ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١)اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ ولا يجوز في الكلام اقترب حسابهم للنّاس لئلا يتقدّم مضمر على المظهر لا يجوز أن ينوى به التأخير وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ابتداء وخبر، ويجوز النصب في غير القرآن على الحال. والمعنى: وهم في غفلة معرضون عن التأهب للحساب.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٢]
ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢)
ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ نعت لذكر، وأجاز الكسائي والفراء: محدثا بمعنى ما يأتيهم محدثا، وأجاز الفراء «١» رفع محدث على تأويل ذكر لأنك لو حذفت «من» رفعت ذكرا. إِلَّا اسْتَمَعُوهُ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٣]
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣)
لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ قال الكسائي: أي إلّا استمعوه لاهية قلوبهم، وأجاز الفراء «٢» أن يكون مخرّجا من المضمر الذي في يلعبون، وأجاز هو والكسائي لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ «٣» بالرفع بمعنى قلوبهم لاهية، وأجاز غيرهم الرفع على أن يكون خبرا بعد خبر أو على إضمار مبتدأ. وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ولم يقل: وأسرّ النجوى، والفعل متقدّم لأن الفعل إذا تقدّم الأسماء وحد، وإذا تأخّر ثنّي وجمع للضمير الذي فيه، فكيف جاء هذا
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ١٩٧.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ١٩٧، والبحر المحيط ٦/ ٢٧٥، وهي قراءة ابن أبي عبلة وعيسى.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٤]
قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤)
قل ربي وفي مصاحف أهل الكوفة قالَ رَبِّي «١» فقيل: إنّ القراءة الأولى أظهر وأولى لأنهم أسرّوا هذا القول فأظهر الله عليه نبيّه وأمره أن يقول لهم هذا. قال أبو جعفر: والقراءتان صحيحتان. وهما بمنزلة الآيتين، وفيهما من الفائدة أنه صلّى الله عليه وسلّم أمر وأنه قال كما أمر.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٥]
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥)
بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ قال أبو إسحاق: أي بل قالوا الذي يأتي به أضغاث أحلام، وقال غيره: هو أحلام اختلاط. والمعنى كالأحلام المختلطة فلما رأوا أن الأمر ليس كما قالوا انتقلوا عن ذلك فقالوا: بَلِ افْتَراهُ ثم انتقلوا عن ذلك فقالوا: بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ أي كما أرسل موسى صلّى الله عليه وسلّم بالعصا وغيرها من الآيات، وكان هذا منهم تعنّتا إذ كان الله جلّ وعزّ قد أعطاه من الآيات ما فيه كفاية، ويبيّن الله جلّ وعزّ أنّهم لو كانوا يؤمنون لأعطاهم ما سألوا كقوله: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال: ٢٣].
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٦]
ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦)
ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أي من أهل قرية و «من» زائدة للتوكيد.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩]
ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩)ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ أي بإنجائهم ونصرهم، وإهلاك مكذّبيهم.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠]
لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠)
فِيهِ ذِكْرُكُمْ رفع بالابتداء والجملة في موضع نصب لأنها نعت لكتاب ثم نبّههم بالاستفهام الذي معناه التوقيف فقال جلّ وعزّ: أَفَلا تَعْقِلُونَ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١١]
وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١)
وَكَمْ قَصَمْنا «كم» في موضع نصب بقصمنا مِنْ قَرْيَةٍ لو حذفت «من» لجاز الخفض لأن «كم» هاهنا للخبر، والعرب تقول: «كم قرية قد دخلتها». فتخفض. وفيه تقديران: أحدهما أن تكون «كم» بمنزلة ثلاثة من العدد، والفراء «١» يقول بإضمار «من» فإذا فرقت جاز الخفض والنصب، وأنشد النحويون: [السريع] ٣٠٠-
كم بجود مقرفا نال العلى | وكريما بخله قد وضعه «٢» |
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٤]
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤)
قالُوا يا وَيْلَنا نداء مضاف.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٥]
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥)
فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ «تلك» في موضع رفع إن جعلت دعواهم خبرا، وفي موضع نصب إن جعلت دعواهم الاسم.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٦]
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦)
أي: ما خلقنا السماء والأرض ليظلم الناس بعضا ويكفر بعضهم ويخالف بعضهم ما أمر به ثم يموتوا فلا يجازوا بأفعالهم، ولا يؤمروا في الدنيا بحسن، ولا ينهوا عن قبيح. وهذا اللعب المنفي عن الحكيم وضدّ الحكمة.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٧]
لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧)
لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا لأنهم نسبوا إلى الله جلّ وعزّ الولد، والصاحبة. فالمعنى: لو أردنا أن نتّخذ ولدا أو صاحبة لما اتّخذناه من البشر الذين
(٢) مرّ الشاهد رقم (٤٥).
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٨]
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨)
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ أي بالحجج والبراهين. عَلَى الْباطِلِ وهو قولهم فَإِذا هُوَ زاهِقٌ حكى أهل اللغة زهق يزهق زهقا وزهوقا إذا انكسر واضمحلّ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٢٠]
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ظرفان.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٢٢]
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢)
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا التقدير عند سيبويه والكسائي «غير الله» فلمّا جعلت إلّا في موضع غير أعرب الاسم الذي بعدها بإعراب غير، كما قال: [الوافر] ٣٠١-
وكل أخ مفارقه أخوه... لعمر أبيك إلّا الفرقدان «١»
وحكى سيبويه لو كان معنا رجل إلّا زيد لهلكنا، وقال الفراء «٢» : إلا هاهنا في موضع سوى، والمعنى: لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلهما، وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير لأن أحدهما إذا أراد شيئا وأراد الآخر ضدّه كان أحدهما عاجزا.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٢٤]
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)
وحكى أبو حاتم أنّ يحيى بن يعمر وطلحة قرأ: هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي «٣» فزعم أنه لا وجه لهذا. وقال أبو إسحاق في هذه القراءة: المعنى هذا ذكر مما أنزل إليّ ومما هو معي، وذكر ممّن قبلي، وقال غيره: التقدير فيها هذا ذكر ذكر من معي مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢]. وروي عن الحسن أنه قرأ: الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ «٤» بالرفع بمعنى هو الحقّ وهذا الحقّ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٢٦]
وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦)
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠٠.
(٣) انظر مختصر ابن خالويه ٩١.
(٤) انظر المحتسب ٢/ ٦١، ومختصر ابن خالويه ٩١.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٢٨]
يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨)
أي لا يفعلون شيئا إلا بإذنه ثم خبّر بحكمه جلّ وعزّ في كلّ أحد فقال:
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٢٩]
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩)
الكاف في موضع نصب.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٣٠]
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠)
قال الأخفش: قال: كانَتا لأنهما صنفان كما تقول العرب: هما لقاحان أسودان، وكما قال جلّ وعزّ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر: ٤١] قال أبو إسحاق: كانتا لأنه يعبّر عن السموات بلفظ الواحد بسماء ولأن السموات كانت سماء واحدة، وكذا الأرضون. قال: وقال: رتقا ولم يقل رتقين لأنه مصدر والمعنى: كانتا ذواتي رتق. قال أبو جعفر: وروي عن الحسن أنه قرأ كانَتا رَتْقاً «٢» قال عيسى: هو صواب وهي لغة. وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ نعت لشيء، وأجاز الفراء «٣» : كلّ شيء حيا بمعنى: وجعلنا كلّ شيء حيّا من الماء.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٣٢]
وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢)
وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً نعت لسقف، ولو كان محفوظة على أن يكون نعتا للسماء لجاز.
(٢) انظر المحتسب ٢/ ٧٦٢ ومختصر ابن خالويه ٩١، والبحر المحيط ٦/ ٢٨٧، وهي قراءة أبي حيوة وعيسى وزيد بن علي أيضا.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠١.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٣٣]
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)فيه من النحو أنه لم يقل: يسبحن ولا يسبح. ومذهب سيبويه «١» أنه لما خبّر بفعل من يعقل، وجعلهنّ في الطاعة بمنزلة من يعقل خبّر عنهن بالواو والنون، وقال الفراء: «٢» لمّا خبّر عنهنّ بأفعال الآدميين قال: يسبحون، وقال الكسائي يسبحون لأنه رأس آية، كما قال: نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ [القمر: ٤٤]، ولم يقل منتصرون.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٣٤]
وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤)
أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ جيء بالفاء التي في فهم عند الفراء «٣» لتدلّ على الشرط لأنه جواب قولهم: ستموت، ويجوز أن يكون جيء بها لأن التقدير فيها: أفهم الخالدون إن متّ. قال الفراء: ويجوز حذف الفاء واضمارها لأن هم لا يتبيّن فيها الإعراب، أو لأن المعنى أهم الخالدون إن مت.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٣٥]
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥)
وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً قال الكسائي: والمصدر بلاء.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٣٨]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨)
«متى» عند الكوفيين في موضع نصب وكذا الجواب عندهم في المعرفة إذا قيل:
متى وعدك قيل: يوم الجمعة فإن كان نكرة رفعت فقلت: موعدك يوم قريب، وكذا ظروف المكان، وحكى الفراء «٤» : اجتمع الجيشان فالمسلمون جانب والكفار جانب صاحبهم. الثاني منصوب لأنه معرفة والأول مرفوع لأنه نكرة فاعتل في النصب مع المعرفة لأن الخبر مسند إليها لأنها معرفة، فحسنت الصفة، وبنوا المسائل على هذا فتقول: عبد الله جانب المسجد، وزيد جانب منه. وأما البصريون فالرفع عندهم الوجه إذا كان الظرف متمكنا. قال سيبويه «٥» وتقول: موعدك غدوة وبكرة وموعدك بكرا لأن بكرا لا يتمكن. والدليل على صحة قول البصريين قراءة القراء، إلّا من شذّ منهم قال:
مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ [طه: ٥٩]. وحكى الفراء «٦» في النكرة: إنما البرد شهران، وإنما الصيف شهران، وزيد دون من الرجال، وهو دونك بالنصب في المعرفة.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٤٠]
بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠)
هُمْ في موضع رفع بالابتداء ولا تعمل إلا في معرفة. يُنْظَرُونَ في موضع الخبر.
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠١.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠٢.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠٣.
(٥) انظر الكتاب ١/ ٢٧٩.
(٦) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠٣. [.....]
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٢ الى ٤٥]
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥)قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ فإن خفّفت الهمزة جعلتها بين الهمزة والواو، ولهذا كتبت واوا وحكى الكسائي والفراء «١» في التخفيف وجهين آخرين: «قل من يكلوكم» بفتح اللام وإسكان الواو، وحكيا «من يكلاكم» قال: فأما «يكلاكم» فخطأ من جهتين إحداهما: أنّ بدل الهمزة إنما يجوز في الشعر، والجهة الأخرى: أنهما يقولان في الماضي: كليته فينقلب المعنى لأن المعنى كليته أوجعت كليته، ومن قال لرجل: كلأك الله، فقد دعا عليه بأن يصيبه الله بوجع في كليته، والدليل على هذا أنه لا يقال: رجل مكليّ إلّا من هذا، هكذا السماع، ولا نلتفت إلى سماع لا يصحّ. وأما يَكْلَؤُكُمْ فقد حكى مثله سيبويه «٢» في آخر الكلمة إنّ من العرب من يقول: هو الوثو «٣» فيبدل من الهمزة واوا حرصا على تبيينها، وفي الخفض من الوثي، وهو الكلو، ومن الكلي، وأخذت الكلا.
قال الفراء «٤» : ومن قال: يكلوهم قال في الماضي: كلات فيترك النبرة.
قرأ أبو عبد الرحمن السلمي ولا تسمع الصم الدعاء «٥» جعلهما مفعولين فردّ عليه بعض أهل اللغة وقال: كان يجب على قوله إذا ما تنذرهم. قال أبو جعفر: وذلك جائز لأنه قد عرف المعنى.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٤٧]
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)
مِثْقالَ حَبَّةٍ «٦» اسم كان ولا خبر لها لأنها بمعنى وقع، ويجوز النصب على أن تضمر فيها اسمها.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٤٨]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
وروي عن ابن عباس وعكرمة ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان ضياء «٧» بغير واو، وزعم الفراء «٨» أنّ حذف الواو والمجيء بها واحد، كما قال جلّ وعزّ:
(٢) انظر الكتاب ٤/ ٢٩٠.
(٣) الوثء: الوهن.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠٥.
(٥) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠٥.
(٦) انظر تيسير الداني ١٢٦.
(٧) انظر المحتسب ٢/ ٦٤.
(٨) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٠٥.
«وضياء» مثل فِيهِ هُدىً وَنُورٌ [المائدة: ٤٦]، وأجاز الفراء «١» وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ بمعنى أنزلناه مباركا.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٥١]
وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١)
وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مفعولان. قال الفراء: «رشده» هداه.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٥٢]
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢)
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ قال أبو إسحاق «إذ» في موضع نصب أي آتيناه رشده في ذلك الوقت.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٥٨]
فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨)
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ فجاء مذكّرا لأنهم جعلوا الأصنام بمنزلة ما يعقل في عبادتهم إياها إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ على الاستثناء.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٦٠]
قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠)
قال أبو إسحاق: إبراهيم، يرتفع من جهتين على معنى: هو إبراهيم والمعروف به إبراهيم، وعلى النداء. قال أبو جعفر: واسم ما لم يسمّ فاعله على مذهب الخليل رحمه الله وسيبويه له، كما تقول: سيريه. وعلى مذهب محمد بن يزيد اسم ما لم يسمّ فاعله مضمر أي يقال له القول واحتيج إلى الإضمار، لأن إبراهيم لا يجوز أن يكون اسم ما لم يسمّ فاعله بل ذلك محال على كل قول لأنه من قال: قلت زيدا منطلقا، على اللغة الشاذة لم يقل:
كلّمته فقلت له إبراهيم ولم يقل هذا إلّا بالرفع، وإن كانت تلك اللغة شاذة لا يتكلّم بها في كتاب الله عزّ وجلّ لشذوذها وخروجها على القياس، ولولا أنّ هذا القول لم يقله أحد من العلماء علمناه لزدنا في الشرح ولكن غنينا عن ذلك بما تقدّم وبما وصفناه، وأنه يلزم من رفع هذا على أنه اسم ما لم يسمّ فاعله أن يقول: قلت زيدا، كما أنه إذا قال: يضرب زيد قال: ضربت زيدا، ولا يقول أحد: قلت زيدا، ولا له معنى، ويلزمه أن يقرأ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ [الكهف: ٥] بالنصب، فإذا لزمه ما لا يقوله أحد استغنى عن الزيادة. ولو لم يكن في هذا إلّا أنّ النحويين يعلّمون المتعلّم أنّ ما بعد القول محكيّ، فيقولون: قلت له زيد خارج، وكذا قيل له، لا فرق بين الفعلين في الحكاية.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٦٧]
أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧)
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٧١]
وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١)
وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً عطف على الهاء. إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لأن الأرض مؤنّثة، فأما قول الشاعر: [المتقارب] ٣٠٢-
فلا مزنة ودقت ودقها | ولا أرض أبقل إبقالها «٢» |
«ولا أرض أبقلت إبقالها»
. كره تذكير الأرض. قال أبو جعفر:
وما في هذا ما ينكر لأنه تأنيث حقيقي. قال محمد بن يزيد: لو قلت: هدم دارك لجاز، والكوفيون يقولون: يجوز التذكير لأنه لا علاقة فيه للتأنيث.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٧٣]
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣)
الأصل أقوام فألقيت حركة الواو على القاف فانقلبت الواو ألفا وحذفت لالتقاء الساكنين، فإن أفردت ألحقت الهاء وقبح حذفها لأنها عوض مما حذف.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٧٤]
وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤)
وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً بمعنى: واذكر لوطا، أو معنى وآتينا لوطا وَنُوحاً.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٧٨]
وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨)
وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ بمعنى واذكروا. ولم ينصرف «داود» لأنه اسم عجميّ لا يحسن فيه الألف واللام، ولم ينصرف «سليمان» لأن في آخره ألفا ونونا زائدتين.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٧٩]
فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩)
فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ قال أبو إسحاق: أي ففهّمنا القصّة. وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ معطوف على الجبال، ويجوز أن يكون بمعنى مع الطير، كما تقول:
(٢) مرّ الشاهد رقم (١٥٢).
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨١]
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١)
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً معطوف أي وسخّرنا لسليمان الريح، وقرأ عبد الرحمن الأعرج ولسليمان الريح «١» بالرفع قطعه من الأول، ورفع بالابتداء، كما تقول:
أعطيت زيدا درهما ولعمر دينار.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨٢]
وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢)
مِنَ في موضع نصب إن نصبت الريح، ويجوز الرفع بالابتداء وإن رفعت الريح فمن في موضع رفع عطف عليها، وإن شئت بالابتداء أيضا. ويَغُوصُونَ على معنى «من»، ولو كان في غير القرآن لجاز يغوص على اللفظ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨٤]
فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ لأهل التفسير في معناه قولان عن مجاهد وعكرمة بإسنادين صحيحين قالا: قيل لأيوب صلّى الله عليه وسلّم، قد آتيناك أهلك في الجنّة، فإن شئت تركناهم لك في الآخرة، وإن شئت آتيناك هم في الدنيا. قال مجاهد: فتركهم الله جلّ وعزّ له في الجنّة وأعطاه مثلهم في الدنيا، وقال عكرمة: فاختار أن يكونوا له في الجنّة ويؤتي مثلهم في الدنيا، وقال الضحاك: قال عبد الله بن مسعود: كان أهل أيوب عليه السلام قد ماتوا إلّا امرأته فأحياهم الله جلّ وعزّ له وآتاه مثلهم معهم، وعن ابن عباس رحمة الله عليه قال: كان بنوه قد ماتوا، فأحيوا له وولد لهم مثلهم معهم.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨٥]
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥)
وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ بمعنى: واذكر كذا.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨٧]
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)
قال أبو جعفر: قد ذكرنا عن سعيد بن جبير أنه قال: مغاضبا لربه جلّ وعزّ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨٩]
وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩)
وَزَكَرِيَّا بمعنى واذكر.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٠]
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠)
وقد ذكرنا أنّ معنى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ أنها كانت سيئة الخلق، وقال سعيد بن جبير: إنها كانت لا تلد. قال أبو إسحاق: وَيَدْعُونَنا رَغَباً على أنه مصدر ورغبا بخلاف، ورغبا مثل بخلا.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩١]
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها في موضع نصب بمعنى واذكر وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ ولم يقل: آيتين. قال أبو إسحاق: لأن الآية فيهما واحدة لأنها ولدته من غير فحل. وعلى مذهب سيبويه أنّ التقدير: وجعلناها آية للعالمين، وجعلنا ابنها آية للعالمين ثم حذف، وعلى مذهب محمد بن يزيد أن المعنى وجعلناها آية للعالمين وابنها مثل وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة: ٦٢]. وفي قصة ذي النون حرف مشكل الإعراب على قراءة عاصم. وكذلك نجّي المؤمنين «٣» بنون واحدة لأنها في المصحف كذا. وتكلم النحويون في هذا فقال بعضهم: هو لحن لأنه نصب اسم ما لم يسم فاعله. وكان أبو إسحاق يذهب إلى هذا القول. وذهب الفراء «٤» وأبو عبيد إلى أنّ المعنى: وكذلك نجّي النجاء المؤمنين. قال أبو إسحاق: هذا خطأ لا يجوز ضرب زيدا. المعنى الضرب زيدا لأنه لا فائدة فيه إذ كان ضرب يدلّ على الضرب، ولأبي
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٣١١. [.....]
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢١٠، وكتاب السبعة لابن مجاهد.
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٢١٠.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٢]
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢)
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً على الحال. قال أبو إسحاق: أي إنّ هذه أمتكم في حال اجتماعها فإذا تفرّقت لم تدخل في ذلك. قال: ويجوز إنّ هذه أمتكم أمة واحدة، تجعل أمتكم بدلا من هذه، وفيه معنى التوكيد. قال أبو جعفر: وقرأ ابن أبي إسحاق وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً «١» «أمتكم» خبر إن «وأمة واحدة» خبر بعد خبر، وإن شئت على إضمار مبتدأ، وإن شئت على بدل النكرة من المعرفة.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٤]
فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤)
قال الكسائي: وفي حرف ابن مسعود فلا كفر لسعيه «٢» وكفر وكفران وكفور بمعنى واحد.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٥]
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥)
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ قراءة زيد بن ثابت وأهل المدينة، وعن علي وابن مسعود وابن عباس وحرم على قرية «٣»، وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ وحرم على قرية «٤» بفتح الحاء والميم وكسر الراء، وروي عنه بضمّ الراء وفتح الحاء والميم.
والآية مشكلة، وقد ذكرنا فيها أقوالا: فمن أحسن ما قيل فيه وأجلّه ما رواه ابن عيينة وابن عليّة وهشيم وابن إدريس ومحمد بن فضيل وسليمان بن حيّان ومعلّى عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رحمه الله في قوله جلّ وعزّ وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها قال: وجب أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ قال: لا يتوبون. قال أبو جعفر: واشتقاق هذا بيّن من اللغة. وشرحه أنّ معنى حرم الشيء حظر ومنع منه، كما أن معنى أحلّ
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٣١٣.
(٣) انظر المحتسب ٢/ ٦٥، والبحر المحيط ٦/ ٣١٣.
(٤) انظر المحتسب ٢/ ٦٥، والبحر المحيط ٦/ ٣١٣.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧)
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وقرأ عاصم والأعرج يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ «١» بالهمز. قال أبو إسحاق: هما مشتقّان من أجّة الحريق، ومن ملح أجاج. ولا يصرف، تجعلهما اسما للقبيلتين على فاعول ومفعول، ومن لم يهمز جعلهما أعجميين على قول أكثر النحويين. قال الأخفش: يأجوج: من يججت، ومأجوج:
من مججت. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ قال: من كل شرف يقبلون. والتقدير في العربية: حتّى إذا فتح سدّ يأجوج ومأجوج، مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢]. فأما جواب إذا ففيه ثلاثة أقوال: قال الكسائي والفراء: حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ والواو عندهما زائدة، وأنشد الفراء: [الطويل] ٣٠٣-
فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى | بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل «٢» |
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٨]
إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨)
المعنى إنكم والأوثان التي تعبدونها من دون الله. ولا يدخل في هذا عيسى صلّى الله عليه وسلّم، ولا عزير، ولا الملائكة لأن «ما» لغير الآدميين. والمعنى: لأن أوثانهم تدخل معهم
(٢) الشاهد لامرئ القيس في ديوانه ١٥، وأدب الكاتب ٣٥٣، والأزهية ٢٣٤، وخزانة الأدب ١١/ ٤٣، ولسان العرب (جوز)، وتاج العروس (عقل)، والمنصف ٣/ ٤١، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٢٥.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٩٩]
لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩)
وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ ابتداء وخبر، ويجوز نصب خالدين في غير القرآن.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٠]
لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠)
قيل: في الكلام حذف، والمعنى- والله أعلم- وهم فيها لا يسمعون شيئا يسرّهم لأنهم صمّ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠١]
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١)
إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى قيل: يعني بها الجنة، وقيل: يعني بها الوعد.
أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ابتداء وخبر في موضع خبر إن.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٢]
لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢)
لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها قال أبو عثمان النهدي: على الصراط حيّات تلسع أهل النار فيقولون: حسّ حسّ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٣]
لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)
لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ على لغة من قال: حزن يحزن، وهي أفصح اللغتين، وبها قرأ الكوفيون في جميع القرآن وقرأ ابن محيصن بلغة من قال: أحزن يحزن في جميع القرآن، وبها قرأ نافع إلّا في هذا الحرف، وبها قرأ أبو جعفر في هذا الحرف خاصة، وقرأ كل ما في القرآن من نظائرها على لغة من قال حزن يحزن.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٤]
يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤)
كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ قال سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عن عبد الله بن مسعود قال: يرسل الله ماءا من تحت العرش كمنيّ الرجال فتنبت منه لحما منهم وجسمانهم كما تنبت الأرض بالثرى، وقرأ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ. قال أبو جعفر: في قوله جلّ وعزّ: وَعْداً عَلَيْنا حذف والمعنى- والله أعلم- علينا إنجازه والوفاء به ثم أكّد ذلك بقوله جلّ وعزّ إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ قال أبو إسحاق: معنى إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ إنّا كنا قادرين على فعل ما نشاء.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٥]
وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ والزبور والكتاب واحد، فلذلك جاز أن يقال للتوراة والإنجيل: زبور، من زبرت أي كتبت، وجمعه زبر، ومن قال: زبور جعله جمع زبر أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ أحسن ما قيل فيه أنه يراد بها أرض الجنة لأن الأرض التي في الدنيا قد ورثها الصالحون وغيرهم.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٦]
إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦)
قال سفيان: بلغني أنهم أهل الصلوات الخمس.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٧]
وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧)
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان محمد عليه السلام رحمة لجميع الناس فمن آمن به وصدّق به سعد ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الأمم من الخسف والغرق.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٨]
قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨)
يجوز أن يكون «إنّما» بالكسر لأن معنى يوحى إلىّ: يقال إليّ.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١٠٩]
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩)
وَإِنْ أَدْرِي بمعنى ما أدري، وأدري في موضع رفع لأنه فعل مستقبل لم يقع عليه ناصب ولا جازم، وحذفت الضمة من الياء لثقل الضمة فيها. أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ قيل: يعني القيامة.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١١١]
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١)
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ قيل: يعني وما أدري لعلّ الإمهال فتنة لكم أي اختبار وتشديد في العبادة. وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ إلى انقضاء المدة.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ١١٢]
قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢)
قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ «١» في موضع نصب لأنه نداء مضاف، ومن قرأ أحكم بالحقّ «٢» فهو ابتداء وخبر، وعن أبي جعفر أنه قرأ ربّ احكم بالحقّ «٣» وهذا عند النحويين لحن. لا يجوز عندهم: رجل أقبل، حتّى تقول: يا رجل، أو ما أشبهه:
وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ أي على ما تصفونه من الكفر.
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٣١٩، ومختصر ابن خالويه ٩٣.
(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ٣١٩، ومختصر ابن خالويه ٩٣.