من رواية الكلبي عن أبى صالح عنه، ثم رأيته من رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس. أخرجه الحاكم والبيهقي عنه. لكن لم يسبق لفظه، وقد رواه النسائي باختصار عن هذا من رواية عوف عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس. وأورده ابن سعد وأبو يعلى والطبراني من حديث أم هانئ مطولا.
(٣). قال ابن إسحاق في المغازي: حدثني بعض آل أبى بكر عن عائشة بهذا «لكن أسرى» بدل «عرج» قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة عن ابن معاوية قال: كانت رؤيا من الله صادقة.
(٢). ذكره الثعلبي عن ابن عباس بغير سند. وكأنه من رواية الكلبي عن أبى صالح عنه، ثم رأيته من رواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس. أخرجه الحاكم والبيهقي عنه. لكن لم يسبق لفظه، وقد رواه النسائي باختصار عن هذا من رواية عوف عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس. وأورده ابن سعد وأبو يعلى والطبراني من حديث أم هانئ مطولا.
(٣). قال ابن إسحاق في المغازي: حدثني بعض آل أبى بكر عن عائشة بهذا «لكن أسرى» بدل «عرج» قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة عن ابن معاوية قال: كانت رؤيا من الله صادقة.
647
الأقاويل بخلاف ذلك. والمسجد الأقصى: بيت المقدس، لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد بارَكْنا حَوْلَهُ يريد بركات الدين والدنيا، لأنه متعبد الأنبياء من وقت موسى ومهبط الوحى، وهو محفوف بالأنهار الجارية والأشجار المثمرة. وقرأ الحسن: ليريه بالياء، ولقد تصرف الكلام على لفظ الغائب والمتكلم «فقيل: أسرى ثم باركنا ثم ليريه، على قراءة الحسن، ثم من آياتنا، ثم إنه هو، وهي طريقة الالتفات التي هي من طرق البلاغة إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوال محمد الْبَصِيرُ بأفعاله، العالم بتهذبها وخلوصها، فيكرمه ويقرّبه على حسب ذلك.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢ الى ٣]
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣)
أَلَّا تَتَّخِذُوا قرئ بالياء على: لئلا يتخذوا، وبالتاء على: أى لا تتخذوا، كقولك:
كتبت إليه أن أفعل كذا وَكِيلًا ربا تكلون إليه أموركم ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا نصب على الاختصاص. وقيل: على النداء فيمن قرأ «لا تتخذوا» بالتاء على النهى، يعنى: قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا يا ذرية من حملنا مَعَ نُوحٍ وقد يجعل وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مفعولي تتخذوا، أى لا تجعلوهم أرباباً كقوله وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً ومن ذرية المحمولين مع نوح عيسى وعزير عليهم السلام. وقرئ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا بالرفع بدلا من واو تَتَّخِذُوا وقرأ زيد بن ثابت: ذرية، بكسر الذال. وروى عنه أنه قد فسرها بولد الولد، ذكرهم الله النعمة في إنجاء آبائهم من الغرق إِنَّهُ إن نوحاً كانَ عَبْداً شَكُوراً قيل: كان إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمنى، ولو شاء أجاعنى. وإذا شرب قال: الحمد لله الذي سقاني، ولو شاء أظمأنى. وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كسانى، ولو شاء أعرانى. وإذا احتذى قال: الحمد لله الذي حذانى، ولو شاء أحفانى. وإذا قضى حاجته قال: الحمد لله الذي أخرج عنى أذاه في عافية، ولو شاء حبسه. وروى أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به، فإن وجده محتاجاً آثره به. فإن قلت: قوله إنه كان عبداً شكوراً ما وجه ملاءمته لما قبله؟ قلت: كأنه قيل: لا تتخذوا من دوني وكيلا، ولا تشركوا بى، لأنّ نوحا عليه السلام كان عبدا شكورا، وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم.
ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح، فهم متصلون به، فاستأهلوا لذلك الاختصاص. ويجوز أن يقال ذلك عند ذكره على سبيل الاستطراد.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢ الى ٣]
وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣)
أَلَّا تَتَّخِذُوا قرئ بالياء على: لئلا يتخذوا، وبالتاء على: أى لا تتخذوا، كقولك:
كتبت إليه أن أفعل كذا وَكِيلًا ربا تكلون إليه أموركم ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا نصب على الاختصاص. وقيل: على النداء فيمن قرأ «لا تتخذوا» بالتاء على النهى، يعنى: قلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا يا ذرية من حملنا مَعَ نُوحٍ وقد يجعل وَكِيلًا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مفعولي تتخذوا، أى لا تجعلوهم أرباباً كقوله وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً ومن ذرية المحمولين مع نوح عيسى وعزير عليهم السلام. وقرئ ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا بالرفع بدلا من واو تَتَّخِذُوا وقرأ زيد بن ثابت: ذرية، بكسر الذال. وروى عنه أنه قد فسرها بولد الولد، ذكرهم الله النعمة في إنجاء آبائهم من الغرق إِنَّهُ إن نوحاً كانَ عَبْداً شَكُوراً قيل: كان إذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمنى، ولو شاء أجاعنى. وإذا شرب قال: الحمد لله الذي سقاني، ولو شاء أظمأنى. وإذا اكتسى قال: الحمد لله الذي كسانى، ولو شاء أعرانى. وإذا احتذى قال: الحمد لله الذي حذانى، ولو شاء أحفانى. وإذا قضى حاجته قال: الحمد لله الذي أخرج عنى أذاه في عافية، ولو شاء حبسه. وروى أنه كان إذا أراد الإفطار عرض طعامه على من آمن به، فإن وجده محتاجاً آثره به. فإن قلت: قوله إنه كان عبداً شكوراً ما وجه ملاءمته لما قبله؟ قلت: كأنه قيل: لا تتخذوا من دوني وكيلا، ولا تشركوا بى، لأنّ نوحا عليه السلام كان عبدا شكورا، وأنتم ذرية من آمن به وحمل معه، فاجعلوه أسوتكم كما جعله آباؤكم أسوتهم.
ويجوز أن يكون تعليلا لاختصاصهم والثناء عليهم بأنهم أولاد المحمولين مع نوح، فهم متصلون به، فاستأهلوا لذلك الاختصاص. ويجوز أن يقال ذلك عند ذكره على سبيل الاستطراد.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤ الى ٦]
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦)وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ وأوحينا إليهم وحيا مقضيا، أى مقطوعا مبتوتاً بأنهم يفسدون في الأرض لا محالة، ويعلون، أى: يتعظمون ويبغون فِي الْكِتابِ في التوراة، ولَتُفْسِدُنَّ جواب قسم محذوف. ويجوز أن يجرى القضاء المبتوت مجرى القسم، فيكون لَتُفْسِدُنَّ جوابا له، كأنه قال: وأقسمنا لتفسدن. وقرئ: لتفسدنّ، على البناء للمفعول. ولتفسدن، بفتح التاء من فسد مَرَّتَيْنِ أولاهما: قتل زكريا وحبس أرميا حين أنذرهم سخط الله، والآخرة: قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى ابن مريم عِباداً لَنا وقرئ عبيداً لنا. وأكثر ما يقال:
عباد الله وعبيد الناس: سنحاريب وجنوده «١» وقيل بخت نصر. وعن ابن عباس: جالوت. قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة، وخربوا المسجد، وسبوا منهم سبعين ألفاً. فإن قلت: كيف جاز أن يبعث الله الكفرة «٢» على ذلك ويسلطهم عليه «٣». قلت: معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم، على أنّ الله عزّ وعلا أسند بعث الكفرة عليهم إلى نفسه، فهو كقوله تعالى وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ وكقول الداعي. وخالف بين كلمهم. وأسند الجوس وهو التردّد خلال الديار بالفساد إليهم، فتخريب المسجد وإحراق التوراة من جملة الجوس المسند إليهم. وقرأ طلحة «فحاسوا» بالحاء. وقرئ: فجوّسوا. وخلل الديار. فإن قلت:
ما معنى وَعْدُ أُولاهُما؟ قلت: معناه وعد عقاب أولاهما وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا يعنى:
وكان وعد العقاب وعدا لا بد أن يفعل ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ أى الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم حين تبتم ورجعتم عن الفساد والعلو. قيل: هي قتل بخت نصر واستنقاذ بنى إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم، وقيل: هي قتل داود جالوت أَكْثَرَ نَفِيراً مما كنتم.
(١). قوله «سنحاريب وجنوده» كان ملك بابل، وبخت نصر هو ابن ابنه، وكان من كتابه. وكذا في الخازن. (ع)
(٢). قوله «فان قلت: كيف جاز أن يبعث الله الكفرة على ذلك» مبنى على أنه تعالى لا يفعل الشر ولا يريده، وهو مذهب المعتزلة. وعند أهل السنة كل كائن فهو فعله ومراده ولو شرا، فلا سؤال. (ع)
(٣). قال محمود: «إن قلت كيف جاز أن يبعث الله الكفرة... الخ» قال أحمد: هذا السؤال إنما يتوجه على قدرى يوجب على الله تعالى بزعمه رعاية ما يتوهمه بعقله مصلحة، وأما السنى إذا سئل هذا السؤال أجاب عنه بقوله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ والله الموفق.
(٢). قوله «فان قلت: كيف جاز أن يبعث الله الكفرة على ذلك» مبنى على أنه تعالى لا يفعل الشر ولا يريده، وهو مذهب المعتزلة. وعند أهل السنة كل كائن فهو فعله ومراده ولو شرا، فلا سؤال. (ع)
(٣). قال محمود: «إن قلت كيف جاز أن يبعث الله الكفرة... الخ» قال أحمد: هذا السؤال إنما يتوجه على قدرى يوجب على الله تعالى بزعمه رعاية ما يتوهمه بعقله مصلحة، وأما السنى إذا سئل هذا السؤال أجاب عنه بقوله لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ والله الموفق.
والنفير، من ينفر مع الرجل من قومه، وقيل: جمع نفر كالعبيد والمعيز.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧]
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧)
أى الإحسان والإساءة: كلاهما مختص بأنفسكم، لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم. وعن علىّ رضى الله عنه: ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه، وتلاها فَإِذا جاءَ وَعْدُ المرّة الْآخِرَةِ بعثناهم «١» لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ حذف لدلالة ذكره أوّلا عليه. ومعنى لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها، كقوله سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقرئ: ليسوء والضمير لله تعالى، أو للوعد، أو للبعث. ولنسوء: بالنون. وفي قراءة علىّ: لنسوأنّ: وليسوأنّ وقرئ لنسوأن، بالنون الخفيفة. واللام في لِيَدْخُلُوا على هذا متعلق بمحذوف وهو:
وبعثناهم ليدخلوا. ولنسوأن: جواب إذا جاء ما عَلَوْا مفعول ليتبروا، أى ليهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه. أو بمعنى: مدة علوّهم.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٨]
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨)
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد المرّة الثانية إن تبتم توبة أخرى وانزجرتم عن المعاصي وَإِنْ عُدْتُمْ مرة ثالثة عُدْنا إلى عقوبتكم وقد عادوا، فأعاد الله إليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الأتاوة عليهم. وعن الحسن: عادوا فبعث الله محمدا، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. وعن قتادة: ثم كان آخر ذلك أن بعث الله عليهم هذا الحىّ من العرب، فهم منهم في عذاب إلى يوم القيامة حَصِيراً محبسا يقال للسجن محصر وحصير. وعن الحسن:
بساطا كما يبسط الحصير المرمول «٢»
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٧]
إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧)
أى الإحسان والإساءة: كلاهما مختص بأنفسكم، لا يتعدى النفع والضرر إلى غيركم. وعن علىّ رضى الله عنه: ما أحسنت إلى أحد ولا أسأت إليه، وتلاها فَإِذا جاءَ وَعْدُ المرّة الْآخِرَةِ بعثناهم «١» لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ حذف لدلالة ذكره أوّلا عليه. ومعنى لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها، كقوله سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وقرئ: ليسوء والضمير لله تعالى، أو للوعد، أو للبعث. ولنسوء: بالنون. وفي قراءة علىّ: لنسوأنّ: وليسوأنّ وقرئ لنسوأن، بالنون الخفيفة. واللام في لِيَدْخُلُوا على هذا متعلق بمحذوف وهو:
وبعثناهم ليدخلوا. ولنسوأن: جواب إذا جاء ما عَلَوْا مفعول ليتبروا، أى ليهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه. أو بمعنى: مدة علوّهم.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٨]
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨)
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد المرّة الثانية إن تبتم توبة أخرى وانزجرتم عن المعاصي وَإِنْ عُدْتُمْ مرة ثالثة عُدْنا إلى عقوبتكم وقد عادوا، فأعاد الله إليهم النقمة بتسليط الأكاسرة وضرب الأتاوة عليهم. وعن الحسن: عادوا فبعث الله محمدا، فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. وعن قتادة: ثم كان آخر ذلك أن بعث الله عليهم هذا الحىّ من العرب، فهم منهم في عذاب إلى يوم القيامة حَصِيراً محبسا يقال للسجن محصر وحصير. وعن الحسن:
بساطا كما يبسط الحصير المرمول «٢»
(١). قوله: فَإِذا جاءَ وَعْدُ المرة الْآخِرَةِ بعثناهم: أى عبادنا وهم في هذه المرة، الفرس والروم، بعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خروش. حتى دخل الشام بجنود فقتل وسبى، حتى كاد يفنى بنى إسرائيل، وبقي منهم بقايا حتى كثروا، وكانت لهم الرياسة في بيت المقدس إلى أن بدلوا وأحدثوا الأحداث فسلط الله عليهم ططوس بن أسبيانوس الرومي فخرب بلادهم وطردهم عنها، وبقي بيت المقدس خرابا إلى خلافة عمر بن الخطاب، فعمره المسلمون بأمره. اه من الخازن. (ع)
(٢). قوله كما يبسط الحصير المرمول» أى المنسوج، أفاده الصحاح. (ع)
(٢). قوله كما يبسط الحصير المرمول» أى المنسوج، أفاده الصحاح. (ع)
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩ الى ١٠]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠)لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدّها. أو للملة. أو للطريقة. وأينما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف، لما في إبهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه. وقرئ: ويبشر، بالتخفيف، فإن قلت: كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة؟ قلت: كان الناس حينئذ إما مؤمن تقى، وإما مشرك، وإنما حدث أصحاب المنزلة «١» بين المنزلتين بعد ذلك. فإن قلت: علام عطف وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ؟ قلت:
على أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً على معنى: أنه بشر المؤمنين ببشارتين اثنتين: بثوابهم، وبعقاب أعدائهم ويجوز أن يراد: ويخبر بأن الذين لا يؤمنون معذبون.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١]
وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١)
أى: ويدعو الله عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله، كما يدعوه لهم بالخير، كقوله وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ. وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله، لا يتأنى فيه تأنى المتبصر. وعن النبي ﷺ أنه دفع إلى سودة بنت زمعة أسيرا، فأقبل يئن بالليل، فقالت له: مالك تئن؟ فشكا ألم «٢» القدّ، فأرخت من كتافه، فلما نامت أخرج يده وهرب، فلما أصبح النبي ﷺ دعا به فأعلم بشأنه، فقال ﷺ «اللهم اقطع يديها» فرفعت سودة يديها تتوقع الإجابة، وأن يقطع الله يديها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنى سألت الله أن يجعل لعنتي ودعائي على من لا يستحق من أهلى رحمة لأنى بشر أغضب كما يغضب البشر فلتردّ سودة يديها «٣» » ويجوز أن يريد بالإنسان الكافر، وأنه يدعو بالعذاب استهزاء ويستعجل به، كما يدعو بالخير إذا مسته الشدّة. وكان
(١). قوله «وإنما حدث أصحاب المنزلة» يعنى الفسقة. وإثبات الواسطة مذهب المعتزلة دون أهل السنة، فان الفسق لا يزيل الايمان عندهم. (ع)
(٢). قوله «فشكا ألم القد» في الصحاح «القد» بالكسر: سير يقد من جلد غير مدبوغ. (ع) [.....]
(٣). لم أجده من هذه الجهة. وقد أخرجه الواقدي في المغازي من رواية ذكوان عن عائشة، أن النبي ﷺ دخل عليها بأسير، وقال لها: احتفظي به. قالت: فلهوت مع امرأة فخرج ولم أشعر. فدخل يسأل عنه فقلت والله ما أدرى. فقال: قطع الله يدك، فذكر نحو ما تقدم. ورويناه في الجزء التاسع من حديث المخلص تخريج البقال. قال: حدثنا ابن أبى داود حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان بهذا.
(٢). قوله «فشكا ألم القد» في الصحاح «القد» بالكسر: سير يقد من جلد غير مدبوغ. (ع) [.....]
(٣). لم أجده من هذه الجهة. وقد أخرجه الواقدي في المغازي من رواية ذكوان عن عائشة، أن النبي ﷺ دخل عليها بأسير، وقال لها: احتفظي به. قالت: فلهوت مع امرأة فخرج ولم أشعر. فدخل يسأل عنه فقلت والله ما أدرى. فقال: قطع الله يدك، فذكر نحو ما تقدم. ورويناه في الجزء التاسع من حديث المخلص تخريج البقال. قال: حدثنا ابن أبى داود حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان بهذا.
الإنسان عجولا: يعنى أن العذاب آتيه لا محالة، فما هذا الاستعجال، وعن ابن عباس رضى الله عنهما: هو النضر بن الحرث قال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية، فأجيب له، فضربت عنقه صبرا.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٢]
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢)
فيه وجهان، أحدهما: أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما، فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين، كإضافة العدد إلى المعدود، أى: فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة. والثاني: أن يراد: وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتين، يريد الشمس والقمر. فمحونا آية الليل: أى جعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلما، لا يستبان فيه شيء كما لا يستبان ما في اللوح الممحوّ، وجعلنا النهار مبصرا أى تبصر فيه الأشياء وتستبان. أو فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق لها شعاعا كشعاع الشمس، فترى به الأشياء رؤية بينة، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ لتتوصلوا ببياض النهار إلى استبانة أعمالكم والتصرف في معايشكم وَلِتَعْلَمُوا باختلاف الجديدين عَدَدَ السِّنِينَ وَجنس الْحِسابَ وما تحتاجون إليه منه ولولا ذلك لما علم أحد حسبان الأوقات، ولتعطلت الأمور وَكُلَّ شَيْءٍ مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم فَصَّلْناهُ بيناه بيانا غير ملتبس، فأزحنا عللكم، وما تركنا لكم حجة علينا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤)
طائِرَهُ عمله وقد حققنا القول فيه في سورة النمل. وعن ابن عيينة: هو من قولك:
طار له سهم، إذا خرج، يعنى: ألزمناه ما طار من عمله. والمعنى أنّ عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا يفك عنه، ومنه مثل العرب: تقلدها طوق الحمامة. وقولهم: الموت في الرقاب. وهذا ربقة في رقبته. عن الحسن: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة إذا بعثت قلدتها في عنقك: وقرئ فِي عُنُقِهِ بسكون النون. وقرئ نُخْرِجُ بالنون. ويخرج، بالياء، والضمير لله عز وجل.
ويخرج، على البناء للمفعول. ويخرج من خرج، والضمير للطائر. أى: يخرج الطائر كتاباً، وانتصاب كِتاباً على الحال. وقرئ: يلقاه، بالتشديد مبنيا للمفعول. ويَلْقاهُ مَنْشُوراً
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٢]
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢)
فيه وجهان، أحدهما: أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما، فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين، كإضافة العدد إلى المعدود، أى: فمحونا الآية التي هي الليل وجعلنا الآية التي هي النهار مبصرة. والثاني: أن يراد: وجعلنا نيرى الليل والنهار آيتين، يريد الشمس والقمر. فمحونا آية الليل: أى جعلنا الليل ممحوّ الضوء مطموسه مظلما، لا يستبان فيه شيء كما لا يستبان ما في اللوح الممحوّ، وجعلنا النهار مبصرا أى تبصر فيه الأشياء وتستبان. أو فمحونا آية الليل التي هي القمر حيث لم يخلق لها شعاعا كشعاع الشمس، فترى به الأشياء رؤية بينة، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ لتتوصلوا ببياض النهار إلى استبانة أعمالكم والتصرف في معايشكم وَلِتَعْلَمُوا باختلاف الجديدين عَدَدَ السِّنِينَ وَجنس الْحِسابَ وما تحتاجون إليه منه ولولا ذلك لما علم أحد حسبان الأوقات، ولتعطلت الأمور وَكُلَّ شَيْءٍ مما تفتقرون إليه في دينكم ودنياكم فَصَّلْناهُ بيناه بيانا غير ملتبس، فأزحنا عللكم، وما تركنا لكم حجة علينا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٣ الى ١٤]
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤)
طائِرَهُ عمله وقد حققنا القول فيه في سورة النمل. وعن ابن عيينة: هو من قولك:
طار له سهم، إذا خرج، يعنى: ألزمناه ما طار من عمله. والمعنى أنّ عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا يفك عنه، ومنه مثل العرب: تقلدها طوق الحمامة. وقولهم: الموت في الرقاب. وهذا ربقة في رقبته. عن الحسن: يا ابن آدم بسطت لك صحيفة إذا بعثت قلدتها في عنقك: وقرئ فِي عُنُقِهِ بسكون النون. وقرئ نُخْرِجُ بالنون. ويخرج، بالياء، والضمير لله عز وجل.
ويخرج، على البناء للمفعول. ويخرج من خرج، والضمير للطائر. أى: يخرج الطائر كتاباً، وانتصاب كِتاباً على الحال. وقرئ: يلقاه، بالتشديد مبنيا للمفعول. ويَلْقاهُ مَنْشُوراً
صفتان للكتاب. أو يَلْقاهُ صفة ومَنْشُوراً حالٌ من يلقاه اقْرَأْ على إرادة القول. وعن قتادة: يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئا. وبِنَفْسِكَ فاعل كفى. وحَسِيباً تمييز وهو بمعنى حاسب كضريب القداح بمعنى ضاربها وصريم بمعنى صارم ذكرهما سيبويه. وعلى متعلق به من قولك حسب عليه كذا. ويجوز أن يكون بمعنى الكافي وضع موضع الشهيد فعدّى بعلى لأنّ الشاهد يكفى المدّعى ما أهمه. فإن قلت: لم ذكر حسيبا؟ قلت: لأنه بمنزلة الشهيد والقاضي والأمير، لأنّ الغالب أنّ هذه الأمور يتولاها الرجال، فكأنه قيل: كفى بنفسك رجلا حسيبا. ويجوز أن يتأوّل النفس بالشخص، كما يقال: ثلاثة أنفس. وكان الحسن إذا قرأها قال: يا ابن آدم، أنصفك والله من جعلك حسيب نفسك.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٥]
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥)
أى: كل نفس حاملة وزرا، فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ وما صحّ منا صحة تدعو إليها الحكمة أن نعذب «١» قوما إلا بعد أن نَبْعَثَ إليهم رَسُولًا فتلزمهم الحجة. فإن قلت: الحجة لازمة لهم قبل بعثة الرسل، لأنّ معهم أدلة العقل التي بها يعرف الله، وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه، واستيجابهم العذاب لإغفالهم النظر فيما معهم، وكفرهم لذلك، لا لإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف، والعمل بها لا يصح إلا بعد الايمان. قلت: بعثة الرسل من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة، لئلا يقولوا:
كنا غافلين فلولا بعثت إلينا رسولا ينبهنا على النظر في أدلة العقل.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٦]
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦)
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٥]
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥)
أى: كل نفس حاملة وزرا، فإنما تحمل وزرها لا وزر نفس أخرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ وما صحّ منا صحة تدعو إليها الحكمة أن نعذب «١» قوما إلا بعد أن نَبْعَثَ إليهم رَسُولًا فتلزمهم الحجة. فإن قلت: الحجة لازمة لهم قبل بعثة الرسل، لأنّ معهم أدلة العقل التي بها يعرف الله، وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه، واستيجابهم العذاب لإغفالهم النظر فيما معهم، وكفرهم لذلك، لا لإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف، والعمل بها لا يصح إلا بعد الايمان. قلت: بعثة الرسل من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة، لئلا يقولوا:
كنا غافلين فلولا بعثت إلينا رسولا ينبهنا على النظر في أدلة العقل.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٦]
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦)
(١). قال محمود: «معناه وما صح مناصحة تدعو إليها الحكمة أن نعذب قوما حتى تلزمهم الحجة ببعث الرسول...
الخ» قال أحمد: وهذا السؤال أيضاً إنما يتوجه على قدرى يزعم أن العقل يرشد إلى وجوب النظر وإلى كثير من أحكام الله تعالى، وإن لم يبعث رسول فيكلف بعقله ويرتب على ترك امتثال التكليف استيجاب العذاب، إذ العقل كاف عندهم في إيجاب المعرفة بل في جميع الأحكام، بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين. وأما السنى فلا يتوجه عليه هذا السؤال، فان العقل عنده شرط في وجوب عموم الأحكام، ولا تكليف عنده قبل ورود الشرائع وبعث الأنبياء، وحينئذ يثبت الحكم وتقوم الحجة، كما أنبأت عنه هذه الآية التي يروم الزمخشري تحريفها فتعتاص عليه وتسد طرق الحيل بين يديه، لأنه الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نعم العقل عمدة في حصول المعرفة لا في وجوبها، وبين الحصول والوجوب بون بعيد، والله الموفق.
الخ» قال أحمد: وهذا السؤال أيضاً إنما يتوجه على قدرى يزعم أن العقل يرشد إلى وجوب النظر وإلى كثير من أحكام الله تعالى، وإن لم يبعث رسول فيكلف بعقله ويرتب على ترك امتثال التكليف استيجاب العذاب، إذ العقل كاف عندهم في إيجاب المعرفة بل في جميع الأحكام، بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين. وأما السنى فلا يتوجه عليه هذا السؤال، فان العقل عنده شرط في وجوب عموم الأحكام، ولا تكليف عنده قبل ورود الشرائع وبعث الأنبياء، وحينئذ يثبت الحكم وتقوم الحجة، كما أنبأت عنه هذه الآية التي يروم الزمخشري تحريفها فتعتاص عليه وتسد طرق الحيل بين يديه، لأنه الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نعم العقل عمدة في حصول المعرفة لا في وجوبها، وبين الحصول والوجوب بون بعيد، والله الموفق.
653
وَإِذا أَرَدْنا
وإذا دنا وقت إهلاك قوم ولم يبق من زمان إمهالهم إلا قليل، أمرناهم «١» فَفَسَقُوا
أى أمرناهم بالفسق ففعلوا، والأمر مجاز، لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم:
افسقوا، وهذا لا يكون فبقى أن يكون مجازاً «٢»، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صباً، فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات، فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه، وإنما خولهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير ويتمكنوا من الإحسان والبرّ، كما خلقهم أصحاء أقوياء، وأقدرهم على الخير والشرّ، وطلب منهم إيثار الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق، فلما فسقوا حق عليهم القول وهو كلمة العذاب فدمّرهم. فإن قلت: هلا زعمت أن معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا؟ قلت: لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز، فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه، وذلك أن المأمور به إنما حذف لأن فسقوا يدل عليه، وهو كلام مستفيض.
يقال: أمرته فقام، وأمرته فقرأ لا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام أو قراءة، ولو ذهبت تقدّر غيره فقد رمت من مخاطبك علم الغيب، ولا يلزم على هذا قولهم: أمرته فعصاني، أو فلم يمتثل أمرى. لأنّ ذلك مناف للأمر مناقض له، ولا يكون ما يناقض الأمر مأموراً به، فكان محالا أن يقصد أصلا حتى يجعل دالا على المأمور به، فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوي، لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوى لأمره مأموراً به، وكأنه يقول: كان منى أمر فلم تكن منه طاعة، كما أن من يقول: فلان يعطى ويمنع، ويأمر وينهى، غير قاصد إلى مفعول. فإن قلت: هلا كان ثبوت العلم بأن الله لا يأمر بالفحشاء وإنما يأمر بالقصد والخير، دليلا على أن المراد أمرناهم بالخير ففسقوا؟ قلت: لا يصحّ ذلك، لأن قوله فَفَسَقُوا
يدافعه، فكأنك أظهرت شيئاً وأنت تدعى إضمار خلافه، فكان صرف الأمر إلى المجاز هو الوجه، ونظير «أمر» شاء: في أن مفعوله استفاض فيه الحذف، لدلالة ما بعده عليه، تقول: لو شاء لأحسن إليك، ولو شاء لأساء إليك. تريد: لو شاء الإحسان ولو شاء الإساءة، فلو ذهبت تضمر خلاف ما أظهرت- وقلت: قد دلت حال من أسندت إليه المشيئة أنه من أهل الإحسان أو من أهل الاساءة، فاترك الظاهر المنطوق به وأضمر ما دلت عليه حال صاحب المشيئة- لم تكن على سداد. وقد فسر بعضهم أَمَرْنا
بكثرنا، وجعل أمرته فأمر من باب فعلته
وإذا دنا وقت إهلاك قوم ولم يبق من زمان إمهالهم إلا قليل، أمرناهم «١» فَفَسَقُوا
أى أمرناهم بالفسق ففعلوا، والأمر مجاز، لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم:
افسقوا، وهذا لا يكون فبقى أن يكون مجازاً «٢»، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صباً، فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتباع الشهوات، فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إيلاء النعمة فيه، وإنما خولهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير ويتمكنوا من الإحسان والبرّ، كما خلقهم أصحاء أقوياء، وأقدرهم على الخير والشرّ، وطلب منهم إيثار الطاعة على المعصية فآثروا الفسوق، فلما فسقوا حق عليهم القول وهو كلمة العذاب فدمّرهم. فإن قلت: هلا زعمت أن معناه أمرناهم بالطاعة ففسقوا؟ قلت: لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز، فكيف يحذف ما الدليل قائم على نقيضه، وذلك أن المأمور به إنما حذف لأن فسقوا يدل عليه، وهو كلام مستفيض.
يقال: أمرته فقام، وأمرته فقرأ لا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام أو قراءة، ولو ذهبت تقدّر غيره فقد رمت من مخاطبك علم الغيب، ولا يلزم على هذا قولهم: أمرته فعصاني، أو فلم يمتثل أمرى. لأنّ ذلك مناف للأمر مناقض له، ولا يكون ما يناقض الأمر مأموراً به، فكان محالا أن يقصد أصلا حتى يجعل دالا على المأمور به، فكان المأمور به في هذا الكلام غير مدلول عليه ولا منوي، لأن من يتكلم بهذا الكلام فإنه لا ينوى لأمره مأموراً به، وكأنه يقول: كان منى أمر فلم تكن منه طاعة، كما أن من يقول: فلان يعطى ويمنع، ويأمر وينهى، غير قاصد إلى مفعول. فإن قلت: هلا كان ثبوت العلم بأن الله لا يأمر بالفحشاء وإنما يأمر بالقصد والخير، دليلا على أن المراد أمرناهم بالخير ففسقوا؟ قلت: لا يصحّ ذلك، لأن قوله فَفَسَقُوا
يدافعه، فكأنك أظهرت شيئاً وأنت تدعى إضمار خلافه، فكان صرف الأمر إلى المجاز هو الوجه، ونظير «أمر» شاء: في أن مفعوله استفاض فيه الحذف، لدلالة ما بعده عليه، تقول: لو شاء لأحسن إليك، ولو شاء لأساء إليك. تريد: لو شاء الإحسان ولو شاء الإساءة، فلو ذهبت تضمر خلاف ما أظهرت- وقلت: قد دلت حال من أسندت إليه المشيئة أنه من أهل الإحسان أو من أهل الاساءة، فاترك الظاهر المنطوق به وأضمر ما دلت عليه حال صاحب المشيئة- لم تكن على سداد. وقد فسر بعضهم أَمَرْنا
بكثرنا، وجعل أمرته فأمر من باب فعلته
(١). قوله «أمرناهم ففسقوا» في النسفي: أمرنا مترفيها: متنعميها وجبابرتها. (ع)
(٢). قال محمود: «حقيقة أمرهم أن يقول لهم: افسقوا. ولا يكون هذا، فقى أن يكون مجازا... الخ» قال أحمد: نص حسن إلا قوله أنهم خولوا النعم ليشكروا، فانه فرعه، على قاعدة وجوب إرادة الله تعالى للطاعة. والحق أنهم خولوها وأمروا بالشكر، ففسقوا وكفروا على خلاف الأمر، والأمر غير الارادة على قاعدة أهل الحق، والله الموفق.
(٢). قال محمود: «حقيقة أمرهم أن يقول لهم: افسقوا. ولا يكون هذا، فقى أن يكون مجازا... الخ» قال أحمد: نص حسن إلا قوله أنهم خولوا النعم ليشكروا، فانه فرعه، على قاعدة وجوب إرادة الله تعالى للطاعة. والحق أنهم خولوها وأمروا بالشكر، ففسقوا وكفروا على خلاف الأمر، والأمر غير الارادة على قاعدة أهل الحق، والله الموفق.
654
ففعل. كثبرته فثبر. وفي الحديث: «خير المالك سكة «١» مأبورة ومهرة مأمورة «٢» » أى كثيرة النتاج. وروى أن رجلا من المشركين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنى أرى أمرك هذا حقيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه سيأمر «٣». أى سيكثر وسيكبر.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٧]
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧)
وقرئ: آمرنا من أمر وأمره غيره. وأمّرنا بمعنى أمرنا، أو من أمر إمارة، وأمره الله.
أى: جعلناهم أمراء وسلطناهم كَمْ مفعول أَهْلَكْنا ومِنَ الْقُرُونِ بيان لكم وتمييز له، كما يميز العدد بالجنس، يعنى عاد وثمودا وقرونا بين ذلك كثيرا. ونبه بقوله وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً على أن الذنوب هي أسباب الهلكة لا غير، وأنه عالم بها ومعاقب عليها.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٨ الى ١٩]
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩)
من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة وأكثر الفسقة «٤»، تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد، فقيد الأمر تقييدين، أحدهما: تقييد المعجل بمشيئته. والثاني: تقييد المعجل له بإرادته، وهكذا الحال: ترى كثيرا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضاً منه، وكثيرا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه، فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة، وأمّا
[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٧]
وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧)
وقرئ: آمرنا من أمر وأمره غيره. وأمّرنا بمعنى أمرنا، أو من أمر إمارة، وأمره الله.
أى: جعلناهم أمراء وسلطناهم كَمْ مفعول أَهْلَكْنا ومِنَ الْقُرُونِ بيان لكم وتمييز له، كما يميز العدد بالجنس، يعنى عاد وثمودا وقرونا بين ذلك كثيرا. ونبه بقوله وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً على أن الذنوب هي أسباب الهلكة لا غير، وأنه عالم بها ومعاقب عليها.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٨ الى ١٩]
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩)
من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة وأكثر الفسقة «٤»، تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد، فقيد الأمر تقييدين، أحدهما: تقييد المعجل بمشيئته. والثاني: تقييد المعجل له بإرادته، وهكذا الحال: ترى كثيرا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضاً منه، وكثيرا منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه، فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة، وأمّا
(١). قوله «كثبرته فثبر، وفي الحديث خير المال سكة مأبورة» في الصحاح «ثبرته» أى حبسته. وفيه «السكة» الطريقة من النخل. وفيه «أبر نخله» أى لقحه وأصلحه. (ع)
(٢). أخرجه حميد وإسحاق وابن أبى شيبة والحرث والطبراني وأبو عبيد من رواية مسلم بن بديل عن إياس بن زهير عن سويد بن هبيرة عن النبي ﷺ قال «خير مال المرء ميرة مأمورة أو سكة مأثورة. قال ابن إسحاق ومعه النضر بن شميل وغيره يرفعه.
(٣). لم أجده.
(٤). قال محمود: «أى من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة وأكثر الفسقة... الخ» قال أحمد: ومثل ذلك التقييد ورد في الآية الأخرى، وهو قوله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ فأدخل «من» المبعضة على حرث الدنيا، ونحل الطالب حرث الآخرة مراده، وزاد عليه.
(٢). أخرجه حميد وإسحاق وابن أبى شيبة والحرث والطبراني وأبو عبيد من رواية مسلم بن بديل عن إياس بن زهير عن سويد بن هبيرة عن النبي ﷺ قال «خير مال المرء ميرة مأمورة أو سكة مأثورة. قال ابن إسحاق ومعه النضر بن شميل وغيره يرفعه.
(٣). لم أجده.
(٤). قال محمود: «أى من كانت العاجلة همه ولم يرد غيرها كالكفرة وأكثر الفسقة... الخ» قال أحمد: ومثل ذلك التقييد ورد في الآية الأخرى، وهو قوله تعالى مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ فأدخل «من» المبعضة على حرث الدنيا، ونحل الطالب حرث الآخرة مراده، وزاد عليه.
المؤمن التقى فقد اختار مراده وهو غنى الآخرة، فما يبالى: أوتى حظا من الدنيا أو لم يؤت فإن أوتى فيها وإلا فربما كان الفقر خيرا له وأعون على مراده. وقوله لِمَنْ نُرِيدُ بدل من له، وهو بدل البعض من الكل، لأن الضمير يرجع إلى «من» وهو في معنى الكثرة. وقرئ:
يشاء. وقيل: الضمير لله تعالى، فلا فرق إذاً بين القراءتين في المعنى ويجوز أن يكون للعبد، على أنّ للعبد ما يشاء من الدنيا، وأن ذلك لواحد من الدهماء «١» يريد به الله ذلك. وقيل: هو من يريد الدنيا بعمل الآخرة، كالمنافق، والمرائى، والمهاجر للدنيا، والمجاهد للغنيمة والذكر، كما قال ﷺ «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه «٢» » مَدْحُوراً مطرودا من رحمة الله سَعْيَها حقها من السعى وكفاءها من الأعمال الصالحة. اشترط ثلاث شرائط في كون السعى مشكورا: إرادة الآخرة بأن يعقد بها همه ويتجافى عن دار الغرور، والسعى فيما كلف من الفعل والترك، والإيمان الصحيح الثابت. وعن بعض المتقدّمين: من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله: إيمان ثابت، ونية صادقة، وعمل مصيب. وتلا هذه الآية. وشكر الله:
الثواب على الطاعة.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٠]
كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠)
كُلًّا كل واحد من الفريقين، والتنوين عوض من المضاف إليه نُمِدُّ هم: نزيدهم من عطائنا، ونجعل الآنف منه مددا للسالف لا نقطعه، فنرزق المطيع والعاصي جميعا على وجه التفضل وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ وفضله مَحْظُوراً أى ممنوعا، لا يمنعه من عاص لعصيانه
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢١]
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١)
انْظُرْ بعين الاعتبار كَيْفَ جعلناهم متفاوتين في التفضل. وفي الآخرة التفاوت أكبر، لأنها ثواب وأعواض وتفضل، وكلها متفاوتة. وروى أن قوما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضى الله عنه، فخرج الإذن لبلال وصهيب، فشق على أبى سفيان، فقال سهيل بن عمرو: إنما أُتينا من قبلنا، إنهم دعوا ودعينا يعنى إلى الإسلام، فأسرعوا وأبطأنا، وهذا باب عمر، فكيف التفاوت في الآخرة، ولئن حسدتموهم على باب عمر
يشاء. وقيل: الضمير لله تعالى، فلا فرق إذاً بين القراءتين في المعنى ويجوز أن يكون للعبد، على أنّ للعبد ما يشاء من الدنيا، وأن ذلك لواحد من الدهماء «١» يريد به الله ذلك. وقيل: هو من يريد الدنيا بعمل الآخرة، كالمنافق، والمرائى، والمهاجر للدنيا، والمجاهد للغنيمة والذكر، كما قال ﷺ «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه «٢» » مَدْحُوراً مطرودا من رحمة الله سَعْيَها حقها من السعى وكفاءها من الأعمال الصالحة. اشترط ثلاث شرائط في كون السعى مشكورا: إرادة الآخرة بأن يعقد بها همه ويتجافى عن دار الغرور، والسعى فيما كلف من الفعل والترك، والإيمان الصحيح الثابت. وعن بعض المتقدّمين: من لم يكن معه ثلاث لم ينفعه عمله: إيمان ثابت، ونية صادقة، وعمل مصيب. وتلا هذه الآية. وشكر الله:
الثواب على الطاعة.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٠]
كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠)
كُلًّا كل واحد من الفريقين، والتنوين عوض من المضاف إليه نُمِدُّ هم: نزيدهم من عطائنا، ونجعل الآنف منه مددا للسالف لا نقطعه، فنرزق المطيع والعاصي جميعا على وجه التفضل وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ وفضله مَحْظُوراً أى ممنوعا، لا يمنعه من عاص لعصيانه
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢١]
انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١)
انْظُرْ بعين الاعتبار كَيْفَ جعلناهم متفاوتين في التفضل. وفي الآخرة التفاوت أكبر، لأنها ثواب وأعواض وتفضل، وكلها متفاوتة. وروى أن قوما من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر رضى الله عنه، فخرج الإذن لبلال وصهيب، فشق على أبى سفيان، فقال سهيل بن عمرو: إنما أُتينا من قبلنا، إنهم دعوا ودعينا يعنى إلى الإسلام، فأسرعوا وأبطأنا، وهذا باب عمر، فكيف التفاوت في الآخرة، ولئن حسدتموهم على باب عمر
(١). قوله «لواحد من الدهماء» في الصحاح «دهماء الناس» جماعتهم. (ع)
(٢). متفق عليه من حديث عمر.
(٢). متفق عليه من حديث عمر.
لما أعدّ الله لهم في الجنة أكثر. وقرئ: وأكثر تفضيلا. وعن بعضهم: أيها المباهي بالرفع منك في مجالس الدنيا، أما ترغب في المباهاة بالرفع في مجالس الآخرة وهي أكبر وأفضل؟
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٢]
لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢)
فَتَقْعُدَ من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت، كأنها حربة بمعنى صارت، يعنى: فتصير جامعا على نفسك الذم وما يتبعه من الهلاك من إلهك، والخذلان والعجز عن النصرة ممن جعلته شريكا له.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]
وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤)
وَقَضى رَبُّكَ وأمر أمراً مقطوعا به أَلَّا تَعْبُدُوا أن مفسرة ولا تعبدوا نهى. أو بأن لا تعبدوا وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وأحسنوا بالوالدين إحسانا. أو بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا وقرئ: وأوصى. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: ووصى. وعن بعض ولد معاذ بن جبل:
وقضاء ربك. ولا يجوز أن يتعلق الباء في بالوالدين بالإحسان، لأن المصدر لا يتقدّم عليه صلته إِمَّا هي «إن» الشرطية زيدت عليها «ما» تأكيدا لها، ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل، ولو أفردت «إن» لم يصح دخولها، لا تقول: إن تكرمن زيداً يكرمك، ولكن إما تكرمنه.
وأَحَدُهُما فاعل يبلغنّ، وهو فيمن قرأ يبلغان بدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين.
وكِلاهُما عطف على أحدهما فاعلا وبدلا. فإن قلت: لو قيل إما يبلغان كلاهما، كان كلاهما توكيدا لا بد لا، فمالك زعمت أنه بدل؟ قلت: لأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيدا للاثنين، فانتظم في حكمه، فوجب أن يكون مثله. فإن قلت: ما ضرّك لو جعلته توكيداً مع كون المعطوف عليه بدلا، وعطفت التوكيد على البدل؟ قلت: لو أريد توكيد التثنية لقيل:
كلاهما، فحسب، فلما قيل: أحدهما أو كلاهما، علم أنّ التوكيد غير مراد، فكان بدلا مثل الأول أُفٍّ صوت يدل على تضجر. وقرئ: أف، بالحركات الثلاث منوناً وغير منون: الكسر على أصل البناء، والفتح تخفيف للضمة والتشديد كثم، والضم إتباع كمنذ. فإن قلت: ما معنى عندك؟
قلت: هو أن يكبرا ويعجزا، وكانا كلا على ولدهما لا كافل لهما غيره، فهما عنده في بيته وكنفه، وذلك أشق عليه وأشدّ احتمالا وصبرا، وربما تولى منهما ما كانا يتوليان منه في حال الطفولة، فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال، حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما أو يستثقل من مؤنهما: أف، فضلا عما يزيد عليه. ولقد بالغ سبحانه في التوصية
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٢]
لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً (٢٢)
فَتَقْعُدَ من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت، كأنها حربة بمعنى صارت، يعنى: فتصير جامعا على نفسك الذم وما يتبعه من الهلاك من إلهك، والخذلان والعجز عن النصرة ممن جعلته شريكا له.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]
وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً (٢٤)
وَقَضى رَبُّكَ وأمر أمراً مقطوعا به أَلَّا تَعْبُدُوا أن مفسرة ولا تعبدوا نهى. أو بأن لا تعبدوا وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وأحسنوا بالوالدين إحسانا. أو بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا وقرئ: وأوصى. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: ووصى. وعن بعض ولد معاذ بن جبل:
وقضاء ربك. ولا يجوز أن يتعلق الباء في بالوالدين بالإحسان، لأن المصدر لا يتقدّم عليه صلته إِمَّا هي «إن» الشرطية زيدت عليها «ما» تأكيدا لها، ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل، ولو أفردت «إن» لم يصح دخولها، لا تقول: إن تكرمن زيداً يكرمك، ولكن إما تكرمنه.
وأَحَدُهُما فاعل يبلغنّ، وهو فيمن قرأ يبلغان بدل من ألف الضمير الراجع إلى الوالدين.
وكِلاهُما عطف على أحدهما فاعلا وبدلا. فإن قلت: لو قيل إما يبلغان كلاهما، كان كلاهما توكيدا لا بد لا، فمالك زعمت أنه بدل؟ قلت: لأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيدا للاثنين، فانتظم في حكمه، فوجب أن يكون مثله. فإن قلت: ما ضرّك لو جعلته توكيداً مع كون المعطوف عليه بدلا، وعطفت التوكيد على البدل؟ قلت: لو أريد توكيد التثنية لقيل:
كلاهما، فحسب، فلما قيل: أحدهما أو كلاهما، علم أنّ التوكيد غير مراد، فكان بدلا مثل الأول أُفٍّ صوت يدل على تضجر. وقرئ: أف، بالحركات الثلاث منوناً وغير منون: الكسر على أصل البناء، والفتح تخفيف للضمة والتشديد كثم، والضم إتباع كمنذ. فإن قلت: ما معنى عندك؟
قلت: هو أن يكبرا ويعجزا، وكانا كلا على ولدهما لا كافل لهما غيره، فهما عنده في بيته وكنفه، وذلك أشق عليه وأشدّ احتمالا وصبرا، وربما تولى منهما ما كانا يتوليان منه في حال الطفولة، فهو مأمور بأن يستعمل معهما وطأة الخلق ولين الجانب والاحتمال، حتى لا يقول لهما إذا أضجره ما يستقذر منهما أو يستثقل من مؤنهما: أف، فضلا عما يزيد عليه. ولقد بالغ سبحانه في التوصية
657
بهما حيث افتتحها بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده، ونظمهما في سلك القضاء بهما معا، ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من المتضجر مع موجبات الضجر ومقتضياته، ومع أحوال لا يكاد يدخل صبر الإنسان معها في استطاعة وَلا تَنْهَرْهُما ولا تزجرهما عما يتعاطيانه مما لا يعجبك. والنهى والنهر والنهم: أخوات وَقُلْ لَهُما بدل التأفيف والنهر قَوْلًا كَرِيماً جميلا، كما يقتضيه حسن الأدب والنزول على المروءة. وقيل:
هو أن يقول: يا أبتاه، يا أماه، كما قال إبراهيم لأبيه: يا أبت، مع كفره، ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء وسوء الأدب وعادة الدعار «١». قالوا: ولا بأس به في غير وجهه، كما قالت عائشة رضى الله عنها: نحلنى أبو بكر كذا «٢». وقرئ: جناح الذل، والذل: بالضم والكسر فإن قلت: ما معنى قوله جَناحَ الذُّلِّ؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون المعنى: واخفض لهما جناحك كما قال وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ فأضافه إلى الذل أو الذلّ، كما أضيف حاتم إلى الجود على معنى: واخفض لهما جناحك الذليل أو الذلول. والثاني: أن تجعل لذله أو لذله لهما جناحا خفيضا، كما جعل لبيد للشمال «٣» يداً، وللقوّة زماما، مبالغة في التذلل والتواضع لهما مِنَ الرَّحْمَةِ من فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما، لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس، ولا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية، واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك. فان قلت: الاسترحام لهما إنما يصح إذا كانا مسلمين. قلت: وإذا كانا كافرين فله أن يسترحم لهما بشرط الايمان، وأن يدعو الله لهما بالهداية والإرشاد، ومن الناس من قال: كان الدعاء للكفار جائزاً ثم نسخ. وسئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت فقال: كل ذلك واصل إليه، ولا شيء أنفع له من الاستغفار. ولو كان شيء أفضل منه لأمركم به في الأبوين. ولقد كرّر الله سبحانه في كتابه الوصية بالوالدين. وعن النبىّ ﷺ «رضا الله في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما «٤» » وروى «يفعل البارّ ما يشاء أن يفعل فلن يدخل النار، ويفعل
هو أن يقول: يا أبتاه، يا أماه، كما قال إبراهيم لأبيه: يا أبت، مع كفره، ولا يدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء وسوء الأدب وعادة الدعار «١». قالوا: ولا بأس به في غير وجهه، كما قالت عائشة رضى الله عنها: نحلنى أبو بكر كذا «٢». وقرئ: جناح الذل، والذل: بالضم والكسر فإن قلت: ما معنى قوله جَناحَ الذُّلِّ؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون المعنى: واخفض لهما جناحك كما قال وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ فأضافه إلى الذل أو الذلّ، كما أضيف حاتم إلى الجود على معنى: واخفض لهما جناحك الذليل أو الذلول. والثاني: أن تجعل لذله أو لذله لهما جناحا خفيضا، كما جعل لبيد للشمال «٣» يداً، وللقوّة زماما، مبالغة في التذلل والتواضع لهما مِنَ الرَّحْمَةِ من فرط رحمتك لهما وعطفك عليهما، لكبرهما وافتقارهما اليوم إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس، ولا تكتف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية، واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك. فان قلت: الاسترحام لهما إنما يصح إذا كانا مسلمين. قلت: وإذا كانا كافرين فله أن يسترحم لهما بشرط الايمان، وأن يدعو الله لهما بالهداية والإرشاد، ومن الناس من قال: كان الدعاء للكفار جائزاً ثم نسخ. وسئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت فقال: كل ذلك واصل إليه، ولا شيء أنفع له من الاستغفار. ولو كان شيء أفضل منه لأمركم به في الأبوين. ولقد كرّر الله سبحانه في كتابه الوصية بالوالدين. وعن النبىّ ﷺ «رضا الله في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما «٤» » وروى «يفعل البارّ ما يشاء أن يفعل فلن يدخل النار، ويفعل
(١). قوله «وسوء الأدب وعادة الدعار» من الدعارة وهي الفسق والخبث والفساد. كذا في الصحاح. (ع)
(٢). أخرجه في الموطأ عن الزهري عن عائشة قالت «إن أبا بكر كان نحلنى جداد عشرين وسقا من ماله بالعالية.
فلما حضرته الوفاة. قال: ما من الناس أحب إلى منك».
(٣). قوله «كما جعل لبيد الشمال يدا» في قوله:
(٤). أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عمرو قال: روى موقوفا. ورواه البزار وقال: لا نعلم أحداً أسنده إلا خالد بن الحرث. وفيه نظر، لأن الحاكم أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن شعبة مرفوعا وكذا أخرجه الطبراني والبيهقي من رواية القاسم بن سليم عن شعبة مرفوعا. وللبيهقي أيضا من رواية الحسين بن الوليد عن شعبة مرفوعا. قال: وروينا أيضا من رواية أبى إسحاق الفزاري وزيد بن أبى الرها وغيرهم مرفوعا. ورواية أبى إسحاق عند أبى يعلى. وقال البخاري. في الأدب المفرد: حدثنا آدم بن أبى إياس حدثنا شعبة فذكره موقوفا وفي الباب عن ابن عمر أخرجه البزار وقال: تفرد به عصمة بن محمد الأنصارى عن يحيى بن سعيد. [.....]
(٢). أخرجه في الموطأ عن الزهري عن عائشة قالت «إن أبا بكر كان نحلنى جداد عشرين وسقا من ماله بالعالية.
فلما حضرته الوفاة. قال: ما من الناس أحب إلى منك».
(٣). قوله «كما جعل لبيد الشمال يدا» في قوله:
وغداة ريح قد كشفت وقرة | إذ أصبحت بيد الشمال زمامها (ع) |
658
العاق ما يشاء أن يفعل فلن يدخل الجنة «١» » وروى سعيد بن المسيب: إنّ البارّ لا يموت ميتة سوء. وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ أبوىّ بلغا من الكبر أنى ألى منهما ما وليا منى في الصغر، فهل قضيتهما؟ قال: لا، فإنهما كان يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك، وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما»
. وشكا رجل إلى رسول الله أباه وأنه يأخذ ماله، فدعا به فإذا شيخ يتوكأ على عصا، فسأله فقال: إنه كان ضعيفاً وأنا قوى، وفقيراً وأنا غنىّ، فكنت لا أمنعه شيئاً من مالى، واليوم أنا ضعيف وهو قوى، وأنا فقير وهو غنىّ، ويبخل علىّ بماله، فبكى رسول الله ﷺ وقال: ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى، ثم قال للولد:
أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك «٣». وشكا إليه آخر سوء خلق أمّه فقال «٤» : لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر؟ قال: إنها سيئة الخلق. قال: لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين؟ قال إنها سيئة الخلق. قال: لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها وأظمأت نهارها؟
قال: لقد جازيتها. قال: ما فعلت؟ قال: حججت بها على عاتقي. قال: ما جزيتها ولو طلقة «٥» وعن ابن عمر أنه رأى رجلا في الطواف يحمل أمّه ويقول:
. وشكا رجل إلى رسول الله أباه وأنه يأخذ ماله، فدعا به فإذا شيخ يتوكأ على عصا، فسأله فقال: إنه كان ضعيفاً وأنا قوى، وفقيراً وأنا غنىّ، فكنت لا أمنعه شيئاً من مالى، واليوم أنا ضعيف وهو قوى، وأنا فقير وهو غنىّ، ويبخل علىّ بماله، فبكى رسول الله ﷺ وقال: ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى، ثم قال للولد:
أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك «٣». وشكا إليه آخر سوء خلق أمّه فقال «٤» : لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر؟ قال: إنها سيئة الخلق. قال: لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين؟ قال إنها سيئة الخلق. قال: لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها وأظمأت نهارها؟
قال: لقد جازيتها. قال: ما فعلت؟ قال: حججت بها على عاتقي. قال: ما جزيتها ولو طلقة «٥» وعن ابن عمر أنه رأى رجلا في الطواف يحمل أمّه ويقول:
إنِّى لَهَا مَطِيَّةٌ لَا تُذْعَرُ | إذَا الرِّكَابُ نَفَرَتْ لَا تَنْفِرُ |
مَا حَمَلَتْ وَأَرْضَعَتْنِى أَكْثَرُ | اللَّهُ رَبِّى ذُو الْجَلَالِ الأَكْبَرُ «٦» |
(١). أخرجه الثعلبي من طريق محمد بن السماك عن عابد بن شريح عن عطاء عن عائشة. وفيه أحمد بن محمد بن غالب غلام الخليل. وهو كذاب، لكن رواه أبو نعيم في الحلية من وجه آخر عن سحنون السماك بلفظ «فانى سأغفر لك» وبلفظ «فانى لا أغفر لك».
(٢). لم أجده.
(٣). لم أجده. قلت أخرجه في معجم الصحابة من طريق.
(٤). لم أجده.
(٥). قوله «قال ما جزيتها ولو طلقة» في الصحاح الطلق وجع الولادة اه فالطلقة المرة منه. (ع)
(٦). أنشده ابن عمر عن رجل يحمل أمه في الحج: شبه نفسه بالمطية تشبيهاً بليغا، و «إذا الركاب نفرت» صفة لها، يعنى أنه خافض لها جناح الذل من الرحمة، ولا يسأم منها كغيره، فان حملها إياه وإرضاعها إياه أكثر من بره بها، وذعر يذعر كتعب يتعب: خاف وفزع، والمراد لازم الفزع والنفرة وهو الجزع والضجر وعدم إقراره على ظهره، ثم كبر لأنه شعار الحج من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق.
(٢). لم أجده.
(٣). لم أجده. قلت أخرجه في معجم الصحابة من طريق.
(٤). لم أجده.
(٥). قوله «قال ما جزيتها ولو طلقة» في الصحاح الطلق وجع الولادة اه فالطلقة المرة منه. (ع)
(٦). أنشده ابن عمر عن رجل يحمل أمه في الحج: شبه نفسه بالمطية تشبيهاً بليغا، و «إذا الركاب نفرت» صفة لها، يعنى أنه خافض لها جناح الذل من الرحمة، ولا يسأم منها كغيره، فان حملها إياه وإرضاعها إياه أكثر من بره بها، وذعر يذعر كتعب يتعب: خاف وفزع، والمراد لازم الفزع والنفرة وهو الجزع والضجر وعدم إقراره على ظهره، ثم كبر لأنه شعار الحج من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق.
659
تظننى جازيتها يا ابن عمر «١» ؟ قال: لا ولو زفرة واحدة «٢». وعنه عليه الصلاة والسلام «إياكم وعقوق الوالدين، فإنّ الجنة توجد ريحها من مسيرة ألف عام «٣» ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم ولا شيخ زان ولا جارّ إزاره خيلاء، إنّ الكبرياء لله رب العالمين» وقال الفقهاء: لا يذهب بأبيه إلى البيعة «٤»، وإذا بعث إليه منها ليحمله فعل، ولا يناوله الخمر. ويأخذ الإناء منه إذا شربها. وعن أبى يوسف: إذا أمره أن يوقد تحت قدره وفيها لحم الخنزير أوقد.
وعن حذيفة أنه استأذن النبىّ ﷺ في قتل أبيه وهو في صف المشركين، فقال:
دعه يليه غيرك «٥». وسئل الفصيل بن عياض عن برّ الوالدين فقال: أن لا تقوم إلى خدمتهما عن كسل. وسئل بعضهم فقال: أن لا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر شرراً إليهما «٦»، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر ولا باطن، وأن تترحم عليهما ما عاشا، وتدعو لهما إذا ماتا، وتقوم بخدمة أودّائهما من بعدهما. فعن النبىّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ من أبر البرّ أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه «٧» ».
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٥]
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥)
بِما فِي نُفُوسِكُمْ بما في ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين واعتقاد ما يجب لهما من التوقير إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ قاصدين الصلاح والبر، ثم فرطت منكم- في حال الغضب، وعند حرج الصدر وما لا يخلو منه البشر، أو لحمية الإسلام- هنة تؤدّى إلى أذاهما، ثم أنبتم إلى الله واستغفرتم منها، فإن الله غفور لِلْأَوَّابِينَ للتوّابين. وعن سعيد بن جبير: هي في البادرة تكون من الرجل إلى أبيه لا يريد بذلك إلا الخير. وعن سعيد بن المسيب: الأوّاب الرجل
وعن حذيفة أنه استأذن النبىّ ﷺ في قتل أبيه وهو في صف المشركين، فقال:
دعه يليه غيرك «٥». وسئل الفصيل بن عياض عن برّ الوالدين فقال: أن لا تقوم إلى خدمتهما عن كسل. وسئل بعضهم فقال: أن لا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر شرراً إليهما «٦»، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر ولا باطن، وأن تترحم عليهما ما عاشا، وتدعو لهما إذا ماتا، وتقوم بخدمة أودّائهما من بعدهما. فعن النبىّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ من أبر البرّ أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه «٧» ».
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٥]
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (٢٥)
بِما فِي نُفُوسِكُمْ بما في ضمائركم من قصد البر إلى الوالدين واعتقاد ما يجب لهما من التوقير إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ قاصدين الصلاح والبر، ثم فرطت منكم- في حال الغضب، وعند حرج الصدر وما لا يخلو منه البشر، أو لحمية الإسلام- هنة تؤدّى إلى أذاهما، ثم أنبتم إلى الله واستغفرتم منها، فإن الله غفور لِلْأَوَّابِينَ للتوّابين. وعن سعيد بن جبير: هي في البادرة تكون من الرجل إلى أبيه لا يريد بذلك إلا الخير. وعن سعيد بن المسيب: الأوّاب الرجل
(١). قوله «تظننى جازيتها يا ابن عمر» لعله ثم قال تظننى. (ع)
(٢). أخرجه ابن المبارك في البر والصلة: أخبرنا سعيد بن سعيد بن أبى بردة عن أبيه قال كان ابن عمر يطوف بالبيت فرأى رجلا- فذكره. وهذا إسناد صحيح وأخرجه البيهقي في الشعب في الخامس والخمسين وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن آدم عن سعيد مختصرا.
(٣). أخرجه ابن عدى من رواية محمد بن الفرات عن أبى إسحاق عن الحرث عن على بهذا وأتم منه. وفيه مسيرة خمسمائة بدل ألف. ورواه الطبراني في الأوسط من طريق جابر الجعفي عن أبى جعفر عن جابر بن عبد الله فذكره بلفظ «ألف عام» وجابر ومحمد بن الفرات متروكان.
(٤). قوله «لا يذهب بأبيه إلى البيعة» في الصحاح: البيعة بالكسر للنصارى. (ع)
(٥). لم أجده: ولا يصح عن والد حذيفة أنه كان في صف المشركين: فانه استشهد بأحد مع المسلمين بأبدى المسلمين خطأ. وهم يحسبونه من الكفار، كما في صحيح البخاري لكن نحو القصة المذكورة وردت لأبى عبيدة ابن الجراح.
(٦). قوله «ولا تنظر شررا إليهما» هو نظر الغضبان بمؤخر العين، كذا في الصحاح. (ع)
(٧). أخرجه مسلم من حديث ابن عمر مرفوعا وفيه قصة.
(٢). أخرجه ابن المبارك في البر والصلة: أخبرنا سعيد بن سعيد بن أبى بردة عن أبيه قال كان ابن عمر يطوف بالبيت فرأى رجلا- فذكره. وهذا إسناد صحيح وأخرجه البيهقي في الشعب في الخامس والخمسين وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن آدم عن سعيد مختصرا.
(٣). أخرجه ابن عدى من رواية محمد بن الفرات عن أبى إسحاق عن الحرث عن على بهذا وأتم منه. وفيه مسيرة خمسمائة بدل ألف. ورواه الطبراني في الأوسط من طريق جابر الجعفي عن أبى جعفر عن جابر بن عبد الله فذكره بلفظ «ألف عام» وجابر ومحمد بن الفرات متروكان.
(٤). قوله «لا يذهب بأبيه إلى البيعة» في الصحاح: البيعة بالكسر للنصارى. (ع)
(٥). لم أجده: ولا يصح عن والد حذيفة أنه كان في صف المشركين: فانه استشهد بأحد مع المسلمين بأبدى المسلمين خطأ. وهم يحسبونه من الكفار، كما في صحيح البخاري لكن نحو القصة المذكورة وردت لأبى عبيدة ابن الجراح.
(٦). قوله «ولا تنظر شررا إليهما» هو نظر الغضبان بمؤخر العين، كذا في الصحاح. (ع)
(٧). أخرجه مسلم من حديث ابن عمر مرفوعا وفيه قصة.
كلما أذنب بادر بالتوبة. ويجوز أن يكون هذا عامّاً لكل من فرطت منه جناية ثم تاب منها، ويندرج تحته الجاني على أبويه التائب من جنايته، لوروده على أثره.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧)
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وصى بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما، وأن يؤتوا حقهم: وحقهم إذا كانوا محارم كالأبوين والولد، وفقراء عاجزين عن الكسب، وكان الرجل موسراً: أن ينفق عليهم عند أبى حنيفة. والشافعي لا يرى النفقة إلا على الولد والوالدين فحسب.
وإن كانوا مياسير، أو لم يكونوا محارم: كأبناء العمّ، فحقهم صلتهم بالمودّة والزيارة وحسن المعاشرة والمؤالفة على السراء والضراء والمعاضدة ونحو ذلك وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ يعنى وآت هؤلاء حقهم من الزكاة. وهذا دليل على أن المراد بما يؤتى ذوى القرابة من الحق: هو تعهدهم بالمال. وقيل: أراد بذي القربى أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التبذير. تفريق المال فيما لا ينبغي. وإنفاقه على وجه الإسراف. وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها وتبذر أموالها في الفخر والسمعة، وتذكر ذلك في أشعارها، فأمر الله بالنفقة في وجوهها مما يقرّب منه ويزلف. وعن عبد الله: هو إنفاق المال في غير حقه. وعن مجاهد:
لو أنفق مدّا في باطل كان تبذيرا وقد أنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر، فقال له صاحبه: لا خير في السرف، فقال: لا سرف في الخير. وعن عبد الله بن عمرو: مرّ رسول الله ﷺ بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أو في الوضوء سرف؟ قال. نعم وإن كنت على نهر جار «١» إِخْوانَ الشَّياطِينِ أمثالهم في الشرارة وهي غاية المذمّة، لأنه لا شرّ من الشيطان. أو هم إخوانهم وأصدقاؤهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف.
أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً فما ينبغي أن يطاع، فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله. وقرأ الحسن: إخوان الشيطان.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٨]
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨)
وإن أعرضت عن ذى القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الردّ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً فلا تتركهم غير مجابين إذا سألوك. وكان النبي ﷺ «٢» إذا سئل شيئاً وليس عنده
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧)
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وصى بغير الوالدين من الأقارب بعد التوصية بهما، وأن يؤتوا حقهم: وحقهم إذا كانوا محارم كالأبوين والولد، وفقراء عاجزين عن الكسب، وكان الرجل موسراً: أن ينفق عليهم عند أبى حنيفة. والشافعي لا يرى النفقة إلا على الولد والوالدين فحسب.
وإن كانوا مياسير، أو لم يكونوا محارم: كأبناء العمّ، فحقهم صلتهم بالمودّة والزيارة وحسن المعاشرة والمؤالفة على السراء والضراء والمعاضدة ونحو ذلك وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ يعنى وآت هؤلاء حقهم من الزكاة. وهذا دليل على أن المراد بما يؤتى ذوى القرابة من الحق: هو تعهدهم بالمال. وقيل: أراد بذي القربى أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
التبذير. تفريق المال فيما لا ينبغي. وإنفاقه على وجه الإسراف. وكانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها وتبذر أموالها في الفخر والسمعة، وتذكر ذلك في أشعارها، فأمر الله بالنفقة في وجوهها مما يقرّب منه ويزلف. وعن عبد الله: هو إنفاق المال في غير حقه. وعن مجاهد:
لو أنفق مدّا في باطل كان تبذيرا وقد أنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر، فقال له صاحبه: لا خير في السرف، فقال: لا سرف في الخير. وعن عبد الله بن عمرو: مرّ رسول الله ﷺ بسعد وهو يتوضأ فقال: ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أو في الوضوء سرف؟ قال. نعم وإن كنت على نهر جار «١» إِخْوانَ الشَّياطِينِ أمثالهم في الشرارة وهي غاية المذمّة، لأنه لا شرّ من الشيطان. أو هم إخوانهم وأصدقاؤهم لأنهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف.
أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً فما ينبغي أن يطاع، فإنه لا يدعو إلا إلى مثل فعله. وقرأ الحسن: إخوان الشيطان.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٨]
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (٢٨)
وإن أعرضت عن ذى القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الردّ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً فلا تتركهم غير مجابين إذا سألوك. وكان النبي ﷺ «٢» إذا سئل شيئاً وليس عنده
(١). أخرجه ابن ماجة وأحمد وأبو يعلى والبيهقي من حديثه. وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف. [.....]
(٢). أخرجه ابن حبان والحاكم عن أنس: قال كان النبي ﷺ لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت وفيه قصة: وفي الطبراني الأوسط عن على رضى الله عنه «كان النبي ﷺ إذا سئل شيئا فأراد أن يفعله قال: نعم. وإذا أراد أن لا يفعل سكت ولم يقل قط لشيء: لا. فذكر قصة. وإسناده ضعيف.
(٢). أخرجه ابن حبان والحاكم عن أنس: قال كان النبي ﷺ لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت وفيه قصة: وفي الطبراني الأوسط عن على رضى الله عنه «كان النبي ﷺ إذا سئل شيئا فأراد أن يفعله قال: نعم. وإذا أراد أن لا يفعل سكت ولم يقل قط لشيء: لا. فذكر قصة. وإسناده ضعيف.
أعرض عن السائل وسكت حياء. قوله ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ إمّا أن يتعلق بجواب الشرط مقدّما عليه، أى: فقل لهم قولا سهلا ليناً وعدهم وعداً جميلا، رحمة لهم وتطييباً لقلوبهم، ابتغاء رحمة من ربك، أى: ابتغ رحمة الله التي ترجوها برحمتك عليهم. وإما أن يتعلق بالشرط، أى: وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك، فسمى الرزق رحمة، فردّهم ردّاً جميلا، فوضع الابتغاء موضع الفقد، لأنّ فاقد الرزق مبتغ له، فكان الفقد سبب الابتغاء والابتغاء مسبباً عنه، فوضع المسبب موضع السبب. ويجوز أن يكون معنى وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ وإن لم تنفعهم ولم ترفع خصاصتهم لعدم الاستطاعة، ولا يريد الإعراض بالوجه كناية بالإعراض عن ذلك، لأن من أبى أن يعطى: أعرض بوجهه. يقال: يسر الأمر وعسر، مثل سعد الرجل ونحس «١» فهو مفعول، وقيل معناه: فقل لهم رزقنا الله وإياكم من فضله، على أنه دعاء لهم ييسر عليهم فقرهم، كأن معناه: قولا ذا ميسور، وهو اليسر «٢»، أى:
دعاء فيه يسر.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٩]
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩)
هذا تمثيلٌ لمنع الشحيح وإعطاء المسرف، وأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير فَتَقْعُدَ مَلُوماً فتصير ملوما عند الله، لأنّ المسرف غير مرضى عنده وعند الناس، يقول المحتاج: أعطى فلاناً وحرمني. ويقول المستغنى: ما يحسن تدبير أمر المعيشة. وعند نفسك:
إذا احتجت فندمت على ما فعلت مَحْسُوراً منقطعاً بك لا شيء عندك، من حسره السفر إذا بلغ منه وحسره بالمسألة، وعن جابر: بينا رسول الله ﷺ جالس أتاه صبى فقال: إنّ أمى تستكسيك درعا، فقال من ساعة إلى ساعة يظهر، فعد إلينا، فذهب إلى أمّه فقالت له قل له: إن أمى تستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً، وأذن بلال وانتظروا فلم يخرج للصلاة «٣». وقيل أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن «٤»، فجاء عباس بن مرداس، وأنشأ يقول:
دعاء فيه يسر.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٢٩]
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (٢٩)
هذا تمثيلٌ لمنع الشحيح وإعطاء المسرف، وأمر بالاقتصاد الذي هو بين الإسراف والتقتير فَتَقْعُدَ مَلُوماً فتصير ملوما عند الله، لأنّ المسرف غير مرضى عنده وعند الناس، يقول المحتاج: أعطى فلاناً وحرمني. ويقول المستغنى: ما يحسن تدبير أمر المعيشة. وعند نفسك:
إذا احتجت فندمت على ما فعلت مَحْسُوراً منقطعاً بك لا شيء عندك، من حسره السفر إذا بلغ منه وحسره بالمسألة، وعن جابر: بينا رسول الله ﷺ جالس أتاه صبى فقال: إنّ أمى تستكسيك درعا، فقال من ساعة إلى ساعة يظهر، فعد إلينا، فذهب إلى أمّه فقالت له قل له: إن أمى تستكسيك الدرع الذي عليك، فدخل داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عرياناً، وأذن بلال وانتظروا فلم يخرج للصلاة «٣». وقيل أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن «٤»، فجاء عباس بن مرداس، وأنشأ يقول:
(١). قوله «مثل سعد الرجل ونحس» في الصحاح: سعد الرجل بالكسر فهو سعيد: مثل سلم فهو سليم.
وسعد بالضم فهو مسعود. (ع)
(٢). قوله «قولا ذا ميسور وهو اليسر» في الصحاح: المعسور ضد الميسور. وهما مصدران. وقال سيبويه:
هما صفتان. (ع)
(٣). لم أجده
(٤). قوله «مائة من الإبل وعيينة بن حصن» لعل بعده سقطا تقديره: مائة.
وسعد بالضم فهو مسعود. (ع)
(٢). قوله «قولا ذا ميسور وهو اليسر» في الصحاح: المعسور ضد الميسور. وهما مصدران. وقال سيبويه:
هما صفتان. (ع)
(٣). لم أجده
(٤). قوله «مائة من الإبل وعيينة بن حصن» لعل بعده سقطا تقديره: مائة.
أَتَجْعَلُ نَهْبِى وَنَهْبَ الْعَبِيدِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالأَقْرَعِ | وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ |
يَفُوقَانِ جَدِّىَ فِى مَجْمَعِ | وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِىءٍ مِنْهُمَا |
فقال: يا أبا بكر، اقطع لسانه عنى، أعطه مائة من الإبل «٢» فنزلت.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٠]
إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠)
ثم سلى رسول الله ﷺ عما كان يرهقه من الإضافة، بأنّ ذلك ليس لهوان منك عليه، ولا لبخل به عليك ولكن لأنّ مشيئته في بسط الأرزاق وقدّرها «٣» تابعة للحكمة والمصلحة. ويجوز أن يريد أن البسط والقبض إنما هما من أمر الله الذي الخزائن في يده، فأما العبيد فعليهم أن يقتصدوا. ويحتمل أنه عزّ وعلا بسط لعباده أو قبض، فإنه يراعى أوسط الحالين، لا يبلغ بالمبسوط له غاية مراده، ولا بالمقبوض عليه أقصى مكروهه، فاستنوا بسنته.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣١]
وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١)
(١). للعباس بن مرداس رضى الله عنه يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، روى أنه أعطى كلا من الأقرع بن حابس رعيبنة بن حصن مائة من الإبل تأليفا لقلوبهما، فأنشأ العباس ذلك، فرفعه أبو بكر للنبي ﷺ فقال: اقطعوا عنى لسانه، ففزع وفزع أناس، وإنما أراد إعطاءه تأليفا لقلبه أيضا. والاستفهام للتعجب.
ويحتمل أنه للإنكار، لكنه بعيد من الصحابي، أى: أتقسم نهى ونهب العبيد فرسي بين هذين، والحال أن أبويهما ما كانا يفوقان أبى مرداس بمنع الصرف للضرورة. وقد يروى «العبيد» مصغرا. ويروى بدله «جدي» وبروى «شيخي في مجمع» من مجامع الحرب، وأنا لست أقل من واحد منهما، فنحن سواء أصلا وفرعا، فكيف تفاوت بيننا الآن؟ مع أن من تخفض قدره لا يرتفع عمره. وروى «منهمو» أى من الأربعة. وروى «ومن يخفض» مبنيا للمجهول. وفي ذكر حصن وحابس بعد عيينة والأقرع: لف ونشر مرتب.
(٢). أخرجه مسلم من رواية عتبة بن رفاعة بن رافع عن رافع بن خديج قال «أعطى رسول الله ﷺ أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل.
وأعطي عباس بن مرداس دون ذلك. فقال عباس- فذكر الشعر. قال: فأتم له رسول الله ﷺ مائة» وأخرجه ابن إسحاق في المغازي حدثني عبد الله بن أبى بكر بن حزم وغيره- فذكر القصة وقال في آخرها:
ارهبوا فاقطعوا لسانه. فزادوه حتى رضى» وكذا ذكره موسى بن عقبة والواقدي وابن سعد وليس في شيء من طرقهم أن المخاطب بذلك كان أبا بكر
(٣). قوله «في بسط الأرزاق وقدرها» أى تضييقها. أفاده الصحاح. (ع)
ويحتمل أنه للإنكار، لكنه بعيد من الصحابي، أى: أتقسم نهى ونهب العبيد فرسي بين هذين، والحال أن أبويهما ما كانا يفوقان أبى مرداس بمنع الصرف للضرورة. وقد يروى «العبيد» مصغرا. ويروى بدله «جدي» وبروى «شيخي في مجمع» من مجامع الحرب، وأنا لست أقل من واحد منهما، فنحن سواء أصلا وفرعا، فكيف تفاوت بيننا الآن؟ مع أن من تخفض قدره لا يرتفع عمره. وروى «منهمو» أى من الأربعة. وروى «ومن يخفض» مبنيا للمجهول. وفي ذكر حصن وحابس بعد عيينة والأقرع: لف ونشر مرتب.
(٢). أخرجه مسلم من رواية عتبة بن رفاعة بن رافع عن رافع بن خديج قال «أعطى رسول الله ﷺ أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس كل إنسان منهم مائة من الإبل.
وأعطي عباس بن مرداس دون ذلك. فقال عباس- فذكر الشعر. قال: فأتم له رسول الله ﷺ مائة» وأخرجه ابن إسحاق في المغازي حدثني عبد الله بن أبى بكر بن حزم وغيره- فذكر القصة وقال في آخرها:
ارهبوا فاقطعوا لسانه. فزادوه حتى رضى» وكذا ذكره موسى بن عقبة والواقدي وابن سعد وليس في شيء من طرقهم أن المخاطب بذلك كان أبا بكر
(٣). قوله «في بسط الأرزاق وقدرها» أى تضييقها. أفاده الصحاح. (ع)
قتلهم أولادهم: هو وأدهم بناتهم «١»، كانوا يئدونهنّ خشية الفاقة وهي الاملاق، فنهاهم الله وضمن لهم أرزاقهم. وقرئ خَشْيَةَ بكسر الخاء. وقرئ خِطْأً وهو الإثم، يقال: خطئ خطأ، كاثم إثما، وخطأ وهو ضدّ الصواب، اسم من أخطأ. وقيل: هو والخطء كالحذر والحذر، وخطاء بالكسر والمدّ. وخطاء بالفتح والمد. وخطأ بالفتح والسكون. وعن الحسن: خطا بالفتح وحذف الهمزة كالخب. وعن أبى رجاء: بكسر الخاء غير مهموز.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٢]
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢)
فاحِشَةً قبيحة زائدة على حد القبح وَساءَ سَبِيلًا وبئس طريقا طريقه، وهو أن تغصب على غيرك امرأته أو أخته أو بنته من غير سبب، والسبب ممكن وهو الصهر الذي شرعه الله «٢».
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٣]
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣)
إِلَّا بِالْحَقِّ إلا بإحدى ثلاث: إلا بأن تكفر، أو تقتل مؤمنا عمدا، أو تزنى بعد إحصان. مَظْلُوماً غير راكب واحدة منهنّ لِوَلِيِّهِ الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه، فإن لم يكن له ولى فالسلطان وليه سُلْطاناً تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه. أو حجة يثب بها عليه فَلا يُسْرِفْ الضمير للولي. أى: فلا يقتل غير القاتل، ولا اثنين والقاتل واحد، كعادة الجاهلية: كان إذا قتل منهم واحد قتلوا به جماعة، حتى قال مهلهل حين قتل بجير بن الحارث بن عباد: بؤ بشسع نعل كليب «٣». وقال:
وكانوا يقتلون غير القاتل إذا لم يكن بواء. وقيل: الإسراف المثلة. وقرأ أبو مسلم صاحب الدولة: فلا يسرف، بالرفع على أنه خبر في معنى الأمر. وفيه مبالغة ليست في الأمر. وعن
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٢]
وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً (٣٢)
فاحِشَةً قبيحة زائدة على حد القبح وَساءَ سَبِيلًا وبئس طريقا طريقه، وهو أن تغصب على غيرك امرأته أو أخته أو بنته من غير سبب، والسبب ممكن وهو الصهر الذي شرعه الله «٢».
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٣]
وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (٣٣)
إِلَّا بِالْحَقِّ إلا بإحدى ثلاث: إلا بأن تكفر، أو تقتل مؤمنا عمدا، أو تزنى بعد إحصان. مَظْلُوماً غير راكب واحدة منهنّ لِوَلِيِّهِ الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه، فإن لم يكن له ولى فالسلطان وليه سُلْطاناً تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه. أو حجة يثب بها عليه فَلا يُسْرِفْ الضمير للولي. أى: فلا يقتل غير القاتل، ولا اثنين والقاتل واحد، كعادة الجاهلية: كان إذا قتل منهم واحد قتلوا به جماعة، حتى قال مهلهل حين قتل بجير بن الحارث بن عباد: بؤ بشسع نعل كليب «٣». وقال:
كُلُّ قَتِيلٍ فِى كُلَيْبٍ غُرَّهْ | حَتَّي يَنَالَ الْقَتْلُ آلَ مُرَّهْ «٤» |
(١). قوله «هو وأدهم بناتهم» وأد البنت: دفنها في القبر وهي حية، كما في الصحاح. (ع)
(٢). قوله «وهو الصهر الذي شرعه الله» أى التزوج. أفاده الصحاح. (ع)
(٣). قوله «بؤ بشع نعل كليب» في الصحاح يقال بؤ به أى كن ممن يقتل به وفيه البواء: السواء. وفيه الشسع: واحد شسوع النعل التي تشد إلى زمامها. وفيه الغرة: العبد أو الأمة. (ع)
(٤). الغرة: الرقيق، يعنى: كل قتيل قتلناه في هذه القبيلة ليس كفؤا لمن قتلوه منا، حتى يصل قتلنا آل مرة فهم كفؤه.
(٢). قوله «وهو الصهر الذي شرعه الله» أى التزوج. أفاده الصحاح. (ع)
(٣). قوله «بؤ بشع نعل كليب» في الصحاح يقال بؤ به أى كن ممن يقتل به وفيه البواء: السواء. وفيه الشسع: واحد شسوع النعل التي تشد إلى زمامها. وفيه الغرة: العبد أو الأمة. (ع)
(٤). الغرة: الرقيق، يعنى: كل قتيل قتلناه في هذه القبيلة ليس كفؤا لمن قتلوه منا، حتى يصل قتلنا آل مرة فهم كفؤه.
مجاهد: أنّ الضمير للقاتل الأوّل. وقرئ: فلا تسرف، على خطاب الولي أو قاتل المظلوم.
وفي قراءة أبىّ: فلا تسرفوا، ردّه على: ولا تقتلوا إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً الضمير إمّا للولي، يعنى حسبه أنّ الله قد نصره بأن أوجب له القصاص فلا يستزد على ذلك، وبأنّ الله قد نصره «١» بمعونة السلطان وبإظهار المؤمنين على استيفاء الحق، فلا يبغ ما وراء حقه. وإمّا للمظلوم، لأنّ الله ناصره وحيث أوجب القصاص بقتله، وينصره في الآخرة بالثواب. وإما للذي يقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله، فإنه منصور بإيجاب القصاص على المسرف.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٤]
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤)
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالخصلة أو الطريقة التي هي أحسن، وهي حفظه عليه وتثميره إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا أى مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به «٢». ويجوز أن يكون تخييلا، كأنه يقال للعهد: لم نكثت؟ وهلا وفي بك؟ تبكيتا للناكث، كما يقال للموءودة: بأى ذنب قتلت؟ ويجوز أن يراد أنّ صاحب العهد كان مسئولا.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٥]
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥)
وقرئ بِالْقِسْطاسِ بالضم والكسر، وهو القرسطون «٣». وقيل: كل ميزان صغر أو كبر من موازين الدراهم وغيرهما وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وأحسن عاقبة، وهو تفعيل، من آل إذا رجع، وهو ما يؤول إليه.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٦]
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)
وفي قراءة أبىّ: فلا تسرفوا، ردّه على: ولا تقتلوا إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً الضمير إمّا للولي، يعنى حسبه أنّ الله قد نصره بأن أوجب له القصاص فلا يستزد على ذلك، وبأنّ الله قد نصره «١» بمعونة السلطان وبإظهار المؤمنين على استيفاء الحق، فلا يبغ ما وراء حقه. وإمّا للمظلوم، لأنّ الله ناصره وحيث أوجب القصاص بقتله، وينصره في الآخرة بالثواب. وإما للذي يقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله، فإنه منصور بإيجاب القصاص على المسرف.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٤]
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤)
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالخصلة أو الطريقة التي هي أحسن، وهي حفظه عليه وتثميره إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا أى مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به «٢». ويجوز أن يكون تخييلا، كأنه يقال للعهد: لم نكثت؟ وهلا وفي بك؟ تبكيتا للناكث، كما يقال للموءودة: بأى ذنب قتلت؟ ويجوز أن يراد أنّ صاحب العهد كان مسئولا.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٥]
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥)
وقرئ بِالْقِسْطاسِ بالضم والكسر، وهو القرسطون «٣». وقيل: كل ميزان صغر أو كبر من موازين الدراهم وغيرهما وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وأحسن عاقبة، وهو تفعيل، من آل إذا رجع، وهو ما يؤول إليه.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٦]
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)
(١). قوله «وبأن الله قد نصره» لعله أو أن. (ع)
(٢). قال محمود: «أى يطلب من المعاهد أن يفي به ولا ينكثه... الخ» قال أحمد، كلام حسن إلا لفظة التخييل فقد تقدم إنكارها عليه، وينبغي أن يعوض بالتمثيل. والظاهر التأويل الأول، ويكون المجرور الذي هو «عنه» حذف تخفيفا، وقد ذكر في بقية الآي كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا والله أعلم. وبعضد تأويل سؤال العهد نفسه على وجه التمثيل وقوف الرحم بين يدي الله وسؤالها فيمن وصلها وقطعها. وقد ورد ذلك في الحديث الصحيح، والله الموفق. [.....]
(٣). قوله «بالقسطاس بالضم والكسر وهو القرسطون» أى القبان، كذا في النسفي. (ع)
(٢). قال محمود: «أى يطلب من المعاهد أن يفي به ولا ينكثه... الخ» قال أحمد، كلام حسن إلا لفظة التخييل فقد تقدم إنكارها عليه، وينبغي أن يعوض بالتمثيل. والظاهر التأويل الأول، ويكون المجرور الذي هو «عنه» حذف تخفيفا، وقد ذكر في بقية الآي كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا والله أعلم. وبعضد تأويل سؤال العهد نفسه على وجه التمثيل وقوف الرحم بين يدي الله وسؤالها فيمن وصلها وقطعها. وقد ورد ذلك في الحديث الصحيح، والله الموفق. [.....]
(٣). قوله «بالقسطاس بالضم والكسر وهو القرسطون» أى القبان، كذا في النسفي. (ع)
665
وَلا تَقْفُ ولا تتبع. وقرئ: ولا تقف، يقال: قفا أثره وقافه، ومنه: القافة، يعنى: ولا تكن في اتباعك ما لا علم لك به من قول أو فعل، كمن يتبع مسلكا لا يدرى أنه يوصله إلى مقصده فهو ضال. والمراد: النهى عن أن يقول الرجل ما لا يعلم، وأن يعمل بما لا يعلم، ويدخل فيه النهى عن التقليد دخولا ظاهرا. لأنه اتباع لما لا يعلم صحته من فساده. وعن ابن الحنفية: شهادة الزور وعن الحسن: لا تقف أخاك المسلم إذا مرّ بك، فتقول: هذا يفعل كذا، ورأيته يفعل، وسمعته، ولم تر ولو تسمع. وقيل: القفو شبيه بالعضيهة «١». ومنه الحديث «من قفى مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال «٢» حتى يأتى بالمخرج «٣» » وأنشد:
أى التقاذف. وقال الكميت:
وَمِثْلُ الدُّمى شُمُّ الْعَرَانِينِ سَاكِنٌ | بِهِنَّ الحَيَاءُ لَا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا «٤» |
وَلَا أرْمِى البَرِيَّ بِغَيْرِ ذَنْبٍ | وَلَا أَقْفُو الحَوَاصِنَ إنْ قُفِينَا «٥» |
(١). قوله «وقيل القفو شبيه بالعضيهة» في الصحاح العضيهة البهيتة، وهي الافك والبهتان. (ع)
(٢). قوله «حبسه الله في ردغة الخبال» في الصحاح الردغة- بالتحريك-: الماء والطين والوحل الشديد وكذلك الردغة بالتسكين. وفيه الخبال: العناء والفساد وأما الذي في الحديث من قفا مؤمنا بما ليس فيه وقفه الله تعالى في ردغة الخبال حتى يجيء بالمخرج منه، فيقال: هو صديد أهل النار.
(٣). لم أره بهذا اللفظ مرفوعا. وإنما ذكره أبو عبيد في الغريب من قول حسان بن عطية. فقال: حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعى عنه بهذا. وروى أحمد والطبراني من رواية معاذ بن أنس- رفعه «من قفا مؤمنا بما ليس فيه يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال» وفي مسند الشاميين للطبراني من طريق مطر الوراق عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر «من قذف مؤمنا أو مؤمنة حبس في ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج، وهو عند أبى داود من رواية يحيى بن راشد عن ابن عمر بلفظ «من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج. وهو يخرج مما قال» وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه «من قال في مؤمن ما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج».
(٤). يصف نساء بأنهن جميلات مثل الدمى، جمع دمية بالضم، وهو الصنم والصورة من العاج المرصعة بالجواهر والشم، جمع شماء كحمر وحمراء، والعرانين: الأنوف، أى مرتفعات الأنوف كناية عن شرفهن وارتفاع قدرهن.
أو كناية عن كونهن كرائم حرائر، لأن انخفاض الأنف خاص بالعبيد والماء. وشبههن بالبيوت. وشبه الحياء بقوم يسكنونها على طريق المكنية والسكنى تخييل لذلك، وهو كناية ومبالغة في ملازمة الحياء لهن، لا يشعن: أى لا يظهرن التقافى، أى المتابعة بالقذف، من قفوته إذا أتبعته بالغيبة. وفي إشاعته: كناية عن نفيه، لأنها لازمة له، حيث أنه لا يكون إلا بين اثنين فأكثر.
(٥). يقال: حصنت المرأة بالضم حصانة، فهي حاصن وحصناء وحصان. والحواصن: جمع حاصن: أى عفت فهي عفيفة، يقول: لا أتهم البريء بشيء زور، بل بذنب محقق. والظاهر أن هذا في معنى الاستثناء المنقطع، لأن البريء ما دام بريئا لا ذنب له، ولا أتبع العفائف وأتكلم فيهن بفحش ما دمن عفائف إن قفاهن الناس، فتكلموا فيهن فكيف إذا لم يتكلم فيهن أحد؟.
(٢). قوله «حبسه الله في ردغة الخبال» في الصحاح الردغة- بالتحريك-: الماء والطين والوحل الشديد وكذلك الردغة بالتسكين. وفيه الخبال: العناء والفساد وأما الذي في الحديث من قفا مؤمنا بما ليس فيه وقفه الله تعالى في ردغة الخبال حتى يجيء بالمخرج منه، فيقال: هو صديد أهل النار.
(٣). لم أره بهذا اللفظ مرفوعا. وإنما ذكره أبو عبيد في الغريب من قول حسان بن عطية. فقال: حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعى عنه بهذا. وروى أحمد والطبراني من رواية معاذ بن أنس- رفعه «من قفا مؤمنا بما ليس فيه يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال» وفي مسند الشاميين للطبراني من طريق مطر الوراق عن عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر «من قذف مؤمنا أو مؤمنة حبس في ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج، وهو عند أبى داود من رواية يحيى بن راشد عن ابن عمر بلفظ «من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج. وهو يخرج مما قال» وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه «من قال في مؤمن ما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج».
(٤). يصف نساء بأنهن جميلات مثل الدمى، جمع دمية بالضم، وهو الصنم والصورة من العاج المرصعة بالجواهر والشم، جمع شماء كحمر وحمراء، والعرانين: الأنوف، أى مرتفعات الأنوف كناية عن شرفهن وارتفاع قدرهن.
أو كناية عن كونهن كرائم حرائر، لأن انخفاض الأنف خاص بالعبيد والماء. وشبههن بالبيوت. وشبه الحياء بقوم يسكنونها على طريق المكنية والسكنى تخييل لذلك، وهو كناية ومبالغة في ملازمة الحياء لهن، لا يشعن: أى لا يظهرن التقافى، أى المتابعة بالقذف، من قفوته إذا أتبعته بالغيبة. وفي إشاعته: كناية عن نفيه، لأنها لازمة له، حيث أنه لا يكون إلا بين اثنين فأكثر.
(٥). يقال: حصنت المرأة بالضم حصانة، فهي حاصن وحصناء وحصان. والحواصن: جمع حاصن: أى عفت فهي عفيفة، يقول: لا أتهم البريء بشيء زور، بل بذنب محقق. والظاهر أن هذا في معنى الاستثناء المنقطع، لأن البريء ما دام بريئا لا ذنب له، ولا أتبع العفائف وأتكلم فيهن بفحش ما دمن عفائف إن قفاهن الناس، فتكلموا فيهن فكيف إذا لم يتكلم فيهن أحد؟.
666
وقد استدل به مبطل الاجتهاد ولم يصح، لأنّ ذلك نوع من العلم، فقد أقام الشرع غالب الظن مقام العلم، وأمر بالعمل به أُولئِكَ إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد، كقوله:
وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الأَيَّامِ «١»
وعَنْهُ في موضع الرفع بالفاعلية، أى: كل واحد منها كان مسئولا عنه، فمسئول: مسند إلى الجار والمجرور، كالمغضوب في قوله غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يقال للإنسان: لم سمعت ما لم يحل لك سماعه، ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه، ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه؟ وقرئ وَالْفُؤادَ بفتح الفاء والواو، قلبت الهمزة واوا بعد الضمة في الفؤاد، ثم استصحب القلب مع الفتح.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨)
مَرَحاً حال، أى: ذا مرح. وقرئ مَرَحاً وفضل الأخفش المصدر على اسم الفاعل لما فيه من التأكيد لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ لن تجعل فيها خرقا «٢» بدوسك لها وشدّة وطأتك.
وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الأَيَّامِ «١»
وعَنْهُ في موضع الرفع بالفاعلية، أى: كل واحد منها كان مسئولا عنه، فمسئول: مسند إلى الجار والمجرور، كالمغضوب في قوله غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يقال للإنسان: لم سمعت ما لم يحل لك سماعه، ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه، ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه؟ وقرئ وَالْفُؤادَ بفتح الفاء والواو، قلبت الهمزة واوا بعد الضمة في الفؤاد، ثم استصحب القلب مع الفتح.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨)
مَرَحاً حال، أى: ذا مرح. وقرئ مَرَحاً وفضل الأخفش المصدر على اسم الفاعل لما فيه من التأكيد لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ لن تجعل فيها خرقا «٢» بدوسك لها وشدّة وطأتك.
(١).
لجرير بن عطية يخاطب نفسه على طريق التجريد، يقول: لولا مراقبة النساء للعيون، أى الرقباء المتطلعين علينا، لبرزن لنا وأريننا عيونهن التي هي كعيون بقر الوحش، فمقل المها: استعارة مصرحة، وكذلك سوالف الآرام.
والسالفة: مقدم العنق وصفحته. والآرام: جمع رئم بالكسر والهمز، وهو الغزال الأبيض، وأصله «أرآم» بهمز ممدود بعد الراء وزن أحمال، فقلب إلى ما قبلها. ويجوز أنه جمع ريم بالفتح وهو الغزال الأبيض، فهمز وقلب. وهل بمعنى قد. أو للتقرير. أى: أنه ينهاك عنهن مقتلهن مرقشا العاشق المشهور. أو فعلهن بعروة العاشق أيضا. وذم: فعل أمر، كأنه نذكر محبوبته في تلك الديار وتلك الأيام، فقال: ذم المنازل كلها حال كونها بعد، أى: غير منزلة اللوى. أو بعد مجاوزتك منزلة اللوى بلازم. واللوى: موضع بعينه من الرمل الملتوى، وذم الحياة كلها بعد حياتنا في تلك الأيام، أو ذم مدة الحياة كلها بعد تلك الأيام السابقة، وأشار لها بما للعقلاء لعظمتها عنده، ولأن تخصصه بالعقلاء طارئ في الاستعمال كما قيل ويجوز أن بعد ظرف المنازل والعيش وبعض النحاة جعل «ذم» مبنيا للمجهول، وما بعده مرفوع به على النيابة.
(٢). قال محمود: «معناه لن تجعل فيها خرقا... الخ» قال أحمد: وفي هذا التهكم والتقريع لمن يعتاد هذه المشية كفاية في الانزجار عنها، ولقد حفظ الله عوام زماننا عن هذه المشية، وتورط فيها قراؤنا وفقهاؤنا، بينا أحدهم قد عرف مسألتين أو أجلس بين يديه طالبين، أو شدا طرفا من رياسة الدنيا، إذ هو يتبختر في مشيه ويترجع، ولا يرى أنه يطاول الجبال، ولكن يحك بيافوخه عنان السماء، كأنهم يمرون عليها وهم عنها معرضون، وماذا يفيده أن يقرأ القرآن أو يقرأ عليه، وقلبه عن تدبره على مراحل، والله ولى التوفيق.
لولا مراقبة العيون أريننا | مقل المها وسوالف الآرام |
هل ينهينك أن قتلن مرقشا | أو ما فعلن بعروة بن حزام |
ذم المنازل بعد منزلة اللوى | والعيش بعد أولئك الأيام |
والسالفة: مقدم العنق وصفحته. والآرام: جمع رئم بالكسر والهمز، وهو الغزال الأبيض، وأصله «أرآم» بهمز ممدود بعد الراء وزن أحمال، فقلب إلى ما قبلها. ويجوز أنه جمع ريم بالفتح وهو الغزال الأبيض، فهمز وقلب. وهل بمعنى قد. أو للتقرير. أى: أنه ينهاك عنهن مقتلهن مرقشا العاشق المشهور. أو فعلهن بعروة العاشق أيضا. وذم: فعل أمر، كأنه نذكر محبوبته في تلك الديار وتلك الأيام، فقال: ذم المنازل كلها حال كونها بعد، أى: غير منزلة اللوى. أو بعد مجاوزتك منزلة اللوى بلازم. واللوى: موضع بعينه من الرمل الملتوى، وذم الحياة كلها بعد حياتنا في تلك الأيام، أو ذم مدة الحياة كلها بعد تلك الأيام السابقة، وأشار لها بما للعقلاء لعظمتها عنده، ولأن تخصصه بالعقلاء طارئ في الاستعمال كما قيل ويجوز أن بعد ظرف المنازل والعيش وبعض النحاة جعل «ذم» مبنيا للمجهول، وما بعده مرفوع به على النيابة.
(٢). قال محمود: «معناه لن تجعل فيها خرقا... الخ» قال أحمد: وفي هذا التهكم والتقريع لمن يعتاد هذه المشية كفاية في الانزجار عنها، ولقد حفظ الله عوام زماننا عن هذه المشية، وتورط فيها قراؤنا وفقهاؤنا، بينا أحدهم قد عرف مسألتين أو أجلس بين يديه طالبين، أو شدا طرفا من رياسة الدنيا، إذ هو يتبختر في مشيه ويترجع، ولا يرى أنه يطاول الجبال، ولكن يحك بيافوخه عنان السماء، كأنهم يمرون عليها وهم عنها معرضون، وماذا يفيده أن يقرأ القرآن أو يقرأ عليه، وقلبه عن تدبره على مراحل، والله ولى التوفيق.
وقرئ. لن تخرق، بضم الراء وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا بتطاولك. وهو تهكم بالمختال. قرئ سيئة وسيئه، على إضافة سيئ إلى ضمير كل، وسيئا في بعض المصاحف. وسيئات. وفي قراءة أبى بكر الصديق رضى الله عنه: كان شأنه. فإن قلت: كيف قيل سيئه مع قوله مكروها؟ قلت:
السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات، فلا اعتبار بتأنيثه. ولا فرق بين من قرأ سيئة وسيئا. ألا تراك تقول: الزنا سيئة، كما تقول: السرقة سيئة، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث. فإن قلت: فما ذكر من الخصال بعضها سيئ وبعضها حسن، ولذلك قرأ من قرأ سَيِّئُهُ بالإضافة، فما وجه من قرأ سيئة؟ قلت: كل ذلك إحاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٩]
ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩)
ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من قوله لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إلى هذه الغاية. وسماه حكمة لأنه كلام محكم لا مدخل فيه للفساد بوجه. وعن ابن عباس: هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى، أوّلها، لا تجعل مع الله إلها آخر، قال الله تعالى وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وهي عشر آيات في التوراة. ولقد جعل الله فاتحتها وخاتمتها النهى عن الشرك، لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها، ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذ فيها الحكماء «١» وحك بيافوخه السماء، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم، وهم عن دين الله أضل من النعم.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٠]
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠)
أَفَأَصْفاكُمْ خطاب للذين قالوا «الملائكة بنات الله» والهمزة للإنكار. يعنى: أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون، لم يجعل فيهم نصيباً لنفسه، واتخذ أدونهم وهي البنات؟ وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب، ويكون أردأها وأدونها للسادات إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً بإضافتكم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام، ثم بأنكم تفضلون عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون، ثم بأن تجعلوا الملائكة وهم أعلى خلق الله وأشرفهم «٢» أدون
السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات، فلا اعتبار بتأنيثه. ولا فرق بين من قرأ سيئة وسيئا. ألا تراك تقول: الزنا سيئة، كما تقول: السرقة سيئة، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث. فإن قلت: فما ذكر من الخصال بعضها سيئ وبعضها حسن، ولذلك قرأ من قرأ سَيِّئُهُ بالإضافة، فما وجه من قرأ سيئة؟ قلت: كل ذلك إحاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٩]
ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩)
ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من قوله لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إلى هذه الغاية. وسماه حكمة لأنه كلام محكم لا مدخل فيه للفساد بوجه. وعن ابن عباس: هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى، أوّلها، لا تجعل مع الله إلها آخر، قال الله تعالى وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وهي عشر آيات في التوراة. ولقد جعل الله فاتحتها وخاتمتها النهى عن الشرك، لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها، ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذ فيها الحكماء «١» وحك بيافوخه السماء، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم، وهم عن دين الله أضل من النعم.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٠]
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠)
أَفَأَصْفاكُمْ خطاب للذين قالوا «الملائكة بنات الله» والهمزة للإنكار. يعنى: أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون، لم يجعل فيهم نصيباً لنفسه، واتخذ أدونهم وهي البنات؟ وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب، ويكون أردأها وأدونها للسادات إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً بإضافتكم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام، ثم بأنكم تفضلون عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون، ثم بأن تجعلوا الملائكة وهم أعلى خلق الله وأشرفهم «٢» أدون
(١). قوله «وإن بذ فيها الحكماء» في الصحاح «بذه» غلبه وفاقه. (ع)
(٢). قوله «وهم أعلى خلق الله وأشرفهم» هذا على مذهب المعتزلة. أما عند أهل السنة فبعض البشر أفضل من الملاك. (ع)
(٢). قوله «وهم أعلى خلق الله وأشرفهم» هذا على مذهب المعتزلة. أما عند أهل السنة فبعض البشر أفضل من الملاك. (ع)
خلق الله وهم الإناث.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤١]
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١)
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات، لأنه مما صرفه وكرّر ذكره، والمعنى: ولقد صرفنا القول في هذا المعنى. أو أوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير. ويجوز أن يشير بهذا القرآن إلى التنزيل ويريد. ولقد صرفناه، يعنى هذا المعنى في مواضع من التنزيل، فترك الضمير لأنه معلوم. وقرئ: صرفنا بالتخفيف وكذلك لِيَذَّكَّرُوا قرئ مشدّدا ومخففاً، أى: كررناه ليتعظوا ويعتبروا ويطمئنوا إلى ما يحتج به عليهم وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً عن الحق وقلة طمأنينة إليه. وعن سفيان: كان إذا قرأها قال. زادني لك خضوعا ما زاد أعداءك نفورا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣)
قرئ: كما تقولون، بالتاء والياء. وإِذاً دالة على أن ما بعدها وهو لَابْتَغَوْا جواب عن مقالة المشركين وجزاء ل «لو». ومعنى لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالبة، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض، كقوله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا وقيل: لتقرّبوا إليه، كقوله أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ. عُلُوًّا في معنى تعاليا. والمراد البراءة عن ذلك والنزاهة. ومعنى وصف العلوّ بالكبر: المبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوه به.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٤]
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤)
والمراد أنها تسبح له بلسان الحال «١»، حيث تدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته، فكأنها
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤١]
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١)
وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات، لأنه مما صرفه وكرّر ذكره، والمعنى: ولقد صرفنا القول في هذا المعنى. أو أوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير. ويجوز أن يشير بهذا القرآن إلى التنزيل ويريد. ولقد صرفناه، يعنى هذا المعنى في مواضع من التنزيل، فترك الضمير لأنه معلوم. وقرئ: صرفنا بالتخفيف وكذلك لِيَذَّكَّرُوا قرئ مشدّدا ومخففاً، أى: كررناه ليتعظوا ويعتبروا ويطمئنوا إلى ما يحتج به عليهم وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً عن الحق وقلة طمأنينة إليه. وعن سفيان: كان إذا قرأها قال. زادني لك خضوعا ما زاد أعداءك نفورا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً (٤٣)
قرئ: كما تقولون، بالتاء والياء. وإِذاً دالة على أن ما بعدها وهو لَابْتَغَوْا جواب عن مقالة المشركين وجزاء ل «لو». ومعنى لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالبة، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض، كقوله لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا وقيل: لتقرّبوا إليه، كقوله أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ. عُلُوًّا في معنى تعاليا. والمراد البراءة عن ذلك والنزاهة. ومعنى وصف العلوّ بالكبر: المبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوه به.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٤]
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤)
والمراد أنها تسبح له بلسان الحال «١»، حيث تدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته، فكأنها
(١). قال محمود: «المراد تسبيحها بلسان الحال من حيث تدل على الصانع... الخ» قال أحمد: ولقائل أن يقول: فما يصنع بقوله كانَ حَلِيماً غَفُوراً وهو لا يغفر للمشركين ولا يتجاوز عن جهلهم وكفرهم وإشراكهم، وإنما يخاطب بهاتين الصفتين المؤمنون، والظاهر أن المخاطب المؤمنون. وأما عدم فقهنا للتسبيح الصادر من الجمادات، فكأنه- والله أعلم- من عدم العمل بمقتضى ذلك، فان الإنسان لو تيقظ حق التيقظ إلى أن النملة والبعوضة وكل ذرة من ذرات الكون تسبح الله وتنزهه وتشهد بجلاله وكبريائه وقهره، وعمر خاطره بهذا الفهم، لكان ذلك يشغله عن القوت فضلا عن فضول الكلام والأفعال، والعاكف على الغيبة التي هي فاكهتنا في زماننا هذا، لو استشعر حال إفاضته فيها أن كل ذرة وجوهر من ذرات لسانه الذي يلقلقه في سخط الله تعالى عليه، مشغولة مملوءة بتقديس الله تعالى وتسبيحه وتخويف عقابه وإرهاب جبروته، وتيقظ لذلك حق التيقظ، لكاد أن لا يتكلم بقية عمره، فالظاهر والله أعلم أن الآية إنما وردت خطابا على الغالب في أحوال الغافلين وإن كانوا مؤمنين، والله الموفق.
فالحمد لله الذي كان حليما غفورا.
فالحمد لله الذي كان حليما غفورا.
تنطلق بذلك، وكأنها تنزه الله عز وجلّ مما لا يجوز عليه من الشركاء وغيرها. فإن قلت: فما تصنع بقوله وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ وهذا التسبيح مفقوه معلوم؟ قلت: الخطاب للمشركين، وهم وإن كانوا إذا سئلوا عن خالق السموات والأرض قالوا: الله، إلا أنهم لما جعلوا معه آلهة مع إقرارهم، فكأنهم لم ينظروا ولم يقرّوا، لأنّ نتيجة النظر الصحيح والإقرار الثابت خلاف ما كانوا عليه، فإذا لم يفقهوا التسبيح ولم يستوضحوا الدلالة على الخالق. فإن قلت: من فيهنّ يسبحون على الحقيقة وهم الملائكة «١» والثقلان، وقد عطفوا على السموات والأرض، فما وجهه؟ قلت: التسبيح المجازى حاصل في الجميع فوجب الحمل عليه، وإلا كانت الكلمة الواحدة في حالة واحدة محمولة على الحقيقة والمجاز إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً حين لا يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء نظركم وجهلكم بالتسبيح وشرككم.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨)
حِجاباً مَسْتُوراً ذا ستر كقولهم. سيل مفعهم ذو إفعام. وقيل: هو حجاب لا يرى فهو مستور. ويجوز أن يراد أنه حجاب من دونه حجاب أو حجب، فهو مستور بغيره. أو حجاب يستر أن يبصر، فكيف يبصر المحتجب به، وهذه حكاية لما كانوا يقولونه
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٥ الى ٤٨]
وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨)
حِجاباً مَسْتُوراً ذا ستر كقولهم. سيل مفعهم ذو إفعام. وقيل: هو حجاب لا يرى فهو مستور. ويجوز أن يراد أنه حجاب من دونه حجاب أو حجب، فهو مستور بغيره. أو حجاب يستر أن يبصر، فكيف يبصر المحتجب به، وهذه حكاية لما كانوا يقولونه
(١). عاد كلامه. قال: إن قلت «من فبهن يسبحون حقيقة وهم الملائكة... الخ» قال أحمد: وقد تقدم نقلى عنه أنه يأبى حمل اللفظ على حقيقته ومجازه دفعة واحدة عند آية السجدة في النحل، ولكن ظهر من كلامه ثم جعل السجود عبارة عن الانقياد وعدم الامتناع على القدرة، ليكون متناولا للمكلفين وغير المكلفين بطريق التواطؤ، وقد يكون أراد ثم المجاز، والله الموفق.
وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ كأنه قال: وإذا قرأت القرآن جعلنا على زعمهم أَنْ يَفْقَهُوهُ كراهة أن يفقهوه. أو لأنّ قوله وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً فيه معنى المنع من الفقه، فكأنه قيل: ومنعناهم أن يفقهوه. يقال: وحد يحد وحدا وحدة، نحو وعد يعدو عدا وعدة، ووَحْدَهُ من باب رجع عوده على بدئه، وافعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر سادّ مسدّ الحال، أصله: يحد وحده بمعنى واحدا، وحده. والنفور: مصدر بمعنى التولية. أو جمع نافر كقاعد وقعود، أى: يحبون أن تذكر معه آلهتهم لأنهم مشركون، فإذا سمعوا بالتوحيد نفروا بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ من الهزؤ بك وبالقرآن، ومن اللغو: كان يقوم عن يمينه إذا قرأ رجلان من عبد الدار، ورجلان منهم عن يساره، فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار. وبِهِ في موضع الحال كما تقول يستمعون بالهزؤ، أى هازئين. وإِذْ يَسْتَمِعُونَ نصب بأعلم، أى:
أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون وَإِذْ هُمْ نَجْوى وبما يتناجون به، إذ هم ذو ونجوى إِذْ يَقُولُ يدل من إذ هم مَسْحُوراً سحر فجنّ. وقيل: هو من السحر وهو الرئة، أى: هو يشر مثلكم ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون فَضَلُّوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه، فهو متحير في أمره لا يدرى ما يصنع.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٩ الى ٥١]
وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١)
لما قالوا: أئذا كنا عظاما قيل لهم كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً فردّ قوله: كونوا، على قولهم: كنا، كأنه قيل: كونوا حجارة أو حديدا ولا تكونوا عظاما، فإنه يقدر على إحيائكم والمعنى: أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم، ويردّه إلى حال الحياة وإلى رطوبة الحىّ وغضاضته بعد ما كنتم عظاما يابسة، مع أنّ العظام بعض أجزاء الحي، بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره، فليس ببدع أن يردّها الله بقدرته إلى حالتها الأولى، ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة ورطوبة الحىّ ومن جنس ما ركب منه البشر- وهو أن تكونوا حجارة يابسة أو حديدا مع أن طباعها الجسارة والصلابة- لكان قادرا على أن يردّكم إلى حال الحياة أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ يعنى أو خلقا مما يكبر عندكم عن قبول الحياة ويعظم في زعمكم على الخالق إحياؤه فإنه يحييه. وقيل: ما يكبر في صدورهم الموت. وقيل: السموات والأرض فَسَيُنْغِضُونَ
أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون وَإِذْ هُمْ نَجْوى وبما يتناجون به، إذ هم ذو ونجوى إِذْ يَقُولُ يدل من إذ هم مَسْحُوراً سحر فجنّ. وقيل: هو من السحر وهو الرئة، أى: هو يشر مثلكم ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون فَضَلُّوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه، فهو متحير في أمره لا يدرى ما يصنع.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٤٩ الى ٥١]
وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١)
لما قالوا: أئذا كنا عظاما قيل لهم كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً فردّ قوله: كونوا، على قولهم: كنا، كأنه قيل: كونوا حجارة أو حديدا ولا تكونوا عظاما، فإنه يقدر على إحيائكم والمعنى: أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم، ويردّه إلى حال الحياة وإلى رطوبة الحىّ وغضاضته بعد ما كنتم عظاما يابسة، مع أنّ العظام بعض أجزاء الحي، بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره، فليس ببدع أن يردّها الله بقدرته إلى حالتها الأولى، ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة ورطوبة الحىّ ومن جنس ما ركب منه البشر- وهو أن تكونوا حجارة يابسة أو حديدا مع أن طباعها الجسارة والصلابة- لكان قادرا على أن يردّكم إلى حال الحياة أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ يعنى أو خلقا مما يكبر عندكم عن قبول الحياة ويعظم في زعمكم على الخالق إحياؤه فإنه يحييه. وقيل: ما يكبر في صدورهم الموت. وقيل: السموات والأرض فَسَيُنْغِضُونَ
فسيحرّكونها نحوك تعجبا واستهزاء.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٢]
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢)
والدعاء والاستجابة كلامهما مجاز. والمعنى: يوم يبعثكم فتنبعثون مطاوعين منقادين لا تمتنعون. وقوله بِحَمْدِهِ حال منهم، أى حامدين، وهي مبالغة في انقيادهم للبعث، كقولك لمن تأمره بركوب ما يشقّ عليه فيتأبى ويتمنع، ستركبه وأنت حامد شاكر، يعنى: أنك تحمل عليه وتفسير قسرا حتى أنك تلين لين المسمح «١» الراغب فيه الحامد عليه، وعن سعيد بن جبير: ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك وَتَظُنُّونَ وترون الهول، فعنده تستقصرون مدّة لبثكم في الدنيا، وتحسبونها يوما أو بعض يوم. وعن قتادة: تحاقرت الدنيا في أنفسهم حين عاينوا الآخرة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤)
وَقُلْ لِعِبادِي وقل للمؤمنين يَقُولُوا للمشركين الكلمة الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وألين ولا يخاشنوهم، كقوله: وجادلهم بالتي هي أحسن. وفسر التي هي أحسن بقوله رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ يعنى يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها، ولا يقولوا لهم: إنكم من أهل النار وإنكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر. وقوله إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ اعتراض، يعنى يلقى بينهم الفساد ويغرى بعضهم على بعض ليقع بينهم المشارّة والمشاقة وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا أى ربا موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإسلام وتجبرهم عليه، وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالمداراة والاحتمال وترك المحاقة والمكاشفة، وذلك قبل نزول آية السيف. وقيل: نزلت في عمر رضى الله عنه: شتمه رجل فأمره الله بالعفو. وقيل: أفرط إيذاء المشركين للمسلمين، فشكوا إلى رسول الله ﷺ فنزلت. وقيل: الكلمة التي هي أحسن: أن يقولوا يهديكم الله، يرحمكم الله. وقرأ طلحة:
ينزغ، بالكسر وهما لغتان، نحو يعرشون ويعرشون.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٥]
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٢]
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢)
والدعاء والاستجابة كلامهما مجاز. والمعنى: يوم يبعثكم فتنبعثون مطاوعين منقادين لا تمتنعون. وقوله بِحَمْدِهِ حال منهم، أى حامدين، وهي مبالغة في انقيادهم للبعث، كقولك لمن تأمره بركوب ما يشقّ عليه فيتأبى ويتمنع، ستركبه وأنت حامد شاكر، يعنى: أنك تحمل عليه وتفسير قسرا حتى أنك تلين لين المسمح «١» الراغب فيه الحامد عليه، وعن سعيد بن جبير: ينفضون التراب عن رؤوسهم ويقولون: سبحانك اللهم وبحمدك وَتَظُنُّونَ وترون الهول، فعنده تستقصرون مدّة لبثكم في الدنيا، وتحسبونها يوما أو بعض يوم. وعن قتادة: تحاقرت الدنيا في أنفسهم حين عاينوا الآخرة.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤)
وَقُلْ لِعِبادِي وقل للمؤمنين يَقُولُوا للمشركين الكلمة الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وألين ولا يخاشنوهم، كقوله: وجادلهم بالتي هي أحسن. وفسر التي هي أحسن بقوله رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ يعنى يقولوا لهم هذه الكلمة ونحوها، ولا يقولوا لهم: إنكم من أهل النار وإنكم معذبون وما أشبه ذلك مما يغيظهم ويهيجهم على الشر. وقوله إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ اعتراض، يعنى يلقى بينهم الفساد ويغرى بعضهم على بعض ليقع بينهم المشارّة والمشاقة وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا أى ربا موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإسلام وتجبرهم عليه، وإنما أرسلناك بشيرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالمداراة والاحتمال وترك المحاقة والمكاشفة، وذلك قبل نزول آية السيف. وقيل: نزلت في عمر رضى الله عنه: شتمه رجل فأمره الله بالعفو. وقيل: أفرط إيذاء المشركين للمسلمين، فشكوا إلى رسول الله ﷺ فنزلت. وقيل: الكلمة التي هي أحسن: أن يقولوا يهديكم الله، يرحمكم الله. وقرأ طلحة:
ينزغ، بالكسر وهما لغتان، نحو يعرشون ويعرشون.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٥]
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)
(١). قوله «المسمح» في الصحاح «أسمحت قرونته» أى ذلت نفسه وتابعته على الأمر. (ع)
هو ردّ على أهل مكة في إنكارهم واستبعادهم أن يكون يتيم أبى طالب نبيا، وأن تكون العراة الجوّع أصحابه، كصهيب وبلال وخباب وغيرهم، دون أن يكون ذلك في بعض أكابرهم وصناديدهم، يعنى: وربك أعلم بمن في السموات والأرض وبأحوالهم ومقاديرهم وبما يستأهل كل واحد منهم. وقوله وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ إشارة إلى تفضيل رسول الله ﷺ وقوله وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً دلالة على وجه تفضيله، وهو أنه خاتم الأنبياء، وأن أمته خير الأمم، لأنّ ذلك مكتوب في زبور داود. قال الله تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ وهم محمد وأمته. فإن قلت: هلا عرّف الزبور كما عرّف في قوله وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ؟ قلت: يجوز أن يكون الزبور وزبور كالعباس وعباس، والفضل وفضل، وأن يريد: وآتينا داود بعض الزبر وهي الكتب، وأن يريد ما ذكر فيه رسول الله ﷺ من الزبور، فسمى ذلك زبورا، لأنه بعض الزبور، كما سمى بعض القرآن قرآنا.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧)
هم الملائكة. وقيل: عيسى ابن مريم، وعزير. وقيل نفر من الجن، عبدهم ناس من العرب ثم أسلم الجن ولم يشعروا، أى: ادعوهم فهم لا يستطيعون أن يكشفوا عنكم الضر من مرض أو فقر أو عذاب، ولا أن يحولوه من واحد إلى آخر أو يبدلوه. وأُولئِكَ مبتدأ، والَّذِينَ يَدْعُونَ صفته، ويَبْتَغُونَ خبره، يعنى: أن آلهتهم أولئك يبتغون الوسيلة وهي القربة إلى الله تعالى. وأَيُّهُمْ بدل من واو ببتغون، وأى موصولة، أى: يبتغى من هو أقرب منهم وأزلف الوسيلة إلى الله، فكيف بغير الأقرب. أو ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون، فكأنه قيل: يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله، وذلك بالطاعة وازدياد الخير والصلاح، ويرجون، ويخافون، كما غيرهم من عباد الله فكيف يزعمون أنهم آلهة؟ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ حقيقا بأن يحذره كل أحد من ملك مقرّب ونبىّ مرسل، فضلا عن غيرهم.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٨]
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨)
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧)
هم الملائكة. وقيل: عيسى ابن مريم، وعزير. وقيل نفر من الجن، عبدهم ناس من العرب ثم أسلم الجن ولم يشعروا، أى: ادعوهم فهم لا يستطيعون أن يكشفوا عنكم الضر من مرض أو فقر أو عذاب، ولا أن يحولوه من واحد إلى آخر أو يبدلوه. وأُولئِكَ مبتدأ، والَّذِينَ يَدْعُونَ صفته، ويَبْتَغُونَ خبره، يعنى: أن آلهتهم أولئك يبتغون الوسيلة وهي القربة إلى الله تعالى. وأَيُّهُمْ بدل من واو ببتغون، وأى موصولة، أى: يبتغى من هو أقرب منهم وأزلف الوسيلة إلى الله، فكيف بغير الأقرب. أو ضمن يبتغون الوسيلة معنى يحرصون، فكأنه قيل: يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله، وذلك بالطاعة وازدياد الخير والصلاح، ويرجون، ويخافون، كما غيرهم من عباد الله فكيف يزعمون أنهم آلهة؟ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ حقيقا بأن يحذره كل أحد من ملك مقرّب ونبىّ مرسل، فضلا عن غيرهم.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٨]
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨)
نَحْنُ مُهْلِكُوها بالموت والاستئصال أَوْ مُعَذِّبُوها بالقتل وأنواع العذاب. وقيل:
الهلاك للصالحة، والعذاب للطالحة. وعن مقاتل: وجدت في كتب الضحاك بن مزاحم في تفسيرها: أما مكة فيخربها الحبشة، وتهلك المدينة بالجوع، والبصرة بالغرق، والكوفة بالترك، والجبال بالصواعق والرواجف. وأما خراسان فعذابها ضروب، ثم ذكرها بلدا بلدا فِي الْكِتابِ في اللوح المحفوظ.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٩]
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩)
استعير المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة. و «أن» الأولى منصوبة والثانية مرفوعة، تقديره: وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين. والمراد: الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهبا ومن إحياء الموتى وغير ذلك: وعادة الله في الأمم أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها ثم لم يؤمن أن يعاجل بعذاب الاستئصال، فالمعنى: وما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم كعاد وثمود، وأنها لو أرسالات لكذبوا بها تكذيب أولئك وقالوا هذا سحر مبين كما يقولون في غيرها، واستوجبوا العذاب المستأصل. وقد عزمنا أن نؤخر أمر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة. ثم ذكر من تلك الآيات- التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسالات فأهلكوا- واحدة: وهي ناقة صالح، لأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم مُبْصِرَةً بينة. وقرئ: مبصرة، بفتح الميم فَظَلَمُوا بِها فكفروا بها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إن أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها إِلَّا تَخْوِيفاً من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدّمة له، فإن لم يخافوا وقع عليهم وإن أراد غيرها فالمعنى: وما نرسل ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلا تخويفا وإنذارا بعذاب الآخرة.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٠]
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠)
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ واذكر إذ أوحينا إليك أن ربك أحاط بقريش، يعنى: بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم. وذلك قوله سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ،
الهلاك للصالحة، والعذاب للطالحة. وعن مقاتل: وجدت في كتب الضحاك بن مزاحم في تفسيرها: أما مكة فيخربها الحبشة، وتهلك المدينة بالجوع، والبصرة بالغرق، والكوفة بالترك، والجبال بالصواعق والرواجف. وأما خراسان فعذابها ضروب، ثم ذكرها بلدا بلدا فِي الْكِتابِ في اللوح المحفوظ.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٥٩]
وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩)
استعير المنع لترك إرسال الآيات من أجل صارف الحكمة. و «أن» الأولى منصوبة والثانية مرفوعة، تقديره: وما منعنا إرسال الآيات إلا تكذيب الأولين. والمراد: الآيات التي اقترحتها قريش من قلب الصفا ذهبا ومن إحياء الموتى وغير ذلك: وعادة الله في الأمم أن من اقترح منهم آية فأجيب إليها ثم لم يؤمن أن يعاجل بعذاب الاستئصال، فالمعنى: وما صرفنا عن إرسال ما يقترحونه من الآيات إلا أن كذب بها الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم كعاد وثمود، وأنها لو أرسالات لكذبوا بها تكذيب أولئك وقالوا هذا سحر مبين كما يقولون في غيرها، واستوجبوا العذاب المستأصل. وقد عزمنا أن نؤخر أمر من بعثت إليهم إلى يوم القيامة. ثم ذكر من تلك الآيات- التي اقترحها الأولون ثم كذبوا بها لما أرسالات فأهلكوا- واحدة: وهي ناقة صالح، لأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم يبصرها صادرهم وواردهم مُبْصِرَةً بينة. وقرئ: مبصرة، بفتح الميم فَظَلَمُوا بِها فكفروا بها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إن أراد بها الآيات المقترحة فالمعنى لا نرسلها إِلَّا تَخْوِيفاً من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدّمة له، فإن لم يخافوا وقع عليهم وإن أراد غيرها فالمعنى: وما نرسل ما نرسل من الآيات كآيات القرآن وغيرها إلا تخويفا وإنذارا بعذاب الآخرة.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٠]
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠)
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ واذكر إذ أوحينا إليك أن ربك أحاط بقريش، يعنى: بشرناك بوقعة بدر وبالنصرة عليهم. وذلك قوله سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ،
674
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ وغير ذلك، فجعله كأن قد كان ووجد، فقال: أحاط بالناس على عادته في إخباره، وحين تزاحف الفريقان يوم بدر والنبي ﷺ في العريش مع أبى بكر رضى الله عنه كان يدعو ويقول: «اللهم إنى أسألك عهدك ووعدك» ثم خرج وعليه الدرع يحرض الناس ويقول «سيهزم الجمع ويولون الدبر» «١» ولعلّ الله تعالى أراه مصارعهم في منامه، فقد كان يقول حين ورد ماء بدر «والله لكأنى أنظر إلى مصارع القوم» «٢» وهو يومئ إلى الأرض ويقول: هذا مصرع فلان، هذا مصرع فلان، فتسامعت قريش بما أوحى إلى رسول الله ﷺ من أمر يوم بدر وما أرى في منامه من مصارعهم، فكانوا يضحكون ويستسخرون ويستعجلون به استهزاء وحين سمعوا بقوله: «إن شجرة الزقوم طعام الأثيم» «٣» جعلوها سخرية وقالوا: إن محمدا يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة، ثم يقول ينبت فيها الشجر. وما قدر الله حق قدره من قال ذلك، وما أنكروا أن يجعل الله الشجرة من جنس لا تأكله النار! فهذا وبر السمندل وهو دويبة ببلاد الترك تتخذ منه مناديل، إذا اتسخت طرحت في النار فذهب الوسخ وبقي المنديل سالما لا تعمل فيه النار. وترى النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد الحمر كالجمر بإحماء النار فلا تضرها، ثم أقرب من ذلك أنه خلق في كل شجرة نارا فلا تحرقها، فما أنكروا أن يخلق «٤» في النار شجرة لا تحرقها. والمعنى: أنّ الآيات إنما يرسل بها تخويفا للعباد، وهؤلاء قد خوفوا بعذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر. فما كان ما أَرَيْناكَ منه في منامك بعد الوحى إليك إِلَّا فِتْنَةً لهم حيث اتخذوه سخريا وخوّفوا بعذاب الآخرة وشجرة الزقوم فما أثر فيهم، ثم قال فيهم وَنُخَوِّفُهُمْ أى نخوفهم بمخاوف الدنيا والآخرة فَما يَزِيدُهُمْ التخويف إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً فكيف يخاف قوم هذه خالهم بإرسال ما يقترحون من الآيات. وقيل: الرؤيا هي الإسراء «٥»، وبه تعلق من يقول: كان الإسراء في
(١). لم أجده هكذا فأما أوله ففي البخاري عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ قال وهو في قبته يوم بدر: اللهم إنى أنشدك عهدك ووعدك اللهم إنى أنشدك عهدك ووعدك. اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم. فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبه. فخرج وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر» [.....]
(٢). أخرجه مسلم من حديث أنس قال قال رسول الله ﷺ «هذا مصرع فلان ويضع يده على الأرض هاهنا. قال: فما ماط أحد عن موضع يده،
(٣). قال محمود: «افتتانهم بالشجرة أنهم حين سمعوا بقوله، إن شجرة الزقوم... الخ» قال أحمد: والعمدة في ذلك أن النار لا تؤثر إحراقا في شيء، ولكن الله تعالى أجرى العادة أنه يخلق الحرق عند ملاقاة جسم النار لبعض الأجسام، فإذا كان ذلك من فعل الله لا من فعل النار فلله تعالى أن لا يفعل الحرق في الشجرة التي في أصل الجحيم.
(٤). قوله «فما أنكروا أن يخلق» عبارة النسفي: فجاز أن يخلق. (ع)
(٥). عاد كلامه. قال: «وأما الرؤيا فقيل الاسراء، وتعلق من جعله مناما بهذه الآية. وقيل: إنما سماها رؤيا على زعم المكذبين... الخ» قال أحمد: ويبعد ذلك قوله تعالى طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ وقوله فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها والله أعلم.
(٢). أخرجه مسلم من حديث أنس قال قال رسول الله ﷺ «هذا مصرع فلان ويضع يده على الأرض هاهنا. قال: فما ماط أحد عن موضع يده،
(٣). قال محمود: «افتتانهم بالشجرة أنهم حين سمعوا بقوله، إن شجرة الزقوم... الخ» قال أحمد: والعمدة في ذلك أن النار لا تؤثر إحراقا في شيء، ولكن الله تعالى أجرى العادة أنه يخلق الحرق عند ملاقاة جسم النار لبعض الأجسام، فإذا كان ذلك من فعل الله لا من فعل النار فلله تعالى أن لا يفعل الحرق في الشجرة التي في أصل الجحيم.
(٤). قوله «فما أنكروا أن يخلق» عبارة النسفي: فجاز أن يخلق. (ع)
(٥). عاد كلامه. قال: «وأما الرؤيا فقيل الاسراء، وتعلق من جعله مناما بهذه الآية. وقيل: إنما سماها رؤيا على زعم المكذبين... الخ» قال أحمد: ويبعد ذلك قوله تعالى طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ وقوله فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها والله أعلم.
675
المنام، ومن قال: كان في اليقظة، فسر الرؤيا بالرؤية. وقيل: إنما سماها رؤيا على قول المكذبين حيث قالوا له: لعلها رؤيا، رأيتها، وخيال خيل إليك، استبعاداً منهم، كما سمى أشياء بأساميها عند الكفرة، نحو قوله: فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ، أَيْنَ شُرَكائِيَ، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ وقيل: هي رؤياه أنه سيدخل مكة. وقيل: رأى في المنام أن ولد الحكم يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة. فإن قلت: أين لعنت شجرة الزقوم في القرآن؟ قلت: لعنت حيث لعن طاعموها من الكفرة والظلمة، لأنّ الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن على الحقيقة، وإنما وصفت بلعن أصحابها على المجاز. وقيل: وصفها الله باللعن، لأن اللعن الإبعاد من الرحمة، وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة. وقيل: تقول العرب لكل طعام مكروه ضار: ملعون، وسألت بعضهم فقال: نعم الطعام الملعون القشب الممحوق «١». وعن ابن عباس: هي الكشوث التي تتلوى بالشجر يجعل في الشراب. وقيل: أبو جهل. وقرئ: والشجرة الملعونة بالرفع، على أنها مبتدأ محذوف الخبر، كأنه قيل: والشجرة الملعونة في القرآن كذلك.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦١ الى ٦٥]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥)
طِيناً حال إما من الموصول والعامل فيه أسجد، على: أأسجد له وهو طين، أى أصله طين.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٦١ الى ٦٥]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥)
طِيناً حال إما من الموصول والعامل فيه أسجد، على: أأسجد له وهو طين، أى أصله طين.
(١). قوله «الطعام الملعون القشب الممحوق» الخلط الضار يمزج بالطعام أو الشراب كالسم. والممحوق المذاب حتى يذهب عينه. أفاده الصحاح. وفيه «الكشوث» نبت يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض، قال الشاعر: